الحرب على داعش... و النتيجة...؟ دواعش!/ جورج هاشم

اميركا نزلت الى المعركة... أبشر يا عراق! أبشري سوريا... فداعش باقية، باقية... وُلِدت لتبقى. حتى ولو تكتل ضدها مئة دولة ودولة. ليس لانها قوية الى هذا الحد، بل لان التكتل يستعمل اطناناً من الكذب والخداع. أميركا، زعيمة العالم، تكذب عليكم وعلينا... أتتذكرون حربها على القاعدة؟ ماذا كانت النتيجة؟ قواعد... أميركا هي التي خلقت القاعدة. أطلقتها في افغانستان. ثم... شنّت الحرب عليها. لاحقت زعيمها الذي صنعته وقتلته في الباكستان. ولكن هل فعلاً انتصرت على القاعدة؟ او هل فعلاً كانت تنوي القضاء عليها؟ اميركا لا تمزح يا جماعة. ولا تتسلى. فان كانت تريد القضاء على القاعدة فلماذا خلقتها أصلاً؟ للقاعدة دور لم ينته بعد... القاعدة اصبحت قواعد. لها فروع في معظم دول العالم: فمن بوكو حرام الى النصرة، الى جند الشام، الى جماعة نيسابور، الى ابو سيّاف، الى الجماعة الاسلامية، الى داعش، الى بيت المقدس، الى كل الحركات الجهادية التكفيرية التي بايعت القاعدة... هددت مصالح الكثيرين الا مصالح اسرائيل. ألا يشير هذا، بحد ذاته، الى الاسياد الفعليين؟ 
فما الجديد اذن في حرب اميركا على داعش؟ ولماذا ستكون النتائج مختلفة؟ فمعظم التقارير تقول ان داعش هي ابنة غير شرعية  من نكاح جهاد مستمر بين المخابرات الاميركية والمخابرات الاسرائيلية. ولدت وترعرعت في أحضان غوانتنمو الدافئة. واطلقتها المخابرات الامريكية لتفعل ما تفعله اليوم بالتمام... فبفضل الجهد الاميركي الدؤوب، وتحت رعاية السياسة الامريكية الساهرة، وبفضل سياسات الحزبين الرئيسيين، تحول العراق الى مركز توتر عالٍ بين المذاهب والاعراق... لم تكتفِ بالدمار الشامل الذي حلّ به بل جنّدت نخبة من مفكريها ومحللليها ومخططيها الاستراتيجيين ليفلتوا شيطان المذهبية والعرقية، الموجود اصلاً، والمحتضن من كل الانظمة الدكتاتورية في المنطقة، والتي باركتها ورعتها اميركا، ليفلتوا هذا الشيطان يعيث بغضاً وحقداً ودماراً وآثاراً لا تزول... يكفي لابقاء الصراع الشيعي السني، وكل الصراعات المذهبية، والصراع العرقي، على نار حامية لعقود طويلة قادمة...
لقد عملت اميركا جاهدة، خلال السبعين سنة الماضية على الاقل، للحلول محل الاستعمار القديم في العالم. ولتستطيع فعل ذلك اعطت اروع صورة عن الداخل الاميركي: رخاء، حرية، تقدم، ديموقراطية، حريات شخصية، ضمانات، حقوق انسان... لتجذبنا الى المثال الاميركي مخبئة تحت البساط، كل انواع التمييز والاستغلال والفقر...اما في الخارج فاطلقت لشهيتها ولمخابراتها العنان: انقلابات عسكرية، دعم دكتاتوريات، خنق حركات تحرر، سيطرة على الموارد الطبيعية، شركات عابرة وآكلة قارات، اغتيالات، قتل وتفجيرو تهريب ودعم انظمة القهر والجهل والتخلف حول العالم... أي بالاختصار أمَّنت الحاضنة المثالية لنشوء هذه الحركات الجهادية التكفيرية لترسِّخ  وتعمم التخلف وتضمن استمراره لاطول مدة ممكنة... وللاسف توفقت في ذلك... واليوم أتت لتوهمنا انها ستحارب داعش. نعم ستحاربها لتخلق دواعش كما فعلت مع القاعدة...
كان سفير اميركا في بيروت، يحاضر مؤخراً في الجامعة اللبنانية الاميركية حول دور بلاده في الشرق الاوسط. سأله احد الحاضرين: كيف يرى مستقبل المنطقة بعد عشرين سنة؟ ضحك السفير وقال بخبث دبلوماسي: طبعاً لا تتوقع مني ان اسحب خارطة الشرق الاوسط الجديد من جيبي واعرضها عليك... وانا، رغم اني لم ارَ خارطة السفير، الا اني على ثقة ان هذا السفير، واسياده، يحتفظون بخارطة طريق لهذا الشرق التعيس. يسحبونها من جيبهم، بين الحين والحين، يراجعون خيوطها العريضة... ويبتسمون...
ولكنها في طلعات جوية دائمة، مع حلفائها، تضرب الداعشيين وتقتل منهم الكثيرين...؟ صحيح. ولكنها طلعات مدفوعة الثمن وباسعار خيالية. يسدد معظم ثمنها الغباء النفطي من اموالنا ومواردنا...وقتل الداعشيين مطلوب ايضاً لخلق المزيد من الداعشيين...
ولكنها تخسر مواطنين امريكيين وحلفاء تذبحهم داعش بشكل بربري...؟ صحيح. وربما هذا مطلوب ايضاً. فما أهمية اثنين او عشرين او مئة يُذبحون اذا كان الثمن لصالح ما يخططون؟ فذبح بعض الاشخاص بهذه البربرية يثبت الحقد ويكرّسه. ويضفي معنويات على اتباع الداعشيين فيزداد الاستقطاب والاستقطاب المضاد... ومن جهة اخرى يهيِّج الرأي العام ويجعله مطيعاً أكثر لاستمرار الضربات وتكثيفها... وبالطبع زيادة الاموال الصعبة المدفوعة ثمناً لهذه الضربات... وماذا عن انحسار رقعة دولة الخلافة الاسلامية على الارض نتيجة مباشرة لهذه الضربات ونتيجة الدعم للقوى المحلية لتقف بوجه داعش؟ هنا بيت القصيد. فدولة الخلافة الاسلامية لها ايضاً حدودها المعترف ضمنياً بها. ولكن  يجب ان تبقى ضمن هذه الحدود ولا تتعداها. ليس مسموحاً لها ان تقضم من حدود هذه الدويلة قيد التشكل او تلك... اما دعم دويلات الامر الواقع لتقف بوجه داعش فهذا بحساب: من جهة لتبقي على توازن القوى الى ما شاء الله. ولنبقي الصراع مفتوحاً على الافق البعيد دون تمكين اي طرف من الاطراف من حسم المعركة بشكل كامل... ولتبقى كل هذه الدويلات، بما فيها داعش، بحاجة الى السلاح الدائم لمحاربة الخطر الآتي من خلف الحدود القريبة... حتى لو زالت حدود داعش فستبقى، فكراً وممارسة، منتشرة في كل الدويلات... 
وهل من مصلحة اميركا زرع المنطقة بدويلات مذهبية او عرقية؟ وماذا كانت تفعل اميركا غير ذلك؟ هذا ما فعلته وتفعله وستفعله طالما الجهل والفقر والدكتاتورية ( الامنية و الدينية) سيدة المنطقة دون منازع...
اذن كيف نحارب داعش؟ محاربة داعش تتم على مستويين: على المدى القصير بدعم الحكومة العراقية المركزية حليفة اميركا ان لم اقل صنيعتها. فلماذا لا تمدّونها باسباب القوة؟ وقوّتها قبل المعدات العسكرية والتجهيزات والخبراء... قوتها ان تعدل بين قومها لتكسب تأييد الجميع... ولا حاجة، إن فعلتم، لكل اساطيلكم وطائراتكم وطلعاتكم... اما على المدى الطويل فداعش ليست ضمن حدود دولة الخلافة الاسلامية فقط. داعش، بفكرها الذي يلغي الآخر، موجودة في كل المنطقة العربية. محاربتها للاسف طويلة الامد جداً. فعندما نحارب كل الاسباب المحلية التي ادت الى ظهور الفكر الداعشي من جهل وفقر وتخلف و...  و انظمة استبدادية امنية ودينية. وعندما يصبح لدينا امم متحدة تتصرف حسب مصلحة الشعوب وليس حسب مصلحة حفنة من الدول وفي طليعتها اميركا... عندها يمكننا القول انه بامكاننا محاربة داعش او اي شكل من اشكالها... والمستويان ليسا لصالح اميركا... اذن فليستمر القصف...
هل هو منطق المؤامرة؟ أبداً. انه منطق التخطيط والتنفيذ ومنطق قراءة الوقائع على الارض... حارب التحالف، بقيادة اميركا، القاعدة فتولدت قواعد... واليوم يحارب التحالف ابنة القاعدة الرضية، داعش... فترقبوا دواعش...

CONVERSATION

0 comments: