مشروع التصفية/ نبيل عليان إسليم

بعد أكثر من (20) عاماً من المفاوضات العبثية التي يقودها فريق أوسلو، طاف خلالها العواصم لانتزاع الحق الفلسطيني من "إسرائيل", وخرج بعدها بصفر كبير, وبعد هذه التجربة المريرة التي لفظها كل أطياف الشعب الفلسطيني واستنكرها في ظل التنازلات التي تقدم للجانب "الإسرائيلي" دونما فائدة تذكر للفلسطينيين, حيث تغول الاستيطان, وتهويد القدس والمقدسات وبناء الجدار العازل الذي ابتلع عشرات الآلاف من الدونمات, وبالرغم من كل ذلك إلا أن فريق عباس مصمم على الاستمرار في هذا الخيار وتعطيل كافة الخيارات البديلة والتي يمكن أن تحقق أضعافاً مضاعفة مما تحققه المفاوضات، بعد كل هذا يخرج عباس وفريقه بمشروع الذهاب إلى مجلس الأمن للمطالبة باعتراف أممي بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967م, وكأن الأمم المتحدة هي طريق النجاة الذي سيعطي الدولة الفلسطينية للفلسطينيين وفي المقابل ستضغط على إسرائيل لقبول القرارات الصادرة عنها.
 أن المتابع لما ورد عن الأمم المتحدة يجد أن المصائب أكثر من المنافع للفلسطينيين وقد ساوت بين الضحية والجلاد وبين الظالم والمظلوم وقد حورت القضية الفلسطينية من قضية سياسية عادلة إلى قضية تعاطف وتضامن مع الفلسطينيين، وقد أصدرت سيل من القرارات الدولية لم تلزم إسرائيل بها، وضربت بها عرض الحائط بمباركة ودعم دولي أيضاً.
إن ذهاب عباس وفريقه إلى مجلس الأمن من أجل المطالبة بترسم حدود فلسطين على حدود حزيران عام 1967م هو بمثابة إقرار بملكية "إسرائيل" لــ 78% من مساحة فلسطين التاريخية والقبول بــ 22% من مساحة فلسطين لإقامة دولة فلسطينية عليها، والتأكيد من قبل فريق عباس بأن هذه الجولة هي آخر جولات المطالبة بالحقوق الفلسطينية، وهذا التنازل سيكون موثق بالمعاهدات الدولية وعلى مشهد ومرأى العالم بأسره.
هذه الخطوة تأتي من قبل فريق عباس في ظل انقسام وشرخ وطني فلسطيني وعدم موافقة ليس من "حماس" الخصم الأكبر لمحمود عباس وفريقه، بل من الكل الفلسطيني وأيضاً من شركاء محمود عباس في منظمة التحرير مثل "الجبهة الشعبية والديمقراطية", والأدهى من ذلك هو أن حركة فتح التي يرأسها "عباس" غير موافقة عن مشروع القرار وتؤكد على لسان السيد جمال محيسن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح أنه لا يجوز أن يقدم هذا المشروع من غير التعديل عليه, وأن المشروع بصيغته الحالية غير فلسطيني, وقد عرض على مركزية فتح عبر الإنترنت ووضعت عليه ملاحظات، كما عرض وبشدة الأسير مروان البرغوثي أبرز قيادات حركة فتح توجه عباس بالمسودة الحالية للمشروع.
فمشروع القرار بصيغته الحالية والآلية التي تحرك فيها عباس وفريقه إنما تنم عن انفراد واضح في تحديد مصير القضية الفلسطينية ومغامرة بالشعب وقضاياه وحقوقه التاريخية دون إشراك كافة الأطراف الفلسطينية، كما أنه ينم عن أزمة حقيقية لمشروع أوسلو بعد اصطدام المفاوضات بالصخرة الصهيونية، وتنامي القناعة عند فريق عباس بأن المفاوضات فاشلة ولا يمكن أن يحققوا من خلالها شيئاً للشعب والقضية، هذا ما دعاهم للتوجه إلى مجلس الأمن حتى لا ينتهي هذا المشروع بصفر إنجاز.
وختاماً نستطيع القول إن ذهاب محمود عباس إلى الأمم المتحدة في غياب واضح للمساندة الشعبية وهو يحمل غصن الزيتون بكلتا يديه فقط هو خطأ استراتيجي، لأن المقاومة والبندقية هي التي تعطي القوة والشرعية للسياسي الفلسطيني كي يفاوض من موطن قوة، وكان الأولى به ألا يتحرك إلا وفق رؤية ومشروع وطني يجمع عليه الكل الفلسطيني.

العدل في ميزان الحق/ محمد محمد علي جنيدي

العدل هو رمانة الميزان، وبه تقام الدول وتزول بزواله، وتسعد الشعوب وتشقى بانتهاك حرمته، وتعيش العائلات والقبائل في تواد وألفة ورحمة وأمان حال التمسك به، والإصرار على فرضه على الأمير والغفير والقوي والضعيف وسائر الناس.
والحق تبارك وتعالى صفته العدل ذاته، فمن أحبه فهو في رحاب الله وحصنه، ومن بغضه وكرهه لا أمان له ولا عليه، ولا مقام له عند مولاه، ويتجلى الحرص على إقامة العدل عندما نقيمه ولو على حساب أنفسنا والوالدين والأقربين.
يقول الحق تبارك وتعالى:
( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو علي أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولي بهما فلا تتبعوا الهوي أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا) صدق الله العظيم، سورة النساء (135).
كذلك يقول سبحانه:
( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ) صدق الله العظيم، سورة الحجرات (9)
ونحن مأمورون بالإحسان جوار أمر الله لنا بإقامة العدل الذي هو كالسيف الحاد في إحقاق الحق ونصرته، كما الإحسان بمثابة هبوب نسمة باردة في يوم حار، وبكلاهما يعيش الإنسان كطائر يحلق في سماء ربه في أمان ورضا لا يصيبه ملل أو كلل أو ضجر أبدا .
وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى:
( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ) صدق الله العظيم سورة النحل (90)
ولننظر في قول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم لإلقاء مزيد من الضوء على تلك الفضيلة التي نفتقر لنسماتها الشافية وهو يقول ( ص ):
( إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ) صدق نبينا الكريم ( ص ).
ولقد جاء في شرح النووي على مسلم:
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ) معناه : أن هذا الفضل إنما هو لمن عدل فيما تقلده من خلافة أو إمارة أو قضاء أو حسبة أو نظر على يتيم أو صدقة أو وقف، وفيما يلزمه من حقوق أهله وعياله.
والوالي العادل هو الذي يتولى أمرا من أمور المسلمين الخاصة أو العامة حتى الرجل في أهل بيته يعتبر واليا عليهم.
هذه القيمة العظيمة من أعظم قيم الإسلام المفترى عليه من أعدائه وكذلك من أبنائه بكل أسف، ولعلنا إذا ما نظرنا لما وصل إليه حال المسلمين من ضعفٍ ومهانة في سائر بقاع الأرض إلا من رحم ربي، لأدركنا بوضوحٍ تام علة هذه الخيبة التي تحاصرنا من كل ناصية وذلك بتخلينا أولا عن هذه الفضيلة التي أدعو الله أن يردنا إليها ردا جميلا، إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه.

m_mohamed_genedy@yahoo.com

علي مشارف بكرة/ ايمان حجازي‏

 مع نهايات سنة 2014 وعلي أعتاب سنة 2015 
أرجو أن يتوقف الفكر المتخلف السائد 
أرجو أن يتغير التوجه الإداري 
أرجو أن تتجدد الرؤيه فلا يجب أن تستمر لغة الحوار أن #المخلوع غبر الله سيرته برغم كل ما إفتعله من فساد ودمار للبنيه الرئيسيه وإهدار للمحتوي العقلي وإفراغ للصحة البدنيه وتبوير للفكر وتجريف للضمير وتصحير للثروات وتهجير للطير المغرد وقص ريش للراغب في التحليق في سماء الحرية إلا أنه مازال البعض لا يري في تمثيلية قبوله التنحي أي ضرر ..... ولكن البعض ممن عاشو وتمرغو في عز وخير المخلوع ومازالو يضربون بسيفه رغم إرتدائهم قناع الثورة وقت أن قال الشعب حي علي الخلاص
 إلا أنهم اليوم عادو للطبل والزمر والدعوات الراقصة علي شرف المخلوع معتمدين في ذلك علي غباء الإخوان والذين لم يعد هناك أي داع للتأكيد عليه والذي ليس هناك مجال لإنكاره ، فلولا غباء وطمع وحمق الإخوان ومعزولهم لما عادت وطاويط المخلوع تحلق مرة اخري في سماء الوطن . 
وعلي هذا النسق أود أن يتوقف غربان البين عن النعق فوق النعوش ليذكروننا بطمع وغباء المعزول لأن بمنتهي البساطه جهل وغباء الإخوان واضح وجلي للناظر بدون أي إعمال للعقول وهذا ما يجعلنا ننشغل به ونترك حقد وخبث ودهاء أنصار المخلوع وما يفعلونه للسيطرة علي أواصر الدولة مرة أخري. 
أرجو أن ينتبه هؤلاء الغربان الناعقون الي ما يفعله سوس المخلوع في جذور الوطن وما ينشرونه من فساد ممتد ومستمر يدمر ويستكمل ما كانو قد فعلوه قبل الثورة .... 
يا أيها البوم الذي تولول ليل نهار وراء ما تنسبه للإخوان من تدمير وخراب إنتبه الي ما يحيكه أولاد وأنصار المخلوع لإن هؤلاء متمرسون في الخراب بعقل وروية وخبرات عاليه ومؤيده بدراسات وعلاقات وإنتبه الي أنك بما تفعله من بروبجاندا ضد المعزول وجماعته تخلي السبيل لكل أنصار الفساد والدمار المخلوعي ليفتعلو ما يرونه مؤيدا لخططهم ومرجعا لمجدهم. 
أرجو ونحن علي حدود فاصلة من عام كاد أن ينصرم وعام كاد أن يبتدئ أن ننتبه ونضع العقول في الرؤوس ونحكم الضمير ولا نعطي قيادنا لغيرنا ولا نترك لكل من هب ودب الفرصة في إعتلاء منصات الرؤيه وإعلاء صوت المصالح.
 أرجو أن ننتبه ونفتح العيون ونزيل الغواشي عن الأبصار ونصحح بدون إنحياز الأفكار ولا نجعل إنتمائنا إلا لهذا الوطن ولصالح أبنائنا وكفي 
أرجو أن نحيي فينا الضمير لنستقبل به العام الجديد لنحقق ما نريد. 
ألا هل بلغت اللهم فإشهد

واستشهد السلام.. في وطن السلام/ سامح عوده

 ترانيمُ الصبح الاتي من رحم الليل تصدحُ في سمائنا المثقلةِ بهموم العابدين المتعبين من ظلم البشر..!! وعلى غير عادتها تدقُ أجراس الكنائس معلنةً بدء فرحة الميلاد، هنا .. وهناك وفي كل الامكنةِ فرحةٌ منقوصةٌ ورسالة تسامح لم تكتمل بعد ..!!.

أيا كان النداء فالصدى المنبعثُ من حناجرنا المذبوحة بمديةً الاحتلال طاف المدى، وحل ضيفاً مرغوباً فيه أينما حلت قضيتنا بإنسانيتها تؤنس كل صاحب ضمير حي، لكن المفرح المبكي أن الظلم ظل ظلماً، رغم حقنا الراسخ والذي يقرُ كل البشر إلا ما ندر.

على اعتب العام الجديد ومع احتفالاتنا بعيد الميلاد المجيد نقول نحن الفلسطينيون " المجدُ لله في العلى وعلى الارض السلام وفي الناس المسرة" هذه هي رسالة التآخي والتسامح التي عشنا دهوراً نحترمها، وقدمنا لأجلها قوافل الشهداء والأسرى والجرحى لننعم معشرَ الفلسطينيين في فلسطين الديمقراطية بالأمن والسلام الذي نفتقده منذ عقود .

في هذه الرقعة التي ملأها الاحتلال بحقده وقتله لا مجال إلا أن نكون فلسطينيين كطائر الفينيق نصنع من الموت حياة ..  ولهذا فان رسالة التآخي متحابين متسامحين موحدين نغلقُ بوابات الشيطان التي يحاول الظالمون فتحها، فلا مجال لنا الا أن نعيش كما عاش الأولون والآخرون ممن سبقونا، ماؤنا واحد وهواؤنا واحد ومصيرنا واحد لا نحيدُ عنه ولو علقت لنا المشانق، ورصاص الاحتلال لا يفرق لهذا كانت رسالة التسامح مسيحين ومسلمين توحدنا دوماً .

بعض العبارات هزتنا في الاعماق، هذا العام، وكان لها أثرٌ بالغ‘ فهي رسالة إلى عدونا الغادر .. اياك ان تقترب من وحدتنا ..!!

اياكَ أن تسعى في فرقتنا

.. إياك وإياك وإياك ..

" فان هدموا مساجدكم ارفعوا آذنكم من كنائسنا " هكذا قال الأب " امانوبل مسلم" في حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل على شعبنا في قطاع غزة، هذه رسالة مسيحيو القطاع للاحتلال الذي دمر المساجد.

ولم نرَ أروع من الطفل الصغير أحمد وهو يزينً شجرة الميلاد، ولا أروع من التقرير الذي اعدَ عن أجواء عيد الميلاد وكان كل المتحدثين به مسلمين، لم ينتبه معدو التقرير الى هذه النقطة.

الان ونحن نعيشُ في رحاب عيد الميلاد  والعام الجديد وننتظر ما يخبئه لنا بفارغ الصبر العام الجديد  سؤال نسأله ماذا يحملُ لنا ؟

وبأي حزن أو أي بسمة نستقبله؟ اسئلة مشروعة لشعب لم يرَ من السلام إلا اسمه.. ومن الامان الا طيفه ..

ومن الفرحة إلا دمعتها..

 ومن حمامة السلام الا صورتها..!! وظلت حقول الشوكِ مزروعةً في طريقنا..!!

أيا كانت الامواج العتية التي تترصدنا فلا مكان  إلا أن نضيء شمعة لغدنا وننتظر بريق الشمس آتيه من سماء الفرح، لا نزهق الوقت في حساب الالم والخسارات، ولن نأبه بأولئك الذي تلذذوا في ارتشاف دمنا المسفوك، لن نكون على أعتاب العيد المجيد والعام الجديد الا ظلال وافره في عيون خاشعة ترنو بابتهالاتها نحو سماء عالية تسجل على سقفها وفي العام السلام في أرض السلام .

 مسيحيو الشرق بشكل عام ومسيحيو فلسطين بشكل خاص في كنيسة القيامة في القدس الشريف وفي بيت لحم في كنيسة المهد، وفي الناصرة أرض البشارة في كنيسة " البشارة  " لن تغيب البسمة عن وجوههم في لحظة تاريخية يعيشها الفلسطينيون أنى كانوا لحظة فرحة أخوية، هذه هي رسالة التسامح والإخاء التي ستبقى دستوراً لنا بأن حنا والياس وكل الفلسطينيين تجمعنا بهم أخوة ووحدة ومصير وهم الآن يحيون شعائرهم ويستقبلون العام الجديد غير آبهن بظلم الاحتلال وبطشه ، هذه هي رسالة السلام  فكل " عام وانتم بألف خير"  من أرض استشهد فيها السلام، وظل السلام بين أبناء الشعب الواحد هو السلام.

انقلاب محتمل في سياسة الهند الفلسطينية/ نقولا ناصر

(المخاطر التي يمثلها أي تغيير محتمل في السياسة الفلسطينية لعملاق آسيوي وعالمي مثل الهند جدير بأن يوضع على جدول أعمال وزراء الخارجية العرب عندما يجتمعون بالقاهرة في الخامس عشر من الشهر المقبل)

في سنة 2010 منعت وزارة الخارجية الهندية النائب عن حزب المؤتمر ماني شانكار آيار من طرح أسئلة في البرلمان عن العلاقة العسكرية بين الهند وبين دولة الاحتلال الإسرائيلي بحجة أن هذه العلاقة هي "من أسرار الدولة."

وفي عهد رئيس الوزراء الهندي السابق مانموهان سينغ حافظت حكومته على سرية العلاقات الهندية مع دولة الاحتلال. ولاحظ رئيس الدراسات الاستراتيجية في مؤسسة "أوبزيرفر ريسيرتش فاونديشن" بنيودلهي سي. راجا موهان أنهم في دولة الاحتلال كانوا يقولون إن "نيودلهي كانت تعامل تل أبيب كما تعامل الخليلة"، قبل أن يقول إن مثل هذه المعاملة قد انتهت الآن في عهد رئيس الوزراء الهندي الحالي ناربندرا مودي.

فمودي زعيم حزب "بهاراتيا جاناتا" الهندوسي الحاكم حاليا لم يعد يجد ضرورة للاستمرار في سياسة حزب المؤتمر للحفاظ على سرية علاقات بلاده مع دولة الاحتلال.

لكن الزميل في "مركز بلفر" بجامعة هارفارد الأميركية جاييتا ساركار لا يرى أي فارق جوهري  في سياسة الحزبين وأن "الفارق الرئيسي" بينهما هو فقط في "إدارة العلاقات العامة" لبلادهم مع دولة الاحتلال، حيث يعلنها الأول جهارا نهارا بينما كان حزب المؤتمر يحافظ على سريتها.

في الظاهر، يورد المراقبون السطحيون عاملين يدفعان الهند إلى عدم إشهار علاقاتها مع دولة الاحتلال، أولهما عدم استعداء الأقلية المسلمة الهندية الكبيرة المتعاطفة مع فلسطين وقضيتها، وثانيهما عدم استعداء الدول العربية التي تستضيف عمالة هندية يزيد تعدادها على خمسة ملايين عامل يمثلون مصدرا رئيسيا للبلايين من العملة الصعبة، ويفسرون الدعم الهندي التاريخي للقضية الفلسطينية بهذين العاملين.

لكن حصر أسباب صداقة الهند التاريخية منذ استقلالها مع فلسطين وشعبها بالعاملين المذكورين فيه تجني على الحقيقة وظلم بيّن للدوافع المبدئية التي قادت مؤسسي الهند المعاصرة المهاتما غاندي وجواهر لال نهرو إلى تأييد لا لبس فيه لكفاح عرب فلسطين من أجل نيل حقهم في تقرير المصير والتحرر من الاحتلال والاستقلال، فهذا التأييد قد تحول إلى ثقافة عامة لمئات الملايين من الهنود الهندوس عبر عقود من الزمن بسبب المواقف المبدئية لغاندي ونهرو لا بسبب تعاطف الأقلية المسلمة، وكان سابقا بالتأكيد للطفرة النفطية في الخليج العربي التي اجتذبت الملايين من العمالة الهندية لاحقا.

فقد عارضت الهند قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 بتقسيم فلسطين وبالتالي عارضت إقامة دولة الاحتلال فوق ارضها المغتصبة، ولم تقم علاقات دبلوماسية مع هذه الدولة إلا في سنة 1992 بعد أن قررت منظمة التحرير الفلسطينية الاعتراف بها، وكانت أول دولة غير عربية تعترف بدولة فلسطين عام 1988.

غير أن هذا التأييد الهندي التقليدي للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة يبدو على المحك اليوم، وتدل مؤشرات عديدة على أن رئيس الوزراء مودي يهدد بانقلاب عليه.

فوسائل إعلام دولة الاحتلال وجماعات الضغط الموالية لها في الولايات المتحدة تداولت على نطاق واسع تقريرا غير مؤكد نشرته صحيفة "ذى هندو" اليومية في الحادي والعشرين من هذا الشهر نسبت فيه إلى "مصدرين حكوميين" لم تسمهما قولهما إن الهند تدرس حاليا تغيير نمط تصويتها على القرارات المتعلقة بالصراع العربي مع دولة الاحتلال في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية من التأييد للحق العربي في فلسطين إلى الامتناع عن التصويت. ولم يصدر حتى الآن أي تأكيد رسمي لذلك لا من نيودلهي ولا من مصادر فلسطينية أو عربية.

إن العلاقات العسكرية والأمنية المتنامية بين الهند وبين دولة الاحتلال، التي جعلت رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو عند لقائه نظيره الهندي مودي في نيويورك على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في تشرين الثاني / نوفمبر الماضي يقول إن "السماء هي سقف" العلاقات الثنائية الآن وإن "إسرائيل والهند تقفان على حافة حقبة جديدة من التعاون المتزايد"، هي علاقات تمثل أساسا موضوعيا لمخاوف فلسطينية وعربية من أن تكون التقارير عن تغيير في السياسة الفلسطينية للهند ذات صدقية.

فالهند حاليا هي أكبر مستهلك في العالم لأسلحة دولة الاحتلال، ويكاد حجم تبادلها التجاري معها يبلغ عشرة بلايين دولار أميركي اليوم. وكان تحول هذا التبادل "التجاري" إلى تبادل سياسي يتفق معه هو مسألة وقت فحسب.

والهند عامود فقري في حركة عدم الانحياز التي تضم أكثر من مائة وعشرين دولة عضو ومراقبة، وفلسطين عضو في الحركة منذ عام 1976، والحركة سوف تكون مهددة بالانهيار إذا ما تحقق "التغيير" الذي تتحدث تقارير الإعلام عنه في السياسة الفلسطينية للهند، وانهيارها يهدد كتلة دولية معروفة بوقوفها التاريخي في المحافل الدولية إلى جانب القضية الفلسطينية.

لكن مخاطر هذا التحول في السياسة الفلسطينية للهند لم تحظ حتى الآن بما تستحقه من الاهتمام العربي والفلسطيني، فمنح الأولوية "العربية" لمقاومة"الخطر الإيراني – السوري" ثم للحرب على "الإرهاب" بمسمياته المختلفة، إذعانا للاستراتيجية الأميركية، مهد ل"مسالمة" الخطر الصهيوني في فلسطين وأسقط أي رادع عربي لتطبيع العلاقات الدولية ثم تطويرها مع دولة الاحتلال، فالهند مثل غيرها من القوى الدولية لا يمكن أن تكون عربية أو فلسطينية أكثر من العرب ومن الفلسطينيين.

غير أن المخاطر التي يمثلها أي تغيير محتمل في السياسة الفلسطينية لعملاق آسيوي وعالمي مثل الهند جدير بأن يوضع على جدول أعمال وزراء الخارجية العرب عندما يجتمعون بالقاهرة في الخامس عشر من كانون الثاني / يناير المقبل، وإذا كانت الكويت تتحمل مسؤولية خاصة في هذا السياق بصفتها الرئيس الدوري الحالي للقمة العربية فإن منظمة التحرير ورئاستها تتحمل المسؤولية الأولى بصفتها المعنية مباشرة والمتضرر الأول من التحول الهندي المحتمل.

لقد زار مفوض العلاقات الدولية في حركة فتح ومنظمة التحرير نبيل شعث الهند في تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، واجتمع مع وزيرة خارجيتها، واعتبر زيارته "تاريخية" بعد انقطاع فلسطيني رسمي طويل عن الهند، وأعرب عن أمله في أن تلعب الهند دورا في دعم التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة ومجلس أمنها.

وربما يكون من حسن الحظ الفلسطيني والهندي معا أن الهند ليست عضوا حاليا في مجلس الأمن الدولي وليست ضمن الدول الخمس التي قال الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي إنها سوف تنضم إلى عضوية مجلس الأمن الشهر المقبل حتى لا تخضع العلاقات الفلسطينية الهندية لاختبار فاصل ولا تضطر الهند لإثبات أو نفي التقارير التي تحدثت عن احتمال امتناعها عن التصويت على مشروع القرار الفلسطيني المقدم إلى مجلس الأمن.

لكن في كل الأحوال يظل مطلوبا من الهند أن توضح موقفها، ومطلوبا من الدول العربية استثمار علاقاتها مع الهند لعدم حدوث أي تغيير في سياستها الفلسطينية التقليدية، ومطلوبا من الرئاسة والخارجية الفلسطينية مراقبة علاقاتهم مع الهند عن كثب ورفع مستوى وكفاءة التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني في نيودلهي ليرقى إلى مستوى التحدي الماثل للعيان.

* كاتب عربي من فلسطين
* nassernicola@ymail.com

حماس.. والمصالحة المصرية – القطرية/ راسم عبيدات

واضح بأن نقطة الافتراق الرئيسية بين محوري مصر- السعودية والامارات العربية،والمحور القطري – التركي،المتمثلة بالإخوان المسلمين،قد أمكن التغلب عليها فيما يخص العلاقة المصرية – القطرية،وترميم العلاقات الخليجية- الخليجية،وقد لعبت السعودية والامارات العربية والبحرين والكويت دوراً هاماً في تسوية هذه القضية،وهي التي كانت سبباً في عدم تطبيع العلاقات الخليجية- الخليجية،حيث السعودية وباقي دول مجلس التعاون الخليجي سحبت سفرائها من الدوحة إحتجاجا على السياسة القطرية الداعمة والحاضنة للإخوان المسلمين،وكذلك عمليات التحريض التي قادتها وتقودها "الجزيرة" القطرية ضد السعودية والإمارات العربية تحديداً،الإمارات التي اتخذت خطوات قاسية ضد حركة الإخوان المسلمين حليفة قطر،حيث أخرجتها عن القانون واعتبرتها في سابقة عربية حركة" ارهابية" وطال القرار كل الجمعيات والمؤسسات المرتبطة بها في الخارج.وكذلك العلاقات القطرية المصرية كانت سيئة جداً بسبب دعم قطر للاخوان في مصر وقيادة حملة تحريض ضد النظام المصري واحتضان حركة الاخوان المسلمين وقادتها الفارين من مصر ومدها بالمال والسلاح.
المتغيرات العربية والاقليمية والدولية،جعلت هذين المحورين يلتقون مجددا،بعد ان ادرك الجميع بان حركة الاخوان المسلمين لها مصالح واجندات تتناقض مع المصالح العربية،وجل اهتمامهم هو السيطرة على الحكم في العالم العربي،وبما يخدم مشاريعهم ومصالحهم،وليس مصلحة الامة العربية،ومن هنا مارست السعودية والامارات ضغوطا على قطر من أجل تجاوز ورقة الاخوان وتحقيق المصالحة الخليجية - الخليجية والمصالحة القطرية - المصرية.

هذه المصالحات العربية والتي أملتها مجموعة من العوامل،وفي مقدمتها شعور قطر بأن استمرار تمسكها بورقة الاخوان المسلمين،واستغلالها لها في التدخل والتخريب في الشؤون الداخلية العربية مصر- السعودية- الامارات – ليبيا – تونس وسوريا وفلسطين،من شأنه عزل قطر وتهميش دورها عربيا واقليميا،وكذلك ثبت بشكل ملموس فشل حركة الاخوان المسلمين بسبب سوء ادارتهم وعدم مهنيتهم وفشلهم في القيادة،وفئويتهم وانغلاقهم واقصائيتهم وعدم اعترافهم بالاخر والقدرة على التعايش معه،ولذلك من شأن استمرار العلاقة معهم أن تزيد من الخسارة القطرية وازدياد عزلتها،وهذا واضح من الفشل في مصر وتونس وليبيا وسوريا،وكذلك لم تعد ورقة الإخوان صالحة للإستثمار السياسي،حيث ان "المعلم" الأمريكي المالك للقرار،بدأ على ضوء الصمود السوري وعدم سقوط نظام الرئيس بشار الاسد في تغيير سياساته تجاه سوريا ومصر على وجه التحديد،فلم تعد امريكا تشترط للحل السياسي في سوريا رحيل الاسد وباتت اقرب لقبول الرؤيا الروسية – الايرانية - المصرية للحل السياسي في سوريا،وأيضاً باتت قطر على قناعة بأن متاجرتها وتمسكها بورقة الاخوان يعني فقدان تأثيرها على اكثر من قرار عربي وتحديدا على الساحة الفلسطينية لجهة المصالحة والإعمار والنفوذ.

خطوة المصالحة المصرية-القطرية وبغض النظر عن خلفياتها ومنطلقاتها،فهي خطوة في الإتجاه الصحيح،وقد تساهم في بناء موقف عربي موحد،ومصر هذه المصالحة،تمكنها من التفرغ لترتيب اوضاعها الداخلية،وتتيح لها الفرصة لإستعادة دورها العربي والإقليمي والدولي بمعاونة خليجية،حيث المصالحة تكف يد قطر عن دعم الإخوان في مصر،واولى بشائر المصالحة،تغير نبرة "الجزيرة" ومصطلحاتها،بدلاً من نظام المنقلب السيسي،نظام السيسي المنتخب ووقف التحريض على النظام المصري،وإغلاق بوق الجزيرة مباشر التحريضي،وتقيد حركة قادة الإخوان في قطر،وتسليم معلومات عن النظام السابق وغيرها.


أما ما يتعلق بالشأن الفلسطيني العام،فهذا قد يعطي دفعة للنظام المصري،لكي لعب دوراً بارزاً مع بقية الدول العربية،فيما يتعلق بملف الصراع مع الإحتلال الذي يراهن على إنفراط وتفكك النظام الرسمي العربي،والموقف العربي الموحد،قد يشكل عامل ضاغط على اطراف الصراع والإنقسام في الساحة الفلسطينية(فتح وحماس) لكي تخطو خطوات عملية من اجل إنهاء حالة الإنقسام المدمرة،وتحقيق مصالحة وطنية ومجتمعية،وحل كل القضايا المتصلة بملف الإنقسام من مصالحات مجتمعية وقضية الرواتب والمسؤوليات الأمنية،وصلاحيات حكومة الوفاق الوطني،وتمكينها من ممارسة دورها وصلاحياتها في القطاع،والمسؤولية عن الإعمار والمعابر وكل القضايا المتصلة بذلك. 

أما على صعيد قطاع غزة،فنحن ندرك بأن جزء كبير من أزمة علاقة حماس بالنظام المصري،مرتبطة بالعلاقة التنظيمية والسياسية ما بين حماس والإخوان المسلمين،ودور حماس في دعمهم ومساندتهم في مصر،والعلاقة الحمساوية – القطرية،تلك الخلافات والعلاقات،التي تسهم في توتر العلاقة ليس الحمساوية – المصرية فقط،بل الفلسطينية- المصرية ككل،فتحقيق المصالحة من شأنه ان ينعكس ايجابا على اهلنا وشعبنا في قطاع غزة لجهة فتح معبر رفح البري،واستئناف إدخال مواد البناء الخاصة بالمشاريع القطرية للقطاع حسب الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين التي توقفت مع إغلاق المعبر على خلفية الأحداث بسيناء، ولا ننسى أن قطر تعهدت بدفع مبلغ مليار دولار في مؤتمر إعمار قطاع غزة، وبذلك سيكون لها دور مهم ومباشر في إعمار قطاع غزة. وكذلك المصالحة ستخفف كثيراً من حالة الإحتقان وعدم الثقة،ما بين النظام المصري وحركة حماس،حيث ستعمد قطر لممارسة ضغوط على قيادة الحركة في الدوحة من أجل تصحيح العلاقة مع النظام المصري،ومن شأن ذلك أن يدفع قدماً نحو تحقيق مصالحة ما بين النظام المصري وحركة حماس،تخدم مصلحة النظام وشعبنا الفلسطيني. 
والمصالحة قد تهيء الأجواء،من أجل أن تقدم السلطة على خطوات جدية نحو الإهتمام بالأوضاع والهموم الإقتصادية والإجتماعية لشعبنا في قطاع غزة،وخصوصاً أن اموال الإعمار التي جرى التعهد في مؤتمر القاهرة بدفعها،لم يصل منها سوى القليل القليل،ومعاناة الناس هناك في تفاقم وازدياد،حيث ترتفع معدلات البطالة والفقر وغيرها.

حماس عليها أن تجري على ضوء المصالحة المصرية- القطرية مراجعة وتقييم جديين لسياساتها وعلاقاتها مع حركة الإخوان المسلمين،وعليها ان تغلب مصالح الوطن والشعب،على الآيدولوجيا والعلاقة بالإخوان،وإلا ستجد نفسها في دائرة عزلة حركة الإخوان المسلمين.

رسالة إلى عبد الفتاح السيسي/ سلوى أحمد‏

منذ أحداث الخامس والعشرين من يناير ظهرت فئة من الشعب رفضت بشدة تلك الأحداث في الوقت الذي انساق فيه الكثيرون دون وعي أو تفكير خلفها يدعمونها ويساندونها هذه الفئة أطلق عليها مسمى الفلول وتحديدا فلول مبارك لأنها اختارت طريق الدفاع عن الرئيس مبارك ورأت أن هذا الدفاع لا ينفصل عن دفاعها عن مصر ، مع مرور الأيام ومع تداعيات الأحداث لم يعد مسمى فلول قاصرا على أنصار الرئيس مبارك بل أمتد ليشمل أيضا المدافعين عن الجيش والشرطة وتدريجيا أصبح لفظ فلول مسمى يطلق علي كل من يعارض 25 يناير ويطلق عليها مسمي نكسة 25 يناير وليس ثورة 25 يناير .
هذه الفئة هي من قالت بإن ما حدث في مصر كان مؤامرة وليس ثورة ، هذه الفئة هي من قالت علي البرادعي عميل وخائن في الوقت الذي قيل فيه أنه مفجر الثورة ضد الظلم والاستبداد ، هذه الفئة من قالت علي إسراء وأسماء ودومة واحمد ماهر ووائل غنيم وغيرهم إنهم الشباب الذي باع وطنه من أجل حفنة من الدولارات في الوقت الذي كان يقال عنهم أنهم الشباب االنقي الطاهر الشريف ،هذه الفئة هي من رأت أن الإخوان مستقبل مظلم ينتظر الوطن إذا ما تمكنوا من السلطة ، هذه الفئة هي من أيدت وجود حاكم عسكري في هذه المرحلة التي تمر بها البلاد ، هذه الفئة لاحظت ورأت ما لم يره الكثيرون .
وقد جاءت الأيام لتثبت صحة كل ما رأته وتوقعته وكل هذا لا لشئ سوى أنها فئة لا تبحث سوى عن مصلحة الوطن لا تبحث عن شهرة ولا أضواء ولا سلطة لم تلوث نفسها بالكذب والرياء والتملق ،صحيح أن بعضهم تغير ولكن الكثيرين منهم لازالوا علي نفس المبدأ وأخص المدافعين عن الرئيس مبارك الذين كانوا أصل هذا المسمى ، إن هؤلاء عندما يقدمون النصح يكون من منطلق وطني بحت وبحكم نظرتهم التي سبقوا بها غيرهم فقد أثبتوا أن لديهم من الوعي والنظرة الثاقبة ما يجعل من الأهمية بمكان الاستماع اليهم فهم صوت نقي وسط أصوات شابتها العديد من الشوائب وعقل مفكر وسط عقول حركتها الأهواء وقلب صادق محب للوطن وسط قلوب ملئت بالغل والحقد والكراهية . و من هذا المنطلق ولأنني اعتبر نفسي واحدة من هؤلاء الفلول وفلول مبارك تحديدا كما يحلو للبعض أن يطلق علينا اكتب تلك السطور بدافع وطني خالص موجهة اياها لعبد الفتاح السيسي الرئيس الحالي لجمهورية مصر العربية :
أولا : أذكره بكلمات الرئيس مبارك بأن " الأمة التي لا تحترم ماضيها هي أمة بلا حاضر أو مستقبل " وثلاثون عاما من عمر الوطن لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نلغيها أو نتجاهلها فهي ليست ملك لنا ولكن ملك لهذا الوطن بكل ايجابياتها وسلبياتها فليس هناك زمن اقتصر فقط علي السلبيات وتجرد من الايجابيات والعكس أيضا صحيح لهذا ليس من المنطقي أو المقبول أن نسمع كلمات مثل 30 سنة فساد 30 سنة خراب لآن هذا وإن ظننتم أنه إساءة للرئيس مبارك فأنتم خاطئون فهو إدانة لكل من عاش في هذا الزمن وخاصة من تولي سلطة أو مسئولية كما أنه ظلم بين لأجيال عاشت خلال هذه الفترة وقدم كل منها في مجاله ما يستطيع لخدمة الوطن وإن رأيتم أنه وبتلك الكلمات تلغون تاريخ الرئيس مبارك فهو نكران وجحود ما عاهدناه من أبناء مصر ومن أبناء القوات المسلحة علي وجه الخصوص فكيف لنا أن ننكر حق رجل تقف انجازاته في مجال شاهدة علي ما قدم من أجل مصر كيف لنا أن نلغي مجهود إنسان تؤكده الاحصائيات والأرقام كيف لنا أن نحول عهده إلى سواد في مخالفة واضحة للحقيقة والمنطق .
إن تلك النغمة لم تعد مقبولة وليس لها ما يبررها فإرضاء فئة لا يكون علي حساب مجهود وجهد سنوات لا يكون علي حساب تاريخ وطن بأي حال من الأحوال وإلا وازاء هذا نجد أنفسنا مطالبين بأن ندعوكم إالي التخلي عن كل الفساد والخراب الذي خلفته الثلاثون عاما لنرى ماذا ستقدمون هل سيكون لكم أن تنفذوا مشروعاتكم العملاقة أم ستجدون أنفسكم في حاجة الي أضعاف الثلاثون عاما لتنجزوا ما تم فيها حتي تستطيعوا الانطلاق في هذا الاتجاه الذي بدأتم منه .
ثانيا : إن الرئيس مبارك والذي بلغ من العمر أكثر من ستة وثمانين عاما قضي منها ما يزيد على الاثنين والستين عاما في خدمة مصر وشعبها حربا وسلما لا نرى الآن وبعد تلك السنوات حتى وإن كان قد أخطأ أن يعامل مثل هذه المعاملة لا نرى أنه من الشجاعة أن نسمع عن الاعداد لقضايا أخري تدينه بعد أن تم تبرأته من قتل المصريين ومما الصق به من تهم تتعلق بالفساد المالي ليس من الشجاعة وليس من الحفاظ علي سمعة مصر أن نرى الاصرار الغريب علي جعل زعيم مصر لص وحرامي نبحث في الدول لنستعيد ما هربه من أموال ليس من الشجاعة ولا من الأدب أن يهان بطل وزعيم بحجم الرئيس مبارك في اخر ايامه علي يداالمنافقين والمتلونين وأصحاب المصالح الشخصية والأحقاد والضغائن فإذا نسينا كل شئ قدمه الرئيس مبارك فلا يمكن لنا أن ننسي أنه قائد القوات الجوية في حرب أكتوبر وصاحب ضربه النصر وقاهر العدو الإسرائيلي وأنه هو من حرر واستعاد أخر شبر من الأراضي المصرية .
ثالثا : ليس من الحكمة مخالفة إرادة الشعب والاصرار علي أن 25 يناير تلك المؤامرة التي سالت بسببها دماء المئات بل الالاف من المصريين تلك المؤامرة التي تركت من الخراب والدمار ما تعاني وستعاني منه مصر لسنوات تلك المؤامرة التي خطط ودبر لها علي يد العدو الخارجي لا يمكن القبول بالاصرار علي جعلها ثورة عظيمة والبناء علي ما بنيت عليه من كذب ونفاق وعمالة وخيانة .
رابعا : نعم نحتاج إالي أن يتم عمل عشرات المشروعات القومية في مصر ولكن لكل شئ وقته فالتوسع في عمل العديد من المشروعات في وقت واحد في ظل الظروف التي تمر بها مصر لن يكون في صالح أحد خاصة وأن هذا يتم على حساب المواطن البسيط الذي زادت معاناته متناسين أنه ومنذ أحداث يناير يعاني ولم يعد يحتمل المزيد من المعاناة إن الأولي ليس عمل مزيد من المشرعات القومية فمصر بها الكثير ولكن الأولويه هي استعادة الحياة بكافة القطاعات من سياحة واستثمار وغيرها إن الأولويه هي المواطن ودراسة ما يعاني من من مشكلات والعمل على حلها نحتاج منك الاغراق في مشكلات المواطنين ومعاناتهم والعمل علي تخفيفيها لا زيادتها الاغراق في مشكلات الوطن وتكريث الوقت لتحريك العجلة التي توقفت منذ ما يقرب من الاربع سنوات نحتاج المزيد من الاحساس بالمواطن نحتاج إلي إعادة مصر للوارء نعم نحتاج أن نعود بها إلي الوراء اربع سنوات فّعودتنا ليست رجوع بل تقدم .
خامسا : الصوت الحقيقي هو صوت المواطن البسيط وليس صوت النخبة التي تعيش في القصور والفنادق وترتاد القري والمدن السياحية فهؤلاء أبعد ما يكون عن المواطن ومعاناته حتى وإن تظاهروا بغير ذلك .
سادسا : قد تسمع من يناديك بأنه لابد من تعديل الدستور ليصبح لك الحق في أكثر من فترتين رئاسيتين أو زيادة مدة الفترة الرئاسية فلا تستمع لهؤلاء وإذا اردت نصيحة صادقة فعليك الاكتفاء بفترة واحدة وإن كانو فترتين فعليك بان تبني لان تكون القيادة القادمة قيادة من المدنيين ليس لاننا نكره العسكرين ولكن خوفا من الضربة القادمة والتي ستلعب علي هذا الوتر جيدا فكلنا يعلم أن الجيش المصري جيش وطني لذا فقد وثقت فيه الجماهير عندما سلم الرئيس مبارك له إدارة شئون البلاد صدقته عندما قال أنه لا يسعى لسلطة وأن الدفاع عن مصر شرف يفوق حكمها لا نريد أن يأتي اليوم الذي يخطط له من الكثيرون فيأتي الجيش كضامن فيرفض لأنه لا يؤتمن .
أن ما أود قوله كثير لا لشئ سوى أنني أبحث عن صالح هذا الوطن ولتعلم أننا لم نكن لنعتبرك يوما عدوا لنا علي العكس وثقنا فيك لانك ابن من مؤسسة نعتز برجالها ولكن أنت من يصر علي مناصبتنا العداء، فمن تعلمنا منه الوطنية هو رجل تصر علي انكار حقه وجهده كما تصر علي تمجيد نكسة دمرت الوطن وتبثتها علي أنها ثورة لمجرد أنها جعلته يتخلي عن الحكم .

هذه كانت رسالتي واختتمها بأننا سنظل ندعمك ونؤيدك لما فيه صالح الوطن لن ننافقك ولن نطبل لك ولن نراك الها لا ينتقد أما عن الاحترام فلك هذا إذا كنت قدوة لنا في ذلك فإذا كنت تطالبنا بأن نحترمك كرئيس لدولة بحجم مصر فلابد أن نجد منك هذا الاحترام لرجل حكم مصر لما يقرب من الثلاثين عاما وقادها نحو النصر حربا وسلما ولتدرك أن دفاعنا عن الرئيس مبارك هو دفاع 
عن قيم ومبادئ وتاريخ وطن ولن نتهاون ولن نتراجع وستظل تلك قضيتا ما حيينا .

الكاتبة \ سلوى أحمد

سانتا كلوز.. مسيح الشيوعية/ محمد رفعت الدومي

في البداية أحب أن أؤكد أنه من الحماقة أن يجعل الإنسان من نفسه غرفة انتظار لهدية من أحد ، فحيوانات الحقل فقط هي التي تنفق أعمارها في الدوران في العتمة ، واختبارات السيد ، من أجل مائدة مؤجلة قد يجود بها وقد!

كما أحب أن أؤكد أن الإنسان هو السيد وفيه ينطوي العالم الأكبر ، كما قال علمانيٌّ سابقٌ لأوانه ، لندرك هذه البديهية يلزمنا أن ندرك أولا ، وقبل كل شئ ، أن حيوانات الحقل لا تسبح بحمد أحد!

وما دام الحال هكذا فمن العار أن يترك الإنسان ذاته خارج إطارها ، وخارج إطار الزمن ، كما يترك الأطفال أحذيتهم أمام المدخنة ، أو أمام باب البيت ، مع السكر والحليب والجزر لإطعام بغلة " سانتا كلوز "!

أسطورة أخري ، ولكنها محببة إلي النفس ، وسخيفة بالقدر الذي اتسع لتجاوزها حتي بالنسبة للأطفال ، ترتبط بعيد ميلاد المسيح المختلف عليه في نصوص الأناجيل نفسها ، وكان لابد أن ينعكس هذا التضارب بين النصوص علي مواقيت الاحتفال بالميلاد بين الكنيسة الشرقية والكنيسة الغربية!

وبالرغم من فحولة الكنيسة الشرقية في الزمن القديم ، والكنيسة المصرية علي وجه الدقة ، بحكم شهرتها في حراسة جذور تعاليم يسوع ، ولأسباب عدة ، لعل أهمها شرقية المسيح ، انتصر ميلاد الكنيسة الغربية ، كما انتصروا في كل أفق ، ولكن ، لحسن الحظ ، ثمة شئ رقيق للغاية ودقيقٌ للغاية يضيعُ علي الدوام ، وثمة دليلٌ علي مجد الكنيسة المصرية يمكن العثور عليه في الظل عند تفقد المفردة " Christmas " نفسها ، فجذر المفردة ينخفض إلي المفردة الرومانية "X mas " ، كما أن " X " الذي يشبه الحرف الونانيَّ " X " ، هو اختصار "Chi" ، مختصر لاسم المسيح في اليونانية " Χριστός " ، خريستوس ، و كما أن " Christ " تعني المخلص ، فإن " mas " تعني " ميلاد " في الهيروغليفية ، يتضح هذا من اسم " رمسيس " ، أو " رعمسيس" ، ميلاد " رع " ، أو أنجبه " رع " ، أو المولود بواسطة إله الشمس!

ليس هذا فقط ، ففي شجرة الميلاد تقف " مصر " أيضاً في المنتصف ، فأول من استخدم الشجرة هم الفراعنة والصينيون والعبرانيون كرمز للحياة السرمدية ، ثم انتشرت من خلال لعبة التداول الشهيرة عبادتها بين الوثنيين الأوربيين ، وواظبوا علي حراسة احترامها وتقديسها حتى بعد أن توقفوا عن أن يكونوا وثنيين ، ثم تحولت في القرن السادس عشر ، في ألمانيا الغربية تحديداً ، ممّا يعرف بـ " شجرة الجنة " ، في الاحتفال الديني بذكرى آدم وحواء في "24" ديسمبر ، إلى شجرة الميلاد ، حيث أصبح الأوربيون يعلقون عليها الشموع التي ترمز إلى المسيح ، ولم تدخل فكرة الشجرة إلى إنجلترا إلاّ في القرن التاسع عشر..

وهناك ، في الولايات المتحدة الأمريكية يطلقون علي " سانتا كلوز " أيضاً :
Father Christmas ، " أبو عيد الميلاد " ، Saint Nicholas "، القديس نيقولا " ، Kris Kringle ، " كريس كرينجل"..

"سانتا كلوز" ، ذلك الرجل العجوز ، ذو الوجه البشوش الطيب ، السمين جداً ، الذي يرتدي علي الدوام زيِّاً يطغى عليه اللون الأحمر وسط حواف بيضاء ، ويخبئ قدميه حذاءٌ أسود لامع ، وتغطي وجهه لحية ناصعة البياض ، ويعيش في القطب الشمالي مع زوجته السيدة " كلوز" ، وبعض الأقزام الذين يصنعون له هدايا الميلاد ، وحيوانات الرنة التي تجر زلاجته السحرية ، ومن خلفها الهدايا ، ليوزعها على الأطفال أثناء هبوطه من مداخن المنازل أو دخوله من النوافذ المفتوحة وفجوات الأبواب الصغيرة ، هذا الكائن الخرافيُّ ، بهذه الصورة ، ولد في العام " 1823 " ، وهو ابتكار نقيٌّ يستحق الإعجاب تقف وراءه أصابع الشاعر الأمريكيِّ "كليمنت كلارك مور" (1799-1863 ) في قصيدته التي يحفظها كل طفل هناك تقريباً:

" Twas the Night Before Christmas " أو "الليلة التي قبل عيد الميلاد "..

ولأن اللوحات قبل كل شئ كلمات مرسومة ، فلقد ولد السبب في إضفاء غابة من ظلال الحقيقة علي " سانتا كلوز " عام " 1881" ، علي يد الأمريكي " توماس نيست " الرسام في جريدة " هاربرس " الذي رسم تحت تأثير قصيدة " كلمنت مور" علي ما يبدو ، " سانتا كلوز " ، كما نعرفه اليوم ، ويقال أن ذلك كان ضمن حملة دعائية لشركة كبرى ربما تكون " كوكاكولا " ، وفي رأيي الخاص ، أن هذه الحملة الدعائية كانت مدبرة ومخطط لها وممولة لتكريس هذا الصورة عنه في الأذهان ، ليوم له ما بعده لا ارتجالاً ، كما أكاد أسمع إحدي مكائد الماسونية تنمو بصوت مسموع في هذه اللوحة! 

ولأنه لا شئ يولد من تلقائه ، كما لاشئ يولد في العزلة ، حتي الأساطير لابدَّ أن يكون لها جذور تنخفض إلي حقائق أثيرة ، أو أسطورة رائجة أقدم عمراً ، كما تنخفض أسطورة ميلاد المسيح من عذراء إلي أسطورة الإله " ميثرا " هندية الجذور فارسية الطابع ، كذلك فإن " سانتا كلوز " هو انعكاس أنيق وزائدٌ عن الحد لشخصية حقيقية لأحد آباء القرن الرابع الميلادي ، وهي شخصية القديس " نيكولاس " ، أسقف " ميرا " بآسيا الصغري ، وكان ذلك المولود لعائلة ثرية يقوم أثناء الليل بتوزيع الهدايا علي الفقراء والمحتاجين دون أن يعلم الفقراء والمحتاجون من هو الفاعل ، وصادف وأن توفي " نيقولاس " هذا في ديسمبر ، كما تحتفل الكنيسة بعيد نياحته في العاشر من " كيهك " ، ويري المسيحيون ، أن أكبر أعمال ذلك القديس مدعاة لقداسته ، هي اللطمة التي وجهها في مجمع " نيقيه " إلي وجه " أريوس المصري " ، أشهر المنشقين علي الكنيسة القويمة!

عقب وفاة " نيكولاس " ذاعت ، علي عهدة المسيحيين ، سيرته العطرة في روسيا وأوربا ، ألمانيا وسويسرا وهولندا علي وجه الخصوص ، وكانوا يتبادلون الهدايا في عيد الميلاد على اسمه ، ثم تداخلت الحقيقة ، بمرور الأيام ، مع الأسطورة..

من الجدير بالذكر ، للسخرية لا أكثر ، أن " المقريزي " الذي لا أثق أبداً في كل ما يقول ، وربما هو أيضاً ، شهد أحد أعياد الميلاد في مصر ، ويبدو أنه أصاب بعض الخمر تلك الليلة ، ويبدو أنه ظل تحت طائلة السكر حتي ترك لنا هذه الوشاية الجميلة وبعض الحنين ، يقول بلهجة السكاري:

"وأدركنا الميلاد بالقاهرة ، ومصر ، وسائر إقليم مصر!

موسماً جليلاً ، يباع فيه من الشموع المزهرة بالأصباغ المليحة ، والتماثيل البديعة بأموال لا تنحصر، فلا يبقى أحد من الناس أعلاهم وأدناهم حتى يشترى من ذلك لأولاده وأهله ، وكانوا يسمونها الفوانيس!

ويعلقون منها في الأسواق بالحوانيت شيئا يخرج عن الحد في الكثرة والملاحة!

ويتنافس الناس في المغالاة في أثمانها ، حتى لقد أدركت شمعة عملت فبلغ مصروفها ألف درهم وخمس مائة درهم فضة، علها يومئذ ما ينيف على سبعين مثقالا من الذهب!

 ويقول وهويترنح أيضاً:

"وأعرف السؤَّال في الطرقات أيام هذه المواسم ، وهم يسألون الله أن يتصُدق عليهم بفانوس ، فيُشتري لهم من صغار الفوانيس ما يبلغ ثمنه الدرهم وما حوله "!

ولقد تأثر هذا العيد ، ككل أعياد المسيحية ، بطقوس الوثنية الرومانية ، فمما لا ترقي إليه ريبة أن لمعظم أعياد المسيحية جذور وثنية ، وأظن أنه كاف لتفتيت كل شك أن نعلم أن يوم " الأحد" المقدس في المسيحية هو يوم " الشمس " المقدس عند وثنيِّ روما القديمة ، " Sun Day "!

كما أن طقوس التكريس والرهبنة تتحد بشكل مروع بطقوس تكريس العذاري الفستيات عند الرومان!

لكن من أين "بابا نويل"؟

يسكن اسم " بابا نويل " مفردة فرنسية تعنى " أبو الميلاد " ، واعتقد البعض أن موطن بابا نويل هو " السويد " ، وذهب البعض الآخر أن موطنه " فنلندا " ، خاصة أن هناك قرية تدعى قرية " بابا نويل " ، يروجون لها سياحيا كمسقط رأس " بابا نويل " ، ويزورها نحو " 75 " ألف طفل كل عام!

وهذا ما أريد أن أصل إليه..

إن الشيوعية ، بحكم شهرتها في التحطيم عن عمد ، هي راعية هذا الاعتقاد السخيف بأن " فنلندا " الجارة اللدود للاتحاد السوفيتي ، كما " السويد " ، هي موطن " بابا نويل " ، كما أن الترويج السياحيَّ لتفقد وهم ، وذلك الإصرار علي إضفاء ظل هائل من الحقيقة علي أسطورة العجوز " بابا نويل " ، كما كان من قبل مكيدة ماسونية ، كان مكيدة شيوعية لطعن ظاهرة الطفل يسوع في مركزها!

ويبدو أن كنيسة أوائل القرن العشرين لم يكن عندها أثر لذكاء مبكر ، حيث تنبهت إلي تلك المكيدة ، لكن ، بعد فوات الأوان!

هذا يدفع نهاية كلامي هذا إلي الانكماش في بدايته ، " سانتا كلوز " .. مسيح الشيوعية..

برقيّةٌ عاجلةٌ إلى الشاعرة آمال عوّاد رضوان/ فاطمة يوسف ذياب

عزيزتي الشاعرة آمال عوّاد رضوان..
في ردٍّ على قصيدتِكِ (نَدًى مَغْموسٌ بِغَماماتِ سُهدٍ) أقولُ: على ضِفافِ حِبركِ نتعمّدُ، وفي موْجِ فيْضِكِ نُبحِرُ، نتلمّسُ حروفَكِ المَغمورةَ بالبوْح الشّذيّ، نُحاولُ أنْ نُعايش (ذاكرةَ الهُروب)، ونُمسِكُ معكِ (بالمَحارِ)، فنَلهَثُ لهاثَكِ، كي (نلحقَ بالأثرِ). 

عَلى ضِفافِ القَصائِدِ / تَتَناثَرُ محاراتُ الهَوى 
وَمِنْ ذاكِرَةِ  الهرُوبِ/ تَتَسَلَّلُ أَسْرارُ الجَوى 
فَلا نُمْسِكُ بِالمَحار..  وَلا نَلْحَقُ بِالأَثَرْ 
وَهَيْهات....  هَيْهات.... يُسْعِفُنا الوَتَرْ 

عزيزتي آمال.. ليسَ سهلًا الإبحارُ في موْجِ حُروفِكِ، فدَلالاتُها الرّمزيّةُ مُتتابعةٌ، نلهثُ وراءَها، وتَتجاذبُنا الأمواجُ في بَحرِكِ الصّاخبِ، بلغةٍ تَهدُرُ في أديمِ الرّوحِ صفاءً، وبمُفرداتٍ تَنهمِرُ في سَماءِ العقلِ والفِكرِ، كي تُطهِّرَنا كما الماءِ الطّهورِ، الّذي نَحتاجُهُ بكلِّ حالاتِه، كأهمِّ عَناصرِ الوُجودِ والحياةِ: (ندى، ضفاف، سدود، أخاديد، فيضانات، بحر، تجلّدَ، قوسك القزحي، يفيضُ، يغسلُ، موجات وشلّالات). 
أَخاديدُ عَناوينِي.. تَتَناءى / سُدودُ طُمَأْنينَتي.. تَتَهاوى
تَهُدُّها.. فَيَضاناتُ غِيابِكِ 
بَوْحِي الوَلِهُ.. مُفْعَمٌ بِكِ / مَغْمورٌ.. بِحُضورِكِ
أَتُراهُ.. لَيْسَ إلّا..
جَمالَ حُبٍّ.. يَخْتالُ عَلى شَرْخِ شَبابْ؟
أو.. حُلُمَ عُمْرٍ.. تَجَلَّدَ بَحْرُهُ في غَيْرِ أَوانْ؟ 
مَوْجاتُ نِداءاتِ هُيامٍ.. تَتَماهى / تَنْدَهُ: ماسَتي المَفْقودَةَ

عزيزتي الشاعرة آمال عوّاد رضوان.. 
يا مائيّةَ الحُروفِ والنّبضاتِ.. على موْجِ بحْرِكِ تَرتدُّ حُروفي، وأُبْحِرُ معكِ ومعَها ولا أغرَقُ، وما زالتْ (لوعةُ الزّغاريدِ) في ليالينا، تَصنعُ (أماسيَ مغموسةً بالحَنينِ)، نُعانقُها ونَتمسّكُ بتَلابيبِها. 
على (كفّيْ نَدى) يُشاغِلُني كما يُشاغلُكِ، ما تعمّقَ بفيْضِ العيونِ الّتي لا تَعرفُ البُكاءَ، إلّا بحُروفٍ ماسيّةٍ، نُعلّقُها على جُدرانِ الأزمانِ، ونَظلُّ هكذا نرتوي بوَمضةٍ، تُومِضُ في لَيالي العُواءِ والخُواءِ، (سنابلُ المَواعيدِ المُلتاعةِ). 
أَيَّتُها النَّدِيَّةُ.. المَغْموسَةُ بِغَماماتِ سُهْدي 
مَرْصودٌ أَنا.. لِنَدى كَفَّيْكِ الحانِيَتَيْنِ
لِراحَتَيْكِ.. تُبَلِّلانِ وَجْهِيَ.. بِعِطْرِ الأَقاحيِّ 
اِرْوي أَطْلالِيَ الظَّمْأى / وَشِّحي آفاقَ عَشِيَّتي/ بِقَوْسِكِ القُزَحِيِّ 
شاغِليني... سائِليني... / سامِريني.. بِوَميضِ عَيْنَيْكِ

عزيزتي آمال: الوهمُ مفعمٌ بحُضورِ غيابِك؟
حشرَجةٌ تُغالِبُ الموْتَ في سَكْرةِ الغِيابِ، بهمْسٍ أثيريٍّ يُشاغلُ عَقاربَ الحياةِ، ويَشُدُّها مِنْ جَديدٍ إلى مَسارٍ كانَ لنا؟ مَسارٍ لم تَتكسّرْ مَجاذيفُهُ، لكنّهُ عزيزتي في اغترابٍ سَرمديٍّ، يَتحيّنُ فرصةَ اللّقاءِ، وعلى ضِفافِ أهدابِ الحُروفِ دُموعُنا المُلتاعةُ، تَتلظّى (في أرْوقةِ الزّمان).

كَمْ مُوحِشَةٌ عَقارِبُ اللِّقاءِ / تَتَعانَقُ.. وَحْدَها
وَ.. أَ تَ كَ سَّ رُ / عَلى .. إيقاعِ صَمْتِنا النَّحِيلِ 
في فُسْحَةِ اللَّوْعَةِ / تَتَلأْلأُ .. بِلَّوْراتُ غِبْطَةٍ.. / عَلى حَدَقاتِ قَلْبي 
يَرَقاتُ العَتْمَةِ البَيْضاء.. / تَجْدِلُ.. أَهْدابَ جَداوِلِ وَجْدي 
فأَتَشَظَّى.. في أَرْوِقَةِ هذا الزَّمانِ / عَلى .. هَوامِشِ حُضورِكِ  
ما أَنْ يَعْدُوَ دَرْبي إِلَيْكِ.. / يَتَضَوَّرُ حُلُمًا 
حَتّى.. تَصْبِغ قَوافِلُ الْغُموضِ بَياضَ لَيْلي/ بِحِنّاءِ اخْتِفائِك

يااااااااه.. كم قاتلٌ هذا الغيابُ، يُحاورُ حدودَ زيارةٍ ليليّةٍ، نُراودُ معكِ حُروفَ الأبْجديّةِ، فنَراها غريبةً مُغتربةً، تَتماهى مع فيْضِ غُربتِنا، نراها (زائرةً تختالُ في شَرْخِ الشّبابِ)، وتتساقطُ كما (الأشباح مِن نوافذِ الزّمنِ)، نُحاولُ أنْ نَستردَّ أنفاسَنا، ونلهثُ معَ اللّهاثِ كي نُعانقَها، فلا تَفلتُ مِنْ جمْرِ لهيبِنا، ولا تتفلّتُ مِنْ أنينِ غفوَتِنا، ونَظلُّ في بَحثٍ دَؤوبٍ عن ألوانٍ قزحيّةٍ بعيدةِ المَرامي، تَستمطِرُ السّماءَ طُهرًا يُطهِّرُنا، عَلّنا نَحفظُ خطَّ العوْدة.

أَنْفاااااااااسُ اللَّيْلِ.. ما أَثْقَلَها / تَرْحَلُ.. وَيَرْحَلُ لَيْلِي العاثِرْ 
وعَلى كاهِلِهِ.. يَحْمِلُ.. غِيابَكِ الثَّقيل 
 مِنْ.. جَيْبِ لَيْلِي المُهْتَرِئِ / تَتَساقَطُ .. نَفائِسُ غِيابِكِ 
حَصاةً .. تَتْلوها حَصاةْ

في هذا المَقطعِ تُعيدُنا إلى أسطورة عقلة الإصبع ابْن الحطَّاب الفقير، حينَ أرادتْ زوجةُ أبيهِ أنْ تتخلّصَ منهُ ومِنْ إخوَتِهِ، فاتّفقتْ معَ والدِهِم ليْلًا على تَرْكِ الأولادِ في الغابةِ، فسَمِعَهُما عقلة الإصبع الذّكيّ، ومَلأ جُيوبَهُ بحَصى الشّاطئِ، وصارَ يُلقي الحَصى كلَّ بضعِ خطواتٍ، لِيَحفظَ خطّ العوْدةِ إلى البيْتِ، مُتتبِّعًا الحَصى الّتي كانَ يُلقيها. غضبَتِ الخالةُ حينَ رجعوا، وأعادتْهم ثانيةً إلى الغابةِ في اللّيلةِ التّاليةِ، فقطّعَ عقلة الإصبع كسرةَ الخبزِ الّتي في حوْزتِهِ، وألقاها كلَّ بضعِ خطواتٍ، لكنّ الطّيورَ أكلَتْها، ومَشى الصّغارُ وضَلّوا طريقَ العوْدةِ، حتّى وَصلوا بيتًا مُضاءً، فاستقبلتْهم زوجةُ الغولِ في غرفةِ بناتِها، وحينَ عادَ الغولُ اشتمَّ رائحتَهم، وأرادَ أنْ يأكُلَهُم. عرفَ عقلة الإصبع بما يَجري، فأبدَلَ قبّعاتِ إخوانِهِ بتيجانِ بَناتِ الغول، ولمّا هَجَمَ الغولُ في اللّيلِ عليْهم، اختلطتْ عليهِ الرائحةُ ولمعانُ التيجان، وكانَ قد أكلَ بناتِهِ. 
هربَ الصّغارُ واختبؤوا، لحقَهُم الغولُ بحذائِهِ الكبيرِ ولمْ يعثُرْ عليهِم، وبعدَما نامَ الغولُ في كهْفِهِ، تَسلّلَ عقلةُ الإصبع وسَرَقَ حذاءَهُ، ومَضى إلى زوجةِ الغولِ، يُخبرُها أنّ الغولَ رهينُ لصوصٍ يَطلبونَ فِديةً، وقد أرسلَ معهُ الحذاءَ لتتأكّدَ، فأعطتْهُم أموالَ الغولِ، وعادَ بالمالِ مع إخوتِهِ إلى بيْت الأهل، وعاشوا ببحبوحةٍ.

مِنْ.. جَيْبِ لَيْلِي المُهْتَرِئِ/ تَتَساقَطُ .. نَفائِسُ غِيابِكِ
حَصاةً .. تَتْلوها حَصاةْ/ نَجْمَةً.. تَحْدوها نَجْمَةْ
تَتَوَهَّجُ.. سَرابَ دَرْبٍ خَفِيٍّ إِلَيْكِ 
تَتَتَبَّعُكِ.. آثارُ خَفَقاتِي الشَّفِيفَةِ 
 وتُقَلِّبُني.. صَفَحاتُ لَيْلِكِ 
تَتَقَصَّفُ سَنابِلُ المَواعيدِ.. مُلْتاعَةً 
وَتَشْلَحُني هَمَساتُ الأَطْيافِ / عَلى .. سَواحِلِ فَجْرِكِ

وتمسكُ الشاعرةُ آمال عوّاد رضوان بمفتاحِ مَدينةِ المَهدِ بيتَ لحمَ؛ (مفتاح القصيدة)، لتنتقلَ بنا مِنَ الأساطيرِ والحِكاياتِ الشّعبيّةِ، إلى قصّةٍ دينيّةٍ لميلادِ الطّفلِ يسوع (عيسى)، في مغارةٍ للرّعاةِ والحيواناتِ في بيْتَ لحمَ، وكيف اسْتدلَّ المجوسُ الفُرْسُ (مُنَجِّمونَ وعلماءُ فلكٍ) ‏على مغارةِ المَهدِ، مِن خِلال تتبُّعِ كوْكبٍ سَطعَ سُطوعًا غريبًا، ظلّ يَمشي أمامَ المجوس، يقودُهمُ وهُمْ يَتتبّعونَهُ، إلى أنْ وَصَلَ بهم إلى المغارةِ، فسَجدوا للطفلِ ومَجّدوا الله.

أَيَّتُها القَصِيَّةُ.. عَنْ سِراجَيْ لَحْظي 
مَحْفوفٌ أَنا.. بِبَريقِ صَوْتِكِ الكَوْكَب 
يَتَتَبَّعُهُ مَجوسُ الشَّغَفِ.. / إِلى مَغارَةِ النَّجْوى 
عَلى بَياضِ قَلْبِي../  أَسْدِلي شالَكِ اللَّيْلِيَّ.. حِبْرًا باسِمًا 
لأُولِمَ مَوائِدَ شِعْري.. بِأَطْباقِ اللَّوْعَةِ 
وَتُلَمْلِميني.. نُجومًا / تُرَصِّعُ.. ضَفائِرَ أَشْعارِكِ

 وكما حدّثتْنا الأساطيرُ، نَستبدِلُ خبزَ العَصافيرِ بالحَصاةِ، ونحن كما الأسطورةُ، لمْ نَزَلْ نبحَثُ في جُيوبِ التّاريخِ، وجيوبِ بلادِنا وجُيوب القصيدةِ، عن نجمةٍ تتلألأُ، وعن كوكبٍ ساطِعٍ كي نصْحُوَ، ونرى طُرُقَنا ونحفظُ خطّ عوْدتِنا إلى أوطانِنا المنهوبةِ.

عزيزتي الشاعرة آمال.. يا سَرْمَديّةَ التّعبيرِ والبَياض.. 
 كيفَ أغدو إليكِ، (وقصورُ أحلامي) غرقى، في مَتاهاتِ الغُموضِ، تُراهُ ذاكَ الفجرَ الّذي كانَ وإيّاها في عناقٍ؟ هل هناكَ بَعْدُ ما نَقولُ؟
عِتابي.. يَبْسُطُ كَفَّهُ.. وَ.. تَشِحُّ يَدُ الزَّمانْ
مُرْتاعَةً.. تَتَثاءَبُ الزَّغاريدُ 
وَ.. تَضيعُ الماسَةُ/  بَيْنَ أَكْوامِ النُّعاسِ وَالْهَذَيانْ

ليالينا (أماسي العَبراتِ)، ومَواسمُ الحبرِ (على أطباقِ لوْعتِنا)، يُشاغلُها ليْلُنا المُتعثّرُ، المُتدَثِّرُ بخيبْةٍ مَمجوجةٍ بحَريرٍ ناعمٍ شفّافٍ مِنْ إصْرارٍ، ومُقلُ المَآقي تَفيضُ بأنفاسِ الغيابِ، ونجمةٌ مَذعورةٌ تَبحثُ عن فضاءٍ، بالأمسِ القريبِ كانتْ تُعانقُهُ، وتُبادِلُهُ قُبَلَ الحُروفِ شهيّةً دونَ ارْتواءٍ.
يااااااااه عزيزتي آمال.. 
تَجرحُني أشواكُ الشّوقِ وتُبعثرُني، أحاولُ أن أُلمْلِمَني بحُروفٍ، فيها أنفاسُ اسْمِكِ، وصوْتُكِ الدّافئُ يُغازلُ النّغماتِ. عزيزتي آمال.. كلماتُكِ هَزّتْني وشاغلْتُها بسرعةٍ، ولكنْ يا مائيّةَ الحُروفِ، ما عادتْ أماسينا نجومًا تُضيءُ في فضاءِ ليْلكِنا، وما زلنا نَبحثُ عنْ ليْلٍ كانَ لنا، كما الفجرُ يُؤنسُنا. 
تُشاكِسُني العَبَراتُ.. لِتَغْفُوَ رَذاذَ خَوْفٍ / عَلى .. سَريرِ شَفَتَيَّ 
وَيَطْبَعُ السُّهْدُ عَلى جَبينِ اللَّهْفَةِ.. قُبْلَةً/  مَحْفوفَةً بِشَوْكِ الشَّوْقِ 
في خِدْرِ الصَّمْتِ ../ تَتَجَمَّرينَ لأْلاءَةً.. في مَحاجِرِ قَلْبي 
تُقَبِّلُني.. شَلّالَاتُ نُورِكِ 
فَتَشْتَعِلُ حُروفُ اسْمِكَ الأَخْضَرِ/ في.. مَواقِدِ فَمي

عزيزتي آمال.. تغوصُ القصيدةُ بمُفرداتٍ مِن الطّبيعة، وتُسَخِّرُ عمليّةَ التّمثيلِ الكلوروفيليّ شِعريًّا، ففِعلُ الحُبِّ يَشتعلُ اخضرارًا، والتّمثيلُ الكلوروفيليُّ للأشجارِ والنّباتاتِ يَحتاجُ إلى أهمِّ عناصرِ الكوْنِ والحياة: مثل (الهواء، الماء، التّراب، الحرارة، الضّوء وحُبيبات الكلوروفيل- الحُبّ).

تُمَثِّلينَنِي.. بِدِفْءِ ضَوْئِكِ.. / حَنينًا.. دائِمَ الاخْضِرارِ 
تَتَقافَزُ.. بَراعِمُ العِناقِ / تُزَقْزِقُ.. فِراخُ الْقُبَلِ 
تُفَرْفِرُ... تَتَطايَرُ... / وَ.. يَفيضُ لِساني.. بِنورِ اسْمِكِ 
أَ.. يَغْسِلُ شِفاهِيَ.. مِنْ عَتْمَةِ الحِرْمان؟!

عزيزتي آمال.. رائعةٌ حُروفُكِ، أتَصيّدُها مِن نَهرِ التّماهي لآلئَ، أُعلّقُها على صدْرِ البحرِ المُتمَنّعِ، بخَجلٍ عُذريٍّ مِنْ غيْرِ حياءٍ، وأَعِدُكِ أنْ أُعاوِدَ الإبحارَ في مُحيطِكِ الصّاخبِ بالبوْح الشّفافِ.. لا بأسَ.. هي مُحاولةٌ للغوْصِ فيما وراء المَدلولات، وهكذا تظلُّ حُروفُكِ مُغلّفةً بالغموضِ، لكنّها حينَ تتحرّرُ مِن غِلافِها تُدهِشُنا بأبْعادِها ورموزِها ومَراميها، وأنتِ تَستخدِمينَ المَدلولاتِ اللّفظيّةَ، وتُجَيّرينَ الأسطورةَ والقصّةَ الشّعبيّةَ والدّينيّةَ، للوصولِ إلى أعمقِ نقطةٍ في مياهِ المُحيط، فتحيّاتي لكِ.

ـ2014 ... وانتصــــار جديد للمقاومة/ نبيـــل عليـــان إسليم

لقد شكل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في تموز 2014 الماضي أبرز الأحداث ليس على الصعيد الفلسطيني فحسب؛ بل على الصعيد الإقليمي والدولي أيضاً، وقد شكل مرحلة فارقة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومحطة كُسرت فيها قواعد لطالما سمعنا عنها وحاول الاحتلال الإسرائيلي تسويقها على الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية بأنه جيش لا يقهر، ورابع قوة في العالم، وأقوى ترسانة في الشرق الأوسط، ولديه الأسلحة النوعية والمتطورة (دبابة المركافاة، وطائرات الاستطلاع،...) وغيرها من الأسلحة، إلا أن نتائج العدوان على قطاع غزة كسرت هذه القواعد، وأثبتت هشاشة البنية العقائدية للجيش الصهيوني وضعفه عند الالتحام مع المقاومة الفلسطينية من نقطة صفر، وقد حسمت المقاومة الفلسطينية كل جولات القتال المباشر مع الجندي الإسرائيلي لصالحها، ولم تشفع له كل التجهيزات القتالية التي يتستر خلفها، وقد نتج عن العدوان انتصارات حققتها المقاومة لأول مرة فقد عطلت الملاحة الجوية في مطار (بن غوريون) بقصفه عدة مرات في الزمان الذي حددته المقاومة، كما وأطلقت طائرات بدون طيار حلقت في الأجواء الفلسطينية المحتلة، وأوقعت أكبر خسائر بشرية في صفوف العدو الإسرائيلي لربما هي الأكثر في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والتسريبات في هذا السياق تتكشف يوماً بعد يوم بإعلان العدو عن مفقودين وقتلى وجرحى في صفوفه، كما أن سلاح الأنفاق الذي استخدمته المقاومة في العدوان الأخير على القطاع لهو سلاح إستراتيجي أرهق العدو وأوقع قتلى وجرحى في صفوفه مما جعل هدم الأنفاق هدفاً إستراتيجياً له، وقد استطاعت المقاومة الفلسطينية قصف معظم المدن الفلسطينية المحتلة وإخلاء كافة المغتصبات المتاخمة لحدود قطاع غزة وإجلاء المستوطنين منها لتصبح مناطق أشباح، وقد عاد العدو أدراجه بعد العدوان خائباً دون تحقيق لهذا الهدف، إضافة إلى الخسائر الاقتصادية الباهظة وانخفاض مستمر لقيمة الشيكل والتي كانت أحد  نتائج العدوان، وربما الصندوق الأسود لهذا العدوان وهو أكثر ما يقض مضاجع الاحتلال ويحاول جاهداً التقليل من هذا الإنجاز وهو عدد الجنود الذين أسرتهم المقاومة الفلسطينية، ويعتبر هذا الملف هو أحد نقاط القوة التي تملكها المقاومة وتزف البشريات للمعتقلين خلف القضبان بالحرية القريبة.
إن التسريبات المصورة لعمليات "زيكيم" و"أبو مطيبق" شكلت صفعة قوية للجيش والحكومة الإسرائيلية، فقد نفذت المقاومة هاتين العمليتين في أراضٍ محتلة تسيطر عليها (إسرائيل)، وقد حققت نجاحاً أنكره العدو في بادئ الأمر، لكن قدرات المقاومة الإلكترونية في الحصول على التسجيلات من أرشيف جيش العدو والمصنف "سري للغاية" شكل انتصاراً جديداً للمقاومة وإثباتاً لروايتها التي نشرتها خلال العدوان وإعلانها عن تنفيذ العمليات وإيقاع قتلى وجرحى في صفوف العدو وعودة مقاتليها إلى قواعدهم بسلام.
إن سقوط حكومة الائتلاف الإسرائيلي في تشرين الثاني 2014 والدعوة إلى انتخابات مبكرة شكل نصراً للمقاومة، فقد بلغت ذروة الخلاف الحكومي فترة العدوان على قطاع غزة، وقد اتخذ قرار وقف إطلاق مع وزراء الحكومة على الهاتف لعدم القدرة على النقاش واتخاذ القرار في اجتماع الحكومة.
والنصر الجديد للمقاومة الفلسطينية هو رفع اسم " حماس " وهي كبرى حركات المقاومة الفلسطينية من قائمة المنظمات الإرهابية الخاص بالاتحاد الأوروبي، وهذا يعتبر تتويجاً لانتصار المقاومة الفلسطينية، فقد أدرك الاتحاد الأوروبي متأخراً بأن الشعب الفلسطيني الضحية وأن (إسرائيل) هي الجاني، وهذا يؤكد ضعف الرواية الإسرائيلية بالمظلومية والتي كانت مسيطرة على أوروبا، فمشاهد القتل والتشريد في العدوان الأخير فضحت زيف ادعاءات العدو بالمظلومية وأظهرت عنجهيتها وارتكابها لجرائم ضد الإنسانية.

الأسطى داعش يسكن سيدني/ فاطمة ناعوت

"الداعشية" فكرةٌ أكثر من كونها سِكينًا ينحرُ عنقًا، أو يذبح وريدًا، أو يُزهقُ روحًا، أو يَسْتلُّ نفسًا من عِداد البشر بغير حق. الداعشيةُ فكرة استعمارية استطانية تنتمي للجيل الرابع من الحروب التي تقع بين دولة نظامية ما، وبين تنظيمات إرهابية شبحية مُلثّمة كما اللصوص تهبط على الأبرياء من شقوق السقوف كالسحالي، وتزحف على المسالمين من صدوع الحيطان والأنفاق كالديدان.
لكنني أود أن أتكلم عن الدواعش "المُنظرّين" "الأسطوات" الكبار، لا عن الدواعش "الفواعلية" “الصبيان” الصغار. فالأسطى أخطرُ من الصَّبيّ البِلْية. الأسطى يضع الخُطة، والصبي المسكين ينفذ.
وفي سيدني الأسترالية، روّع العالمَ ما فعله "الصبيّ البلية" "هارون مؤنس" الإيراني الشيعي المتحول إلى السُّنية، وابن (غير شرعي) لما يسمى "الدولة الإسلامية". احتجز صاحبنا "البِلية" رهائنَ مسالمين في مقهى بوسط البلد لمدة ١٦ ساعة حتى وفاة بعضهم. هذا "البلية" ليس بطل المقال. فهناك "أسطى معلّم" أفهمَ ذلك الصبيَّ أنه "وكيل الله على الأرض" وأن من حقه، كما من حق الله، أن يُزهق الأرواح، كما خلقها! وأن الأرض بما عليها ومن فوقها من رعاياه وعبيده، يقتل من يشاء ويُحيي من يشاء ويحتل ما طاب له من أراضٍ، وينكح ما تُغريه من نساء. وليس شرطًا أن يكون كلًّ بلية رسميًّا ضمن التنظيم. فهناك مُتلقّون معارفَهم "عن البُعد"، لا عبر التجنيد المباشر. فالذي قتل "فرج فودة" لم يتلقّ أوامره من قادته بشكل مباشر، بل "سمع" أن الرجل كافر، فتبرع بقتله من تلقاء ذاته. كذلك فعل الإهابيُّ الإيراني. تلقى معارفه الإرهابية من الميديات المختلفة، فراح يطبّق نهج داعش الاستيطاني في أستراليا، ويطالب برفع علم الإسلام (هل للعقائد أعلامٌ؟!) دون أن يكون مجندًا في تنظيمهم. 
أحد أولئك "الأسطوات الكبار" بمدينة سيدني الوادعة، ممن يُنظّرون ويفتون بالهراء، فيقتل الصبيانُ بأيديهم دون أن تتلوث أيدي الكبار، هو الحاج "تاج الدين الهلالي" مفتي أستراليا، وهو للأسف مصري الأصل. أفتى الأسطى بأن "المسلمين الوافدين" أولى بأستراليا من أهلها الأصليين! فأولئك المسلمون، وفق قوله، جاءوا إلى تلك البلاد البعيدة بمحض إرادتهم بتذاكر طيران من حرّ مالهم بحثًا عن فرص أفضل في الحياة، عكس سكّانها الأصليين الأنجلو ساكسون الذين جاءوا إليها في أول الزمان مُكبلين بالسلاسل! ونسي الشيخُ العبقريُّ أن يخبرنا عن وضع الوافدين المسيحيين من العرب ممن هاجروا أيضًا بحُرِّ مالهم وكامل إرادتهم، هل لهم نصيبٌ أيضًا في سيدني، أم سقطوا من حساباته وهو يُقسّم "غنائم" غزوة سيدني؟!
مثل تلك الأفكار المتخلفة، التي يُطلقها "طقّ حنك" رجالٌ غائبون عن الوعي في لحظات سُكرٍ بيّن، من أجل الشو الإعلامي ولفت الأنظار، وهم جالسون فوق المصاطب كما يليق بأسطى مِعلم يدخّن الشيشة ويهرف، يتلقّفها صبيانٌ بِليات صغار مساكين بلا عقل، مثل صاحبنا المسكين "هارون"، فينفذون تلك الخرافات ويذبحون ويغتصبون ويفجرون، بينما يبقى الأسطى المعلم بعيدًا عن مسرح الجريمة، حرًّا من المساءلة، بريئًا من تبعة الدم. 
الأسطى تاج الدين، يفتي بأحقية الدولة الإسلامية في احتلال أستراليا، فيأتي الصبيّ "هارون" ويرفع علمًا يشبه بعلم داعش، ويقتل الأبرياء. تمامًا كما يحدث في مصر. يُعلن "الأسطى ياسر برهامي" بُغضَه للمصريين المسيحيين المسالمين، فيأتي الصبيانُ الدواعش الصغار، ويحرقون الكنائس ويقتلون المسيحيين، ويسرقون نساءهم. 
الجيل الرابع من الحروب، لا يقوم على الغزو، مثل الجيل الأول، ولا على إطلاق النيران عن بعد مثل الجيل الثاني، ولا على المناورات العسكرية والتكتيك السياسي والخطط الحربية كما الجيل الثالث، بل يقوم على زرع الخرافة في عقول البسطاء، لكي يتفتت المجتمع من داخله. 

المقال الأسبوعي بجريدة (الوطن) / يوم الجمعة

الإلحاد فى الكباب والكفته فى الإرهاب/ أشرف حلمى

 هربت الحكومة ومعها رجال الدين من مواجهة الأسباب الحقيقية التى أدت الى الإرهاب الأعمى الذى وصلت اليه دول الشرق الأوسط وطرق التصدى له فلجأ هولاء الى محاربة الإلحاد بدلاً منه خوفاً من مواجهة الحقيقة وتكفير رجال الدين المتشددين لهم طبقاً لمعتقداتهم .
نعم لقد طلت علينا ظاهرة الإلحاد مؤخراً بظهور العولمة خاصة بعد ان أصبحت الشبكات العنكبوتية فى متناول الجميع والتى جعلت من العالم كله دويلة صغيرة مع إنتشار مواقع التواصل الإجتماعى والتحدث على الشات مما سهل على الإنسان كى ما يعرف الكثير من معلومات وحقائق صعب الحصول عليها سابقاً فى منطقتنا العربية خاصة الدول الوهابية التى حرمت دخول كتب ومراجع بعينها بل وجرمت كل من حاول إدخال هذه الكتب تلك البلاد .
أما إذا عرفنا سبب الإلحاد فى دولنا العربية فمن السهل جداً علاجة بل والقضاء عليه ولكن اما اذا كان سبب الإلحاد حكوماتنا ورجال الدين بها فهذا صعب جداً علاجه .
فمن الأسباب الى أدت الى الإلحاد فى بلادنا العربية  
اولاً : لقد ولدنا جميعاً على ديانات أبائنا بالوراثة وعندما اصطدم البعض برجال الدين للإستفسار عن بعض الحقائق الموجودة فى  الكتب ونتيجة عجزهم عن الرد او هروبهم واما الإستهتار بعقولهم وتكفيرهم فقط لمحاولاتهم فهم هذه الاشياءالتى عجزت عقولهم فهمها او الاقتناع بها ,  فكما قال علماء النفس قديماََ ان الفرق بين الذكاء والجنون شعره فها نحن نقول اليوم الفرق بين التدين والإلحاد شعره .
ثانياََ : رجال الدين أنفسهم فهم احد الاسباب الرئيسية للإلحاد نتيجة افعال بعضهم التى تعارض تعاليمهم الدينية فنجد منهم من يحلل ما حرمه الله  قتل , نكاح , تكفير , اغتصاب , سرقة , سطو , غزو هذا بالإضافة الى فتاويهم الإرهابية من هدم دار العبادة وتهجير الأمنيين او فرض الجزية علي من لا يؤمنون بديانتهم وافكارهم ام قتلهم كما هو الان ما تفعله داعش ويؤمن به الوهابيين والسلفيين كذلك الإخوان المسلمين دون رد من باقى رجال الدين .
ثالثاً : مناهج المؤسسات الدينية نفسها التى تحرض على القتل وتكفير الأخر عكس التعاليم الساميه للإله الحقيقى إضافة الى المناهج التعليمية الحكومية التى تحتوى مناهجها التاريخية أبطال اصحاب فتوحات وغزوات امثال عمرو بن العاص الذى فعل باقباط مصر ما تفعله داعش الان بمسيحى سوريا والعراق والتى يرفضها بعض الدارسين لهذه المناهج التى عملت على تخريج أجيال من الإرهابيين .
رابعاً : الحكومات العربية نفسها التى سخرت جميع أجهزتها لرجال الدين المتاسلمين التى من بينها الحكومة المصرية كى ما يقوموا بتكفير الاخر والتحريض على قتله بل وتشاركهم ايضاً فى تنفيذ مخططاتهم كما حدث فى حوادث الاعتداء على اقباط الكشح وعلى كنائسهم كما حدث فى الكاتدائية الكبرى بالعباسية او بتفجير الكنائس مثل ما حدث فى كنيسة القديسين بالإسكندرية وغيرها من الحوادث .
فعجباََ لهذه الحكومات التى اهتمت بأكل الكفته والكباب وتركت مئات الألاف من الدواعش الإرهابيين امثال ابو إسلام الذين قاموا بحرق الإنجيل المقدس علناً وتعمدت كسر قواعد الدستور بإستمرار وجود احزاب داعشيه كحزب النور بطيئة فى محاكمة الإرهابيين والتفكير فى محاربه مئات الملحدين المسالمين .
فالحقيقة التى توصلت اليها عن الإرهاب فهو نوعان الاول منه إرهاب إجرامى بدافع الجريمة  وهو لا دين له اما الثانى دينى وهو المنتشر الان بين المتاسلمين الخارجين عن صحيح الدين الذين يقومون بكافة العمليات الإجرامية التى نعرفها جمعياً ونرها يومياََ بتشجيع فتاوى بعض الشيوخ , فشعوب العالم عرفت اليوم ان معظم المسلمين ليسوا إرهابيين ولكن جميع الإرهابيين مسلمين . 

الإيقاع، ومراحل تطوره في الشعر العربي ـ الفصل الأول/ كريم مرزة الأسدي

الإيقاع  ظاهرة طبيعية تعني التسلسل المنتظم لمجموعة من العناصر , فنبضات القلب , ودقات الساعة , وشعر الشعراء , وضربات الصفارين , ورقص الراقصين , والرسوم المتناظرة للرسامين والمهندسين , حتى الروائح الشمية , والمناظر العينية , والإحساسات اللمسية , والمذيبات الذوقية ,  كلـّها إيقاعات , إنْ جاءت متسلسلة زمنياً بإنتظام  ,أما اذا تدخل العقل والفكر والإبداع بين ثناياها , فعندها تكون الإيقاعات غير تامة الإنتظام , فتصبح فناً , ولهذا يرى عالم الجمال (هو جارت ) : إن القاعدة الثابتة في الفن هي تحاشي الإنتظام , ويقصد التام .(1) 
 نقول في هذه الحالات ترتقي  الإيقاعات الى درجة أرفع , وهيئة أعقد , فتكون متباينة بتناسق بديع , لتشكل  الفنون الجميلة المختلفة , ومن هذه الفنون الشعر , وعلى الشعر بنى العروضيون عروضهم , وبسط  (ابن فارس ) هذه العلاقة بقوله : إنّ " أهل العروض يجمعون على أنه لا فرق بين صناعة العروض وصناعة الإيقاع , إلا أنّ صناعة الإيقاع تقسم الزمان بالنغم , وصناعة العروض تقسم الزمان بالحروف المسموعة " (2) , ونحا السيوطي نحوه في هذا المجال .         
  فإذن الإيقاع الشعري الموسيقي العربي ( الكمي ) , هو الأصل والفصل قبل العروض وميزانه  , والترقيم وأفنانه , والشعر وألحانه , شرع به  العربي في ترحاله بـ (الحداء ) , أغنية الصحراء , وأعقبه بـ ( النصب ) بنغماته الرقيقة , وأشجانه  العذبة التي تتوالى بفواصل زمنية  عند الجهد والهمِّ والأعياء  , وذكره النابغة بقوله : " كليني لِهمٍّ ٍّ يا أميمة ُ ناصبِ "  , ثم هلـّت ( الركبانية ) ,إنشودة المسافات الطويلة الجماعية , بترنيمات فطرية , ونبرات عالية , وإيقاعات منتظمة , مع بعض الآلات الموسيقية  , النافخة والوترية , ومن الإيقاعات الغنائية الاخرى ( القلس ) ,وهذا مصحوب بالدف والضرب والرقص , واللعب بالسيوف والريحان , والضرب بالأيدي على الصدور , والتهليل والإنحناء تعبدا , فالعادة قديمة بادت ثم سادت !  ,وذكره الكميت قائلاً " غنّى المقلّسُ بطريقاً بأسوار ِ"     ومن كلمة بطريق - وهو رجل دين مسيحي - نستدل أنّ هذا النوع موروث ما قبل الإسلام , ويبقى عندنا ( التهليل ) , وهو من الشعائر التعبدية البسيطة من دون بهرجة , فلا رقص و لا دف ولا سيف , قوامه السجع  المرتل بصوت مسموع للتلبية , أخذ الطابع الجماعي , و( التغبير )  أيضا ظاهرة تعبدية قديمة انقرضت  , مثله مثل ( التهليل ) , ولكن أكثر منه وأقل من القلس  تعقيداً , وملامح الغبار توسم ناشديه عقبى التمريغ بالتراب , ومن غباره التغبير ! , وأكثر هذه الإيقاعات تطورا في ثباتها واستقرارها  بعد السجع المنتظم لما سبق , يأتي ( الرجز ) , الذي يُعتبر أبسط أنواع الشعر نظما وسهولة  (3) , ولكنه ليس  الأساس لتطور الشعر العربي ,فالشعر الجاهلي وصلنا  ناضجاً خصباً غنياً في تجربته ومنهجه وإيقاعه وصوره , ولا ندري متى وكيف تطور سوى أنّ امرأ القيس ( 500 - 540 م ) , أشار إلى  ابن حذام الذي سبقه , ولا نعرف شيئاًعن  هذا الابن حذامِ :
عوجاً على الطلل المحيل لعلّنا *** نبكي الديار كما بك ابن حذامِ ِ(4)
ورأى حسان بن ثابت ( ت 54 هـ-674م ) , شاعر الرسول ( ص ) , أنّ الغناء هو المقياس الإيقاعي , والمجال الروحي للشعر :  
تغنَّ بالشعر إمّا كنت قائله *** إنّ الغناءَ لهذا الشعر مضمارُ
 وفذلكة الأقوال  نقول ,الشعر الشعر هو الإبداع , والشاعر الشاعر هو المبدع , والموهبة تكاد تكون مكتملة , وعلى ركن هذا وأساس ذاك , وضع العرضيون عروضهم , وقاسوا بميزانهما أوزانهم , وغرفوا من بحرهما بحورهم , والعروض علم يعتمد على عقول علمائه  وتقنيناتها , فعندما يتمرد عباقرة الشعر على أوزانه , يجب أن يسايرهم جهابذة العروض على جديدهم الجميل الرائع  , لأن دائرة الخيال الفني , وموهبته الإيقاعية  أوسع من دائرة الأدراك الحسي العقلي وتفعيلاته العروضية العربية , ومقاطعه الأفرنجية , وهذا ليس تنازلاً لأصحاب النص النثري   ,  فانا قد رضيت بالتمرد العبقري  لأنه ولود , ونوهت بأبي العتاهية رائدهم الأول  , ورفضت الرفض لأنه  عقيم ,  والحقيقة أن الفراهيدي نفسه , وبكلمة أدق عصره لم يستوعب حالات التمرد أو الشذوذ في شعر من سبقه ومن لحقه , ويشير الدكتور جوادعلي في (مفصله ) الى خروج بعض الشعراء الجاهليين عن قواعد العروض والنحو , ويستشهد بروايات تاريخية عن امرىء القيس ,  وقصيدة  " عبيد الله بن الأبرص" : 
أقفرمن أهله ملحوب *** فالقطيبات فالذنوبُ
فهي من مخلع البسيط, قلما يخلو بيت منها من حذف في بعض تفاعيله  أو زيادة  . وفي قصيدة المرقش الأكبر :
هل بالديار أن تصيب*** لو كان رسمٌ ناطقا كلـّم
فهي من السريع , وقد خرجت شطور أبياتها على هذا الوزن , كالشطر الثاني من هذا البيت :
ما ذنبنا في أن غزا ملكٌ ***من آل جفنة حازم ٌ مرغم
فأنه من الكامل , ورووا اضطرابا وقع في شعر عدي بن زيد العبادي على النحو المذكور , خرج فيه من السريع الى وزن المديد , وفي شعر غيره كذلك مثل  نونية  " سلمى بن ربيعة " : إنّ شواء و نشوة وخبب البازل الأمون  , فهي خارجة عن عروض الخليل (5) ,ويواصل الدكتور استشهاده , ويتوصل الى قوله : " وتستحق هذه الأمور وأمثالها أن تكون موضع دراسة خاصة , لما لها من أهمية في تكوين رأي علمي دقيق عن تطور العروض في الجاهلية  , ..." (6)
ربما يعود تغافل  الفراهيدي لصرامة عصره , وميول مسامع أهله للبحور  السائدة والشائعة والسالفة , لكل زمان دولة وشوؤن , وذوق وفنون , ولكل جيل من الأجيال نغماته المحببة , وموسيقاه المطربة , و ألحانه الشجية , وبحوره الطرية  , ففي العصر الجاهلي ساد (الطويل ) لجلاله وفخامته , ومن روائعه معلقات طرفة ولبيد وامرىء القيس , وظلت   سيطرته حتى القرن الثالث الهجري . ثم تراجع عن مكانته ,  وفي عصرنا صعب مراسه , لازدواج تفعيلاته , فابتعد عنه أنصار الشعر الحر ( التفعيلة ) , ومثله في هذه الخصائص المهيبة  (البسيط ) , ولكن أقل شيوعا منه في جاهليتهما , وعدهما حازم القرطاجني في (منهاجه ) أعلى درجة البحور في الافتتان (7) , وترافقا في مسيرتهما حتى الإحيائيين , وفاقت صياغة الأخير على الأول لدى الرومانسيين في الربع الأول من القرن العشرين , ومن بعدهما يأتي عند العرب القدماء في ذيوعه ( الوافر ),وهبطت منزلته في القرن الثاني الهجري , وعاد الى صدارته عند شعراء الرومانسية , ولم يتأثر به شعراء التفعيلة كسابقيه المهابين , ولكن الرجز وإن كان من أقدم البحور العربية المعروفة ,لارتباطه بحركة أقدام الأبل وحدو البدوي على إيقاعها , لم يذع بين الجاهليين , وازداد رواجه في العصر الأموي , واستخدمت صياغته في الشعر التعليمي ( الأرجوزة ) , وأطربت تفعيلته المتكررة (مستفعلن )ا لسياب العبقري , فتوج بها أروع قصائده ( إنشودة المطر) :
عيناكِ غابتا  نخيل ٍ  ساعة  َ السحرْ
أو شرفتان  راح  ينأى عنهما  القمرْ
عيناكِ حينَ   تبسمان تورق ُ الكروم
وترقص الأضواءُ..كالأقمار فــي نهرْ
أكرر  البيتين , وانا أعرف معرفتك لهما  ,والأدرى بأنني طرقت مسامعك من قبل بهما , لروعة الجمال , وحسن  الأفتتان , ونتقرب الآن إلى ( المتقارب ) الذي شغل نسبة عالية في العصر الجاهلي , ثم تراجع طوال العهود الإسلامية حتى تلاقفنته الفترة الرومانسية العربية  الحديثة , ويتقدم ليصبح أكثر البحور دورانا في محيط رواد الشعر الحر , و( المتدارك ) الذي بالكاد ولد في أحضان الأخفش وأهمله الشعراء لسرعة حركاته الإيقاعية الراقصة , تناؤب عليه الزجالون في زجلهم , ونظم على بحره الحصري القيرواني قصيدته الشهيرة : 
يا ليلُ الصبّ متى غدهُ  *** أقيام ُ الساعة ِموعدهُ  
ونظم أحمد شوقي على هذاالمنوال معارضا (مضناك جفاه مرقده ), زادالاهتمام به في العصر الحديث , ثم ازداد جدا في منظومات شعر التفعيلة , و( الرمل) كان شائعا في الجاهلية ,وأصبح شعبيا في العصر العباسي الأول , يلجأ إليه أبو العتاهية في زهدياته , وأبو نؤاس في خمرياته , وتلاقفه الأندلسيون ليشدوا من خلاله موشحاتهم, وأخيرا نظم الإيحائيون بعض عقودهم منه ,وزاودهم عليه الرومانسيون , وركن إليه رواد القصيدة التفعيلية المعاصرون  , واستأنسوا بلطف نغماته , وإن سألت عن ( الهزج )  , ندر لدى الجاهليين , زاد في عصور الغناء العباسي , وعاد ليمثل المسرحيات الحديثة بلسان شخوصها , وعن  (الخفيف ) , فقد صار البحر الأول عند إسلامي الحجاز , وزاد عند شعراء الرومانسية ,واذا طلبت المزيد , فعليك بالدكتور سيد البحراوي و (عروضه ) (8) , وهذه النظرة العاجلة تفي بالغرض المراد بأن لكل عصر ذوقه الشعري المتميز , بل ولكل بيئة اجتماعية أوتشكيلة مناطقية أو جماعة ثقافية  خصوصيتها الشعرية وميولها الإيقاعية ,فالإيقاع الشعري ليس له قيمة ثابتة ,و نغمة  محددة , ورتابة واحدة في كل الأمصار والعصور ,  فالأيام تسير , والناس شتى  , والليالي يلدن كل ّ عجيب ,وللأذن ذوق رقيب , وللموروث جذر عريب  !
( العروض ) , وما استجد عن ( الإيقاع) الشعري  :
  الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي البصري (ولد في عمان 100هجرية /718م - توفي في البصرة 174هجرية \ 790م) (9) , واضع علم - ولك أن تقول صناعة لحاجته للتمرن  -  (العروض ) على أغلب الظن , أو مجدده  على رواية  ابن فارس (10) التي بخست الخليل حقه , لأن المعلومات وإن كانت متوفرة قبله , لم تصل الى درجة العلم المنهجي , والدراسة الواعية ,والقواعد الراكزة , والاستقراءات الرائعة  , والصناعة الماهرة , فالعصر المنفتح على مختلف الثقافات , وأجناس الناس , تفجر عن مدارس القياس في الفقه والنحو والعروض ..لغربلة الشاذ والملحون , وصد هجمات الدخيل والهجين  , ومهما يكن من سبب  تسمية الأخير بالعروض  ,إمّا كي يعرض الشعر عليه ليعرف صحيح وزنه من مكسوره , أو نسبة لمكان بين الطائف ومكة وضع فيه خليلنا علمه المعلوم , وقياسه المشهور , ولكن كيف ؟!
يقال إنّ الرجل مرّ ذات يوم بسوق الصفارين , فطرقت مسامعه مطارقهم على الطست , (تن , تتن , تتتن...) فرجع إلى بيته, وراجع تدويناته وتقنيناته ,وقايس ومارس , ووقع اصابعه , وحركها ولملمها , ولاريب أنه كان ذا ذهن رياضي تحليلي تركيبي , وأذن موسيقيه , وحس مرهف , وحافظة قوية  , وربما قال مع نفسه : الشعر لفظ موزون مقفى ذو معنى , واللفظ صوت مسموع في الشعر , لا حرف مرسوم , والحروف بحركات وسكون , تتوالى بانتظام ا
إلى حد ما , لتشكل الأنغام ,وشبه بيت الشعِر ببيت الشعَر ( الخيمة ) , بأسبابها وأوتادها , وفواصلها , ومصراعيها  ..., وكما تعلم أن  العرب لا تبدأ  بساكن , فوضع أركان علم العروض أوزانه وتفاعيله , وسار على نهجه القدماء , رغم الإضافات والتعديلات الطفيفة , كالأخفش والجوهري والزمخشري والشيباني والمعري وابن جني وحازم القرطاجني وغيرهم , فتتركب أوزانه من شيئين , أحدهما مركب من حرفين ( السبب ) : إما متحرك أوساكن , وهو (  السبب الخفيف) مثل لنْ ( /ه ) , وإما متحركين  , وهو( السبب الثقيل ) مثل لكَ ( //) , والثاني مركب من ثلاثة أحرف ( الوتد ) : إما متحركين يتوسطهما ساكن , وهو (  الوتد المفروق) مثل لات ( /ه/ ) , وإما متحركين يعقبهما ساكن , وهو ( الوتد المجموع) مثل نعم ( //ه) (11) , فإذن أساس الإيقاع العربي - الذي يسمى مجازا الوزن - هما ( السبب والوتد ) , واذا أمعنت قليلا , سترى الوتد هو الأصل الذي أشتق منه السبب بشقيه , وما ثلاثة أسباب إلا وتدين ,  وتتردد هذه بما لها من كم ٍّ إيقاعي بفترات زمنية منتظمة ذات مقدار , ويخضع كمُّها للزحافات والعلل التي ترضاها أذن السامع المرهف , وتطرق الأغريق من قبل إلى مثل  هذه الحالة الى ما اسموه (الرتيم )(12) , وتبعهم الأوربيون المعاصرون حاليا مستخدمين المصطلح نفسه , وسبق للزمخشري  أن نوّه بذلك عند تعريفه للشعر العربي - إذا أستثنيا اللفظ - فالأشياء الثلاثة الأخرى , ويعني الوزن والقافية والمعنى  " الأمر فيها على التساوي بين الأمم قاطبة " (13) ,وسنواصل المسيرة الموجزة للحالات المتجددة , والله الموفق .    
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د . علي يونس : نظرة جديدة في موسيقى الشعر العربي .  
(2) ابن فارس : الصاحبي في فقه اللغة  ,تحقيق د صطفى الشويمي , وراجع السيوطي : المزهر في علوم اللغة وأنواعها , تحقيق وضبط محمد أحمد جاد المولى ,-
(3) راجع: عبد الرحمن الوجي :الإيقاع في الشعر العربي  
(4) المصدر نفسه .  
 (5) د جواد علي  :المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ,) 
(7) ابو الحسن حازم القرطاجني : منهاج البلغاء ومسيرة الأدباء .
(8)  .د سيدالبحراوي : العروض وإيقاع الشعر العربي .
(9)الخليل بن أحمد الفراهيدي (الفرهودي )الأزدي أبو عبد الرحمن: سيدأهل الأدب قاطبة في علمه وزهده , كان من تلامذة عيسى بن عمرو وأبي عمرو ابن العلاء , وأخذعنه سيبويه والنضر بن شميل والكسائي الكوفي , وهو أول من استخرج علم العروض وضبط اللغة , وأملى كتاب (العين ),
(10) يرى ( أحمد بن فارس ) في كتابه ( الصاحبي في فقه اللغة ) إن أبا الأسود ليس أول من وضع العربية ,ولا الخليل أول من تكلم في العروض , وإنما هذان العلمان كانا معروفين قديما ,وتجددا على أيديهما .
 (11) الزمخشري : القسطاس في علم العروض .
RYTHMOS(12) .
(13) المصدر نفسه 

مارسيل منصور من التغير إلى التحرر/ الأب يوسف جزراوي

هي شخصية موسوعية بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى. لها باع طويل في الفن والأدب والنقد؛ تُمارس الفنون البصرية وتتفنن برسم الكلمات المُعبرة، مجسدة الأفكار النيرة  لأكثر من ثلاثة عقود.   تتمتع بذكاء فطري، وتسلك بطيبة ملموسة في مسالك الحياة، تطغو عليها شهامة "بنت البلد" بشكلٍ كبير. عرفتها صادقة النوايا، حلوة الحديث، متقنة لفن الإصغاء، أحيانًا  تحسبها وقد أغمضت عينيها أنَّ قيلولة أو نوم قد أخذها، إلى أن تثب عليك فجأة من حيث لا تحتسب. تتمتع بقدرة مميزة على قراءة الأحداث  وتدرك كيف تُقيم التوازن في العلاقات الإجتماعية ومع الزملاء في الوسطين الفني والأدبي. تطلّ على الآخرين حين تُريد، ويوم تطلّ تلقى بين يديها عصا تمسك بها  دائمًا من المنتصف، لهذا فإنَّ الشخصية التي نحن بصددها اليوم  توصف بأنها فنانة  بِلا خصوم. هي شخصية حريصة على ما تنتج، تدقق في الصغيرة كما في الكبيرة،  أدركتها  إنسانة متزنة وفنانة موهوبة تملك أدوات العصر في التعبير عن النفس البشرية والحياة الوجودية والكوامن المعقدة داخل الذات الإنسانية..

إنّها مارسيل منصور التي حظيت بنعمة الحياة بتاريخ 7/11/1951 بقطاع غزة من عائلة مسيحية فلسطينية هاجرت من يافا إلى غزة  عام 1948. امتشقت ريشة الرسم في سنّ صغيرة لتبوح بما يختلج في الذات وما يلوح في الفكر، فجذبت الأنظار إليها  منذ دراستها الإبتدائية؛ حيث أنيطت بها مسؤولية " اللوحة الجدارية" في المدارس التي تعلمت فيها؛ فكانت تزينها برسومات وتخّط عليها الشعارات.
تركت غزة عام 1970 متجهة إلى مصر. وفي القاهرة درست في جامعة "عين شمس" آداب اللغة الإنكليزية، لكنها  إنقطعت عن الدراسة ردحًا من الزمن بعد زواجها من السيّد موريس منصور الذي كان يومها موظفًا في شركة طيران الخطوط الجوية الكويتية بدولة الكويت. وبعد أن جمعهما رباط أبدي مقدس، اتجهت مارسيل إلى العمل، فعملت في بادئ الأمر بالتدريس ثم مضيفة أرضية في نفس الشركة، ثم عاودت الدراسة إلى أن حصلت  عام 1977 على شهادة البكلوريوس في آداب اللغة الإنكليزية من الجامعة المذكورة.
في عام 1978 هاجرت  إلى استراليا بصحبة عائلتها المُباركة. وفي استراليا حصلت على دراسات أخرى في السياحة والسفر والترجمة في عام 1980 من جامعة UTS ،  كما وصقلت موهبتها الربانية، يوم قصدت مدرسة فنية خاصة لغرض تعلّم الرسم بالزيت في منطقة "موسمان" .  ثم أقامت أول معارضها  الفنية في مطلع الثمانينيات من القرن العشرين، فجسدت عبرَ لوحاتها الجمال متمثلاً بالطبيعة الخلاّبة لاستراليا والبلدان العربية.
مضت السنون والمرأة منهمكة بين الدراسة والعمل وتنشئة أسرتها، إلى أن آن الآوان لتُعبّر عن تلك التعددية في حياتها  (كأم وكاتبة وفنانة وموظفة) حين نشرت تجربتها الشخصية في مقالٍ شاركت به في منافسة أدبية بمناسبة العيد المئوي الثاني لأستراليا، لصحيفة "النهار" يوم كان مالكها الصحافيّ الراحل الكبير بطرس عنداري –رحمه الله. جاء المقال تحت عنوان "نضال المرأة العربية في أُستراليا"، فحصلت على جائزة صحيفة النهار في ذلك الوقت عام 1988 وأصبحت فيما بعد كاتبة بتلك الصحيفة لعدة أعوام ، نظمت خلالها  الشعر وحبّرت  مقالات  أدبية وأجتماعية ونشرت رسوماً متعددة.
شملت أعمالها  الفنية العديد من المناظر الطبيعية،الأيقونات، رسم الأشخاص، الرسم على الجداريات، وتتضمن جملة من الموضوعات المتنوعة عن قضايا المرأة، الهجرة، المجتمع، التعددية الثقافية، الحرية، الحرب والسلام وغيرها .
شاركت في العديد من المعارض الفنية الفردية والجماعية مع نخبة من مشاهير الفنانين في أماكن مرموقة من استراليا وبلدان أُخرى في بقاع العالم. من أشهر معارضها(Images of Wisdom)  بمعنى (صور من الحكمة) في  المتحف الأسترالي عام 1996، و  Shifting Waves)) بمعني (الأمواج المتحركة) في برلمان الولاية في عام 1998 .

من أحدث أعمالها الفنية المعرض الضوئي الفردي بعنوان " ثريشهولد" بمعنى " نقطة التحول" وقد استضيف في مدينة نيويورك في آذار 2014 ، وأيضًا في مركز الفنون  بمدينة سيدني - بانكستاون في شهر ابريل من العام ذاته ، كما أنه يطوف الآن بجولة فنية  في أستراليا .
اقامت معرضها الضوئي Threshold)) مؤخرًا فيMary Mackillop Place Museum   شمال مدينة سيدني، وتحديدًا مساء يوم الاربعاء 10/12/2014  ، بحضور نخبة من أعضاء السلك الدبلوماسي والوسط الفني والثقافي والأدبي، إذ جعلت من صالة العرض " ذاتًا إنسانية ". ولعلَّ من المفيد هنا أن أنقل للقارئ الكريم ما ذهبت إليه الفنانة وهي تشرح الغاية من معرضها الاخير: " إنَّ التأمّل في الذات وما حولها والغوص في أغوار النفس البشرية التي تولّد في الإنسان طاقة جديدة تمكنه من اكتشاف حقيقة نفسه والعالم من حوله حتّى تتسع أمامه رقعة المعاني المُتلاحقة في هذا الوجود الجميل، فينطلق من عالمه المحدود ( الذات) إلى العالم الرحب متأملاً الذات الإلهية وعطية الحياة المجانية وإدراك الرسالة الذاتية في رحلة الحياة، فإنَّ المحور الأول والأخير هو "الإنسان" و"الإنسانية" من أجل تغيير الواقع إلى الأفضل" .

 وتضيف فنانتنا: " إنَّ اللوحات الضوئية التي قدمتها أثناء تحركها في معرض Threshold هي سلسلة من العمل الفني التجريدي المُعاصر الذي يُخاطب الأجيال في كلّ مكانٍ وزمان، وقد استخدمتُ فيه النور- الضوء – كمادة ، معتبرة  الإدراك الحسيّ والذهني وسيلة لغرض دعوة المُشاهد وتحفيزه على المُشاركة في التأمّل بتلك اللوحات الضوئية والتي تتغير ألوانها وأشكالها في حركةٍ ديناميكيةٍ مُستمرة، يستطيع الإنسان من خلالها أنْ يُعايش التجربة المُباشرة مع الفن عن طريق التأمّل في النور والذات والعالم، أيّ عن طريق الإدراك الحسيّ والفكري بأدق معانيه والتي تؤدي إلى التأثير العميق في نفس المُشاهد. ولذا فإنَّ غاية المعرض الفني ليست عائمة علي السطح، وإنّما تثير في المُشاهد أو الناقد أو المتلقي المتذوق للفن شهوة التأمّل ومراجعة الذات وتفحص ما مضى من الحياة  ليغوص في أغوارها لاكتشاف رؤية جادة تعلن ولادة جديدة من خلال شُعاع النور المُنعكس على حواسه وقلبه وروحه وعقله، فتكسبه هذه الحالة الوجدانية منظارًا جديدًا، نابعًا من رؤية مُغايرة،  تجعله في حالةٍ من العمق والدراية تكون أوفر ممّا كان عليه، وذلك لأن في النور قوة كبيرة وطاقة جمة، لها دلالة المعرفة والحكمة، كاشفة عن حقيقة الذات والحياة المُستترة،  وتعمل على حضور غير المرئي فتجعله مرئيًا".

وسوف نظلّ نذكر لمارسيل  أنها من المؤمنات بأنَّ التغيير هو جزء من الطبيعة البشرية البيولوجية والنفسية، بمعنى أنها تهدف إلى مساعدة المرء على التحول الروحي والذي  يحدث عن طريق التأمّل في الأعماق، حيث يحقق للإنسان أثناء إبحاره إلى الذات ولادة جديدة تجعله من المُبحرين في سفينة الإنسانية، التي تقوده إلى حالةٍ من التجدد على صعيد الجوهر والكيان منعكسة على التفكير والرؤية  والسلوك، فالمرأة سعت من خلال لوحاتها الضوئية  إلى إحداث  تغيير يحصل في اعماق المرء، يشمل القلب والروح والفكر كجزء واحد، فيصل عندها الإنسان إلى قمة النضج الإنساني.
تعتقد مارسيل أن التغيّر أو التحول، قضية جوهرية في حياة الإنسان باعتباره خارطة طريق يقود المرء إلى التحرر، فهي ترى أنَّ الشخصية الناضجة التي أنتابها التحول الإيجابي، تُشكل القاعدة الأساسية والضرورية في الحياة الروحية، والتي تستمد شُعاعها من النور حين تتلمس التنوير الذي يستحوذ على الأعماق ليؤدي  بدوره إلى عنصر التحرر من القيود الماديّة البالية وتجاوز أسوار الأنا وشهواتها ، مصحوبة بمفاهيم الحرية الصحيحة، وأنَّ ذلك لأمر في غاية الأهمية لاستيعاب الحياة المُتجددة والتي بمقدورها الإستنارة من الرؤية الحقيقية لأغوار الذات لتتفتح البصيرة ويتنور الفكر وتتجدد الأعماق وتتضح الرؤية، من أجل تغيير الواقع نحو حياةٍ أجود .

ونتيجة لجهودها الحثيثة نالت في ذلك المساء الذي شهد عرسًا فنيًا، درع التكريم من كاهن رعيتها، ودرع الإبداع من مؤسسة سواقي للثقافة والفنون، ولا أجد غرابة في الأمر، لأنها شخصية متعددة المواهب، فهي فنانة مرموقة وكاتبة قديرة وشاعرة وناشرة وإعلامية؛ إذ عملت في الماضي بوسائل الإعلام الإثنية المقروءة  والمسموعة بما فيها الإذاعة العربية ، والشبكة التلفزيونية الفضائية. ولمارسيل  أيضًا دائرة واسعة من المعارف والأصدقاء، فقد جمعت حول لوحاتها ثلّة من فنانيّ وكتّاب  وشعراء وسياسيي وإعلاميي الجالية العربية في استراليا. 

حصلت مارسيل خلال مشوارها الفني والثقافي على عددٍ من الجوائز التقديرية في الأدب والفن المرئي إلى جانب المُنح من هيئات الفنون المتنوعة مثل مجلس أستراليا للفنون، إذ تم اختيارها عام 1996 نموذجًا مثاليًا يحتذى به على الجانب الثقافي. وفي عام  1997نالت جائزة شربل بعيني الأدبية. وفي عام 1998 صدر لها كتاب "شيفتينغ وايفز- الأمواج المتحركة " في النثر والشعر ورسم الأشخاص وتدوين سيرتهم الذاتية للجالية العربية في استراليا . فضلاً عن ذلك، لقد زينت لوحاتها ورسوماتها أغلفة العديد من الكتب منها للأديب المصري أنطوني ولسن ، والصحافيّ الكاتب الفلسطيني هاني الترك، ولكاتب هذه السطور وغيرهم. ولعبت دورًا كبيرًا في المشهد الفني والثقافي العربي في أُستراليا ولا تزال، فهي الآن عضو في المركز الثقافي الأسترالي العربي، مُنتدى بطرس عنداري،  ومؤسسة سواقي للثقافة والفنون.
ومن الجدير بالذكر أنَّ تلك الفنانة الدؤبة حازت في عام 2012 على ماجيستير في فن الأستوديو، ثم نالت  عام 2014 ماجيستير في الفنون الجميلة من جامعة سيدني. لقد علّمت نفسها بنفسها وثقفت ذاتها في غزة والقاهرة وسيدني، وبلغت مستوى ثقافيًا رفيعًا بجهدها الذاتي.

وتعترف الفنانة مارسيل منصور بأنَّ التكنولوجيا المعاصرة  قد مكنتها من نشر أعمالها في أرجاء المعمورة فانتشر اسمها وذاع صيتها خصيصًا عبرَ معارضها الضوئية. وقد يعلم العالمون أنَّ أعمالها الفنية السابقة لم تخل من آراءٍ سياسية، فقد تناولت في بعض رسوماتها السابقة: الحرب، السلام، المعاناة، ثورة الحجارة، لكنها لم ولن تنتمي إلى أيّ حزبٍ أو جهةٍ حزبية، وإنْ كانت تحمل قضية فلسطين الكبرى وهمّ الوطن بين جوانحها. ومنذ زمن ليس بالقصير اتجهت مارسيل  إلى رسومات دارت رحاها حول الروحانيات والميول الإنسانية والمناظر الطبيعية الخلاّبة من هذا الوجود الجميل، فاستخدمت النور والإدراك الحسي والفكري في الفن التجريدي، كوسيلة للتواصل من أجل أن ترفع صوتها عاليًا أمام العالم ريثما يتم التحول والتغيير الجذري نحو الأفضل من حيث المواطنة وتحقيق الحرية والعدالة ونشر السلام في كلّ بقاع عالمنا المضطرب، فرسوماتها تعكس ضمير فنانة هاجرت من وطن جريح ينزف منذ عقود  قطرات من الدم، مثل تلك التي نزفها وينزفها بلدي العراق.
ولقد جسدت فنانة فلسطين المتالقة تلك المعاني النبيلة خلال كلمة شعرية أفتتحت بها معرضها الأخير المشار إليه اعلاه:
"تعالوا نتحول ... ونحوّل
تعالوا نتغير ... ونغيّر
تعالوا نستلهم من شعاع النور السرمدي
نتأمل في عمق خفايا الأسرار المجيدة
نعيد التفكير في الماضي والحاضر
لنكشف عن رؤية جديدة
بمنظار ناصع حديث معاصر
تعالوا  معًا
نُعانق جداول المحبة
نوجد إنسانية حميمة
ونعلن ميلاد الحرية والسلام"

تلك بعض الشذرات التي أردت أن ادونها عمّن عرفتهم عن قرب بأمانةٍ وموضوعية، ومارسيل منصور إحدى تلك الشخصيات التي أكن لها قدرًا كبيرًا من الإحترام والمحبة، لرقي سلوكها، ونبل أخلاقها، ووسع قلبها، وجمال فنها،  فالف تحية لتلك السيّدة االمبدعة التي دخلت التاريخ  كإنسانة وفنانة وأديبة من أوسع أبوابه، فقد ادركتها متمسكة بمادئها، عاشقة لوطنها الأم، مؤمنة بنفسها وبالاخر مهما كان شكله أو لونه أو معتقده، مدركة فضل زوجها الأستاذ موريس منصور الذي يتمتع برؤية فلسفية وبصيرة التذوق الفني، فالرجل  كان ولا يزال  بحسب اعترافها شريكًا لنجاحاتها المبهرة.

في الختام أذهب لأقول: مارسيل منصور، اسم يعني الإبداع؛ إنّها نبتة الأرض الطيبة وابنة فسطين البارة التي يتواصل عطاؤها دائمًا وتعلو مكانتها دومًا، وضعها الرب على طريقي وفي دروب الآخرين نعمة وبركة.