نحن نعيش الآن فوضوية القرن التاسع عشر/ الدكتور حمـــدى حمودة

الفوضوية هي حصيلة حركتين كبيرتين من حركات الفكر في ميداني الاقتصاد و السياسة تميز بها النصف الاخير من القرن التاسع عشر ، ويعتقد الفوضويين اصحاب هذا المذهب ان الملكية الخاصة للأرض ورأس المال والمعدات قد ولي عهدها وأصبحت الملكية المشتركة للمجتمع هي الواجبة من أجل الانتاج ، وهم بذلك يكونوا قد اتفقوا مع ممثلي المذهب الراديكالي السياسي  في قولهم ( ان المثل الأعلى للتنظيم السياسي للمجتمع يرادف الحالة التي تتضاءل فيها مهمة الحكومة الى حدها الأدنى ، و يسترد الفرد حريته كاملة في العمل لاشباع حاجته التي تتنوع الى مالا نهاية ) . 
لذلك لا يلجأ المفكر الفوضوى الى اية تصورات ميتا فيزيقية مثل ( الحقوق الطبيعية ) او ( واجبات الدولة ) وغير ذلك ، لكنه يتبع الطريق الذى رسمته الفلسفة الحديثة للتطور ، فهو يدرس المجتمع البشرى كما هو الان وكما كان فى الماضى دون ان ينسب لكل فرد بمفرده صفات سامية لا يملكها ولكنه ينظر للمجتمع محاولا ان يكشف ميله فى الماضى  والحاضر و حاجاته المتنامية فكريا واقتصاديا وعندما يحدد مثله الاعلى فانه يتجه الى التطور لكى يمكنه ان يميز بين الميول والرغبات و بين العوارض كالحاجة الى ( المعرفة-الحروب –الهجرة) التى حالت بين اشباع هذه الميول على نحو يعود بالخير على المجتمع ككل الذى ينحو اتجاه التطور فما عادت مسالة ايمان وامنيات بقدر ماهى مسالة تخضع للنقاش العلمى .
ولنا ان نعى النحو الهائل للاشتراكية فى القرنين التاسع عشر والعشرين ، والانتشار السريع لنظريتها بين الطبقات العامة فى كثير من الشعوب و ذلك بعد ان حقق هذا النظام قدرات هائلة فى الانتاج تمخض عن المزيد من الثروات وتراكمها .
هذا النظام الذى اثبت صحتة حتى فى بديات القرن الحادى والعشرين الذى تعثر فيه النظام العالمى الجديد فكان مؤداه هذه الكارثة المالية العالمية حيث كان يعتمد على رأسمالية الشركات عابرة القارات الامرالذى ادى الى عولمة الاقتصاد الذى انهار هو الاخر وشمل كل دول العالم وعلى راسها الولايات المتحدة الامريكية.
ولقد حدثت فجوة كبيرة فى القرنين الاخيرين بين المولينير الحديث الذى يبدد الثروة فى مظاهر الترف و بين الفقير المعدم الذى انحدر الى مستوى فظيع من البؤس الذى يهدد وجوده ،هذه الهوة ازدادت اتساعا بحيث احدثت تصدعا فى المجتمع كما هددت التقدم والرقى الى ما هو اسمى. وهذا واضحا اولا فى كل دول العالم الثالث و العالم النامى ولحق حاليا  بالدول المتقدمة لذلك اصبحت الاشتركية للقرنين السابقين  وحتى يومنا هذا هى الفكرة المثلى بالنسبة لبعض المجتمعات المملوءة بعمال المصانع والفلاحين المرابطون فى الارض لزراعتها لوفرة الانتاج وذلك للاحساس المستمر بتحقيق العدالة و المساواة بين طبقات الشعب خاصة بعد زيادة الحقوق السياسية للطبقة العاملة .
ولقد اثبتت الفوضوية بعد مشوار طويل انها تتمشى والنتائج التى اهتدت اليها فلسفة التطور التى بينت بدورها على المدى الطويل على ضوء ما حدث من صراع على البقاء ، انه قد ثبت ان الاصلح او الانسب ، هم الذين جمعوا بين المعرفة الفكرية و المعرفة اللازمة لانتاج الثروة وليس اولئك الذين يتمتعون بالثراء الان لانهم هم  واجدادهم قد جمعوا هذه الثروة اعتمادا على القوة التى تمتعوا بها بعض الوقت .
لذلك نجد ان فلسفة التطور بعد ان درست الحياة البشرية من تطور بيولوجى فانها انتهت لنفس النتيجه التى انتهى اليها الفوضويون بعد دراسة التاريخ حيث اى تقدم لاحق فى المجتمع يتوافق مع الاتجاه الذى يخضع الثروة للعدالة الاشتراكية والعمل المتكامل  بالاضافة الى اكبر قدر من الحرية .
فاذا تاملنا التاريخ سنرى ان العصور التى شقت فيها جماعات صغيرة من البشرية عصا الطاعة ضد سلطان حكامها قد استعادت حريتها كانت عصور تحقق فيها اكبر قدر من التقدم الاقتصادى والفكرى ولو لاحظنا بعناية التقدم الراهن عند الامم المتحضرة فلسوف نكتشف الحركة الملحوظة نحو الحد الهائل من مجال فاعلية الحكومة مما يساعد على نطاق اوسع لحرية الفرد .
ويرى كروبوتكين (امير من طبقة النبلاء فى عهد قيصر روسيا و عالم جغرافي ) ان الفوضوية هى المخرج الوحيد من المأزق السياسى والاجتماعى والاقتصادى الذى وجدنا انفسنا فيه ، ويرجع هذا المأزق من انفصال الحرية السياسية عن الحرية الاقتصادية ، فاذا لم يتوفر للحكومة قدر من القوة يجعلها تتصف (بالاستبداد ) لانها ستترك للراسمالى حرية اضطهاد العامل ، واذا توفر للحكومة القوة الكافية بمنع الراسمالي من استعباد العمال فلسوف تقوم هى باستعباد جميع المواطنين.
وعرف كروبوتكين ان التاريخ والتطور قد اشارا الى الفوضوية على انها الخطوة التالية لمستقبل البشرية ، واعترف كذلك بعض فلاسفة السياسة ان الفوضوية امر مرغوب فيه كمثل اعلى ، ويثبت كروبوتكين فى تحليله ان الفوضوية (الاناركية)امر قابل للتحقق الان لان المأزق السياسى الحاضر والتاريخ والتطور كل هذه العوامل تستحثنا على ذلك. 
وعلى ذلك عرف كروبوتكين كيف يشجب العنف المتعمد من الدولة بملئ المعتقلات من صنوف الشعب المشارك فى الثورة على الظلم ، وسلب الحريات ، وتكميم الأفواه ، اما النقاد الذين يسعون للأنتقاص من الأناركية ( الفوضوية ) وينسبون اليها هذه الأحداث فى كثير من الأحيان ، لذلك نجد بعض فلاسفة السياسة يعترفون أن الفوضوية أمر مرغوب فيه كمثل أعلى ، ولكنهم اما رفضوها لعدم صلاحيتها للتطبيق العملى ، أو تنبأوا بتحققها فى مكان ما فى المستقبل البعيد ( وهذا مانشاهده اليوم فى كل العالم ) وخاصة عالمنا العربى والأسلامى ..!!    
Dr_hamdy@hotmail.c0m

عيد ميلادها الخمسين/ طوني رزق

لرفيقة دربي والعمر لمكتبلنا 

إنتي قصيده نكتبت من سنين
عّم اسمعا مطرح ما بتكوني
معقول عمرك جوقة حساسين ؟؟ 
غنة عا غصن نبيد بظنوني
خمسين صارو وما عرفة لمين
بس عرفت السنين مجنوني
بتركض ورا دعساتك الحلوين
متل النحل تا تجمع الموني
إنتي قصيده بتنقرا تخمين
بس بحبر عرقان عا جفوني
وضليت اسمع نهدتك تلحين
ولما وصلت عا عيدك الخمسين
احلا قصيده سمعت عيوني

ثلاثية الإرهاب الدموي/ راسم عبيدات

لقد هز المشهد الدموي الذي نظمه ارهابيو "داعش" العابر للقارات ،وجدان  وضمير وقيم كل من هو مؤمن بالإنسانية والحياة،حيث جرى التفجير والإنتحار في ثلاث قارات اوروبا وافريقيا واسيا،والحصيلة في الهجمات الثلاث على منشأة الغاز الفرنسية والفندقين في تونس ومسجد الامام الصادق في الكويت عشرات القتلى وأكثر بذلك بكثير من الجرحى.

 ثلاثية الإرهاب الدموي، ضربت أهدافاً متنوّعة، ودولاً متعدّدة، مؤكدة حقيقة واحدة ودامغة هي أنّ الإرهاب خطر داهم على الإنسان والمجتمعات الإنسانية قاطبة،والضربات الثلاث التي حدثت،ليست في الإطار ولا في السياق العفوي،فالإرهاب في فرنسا وتونس يريد ان يسجل نقاطاً،ولكن الأخطر في الكويت يريد ان يرسم استراتيجية،فالتفجير اعلان عن بدء نشاط التنظيم في الكويت في خطة اكبر من حجم الضربة،ف"داعش" تدرك بأن خساراتها المتتالية في العراق وسوريا وخروجها من هذين البلدين،يحتاج ان يكون لها قاعدة ومقر رئيسي تقود من خلاله إرهابها وعملياتها،ورسو الخيار على الكويت ليس اعتباطاً،فالكويت دولة صغيرة وقدرات التنظيم قادرة على السيطرة عليها،وهناك النفط والإطلالة على  الخليج العربي والإتصال مع السعودية والعراق وايران،وهذا يجعل الكويت ذو مكانة استراتيجية ل"داعش" من اجل قيادة التطرف المذهبي والفكر القاعدي الوهابي ضد "الشيعة" من جهة،وضد النظام الأميري من جهة اخرى.

لقد عرضت "داعش" آخر مبتكراتها في عمليات القتل والأجرام،والتي لم تضاهيها فيها لا نازية ولا فاشية من حيث ربط ضحايا مجتمعين بالمتفجرات وتفجيرهم مرة واحدة،إو إغراقهم بالمياه وهم في أقفاص،او حرقهم احياء في أقفاص كما حدث مع الطيار الأردني الكساسبة،وسبق ذلك جرائم قتل بشعة في سوريا والعراق وليبيا تراوحت بين جز الرؤوس بالسيوف وقطعها بالسواطير وبقر البطون وسلخ الجلود وشق الصدور واكل الأكباد والأحشاء،وتلك الجرائم والمشاهد الوحشية والمقززة لم تحظ بإستنكار وإدانة حقيقية ومواقف وقرارات حازمة،ضد مرتكبيها ومنفذيها والقائمين عليها من ممولين وداعمين وموفرين له الحضانة والرعاية والبيئة.

 امريكا والغرب الإستعماري  و"اسرائيل" وتركيا ومشيخات النفط والغاز  الخليجية،استثمرت في هذا الإرهاب من اجل تحقيق اهدافها وحماية مصالحها ونفوذها ووجودها في المنطقة،في تزاوج مصالح ،جمع أصحاب مشروع الفوضى الخلاقة والفتن والحروب المذهبية والطائفية،وأصحاب فقة البداوة والبترودولار من اجل حماية عروشهم وكراسيهم،والحالمين بإستعادة امجاد امبراطوريتهم المريضة على حساب الدم والجغرافيا العربية و"اسرائيل" الراغبة في أن تبقى المتسيدة في المنطقة،بعد تدمير الدول والجيوش المركزية العربية الثلاث العراق وسوريا ومصر.

الإستثمار في الإرهاب من قبل هذه الدول وتوظيفه لخدمة مصالحها واهدافها يجعل من الصعب القضاء عليه والتخلص منه.

ولكن في ظل ما يحدث ويجري وانتقال نشاط تلك الجماعات الارهابية وتنفيذها عملياتها في قلب العواصم الغربية،وحتى في عقر دار من استولدوها واحتضنوها من مشيخات النفط والكاز،فإن هؤلاء الداعمين والمستخدمين لهذه الجماعات من القتلة والمتطرفين من "قاعدة" ومتفرعاتها من "داعش" و"نصرة" و"جند الشام " و"السلفية الجهادية" وغيرها،لم يعودوا قادرين على تبرير جرائم تلك الجماعات امام شعوبهم،بأن ما يجري هو حراك سلمي مسلح بشعارات الحرية والديمقراطية وقيم العدالة  والتعددية والإنسانية وغيرها.

نحن ندرك تماماً رغم الثلاثية الدموية،ومع عودة الكثير من الارهابين الذين زج بهم في القتال في الشام والعراق وليبيا واليمن إلى دولهم،فإن خطر هؤلاء سيكون كبيراً على الدول التي جاؤوا منها،ولكن في هذه المرحلة وفي الأفق القريب لا نرى فكاكاً وتخلياً عن هذه الجماعات الإرهابية من قبل امريكا والغرب الإستعماري ومشغليها من مشيخات النفط والكاز وجماعة التتريك،فهم يدركون بأن التخلي في هذه المرحلة بالذات،والتي يقترب فيها التوقيع مع طهران حول ملفها النووي،وما يحدث في سوريا والعراق واليمن من هزيمة للمشروع المعادي،فإن هذا التخلي،يعني السماح لحلف طهران- دمشق الضاحية الجنوبية وصنعاء برسم معادلات وتحالفات المنطقة بالتعاون مع روسيا والصين،وهذا لا يمكن لأمريكا وحلفائها التسليم به حالياً.

لكن الأكيد أنّه بعد ثلاثية الإرهاب الدموي فإن خطر الإرهاب يدقّ أبواب العواصم كلها من دون استثناء،بما فيها أبواب واشنطن، ولذلك تبدو مواجهة الإرهاب والتطرف أولوية على أجندة جميع الدول،بما فيها الولايات المتحدة،وجماعة التتريك ومشيخات النفط والكاز لن تنجو من هذا الخطر الذي إحتضنته ومولته وامدته بكل المقومات للبقاء والتمدد من مال وسلاح ورجال. فالهجمات الإرهابية الثلاث التي حصلت في الكويت وتونس وفرنسا، مثيرة للقلق والخوف وهي سترغم دولاً عدة على اتخاذ خطوات جادّة وفاعلة لحماية أمنها واستقرارها، ومع هذه الخطوات ربما يبدأ العدّ العكسي، لمرحلة التماهي والدعم والاحتضان الغربي والإقليمي والعربي للمجموعات الإرهابية، عدّ عكسي تبدأ معه مرحلة وقف الاستثمار في الإرهاب.

وحتى يتبلور موقف دولي واضح بوقف الاستثمار في الإرهاب وضرورة محاربته، المطلوب رفع الصوت عالياً بإدانة الإرهاب والدعوة إلى قتاله واجتثاثه، وقد بدأت ترتفع وتيرة المواقف الدولية المندّدة بالإرهاب الدموي الذي ضرب امس الجمعة،وعلى الحكومات العربية المتورطة والداعمة لتلك الجماعات الإرهابية التوقف عن دعمها،وعليها أن تعي بان حروب التدمير الذاتي وتفكيك المشروع القومي العربي،والتفتيت والتذرير للجغرافيا العربية وإعادة تركيبها من جديد ضمن تخوم  خطوط التقسيم المذهبي والطائفي،لن يجعل بلدانها بمنأى أو محصنة من هذا الخطر.

خطر جدي وداهم علينا كعرب ومسلمين مواجهته من خلال العمل على إغلاق كل قنوات ووسائل اعلام الفتنة المذهبية والتي تدعو الى الفرقة والخلاف،وكذلك المؤسسات الدينية،بما فيها الجوامع والمساجد المجندة والمسخرة للتحريض المذهبي،فنحن امام خطر جدي وحقيقي،يتهدد ليس جغرافية وهوية وثقافة شبابنا،بل الأخطر إحتلال عقولهم،وتحويلهم الى جماعات من القتلة،تمارس القتل من أجل القتل،،ولا تعترف بأي ثقافة أو حضارة أو ديانة أخرى،فالبشر عندما يحجر على عقولهم وفكرهم،يصبح سلوكهم وفعلهم خارج سياق البشرية العاقلة،ويتحولون الى مجرد وحوش بشرية.


درع يقظة حامٍ من صواعق الإرهاب ونهم الهيمنة/ حميد عوّاد

ما أن يتلاشى "برق ورعد" عمل إرهابيّ مروّع حتّى يتبعه "قصف" آخر يطلقه أو يدّعي أبوّته تنظيم متطرّف أو يقوم به فرد هامشيّ (غالباً سجلّه العدلي نظيف من السوابق) مصعوق بشحنات ما يسمعه ويشاهده و"يتعلّمه" فيتوق إلى ومضة اشتعال وإشعاع تحمل ذرّاته إلى جنّة إفتراضيّة أو تسلّط عليه الأضواء على مسرح الأحداث العالميّة. 

أجهد "وهج" الجرائم الإرهابيّة الأنظار وأرهق النفوس باستمرار نفثه من قمقم التطرّف. 

 منفّذو مجازر تشارلستون (كارولينا الجنوبيّة) وإيزير (غرونوبل) و(منتجع سوسه التونسيّ) ومسجد الصوابر (الكويت) "قذفهم" لهب حمم تطرّف متبانية المركّبات سبقها هيجانات وانفجارات وسيول مشابهة. 

كُنْه الحقد المحفّز على ارتكاب هذه الفظائع هو تقمّص نزاعات الهيمنة عقائد متصلّبة يؤمن صاحبها إطلاقاً بعصمتها وصوابيّتها وأحقّيتها فيما يخسّئ ويكفّر ويحتقر كل خارج عنها ليبرّر "إبادته". 

هذا التلاطم والتصنيف النظريّين بين "مخلوقات كاملة" وأخرى ممسوخة يحدثان شروخاً في كلّ مجتمع وطنيّ متنوّع وينفجران صراعاً أو عدواناً شرساً على الأرض نراه يتأجج في سوريا والعراق واليمن وينتشر رذاذ أمواجه في شمالي افريقيا وبلدان الشرق الأدنى و يتجاوزها ليطال دول الجبابرة. 

في غمرة تصاعد قوّة وتفشّي إعلام وتوسّع رقعة التنظيمات المتطرّفة، تتلطّى أنظمة إقليميّة شموليّة متطرّفة أوقدت سعير مشاعر التطرّف المناوئة باستفزازاتها واختراقها لمجتمعات غيرها وغبنها لحقوق الشراكة المنصفة فيها لتسبغ على أدوارها في الحروب التي افتعلتها "شرعيّة" تستجدي تأييد دول العالم، التي تحاول بدورها لكن من موقع مناوئ تحجيم بؤر الإرهاب وفصلها عن ثوّار القضايا المحقّة لإطلاق تسويات سياسيّة عادلة. 

للأسف الشديد خلّفت هذه الصراعات والاضطهادات فرز كيانات متناحرة ومآسِ بشريّة هائلة نتج عنها نكبات وانتهاك كرامات بلغت إذلال واستعباد واستئصال نفوس بريئة اضطرّت للنزوح خارج مواطنها والتشرّد معدومة من مصادر العيش لتقبع مكرهة في مخيّمات لاجئين تنتظر إحسان المنظمّات الخيريّة وأريحيّة عطاءات بعض الدول. 

لبنان الضيّق بمساحة والرحب بضيافته والمكتظ بسكّانه يتحمّل عبئاً كبيراً يرهق إقتصاده المستنزف ويخلخل وضعه الإجتماعيّ والأمنيّ جرّاء اللجوء السوري الكثيف إليه. 

وهو بأمسّ الحاجة إلى يقظة وطنيّة تنتشل مؤسّساته وسلطاته من التخدير المتعمّد وينتظر انتفاضة عارمة لأصحاب الضمائر الحرّة التي تأبى الخضوع لضغوط قوىً إقليميّة تحاول زجّه في أتّون الصراع المتأجّج حوله وتسترهنه لأذرعتها داخل الوطن والتي انتدبتها لتخوض حربها خارجه. 

لبنان صيغة حداثة حضاريّة وئاميّة متميّزة في محيطها الجغرافيّ، تحرص على استمرار دورها الدول الصديقة وتدعم استقرارها   عبر تذخير وتصليب عامودها الفقريّ الجيش وسائر قواها الأمنيّة والمساعدة في تزخيم دورة الحياة السياسيّة وإنعاش حركة الإقتصاد وإزالة العقبات التي تلجم السلطات وتؤخّر إنجاز استحقاقات دستوريّة مهمّة وفي طليعتها انتخاب رئيس للجمهوريّة فذّ وقائد لا ينقاد إلّا لضميره وحكمته ومحبّته لوطنه فيستهدي بتوقّد فكره النيّر مصلحة الوطن. 

هناك بَون شاسع وتناقض حادّ بين الذين يفرضون على الوطن مراسم الموت كنمط حياة وبين الذين يحيون الأفراح إحتفالات شكر لله على نعمة فريدة منحهم إيّاها أسماها لبنان. 

أكاديمي مواظب على تحرّي الشؤون اللبنانيّة*

Compassionate empathy, accurate discernment, judicious opinion, support for freedom, justice and Human Rights.
 http://hamidaouad.blogspot.com/

نركب البحر ونخشى من الغرق/ جواد بولس

قد يبدو قرار النائب باسل غطاس الانضمام إلى إحدى سفن أسطول كسر الحصار عن غزة، طبيعيّا، ولا يعدو كونه خيارًا طوعيّا فرديًا، وممارسةَ حق مكفول وفق جميع الأعراف والقوانين الوضعية والدولية، لكنني، ولأسباب سأسوقها لاحقًا، أرى أن هذه المشاركة تستثير بعض التساؤلات، وتستوجب تقييمها بأدوات تفكيك موضوعية ومحاولات تحليل لا تتأثر بما قد تستحوذه، بشكل شبه غرائزي عند البعض، من تعاطف سيبقى، برأيي، شعبيًا وينتشي، دومًا، على إغواء البرق في ليل شرق محلولك، ويطرب على هزيم رعد سماواتنا التي أدمنت استنشاق سحب من أبخرة مدعوشة ومنفّطة. 
للدكتور باسل غطاس كامل الحق بأن يشارك في كل نشاط يختاره ويستهويه، تمامًا كما لكل البشر، فحقوقهم الأساسية في الحركة والتعبير عن الرأي والموقف وغيرها، يجب أن تبقى مصونة، مهما كانت خلافيةً أو غير مرغوبة لدى فئات أخرى، صديقةً كانت أم عدوة. 
والتضامن مع غزة المحاصرة وأهلها، الضحايا المباشرين لاعتداءات جيش الاحتلال الاسرائيلي ولألعاب المصالح الكبيرة، واجب كل حر في العالم، ومن باب أولى من الأخوة وابن العم والقريب/الشريك في الفاجعة والملح وفي الأمل وعشق البحر وسلاطينه!
والتهديد الإسرائيلي باعتراض سفن الأسطول المبحر في اتجاه شواطيء غزة مقيت ومرفوض وهو يندرج في سياق ما تجيده آلة الحرب الاسرائيلية المحرّكة دائمًا بعنجهية تفوق أحلام الاسكندر وسطوة تبز سيل جنكيز الأهوج الغاشم.
 ويبقى للقيادة شؤونها وطعمها المختلف، 
 فما أن أعلن النائب في القائمة المشتركة، باسل غطاس، عن عزمه الاشتراك في أسطول كسر الحصار الثالث، حتى بدأت تتدافع نباحات المحرضين من جوقات اليمين الفاشي والتي تتربص في العتمة وتنقضّ على كل جرح عربي وعصب مكشوف، وصار نباحها يستجلب النباح والعواء، فكبرت الجوقة وطفقت تهاجم كل بني عرب، وتعضّ بأنيابها وتدمي جسد أقلية عربية ما انفكت تداري جراح هجمات شرسة سابقة، وتستبشر العافية بظل وعد وأمل، بعد انتهائها من معركة انتخابات خاضها قادتها موحدّين في قائمة نوّرت وينتظر الناس إيناع أزاهيرها والجنى.
مع اشتداد حملة التحريض اليميني على النائب غطاس، اجتمعت القائمة المشتركة في الكنيست وقامت ببحث تلك الهجمة، وذلك كما جاء في بيان صدر عن ذلك الاجتماع، وفيه أكّدت القائمة أن الجريمة الكبرى هي الحصار الإسرائيلي لغزة، وحيّت جمهور المشاركين في الأسطول، وعبّرت عن دعمها ومساندتها لمشاركة النائب عن القائمة المشتركة في هذه الفعّالية، ودانت موجة التحريض، وقالت إن الحملة المسعورة هي محاولة لكسر شوكة النضال ضد الاحتلال.
أمّا رئيس القائمة المشتركة، النائب أيمن عودة، فبارك خطوة زميله غطاس لأن "من حقنا إنهاء الحصار ونعتبر كل خطوة من أجل إنهاء هذه الجريمة نضالًا عادلًا".
والقيادة فن وحكمة، ورأسها: الشجاعة واحترام العباد، 
فمن يقرأ ذلك البيان يقف مشدوهًا مما غاب عنه وما تستر عليه وسكت. فالقاريء العادي يستنتج أن النائب غطاس قد قرر، من غير الاستئناس برأي زملائه، الاشتراك في رحلة الأسطول، واستدعى موقف المشتركة ومظلّتها، بعدما هاجت الأنواء وماجت السفن، فهو بهذا التصرف حشر، عمليًا، زملاءه وتركهم أمام خيارين: إما الإعراض والصمت، وإما التنادي والدعم، وعليه وأمام هجمة اليمين، صار دعم نواب المشتركة ومساندتهم لمشاركة زميلهم، تحصيل حاصل ونتيجة محتومة، وصار زميلهم يمثل القائمة كلّها!  
يكشف ما جرى خللًا بنيويًا خطيرًا في طريقة اتخاذ القرارات في المشتركة ويضع علامات سؤال جدّية حول مسؤولية النائب الفرد أمام القائمة والمجموع، ومايمثله هذا المجموع من مصالح للأقلية العربية في البلاد؛ فإذا أصبح النائب غطاس يمثل، بقراره الفردي، موقف المشتركة، فلماذا لم يُبحث هذا القرار قبل إعلانه مستقلًا، علمًا بأن  أغلب أعضاء القائمة لم يعرفوا بنيّته وقراره، وبعضهم دعي، مثله، للمشاركة ولم يستجب؟ وإذا كانت المشاركة في الأسطول فعلًا نضاليًا عادلًا، كما جاء في بيان القائمة، فلماذا تقاعس باقي أعضاء المشتركة، ولم يشاركوا في صنع ذلك النصر والفعل النضالي العادل؟ 
بعيدًا عمّا تشي به آلية العمل في القائمة المشتركة والتي تقترب بخطى حثيثة، لتصير قائمة تسيير أفعال تعتمد الجرجرة أوالانجرار، يبقى تفضيل عدم مناقشة خطوة فردية هنا أو قرار هناك، واقعًا مقلقًا  وغير مطمئن، لا سيما عندما تتبنى القائمة مجموعة ذلك القرار الفردي، وتستهجن بعده انفلات اليمين عليهم، فليس من الغريب أن ينفلت اليمين، في كل مناسبة ومن دون مناسبة، بل العجيب أن لا يشكل هذا المعطى خلفية تؤخذ في حسابات النواب عند اتخاذهم لهذا القرار أو قيامهم بذاك النشاط. 
وللتأكيد أوضح، انني لا أقترح، بالطبع، أن يسقف نشاط أقليتنا بميزان حساسية قطعان اليمين ومَن دونهم، بل أقترح أن يبقى الجواب على سؤالنا التالي هو المسطرة وكفة الترجيح: فما هي الفائدة الوطنية المتوقعة والممكنة والمكتسبة فعلًا لأبناء الأقلية العربية في إسرائيل، من هذه الوسيلة النضالية أو الخطوة تلك،لاسيما في معطيات وشروط معيشتنا المتغيرة للأخطر؟  فهذه المعطيات والشروط هي العوامل الأوضح لإجازة الفعل النضالي أو رفضه. 
لقد تبنت المشتركة قرار النائب غطاس الفردي بعد أن غُيّبت عنه في البداية، وبذلك أصبحت مشاركته تمثل كل الأعضاء ومئات الآلاف ممن دعموهم في الانتخابات، وعليه لم يعد قرار النائب يعنيه شخصيًا أو يعني حزبه فقط، ولذلك، يحق لنا أن نتساءل عن الفائدة المباشرة أو غير المباشرة التي سيجنيها ابن جلجولية وعكا والناصرة ورهط من هذه المشاركة؟ فاذا كان الهدف هو التضامن مع شعبنا الفلسطيني، وهذا واجب غير موسمي، وإذا كانت القضية أن نساهم مع تلك القوى العالمية في استجلاب الضوء على عتمة غزة وفك حصارها، فهناك عشرات الطرق والوسائل كي نفعل ذلك من مواقعنا، ومنها،مثلًا، أن يبادر قادة الأحزاب وهيئاتهم القيادية بتسيير قوافل دعم واحتجاج من مئات السيارات والحافلات ولتتجه تلك المواكب نحو غزة، على غرار تلك القوافل من المرابطين والمجاهدين المناصرين للأقصى، وساعتها فليقمع القامع، وليشهد العالم علينا وعلى غزة وعلى كل حر مناضل أصيل. 
لن يختلف وطنيان على ضرورة التضامن ومساندة غزة وأخواتها، ولكن على القائد الحكيم، أن يسأل، قبل اقتحام الموج والأهوال، هل سيجني مَن بأصواتهم صار هو قائدًا أي منفعة وطنية أو فائدة مدنية؟ ولأننا نعيش في مكان وزمان يحددان هوامش نضالاتنا ووسائل كفاحاتنا، علينا أن نختار من الخيارات ما هو صحيح ومجد وليس ما هو عادل فقط، فما نفع تضحيتنا إن أضافت ريشة على صدر شعبنا، وصارت قشة قد تقسم ظهر بعيرنا.
لربما استشعر أيمن عودة هذه المفارقة حين وصف خطوة زميله بالعادلة فقط، فهو، كأسلافه من العرب، يجب أن يعرف أنه، إذا رغبت "الملوك"عن الحكمة والإنصاف، فسترغب الرعية، حتمًا، عن الطاعة والإصغاء.

لماذا التحرك الدبلوماسي الفرنسي الآن؟/ راسم عبيدات

بداية لا بد من التأكيد بأننا كعرب وفلسطينيين نعاني من عقدة "إرتعاش" سياسي مزمن،عقدة التراجع والتخلي عن المواقف والمبادىء والثوابت،وهذه نتيجة لوهم غرسته قيادات منخورة في النظام الرسمي العربي عبر مرتزقة من كتاب وصحفيين ومثقفين وسائل اعلام مأجورة في أذهان الجماهير بأنه من اجل ان نستطيع كعرب وفلسطينيين الحصول على حقوقنا علينا ان نكون واقعيين وعقلانيين (التخلي عن نهج وخيار المقاومة،والتنازل ثم التنازل)،وهذا النهج قاده المغدور السادات(99)% من أوراق الحل بيد أمريكا،ومن  ثم وصف حزب الله من قبل ما يسمى بمحور الإعتدال العربي بمجموعة من المغامرين والتآمر عليهم اثناء تصديهم للعدوان الإسرائيلي على الحزب والمقاومة اللبنانية في  تموز 2006،ومن ثم استدخال ثقافة الإستنعاج من قبل مشيخات الكاز والنفط،في تبرير الصمت والتآمر العربي على الشعب الفلسطيني اثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة 2008 – 2009.

وبالملوس العرب طرحوا ما يسمى بالمبادرة العربية للسلام في قمة بيروت 2002،مبادرة الملك السعودي المرحوم عبدالله،عندما كان اميراً ومنذ ذلك التاريخ واسرائيل تصر على رفض تلك المبادرة،والعرب يرحلونها من قمة الى اخرى ويهبطون في سقفها حتى تقبل بها اسرائيل،لتصل الأمور الى مبتغاها ويعلن رئيس وزراء دولة الإحتلال نتنياهو،بأن المقبول في المبادرة العربية في ظل تغير الواقع العربي والإقليمي والدولي هو التطبيع الشامل  ما بين الدول العربية واسرائيل،مع شرعنة وتأبيد الإحتلال مقابل تحسين شروط ظروف المجموعات السكانية الفلسطينية وليس الشعب الفلسطيني تحت الإحتلال.

وبالمقابل نحن الفلسطينيين في آواخر العام الماضي تقدمنا لمجلس الأمن الدولي بمشروع قرار يطلب من مجلس الأمن تحديد سقف زمني  لا يتعدى 15/11/2017  من أجل إنهاء الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967،من اجل إقامة دولة فلسطينية مستقلة على كامل حدود الرابع من حزيران /1967 وعاصمتها القدس،ولكن تم تقديم المشروع باللون الأزرق كمسودة وفتح المجال للشطب والحذف والتعديل حتى لا تقوم أمريكا بأخذ حق النقض "الفيتو" ضد المشروع،والحمدالله الذي لم نتمكن من جمع تسعة أصوات لمناقشة وقبول المشروع،حيث أنه جرى تجويفه وتفريغه من مضمونه،وليصبح فلسطيني بالإسم فقط وأسوء من المشروع الفرنسي نفسه.

اليوم يقوم وزير خارجية فرنسا وبضوء أخضر وموافقة من الإتحاد الأوروبي وبعلم وموافقة أمريكية أيضاً،بتحركات دبلوماسية وزيارات مكوكية للمنطقة،إلتقى فيها قيادات فلسطينية واخرى "اسرائيلية " وعربية،بقصد تحشيد الموافقة على المشروع الفرنسي الذي يأتي في ظل ظروف ولغرض أهداف نرى أنها تثير الريبة والشكوك،فهي على حد رأي فابيوس وزير خارجية فرنسا صاحبة المشروع من أجل إعادة الطرفين الفلسطيني و"الإسرائيلي" الى طاولة المفاوضات ومنع تدهور الأوضاع،والمشروع الفرنسي هذا أتى ويأتي في ظل حديث عن تحرك فلسطيني لتقديم ملفات بجرائم الإحتلال الى محكمة الجنايات الدولية،فهناك قيادات فلسطينية تتحدث بأنها جاهزة للتقديم خلال ايام،رغم أن كبير المفاوضين الفلسطينيين عريقات قال بأنه لن يكون أي تحرك تجاه اسرائيل في محكمة الجنايات الدولية،حتى تعطى الفرصة للتحركات السياسية،العودة لسياسة "تجريب المجرب"،والمشروع الفرنسي المتداول والمطروح إستصداره من  قبل مجلس الأمن فيه الكثير من المخاطر الجدية على المشروع الوطني الفلسطيني،ليس لجهة فقط غياب المرجعية الدولية والسقف الزمني لإنهاء الإحتلال،بل لجهة الحديث عن التبادل الجغرافي،والمقصود هنا ضم الكتل الإستيطانية الكبرى لدولة الإحتلال من "غوش عتصيون" مروراً ب"معالي ادوميم" وانتهاءا ب"أرئيل"،وهذا معناه تقطيع اوصال الضفة،ومنع أي تواصل حقيقي بين أراض الدولة الفلسطينية،لتصبح دويلة "كانتونات معزولة"،بالإضافة الى أن الإستيطان يصبح شرعي وبموافقة فلسطينية،وكذلك فالحديث عن قدس مفتوحة وعاصمة لدولتين،بشكل صريح وواضح الإعتراف بشرعية إجراءات وممارسات الإحتلال من استيطان وتهويد في القدس وبالذات في البلدة القديمة،وبأن القدس الشرقية ليست عاصمة للدولة الفلسطينية،والمشروع الفرنسي يغيب عنه بشكل كلي،المرتكز الأساسي للبرنامج الوطني،قضية اللاجئين والقرار الأممي (194)،وهذا بحد ذاته خطر جداً،فقضية اللاجئين،هي قضية محورية،وبالتالي لا يجوز بأي شكل التخلي عنها،أو فتح الباب فيها للإجتهادات والمشاريع وما يسمى بالإبداعات الخلاقة ل"جهابذة" التفاوض،لنجد أنفسنا أمام تصفية لهذه القضية المحورية.

وحتى هذا المشروع الهزيل،والذي لا يلبي الحد الأدنى من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني،نتنياهو في جلسة حكومته أمس الأحد استبق لقاءه مع فابيوس،ليعلن رفضه للمشروع لأنه على حد زعمه يفرض شروط وإملاءات على اسرائيل،ولا يأخذ احتياجاتها الأمنية بعين الاعتبار،ورفضه هذا للحصول على المزيد من التنازلات لتصل حد الإقرار بحق نتنياهو في الإحتلال ورفض الإنسحاب.

الفرنسيون والأمريكان وغيرهم،الهدف فقط استقطاع الوقت،والإستمرار في إدارة الصراع،خوفاً من ان يتفجر ويخرج عن إطار السيطرة الإسرائيلية – الأمريكية،وأمن اسرائيل هو الهاجس الأول ل "فابيوس" و"بايدن" و"كيري" و"اوباما" و"كاميرون" و"ميركل" وغيرهم من القادة الغربيين.

الرئيس الأمريكي يقترب من نهاية عهده ولا قدرة له على فرض مشاريع سياسية على اسرائيل،وحل الدولتين كما قال مسؤول "الشاباك" السابق يوفال ديسكن انتهى،فإسرائيل بإستيطانها المتواصل في الضفة الغربية وتهويدها للقدس قبرت هذا الخيار الى غير رجعة،وأفكار فابيوس والتي طرحها على الرئيس أبو مازن اليوم والتي سيطرحها مع زعماء عرب آخرين،هي فقط إجترار وتكرار و"طحن للماء".

متى ستبدأ الحكومة والمعارضة الجيدة؟/ عباس علي مراد

كان رئيس الوزراء طوني ابوت قد وعد الناخبين وزملاءه في حزب الأحرار بعد التحدي لزعامته في شهر شباط اوائل العام الحالي "ان الحكومة الجيدة بدأت اليوم". رئيس الحكومة حاول تحسين آداءه الشخصي بالمزيد من التشاور مع زملائه ومستشاريه قبل الإقدام على اية خطوة، وبالفعل نجح الى حد ما وتحسّن وضع الحكومة في استطلاعات الرأي العام، خصوصاً بعد تقديم حكومته ميزانيتها الثانية رغم أنها تحمل بعض البنود العالقة من ميزانية العام الماضي والتي كانت سبباً رئيسياً في تراجع شعبية الحكومة بسبب عدم تقديم تلك البنود للناخبين اثناء الحملة الإنتخابية.
الحكومة التي اعتقدت انه اصبح لديها بعض الرصيد السياسي، سارعت وبشكل ملفت للنظر الى بعثرة هذا الرصيد عبر إداء سياسي يفتقر الى الحد الأدنى من الإحترام لفهم وكرامة الناخبين عبر تصريحات لوزراء اساسيين في حكومة بعيدة كل البعد عن الواقع الذي يعيشه الناس، فمثلاً كلام وزير الخزينة جو هوكي عن البحث عن عمل جيد يؤمن معاشاً جيداً لشراء منزل، علماً بأنها ليست المرة الأولى التي يطلق هوكي مثل هذه التصريحات والتي كان لها ردود فعل سلبية لدى المواطنين، فسابقاً قال ان الفقراء لا يقودون سيارات واذا فعلوا فإنهم يقودونها لمسافات قصيرة، وقبلها ظهر في صورة وهو يدخن السيجار بعد تقديم ميزانيته الأولى في الوقت الذي كان يريد فرض ضرائب على زيارة الطبيب وإقتطاع الأموال من معاشات التقاعد وغيرها.
في سياق آخر، لا تزال الحكومة تعمل لإبتزاز المعارضة فيما يتعلق بقوانين مكافحة الإرهاب خصوصاً قانون سحب الجنسية من الأستراليين الذين يحملون جنسية مزدوجة الذين يحاربون في صفوف المنظمات الإرهابية، علماً ان المعارضة وافقت على معظم القوانين التي اقترحتها الحكومة وحتى موضوع سحب الجنسية فإن المعارضة رأت كما رأى بعض الوزراء البارزين في الحكومة أمثال مالكوم تيرنبول وجوليا بيشوب وبرنبي جويس وجورج برندس التركيز على الجوانب القانونية والقضائية لعملية سحب الجنسية، والمعلوم ان المستشار القانوني للحكومة جاستين كليسن حذّر الحكومة من مغبة الإسراع في تقديم مشروعها لعدم دستوريته لأنه يمكن ان يتم تحديه امام المحكمة العليا، خصوصاً فيما يتعلق بمنح صلاحيات تنفيذية تقديرية لوزير الهجرة لسحب الجنسية بدون العودة الى القضاء، لكن رئيس الوزراء طوني ابوت بنى على كلام وزير الظل للإدعاء الفيدرالي مارك دريفوس الذي قال ان بإمكان الوزير سحب الجنسية في حال إدانة المحكمة المتهمين وإعتبر ابوت ذلك دليلاً على ان المعارضة تريد ان تفرش السجاد الأحمر للإرهابيين لإعادتهم الى البلاد كأنه يظهر نفسه الأكثر حرصاً على أمن البلاد واستثمار ذلك سياسياً.
المعارضة، والتي كما اسلفنا اتخذت مواقف متشددة من قضايا الأمن الوطني ووافقت على كل قوانين مكافحة الارهاب شرط ان تكون فعالة ودستورية وقانونية، يواجه زعيمها بيل شورتن تحدياً من نوع آخر بعد أن كشفت صحف "فيرفاكس" الاسبوع الماضي عن دفعات مالية قدمتها شركة ونسلو للبناء لتسديد بدلات انتساب العمال  لنقابة إتحاد عمال استراليا  التي كان يتولى مسؤوليتها زعيم المعارضة الحالي بيل شورتن من اجل تعزيز فرص وصوله الى البرلمان عبر حشد المؤيدين له في النقابة بالاضافة الى صفقات مع الشركة التي نفذت طريق ايست لنك في فكتوريا التي دفعت قرابة 300.000$ مقابل تساهل نقابة العمال التدقيق في ظروف العمل واوقاته مما ادى الى ان تحقق الشركة ارباح بعشرات الملايين من الدولارات. زعيم المعارضة نفى ان يكون هناك اي صفقة على حساب العمال وف حديث لبرنامج (انسايدرز) على تلفزيون أي بي سي الاحد 20/6/2015 وصف نفسه بانه زعيم معتدل لنقابات العمال وعمل لمصلحة العمال وارباب العمل من اجل انجاز المشاريع من اجل المصلحة العامة.
هذه القضية بدأت تأخذ أبعاداً سياسية على المستوى الوطني والمستوى الحزبي داخل حزب العمال بعد ان ادلى السكرتير الحالي لنقابة عمال استراليا بن دافيس بشهادته امام المفوضية الملكية الخاصة لمكافحة الفساد في نقابات العمال والتي أطلقتها الحكومة الحالية ورصدت لها مبلغ 61 مليون دولار. وحسب كلام دايفيس فإن تصرفات النقابة وقتذاك والصفقات التي عقدتها مع ارباب العمل قد اضعفت الإتحاد في أماكن العمل ( سدني مورنيغ هيرالد 11/06/2015 ص 3) بالإضافة الى ذلك جاء موقف المعارضة الفيدرالية المعارض لإتفاق الحكومة مع حزب الخضر لتمرير مشروع قانون معاشات التقاعد الذي يبدأ العمل به العام 2017 والذي يعدّل القوانين الحالية المعمول بها ويوفر على الخزينة مبلغ 2.4 مليار دولار في اربع سنوات ، هذا الموقف اعتبره البعض انه نوع من المعارضة من اجل المعارضة علماً ان وزير الخزينة في حكومة الظل كريس بوين ومساعده اندرو ليي قد دعو زملاءهم في المعارضة لدعم مشروع القانون الذي اقترحته الحكومة ودعمهما في موقفهما كل من النائب طوني بورغ من جناح اليمين في حزب العمال والنائب انطوني البنيز من جناح اليسار.
الجدير ذكره ان حزب الخضر الذي تولى زعامته حديثاً النائب ريتشارد دي ناتالي اعتبر ان دعم مشروع الحكومة مقدمة لتعديلات مستقبلية اكثر جذرية.
 اعتقد انه، قد تكون هناك معارضة قوية وحكومة ضعيفة او العكس، ولكن ان تكون المعارضة والحكومة تتسمان بسمات الضعف والشعبوية ( طبعاً يوجد وزراء ووزراء ظل اكفاء) اي حكومة تحكم بأسلوب المعارضة ومعارضة تعارض بأسلوب الحكومة وعين الطرفين على استطلاعات الرأي دليل على خلل سياسي على المستوى القيادي في البلد، علماً ان الأستراليين يستحقون ساسة اكثر صراحة وإلتزاماً بما يهم المواطنين ويعالج قضاياهم وشؤون حياتهم اليومية من تعليم وصحة ونقل وإسكان وغيرها من البنى التحتية التي تؤمن العيش الكريم وزيادة الإنتاج والدخل الفردي والقومي بعيداً عن المهاترات السياسية التي تلاحق استطلاعات الرأي، وخير مثال على ذلك ما اثبتته انتخابات ولاية نيوسوث ويلز عندما صارح رئيس الولاية مارك بيرد الناخبين بنيته خصخصة قطاع الكهرباء (الأعمدة والأسلاك) عندما ذهب الى الإنتخابات في اذار الماضي وحصل على تفويض لمشروعه الذي وافق عليه المجلس التشريعي اوائل الشهر الحالي، ولا يشذّ عن هذا المبدأ موقف زعيم المعارضة في الولاية لوك فولي الذي ذهب الى الإنتخابات معارضاً لخصخصة قطاع الكهرباء، والذي دعا زملاءه الى طي صفحة خصخصة قطاع الكهرباء والإنطلاق نحو المستقبل. يشار الى ان مسألة خصخصة الكهرباء في نيوسوث ويلز اطاحت بثلاثة رؤساء للولاية من حزب العمال (مورس ياما،نيثن ريس وكريستينا كونلي).
إذاَ، الكرة في ملعب السياسيين (حكومة ومعارضة) إما ان يغيّروا اسلوبهم ومقاربتهم وتبدأ الحكومة الجيدة والمعارضة الجيدة أعمالهما لأن وعي المواطن اصبح متقدماً على ألاعيب السياسة الضيقة، وإلا فبئسس هكذا حكومة وهكذا معارضة ان لم تدركا هذه الحقيقة!
Email:abbasmorad@hotmail.com

إيمان ساراى/ نسيم عبيد عوض

ساراى أو سارة فيما بعد هى زوجة إبرام ‘ والتى يطلب الآن من الزوجات ان  يتمثلوا  بها ‘ويوافقن على التشبه بها فى حفل زفافهم ‘ لأن ساراى كانت مثلا فى طاعة واحترام زوجها ‘ وكانت تدعوه سيدها ‘ ولكن هناك الجانب المهم فى سراى وهو إيمانها بإلاه ابرام ‘ فعندما صدرت الدعوة من الله لإبرام " بالخروج من ارضه ومن عشيرته ومن بيت أبيك الى الارض التى اريك" يقول الكتاب "فأخذ ابرام ساراى امرأته وذهبوا الى حاران على طريق دمشق ‘ ثم أتوا الى ارض كنعان"تك12: 5"‘ وهنا يظهر إيمان ساراى بإلاه ابرام لأنها لم تعترض بل وافقت على الخروج هى أيضا من الارض والعشيرة وبيت ابيها ‘ بعكس أمنا حواء فرغم ان آدم أخبرها بقول وصية  الرب يوم ان تاكل من هذه الشجرة موتا تموت‘ تجاهلت الوصية واطاعت الحيه‘ واسقطت البشر معها ‘ ولكن ساراى سارت مع زوجها كما سار‘  لأن هذا أمر الرب الإله كما أخبرها ابرام ‘وساروا الى مكان مجهول لا يعلمون عنه شيئا‘ وتكرر الترحال حتى وصلوا الى ارض كنعان ‘ وهنا قال الرب الإله لإبرام " لنسلك اعطى هذه الارض"وبنى ابرام مذبحا للرب الذى ظهر له ‘ وبطبيعة الحال ان ساراى امرأته على علم بكل ذلك وآمنت  به.

ساراى فى مصر 

آمنت ساراى بالرب الإله الذى يكلم زوجها ابرام ويظهر له ‘وعاشت حياتها مطيعة له ‘ ولكنها مرت بتجربة قاسية ومؤلمة فوق طاقتها ‘ فقد توجه زوجها الى مصر بدون سؤال الرب الإله ‘ لانه وجد فى مصر الطعام الذى يقيه شر الجوع ‘ واطاعت ولم تعترض ‘ ولكنها واجهت الطامة الكبرى فهاهو ابرام يسألها أمرا غريبا وشاذا حتى لوكان حقيقة" وحدث لما قرب ان يدخل مصر قال لساراى امرأته"انى علمت انك امرأة حسنة المنظر" فيكون اذا رآك المصريون انهم يقولون : هذه امراته فيقتلوننى ويستبقونك." قولى انك أختى ليكون لى خير بسببك وتحيا نفسى من اجلك ." تك12: 11-13‘وهي بالفعل اخته غير شقيقته‘  وهذا ماحدث رآها المصريون انها امرأة جميلة واخبروا فرعون الذى ضمها لحاشيته وسراريه ‘ وفى كل ذلك لم تنطق سراى بأى كلمة اعتراض ‘ وكأن لسان حالها يقول أنها مؤمنة بان إله ابرام سينقذها من هذه الورطة فى الوقت المناسب ‘ وحدث  كما هو إيمانها‘ وكقول الكتاب" فضرب الرب فرعون وبيته ضربات عظيمة بسبب ساراى امرأة ابرام."فقال فرعون لابرام هوذا امراتك خذها واذهب.



ساراى وهاجر المصرية

عندما قال ابرام للرب " انك لم تعطنى نسلا وهوذا ابن بيتى وارث لى. فاذا كلام الرب اليه: لا يرثك هذا بل الذى يخرج من احشائك هو يرثك." "فآمن بالرب فحسبه له برا. "تك15: 3-6.وبالقطع ابلغ ابرام امرأته ساراى بوعد الرب بان يكون له ابن من احشاءه ودمه‘ وقد يكون ان ساراى فهمت الامر على انها كبرت على ان تلد له ابنا وان الرب امسكنى عن الولاده‘ وهذا ايضا ايمان ان الرب هو الذى يعطى او يمسك الولاده‘ ففكرت ان تعطى جاريتها المصرية هاجر ليتزجها ابرام وينجب منها ولدا يكون لهما ‘ وهذا كان أمرا شائعا فى ذلك الزمان ‘ ولا غرابة فيه‘ ولكن الجارية تكابرت على ساراى فغضبت على ابرام ومع ان هذا لم يكن له دخل به ‘ ولكنها قالت" يقضى الرب بينى وبينك"وولدت هاجر ابنها وسمي اسماعيل.

ابراهيم ووعود الله

بعد 13 عاما على ولادة اسماعيل ‘ اى عندما كان ابرام ابن 99 سنة ظهر الرب لابرام وقال له : انا الله القدير ( وهذا اسم من اسماء الله) سر امامى وكن كاملا. ووعده الله ان يكون ابا لجمهور من الأمم ولا يدعى اسمك بعد ابرام بل يكون اسمك ابراهيم ‘ وايضا اعطى عهدا بين الرب ونسل ابراهيم بالختان لكل ذكر‘ ابن ثمانية ايام يختن ‘ وغير الرب اسم ساراى " كقوله " ساراى امرأتك لا تدعو اسمها ساراى بل اسمها سارة .(اسم ساراى معناه – أميرتى – واسم سارة معناه أميرة ‘ وكأن الرب يقول لم تعد لك فقط أميرتك بل تكون أميرة لكل المؤمنين‘ كما صار ابرام ابراهيم اى ابا لجمهور كثير )‘  واباركها واعطيك ايضا منها ابنا اباركها فتكون امما وملوك شعوب منها يكونون.وكانت سارة وقتها بنت 90 سنة ‘ فلما تعجب ابراهيم وظن انه يخبرة بابنه اسماعيل قال له الرب" بل سارة امراتك تلد لك ابنا وتدعو اسمه اسحق .واقيم عهدى معه عهدا ابديا لنسله من بعده.

سارة تسمع صوت الله

عند ظهور الرب لإبراهيم عند بلوطات ممرا ‘ وبعد اسضافته للثلاث رجال وبكل كرم الضيافة ‘ فوجئ ابراهيم بسؤالهم عن سارة" وقالوا له " اين سارة امرأتك فقال هاهى فى الخيمة " فقال "انى ارجع اليك نحو زمان الحياة ويكون لسارة امرأتك ابن" وكانت سارة سامعه فى باب الخيمةوهو وراءه‘ فضحكت سارة فى باطنها قائلة: افبالحقيقة الد وانا قد شخت؟ فقال الرب لابراهيم " لماذا ضحكت سارة ؟ هل يستحيل على الرب شئ؟ ارجع اليك نحو زمان الحياة ويكون لسارة ابن" فانكرت سارة قائلة" لم اضحك – لأنها خافت- فقال " بل ضحكت". كانت سارة موضع اهتمام الرب فباركها واعطاها اسم جديد ووعدها بابن يسمى اسحق. وكما قال الوحى الإلهى" وافتقد الرب سارة كما قال وفعل الرب لسارة كما تكلم‘ فحبلت سارة وولدت لابراهيم ابنا فى شيخوختها فى الوقت  الذى تكلم الله عنه. وايضا الرب يساند سارة فى نقاشها مع ابراهيم حول ابنها اسحق وابن الجارية ‘لأنها قالت لأن ابن الجاية لا يرث مع ابنى اسحق ‘ فقبح الكلام جدا فى عينى ابراهيم لسبب ابنه ‘ فقال الله لابراهيم " لا يقبح فى عينيك من اجل الغلام ومن اجل جاريتك ‘ فى كل ماتقول لك سارة اسمع لقولها لانه باسحق يدعى لك نسل."تك 21" وكان هذا ضمن تدبيرات الله لخلاص البشر فى ملء الزمان

وكانت حياة سارة 127 سنة سني حياة سارة‘ وماتت فى قرية اربع التى هى حبرون فى ارض كنعان ‘ فاتى ابراهيم ليندب سارة ويبكى عليها. وبعد ذلك دفن ابراهيم سارة امرأته فى مغارة حقل المكفيله امام ممرا فى حبرون.  وستظل ذكرى سارة أمام كل الأجيال حقيقة واقعية عن أمرأة فاضلة آمنت بربها وأطاعت زوجها فباركها الله وأعطاها ابنا  وجعلها امما وملوك لشعوب كثيرة ‘ فوجب اسمها ام المؤمنين. وابنها اسحق ابن الموعد‘  لأن من نسلها اسحق يأتى المخلص الموعود به. أمين.


السماء قريبة جدا رواية مشهور البطران الجديدة/ فراس حج محمد

بعد انقطاع عن العمل الأدبي ما يقارب عشر سنوات يصدر الروائي الفلسطيني مشهور البطران روايته الجديدة "السماء قريبة جدا"، وتقع الرواية في (223) صفحة من القطع المتوسط، وصدرت عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في الأردن.
تناقش الرواية جوانب مهمة من حياة الشعب الفلسطيني عبر سرد أحداث لأبطال واقعيين، عاشوا تجارب سياسية مع المحتل الصهيوني سواء أكانوا مشردين أو في السجون أو شهداء، وصولا إلى الاتفاقيات السياسية وما تبعتها من أحداث أو تطورات سياسية لا يراها الكاتب إيجابية.
ويعود الزمن الروائي إلى عام 1967، لتتابع الأحداث حتى عام 1999 وما بعدها من أحداث ما زلنا نرى آثارها ماثلة حتى اليوم، ويوظف الكاتب الكثير من تقنيات السرد من مثل المذكّرات والرّسائل الشخصيّة، والذاكرة الشّفوية، والصّور العائلية، فهو يبحث في ممارسة البشر اليوميّة لحياتهم وصولاً إلى قراءة ملامحهم التّاريخيّة الّتي تندرج في السياق الزّمني العامّ، وتلتقي من هذه النّاحية مع فروع معرفيّة مجاورة مثل الأنثروبولوجيا التّاريخيّة، والتّاريخ العقلي الثّقافي و الإجتماعي.
وعلى الرغم من كل تلك التفاصيل المريرة إلا أن السماء ستبقى قريبة جدا في نظر الروائي البطران، بآفاق أمل مفتوحة للتغيير المطموح به في الزمن القادم ما دام أن الشعب يمتلك القوة والإرادة والعزيمة المتجسدة في شخصياته الروائية المستعدة للتضحية من أجل القضية الفلسطينية.
ويذكر أن المؤلف مشهور البطران أكاديمي وروائي وله مجموعة من المؤلفات والأبحاث التربوية والأدبية، فقد أصدر من قبل ثلاث روايات وهي "آخر الحصون المنهارة" و"وجوه في درب الآلام" و "المنبوذ". 

القمة الروحية المسيحية في دمشق والأمل الضائع/ كميل العيد

لم يبنِ أبناء سورية ولبنان وفلسطين والعراق ولاسيما المسيحيون منهم أي آمال على القمة الروحية المسيحية التي عقدت في بطريركية الروم الأرثوذوكس في دمشق يوم الاثنين 8 - 6 - 2015 بل إن الكنيسة نفسها لم تبنِ الآمال على هذه القمة بدليل التغطية الإعلامية المتواضعة التي سبقتها والتي رافقتها. فالجميع يعلم بأن أصحاب الغبطة رؤساء الطوائف المشاركين بالقمة في وضع لا يحسدون عليه. فالضغوط عليهم تزداد يوماً بعد يوم، فمن جهة الشارع المسيحي يضغط ويطالبهم بما لا يقدرون على تحقيقه، ومن جهة ثانية فإن نفوذهم يتراجع على الصعيدين العربي والدولي، لعدم امتلاكهم لأي أدوات ضغط. لذلك جاء البيان الختامي لهذه القمة مملوءاً بالوعظ والتمني والدعوات، سواء لجهة مواجهة الفكر التكفيري من خلال تربية دينية تعمم ثقافة الانفتاح، ووقف الحرب في سورية والتشبث بوحدتها، والسعي لحل يضمن حق السوريين بتقرير مصيرهم، وكذلك الدعوة لانتخاب رئيس للبنان.. وتأكيدهم في الختام بأن فلسطين ستظل محور اهتمام الكنيسة للدفاع عن قضيتها المحقة. بيان لم يضع في طياته أي خطط أو برامج عمل، ربما تساعد في التخفيف من معاناة الإنسان العربي، ولاسيما في سورية وفلسطين ولبنان والعراق. وأنا هنا لا أضع اللوم على أصحاب الغبطة، بل أتساءل: ماذا كان باستطاعتهم أن يفعلوه ولم يفعلوه؟
 فمن جهة الصراع على الأرض، فليس للكنيسة أي نفوذ على الأطراف المحلية والإقليمية والدولية الفاعلة بالصراع، فعلى سبيل المثال ورغم الجهود الكبيرة التي بذلها أصحاب الغبطة على كافة الأصعدة، لم يتمكنوا من معرفة مصير مطراني حلب المخطوفين يوحنا ابراهيم وبولس يازجي، فكيف سيكونون قادرين على طرح المبادرات وممارسة الضغوط على الأطراف المختلفة الفاعلة بالصراع. أما من جهة أعمال الإغاثة فإن الكنائس المشرقية لا تملك المال الكافي للقيام بتقديم المساعدات المالية والعينية للمتضررين والمنكوبين، وهي بالكاد قادرة على تنظيم عمليات نقل التبرعات والمعونات التي تصلها إلى المهجرين والمحتاجين. وعلى الصعيد الرعوي وبغض النظر عن الأسباب أكانت موضوعية أم لا، فقد تلاشى نفوذ الكنيسة على المسيحيين العرب، ولا سيما في سورية ولبنان وبالتالي لم يعد المواطن المسيحي ينظر إلى رجال الكنيسة كرموز توجهه وتتبنى تطلعاته وتساعده للخروج من أزماته.
 بالمحصلة، إن الكنيسة في المشرق العربي غير قادرة على الحؤول من دون الانسحاب التدريجي للمكون المسيحي من الشرق، وهي لا تملك المقومات التي تساعد المسيحيين العرب على البقاء والتشبث بأرضهم وأرض أجدادهم، بل أقول لن يسمح لها أن تمتلك هذه المقومات . وإذا استمرت الأمور على ما هي عليه، فلن يبقى في سورية إلا النسّاك والقسيسون والكهنة في الأديرة والكنائس، وسيتلاشى المكون المسيحي من الأرض الذي انطلق منها المسيح يبشر برسالته.

المرأة والرجل محبة أم عداوة.. شيزوفرينيا/ إيمان حجازى

غريب أمر المرأة في مجتمعنا ، فهى تتعامل مع الرجل من منطق لا أحبكم ولا أقدر علي بعدكم .
ففي مجال العمل تفضل المرأة أن يكون رئيسها رجل وليس سيدة مثلها .
وفي البيت على الرغم من كثرة شكوى المرأة من زوجها وإنتقادها له ورفضها لكثير من تصرفاته إلا أنها تقيم الدنيا ولا تقعدها إذا أحست مجرد إحساس بأن الطير سوف يلوف على الغير .
وحتى فيما يعن لنا أو يصادفنا ويؤرقنا من أفعال قد يندى لها الجبين خجلا مثل حوادث التحرش أو المعاكسات الجنسية البذيئة والتى تفشت في مجتمعنا في العقود الأخيرة فإننا نجد أن المرأة تقف إلى جوار الرجل وتناصره ضد مثيلتها المرأة الأخرى ...
ففي مثل هذه الحوادث كثيرا ما نجد المرأة تتبارى لتتهم المرأة لردائها المستفز أو مكياجها المبالغ فيه أو تحركاتها أو طريقتها في الكلام ، بل وتتبارى لتظهر الرجل الذى هو في الواقع الجانى وكأنه مجني عليه وتلبسه زى الحملان بديلا عن وجه الذئب وتجعل المرأة دائما وكأنها زليخة العزيز تكيد ليوسف وتغلق عليه أبواب الفتنة لتصيب عفته في مقتل .
والسؤال الذى وجهه لى صديق في حديث سابق بخصوص تأثرى كأنثي بعالم الذكور المحيط والمحتل لحياتنا ....
والذى بالفعل أرى فيه تأثر المرأة أو ربما فعلا عشقها الدفين للرجل والذى يكاد يناصب الايمان بداخلها بأهمية وجوده في حياتها .
وربما يرجع ذلك _ولا أدرى من سيوافقني ومن سيقف ضدى في هذا الرأى _ إلى أن المرأة منذ صغرها يشتد تعلقها بأبيها ، تعشق وجوده وحمايته لها وحبه وحنان .
وربما ﻷن المرأة طوال حياتها وخاصة في مجتمعنا المصرى العربي تتعامل بداخل البيت على أن الأخ الرجل مهاب.
هذه الأشياء تغرس في عقل ونفس المرأة حتى بدون قصد ، حتى وإن بدت أنها رافضة لها شكلا وموضوعا ، ولكن عند أول محك وبعد صراخ طويل عريض برفضها لسيطرة الرجل تجدها فجأة وقد طفى على السطح ما غرس فيها وقت أن كانت صغيرة ، فتحكم وتفضل الذكر على الأنثى .
وقد يكون ﻷن المرأة بطبعها مخلوق ضعيف ولكنه يحن ويتمني أن لو كان يتمتع بقوة الرجل وجرأته ، فربما تناصر في الرجل ما كانت تتمناه في حالها أو ربما تحارب الضعف الذى تعتقده في ذاتها . 
وبالأخير هو حديث حرى أن يختلف فيه المستقبل .
ولكنى شخصيا لا أحكم على الأمور بشكل عام أو إجمالى ولكن تأخذ لدى المواقف شكل التفرد والإنفراد ويناقش عقلي على حدى كل حالة ويبحث فيها عن الجانى والمجنى عليه أن كان رجل أم سيدة ، ولا أنحاز للمرأة مجرد إنحيازى للنوع ، ولا أخشي من قوة الرجل ولا أشتكيه ولا أهابه ، وأواجهه فى كل مراحل الحياة رافعة مبدأ الاحترام والندية في الحوار .
هذا ومع إحتفاظى بكامل الإجلال والعرفان للرجل الذى تلقيت تربيتي على يده ، ومع الإعتراف بالوقوع في أسر المعنى الجميل للرجولة الحقة والذى ربيت عليها وغرست بداخلى منذ نعومة أظفارى والتى تمتلكنى وتغلف تصرفاتى . 
ألا هل بلغت اللهم فإشهد......

د خالد الزدجالي والسينما العمانية/ عبدالواحد محمد

هو احد طيور الفن العماني في سلطنة عمان بل مبدعها الأول في المحافل الفنية السينمائية التي شكلت  ملمحا من ملامح ووجدان الفكر العماني برؤية مختلفة ومعاصرة فيها اطروحات جديدة تعكس واقع عماني عربي بكل المؤثرات النفسية والاجتماعية والفكرية والثقافية والسياسية بلغة مبدع لايعرف غير العوم إلي ضفاف دوما هي بعيدة  دوما هي الحقيقة  إنه الفنان العماني والمخرج الكبير الدكتور خالد الزدجالي رئيس جمعية السينما العمانية ومؤسسها الذي فجر طاقات سينمائية لم تكن معروفة من قبل علي أرض قابوس النهضة والإبداع ؟!
وتعد السينما العمانية حديث العالم العربي بعدما شاركت الجمعية السينمائية العمانية  في مهرجان وهران السينمائي بالجزائرلهذا العام 2015 م  الأكثر تأثيرا في الوجدان العربي وكان علي رأس الجمعية الدكتور خالد الزدجالي رئيسها  ورئيس مهرجان مسقط السينمائي  وأبن سلطنة عمان محكما في الافلام الروائية التي عرضت في وهران الجزائرية منذ أيام قليلة من شهر يونيو الجاري  والدكتور خالد الزدجالي مخرجا سينمائيا عمانيا من الطراز الأول ويمتلك جرأة  عملية ومهنية في افلامه السينمائية ومنها ( العرس )  (المناطحة ) ( البوم ) ( اصيل ) (وفيلم الحارة ) وكلها من الافلام التي اخرجها الفنان العماني الكبير وكانت جسرا بين المعني والفكرة  بين الطرح والتناول بالصورة السينمائية التي تشكل كل تلك المعاني التي تحمل الهم العربي بين ضفاف كاميرته السينمائية  المشاغبة جدا في حلم الفنان المؤمن بقضايا وطنه  في تميمة عاشق الكاميرا  المتصوف وراء بحور من فلسفات هي في جوهرها الإيمان بالوطن  الإيمان بكل قضاياه العميقة من خلال لغة السينما ؟
والسينما العمانية فقيرة جدا في فنونها السينمائية والمسرحية والغنائية لكنها اليوم اختلفت كثيرا بفضل طاقات وإبداعات أبنها المثابر د خالد الزدجالي المشاغب الدائم بكاميرته في عالم سينمائي كبير في عالم يحمل رسالة سينمائية عمانية لكل العيون والعقول العربية التي هي لا ريب تواقة للفن العماني اليوم لكون سلطنة عمان من الدول التي تحظي بأحترام دولي وعربي في عطاءها الكبير والذي كان حديث العالم فقد تبنت السلطنة سياسات استراتيجية واسعة المجال  في التعليم والصحة والاقتصاد والثقافة والإعلام  وحقوق الإنسان  الخ للوصول إلي معدلات ومؤشرات متقدمة نفخر بها كوطن عربي من المحيط إلي الخليج ؟
لتكون شاهدة علي تلك الاستراتيجيات العمانية كاميرا المخرج الكبير د خالد الزدجالي كما كانت شاهدة علي عمق الرسالة العمانية بلغة السينما في قضايا وطن  في محنة وطن بين النقد والرؤية محطات سينمائية  عمانية ؟
ومنها النهوض بدور المرأة العمانية  وتنوير عقلها عبر رحلة سينمائية أجاد تشكيلها المخرج السينمائي الكبير بوعي الفنان والمثقف بل الإنسان العماني الذي  أنجبته المرأة وحملته في ارحامها ليخرج إلي العالم  الكبير وكله إيمان بدورها الإبداعي غير المنقوص ؟
كما لم تغب قضايا الشباب عن كاميرا د خالد الزدجالي  ورصده لعالمهم من خلال لغة الفيس بوك التي هي سينما فيها المتلقي والمبدع الإفتراضي عنصران  من عناصر الإبداع السينمائي اليوم  لم تغب ولن تغب  عن كاميرته قضايا الشباب العربي 
فالسينما ذاكرة الشعوب وملهمة العقول وتحمل كثيرا من اسراروطن  والمعروف أن الفنان العماني الدكتور خالد الزدجالي تبوأ من قبل  منصب أمين عام اتحاد الفنانين العرب  ونائب رئيس الجمعيات السينمائية العربية  كما حاز علي جائزة الشارقة لهذا العام 2015 م كأفضل شخصية إعلامية ذات تأثير ثقافي عربي نتيجة لمجهوده الوافر كمبدع سينمائي عربي كان شاغلة وهمه الكبير الوطن ؟!
بقلم
عبدالواحد محمد 
كاتب وروائي  وصحافي عربي 
abdelwahedmohaned@yahoo.com

المسيحيون العرب بين التهميش والتهجير والهجرة/ كميل العيد

لم يكن مسيحيو المشرق العربي في يوم من الأيام مجرد تراكم أعداد، أو متاحف، أو أقليات، بل كانوا، وما زالوا مكوّناً أساسياً من مكونات هذا المشرق. فرغم تعرضهم للتهميش والاضطهاد في الكثير من المراحل التاريخية، بقيَ المسيحيون أوفياء لأوطانهم يساهمون في بناء البلاد والدفاع عنها، فبعد ظهور الإسلام لعب العرب المسيحيون دوراً كبيراً في تثبيت الدولة العربية الإسلامية في الجزيرة العربية، كما رحب المسيحيون في بلاد الشام بالفاتح المسلم ووقفوا إلى جانبه ضد البيزنطيين نظراً للقرابة التي تربط القبائل العربية المسيحية في الجزيرة العربية بالقبائل المسيحية في بلاد الشام.
 ورغم الأذى الذي لحق بالمسيحيين العرب منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب عندما هجّر المسيحيين العرب من الجزيرة العربية مستنداً إلى حديث ضعيف يقول: "" لا يجتمع دينان في جزيرة العرب "" في حين أنه لم يهجّر أي مسيحي في عهد الرسول أو عهد الخليفة أبو بكر. ورغم التهميش ومحاولات اعتبارهم في ذمة الولاة والخلفاء , ورغم حظر الإمارة والقيادة عليهم , بقي العرب المسيحيون أوفياء لأوطانهم وقدموا آلاف الشهداء في الدفاع عنها وساهموا في نهضتها، ورفعتها، ورقيّها، فقد انتقلت الفلسفة وشتى أنواع العلوم اليونانية إلى العالم العربي بواسطة التراجمة المسيحيين السريان الذين قاد الكثير منهم الحركة العلمية. فعلى سبيل المثال حظي الأطباء المسيحيون الاحترام والثقة و المكانة الرفيعة عند الرسول الكريم والخلفاء والولاة، حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر من به علّةً أن يأتي إلى زوج خالته الحارث بن كلدة الثقفي وهو من أعلام العرب المسيحيين في الطب ليعالجه. وفي العصر الحديث ساهم المسيحيون العرب في بعث القومية العربية وفي علوم الاقتصاد وفي نهضة الإعلام العربي ولاسيما في مصر. ورغم مساهمتهم في النهضة العربية وبنائهم جسور التواصل مع الحضارات الأخرى، فإن اللافت للنظر هو أن أعدادهم كانت تتضاءل باستمرار تارة بسبب عمليات التهميش التي أدت إلى هجرة الكثير منهم وتارة بسبب عمليات التهجير التي تسببت بمآسٍ إنسانية كبيرة لهم.
 ورغم كل ذلك لم يتعايش العرب المسيحيون إلى جانب العرب المسلمون بل عاشوا مع بعضهم بنفس العادات والتقاليد ونفس مفاهيم الفخر والعيب والعار. 
 وفي الألفية الثالثة وبسبب الغزو الأمريكي للعراق بدأت مأساة جديدة للعرب المسيحيين هناك حيث اندفعت دول الغرب الاستعماري لشد العصب الديني والمذهبي في العراق لتمزيقه ما تسبب في نشوء التيارات الدينية التكفيرية والتي تسببت بهلع العرب العراقيين وهجرة الآلاف منهم وقد اشتدت المأساة بظهور تنظيم داعش واستيلائه على الكثير من المدن والقرى العراقية وامتداده إلى سورية، حيث ظهرت النصرة وأخواتها الذين استولوا إلى جانب داعش على الكثير من المدن والقرى السورية، وكان المشترك بين هذه التنظيمات هو تهجير اليزيديين والصابئة والمسيحيين قسراً والتنكيل بهم فغادر معظمهم البلاد وتراجعت أعدادهم بشكل أصبح يشكل خطراً على النسيج الوطني السوري والعراقي.
 إن الحؤول دون انسحاب المسيحيين من بلاد المشرق العربي لا يمكن أن تكون مسؤولية دول الشرق أو الغرب المسيحي لأن كلاهما يريدها وكلاهما لديه عقدة من المسيحي العربي، عقدة سببها أن المسيح عليه السلام ابن هذه المنطقة وأن مهد المسيحية هو بلاد الشام , وأكبر دليل هو أن الغرب لا زال يسّوق بأن سحنة السيد المسيح وسحنة السيدة العذراء مشابهة لسحنة الإنسان الأوروبي خاصة من حيث لون الشعر والبشرة والعيون، في حين أن كافة المراجع التاريخية تؤكد بأن سحنة السيد المسيح والسيدة العذراء مشابهة لسحنة أبناء فلسطين السمر.
 ثمة كارثة حضارية وسياسية مقبلة تتمثل في أن بلاد المسيح والمسيحية ستصبح بلا مسيحيين إلا من بقايا النسّاك والكهان والقسيسين، وإذا لم يتحرك المسلمون قبل المسيحيين فسيخسر مجتمع بلاد الشام عنصر التفاعل، وسيخسر ترسيخ الدولة العصرية، ويفقد النفي القاطع لعنصريتها.
 إن الانسحاب التدريجي للعرب المسيحيين من المشرق العربي هذه الأيام هو ظاهرة خطيرة لم يعرفها تاريخهم حتى في أسوأ أيام السلطنة العثمانية، وهو يشكل تهديداً للطابع الحضاري لبلاد الشام القائم على التعددية العقائدية والفكرية.


غزة مرة أخرى... تفجيرات وإتهامات/ راسم عبيدات

بالأمس اعلن الناطق الرسمي باسم داخلية حكومة غزة بأن المسؤول عن التفجيرات  والعبث الأمني والسيارة المفخخة المكتشفة على مدخل  حي الشجاعية،هي من فعل عناصر مرتبطة وتدار من قبل اجهزة أمنية وسياسية  قياداتها تتقلد مناصب رسمية في السلطة الفلسطينية في رام الله،وقدمت أدلة واثباتات من خلال الإعترافات والتسجيلات على صحة ما تقولة،وبالمقابل اعتبرت الحركة على لسان الناطق الرسمي باسمها احمد عساف وعدد آخر من قياداتها بأن ما تم عرضه ليس أكثر من مسرحية رخيصة،هدفها التحضير لحملة اعتقالات وقمع وتنكيل بعناصر وقيادات فتح في القطاع، وأن هذه المسرحية تندرج في إطار سعي حماس لإقامة دويلة أو إمارة غزة،وبما يضرب المشروع الوطني ويكرس الإنقسام.

ولعل الجميع يذكر أنه في سياق التحضيرات التي كانت تجري في تشرين ثاني من العام الماضي  لإحياء الذكرى العاشرة للشهيد الرئيس أبا عمار،حدثت مجموعة تفجيرات طالت منصة إحياء الذكرى وعدد من منازل  وممتلكات قياديين في حركة فتح،وفتح وجهت اتهاماتها لحركة حماس بالمسؤولية عن ذلك،وطالبت بتحقيق مستقل وبمشاركة فصائلية ومجتمعية للكشف عن المرتكبين لتلك التفجيرات وتقديمهم للمحاكمة،ولتقوم حماس بعد مدة ليست بالقصيرة،بعقد مؤتمر صحفي وتعلن فيه بأن المسؤولين عن تلك التفجيرات أيضاً،يتبعون ويرتبطون بأجهزة امنية وسياسية  قيادية في رام الله،وحملت الرئيس كما حاصل الان المسؤولية المباشرة عن ذلك.

من الواضح أن من يقومون بتلك التفجيرات أنهم ليسوا مجموعة من الهواة أو الأفراد المعزولين،بل هي مجموعات تعمل بشكل ممنهج وبأجندات واهداف خبيثة، في مقدمة تلك الأهداف،تعميق وتكريس وإستطالة امد حالة الإنقسام،وضرب وحدة النسيج المجتمعي والوطني في قطاع غزة،وكذلك في الضفة الغربية،وجر الساحة الفلسطينية الى صراعات وحروب داخلية ومهاترات حزبية وفئوية،تشغل الناس والفصائل عن الإحتلال وإجراءاته وممارساته الرامية الى تفكيك المشروع الوطني،ناهيك عن منع  عجلة الإعمار من الدوران وبما يبقى الحصار قائما ومستمراً،وبما يعني أيضاً تعميق ازمات القطاع السياسية والحياتية،عدم قدرة حماس على الوفاء بإلتزاماتها المالية تجاه موظفيها،وهذه واحدة من المشاكل الجوهرية،وكذلك مثل هذا الوضع يزيد  ويعقد من ظروف الناس الحياتية بطالة،فقر،جوع، أزمات إنقطاع الكهرباء والماء ومشاكل الصرف الصحي والمشردين بفعل العدوان ..وغيرها.

منذ تشكيل حكومة الوفاق الوطني،والتي كان من المفترض ان يكون تشكيلها مدخلاً حقيقياً نحو  التقدم لإنهاء الإنقسام واستعادة الوحدة الوطنية وإيجاد حلول مرضية ومقبولة للملفات الأساسية، فتح المعابر،إعادة الإعمار، رفع الحصار، رواتب موظفي سلطة حماس ال(40) ألف، والإعداد للإنتخابات  التشريعية العامة.

ولكن لم يجر أي تقدم جدي في تلك الملفات حيث كانت الإتهامات المتبادلة والتحريض والتحريض المضاد والمناكفات والمهاترات  العنوان الأبرز،حكومة الوفاق وحركة فتح تتهمان حماس بعرقلة وعدم تمكين حكومة الوفاق من القيام بمسؤولياتها  ومهامها ودورها في القطاع،من خلال الإصرار على الشراكة في قضايا الإعمار والإشراف على المعابر،وعدم السيطرة على الأجهزة الأمنية،وحماس تتهم حكومة الوفاق وفتح،بالتدخل في الشؤون الداخلية للقطاع من خلال خلق الفوضى والإنفلات الأمني في القطاع،واهمال قطاع غزة وعدم ايجاد أية حلول لمشاكل أهل القطاع حياتية ومعيشية وخدماتية ،أو القيام بأية مشاريع من شأنها ان تسهم في تحسين ظروف وحياة أهل القطاع،وتحد من البطالة والفقر والجوع هناك.

واضح قبل الحديث عن مدى صدقية الإتهامات والمعلومات بين الطرفين (حماس وفتح)،ان هناك حالة كبيرة وهوة واسعة بين الفريقين من عدم الثقة،وأن الصراع يتمحور ليس على الحرص على المشروع الوطني والقضية،بل صراع يتمحور على من سيقود او يتولى زمام امور الشعب الفلسطيني،وكذلك صراع على اقتسام كعكة سلطة  غير دسمة،وتولي الإشراف على ملفات المعابر واعادة الإعمار وغيرها،ناهيك عن  اصطفاف الفريقين خلف محاور عربية واقليمية متباينة،والتدخلات العربية والاقليمية والدولية في الشأن الفلسطيني،وما نتج عن  ذلك من حالة عدم تحقيق المصالحة وانهاء الانقسام،جعلت الساحة الفلسطينية مفتوحة لطرح مشاريع سياسية مشبوهة،مشاريع الهدف منها بالأساس ضرب وحدة المشروع الوطني الفلسطيني،وانهاء القضية الفلسطينية،والحديث يجري عن خلق دويلة فلسطينية في القطاع مع هدنة طويلة برعاية عربية وإقليمية ودولية بين اسرائيل وحماس،وحماس التي تحت ضغط بقاء الحصار وبطء دوران عمليات الاعمار واغلاق المعابر، قد تقدم على خطة من هذا النوع،تجد فيها بأنها تنقذ حكمها وتقدم حلول معقولة لمشاكل وهموم الناس،وتخفف من حالة الضغط والاحتقان السائدة والتي قد تحول ثورة الفقر والجوع الى ثورة عارمة ضد حكومتها وسلطتها،أو تتنامى مظاهر البلطجة والزعرنة والمليشيات وتصبح الفوضى والفلتان سيدة الموقف.

نعم الوضع في قطاع غزة إرتباطاً بعدم فتح المعابر والحصار وبطء الإعمار،وما يحدث من صراعات عربية واقليمية وتدخلات في الشأن الفلسطيني،خلقت تربة خصبة لإنتعاش جماعات سلفية وداعشية تحمل افكارا غريبة تريد أن تفرضها على الواقع الفلسطيني،وكذلك هناك من يحملون برامج وأهداف وأجندات خبيثة  جل هدفها منع أية وساطات او حلول تنهي الإنقسام وتعيد وحدة شطري الوطن،والإحتلال هو المتهم الأول في هذا الجانب،وخصوصاً بعد قيام الحكومة اليمينية المتطرفة في اسرائيل،والتي  قادتها لديهم مشروعاً عبروا عنه بشكل واضح، تأبيد وشرعنة الإحتلال،مع تطبيع كامل مع الدول العربية،رؤية نتنياهو للمبادرة العربية لحل الصراع العربي- الإسرائيلي،ورؤيته في الدولة ذات الحدود المؤقته،التي تمكنه من ابتلاع القدس وتحويل ما يتبقى من الضفة الغربية بعد ضم مناطق (سي) التي تشكل (60)% من مساحة الضفة الغربية الى جزر متناثرة و"كانتونات" في محيط اسرائيلي واسع.

نعم في ظل ابقاء حالة الإنقسام وفي ظل تغليب المصالح الفئوية والحزبية على المصالح الوطنية،وعدم الاتفاق والتوافق على برنامج واستراتيجية موحدتين،فإن المشروع الوطني يتجه نحو كارثة جدية وحقيقية بأيدي فلسطينية ،فحتى تجري معالجات جادة  ومحاسبة ومحاكمة للمسؤولين عن التفجيرات والعبث بالأمن  ونشر حالة الفوضى في القطاع،فهذا يحتاج الى اجراء تحقيقات مهنية  ومستقلة وبمشاركة فصائلية ومجتمعية،تقود الى كشف المتورطين والعابثين ومحاكمتهم،بعد ان يجري رفع الغطاء عنهم من قبل من يراعهم ويمولهم ويدربهم ويوجههم ويقودهم.

ما يجري وما نشهد اليوم من ارتفاع وتيرة  وحدة الصراعات والخلافات بين الفريقين،يتطلب جهد شعبي وجماهيري تحركه وتقوده قوى مجتمعية واهلية وفصائلية، يقول للفريقين كفى عبثاً كفى تدميرا كفى تآمرا وذبحا للمشروع الوطني تحت راية مصالحكم وأجنداتكم ومنافعكم وامتيازاتكم.

ثوّار وثورات/ د. عدنان الظاهر

أولاً / الطفل حمزة الخطيب

قتلتك أُميّةُ بَدْراً في فجرِ
نَقضتْ إيلافَ قُريشٍ إخلافاً أحلافا
قضمتْ أحشاءكَ ( هِنديّة ) ُسفيانِ
لم تمكثْ في الغيبِ طويلا
 نجلتكَ الأرحامُ وِحاما 
مولدُ أمثالكَ إعجازٌ لا عَجزُ
سمعَ الجسدُ الطفلُ نداءً أسرى بَرْقا 
أصغى .. سارعَ .. لبّى
يا قمرٌ غاب خسوفاً كليّا
طفلٌ قبلكَ في الطفِّ قضى في حِجرِ أبيهِ الصابرِ ذبحا
نحرتهُ سهامُ وريثِ أبي سفيانَ يزيدُ
إسرِ ثانيةً للشامِ بُراقاً ( دَرْعيّاً ) قُرباناً منذورا 
أمّكَ في المرجةِ ما زالتْ تستفتحُ آياتِ النصرِ 
تتلو صلواتِ الغائبِ تسقي الجرحى .

ثانياً / تاجُ توكّل الكرمانية 
كَرَمٌ كرّمَ في صنعاءَ ممالكِ حِميرَ والأحساءِ
في ساحةِ تغييرِ وجوهِ وأصباغِ الحاكمِ بالأمرِ
ملعوناً محروقاً مطعوناً مخدورا
ها قد آنَ أوانُ تبوُّءِ مولاتي عَرشا سبأيّا
يرقى للأعلى سِلْما 
وضَعتْ بلقيسُ وصيفةُ مولاتي
تاجَ السدِّ اليمنيِّ وأضحتْ
جاريةً في خدمةِ عرشِ ( توكّلِ كِرمانِ )
الزمنُ الصامتُ صوتٌ هدّارُ
يتكررُ فرّاً كَرّا دوّارُ
متوكلُ أنثى من سدّةِ مأربَ حتى أسوارِ السدِّ العالي
( ذو يَزَنٍ ) يخلعُ أثوابَ المُلْكِ ويغدو جنديّاً مُنشّقا
يحمي الثورةَ في ساحاتِ التغييرِ
حيثُ الشبوةُ شبّتها نيرانُ النسوةِ فاتّقدَ الظلُّ وطاشَ الميزانُ
هاجَ البحرُ الأحمرُ في عَدَنٍ واضطربَ الميناءُ
الدنيا إعصارٌ يتحركُ في الخِفيةِ مرئيّا
يُنذرُ ما يُنذرُ في سطحِ البحرِ وعُمقِ الأنواءِ
أعتى من ضربةِ سهمِ النجمِ الجبّارِ
كِرمانُ تقودُ بناتِ مدينتها ساحاً ساحا
تتحدّى بالصولةِ والصورةِ والصوتِ 
ضبّا أرعنَ مرقوعا
مخنوقاً بحبالِ ونارِ أبي لَهَبِ
تُصغي حتّى تأتيها أنباءٌ من شَفَقٍ أقصى 
حاملةً بُشرى تُحيي الموتى
سُرّتْ وتحنّتْ صنعاءُ
لبستْ وشيا سبأيّا 
زهدتْ ( كِرمانُ ) فجادتْ
وهبتْ للشعبِ الثائرِ ما أهدتْ بلقيسُ :
 الدُرّةَ والجوهرَ والعسكرَ والتاجا
( كِرمانُ ) يمامةُ عرشٍ يمنيٍّ وجُمانُ
مِسكٌ يتضوّعُ مِنْ فيها بَرْداً وسلاما .

ثالثاً / شُعلةُ القامشلي
كاوا الحدّادُ قتيلُ
أشعلَ ما أشعلَ في جمرةِ نارِ الحدّادِ
صهرَ الفولاذَ وذابَ شعاعاً قامشليّا
فَزِعتْ بغدادُ وطاشتْ خوفا
صنعاءُ تمنّتْ 
أنْ تسقطَ فيها رشّةُ ضوءٍ من حَلَبٍ أو درعا
الليلُ الشاميُّ طويلُ
والدربُ الشاميُّ طويلُ
مبدأُهُ ( حمزةُ ) درعا
آخرهُ ( مِشعلُ تمّو ) في القامشلي
نوّرَ عَمّانَ و( سِرتا ) 
جفلتْ طنجةُ والدارُ البيضاءُ .

رابعاً / القنّاصة
في ميدانِ التحريرِ مجانيقُ أُعِدّتْ للقنصِ
في صنعاءَ وفي ديرِ الزورِ
القنصُ هوايةُ بدوِ صقورِ الصحراءِ
داءٌ دمويٌّ يتأصّلُ في الرأسِ
يهواهُ الجاثمُ نمروداً فوق الصدرِ
يحكمُ بالمُطلقِ والشرطةِ والقبضةِ والغيبِ
يأمرُ يقتلُ يسرقُ يُفتي ينهي
لكأنّا ما زلنا في العصرِ الحَجَري .

خامساً / أسرى فلسطين
قامَ ( المختارُ ) وصلّى للغائبِ في بنغازي
أسرى حتّى ( غزّةَ ) والقُدسِ 
حيث الأسرى أحرارُ
والفرحةُ في ( الضفّةِ ) تكبيرُ :
أينَ القائدُ أين شهيدُ القسطلِ أين المِعمارُ أبو عمّارِ ؟
تختلطُ الدنيا في عيني لمْحاً مشبوحا
أتذكّرُ عاماً صيفيّا
كان البحرُ الميّتُ فيه يجري بين المُهجةِ والعينِ
مِلْحاً شفّافا
شاهدتُ الناسَ يجوبون الدنيا أفواجاً أفواجا :
ماذا تبغي يا عمّي
من أينَ أتيتِ يا أُمّي
هل قُتلتْ أُختي ؟
أين الطفلُ صديقي في يافا 
ما حالُ وما حلَّ بمدرستي في حيفا ؟ 
الجوُّ مَهيبُ
لا أحدٌ يسمعُ صوتاً إلاّ جدرانُ المبنى
( لا تسألْ مّنْ يلجأُ مُضطّرا )
أكرمْ ضيفكَ يا مُختارُ
الدنيا والكوكبُ شأنٌ أَزليٌّ دوّارُ
أَكرمْ مثوى بيتٍ هدّمهُ الإستعمارُ
يافا في المنفى
في القُدسِ وحيفا إعصارٌ مخنوقٌ خوفا
حملَ الأهلُ مفاتيحَ الدور وهجّوا شرقاً غْربا
يلتحفونَ حرارةَ ضوءِ الأنجمِ ليلا
هذا قدرُكَ يا إنسانُ ؟

التعاون/ أنطوني ولسن

** ألو .. صباح الخير .

** صباح النور .. مين حضرتك ؟

** ألله .. أنتَ مش عارفني ...

** لا صدقيني .. مش واخد بالي .

بعد هذه المقدمة عرفت من هي . بدأ الحديث بيننا يتشعب والحوار يحمي وطيسه عندما تطرقنا الى موضوع الرجل والمرأة ، والزوج والزوجة والحياة الزوجية . أعرف عنها الجرأة المحببة . بعض من النساء جريئات . لكن العياذ بالله جرأتهن أعتبرها وقاحة . أما الجرأة الواعية المتفهمه ، فهي محببة وتشجع الأنسان على الأخذ والعطاء في الكلام ، وماقشة موضوعات الحياة في حرية دون تحفظ .

مما ناقشناه وحمى وطيس النقاش فيه . موضوع الزوج وعمله . أنها تعتبر نفسها متساوية للرجل ، المساواة التي تعنيها ، أنها تعمل مثلما يعمل . تكتسب من عملها مثلما يكتسب . تخرج في الصباح الباكر الى عملها وتعود بعد قضاء الثمان ساعات خارج المنزل .

يعود هو مثلها ، كما خرج مثلها في الصباح . الفارق بينها وبينه . أنه عندما خرج في الصباح لم يكن عليه اعداد الفطار للأولاد حتى يتناولوه قبل الذهاب الى المدرسة . لم يأخذ معه أبننا الصغير لتوصيله الى الحضاتة . لم يتأكد أن كل شيء تركه في موضعه بالمطبخ حتى لا يضار الأولاد لا سمح الله من أي شيء ترك سهوا ويشكل خطرا عليهم . ليس له عمل في الصباح غير " حلاقة ذقنه " ووضع العطر والتأكد من أن  رابطة العنق " الكرافات " يتماشى مع قميصه وحلته . الحذاء لابد وأن يكون لامعا . عليه أن يخرج وهو على " سنجة عشرة " كما يقولون .

أما أنا " الزوجة " ، فعلي أن أقوم بكل أعمال المنزل . أخرج بعد ذلك وقلبي غير مطمئن . أخشى أن أكون قد نسيت شيئا يحتاج اليه الأولاد . ما أن أصل الى العمل حتى أسرع بالأتصال بهم للأطمئنان عليهم وسماع مشاجراتهم ومتابعة بقدر الأستطاعة كل ما يدور عن طريق أذني . بعدما أضع السماعة أذا كان بالي مشغولا عليهم ، لا أرتاح ألا بعد الأتصال بهم مرة أخرى .

هكذا أبدأ يومي خمسة أو ستة أيام في الأسبوع . أما بعد أن أنتهي من عملي ، في طريقي إلى البيت أذهب إلى دار الحضانة لأخذ أبني معي ، أدخل مباشرة إلى المطبخ . لا بد من أعداد الطعام . وأنا أعد الطعام أتقرب إلى الأولاد كل وطريقتي معهم التي أعرفها لأستشف منهم ما حدث معهم في يومهم ، وما ضايقهم سواء في المدرسة أو مع بعضهم بعض أو ما يحتاجون أليه . أبدأ في ترتيب البيت محاولة أشراك الأولاد معي بغض النظر عن الولد أو البت .

ما أن يدخل هو، حتى أستشف من نبراته هم اليوم كله الذي لقيه في عمله . أو وف هذا وذاك وتلك . يخلع الحذاء في مكان ، والجورب في مكا آخر ، أشكره على تواضعه ووضعه لحلته في مكانها . بعدها يسألني في صوت خشن ليؤكد لي رجولته :

** متى سنأكل !.

أو يخاطبني بلهجة السيد الآمر :

** أنا داخل أنام ، لا أريد أن أسمع صوتا . بعد أنتهائك من أعداد الطعام ، أكون قد أسترحت قليلا .

ينام هو ، وأنكوي أنا بالأولاد والتنظيف والطبيخ والزعاق ، وأسكت الواد وأسكتي يا بت ، وطو صوتكم أبوكم بسلامته نايم . بالله عليك هل تعتقد أن هذا صح ؟

فاجأتني بالسؤال . أردت أن أكون مستمعا فقط لا أدخل في نقاش نعها . لأنني أعرف أنني خاسر . لأنه بالمنطق والعقل .. لا .. أما حسب ما نشأت وتعودت ، فأنا لست أفضل منه . على الرغم من أنني أقتنعت بأن المرأة تعمل عملا مضاعفا وأحيانا أكثر من مضاعف . تعمل في الداخل والخارج وتربي الأولاد وترعاهم وترعاه هو " الزوج " أيضا .

بعد لجلجة مني أجبتها ، بأن الرجل والمرأة عندما يتزوجان تبدأ مرحلة جديدة من حياة كل منهما كما يقول المثل " الزوج كما عودتيه والأبن كما ربيتيه " . فلا تأتي بعد طول العمر والعشرة وتطلبين منه أن يغير ما تعود عليه . لم تحمله أمه مسؤولية عمل شيء . وأنتِ  في بداية  حياتكما لم تطلبي منه تحمل آية مسؤولية أيضا . كيف بالله عليكِ أن تطلبي مه الأن القيام بأعمال في قرارة نفسه هي خاصة بالمرأة فقط !. فأذا قام بها سوف يُنقص هذا من شخصيته أمام أبناءه وأمام نفسه . أنا عن نفسي لا أستطيع أن أتخيل نفسي ماسكا بالصحن وأغسله . أو أقوم بطهي الطعام . ربما لأنني لا أعرف كيف أطهو، أو لأنني لم أتعود .

جاء ردها سريعا في هذه المرة وقاطع . أنا لا أطلب من رجلي أو من أي رجل أن يقوم بأعمال الرجل في المنزل . أطلب منه فقط أن يتعاون مع زوجته . هنالك الكثير من االأشياء الصغيرة التي أذا قام بها تساعدني وتجعلني أشعر بأنني لستت وحدي في المنزل . ماذا يحدث أذا وضع حذاءه في مكانه أو أذا جلس مع الأولاد يتحدث أليهم ويرعاهم ، بدلا من النوم !. هل تقوم القيامة لو أعد طاولة الطعام قبل أن نأكل !. أنه بهذا العمل يضرب المثل لأبنائه عن معنى التعاون والمساعدة ، وأن البيت ليس من شأن فرد واحد بل هو مسؤولية الجميع .

قلت لها بدون شك عندك حق . التعاون بين الرجل والمرأة في الحياة هو أهم شيء . تحدثنا بعد ذلك في أشياء أخرى ألى أن أنتهت المكالمة وأنا  لسان حالي يقول :

يخشى الرجل التعاون مع المرأة . لأنها ستطمع بعد ذلك فيما هو أكثر . سينقلب الحال كما هو مقلوب هذه الأيام . تدخل هي لتستريح . ويقف هو في المطبخ يُعد الطعام !.

كلام .. وكلام

** أجمل ما في الحياة .. حلو ذكرياتها .

وأحلى ما في الذكريات .. رؤية الأبناء يكبرون ، وأبائهم من حولك .

** تحملتُ الأهوال بسبب قدرتي على رؤية الله في محنتي .

فرأيت رحمته في عذابي . ونسيت عذابي في إيماني . ووجدت إيماني في شعوري الدائم بأن الله معي .

** التجربة .. هي مدرس شاذ .. يمتحنك ثم يعطيك الدرس .

أنطوني ولسن

اسرائيل... وتنامي المقاطعة الدولية/ راسم عبيدات

واضح بأن حالة كبيرة من القلق والإضطراب والخوف والإرتباك تسود دولة الإحتلال وحكومتها تجاه تنامي مكانة اسرائيل الدولية في ضوء النداءات والمطالبات المتكررة بفرض العقوبات والمقاطعة الدولية عليها،نتيجة الإحتلال والإستيطان الإستعماري وجدار الفصل العنصري وسياسة الفصل العنصري "الأبارتهايد"،وما ترتكبه من جرائم حرب بحق الشعب الفلسطيني،ولم تعد اسرائيل تتعامل مع هذا الملف بإستهتار وبدون إكتراث،بل أصبح خطر المقاطعة الدولية لدولة الإحتلال يوازي خطر القنبلة النووية الإيرانية على دولة الإحتلال.
ولعل التطورات الأخيرة التي حصلت بمقاطعة العديد من الدول الأوروبية لمعرض للسلاح في تل أبيب يوم الثلاثاء 2/6،هي التي أشعلت الضوء الأحمر أمام حكومة الإحتلال،فصادرات اسرائيل العسكرية تقدر بمئات الملايين من الدولارات سنوياً،وانتقال المقاطعة الى تجارة السلاح،سيشكل ضربة موجعة للصناعات العسكرية الإسرائيلية،وكذلك طرح تجميد عضوية اسرائيل في "الفيفا" وانضمام الإتحاد الوطني لمجالس طلبة بريطانيا والذي يضم في عضويته (7) ملايين طالب الى حملة المقاطعة،نتيجة ارتكاب دولة الإحتلال لجرائم حرب في حربها العدوانية الأخيرة على قطاع غزة /2014،واستمرار إحتلالها للأراضي الفلسطينية المحتلة،هي التي دفعت بالإتحاد البريطاني الطلابي لمثل هذا القرار.
القلق والإضطراب الإسرائيلي جراء ذلك اضطر الحكومة الإسرائيلية الى عقد جلسة خاصة ل"الكنيست" البرلمان الإسرائيلي بكامل هيئتها،للتدارس والتباحث في كيفية التعامل مع هذا الخطر الجدي،حيث ان "الكنيست" اعتبرت المقاطعة بمثابة تهديد استراتيجي لإسرائيل وليس تهديد سياسي فقط،وتحدث عن ذلك كل مركبات ومكونات حكومة الإحتلال المتطرفة والعنصرية من رئيس وزراء دولة الإحتلال نتنياهو الى رئيس الدولة ريفلين فوزيرة الثقافة والرياضة المتطرفة "ريغيب" فالمتطرفة "شاكيد" وزيرة العدل حيث وصفوا ذلك بالتهديد الإستراتيجي وبأنه يستهدف محو دولة الإحتلال وليس تقسيم ما يسمى بأرض اسرائيل على راي المتطرفة "شاكيد".
ولذلك دعو الى تشكيل خلية عمل للمواجهة والتصدي لمخاطر المقاطعة،خلية يتجند لها ديوان رئيس الوزراء ووزارة الخارجية وكل سفاراتها وبعثاتها الدبلوماسية في الخارج وكل وسائل الإعلام وكتاب الرأي،وكل أصدقاء دولة الإحتلال في الدول الأوروبية وأمريكا،وكل المؤثرين في صناعة القرار في دولهم من رجال اعمال ورأسماليين يهود.
ولتدليل على خطورة ما يحدث ويواجه دولة الإحتلال من عزل ومقاطعة على المستوى الدولي في الجوانب الأكاديمية والثقافية والإقتصادية على وجه الخصوص،عمدت حكومة الإحتلال الى نقل هذا الملف الى وزارة الشؤون الإستراتيجية.
ومما تجدر الإشارة اليه بأن حركة المقاطعة الدولية لإسرائيل بدأت في عام 2001،في مؤتمر ديربن الذي عقد في جنوب افريقيا بمشاركة 1500 منظمة غير حكومية ،صاغت ما عرف بوثيقة ديربن،وهي عبارة عن خطة عمل لعزل اسرائيل على المستوى السياسي.
الحملة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة اسرائيل وسحب الإستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS ) تحقق نجاحات مهمة على صعيد عزل اسرائيل ومقاطعتها أكاديمياً وثقافياً واقتصادياً وعسكرياً،وثمرت جهدها المتواصل وملاحقاتها ومتابعتها،وتنسيقاتها وتواصلها مع القوى ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي في خلال انطلاقتها 9/6/2005 ولغاية الآن،أنجزت ما لم تستطع إنجازه الحركة السياسية والدبلوماسية المرتبكة والمتلعثمة والمرتعشة للسلطة ومعها منظمة التحرير الفلسطينية،فنحن نتحدث من بداية العام الحالي عن (1000) مؤسسة ثقافية بريطانية انضمت لمقاطعة دولة الإحتلال،وفي شباط الماضي من العام الحالي (700) فنان بينهم فنانين عالميين ينضمون لمقاطعة دولة الإحتلال،ناهيك عن التطور الأهم،وهو اعلان شركة سليكوم الفرنسية عن وقف عملها في "اسرائيل" وإنهاء تعاقدها مع شركة "بارتنر" الإسرائيلية لكونها تعمل في المستوطنات الإسرائيلية....الخ.
اسرائيل الرسمية وغير الرسمية تتجند للتصدي ومواجهة حملات المقاطعة،وتضخ الأموال بملايين الدولارات وتجند كل وسائل الإعلام لهذه الغاية،وفي هذا السياق نقول بأن دولة الإحتلال ولمحاربة حملات المقاطعة سنت الكنيست عام 2011 "قانون المقاطعة" ضد كل من يطالب بمقاطعة إسرائيل واعترضت عليه مؤسسات حقوق الإنسان.
وصادقت المحكمة العليا الإسرائيلية على هذا القانون في 15 نيسان/إبريل 2015 معتبرة "أن المقاطعة لها طابع عنصري كونها تنادي بمقاطعة مؤسسات فقط لانتمائها الإسرائيلي".
وينص قانون المقاطعة الإسرائيلي على تقديم دعوى قضائية وطلب تعويضات ضد كل من يدعو إلى عدم شراء منتجات المستوطنات أو إلى عدم المشاركة في النشاطات الثقافية التي تنظم بداخلها. كما يخول القانون وزير المالية بفرض عقوبات اقتصادية كبيرة على كل من ينادي بالمقاطعة أو يعلن مشاركته بالمقاطعة.
واعتبرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" كبرى الصحف الإسرائيلية "أن الحرب ضد حملات المقاطعة ليست حربا سياسية فقط بل هي حرب قومية".
وأطلقت الصحيفة حملة الاثنين تحت عنوان "إسرائيل أولا، نحارب المقاطعة"، و"تجند في معركة التصدي" وقالت إنها ستنشر خلال الشهر والأشهر القادمة مقالات ومواضيع خاصة ضد نشطاء المقاطعة.
وفي إطار سياسة المواجهة أيضاً فإن إسرائيل وآلة الدعاية الصهيونية ستتهم أي مؤيد لحركة المقاطعة بمعاداة السامية وستستخدم ذلك كشكل من أشكال الترهيب لإيقاف كل أشكال معارضتها، وتستخدم تكتيك تشويه السمعة خصوصا ضد مؤيدي المقاطعة من الأوروبيين لشعورهم بالذنب من المحرقة النازية ونجحت إسرائيل نسبيا خلال العقود الماضية باستخدام عقدة الذنب عند الأوروبيين للتواطؤ على قمع الفلسطينيين".
وأيضاً فإنها ستحاول نزع "الشرعية" عن حركة المقاطعة،والطلب من الدول الأوروبية وأمريكا بمحاكمة كل من يدعو الى مقاطعة البضائع الإسرائيلية أو وضع علامات خاصة على منتوجات المستوطنات،أو مقاطعتها اكاديمياً وثقافيا واقتصادياً،ناهيك عن إخراج تلك الحركات عن القانون،وكذلك على سبيل المثال قالت وزير الثقافة والرياضة "الإسرائيلي"ميري ريغب" بأنها قررت وقف دعم او رعاية الوزارة لأي عمل فني أو نشاط ثقافي يعتمد على انشطة المنظمات الحقوقية والأهلية التي تعنى بمراقبة سجل حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية.
أما السيد عمر البرغوثي أحد مؤسسي حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل فيرجع النجاحات التي تحققها حركة المقاطعة (BDS ) لكون" الحركة ترتكز على القانون الدولي والمبادئ العالمية لحقوق الإنسان. وترفض رفضا قاطعا كل أشكال العنصرية، بما في ذلك معاداة السامية وواقع ازدياد الدعم اليهودي للحركة في الغرب هو نتيجة الانسجام الأخلاقي للحركة".
وأختم بإقتطاف فقرة وردت في بيان ال(BDS) في إطار رفضها للمؤتمر التطبيعي الذي كان مقرراً عقدة في الحادي عشر من الشهر الجاري في فندق (أفرست) في بيت جالا تحت عنوان "دولتين وطن واحد".
إن انخراط فلسطينيين في مشاريع تطبيع كهذا المؤتمر يوفّر أوراق توت لجرائم إسرائيل وانتهاكاتها للقانون الدولي، بغض النظر عن النوايا، ويضرب الإجماع الوطني المؤيد لمقاطعة إسرائيل ورفض التطبيع معها في شتى المجالات البيئية والرياضية والاقتصادية والنسوية والنقابية وغيرها. كما يضعف التطبيع حركة التضامن العالمية مع حقوق شعبنا غير القابلة للتصرف.
وأوضحت أن "مناهضة التطبيع هي مسؤولية جماعية وضرورة نضالية من أجل حرمان دولة الاحتلال والأبارتهايد ومؤسساتها من بعض أهم أدوات السيطرة على مجتمعنا ومُقدّراتنا، حيث تدعو اللجنة الوطنية للمقاطعة بنات وأبناء شعبنا إلى أوسع اصطفاف وطني وشعبي لمقاومة التطبيع بكل الوسائل السلمية والحضارية المتاحة، ومنها مقاطعة الشركات والمشاريع والمحال التجارية والفنادق المنغمسة في التطبيع".