التجاربُ كالمِسَنّ/ المحامي جواد بولس

- كفرياسيف

أربعة مقاعد هي حصة المحامين العرب في انتخابات نقابتهم في لواء القدس. نصرٌ أفرح الزميلات والزملاء بفرح أبيض، حقيقيّ بامتياز، ومجرد من أي شائبة شخصية.
عمليًا، استطاع المحامون العرب في هذه الدورة مضاعفة تمثيلهم. في الدورة السابقة، قبل أربعة أعوام، نجحنا بإدخال عضوين عن القائمة العربية، بينما نجحنا في هذه الدورة بإدخال ثلاثة أعضاء عن القائمة العربية، قائمة نزاهة المهنة وحقوق الإنسان، وكذلك أدخلنا زميلًا رابعًا من خلال ترشحه في قائمة رئيس لجنة لواء القدس، الذي قمنا بدعمه وإنجاحه لهذا المنصب.
ما جرى في القدس هو درس وعبرة. تجربة يجب أن تحتذى ومثال يؤكد أنّ الفرقة السائدة في بعض الأماكن وفي بعض "المعارك" النقابية أو المهنية هي "جريمة" بفعل فاعل، ومن الممكن والسهل تفادي وقوعها أو على الأقل الحد من أضرارها.
بدأت الحكاية قبل أربعة أعوام. عندما اقترب موعد انتخابات نقابة المحامين تهافتت "تحرّشات" المتنافسين على بعضنا، وفُعّلت ضغوطاتهم، وكلها كانت، طبعًا، على أسس العلاقة الشخصية والمعرفة والمصلحة كذلك.
كنّا ثلاثة، تجمعنا صداقة قوية وغريزة "المغامرة" المحسوبة. لم ننتم إلى حزب واحد ولا "رياحين" على دين "قيس" حيث مال تميل! بيننا اشتعلت الفكرة وضغط التساؤل، لماذا لا نخوض الانتخابات ككتلة واحدة؟ ماذا يمنعنا من أن نتَّحد وندعو جميع الزميلات والزملاء إلى خوض التجربة وقبول التحدي وعبور الامتحان؟. بعد الفحص تبيّن أن أعداد المحامين العرب المسجلين أعضاءً في لواء القدس تكفي، في حالة توحدهم، لإنجاح عضوين للجنة اللواء. كذلك تبيّن أن جاهزية الزميلات والزملاء عالية وأن استعدادهم لخوض "المعركة" لا شكّ فيه، ما دامت هذه ستضمن للجميع "لم الشمل" وتوحد الكلمة وتؤطر العزائم من أجل تمثيل موحد وانتماء واضح يصون الكرامة وحقوقنا المهنية وأبعد، لا سيّما في لواء القدس حيث الأجواء السائدة في المدينة ومحيطها لا تخفى على أحد.
من البداية أعلنّا أننا كمبادرين لهذه الفكرة لن نرشح أنفسنا. كذلك أكدّنا أننا نعمل بشكل مستقل بعيد عن أيّ خلفية سياسية عُرفت عنّا ولصقت بنا، موحدين بالفكرة والحلم، أحرارًا إلّا من عزيمة واضحة لخوض المعركة وعبورها بسلامة ونصر. هكذا انطلقنا وانطلق معنا عشرات الزملاء والزميلات. كلهم ذوو مبادئ وانتماءات وطنية، وبعضهم ينتمي إلى أحزاب مختلفة، لكنهم سخَّروا هذا من أجل وحدة حقيقية في ميدان لن يعرقل تحقيق الوحدة فيه إلّا من شابه خلل أو تغليب لمصلحة شخصية على مصلحة العامة والقضية.
في مثل هذه الأجواء لن يتزاحم أحد في القمة. الجميع عمل من أجل إنجاح القائمة ومرشحيها، وأولئك اختيروا بالإجماع في اجتماع حضره العشرات من المحامين. لم يسأل أحد عن انتماء هذا المرشح الحزبي ولا عن دين ذاك أو بلده. شرط الانتماء الوطني كان بديهيّا وبعده كل المعايير سُخّرت من أجل إنجاح التجربة وتحقيق ذواتنا أمام "خصوم" راهنت على فشلنا وشكّكت بإمكانية عرب أن يتوحَّدوا!
خضنا المعركة بإصرار نملة وجهد نحلة. نجحنا بإيصال عضوين أصبحا جزءًا من مشهدية لم تألَف، لعقود، تمازجَ الألوان ولا مثلَ هذه المشاركة.
هكذا كان وعلى هذا بقينا. لم نتأثر مما جرى في ألوية أخرى، حيث أنشب "زيد" نابه على "عمرو" وحلّق الإخوة أعداءً في فضاءات ملأى بالنسور والكواسر. لم نتأثر ومرة أخرى تنادينا. قمنا بتقييم تجربتنا ووجدنا أن ميزاتها ومميزاتها أكثر من سلبياتها التي اقتصرت على ضعف التواصل بيننا خلال الأربعة أعوام. إلى هذا وجدنا أن وحدتنا وفرضنا على الخصوم قبل الحلفاء وواجب احترامنا وسماع صوتنا وكلمتنا، أغلى وأهم من أيّ تقصير علينا تفادي تكراره في هذه الدورة.
هنيئا لك يا قدس بهذه الهمم والهامات. لا شيء مستحيلًا. لست ساذجًا ولكن تعالوا وشاهدوا كيف يمكن "لجبهوي" أن يتوحد مع "تجمعي" وكلاهما مع "تغييري" "وإسلامي" ولا حزبي و... وبهذه الوحدة ينجحون في مدينة تنضح عنصرية وكراهية ويفوزون بأربعة مقاعد ويتحولون إلى قائمة كبرى ذات وزن واحترام وتأثير فعليّ وثمين. والأهم من كل ذلك، أنها معركة لم تترك بيننا جرحى ولا أسالت لعاب أحدهم ولا دمه. معركة نقابية. مبادرون خالون من شهوة أو غرض فلا مصلحة شخصية لهم. وعي بتفويق المصلحة العامة على أية فئوية، لا سيّما الحزبية. استعداد لتضحية محمولة وموزونة، مردودها يفوق مقدارها بأضعاف. تحديد معالم المعركة وأهدافها المرجوة. وضوح معايير التخاصم والاستعداء وأولويات التحالف والاستعداء. كل هذه الاعتبارات كانت موجودة وناقشناها بشفافية وصراحة ونضوج.
إن هذه التجربة، على محدوديتها، تبقى جديرةً بالدراسة والاقتداء. وقد قالت العرب أن النظر كالسيف وأن التجارب كالمسن. ودرسُنا، أيّها القارئ، أن الأهم الأهم هو من يقيّم ومن يناقش ومن يتدارس. القضية هي من هم "القادة" وهل يكونون، أحيانًا، على استعداد لأن يكونوا "قادة" ويتنازلوا عن الصدارة والتصدر والجاه؟ على ما يبدو أنّ النجومية حالة يصعب التخلص منها!

دكتاتورية الحاكم وإرادة الشعب العراقي/ محمد الياسين


لم يعد خافيا على احد اليوم دكتاتورية السلطة التي يمارسها حكام العراق الجدد تجاه الشعب من قمع واضطهاد واستبداد في الرأي وانتهاج لسياسة تكميم الافواه واخفاء الحقيقة مستغلين بذلك موارد الدولة ونفوذ السلطة التي يحتلون فيها اعلى المواقع الحساسة، فمنذ انتهاء الانتخابات النيابية وفوز القائمة العراقية بالمرتبة الاولى تليها دولة القانون بزعامة المالكي دخلت البلاد في دوامة من الصراعات السياسية حول من يترأس الوزراء على الرغم من وضوح الدستور في حسم هذه القضية وفق مبدأ الاستحقاق الانتخابي ومفهوم الديمقراطية بالتداول السلمي للسلطة إلا ان اصرار المالكي على البقاء لولاية ثانية تلاقى مع الموقف الإيراني الراغب ببقائه مع الاستسلام الامريكي له عزز من موقف المالكي بالبقاء في السلطة خاصة مع عدم وجود خصم متماسك وقوي. فضعف بعض قادة العراقية والذهاب مع خيار المالكي من اجل الحصول على مناصب وامتيازات استثنائية كان من الممكن الحصول عليها وهم في السلطة الفعلية لا الشكلية اضعف من قوة وتماسك القائمة. ثم موقف التيار الصدري الداعم في اللحظات الاخيرة لتولي المالكي لرئاسة الوزراء رجح كفت الاخير في البقاء بالسلطة.

ولم تأت هذه الصفقة بالخير على العراقيين حيث اوغل المالكي في السيطرة والامساك بأدوات السلطة التنفيذية والأجهزة الامنية الضاربة بقبضة من حديد، وتفشى الفساد في عهده ليصل لأعلى المستويات ناخراً مفاصل الدولة والمجتمع وتزايدت عمليات القتل والاغتيال بالعبوات اللاصقة والاسلحة المزودة بكاتم للصوت وانتشار ظاهرة السجون السرية وحملات الاعتقالات العشوائية للمواطنين وتردي الخدمات العامة الى أدنى المستويات. ومع هبوب رياح التغيير وقدوم عصر التحول الديمقراطي في المنطقة بصحوة الشعوب النائمة من سبات طويل نال منها على مدى عقود من الزمن وخروجها عن سلطة الطغاة وكسر حاجز الخوف والتردد الى ثورات مدنية متحضرة اطاحت بأكثر الانظمة قسوة واستبدادا، لم تستثن هذه الرياح وهذا التحول الحتمي العراق بسبب تزايد نقمة الشعب على الساسة الفاسدين المترفين والمرفهين بأمواله المهدورة وانطلق شعبنا بكافة طبقاته الإجتماعية في تظاهرات سلمية اظهرت وعيا لدى المتظاهرين للمطالبة بحقوق مشروعة مسلوبة على مدى ثمان سنوات وجاءت ايضا كتذكير للساسة بمن اوصلهم الى البرلمان والحكومة، ورغم التعتيم الاعلامي والتضليل الحكومي لما يجري من أحداث على الساحة إلا ان حجم وأهمية الحدث التأريخي لم يُمكن الحكومة بأجهزتها القمعية والإعلامية التضليلية من لجم الحقيقة هذه المرة فقد تكشفت أسخن الملفات المغيبة وفتحت الابواب الموصدة وفاحت من الظلمات رائحة الفساد والموت وتأكدت حقيقة الدكتاتورية واطلع العالم على ما يجري من ظلم واستبداد وانتهاك لحقوق الانسان وقتل متعمد للمواطنة وتغييب لدور الانسان العراقي في وطنه.

اللعبة الأمريكية الرعناء، منشأة القعقاع أنموذجا/ صالح الطائي


كل المحصلات تشير إلى أن أمريكا وسياستها الخرقاء هي التي تقف وراء الدمار الذي يحدث في العالم اليوم لأنها تريد إضعاف العالم كله وتقويض نظمه ليتسنى لها فرض سيطرتها الحقيقية وليست الصورية عليه ومن ثم التحكم بكل الموارد وكل المستهلكين والمنتجين، لتتحول الخزينة الأمريكية إلى بيت المال العالمي الأوحد، والبنك المركزي العالمي المخول باستلام الواردات وتوزيع العطايا والهبات تبعا لمقدار الخدمة التي تؤديها الحكومات والأشخاص إلى أمريكا وحدها.
ولا ينكر أن اللعبة كانت ولا زالت أكبر من الإمكانيات الأمريكية حتى ولو كانت أمريكا تمسك بزمام كل المصالح وتتشبث بكل الخيوط، وتبعا لهذا التمايز حدث ما لم يكن في حسبانها مثل تحرك القاعدة في العراق خارج السياقات المتفق عليها بين الاثنين بالشكل الذي ألحق الخسائر بقواتها ومنعها من التوغل بين صفوف المواطنين أنفسهم ودخول بيوتهم، نعم لا نختلف أن بعض التحرك كان محسوبا تبعا لتصريحات الرئيس الأمريكي السابق جوج بوش الذي قال أكثر من مرة أنه يريد تجميع كل الإرهابيين العالميين والمتطرفين الإسلامويين في العراق لمحاربتهم على أرضه الشريفة بعيدا عن الأراضي الأمريكية التي اعتقدوا أن الخطر يتهددها، وقد يكون ناتجا عرضيا للاستهتار الأمريكي واستهانة الحكومة الأمريكية بدماء الجنود الأمريكان، فقد أتيح لي لقاء مع جنرال أمريكي ودار بيننا حوار طويل أكد لي من خلاله أن في العراق ثروات مختلفة يقدر عددها بأكثر من اثني عشر ثروة بعضها أكثر أهمية من البترول نفسه بل إن البترول يأتي في مرحلة متأخرة في سلم الافضليات، ثم قال لي: أنهم يملكون كمية كبيرة من السيارات (سونار) بإمكانها كشف ما في داخل البيوت والسيارات المارة والمتوقفة على مسافة دائرة قطرها مائتي متر ومعرفة محتوياتها، ويملكون أجهزة تمكنهم من معرفة أي مطلوق ناري مهما كان بعيدا عن هدفه وتحديد المكان الذي أطلق منه تحديدا متريا دقيقا لا يخطيء، فقلت له: لماذا إذن لا تلقون القبض على عناصر القاعدة الذين يفجرون السيارات على أرتالكم ويقصفون منطقتكم الخضراء؟ قال: أقول لك حقيقة، نحن نفقد في شوارع نيويورك يوميا أكثر من ألفي مواطن أمريكي نتيجة حوادث السيارات والجرائم والاغتصاب والعنف والمخدرات والقتل العمد وغير العمد وأسباب كثيرة أخرى ولا نربح مقابل ذلك شيئا! فما الضير إذا خسرنا في العراق يوميا خمس أو عشر جنود لتحقيق الهدف العظيم الذي جئنا من أجله إلى العراق!!
تذكرت هذا، وتذكرت مقولة الضابط الأمريكي في الفرقة المجوقلة 101 التي وصلت في أيام الغزو الأولى إلى منطقة (الكفل) والذي قاله أمام ضريح الكفل وهو يؤشر بيده: هنا تقف حدود دولة إسرائيل الكبرى!!!
وهي الذكرى نفسها التي أثارتها قراءتي لخبر القصة المرعبة التي كشفتها صحيفة الغارديان عن قيام القوات الأمريكية بإرشاد المقاتلين العرب وتنظيم القاعدة إلى أكبر وأخطر مستودع للأسحلة في العالم كله، وقول "دومنيك ستريتفيلد" مؤلف كتاب (تاریخ العالم منذ 9/11) : أن الجیش الأمیرکی فی العراق تصرف على نحو غیر مسؤول وساعد تنظیم القاعدة فی الاستحواذ على أکبر مخزن للأسلحة فی العالم!!
ترسانة الأسلحة الرهيبة التي دل الجيش الأمريكي تنظيم القاعدة عليها وعلى محتوياتها من المواد شديدة الانفجار التي تقدر بحدود (341) طنا تقوم على مساحة 36 کیلومتراً مربعاً وتحتوی على 1100 بناء وكان يعمل فيها قبل الاحتلال نحو 14 ألف عامل وموظف وهي مدینة قائمة بحد ذاتها حتى من حيث الطاقة الكهربائية والمياه والخدمات الأخرى، بناها الخبراء اليوغسلافيون في مدينة اليوسفية جنوبي بغداد سنة 1977 وتعرف عند العراقيين باسم "منشأة القعقاع".
محتويات منشأة القعقاع من (السي فور) والمواد الأخرى شديدة الانفجار والتي لا تملك جزء منها الكثير من الدول العربية ودول الجوار العراقي وكل الدول الأفريقية وجزء كبيرا من الدول الآسيوية، سلمها الجيش الأمريكي هدية إلى تنظيم القاعدة في العراق ليشعره بالقوة وليدفعه لخوض المنازلة دون أي اعتبار لأرواح وممتلكات وراحة العراقيين الأبرياء ظنا منه أن جنوده لهم قدرة القضاء على رموز القاعدة الذين سيتركون أرض أفغانستان الوعرة ويلجأوون إلى الأرض العراقية المنبسطة السهلة، حيث دعم الحزبين الكرديين بكل الإمكانيات ليمنعوا تسلل القاعدة إلى شمال العراق، ثم لما انفجرت أول سیارة مفخخة فی بغداد فی 27 تشرین أول 2003 أذن للعراقيين أن يواجهوا قدرهم الأسود ويتحولون إلى وقود للحرب الأمريكية على الإرهاب، وهي الحرب التي ستمتد ذيولها آجلا أم عاجلا لتضرب في المنطقة كلها وتحدث الخراب حتى في داخل الدول التي ترعى وتدعم الإرهاب.
إن مجرد معرفة هذه الحقائق يثبت أن أمريكا مهما عتت وتجبرت غير قادرة على قيادة العالم كما تدعي وأنها إذا ما استمرت بسياستها الرعناء هذه سوف تقود العالم إلى حافة الانهيار هذا إذا لم تكن قد أوصلته إلى الحافة حقا وصدقا وباب ينتظر نسمة الريح التي تفضي به إلى الهاوية.

أحبّ القاهرة لأكثر من سبب/ نورالدين بالطيب

 صحفي وشاعر من تونس

أولى هذه الأسباب أن القاهرة نتاج للعبقريّة التونسية ألم يؤسسّها بشكلها الحالي ويختار لها أسمها المعزّ لدين اللّه الفاطمي الذي كلّف قائده جوهر الصّقلي ببناء مدينة تقهر الدنيا في مصر ؟

وللقاهرة في قلبي مكانة خاصة بدأت عندما كنت أتطلّع لإكتشاف عالم جديد من خلال الكتب والسينما والموسيقى في ذلك الزّمن البعيد في واحات الصحراء ،قاهرة نجيب محفوظ ويوسف شاهين ومحمود المليجي وسعاد حسني ...قاهرة محمد الموجي وبليغ حمدي ومحمد عبدالوهاب وأم كلثوم الذين كنّا نرحل مع أغانيهم التي كانت تعبّر عن أحلامنا وأشواقنا العاطفية وإنكساراتنا سنوات المراهقة .وقبل كل ذلك القاهرة هي "صوت العرب"وجمال عبدالناصر الذي كان أمل العرب في التحرّر والوحدة العربية .

وللقاهرة مكانة خاصة في قلوب العرب وخاصة التونسيين إذ سافر إليها بل لجأ إليها الشيخ بيرم الخامس هربا من ظلم ذوي القربى وأصدر فيها أول صحيفة يومية ولجأ إليها الشيخ الإمام الخضر حسين الذي تولّى إمامة الأزهر الشريف وأنعم عليه الزعيم جمال عبدالناصر بالجنسية المصرية وكذلك بيرم التونسي الذي منحته مصر قلادة النيل وهي أرفع وسام مصري .

وفي كل مرّة أسافر فيها الى القاهرة أستحضر كل هذه المحطّات من التواصل والمحبّة بين تونس الخضراء وقاهرة المعز أو جوهرة الشّرق كما سمّاها الرحّالة الأجانب .

×الإكتظاظ

تمثّل القاهرة أكبر مدينة في أفريقيا ومن هي أكبر المدن في العالم وفي تعداد 2007 تعدّ القاهرة الكبرى 20مليون ساكن ونصف وهو ربع سكّان مصر بمعدّل 15 ألف ساكن في المتر المربّع وهي من أعلى النسب في العالم في الكثافة السّكّانية وقد تمّ تقسيم إقليم القاهرة الكبرى الى ثلاث محافظات هي القاهرة والجيزة والقليوبية وأضيفت إليهم مؤخرا محافظتان حلوان و6أكتوبر لتكون بذلك 5محافظات في أقليم القاهرة الكبرى .

الكثافة السّكانية وصعوبات الحياة في مدينة يدخلها كل يوم مليوني زائر دفعت بعدد كبير من الفقراء الى السّكن فوق السطوح وفي المقابر وحتّى في مراكب في النيّل ففي مصر نسبة عالية من الفقراء من القادمين الى القاهرة من محافظات مصر بحثا عن فرصة أفضل للحياة في المدينة التي لا تنام ...فالكل يعيش في القاهرة ومن لم يجد عملا يخلق له عملا من فراغ ،في الخدمات التي يعرضونها ،من بيع المناديل الى مسح السيارات وصولا الى حمل الحقائب في المطار ومحطات النقل ومسح الأحذية وبيع الشاي والمشروبات وبيع "الفول والطعمية والفلافل"في الشّارع غير عابئين لا بالسيارات ولا بالحافلات ولا بالإكتظاظ فالكل يعيش في القاهرة الرحيمة بالبسطاء و"الغلابة"وعندما تتحدّث مع سوّاق التاكسي أو ماسحي الأخذية أو ندّل المقاهي تشعر بحجم معاناتهم وصعوبات عيشهم ومع ذلك فهم يبتسمون للحياة ويداون مرارتهم بالنكتة والصبر والقناعة .

×التاكسي يغيّر لونه

التاكسي في القاهرة كانت الى وقت قريب جدّا موضوع معاناة حقيقي لأنّه لا وجود لعدّاد ولا لمقاييس مضبوطة لذلك فأنت مضطر حين تستعمل تاكسي القاهرة الى الدّخول في مشاحنات مع السّائقين كما لا يمكن أن تتحمّل الحالة السيئة لأسطول سيارات التاكسي القديمة المليئة بالغبار والأوساخ .

هذه الحالة تغيّرت الأن وأصبحت في القاهرة سيارات تاكسي جميلة وجديدة بلونها الأبيض وعدّادها المضبوط !

نعم أخيرا إنتهت معاناة المصريين وضيوفهم بسبب التاكسي فقد أقرّت وزارة المالية والهيئة المصرية للبيئة مشروعا بدأ تطبيقه أواخر العام 2009 بتمكين أصحاب سيارات التاكسي من سيارات جديدة بقروض ميسرّة تسدّد على خمس سنوات على أن يسلّموا سياراتهم القديمة المهترئة وقد إنتفع بهذا المشروع عشرات مالكي السيارات وكانت الدوافع وراء هذا المشروع هو مقاومة التلّوث الذي تسبّبه السيارات القديمة وتحسين الخدمات في مدينة تعيش أوّلا من السياحة والخدمات السياحية .

التاكسي الأبيض الذي بدأ يغزو شوارع القاهرة على حساب التاكسي الأسود والأبيض أصبح بمثابة شاطئ النجاة للمواطن الذي أرهق بجشع سوّاق التاكسي الذي ينهبون جيب المواطن البسيط والسائح المسكون بأرض مصر .

×الغاز..والسّكر والفتنة الطائفية

خلال الايّام التي قضيتها في القاهرة (فيفري 2010)لاحظت أنّ كل الصحف المصرية لها عنوان أساسي هو أزمة أنابيب الغاز الغير موجودة وإن وجدت فبسعر خيالي وصل الى 45 جنيه وهو مبلغ كبير بالنسبة لعامة المصريين البسطاء وقد لا حظت طوابير المنتظرين أمام محلاّت توزيع الغاز كما كتبت أغلب الصحف مواضيعا تطالب فيها بإيقاف تصدير الغاز الى أسرائيل مادام الغاز المصري لا يسدّد حاجيات السّوق ولا متطلبّات الشعب المصري فأزمة الغاز تمثّل معضلة حقيقية تشغل الشّارع المصري الى جانب إرتفاع أسعار السّكر الذي يستعمله المصريون بشكل كبير من خلال الشاي والقهوة وهي ضروريات للحياة اليومية في مصر الى جانب الإستعمالات الأخرى في مجال الحلويات خاصة .

وإذا كانت أزمة الأنابيب والسّكر تشغل البسطاء من المصريين خاصة فإنّ الهاجس الذي يؤرّق الطبقة الثقافية والسياسية هو تنامي النزعة الطائفية ففي نجع حمّادي في الصعيد المصري قتل ستّ مسيحيين على أبواب الكنيسة وقد هزّت هذه الحادثة مصر مما دفع بالرئيس المصري أنذاك للتدخّل شخصيا في أحدى خطبه للتعبير عن غضبه من سوء أداء القائمين على الأزهر الشريف وعلى الكنيسة القبطية وفشلهم في كبح النزعة الطائفية التي تهدّد بجدية وحدة مصر وتاريخها العريق القائم على التعايش بين الديانات وخاصة الأقباط والمسلمين فعندما فتح عمرو أبن العاص رضي اللّه عنه مصر سنة 20 هجرية على عهد أمير المؤمنين عمر أبن الخطاب كان هناك مسيحيون في مصر وبنى جامعه المعروف بأسمه في القاهرة القديمة التي كانت تسمّى الفسطاط غير بعيد عن الكنيسة الى جانب حضور اليهود وقد تعايشت الأديان الثلاثة في سلام على أرض مصر المحروسة كما سمّاها الرّحّالة إلاّ أنّ مصر اليوم بثقلها السياسي والعسكري والثقافي في العالم العربي مهدّدة من أكثر من جهة وخاصة الموساد الصهيوني والمخابرات المركزية الأمريكية لأنّ في تفتيت مصر وإغراقها في مشاكل داخلية خدمة كبيرة لإستراتيجيات الصهيونية لأنّ مصر تبقى في وجدان الشعوب العربية عمقا أساسيا لفلسطين ولمعركة الحرية .

وبالتوازي مع هذه الأزمة تحاول بعض الأطراف إثارة مشاكل مفتعلة في مستوى النوبيون في إطار ضرب الوحدة المصرية وإضعاف المناعة المصرية في مواجهة التحديات الإقليمية المطروحة عليها .

×الكرة ...والتّدخّل الأجنبي

قد يبدو هذا الكلام غريبا لكن عددا كبيرا من المثقفين المصريين يذهبون الى إمكانية دخول جهات أجنبية للتأثير على بعض الصحفيين لإضرام النّار في العلاقات الجزائرية المصرية في البلدين لأنّ الطريقة التي تأجّجت بها المعركة الإعلامية كانت منسقّة بشكل كبير وإستقطبت ردود فعل الناس البسطاء في البلدين مستغلّة في ذلك حماسهم الطبيعي للكرة والهدف من هذا فيما يذهب بعض المحلّلين هو إخراج مصر من عمقها العربي بتنمية النزعة الفرعونية التي بدأت تتزايد في كتابات بعض الصحفيين الليبراليين خاصة كما تهدف المعركة أيضا الى فصل العالم العربي بين المغرب والمشرق لأنّ مصر هي القاطرة بين جناحي العالم العربي إنّ هذا التحليل يبدو منطقيا ومعقولا في إطار سعي الجهات الخارجية الى إضعاف الشعور القومي وقتل قيم الإنتماء العربية بإحياء الثقافات القديمة وتهديد الوحدة الوطنية التي تبقى صمّام الأمان الوحيد ضدّ نزعات الهيمنة وتدمير الدول العربية الكبرى بإغراقها في صراعات داخلية تنهك مقدراتها الإقتصادية وفي هذا الإطار لا يمكن تبرير الأذى الذي تسبّبت فيه بعض الصحف المصرية والجزائرية للقيم المشتركة بين الشعبين فمصر وقفت مع الجزائر في معركة الإستقلال والجزائر دفعت الثمن غاليا من أجل عروبتها ولا أحد يمكن أن يزايد على أرواح الشهداء الأبرار .

×القاهرة قصّة حب

تتعب القاهرة زائرها ،الإكتظاظ والتلوّث والضجيج ولكن لا نستطيع إلاّ أن نحب القاهرة ونتذكر أغنية الشيخ إمام التي كتبها أحمد فؤاد نجم في شوارعها القديمة "مصر يا أمه

يا بهيّة

يا أم طرحة وجلبية

الزمن شاب

وأنت شابة

هو رايح وأنت جاية"

تلك هي القاهرة التي يسمّيها المصريون في الأرياف مصر لأنّها فعلا تختزل مصر هبة النيل .

ففي القاهرة تبدأ الحياة متأخرّا "بسندويتشات الفول والطعمية"الرخيصة و"الشيشة"والشاي وعصير "المنقا" وصحف الصباح والمساء على السواء .

فرغم التّعب الذي تسبّبه القاهرة لعشّاقها إلاّ أنّها مدينة ساحرة بكل ما فيها من أعاجيب وأولى عجائبها كيف يعيش النّاس في ظلّ الصعود الصاروخي للأسعار ومحدودية الدّخل ولكن ذلك من أسرار مصر التي لا تفسّرها المعادلات الرياضية والأرقام .

وتلك هي القاهرة العجيبة مدينة الألف مئذنة وجوهرة الشّرق ومصر المحروسة .!

تلك هي القاهرة التي كلّما زرتها كلّما أزددت تعلّقا بها فالقاهرة لها أكثر من حكاية حب في قلوب الأجيال العربية التي نشأت على حب الأدب المصري وعلى خطب الزعيم جمال عبدالنّاصر .


الأسرى الفلسطينيون وأكاذيب نتنياهو/ راسم عبيدات


..... تشن حكومة الاحتلال حملة واسعة من الأكاذيب والتضليل والخداع حول أوضاع الحركة الأسيرة الفلسطينية في سجونها،فتارة يصفون أوضاع أسرانا وظروف حياتهم في سجونهم وزنازينهم وأقسام عزلهم بأنها فنادق خمسة نجوم،وهم في نعيم ليس بعده نعيم،ويحرضون عليهم بشكل سافر من أجل تضيق الخناق عليهم وحرمانهم من ابسط الحقوق الإنسانية،وموجة التحريض تلك والتي تشارك فيها الحكومة الإسرائيلية تأتي من أجل امتصاص نقمة الشارع الإسرائيلي على تلك الحكومة فيما يخص الجندي الإسرائيلي المأسور "شاليط"،حيث ترفض حكومة الاحتلال الاستجابة لمطالب آسري "شاليط" بإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين الذين تطالب بهم المقاومة الفلسطينية مقابل إطلاق سراح "شاليط"،وما يبثه نتنياهو وأركان حكومته من أكاذيب وخداع وتضليل حول أوضاع أسرانا في السجون وفرض المزيد من العقوبات وتشديد إجراءات الاعتقال عليهم،هو لذر الرماد في العيون فتلك الإجراءات والعقوبات بدء العمل بها منذ فترة طويلة سواء من حيث منع الأسرى من استكمال دراستهم في الجامعات او منعهم من التقدم لامتحان الثانوية العامة او حجب القنوات الفضائية وإدخال الكتب والصحف وغيرها،وأيضاً العزل لقادة ونشطاء الحركة الاعتقالية،فهناك من هم معزولين منذ سنوات في أقسام الموت البطيء،وكذلك جرى الفصل بين الأسرى على أساس الانتماء السياسي منذ عدة سنوات،وكذلك التحريض ضد الأسرى الفلسطينيين لم يتوقف لحظة واحدة فهناك من أعضاء حزب الليكود وقيادته من وصف الأسرى الفلسطينيين بأنهم حيوانات بشرية،وآخرين رداً على الإضرابات التي نفذها أسرانا في سجون الاحتلال احتجاجاً على ظروف وشروط اعتقالهم المزرية واللاإنسانية من قال دعوهم يموتون في السجون جوعاً .

إن ما يمارس بحق أسرانا في سجون الاحتلال من انتهاكات سافرة لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية يرتقي إلى مستوى جرائم الحرب،حيث عمليات المداهمة والتفتيش اليومي التي تقوم بها ما يسمى بوحدات قمع السجون"نحشون ومتسادا" تترافق مع عمليات قمع وانتهاك صارخ لكرامة وخصوصية الأسرى وتدمير ممتلكاتهم ومصادرة أغراضهم الشخصية،وهذه الوحدات إمعاناً في إذلال الأسرى وتحقيرهم تجبرهم على التفتيشات العارية والمذلة،وأحياناً تترافق عمليات الاقتحام والغارات الليلية مع كلاب مدربة من أجل إرهاب الأسرى وترويعهم،والأمور تخطت كل الخطوط الحمراء فتحت ذريعة وحجة البحث عن أجهزة هاتف خلوي مهربة،تقوم تلك القوات بهدم جدران وخلع بلاط غرف المعتقلين وتدمير كل محتويات الغرف،ومن ثم تقوم بتوزيع الأسرى على زنازين وأقسام العزل المختلفة وفي سجون مختلفة أيضاً.

عن أية فنادق خمسة نجوم وشروط مريحة يتحدث نتنياهو وأركان حكومته ووزراءه لأسرانا،وهناك الكثير من الأسرى منذ عشرات السنين لم يتمكنوا من زيارة أهلهم وذويهم،وكذلك الكثير من الأهالي محرومين من زيارة أبنائهم تحت ذريعة ويافطة الأمن،وأي أمن هذا الذي يحرم عجائز وشيوخ جاوزت أعمارهم السبعين عاماً من الزيارة؟،والأنكى من ذلك أن أباء وأمهات لم يتمكنوا من زيارات أبنائهم تحت ذريعة عدم تطابق الأسماء،هذه السادية بعينها؟.

وأي امن هذا الذي يحرم طفل من لمس يد والده ويحرم أب من احتضان طفله،حيث عازل زجاجي بين الأسير وأهله،عزل وزيارة يعد ويحصي فيها الاحتلال الأنفاس على الزوار ويراقب حتى مشاعرهم وعواطفهم وخلجات صدورهم ودفقات قلوبهم؟.

أسرى أكثر من 38 منهم قضوا في سجون الاحتلال وزنازينه أكثر من ربع قرن في ظل ظروف وشروط اعتقالية تفتقر الى أدنى شروط الحياة البشرية،لم تتحرك أية حكومة أوروبية غربية ولا ما يسمى بمنظمات حقوق الإنسان من أجل العمل على إطلاق سراحهم وحتى مطالبة حكومة الاحتلال بمعاملتهم كأسرى حرب،في الوقت الذي "تنعق" فيه ليل نهار من أجل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي المأسور"شاليط" منذ مدة لم تزد على خمس سنوات.

أي شروط مريحة والأسرى المرضى عدا الإهمال الطبي المتعمد وعدم توفير وتقديم العلاج لهم،هناك من كانوا يلفظون أنفاسهم الأخيرة وهم مكبلي الأرجل ومقيدي الأيدي على سرير المعتقل كما حصل مع الأسير الشهيد محمد حسن أبو هدوان الذي استشهد في 4/11/2004 في مستشفى سجن الرملة،دون أن يسمح لأي من أفراد أسرته وعائلته من إلقاء نظرة الوداع عليه.

التصريحات الإسرائيلية وأكاذيب نتنياهو وخداعه حول الأوضاع والشروط والظروف المريحة التي يعيشها أسرانا في السجون الإسرائيلية- قبور الأحياء،هي بمثابة إعلان حرب شاملة على الحركة الأسيرة الفلسطينية،الهدف منها ليس سحب كل المنجزات والمكتسبات التي حققتها الحركة الأسيرة الفلسطينية وعمدتها بالدماء والشهداء والتضحيات،بل هناك أهداف انتقامية وثأرية من هؤلاء الأسرى،وكذلك العمل على كسر إرادتهم وتحطيم معنوياتهم وهدم كل منظماتهم الاعتقالية والحزبية وإفراغهم من محتواهم الوطني وجعلهم في حالة دائمة من عدم الاستقرار،من خلال القيام بحملات تنقلات دائمة في صفوفهم.

إن هذه الحرب الشاملة التي تشن على الحركة الأسيرة الفلسطينية باتت تتطلب بناء إستراتيجية فلسطينية متكاملة،إستراتيجية تشارك في صوغها كل المؤسسات الحقوقية الفلسطينية وكذلك المؤسسات التي تعنى بشؤون الأسرى مع وزارة شؤون الأسرى والمحررين واللجان الشعبية لأهالي الأسرى والأحزاب والفصائل والسلطة الفلسطينية من أجل قيادة تحرك جاد عربياً ودولياً من أجل طرح قضية أسرى شعبنا الفلسطيني على المحافل الدولية من أجل تدويلها،والاعتراف بهم كأسرى حرب،وخوض أوسع معركة متواصلة شعبياً ورسمياً من أجل العمل على إطلاق سراح أسرانا القدماء وبالذات جنرالات الصبر،والذين بدأت إدارات السجون الإسرائيلية بوضعهم في أقسام عزل خاصة،وقضية بحجم قضية الأسرى،يجب أن لا تقل أهمية عن القضايا الكبرى الأخرى اللاجئين القدس والاستيطان وغيرها،وضروري أن ترتقي قياداتنا وسلطتنا وأحزابنا وفصائلنا وجماهير شعبنا إلى مستوى التحديات المطلوبة،فخطر الموت يتهدد جدياً حياة أسرانا في سجون الاحتلال وأقسام عزله وزنازينه،وكل يوم يمر ويمضي مرشح فيه أن يتحول عدد من أسرى شعبنا في سجون الاحتلال من شهداء مع وقف التنفيذ الى شهداء فعليين،وعلى العالم المتشدق بالحرية والديمقراطية والإنسانية،أن يكف عن ازدواجية المعايير والانتقائية،أعطوني أسير في العالم قضى في السجن أربعة وثلاثين عاماً كنائل أو فخري البرغوثي وغيرهم من المناضلين،وما زالوا يتنقلون من سجن الى سجن ومن عزل إلى عزل،أنه عار علينا كثورة وأحزاب وفصائل وسلطة،وثورة أو سلطة لا تستطيع أن تحرر أسراها من سجون الاحتلال لا تستحق الحياة ،وعليها أن تبذل أقصى الجهود وتمارس مختلف أشكال الضغط والكفاح من أجل تحريرهم.

ما عندنا وما عندهم/ د. حبيب بولس

رقص القلب طربا حين كنت أشاهد صدفة على شاشة تلفزيون فلسطين، لعبة كرة قدم بين فريق اولمبيّ ايطاليّ، وفريق فلسطينيّ. وازداد ايقاع الرّقص حين جاء التّعريف بفريقنا الفلسطينيّ، على أنّه فريق وطنيّ أولمبيّ، وتضاعفت الفرحة حين سمعت التّعليق بأنّ المباراة تجري على أرض الملعب الأولمبيّ الفلسطينيّ في مدينة دورا قضاء الخليل.
هذه المباراة أثلجت صدري ودفعتني الى ذروة النّشوة، وقادتني الى مناطق الشّدهة، فَرُحْتُ أقارن بين شعبي الفلسطينيّ وبين المحتلّ، رُحْتُ أعدّد ما لدينا وما لدى المحتلّ أوازن وأقارن وأقلّب الأمور كي أصل الى جذور المعادلة الصّحيحة، فكان هذا الكلام:
لدينا اذن اليوم فريق كرة قدم وطنيّ اولمبيّ، لدينا ملاعب كرة قدم اولمبيّة، لدينا لاعبون وطنيّون شباب مع معنويّات كبيرة وأحلام أكبر. لدينا شعب غالبيّته من الشّباب الواعد، الّذين يتحدّون الدّنيا ويحطّمون الصّخر من أجل حقّ مشروع يؤمنون به. لدينا وطن صغير يتنفّس برئتين، صمّم أبناؤه على تحريره. لدينا مقاومة سلميّة عنيدة لن ترتاح حتّى تصل الى ما تريد من اقامة دولة مستقلّة حرّة. لدينا بحر غزّة الّذي تتحطّم عند شواطئه أطماع الغزاة، لدينا جبل النّار الّذي يحرق كلّ مغتصب متغطرس. لدينا سهل جنين وطولكرم وقلقيلية، سهل الخيرات والطّيّبات. لدينا شهداء وضحايا وأسرى قدّموا للوطن حياتهم عسلا ولبانًا ومرًّا من أجل حرّيته. لدينا مدارس وجامعات راقية تخرّج فوجًا يقفو فوجا من الأكادميّين والباحثين والمثقّفين. لدينا نساء صابرات مناضلات يغزلن بالدّمع وبالعمل للوطن اكليل نصره، لدينا صبايا مثقّفات منفتحات متحرّرات ينسجن بانجازاتهن للوطن تعويذة تحميه وتحمي أبناءه من كلّ شرّ. لدينا سواعد من فولاذ تبني الوطن وتعمّره، لدينا مؤسّسات تعمل بجدّ ونشاط ونزاهة تخدم الوطن وأبناءه. لدينا قرى ومدن عامرة رغم الفقر ورغم القهر ورغم جدار الفصل. لدينا رصيد هائل من التّاريخ والحضارة والعلم والثّقافة. لدينا القدس الشّريف بكلّ ما فيه من عبق التّاريخ والمقدّسات. لدينا الكثير الكثير مما نعتزّ به ونفتخر. لدينا رئيس ذو مواقف صلبة لا يهادن ولا يرائي ولا يفرّط بحقّ، مصمّم على الثّوابت.
لدينا رئيس وزارة متعقّل، متفهّم، متنوّر، يعمل بدأب ونشاط، يبني بهدوء لا بصخب وضوضاء مؤسّسات الوطن وبنيته التّحتيّة، ويرسّخ دعائم الدّولة الحديثة،وينشر ويجذّر اسم فلسطين عاليا في المحافل الدّوليّة والعالميّة. لدينا شعب يؤمن بالحريّة وبالكرامة وبعدالة قضيّته وبحقّه المشروع في العيش الكريم على تراب وطنه، ويؤمن بالسّلام طريقا للحياة. لدينا علم نُسجت ألوانه من تاريخنا المشرّف، من صنائعنا ومرابعنا ووقائعنا ومواضينا، لدينا نشيد وطنيّ غُزلت ألحانه من آلامنا وآمالنا.
وأنتم ماذا لديكم؟!!
لديكم جدار فصل عنصريّ هو الوحيد الباقي في هذا العالم، لديكم قرى ومدن متطوّرة صناعيّا وتقنيّا تصنع آلات الحرب والدّمار. لديكم مفاعل نوويّ يهدّد أمن وسلام المنطقة وشعوبها. لديكم جيش متطوّر عسكريّا وتقنيّا يزرع الدّمار والخراب. لديكم آلة حربيّة حديثة متطوّرة من أساطيل جويّة وبحريّة وبريّة. لديكم طائرات ودبّابات وقنابل وصواريخ على أنواعها تشكّل قوّة ضاربة تنسف حقّ النّاس بالحياة، وتدمّر كل انجاز حضاريّ. لديكم قطعان من المستوطنين يعيثون في الأرض فسادا وخرابا ويهدّدون حياة شعب آمن على أرضه. لديكم رئيس وزارة غائب عن الواقع وعن التّاريخ لا يؤمن سوى بحقّ شعبه ويرفض حقّ الآخرين ويرى في أبناء شعبه أبناء سيّدة وفي الآخرين أبناء جارية، لديكم وزير خارجيّة غارق في العنصريّة، لديكم أمريكا تدعم تعنّتكم وتمسح أخطاءكم وتمكيجها. لديكم قوانين عنصريّة لفظها التّاريخ وتجذّرت عندكم. لديكم القوّة برّا وبحرا وجوّا. لديكم الكثير الكثير. ولكن رغم هذا الكثير الّذي لديكم ينقصكم الكثير أيضا.
فنحن أصحاب حقّ وأنتم غاصبو حقّ. نحن أصحاب أرض وأنتم محتلّون. نحن أصحاب حلم وأنتم قامعو أحلام. نحن أصحاب حياة وأنتم مصادرو حياة. نحن أصحاب كلمة وأنتم أصحاب عسكرة. سلاحنا كلمتنا الحرّة الصّادقة الشّريفة المغروفة من القلب، بها نقاتل وبها نتحدّى وبها نرسم للأجيال القادمة المستقبل الزّاهر، ولكم آلتكم الحربيّة المتطوّرة. والكلمة هي الأدوم والأبقى. هل رأيتم آلة حرب تخلد؟ وهل رأيتم احتلالا يدوم؟ انّما ما يخلد هو الحقّ والكلمة الشّريفة التّي تقاتل من أجل العدالة والحريّة والسّلام. أما ذوّتم العبرة من تاريخ الشّعوب؟ أما تعلّمتم الدّرس من الشّعوب الّتي تحرّرت؟ ألم تسمعوا ما قاله يوما ذاك النّصراويّ ابن الحارة الشّرقيّة يحذّركم :" واوي بلع منجل".
ألم تسمعوه وهو يصرخ في وجوهكم "هنا باقون فليشربوا البحرا". " وبأسناني سأحمي كلّ شبر من ثرى وطني بأسناني". ألم تتعلّموا ممّا قاله:" وطني- مهما نَسوا- مرّ عليه ألف فاتح ثمّ ذابوا مثلما الثّلج يذوب". أما فهمتم كلامه أفضل أن يراجع المضطّهد الحساب من قبل أن ينفتل الدّولاب ( لكلّ فعل اقرؤا ما جاء في الكتاب!).
الكلمة سلاحنا في معركتنا من أجل حريّة الوطن واقامة دولتنا المستقلّة. فمنذ أن صرخ ذاك الشّهيد "سأحمل روحي على راحتي وأهوي بها في مهاوي الرّدى" ونحن صامدون نقاوم الظّلم، لا تلين لنا عزيمة ولا تفتر قوّة. ومنذ صرخ ابن مصمص صرخته المدوّية الّتي رجّت أعمدة هذا الزّمن "سنفهم الصّخر ان لم تفهم البشر أنّ الشّعوب اذا هبّت ستنتصر".
ونحن نناضل ونقاوم من أجل العيش الكريم. ومنذ أن أطلق ابن الرّامة الأصيل صرخته "هذي شراييني خذوها وانسُجوا منها بيارق جيل التّمرّد". ونحن منغرسون في أرضنا لا يزحزحنا عنها عسكر ولا بارود. ندفع مهر الوطن شهداء وأسرى "فالأم الّتي لم تودّع بنيها بابتسامتها الى الزّنازين لم تحبل ولم تلد" كما صرخ يوما ابن غزّة.
الكلمة سلاحنا وسلاح جيل هذا العصر" سلاح عملاق هذا العصر، هبّ أطلع النّصر فكلّ السّابقين أطلعوا الهزيمة". كما صرخ ابن البقيعة يوما. لقد هبّ عملاق هذا العصر مرّتين وفي المرّتين حقّق الكثير فحذارِ من هبّة ثالثة حذارِ.
سلاحنا الكلمة الحرّة الشّريفة الصّادقة وهي حتما المنتصر في معركة البقاء والحقّ. والتّاريخ معنا، والدّنيا معنا و "العبوا بالنّار (اذن) ما شئتم، فلا حقّ يموت". لا حقّ يموت فالقضيّة قضيّة وقت ليس الاّ. ف" على هذه الأرض- أرض فلسطين، أمّ البدايات، أمّ النّهايات- ما يستحقّ الحياة". كما صرخ ابن البروة، ولأنّ الأمر كذلك، ولأنّنا نحبّ الحياة ونستحقّها ونتشبّث بها لا حقّ فعلا يموت. ونحن والدّولة المستقلّة وعاصمتها القدس الشّريف، على ميعاد، على ميعاد.
drhbolus@yahoo.com

الزعامة أدب مش هز كتاف!!/ رأفت محمد السيد

عندما يسمح من يدعى الزعامة والمسئول عن مقدرات اكثر من خمسة وثمانين مليون نسمة لزوجته ان تتحكم فى مصير شعب بالكامل فهذه وصمة عار فى تاريخه لن يمحوها له التاريخ ، والسؤال هل يحق لزوجة أى رئيس لمجرد أنها ( زوجة الرئيس ) ان تأمر وتنهى ، تعين وزراء وتخلع وزراء ، حتى مع كل تعديل وزارى تدس أنفها وتختار ماتريد حتى يصل بها الأمر والجبروت إلى التخطيط بتوريث حكم مصر إلى إبنها الفتى المدلل جمال مبارك ، والسؤال هنا أيضا ، هل بالضرورة ان يكون إبن الزعيم زعيما ؟ بالطبع لا – ولأن إرادة الله فوق كل إرادة ولأن الله أراد لهذا الشعب العزة من جديد فقد تبدد حلم هذه السيدة فى تحقيق ما سعت إليه وخططت له منذ سنوات فقد كانت تحلم أن تكون أما للرئيس القادم بعد أن كانت زوجة للرئيس المخلوع وبذلك تكون قد دخلت موسوعة جينيس لتحطيم الأرقام القياسية ، والويل كل الويل عندما يترك الرجل للمرأة عجلة القيادة فتكون نهايته حتما وشيكة والدليل على ذلك أن الرئيس المخلوع عندما ترك لزوجته الحبل على الغارب تفعل ماتشاء هى والمحروس إبنها الذى صور له خياله المريض أنه الحاكم بأمره مستمدا قوته من سلطة أبيه ، ظنا منه أن لاقوى بعد أبيه متناسيا أن القوى الأكبر موجود ومطلع على عباده يمهلهم ولايهملهم فقد كان الجزاء من جنس العمل فكما سجن الشعب المصرى وحبس حرياته بل قمعها فقد نال جزاءه بالسجن أيضا لحين صدور حكما رادعا ضده ليكون عبرة لكل من تسول له نفسه ان يتلاعب بمقدرات شعوبهم ، لذلك أنبه من الان إلى ضرورة أن يكون هناك نص صريح فى الدستور يحجب أى صلاحيات لزوجة الرئيس وأنجاله وكريماته طوال فترة حكمه – فكفانا ماعانيناه فى المرحلة السابقة من تحكم وسيطرة وبطش حرم الرئيس ونجليه – كما لابد ان نستفيد من تجاربنا المريرة وناخذ منها العبر والعظات فننبه من الأن إلى ضرورة أن يوقع الرئيس القادم على إقرار ذمه ماليه يعلن فيه للشعب قبل توليه منصب الرئاسه كل أملاكة حتى نستطيع أن نحاسبه إذا ماتضخمت ثروته ونسأله من أين لك هذا ؟ فالشعب لن يترك أحدا بعد اليوم بدون حساب وسنحاسبهم حساب الملكين ، وبذلك تكون الزعامة أدب مش هز كتاف – حفظك الله يامصر وحفظ شعبك العظيم .

جامعة الأسرى الفلسطينية/ د. مصطفى يوسف اللداوي


يهدد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بسحب حق الأسرى الفلسطينيين في التعليم، وحرمانهم من نيل الدرجات العلمية الجامعية، وهو الحق الذي انتزعه الأسرى الفسطينيون بدمائهم من سلطات الاحتلال الإسرائيلي نهاية العام 1992، بعد إضرابٍ طويلٍ وقاسٍ عن الطعام، خاضوه بأمعائهم الخاوية، وعزائمهم القوية، وإرادتهم الصلبة، وتحديهم العنيد، وتطلعهم بأملٍ نحو المستقبل، طالبوا فيه بالسماح لهم بتلقي التعليم الجامعي، والانتساب إلى الجامعات للحصول على شهاداتٍ جامعية، وكانوا من قبل قد تحدوا كل إجراءات السجان الإسرائيلي، الذي حاول أن يمنع عنهم لسنواتٍ طويلة الورقة والقلم والكتاب، وأن يحرمهم من حقهم في تقديم امتحانات الثانوية العامة، أو استكمال دراستهم الجامعية، أو تثقيف أنفسهم بأنفسهم في السجون والمعتقلات، فصادر كتبهم وكراريسهم، وحاربهم في جلساتهم الثقافية، وتعميماتهم الوطنية، وعزل المثقفين من الأسرى، وحال بينهم وبين تعليم إخوانهم، ولكن الأسرى أدركوا قيمة مواصلتهم لتعليمهم، ومدى النكاية التي يلحقها بعدوهم، والكسب الذي يحققوه لأنفسهم وللأسرى الوافدين من بعدهم، فأصروا على انتزاع حقهم وممارسته، وعدم التنازل أو التخلي عنه، وتحدي إجراءات العدو الساعية لتجيهلهم، وحجب نور العلم عنهم.

تخرج خلال سني السجن الطويلة من الجامعة الإسرائيلية المفتوحة مئات الأسرى الفلسطينيين وغيرهم من العرب، وحصلوا على شهاداتٍ جامعية عدة في العديد من العلوم الإنسانية، بعد أن واجهوا إجراءات التعقيد والعقبات الكثيرة التي كانت تفرضها إدارة الجامعة بالتعاون مع سلطة مصلحة السجون الإسرائيلية، إذ لم تكن تتعاون مع الأسرى الطلاب، ولم تكن تتساهل معهم، ولا تقبل أن تتفهم ظروفهم الصعبة ومعاناتهم المستمرة في السجون، وكانت تحدد عدد الأسرى الطلاب الذين يحق لهم الانتساب إلى الجامعة من كل سجن، ولا تسمح لأي طالبٍ جديدٍ بالانتساب إلى الجامعة قبل تخرج آخر، ولا تسمح للأسير الطالب بالدراسة قبل أن تستوفي منه كامل الرسوم الجامعية، وهي رسومٌ باهضة بالمقارنة مع غيرها، وكانت تمنع استئناف أي أسيرٍ لتعليمه في الجامعة إذا نقل من سجنه إلى سجنٍ آخر، إلا أن يحصل على موافقةٍ جديدة من إدارة سجنه الجديد، في الوقت الذي كان حرمان الأسير الطالب من الدراسة هو العقاب الحاضر دوماً، وهو العقاب الأقرب والأكثر فرضاً والأدق تطبيقاً، فقد حرم عشرات الأسرى الطلاب من التقدم للامتحانات بسبب تعرضهم لعقوبة العزل والحرمان أو النقل إلى سجنٍ آخر، وذلك قبل أيامٍ من بدء الامتحانات أو خلالها، ومع ذلك فقد تجاوز الأسرى كل هذه الصعاب والعقبات، وأثبتوا أنهم قادرين على تحدي السجان، وقهر كل محاولاته لتجيهلهم وحرمانهم من حقهم في التعليم.

نجح الطلاب الأسرى بالتعاون مع بعض الجامعات الفلسطينية والعربية في خرق الحظر الإسرائيلي الذي منع الأسرى من الانتساب لغير الجامعة الإسرائيلية المفتوحة، فحصلوا على شهاداتٍ جامعية من جامعاتٍ مختلفة، أبدت استعدادها للتعاون معهم، وكسر الحظر الذي فرضته عليهم سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وسمحت لهم بمناقشة أطروحاتهم العلمية عبر الهاتف النقال مع الهيئات الجامعية المشكلة، واستمر نقاش بعض البحوث العلمية من داخل السجن عبر الهاتف النقال مع الأساتذة المناقشين في الجامعات الفلسطينية لأكثر من ساعتين أحياناً، أثبت خلالها الأسرى الطلاب جديتهم وعلميتهم وقدرتهم على تحدي الصعاب، ومواجهة التحديات، إذ لم يقصر الأساتذة المشرفون في مناقشتهم للأسرى الطلاب، ولم يخففوا عنهم رغم ظرفهم، ولم يسكتوا عن بعض أخطائهم، بل شددوا عليهم في النقاش، وتأكدوا من جديتهم وقدرتهم وتمكنهم من البحث الذي أعدوه، لينالوا بعد ذلك الدرجة العلمية بجدارةٍ واستحقاق، رغم تعاطفهم الكبير معهم، واعتزازهم البالغ بهم، وشعورهم بالنصر وهم يتحدون قرارات الاحتلال ومحاولاته ثني أسراهم عن التعليم والدراسة.

يظن رئيس الحكومة الإسرائيلية ومن نصحه من معاونيه ومستشاريه باتخاذ قراره بحرمان الأسرى من التعليم والدراسة، أن الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية سيقفون جميعاً عاجزين ومكتوفي الأيدي إزاء قراره، وأنهم لن يستطيعوا مواجهة سياسته، وتحدي إرادته، وأن الأسرى سيمزقون كتبهم، وسيكسرون أقلامهم، وسيطفؤون ضوء شمعتهم، وسيطوون كراريسهم، وسيتوقفون عن الدراسة والتعليم، ولكن الفلسطينيين الذين أسسوا في منطقة مرج الزهور اللبنانية، جامعة ابن تيمية، فتحدوا الحكومة الإسرائيلية التي أبعدت المئات منهم، لن يقفوا عاجزين هذه المرة عن مواجهة نتنياهو، وسيبدأون في تأسيس جامعةٍ خاصة بالأسرى في السجون الإسرائيلية، تكون هي جامعة الأسير الفلسطيني، تتفهم ظروفهم، وتقدر أوضاعهم، وتؤمن بأهدافهم، وتيسر لهم سبل الانتساب إليها والدراسة فيها، وتجترح لهم الوسائل والسبل للإشراف عليهم، ومناقشة أبحاثهم، ومتابعة وتوجيه أطروحاتهم، وتقوم باعتماد شهاداتهم، وجلب الاعتراف لهم بها، وتوظيفهم على أساسها، فقد آن أوان أن تكون للأسرى جامعةٌ مفتوحة، ضمن أنظمة التعليم الجامعي المفتوح عن بعد، فنحن أولى بتأسيسها، وأحق من غيرنا بإنشائها، فقد غدت مهمة سهلة، ووسيلة ممكنة، فلنعجل بها لتكون هي أبلغ رد، وأقوى تحدي لنتنياهو وحكومته، فنكسر بها احتكار الجامعة الإسرائيلية المفتوحة، ونفتح آفاق التخصصات العلمية المختلفة أمام الأسرى، ولا نقصر العلوم لهم وفق الأهواء الإسرائيلية، والرغبات والتحديدات الأمنية، يوافقون على ماشاؤوا، ويرفضون ما يرون أنه يضر بهم، ويتعارض مع مصالحهم.

أثبت الأسير الفلسطيني والعربي في السجون والمعتقلات الإسرائيلية أنه أقوى من السجان، وأنه قادرٌ على التضحية من مكانه، والمقاومة من موقعه، والتصدي للعدو من سجنه، وأنه قادر على تحدي الصعاب، وتجاوز العقبات، ومواجهة سلطات الاحتلال، وأنه عنيدٌ لا يستسلم، وصابرٌ لا يتعب، ومقاتلٌ لا يعرف الهزيمة، ولا يقبل بالتراجع، ولا يعترف بعجز أدواته وإمكانياته، وسيواصل في السجون والمعتقلات مسيرته العلمية، ورحلته التعليمية، ولن يقبل بسياسات التجهيل، ومحاولات حجب النور والمعرفة، وسيخرجون من سجونهم أساتذةً متعلمين، وكتاباً ومفكرين، وشعراء ومحاورين، وقادةً وسياسيين، نابغين في علومهم، متميزين في تخصصاتهم، وسيتقدمون مسيرة الشعب، وسيواصلون مسيرة النضال والمقاومة، وسيكونون أصلب مما توقع العدو، وأثبت مما ظن المراهنون على سجنهم، أنه قتل فيهم الأمل والعزم والمضاء، وأنه سيقضي على روح الأمل فيهم، ولكن فألهم قد خاب، وسهمهم قد طاش، فأسرانا هم صقورنا البواسل، وأسودنا الأوائل في الوغى، وهم رجالنا الأشداء، ونجوم أمتنا التي توصوص في كبد السماء، سيبقون نجمةً تلمع، وزهرةً تتفتح، وعبقاً نتنسمه مع الأيام.

زيارة المرشد لقداسة البابا بين الرفض والقبول/ أنطــونــي ولســن

مصر تمر بعد الخامس والعشرين من شهر يناير 2011 بما عرف بالثورة .. ثورة الشباب .. بظروف غير مستقرة ولا أحد يستطيع أن يتكهن بأي تكهنات إيجابية أو سلبية عما يمكن أن تسير عليه البلاد ومن سيتولى إدارتها . وهذا شيء طبيعي في معظم الثورات الشعبية لأنها تقوم دون تخطيط مسبق وإنما مع الصمود والعزيمة وتضامن جموع الشعب في طول البلاد وعرضها وتحديهم للنظام الحاكم وعدم تدخل الجيش أعطى لثورة الشباب المصري الحق في إعتبار ما قاموا به ثورة بكل المعاير والمقايس .. ولكن !
الجيش المصري بقياداته العسكرية فضل عدم التدخل العسكري لفض الثوار المعتصمين بميدان التحريروظل تواجده فاعلا في الحفاظ على سلامة جموع الشعب على الرغم من حدوث ما سمي بمعركة الجمل ومقتل عدد كبير من الشباب وإصابة أعداد أخرى بعضها خطير إلى أن تم للشباب تحقيق ما كانت تصبو إليه ثورتهم بتخلي الرئيس السابق عن الحكم وترك إدارة شئون البلاد إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة بقيادة المشير حسين طنطاوي الذي هو في نفس الوقت وزير الحربية.
لا أحد ينكر أن في بداية تجمع شباب مصر للمطالبة برحيل الرئيس قد واجه معارضة من فئات كثيرة من الشعب إن كانت فئات دينية أو مدنية . ومع ذلك إستمر الشباب في وقفتهم صامدين مؤمنين بعدالة مطلبهم مصممين على التخلص من الحكم الفاسد والحاكم غير العادل ودفعوا الثمن لنوال ما تصبوا إليه مطالبهم دم الكثير من شبابهم وشباتهم وأيضا من رجال ونساء تضامنوا معهم ووقفوا إلى جوارهم ودفع بعضهم نفس الثمن الغالي بدمائهم .
حدث كل هذا ومازالت الفئات المعارضة وغير مقتنعة بإمكانية الشباب على تحقيق مطالبهم إلى أن ظهرت بوادر التحقيق بتعين نائب للرئيس والذي لم يثنيهم عن مطلبهم الأساسي برحيل الرئيس فوثبوا داخل صفوفهم وسرقوا الكاميرا بلغة أهل الفن وأخذ صوتهم يعلو بعد أن تخلى الرئيس السابق عن إدارة شئون البلاد للمجلس الأعلى للقوات المسلحة وكانت أعلى الأصوات صوت الأخوان والوسطين منهم مثل الدكتور صفوت حجازي الداعية الإسلامي المعروف .
تخطت الجماعة كل الخطوط وتجاهلت تجاهلا ملحوظا شباب الثورة وقاموا بكل مهارة إعلامية بإظهار قدراتهم على السيطرة على الشارع المصري الذي تركه مبارك لهم ليريح نفسه من تحمل أي مسئولية كما نعلم . وبدأ المجلس الأعلى برعاية الأخوان رعاية الراغب في تعويضهم عما لاقوه منذ تكوينهم في بداية القرن الماضي وحتى الحادي عشر من فبراير عام 2011 وهو تاريخ هام جدا في أجندتهم بعد تخلي الرئيس السابق عن الحكم في ذلك اليوم .
ظهر جليا نشاط الأخوان فأخذت بقية الجماعات الإسلامية في الظهور " هذا لا يعني أنه لم يكن لهم ظهورا أو وجودا ،" ومع الأسف بدأ ظهورهم وإثبات وجودهم في شكل إعتداءات على مسيحي مصر وطبعا نعرف من هم أشهر تلك الجماعات .. وهم السلفيون .
أشياء غريبة بدأت تطفو على سطح الأحداث لم يكن يتوقعها الشارع المصري وبدون شك لم تكن في حسبان شباب الثورة .
تم الأعتراف بالإخوان بعد أن كانت جماعة محظورة . ولا إعتراض على هذا لأنها كانت موجودة وفاعلة ومتفاعلة في ومع الشارع المصري سواء كان ذلك سلبا أو إيجابا .
وفجأة وبدون سابق إنذار وجدنا المجلس الأعلى يشكل مجموعة لتعديل بعضا من مواد الدستور.
عرض الأمر على الشعب ليبدي برأيه في التعديلات بما عرف بالإستفتاء والذي قدم فيه المجلس الأعلى مصر والشعب المصري على طبق من ذهب هدية للأخوان كتعويض عما حدث لهم منذ تكوينهم وحقق لهم الحلم الكبير بحكم مصر .
وهذا ما هو ظاهر وواضح حتى هذه اللحظة في عدم قبول المجلس الأعلى للقوات المسلحة رأي غالبية الأحزاب الأخرى وكثير من أبناء مصر بضرورة وضع الدستور أولا قبل الأنتخابات البرلمانية ، ومن طالب بذلك لهم الحق كل الحق في مطلبهم العادل . على الأقل من وجهة نظرهم ومن قوة منطقهم القائم على مثل بسيط " الحصان الأول أم العربة " .وكانت ومازالت حجة المجلس أن الشعب وافق على ذلك في الإستفتاء الذي أجري على التعديلات . كذلك رغبة المجلس في العودة إلى مهامه الأساسية وهي حماية البلاد لا إدارة شئونها المدنية دون الأخذ بالإعتبار ما قد يضر بمستقبل مصر والشعب المصري بحكم ديني .
إلتف الأخوان حول الحكم الديني بتكوين حزب الحرية والعدالة حتى يقتنع المعارضون بأن النية هي الحكم الديمقراطي المدني بعد إضافة جملة صغيرة وبسيطة في مظهرها بمرجعية دينية ، وحاول عزيزي القاريء أن تفهم معنى بمرجعية دينية . وقد دار جدل حول تلك الجملة ومازال ولم يصل أحد إلى معنى مقنع فكيف تكون الدولة ديمقراطية مدنية بمرجعية دينية علما بأن الديمقراطية يطلقون عليها صناعة غربية يروجها الكفار . أما المدنية فكان الحكم الأسلامي دائما وأبدا مدنيا ، أي لم يكن عسكريا . وأصبح من المؤكد أن الغالبية في البرلمان القادم من الإخوان والسلفيين والجماعات الإسلامية مما حدى بالأحزاب الإنتهازية الإسراع والإنضمام إلى الإخوان في تآلف للخوض في المعركة الإنتخابية البرلمانية والتي ستكلف من سيتولى بكتابة الدستور المصري الجديد ولنا أن نتصور نوعية الدستور ومن سيتولى رئاسة الجمهورية بعد ذلك .
قد يسأل قاريء ما دخل كل هذا الرغي الذي تكرر معظمه منذ فترة وعنوان المقال " زيارة المرشد لقداسة البابا بين الرفض والقبول " ؟!
أقول له علينا كل من يمسك بالقلم ليكتب أن لا ينسى أو يتجاهل أو يتخطى ما حدث في مصر منذ الخامس والعشرين من يناير هذا العام 2011 إلى أن يستقر الأمر ونعرف مصر إلى أين المصير .
وبناء عليه فإن زيارة المرشد لقداسة البابا إن تمت فلا أرى فيها ضررا مع كامل إحترامي لكل من رفض وعارض اللقاء وأخص بالذكر ما كتبه الدكتور خالد منتصر وخاصة مقاله الرائع " واقعة هاني شنودة " والتي أوضح فيها صورة الإخوان وتحكمهم وهم جماعة محظورة فما بالنا وهم أبطال الساحة الأن !!. وأيضا مع كل إحترام للدكتور ميشيل فهمي ومعارضته لقبول الزيارة المرتقبة والتي سعى إليها المرشد .
نحن في مفترق الطريق كمسيحيين إما أن نكون أو لا نكون . بمعنى أنه يجب علينا المشاركة والتواجد في كل ما يدور على الساحة المصرية من أحداث دون إنتظار أخذ السماح من أحد ونترك الكنيسة للأمور الدينية ، أما الأمور الدنيوية فيجب أن تكون للشعب المصري المسيحي الذي له حق التواجد وتكوين أحزاب أو الإنضمام لأحزاب يكون فيه المصري المسيحي والمصرية المسيحية مقتنعا تمام الإقتناع بإنضمامه لهذا الحزب أز ذاك سيعود بالفائدة على كل المصريين الذين منهم المسلم والمسيحي والبهائي والنوبي والبدوي ، المؤمن والملحد على السواء . لقد تقوقعنا سنين طويلة ويجب علينا أن نخرج من قوقعة السلبية إلى نور الإيجابية والمشاركة وقبول الأخر الذي ننادي به فنكون القدوة في مد يد الأخوة لأشقاء لنا في الوطن مصر.
أعرف جيدا أن الصعاب كثيرة وسط كل هذه التيارات الإسلامية المتشددة . لكن هناك من المسلمين الرافض وبشدة تلك التيارات وهم مثلنا يبحثون عن من يشجعهم على الخروج من قوقعة الصمت إلى نور الحرية والمجاهرة .
لا أحد بيده العصى السحرية التي بها يستطيع الوصول إلى ما يصبو إليه . لكن فلتكن ثورة الشباب الدافع لنا جميعا إلى السعي والعمل بالتضامن من أجل تحقيق ما تصبو إليه أحلامنا في العيش في وطن واحد لكل المصريين ويكون الدين لله وحده . فهل هذا شيء مستحيل ؟؟ إن كانت الإجابة بنعم فلا تخشى من المستحيل فكم من مستحيل أصبح غير مستحيل . وإن كانت إجابتك بلا .. لا شيء مستحيل فعليك بالعمل الإيجابي لتحقيق حلم مصر الذي طال تحقيقه .
أما عن الزيارة المرتقبة عن نفسي واثق من حكمة قداسة البابا وقد لمست هذا وإختبرته من خلال زياراته لنا في أستراليا .

الخطوط الملكية الأردنية خدمات ممتازة وأسعار "مولعة نار" ومسافرون يطلبون الرحمة/ ناصر الحايك

فيينا النمسا-
إذا كان البعض لا يسافر على نفقته الخاصة ، أو إذا كان ثمة من يدفع لهم هذه التكاليف بذريعة المشاركة في مؤتمرات ولقاءات "قمم" غالبا ما تكون وهمية ولا يسمع بها أحد ، فإن هؤلاء سيديرون ظهورهم عند قراءة هذه الكلمات والتهكم سيصبح سيد الموقف.
لكن إذا كنت ستمنى بخسارة فادحة جراء اضطرارك لشراء بطاقات سفر لك ولعائلتك المحترمة من مالك الحر والخاص سواء إلى هذا البلد أو ذاك ، فإنك ستدق "أخماس في أسداس" وستفكر مئات المرات وخصوصا قبل أن تخلد إلى النوم لأنك ستصاب بالأرق والتعرق الليلي كونك مقدما على ارتكاب هذه" الفعلة الشنعاء" . وربما ستختلق النكد وتصب جام غضبك على أولادك المساكين أثناء قضاء العطلة الصيفية التي من المفترض أن تكون "سعيدة جدا" ، لا بل ستشيح بوجهك عن محلات شواء اللحم البلدي ، ستكتفي بتناول الحمص والفلافل في مطعم "هاشم" العريق أو "الكلحة" الشهير "ولن تجرؤ على ارتياد محلات "أبو جبارة" المختصة بتقديم الفول وفتة الحمص الفاخرة بهدف إسعاد أطفالك وإضفاء البهجة والسرور عليهم .
ولم لا !! فهم في إجازة مدرسية ومن حق الزوجة أيضا أن تعلن الإضراب والتمرد على الطهي.
الغريب في الأمر أنه بإمكانك السفر من فيينا إلى أمريكا وكندا صيفا وشتاء والتحليق بالطائرة لمدة تزيد عن العشر ساعات بأقل من الذي تدفعه ثمن بطاقة سفر من أية عاصمة أوروبية إلى بعض عواصم الدول العربية مع أن المسافة لا تتجاوز الأربع ساعات طيران .
وكأن مكاتب السفر والسياحة العربية المملوكة لعرب هنا في النمسا وما أكثرها!! ، متفقة جميعها على نفس المبدأ مع الشركة الأم ، مبدأ السعر الواحد مع فوارق زهيدة لا تبلغ ثمن شطيرة بالجبن ، إضافة إلى ذرائع سخيفة يرددونها دائما وأبدا على مسامع ضحاياهم من المسافرين مفادها ارتفاع أسعار الوقود و"البورصة" أو أن موسم الصيف هو موسم الذروة والطائرات ممتلئة عن بكرة أبيها . حسنا ماذا لو قلبت الإجازة الصيفية وأصبحت في الخريف أو في الشتاء مثلا!!! ولماذا يرتفع ثمن وقود طائرات الشركات العربية فقط!!
في نفس الوقت يمكنك قضاء عطلة في فنادق خمس نجوم على سواحل تونس أومصر أوتركيا والتنعم بشواطئ خلابة والتهام ماتشاء من الوجبات حتى تصاب بالتخمة . وجزر المالديف أو موريتوس وهافانا وسريلانكا ، بالرغم من بعدها الجغرافي إلا أنها ليست استثناء ، وذلك كله بثمن بطاقة واحدة من فيينا إلى العاصمة الأردنية عمان مثلا..
لا يمكن التنكر ومن الإجحاف الإنكار أن السفر على متن طائرات الملكية الأردنية الحديثة يعتبر متعة لا تضاهى وستحظى برفقة مضيفات مهذبات وجميلات وطيارين محترفين و خدمات متميزة للغاية ، لكن هذا لا ينفى أن الأسعار ملتهبة و " مولعة نار " وعلى مدار العام ، ولا رأفة بمسافر أو سائح يرغب بالتوجه إلى المملكة ويحلم بزيارة البتراء .


سياسة الأمر الواقع/ سري القدوة


في ظل هذا الحصار الظالم علي شعبنا ومحاولات المخابرات الإسرائيلية ومدرية السجون العامة كسر إرادة الأسرى الفلسطينيين وإذلالهم في سجون الاحتلال والنيل من وحدتنا الفلسطينية , ما زالت القضية الفلسطينية تتجسد في المحافل الدولية كقضية أساسية ومحورية للشعوب المناضلة من اجل الحق والعدالة والحرية والسلام، التي تجسدها قضية شعب فلسطين كقضية عادلة ، وها هو الشعب الفلسطيني يواصل نضاله العادل والمشروع بعزيمة قوية وإرادة لا تلين، وبدعم وتأييد من كل الشرفاء والأحرار في العالم من أجل نيل وتجسيد حقنا المقدس والمشروع في الحرية والسيادة والاستقلال، وحماية المقدسات المسيحية والإسلامية.

إن شعبنا الفلسطيني اليوم يعيش ظروفاً بالغة الصعوبة والخطورة، بسبب التصعيد العسكري الإسرائيلي المجنون، والحصار المأساوي الخانق المفروض علي المناطق الفلسطينية من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي و على مدار أكثر من أربع سنوات، قام خلالها جيش الاحتلال المدجج بأحدث أسلحة القتل والتدمير المحرمة دولياً، بمواصلة حرب الإبادة والتطهير العرقي التي يشنها ضد شعبنا، وبتدمير كل مناحي حياته من بنى تحتية، ومؤسسات ومرافق حيوية ومدنية وأمنية، الأمر الذي جعل عملية السلام تدخل في مأزق وطريق مسدود.

أن السياسات والإجراءات الإسرائيلية والتدمير المنهجي التي ما زال جيش الاحتلال الإسرائيلي يقوم بتنفيذها في إطار خططه المعلنة وغير المعلنة وتحت مسميات مختلفة، يزيد الأمر تعقيداً وتفجراً، وينسف كل الجهود الصادقة التي تبذلها القيادة الفلسطينية للخروج من الأزمة الراهنة، وتحقيق التهدئة وصولاً لتنفيذ الاتفاقات والتفاهمات التي تم التوصل إليها، واستئناف المفاوضات على أساس قرارات الشرعية الدولية، وعلى أساس مبدأ الأرض مقابل السلام ومبادرة السلام العربية ووفقاً لخارطة الطريق.

أن خيار السلام مع الاستيطان خيار ساقط ومرفوض.. وخيار حصار القيادة الفلسطينية أصبح خيارا مارقا وعابرا.. ولا يمكن له النيل من صمود أهلنا وأسرانا البواسل في سجون الاحتلال فلا سلام مع استمرار الاحتلال والاستيطان والقمع وان السلام مع الاحتلال في ظل الاستيطان نقيضان لا يلتقيان أبدا , و أننا لا يمكن أن نقبل إلا بالسلام العادل والشامل الذي يعيد لشعبنا كافة حقوقه وأراضيه ومقدساته المحتلة غير منقوصة، وان نيتنياهو وحكومته وحصارها المالي علي شعبنا وسياسة الابتزاز التي يتبعها نيتنياهو ضد حكومة الكفاءات الفلسطينية وضد الوحدة وإنهاء الانقسام الذي يعمل من خلالها يهدف إلى قتل كل أمل في السلام ومازال يواصل مخططاته لتقويض عملية السلام بل ونسف المبدأ الذي انطلقت على أساسه وهو مبدأ الأرض مقابل السلام.

إن شعبنا الفلسطيني وكل القوي الوطنية والإسلامية مدعو اليوم إلي التحرك بقوة وزخم جماهيري وشعبي منظم مستخدمين كل الوسائل ومستغلين كل طاقاتنا لوقف الهجمة الاحتلالية الإسرائيلية ودعم صمود اسري الحرية ومواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية وإبداء الحرص علي الوحدة الوطنية الفلسطينية عمليا علي ارض الواقع بعيدا عن الشعارات والخطب الرنانة والبراقة .

إننا في ظل هذه الظروف الصعبة والدقيقة التي نعيشها وتمر بها عملية السلام والقضية الفلسطينية برمتها ، والتي تضع المنطقة بأسرها على حافة الانفجار الشامل ونقطة اللاعودة، جراء إمعان إسرائيل كقوة الاحتلال في حربها التدميرية وحصارها الخانق وفرض سياسة الأمر الواقع بقوة المدفع والدبابة نتطلع إلى المجتمع الدولي للعمل الفوري والتحرك العاجل والفاعل من أجل إلزام إسرائيل بأحكام قواعد الاتفاقات الدولية والرجوع عن إجراءاتها وقراراتها، ورفع الحصار المفروض على شعبنا ، ووقف عدوانها وحربها الظالمة علينا.

ويبقي خيار شعبنا الاستراتيجي هو وحدته الوطنية وحرص شعبنا علي تجسيد الوحدة ضمن إطار منظمة التحرير الفلسطينية التي هي الدولة وليست حزبا في الدولة هو الأهم من سياسات الحزبية المقيتة والضيقة والتي يدفع شعبنا ثمنا لاستمرار الانقسام كل يوم علي حساب الدولة الفلسطينية المستقلة .. فلا خيار أمام شعبنا سوى الوحدة ولا خيار أمام القيادة الفلسطينية سوى العمل علي الاستمرار في تدعيم وحدة شعبنا لمواجه مخاطر وتحديات الانقسام الأسود وإنهاء أسوأ مرحلة في تاريخ الشعب الفلسطيني .. إنهاء الانقسام الأسود والعمل علي تشكيل حكومة فلسطينية قادرة علي الإيفاء بمتطلبات المجتمع الدولي واستحقاقات الوحدة كخيار وحيد لشعبنا ..

رئيس تحرير جريدة الصباح الفلسطينية

حقيقة الثورة المزعومة/ مجدى فودة


وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ (13)
صدق الله العظيم

ان هذه الثورة المزعومة ما كان لها ان تنجح الا بفعل عدة عوامل:

هل كان يمكن لها ان تنجح بدون البلطجية الذين طلعوا باوامر عمر عفيفى الذى قيل انه ضابط و لم يقال انه عقيد سابق لالصاق التهمة فى الداخلية و العادلى و الذين اعطيت لهم التدريبات المسبقة و المال الوفير و خريطة المدن و الاماكن المطلوب تكسيرها و اعتبر منها السويس لتسهيل دخول حماس الذى كان مخطط له عبر المعبر

هل كان يمكن ان تنجح بدون تكسير الاقسام فى نفس التوقيت لارباك الشرطة و اخراج المساجين خاصة مسجونى حزب الله و حماس تحديدا مع اطلاق الرشاشات على الشرطة و سرقة السلاح و ملابس الشرطة و سياراتهم لاستعمالها فى الفتنة و الايقاع بين الشرطة و الشعب فبينما سحب العادلى سلاح الشرطة قام هؤلاء بارتداء ملابس شرطة و قتل متظاهرين بالرصاص الحى لايقاع الفتنة رغم اوامر الريس و العادلى بضبط النفس لتضييع الخطة الموضوعة من قبل المجرمين؟

هل كان يمكن ان تنجح بدون اشعال الفتنة بترويج شائعات مسبقة لتوريط العادلى و الريس زورا فى مقتل متظاهرين ثم فى اشعال موقعة الجمل بعد استقبال الناس لخطاب الريس بفرحة و قبول و خروجهم تلقائيا لاعلان تاييده مما ازعج المجرمين فارادوا التصرف بسرعة و اعادة الشباب للتحرير لاستكمال الاوامر الموضوعه لهم و قيام سكوبى السفيرة الحقيرة الامريكية صديقة البرادعى بدهس متظاهرين لالصاقها بالشرطة لكى لا تهدا الاوضاع ليثار الشباب و يحدث قتل لشرطة؟

هل كان يمكن ان تنجح بدون تفرغ اكبر قنوات عالمية و عربية 24 ساعة للتركيز على ميدان التحرير ال 200 متر و تصويره انه هو مصر و ان المئات الاف اللى فيه هم مصر كلها لان بالمنطق الميدان لا يسع الا لمئات الاف مثل من يحضرون اى حفل لاى مغنى مثلما فعلوا فى تونس من قبل مع تحريض مبرمج و ممنهج و متفق عليه و تطابق فى سياسات تلك القنوات الصهيونية و استضافة فقط المعارضين للرئيس و منع استقبال ضيوف او اصتالات من مؤيديه ثم انصرافهم عنهم كلية بمجرد تنحى الرئيس لاشنغالهم باسقاط الانظمة فى دول اخرى؟

هل كان يمكن ان تنجح بدون امكانيات مادية رهيبة بمئات مليارات الدولارات لتلك القنوات و تكاليف البقاء فى الهواء الطلق و الخيام و الاكل لمئات الاف الاشخاص يوميا و كاميرات و شاشات عرض لا تعرض القناة المصرية لكى لا يشاهد الشباب الرعب الحاصل و لا المناشدات لهم من فنانين و ناس عاديين و لا يسمعوا الا صوت الجزيرة و بى بى سى بصوت عالى يتغزل فيهم و يشجعهم على الاستمرار و يجند بلطجية لتكسير اماكن محددة و فى اوقات محددة فى كل الاحياء و المدن المنتقاة بدقة تامة لارباك الشرطة و احراق اماكن و مولات معينة ايضا و سرقة ملابس اطباء و سيارات اسعاف و مطافى للقيام بمهمات اخرى و لعمل فتنة ثم سرقة ملابس جيش و جنود للايقاع بين الناس و الجيش كما فعلوا مع الشرطة ايضا؟
هل كان يمكن ان تنجح بدون الضحك على الشباب هناك فمن حلاقة الاخوان لذقونهم خلال المظاهرات فيما عدا الجماعات الاسلامية المتشددة بالطبع لاجل ان يبدو المشهد انه بلا ترتيب و شباب عادى و بعد اجتذاب الشباب عبر جروبات فيسبوك الفنانين و الاعلاميين و الرياضيين ثم نزول تلك الوجوه المحددة المعروفة انها معارضة و اخوان و شيعة و بقائهم لاجل جذب المزيد من معجبيهم ثم اوامر للاخوان من المحافظات القريبة للقاهرة الا يضيعوا وقتهم و جهدهم فى التظاهر هناك بل الذهاب للقاهرة من محافظات معينة لاجل زيادة العدد و الاوامر بالتمركز فى التحرير و بعد ان بدا الاخوان فى يوم 25 يناير فى المحافظات هتافاتهم المعروفة الله اكبر و لله الحمد و حسبى الله و نعم الوكيل سافروا للقاهرة حيث كانت مظاهراتهم لا تزيد عن بضعة الاف و ليس فيها نساء سوى عشرات منتقبات و بالخمار فى اخر المسيرات و المسجات التى كانوا يرسلونها للجناح العسكرى لهم فى نفس اللحظة: اجعلوا الولادة متاخرة و لا تجعلوا الام تقف فى مكان واحد فالحركة مفيدة للجنين لاجل الانضمام متاخرا للمظاهرات ثم التحرك فى اكثر من مكان لتشتيت الشرطة؟

هل كان يمكن ان تنجح بلا ترتيب و لا تخطيط مثلما يقول الشباب و مثلما يدعى افاى الاخوان او اخاون الشياطين انهم لم يرتبوا لها؟ هل كان يمكن ان تنجح لولا فيديوهات و اوامر ايمن نور و عمر عفيفى و ارشادات كيف توقف سيارة شرطة و كيف تحرق سيارة شرطة و كيف تحمى نفسك من قنابل مسيلة الدموع التى انتشرت على كل المواقع قبلها؟ و هل كان بالصدفة للشباب ان يتم تشتيت الشرطة و محاصرة اماكن حيوية يتم محاصرتها فى اى ثورة و انقلاب مثل ماسبيرو و التلفزيون و محاولة اقتحامه و دار القضاء العالى و الحزب الوطنى و مجلس الوزراء و مجلس الشعب و غيرها؟

هل كان يمكن ان تنجع بدون عصيان مدنى دعا اليه البرادعى منذ مجيئه لمصر من عامين و كرره ايمن نور و الاخوان اكثر من مرة و يبدا بتدمير قوة الشرطة و المطافى و الاسعاف فى نفس التوقيت لكى لا يتمكنوا من اطفاء اى حرائق او اسعاف اى مصاب او القبض على اى مجرم و احراق الاوراق و الوثائق و ملفات القضايا لتبرئة الاخوان و الجماعات و بتوع حزب الله و حماس و حرق مستندات الدولة مثل امن الدولة و هى ليست سابقة اولى فالاخوان ايام حسن البنا وضعوا قنبلة فى مكتب النائب العام و عثر عليها موظف فالقاها خارج المبنى فمات عشرات و اول شىء كان حريق القاهرة الذى امرت به بريطانيا عميل المخابرات البريطانية هيكل من عامين و قالت له اضرب الشرطة فى عيدها فى 25 يناير و كرر حريق القاهرة فى عيده فى 26 يناير

هل كان يمكن ان تنجح بدون تدريب لاشخاص معينين؟ هل بالصدفة ان ينشر الاهرام قبل الثورة بيومين تقرير : المرتزقة يهبطون على المنطقة؟ و يشرح ان مرتزقة ملثمين يلبسون ملابس سوداء مثل ملابس حماس و الحرس الثورى الايرانى و تدريبات الاخوان العسكرية فى الازهر فى 2006 انهم هبطوا على المنطقة و انهم ينالون مليارات الدولارات لتنفيذ مهام حرق و اغتيال و قناصة و تفجير و احراق و قلب حكم فى اى مكان مقابل المال و انهم الوجه الاخر للجماعات الاسلامية مثل القاعهة اتلى تفعل ذلك مقابل المال و يتم الضحك على الانتحاريين الشباب و يقال لهم انه جهاد؟

هل كان يمكن ان تنجح بدون تدريبات على الحرق و المولوتوف و بروفات مسبقة قاموا بها فى الاسكندرية قبلها كبروفة الاخوان قبيل الانتخابات التى تعمدوا ان يخسروها ليبرروا ثورتهم الدموية المؤجلة من 82 عاما فطلعوا فى 12 مسيرة من اكثر من حى بلا تصريح من الشرطة و قلبوها الى مظاهرة ضد الحكومة و اصروا على الاحتكاك بالشرطة و اعتدوا عليهم بالسيوف كبروفة للثورة مثلما انضم بلطجيتهم ايضا فى مظاهرة اقباط العمرانية السلمية و مظاهرة ما بعد حادث الاسكندرية ليضربوا الشرطة ايضا و بروفة احراق مصانع و قطارات و بروفة احراق احد اقسام المناطق الشعبية فى القاهرة قبل الثورة بيومين عندما احرق البلطجية البطاطين و قام اهلهم بتكسير القسم كلها كانت بروفات للثورة!

هل كان يمكن ان تنجح بدون تمويه و بروفات لخداع الشرطة؟ فعندما تعلن حركة 6 ابريل و ما ادراك ما هى 6 ابريل عشرات المرات عن مظارهات حاشدة مليونية ثم يصير الامر بضعة اشخاص او عشرات او بضعه الالف للتمويه ليظن الشرطة ان كل مرة سيقولون مليونية زورا الى ان يجىء يوم الثورة الحقيقية فتكون صدمة و مفاجاة لشرطة و مثلما دربوهم على اختراع شهدي لكل ثورة ففى تونس حادث عادى ان يشعل شاب النار فى نفسه لكنهم استغلوه عبر تدريباتهم فى تضخيم الامر مثلما موضوع خالد سعيد الديلر تاجر المخدرات المدن المتهرب من السعكرية الذى تمت محاكمة و عقاب من قتلوه لكن كان مطلوب شاب غير ملتحى وسيم ليكون مبررا وهميا للثورة لذلك لم يحظى سيد بلال الملتحى الغير وسيم بنفس القدر من التاييد!

هل كان يمكن ان تنجح بدون عملاء؟ مثل البرادعى الذى دعا تحالف المصريين الامريكان اسبوعين فى اجازة الكريسماس و دعاهم ايمن نور على العشاء فى بيته و متعهم البرادعى باجازة مجانية مدفوعة الاجر لثلاثين شخص و عائلاتهم فى فنادق خمس نجوم ثم فى فسحة فى الغردقة بخ فيها سمومه و اكاذيبه ووعوده الكاذبة و صور لهم ان مبارك يمنع دولة مدنية و انهم لو ساعدوه سيجعل مصر مدنية بينما هو نفسه يتغزل فى الاخوان و يقول انهم شرفاء و انهم افضل فصيل معراض و ان من حقهم ان يحكموا مصر و انهم يريدون دولة مدنية فعاد هؤلاء و راحت دينا جرجس للكونجرس و ناقشوا مشكلة مصر و تحججوا بحادث القديسين و استغاثوا بامريكا لانقاذ الاقباط!

هل كان يمكن ان تنجح بدون عملاء مثل بتوع 6 ابريل الذين قامت برعايتهم سيدتين عجوزتين فى عمر امهاتهم جميلة اسماعيل و بثينه كامل و قالت جميلة اسماعيل انها ارسلتهم للتدريب فى امريكا و قطر

نظرية الفوضى الخلاقه (صناعة امريكية خالصة )
ركزوا فى الأمر على ضوء هذه النظريه سيتضح الامر
أولا : خروج فى تظاهر جماعى
ثانيا : أستفزاز الأمن من قبل عناصر مندسه أو من قبل مخترقين من جهاز الامن نفسه
ثالثا : سقوط الامن فى أنهيار مفاجئ وان كان ذلك ليس مستبعدا ان يكون من داخل جهاز الامن نفسه
رابعا : شيوع الفوضى
خامسا : هجوم جماعى من الخارجين عن القانون لترويع الأمنين بشكل متزامن فى طول البلاد وعرضها
سادسا : الأنقضاض على البقايا الباقيه من جهاز الأمن وسحقه بشكل متزامن ومترابط
سابعا: الدعوه لأستمرار التظاهر لتغييب المتظاهرين عن ما يحدث فى الواقع المصرى
ثامنا : الدفع ببعض الرموز التى يتعلق بها المتظاهرين لحثه على الأستمرار
تاسعا : محاولة زعزعه النظام والجبهه الداخليه لوقف أى محاولات للتهدئه
عاشرا: أفساد أى محاولات للتهدئه لكى يبقى الوضع كما هوعليه لكى تسقط الدوله فى أنقسامات مما يؤدى الى ثوره عارمه
احد عشر : انشغال الجيش المصرى عن مهمته الاساسيه
ثانى عشر : هذه المحاولات قد تؤدى الى انهيار الدوله وليس النظام فقط
ثالث عشر :احداث فراغ دستورى فى الحكم بسقوط النظام والدوله
وفى النهايه تسلم البلد على طبق من ذهب بأيدى الشباب الى أعداء البلد بدون إطلاق رصاصه واحده
ولكن صدق رسول الله من اراد بمصر سوء قسمه الله ونحن واثقون فى الله ان يحفظ مصرنا الحبيبة من كل سوء وعندنا ثقة كبيرة بالجيش المصرى وفى قادته ان يعبرو بمصرنا الحبيبة الى بر الامان باذن الله
Magdyfouda80@yahoo.com


إلى سمو أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني: عفوا.. مصر ليست مرتضى منصور/ رأفت محمد السيد


رسالة أوجهها إلى سمو الامير الشيخ حمد بن خليفة أل ثانى بالأصالة عن نفسى كمواطن مصرى يحب بلدة ويعشق حبات ترابها ، مواطن يعرف معنى العروبة والوطنية مفهوما ومعنى ، مواطن يدرك قيمة أمير عربى مثلكم وقيمة دولة عربية بحجم ومكانة دولة قطر فى قلوب جميع المصريين ، أقدم لسموكم كل الإعتذار عن أية تجاوزات تكون قد صدرت من السيد / مرتضى منصور وليس هذا دفاعا عنه فهو كفيل أن يدافع عن نفسه لاسيما وأن مسألة الدفاع هى مهنته وتخصصه ولكن إعتذارى لسموكم ولسمو الأميرة موزة بنت ناصر المسند لأن ماقاله المدعو مرتضى منصور لايعبر به إلا عن نفسه فقط فهو لايمثل الشعب المصرى كما أنه غير مفوض او موكل بالحديث عن هذا الشعب الطيب الذى يكن لسموكم وسمو الأميرة كل الحب والتقدير والعرفان فقد ألمنى جدا واستأت عندما علمت بالبلاغ المقدم للنائب العام تحت رقم 7909 ضد السيد / مرتضى منصور عن حديثة الذى دعا فيه الشعب القطرى للخروج فى مواجهة نظامكم الحاكم وهذه الدعوة كان من المفترض ومن باب أولى أن توجه للشعب المصرى المقهور منذ سنوات للخروج فى مواجهة نظامه الحاكم الفاسد الذى اذاقنا مرارة الذل والقهر على مدار ثلاثون عاما فالمنطق يقول ان الدعوة كانت يجب ان تكون لابناء بلده أولا لإعادة حقوقهم المسلوبة لاسيما وهو يمتهن هذه المهنة التى أساسها إعادة الحقوق إلى اصحابها وقد جانب السيد مرتضى منصور الصواب بالطبع فى هذه الدعوة إن كان قالها بالفعل لان الشعب القطرى لم يفوضه أو يوكله للتحدث بلسانه كما أن الشعب القطرىلديه من الوعى مايرفض به مثل هذه الدعوات شكلا ومضمونا ، إن الشعب القطرى العربى الشقيق يملك من الشجاعة والفصاحة والثقة فى ان يستعيد حقوقة ( إن كان له حقوق ) من اى إنسان حتى لو كان سموكم فهو ليس شعبا فاقد الأهلية لبستمع إلى أية دعوة فيها خروج وعصيان على أمير يقدم كل الخير والسعادة لدولته ، ودليلى على ذلك ما أظهرته بعض التقارير المتخصصة من أن دولة قطر احتلت المرتبة الأولى ضمن قائمة الدول الأغنى في العالم بمتوسط نصيب للفرد يبلغ 90.14 ألف دولار في عام 2010، وهذا يعنى أن مستوى المعيشة في قطر في أعلى مستوياته من بين الدول العربية جميعها، فالشعب القطرى يتمتع بالفعل بحياة كريمة ورخاء اقتصادي فما السبب فى هذه الدعوة ياسيادة المستشار ولماذا لم تتم هذه الدعوة من جانبكم للشعب المصرى من قبل ؟ فأنا على ثقة بانك لو وجهت هذه الدعوة للشعب المصرى من قبل فى ظل وجود الطغاة سيكون لك الحق ساعتها فى ذلك لاسيما فى ظل الظلم والقهر والجوع وتدنى الحالة المعيشية وصعوبتها للكثير من المصريين الذين كانوا يبحثون عن طعامهم فى صناديق القمامة ويسكنون أحواش القبور ولايجدون ما يحميهم من يرودة الشتاء القارص ، ولا من يدافع عنهم ضد هؤلاء الظالمين ، ويكفى دولة قطر من الفخر أنها الدولة الاولى التي تنال فيها دولة من الشرق الأوسط شرف تنظيم الحدث الرياضي الكبير تنظيم مونديال كأس العالم الذى يعطيها شهرة وبريق أخر، كل هذا كان فى عهد سمو الأمير حمد بن خليفة الثانى وبشهادة الكثير من المحللين الذيت ارجعوا فوز قطر باستضافة البطولة سيدعم صورة المنطقة عالميا بل ومن المحتمل أن يكون أعضاء اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) قد تأثروا بقوة قطر الاقتصادية كأكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم ، كما تشير التوقعات إلى أن اقتصاد قطر من المتوقع أن ينمو بنسبة 15.5 في المئة هذا العام ، قد ينمو بنسبة 21 في المئة في 2011 ما سيسمح للبلاد بضخ الموارد المالية اللازمة استعدادا لنهائيات كأس العالم 2022 ، كما أعلنت دولة قطر أنها قد دشنت برنامج إنفاق كبيرا خلال الأعوام الأخيرة لتشييد البنية التحتية اللازمة لإعاشة سكانها الذين يقدر عددهم بنحو 1.7 مليون نسمة، وعلى مدار الأعوام الخمس المقبلة ستبني قطر شبكة سكك حديدية بكلفة 25 مليار دولار ومطارا جديدا بكلفة 11 مليار دولار وميناء بكلفة 5.5 مليارات دولار بالإضافة إلى مشروعات أخرى وطرق جديدة بكلفة 20 مليار دولار ، إن كان هناك أشياء أخرى قد لايجمع عليها بعض الشعب القطرى على أميرهم فمن من بنى البشر أجمع عليه اوإتفق عليه إثنان ، حتى الانبياء لم يسلموا من إختلاف الناس عليهم – وأقول لسموكم مادام كل مايشغلكم هو شعبكم فهنيئا لكم بحب هذا الشعب وتقديره لكم وأنا كمصرى أدعو الله أن يولى علينا من يحفظ لهذا الشعب كرامته ويغنيه عن سؤال الناس وأن يحقق له الرخاء ورغد العيش مثلما حققتم لشعبكم وساعتها سوف نجد صورة لهذا الرئيس ليس فى بيت كل مصرى ولكن فى قلبه ، تحية للشعب القطرى الذى يعرف ويقدر قيمة أمير بلاده وحتى لو كان هناك معارضين لسمو الامير فإختلاف الرأى لايفسد للود قضية مادام الرجل يسعى من اجل ابناء وطنه ولكم فى حال الدول العربية الاخرى العبرة والعظة فيما فعله بهم رؤسائهم وأعوانهم من رمموز الفساد وعلى راى المثل المصرى الشهير والمعروف ( الواحد مايعرفش قيمة أمه إلا لما يشوف مرات ابوه ) فلنتفق ولنختلف ولكن لاندع الإختلاف يحول رغد عيشنا وحياتنا الكريمة والنعم التى من الله علينا بها إلى إنقلابات وثورات لانجنى منها سوى الخراب والدمار– حياك الله سمو الامير المناضل وجعلك دوما فخرا لبلادك ولوطنك العربى .

إسرائيل معسكر حربي يملك دولة: هل يوجد بديل سياسي للقوة؟/ نبيل عودة

ليس جديدا أن إسرائيل تتصرف كمعسكر حربي وليس كنظام دولة، المواقف السياسية ، وهو المجال الذي نفهم به،ونجهل أي فهم بالمسائل العسكرية إلا بصفتها استمرارا للسياسة بلغة المدافع، يبشر المجتمع الإسرائيلي بحروب بلا نهاية، وبموت من أجل قيم لا تسوى بكاء طفل فقد والده لضمان استمرار تنكر حكومته لحقوق الآخرين.
في هذا الأسبوع انطلقت صفارات الإنذار في جميع أنحاء الدولة، في تدريبات حربية تفترض هجوما بالصواريخ ، وربما بعضها تحمل سلاحا بيولوجيا أو كيماويا أو غيره من عصارة العقول التي لا تفكر إلا بالموت والدمار.
رغم علمنا ، أن الصفارات هي لضرورة التمرينات على مواجهة هجمات حقيقية، إلا أن ما خلفته من رعب في نفوس مئات الآلاف من المواطنين ، خاصة الصغار، يجعل كل إنسان يملك عقلا ، وليس كتلة مليئة بخطط لا تفكر إلا بأفضل الطرق لتدمير حق الآخرين بالحياة، عقلاني يفكر بغير القوة والحرب والانتصارات الوهمية. وكما قال ابراهم بورغ ، رئيس الكنيست الأسبق:" كل دولة تحتاج إلى قوة بدرجة معقولة. إلى جانب القوة تحتاج كل دولة أيضا إلى سياسة وقدرة نفسية على لجم القوة . لنا توجد قوة . الكثير من القوة وفقط قوة . لا يوجد لنا أي بديل للقوة ، ولا نملك أي فهم أو إرادة عدا أن نجعل القوة تتكلم .." .
التمرينات نفسها دلالة على نهج سياسي مغامر وفكر كنا نظن انه تلاشى من قرننا الحادي والعشرين، وعقليات وخطط لا تترك مكانا للعقلانية السياسية ، وللبحث عن طرق لا تدفع شرقنا الأوسط إلى تخليد فكر الانتقام وعقلية التفاوض بالمتفجرات . هذه حقيقة يجب أن تقلق العالم كله ، لأن الثمن لن يكون من نصيب شعوب الشرق الأوسط فقط !!
حقا إسرائيل مجتمع غني ، مجتمع علمي متطور ، مجتمع صناعي وتقني بالغ الرقي، مجتمع أبحاث وتطوير قل مثيله على كوكبنا الأرضي، مجتمع منظم ومراقب لمصلحة الجمهور وسيادة القانون. ومع ذلك هناك تجاوزات بعضها بنصوص قانونية وبعضها بعقليات ومناهج لا تحتاج لقانون ، بل تناقضه، وكله شرعي ما دام يوجه ضد الجماهير العربية.. وضد الشعب الفلسطيني ، وضد اليهود الشرقيين وضد الفئات الاجتماعية الفقيرة .
ولكن بالمقابل ، يعاني المجتمع الإسرائيلي من فجوات هائلة في المداخيل، تضع المجتمع الاسرائيلي في الصف الدولي الأمامي بموازاة مجتمع دولة مثل الولايات المتحدة. وكثيرا ما أسمعت انتقادات يسارية عن المجتمع "الرأسمالي ألخنزيري" الذي يطمح إليه نتنياهو أيضا ،رغم انه لا يمكن تجاهل انه كوزير مالية في وقته، حقق انجازات هامة للاقتصاد الإسرائيلي، ولكنه كرئيس حكومة، ما يهمه كرسي رئاسة الحكومة وزعامة اليمين السياسية، ومنها تتشكل سياسته(بقناعة أو غير قناعة ، ما الفرق؟) التي ترى أن القضية الفلسطينية، كقضية مركزية تواجه إسرائيل، هي قضية "غير قابلة للحل". إلا إذا اعترف أبو مازن بيهودية الدولة ، وبالحدود كما يريدها نتنياهو، وبحق إسرائيل في ضم القدس الشرقية وغور الأردن وشمال البحر الميت ، واستمرار سيطرتها على مصادر المياه الفلسطينية، وبأن الفلسطينيين، المواطنين في إسرائيل هم دخلاء وغزاة على دولة إسرائيل ، وبما هناك خطط لنقل جزء كبير من المواطنين العرب في إسرائيل الى السلطة الفلسطينية بما يعرف بتبادل الأراضي، أي أن نصيب الفلسطينيين أن يحصلوا على أراضي بديلة ولكن مليئة بالسكان مقابل الأراضي التي صادرتها إسرائيل وبنت عليها مستوطنات ستجعل الدولة الفلسطينية مجرد كانتونات هزيلة تفتقر لمركبات دولة . وربما على أبو مازن أن يضع على أبواب المقاطعة والوزارات الفلسطينية ومجلس الشعب الفلسطيني والسفارات الفلسطينية، التعويذة اليهودية التي تسمى بالعبرية "مزوزة" (مزوزة: رق صغير يكتب عليه إصحاحان من سفر التثنية 6, 4 - 9 11, 13 - 21 وهما جوهر ديانة التوحيد اليهودية مغلف ومثبت على إطار باب مدخل دار كل يهودي) وبذلك يثبت أبو مازن صلاحيته ليفاوضه نتنياهو ، ويعطيه دولة كانتونات محاصرة برا وجوا وبحرا ولا منفذ لها إلا عبر بوابات الجيش الإسرائيلي.
نفس العقلية تسود على المستوى الاقتصادي.
هناك سياسة إفقار للفئات الاجتماعية اليهودية الضعيفة،وخاصة لليهود الشرقيين، وبالطبع ما يعانيه الوسط العربي من التمييز في جميع مجالات الخدمات والتوظيفات والميزانيات،تشل إمكانية تقدمه . ومن ناحية أخرى زيادة الغناء الفاحش للأوساط الغنية، وبالتالي أتوقع أن موضوع الفجوة الاجتماعية اقتصادية الآخذة بالاتساع الجنوني،على مستوى المجتمع الإسرائيلي كله والمجتمع اليهودي بالتأكيد، ستكون الموضوع الذي سيقود إلى انفجارات اجتماعية قادمة، نشهد اليوم تحركا مثلا ضد أسعار منتجات الحليب، والمضحك أن منتجات إسرائيل من نفس النوع، ومن إنتاج إسرائيل، تباع في أوروبا بنصف أو ثلث ثمنها الذي تباع فيه في إسرائيل. اليوم الحملة أخذت منحى حول موضوع محدد ( أجبان معينة من إنتاج صناعات الحليب)، وأحدث ضجة حكومية وبرلمانية وشعبية عنيفة، وهناك مقاطعة جماهيرية لهذه المنتجات عبر تنسيق الحملة في المواقع الاجتماعية، بمشاركة أكثر من 60 ألف إنسان عبر تلك المواقع ( كما يبدو تعلموا من الثورات العربية) بل وأعلن مراقب الدولة انه سيفحص الموضوع من جذوره. وتحرك وزير المالية ووزير الزراعة ووزير العمل والرفاه، لتنسيق الجهود أمام هذه العاصفة النضالية الاجتماعية – اقتصادية غير العادية في إسرائيل، والتي لها إسقاطات سياسية مقلقة لنتنياهو وأعضاء حكومته ، ويحاولون حل الإشكال عبر التلويح بكسر احتكار الحليب بفتح السوق أمام المنافسة ، باستيراد منتجات من دول أخرى ، بينما الحل هو في إعادة الرقابة على أسعار المنتجات الأساسية .
متى سنشاهد تحركا في الشارع ضد السياسة التي أنتجت هذا الواقع المشوه؟ ضد السياسة التي لا تحمل بشارة سلام واطمئنان وحياة إنسانية طبيعية ؟
من الصعب الإجابة. الواقع السياسي ، واقع الصراع الفلسطيني إسرائيلي ، لعب دورا سلبيا في شل حركات الاحتجاج الاجتماعية، ولكن شيئا ما بدأ يتحرك. التحرك على المستوى الاقتصادي والاجتماعي سيكون فاتحة لما هو آت لا محالة. من الخطأ تصوير الشعب اليهودي بأنه يريد إستمرار النزاع. لا يوجد إنسان ، يحلم بحروب متواصلة يورثها لأبنائه وأحفاده وأحفاد أحفاده. هناك مهووسون ، لهم مكان آخر معزول عن المجتمع البشري!!
هل يحاول نتنياهو أن يستغل حالة اللاحل والتوتر السياسي ، وما يمكن أن يحدثه التسانومي السياسي الفلسطيني في مواجهة إسرائيل في الأمم المتحدة وعلى مستوى دول العالم المختلفة، بشل النضال الاجتماعي والاقتصادي العادل في المجتمع الإسرائيلي؟
هذا مطروح بالتأكيد، وهو ليس جديدا على السياسات الرسمية في إسرائيل.
نتنياهو من الذكاء ليعرف أن الانفجار الاجتماعي سيسقطه سياسيا حتى في أوساط اليمين.وهناك ظواهر قوية لتحرك على مستوى اجتماعي واقتصادي لانجاز تحولات لصالح القوى الضعيفة اجتماعيا، ولصالح الخدمات الطبية ، والضمانات الاجتماعية والرفاه. والأوساط النشطة تشكل تحالفا واسعا بدون صبغة سياسية. إن زيادة الفجوة الاقتصادية بين فئات المجتمع اليهودي نفسه، هي طريق لا مخرج منها، ستضمن سقوط حتى سياسات إسرائيل الاحتلالية.
الخطر هنا بالقيام بمغامرة عسكرية، وهذا ليس غريبا على التفكير السائد في المؤسسة السياسية والعسكرية في إسرائيل. لأنهم يملكون القوة، هذه حقيقة، ولا يملكون المنطق وراء التفكير باستعمال القوة..وظنهم ( أو وهمهم المتجدد دوما) أن ضربة عسكرية ستعيد الالتفاف حول سياسة الحكومة والتغاضي عن الواقع الاجتماعي الآخذ بالتأزم.
يبدو لي أن شيئا ما تحرك، وما كان صحيحا في مغامرات عسكرية سابقة، لم يعد مقنعا اليوم لأوساط واسعة جدا من أبرز الأوساط الاجتماعية والثقافية والأكاديمية صاحبة التأثير الآخذ بالاتساع. كذلك لا نتجاهل أيضا أن الصحافة في إسرائيل مليئة اليوم بتحاليل واستنتاجات فكرية وسياسية لم نتعود عليها في السابق، بمثل هذا الاتساع وهذا الوضوح ، وهذه القوة والتصميم، وكلها تدين تصرفات حكومة نتنياهو بحدة، وتحذر من سياسته المغامرة ونتائجها المدمرة لدولة اسرائيل في مختلف المجالات.
إن نتيجة معركة الحليب ستدفع إلى معارك في جبهات أخرى تخص المواطن، وترفض سياسة خدمة أصحاب الرساميل على حساب زيادة إملاق المواطنين. وأتوقع أن يبدأ الوعي الجماهيري بفهم أن الاستيطان يشكل سرقة لثروة الدولة وتبذيرا لا مستقبل له، عدا كونه يدفع إلى عمليات انتقامية فلسطينية من تنظيمات مختلفة، وليس فقط من تنظيمات إسلامية. وهناك حسابات تشير إلى أن ما وظف في الاستيطان والدفاع عن سوائب المستوطنين ، يوازي العديد من الميزانيات السنوية لدولة إسرائيل. وان سياسة التخطيط للحروب، لم تعد مضمونة كما كانت مع الدول العربية في منتصف القرن الماضي.
ولا بد من سؤال: هل تريد دولة الفقراء الحرب؟! هل يريد 850 ألف طفل جائع في إسرائيل الحرب؟! هل يريد 1.7 مليون إنسان يفتقدون للطعام ولحياة إنسانية الحرب؟! هل تريد أمهات وآباء آلاف الجنود أن يعود أولادهم بصناديق مغلقة؟!
إن دولة تصرف عشرات مليارات الدولارات لشراء طائرات حربية من الجيل الأكثر تقدما في العالم ، حين يعاني خمس سكانها من الفقر ، هي دولة فقدت كل المعايير الاجتماعية ، وباتت تتصرف كمعسكر حربي وليس كدولة.
مأساة المجتمع الإسرائيلي تبرز في اضمحلال القيم الاجتماعية والخطط الاجتماعية في نشاط الأحزاب، وكان، حتى وقت قريب، كل حزب يطرح موضوعاً اجتماعياً ينظر إليه كنبتة غريبة في غابة الأحزاب والسياسة في الدولة، ويفتقد للحس "القومي" ، والى آخر هذه الاسطوانة التي أصبحت جزءا من لغة وتفكير مجتمع مصاب بداء التطرف والانفلات العنصري.
ولكن يبدو أن معركة الحليب غيرت مناهج تفكير عديدة، وأغامر وأقول أن الثورات العربية تركت تأثيرها الايجابي على الواقع الإسرائيلي.
المنافسة الحزبية اليوم، تتجاهل الواقع الاجتماعي وتشد المجتمع نحو اليمين، نحو التعصب الديني المتزمت، نحو التطرف السياسي القومي، وليس سرا أن رجال أكاديميا من إسرائيل يتحدثون عن فاشية دينية آخذة بالاتساع وتتحالف مع الفاشية القومية، والجماهير العربية في البلاد تعرف بالتجربة المرة ظواهر الانفلات العنصري الفاشي المتحالف مع اتجاه ديني يغذي تطرفه وعنصريته.. ويقف على رأسه رجال دين ، قادة تيارات دينية ، وبعضهم يتبوأ مراكز مؤئرة مثل حاخام مدينة صفد ، إلى جانب ظاهرة الأحزاب الفاشية ممثلة بحزب "يسرائيل بيتينو"( حزب وزير الخارجية ليبرمان) على كل تركيبتها الغريبة. والموضوع لم يتوقف على اقتراح قوانين عنصرية فقط ، بل تجاوز إلى التحريض ضد المواطنين العرب وحقهم بالسكن في البلدات التي بنيت على أراضيهم مثل الناصرة العليا وكرمئيل وغيرها.
إن ما يقلق حكومة إسرائيل ورئيسها ليس 850 ألف ولد جائع، بل بناء آلاف وحدات السكن في القدس والمناطق المحتلة. وما يجري في القدس ليس مجرد بناء وإسكان، بل تغييرات جوهرية عميقة للغاية ، منها مثلا شبكة مواصلات عبر مترو كهربائي أصبح جاهزا ، يربط كل أطراف المدينة المحتلة بمستوطناتها مع القدس الغربية، وشبكة ضخمة من الشوارع الجديدة والمداخل الجديدة ، عدا استمرار شراء الأرض واحتلالها بحجج مختلفة ، وهدم وإخلاء أحياء عربية كاملة، والتعهدات العربية المالية أضخت في خبر كان، فهل ينتظر أحد ما أن ينجح الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال ، في مواجهة مليارات بلا نهاية تتدفق على برنامج تهويد القدس العربية ؟
والحقيقة أنها أضحت يهودية أكثر مما هي عربية.
ما يقلق هذا النظام ليس سد الفجوة بين الأغنياء الأسطوريين في الدولة، والفقراء لدرجة الإملاق، يهوداً وعرباً، بل التخطيط لحرب توقع آلاف القتلى، ومحاولة جر أمريكا إلى حرب جديدة مدمرة للشرق الأوسط، وربما تمتد إلى مناطق أخرى من العالم.
أجل حرباً جديدة لن تكون جولة من ستة أيام، حرباً جديدة ستفتح أبواب جهنم ولن تغلقها لا بشهر ولا بسنة ولا بعقد كامل من السنوات، ولن تنفع إسرائيل عندها أن تقيم لجاناً لفحص نتائج التورط الجديد ، الذي سيعيد الواقع في إسرائيل برمته إلى سنوات السبعين من القرن الماضي ، حسب ما قاله احد الجنرالات . وربما تكون نظرة ذلك الجنرال متفائلة، وسيكون الانهيار "نصر شر من هزيمة" ، إذا لم يكن هزيمة بمفاهيم الانهيار الكامل والشامل.
للأسف لا أحمل بشارة للناس البسطاء، يهودا وعربا. ولا أرى آفاقا وردية في المستقبل المرئي. هناك أصوات كثيرة عقلانية وتحذر من التدهور المتواصل وإمكانية المغامرات العسكرية. وما يزيد من خطورة الوضع هو ضعف الإدارة الأمريكية ، التي تلقى رئيسها اهانات عديدة من رئيس حكومة دولة حليفة وتعتمد على الدعم الأمريكي الكامل، ربما بالأكسجين أيضا، الذي يتنفسه مواطني الدولة.
أوساطا يهودية قلقة من تصرف نتنياهو، مع الإدارة الأمريكية ، ويرون أن التحالف الاستراتيجي بينهما ، سيتحول إلى مجرد علاقات صداقة غير ملزمة إذا تواصلت سياسة نتنياهو في تجاهل الجهود الأمريكية لإنهاء النزاع على أساس مقترحات الرئيس اوباما (حدود 1967 كقاعدة) ، وحل هذا النزاع بات من الأمور الحيوية لأمريكا نفسها، لإخراج الشرق الأوسط من نزاعه الذي امتد تأثيره المدمر بعيدا عن الشرق الأوسط أيضا، وباتت تكلفته للميزانية الأمريكية مقلقة ومرهقة.
إن التفكير بالقوة العسكرية وحسابات الحرب، حول إسرائيل إلى إسبارطة عظيمة، قوة عسكرية ضاربة ورهيبة، ولكنها لن تكون أكثر من إسبارطة بحكم التاريخ ونتائجه، ولا أعرف في التاريخ ألقديم أو الحديث، أي استثناء للإمبراطوريات التي اعتمدت القوة والحرب كسلاح لا بديل له.

nabiloudeh@gmail.com