حتّـى كهلتُ وأيّامي تعلّمني _ في كلِّ ألفٍ من الآناس ِ انسانُ/ كريم مرزة الأسدي

( إنسانٌ وإنسانٌ) ختامْ ، ومن بعدهُ داومٌ وكلامْ  !! 

قصيدة نظمت بمناسبة مرور خمسين عاماً على تشكيل جمعية الدفاع عن حقوق الانسان العالمية والقيت في الحفل الذي اقيم في المنتدى الثقافي العراقي في دمشق بتاريخ 7/9/1998 ... وهي من البحر البسيط. 
الانسُ انسٌ ولم ينقصْهُ عنوانُ!* دهداهُ  للجور ِ طغيانٌ  وإذعانُ

حرية ُ المرءِ قبلَ الخبزمطلبُها * إنْ أدركَ المرءُ أنَّ الخبزَ سجّانُ

عجبتُ ممن يفيضُ الوسعَ محتملاً *اذ ْ حلَّ قلبهُ شيطانٌ  ورحمانُ

كأنهُ  دونَ بدءِ الخلقِ  مرتبة  *** لا يرتضي مثلها غولٌ وحيوانُ

أين الالهُ ؟ بلفظٍ أنتَ  تذكــــرُهُ ***  إنَّ الالهَ مـدى التاريخِ وجدانُ

كفرتَ باللهِ إنْ لم تستقم خـُـلقاً ***  وإن  أحاطُكَ انجيلٌ   وقــــرآنُ

***************************

الانسُ انسٌ ولم ينقصْهُ عنوانُ ***  دهداه  للجورِ أشـباهٌ  وطغيانُ

يا ليلُ مالكَ في اطفاءِ جذوتنا **  فهلْ ستــُخفى بغسق ِالليلِ نيرانُ؟

من قبل ِســـبعةِ آلافٍ  وموطنُنا *** رمزُ الرقيِّ وللانســان ِ عنوانُ

يستكثرونَ عليكَ المجدَ هل ذكروا **  من بعدِ مجدكَ رومانٌ ويونانُ؟

هنا الحضاراتُ قد شادتْ ركائزها **  فسائل ِ الدهرَ اذ كنّا واذ ْ  كانوا

مَـنْ استطالَ مـــع الدنيا لغرّتها ؟  **  وأين حطــّتْ بثقل ِالفكر ِ أديانُ؟

ماذا عليكَ اذا أُخمدتَ فـــــي زمن  *** مَنْ فاتهُ  زمـــنٌ جاءتهُ  أزمانُ

حاشاكَ يا ملتقى الافذاذِ  منعدماً  ***  فللشهامةِ يومَ الضنكِ  فرســـانُ

ليسَ الترابُ ولا الاحجارُ موطننا  *** إنْ القلوبَ ووسعَ الصدر ِ أوطانُ

سنزرعُ الاملَ المنشودَ فــي  بلدٍ  ***   فدجلة ُ الخير ِ عنـدَ القحطِ ملآنُ

اذا خبا الحقُّ يقفو مَـــــنْ يؤججهُ  ****  فقدْ تعــاقبَ  انســـانُ   فإنسانُ

************************

لو كان يدركُ  مَنْ  ساءتْ  سرائرهُ **** إنّ  الحضارة َ ألطـافٌ  وإحسانُ

تسريحُ نفسكَ ظلماً رحتَ  تضمرهُ *****  لا  يرتقـي  شأوه خيرٌ  وإيمانُ

هذي الخلائقُ  أورادٌ  منسـقة  * ****  منْ  كلِّ جنس ٍ عـلى الترباءِ أفنانُ

فالارضُ مزرعة ٌللناس ِتنبتهمْ ***** فالعربُ روضٌ وأهلُ الصـين ِبستانُ

لو أنَّ كلَّ بقاع ِ الارض ِ يمـلؤها *****  خلقٌ تشــابه هــدَّ  الخلقَ  خلقانُ

ما كان نيسانُ تهواهُ القلوبُ شذىً ***** لو أنَّ كلَّ شهور ِالدهــر ِنيسانُ!

إنَّ  التنـــــافرَ  عقبــاهُ  لجاذبــــةٍ  ***** والوصلَ لذتـــهُ  وجدٌ  وهجرانُ

سبحانَ من نوّعَ الانسانَ لهجــــتهُ  *****  وعرقهُ  كـي يقيمَ العدلَ  ميزانُ

سبحانَ من لبّسَ الآنامَ  زخرفــــــة  ****  تـُـمتـِّعُ العينَ  أزيــــاءٌ  وغزلانُ

تسيرُ في جنّةِ  النعمـــــى  وتغفلها *****  فانْ  سُوْحك فـي الاحياءِ  سلوانُ

وسائل ِ العزة َ القعساءَ  مُذ خُلِقتْ *****  أنّـــى يُعــــزُّ  بلا الانسـان ِ  انسانُ

************************

لا يستقيمُ  مدى الايام ِ  إنســـــانُ *****  وجهــــانُ  للنفس سفاحٌ  ورحمان

طوراً  يسبّحُ  للرحمــــان ِ  مغفرة  *****  وتارةً  فيه  تجــــــديفٌ   وبهتـانُ

سل ِ الاولى  من أبي ذرٍ  بربذتــــهِ *****  أو مَــــــنْ تزّهــدَ عمـارٌ  وسلمـانُ

ماذا تحقـّــقَ من شرع ٍ  بذمتــــهم  ******  وأيــن  نكرانـُـهم للذاتِ مُذْ  كانوا

غطـّى عليهمْ  بريــقٌ لبّـــــهُ  صــدأ   *****  تسمو الرجالُ  بأشكال ٍ  وتزدانُ

أضحى البريءُ  لفي جرم ٍ ولاسببٌ *** **  والجـرمُ  يزهو بفخر ٍ وهو عريانُ

حتّـــــى  كهلتُ و أيّامي  تعلّمني   *****   في  كلِّ ألفٍ  من  الآناس ِ إنســـانُ

ان الحــــــكيمَ يرى الدنيا  كعاقبةٍ  *****   ياليتَ  جمعَ الورى في العقل لقمانُ

لقــــــد بلغتَ  الى الانسان  ِ منزلة  *****   لو أنَّ  خصمكَ في  وجهيكَ إنسانُ

***********************************

يا أيها العقلُ  مَنْ  أعطاكَ   مكرمة ؟ً  *****  فالعقلُ  نابٌ  و فكرُ الناس ِ ذيفانُ !

نخشى الكواكبَ منْ  مجهولها  خللٌ  ***** وذرةُ  الارض ِ تدمـــــــيرٌ  ونيرانُ

هذا  الوجـــودُ  لفــي طياتهِ  عـــدمٌ  *****  وفي  الحقائق ِ إثبـــــاتٌ    ونكرانُ

ماذا بقى بعقول ِ الناس ِ يدهشُــها ؟ *****   عشـــرونَ مليونَ  في كفٍّ وإنسانُ!

******************************

اذا  تأملتَ لمحَ  العمـــر ِ يخطفــــهُ  ******  رمسٌ وفيهِ  من  الاضدادِ  ألــــوانُ

ضربٌ  من العجز قبلَ الموتِ  يرهبنا  ******   ولفلفتْ  بعــــــدهُ الترهيبَ  أكفانُ

لــــــمَ  التجبرُ والدنيا  لنا  عِبـــرٌ ؟!  ******  حصيلة ُ العمر ِ  لحـدٌ  فيه  جثمانُ

وإنْ  سموتَ  على الجوزاءِ  مرتبة  *******  سـتقهرُ الرفعة َ العـــــــلياءَ  ديدانُ

أجلُّ  أعمالكَ  الفضلى  وصـــــالحها  ******  نفحٌ  من  الطيبِ :  غفرانٌ  وتحنانُ

ما  أبلغَ  المرءُ    إنساناً  بعاطفــــــةٍ !  *** **  إذا   تهاــــفتَ  للإنســـــان ِ إنسانُ

******************************

حبُّ  الطفولةِ  إيمــــــانٌ   ووجــــدانُ  *****   نبعُ  الوجودِ ،  وللأوطـــان ِ  أركانُ

لا  يعبقُ الوردُ  الا  مِنْ  تنسّـمــــــها  *****  عبـــثٌ  و لهـــــوٌ و للأنفاس ِ  ريحانُ

لا  تشرقُ الشمسُ من علياءِ   دوحتها  ****   الا   كوجهِ صبيٍّ  وهـــــــــــــو جذلانُ

عينُ الطفولةِ  قرّتْ  وهـــــــي  حالمة  *****  لم يبقَ  في الارض ِ تشريدٌ   و حرمانُ

وللحياةِ   ضــروراتٌ   وأعدلـــــــــُها ******  في  حزن ِ عَـمر ٍ  يسرُّ البيتَ   عمرانُ

سبحانَ من  أودع الانسانَ  بدعتـــــهُ  ******  قــَـدْ  ولـّـدَ الفـــردَ  باللــــذاتِ  إنسانُ

*****************************

جمعية ٌ باركَ  اللهُ  الجهـــودَ  بهـــــا  ******   فكلُّ  جُهـــــدِ  لها  فضـــــلٌ  وعرفانُ

أمينـــــة ٌ في  مساعيها   موثقـــــــةٌ  ******   فالشرُّ  متـَّهــــــمٌ  والحـقُّ  سلطـــانُ

جلَّ  الدفاعُ عن  المظلوم ِ  مكرمــــــة  ****** سيفٌ  ـــــعلى الجرم ِ بالحدّين   يقظانُ

نبــــلُ الجهودِ  بـــــــأنْ  نسعى لغايتها ****** حتّــى  يُقالَ الى الانسان ِ (إنســـــــانُ)

الهامش:
1- هذا الخلق خلقان: أي فسد الخلق وبلى, لان التشابه دليل على عدم التجديد, في التنوع تجديد للحياة واستمرار لتطورها.
2- الذيفان: السم القاتل
3- اذا نونت كلمة (عمرو)  تحذف الواو ... عمران: اسم علم وفيه تورية للعمران والبناء واستمرار الحياة

تحليلٌ أدبيٌّ لقصيدةِ الشاعرة أمال رضوان "أيائِلُ مُشبَعةٌ برائحَةِ الهَلَعِ"/ عبد المجيد عامر إطميزة

لا تَبْحَثْ عَنْ زَماني العَتيقِ
في رُكامِ أَعْوامي المَنْسِيَّة
فَأَحلامي باتَتْ تَتأَرحجُ
مِثلَ بَندولِ سَاعةٍ/ مَا بَيْنَ المَوْتِ وَالحَياة
آهٍ .. قَلْبي تَصَدَّأ/  مُثْقَلًا بِحَكايا تَتَصدَّع          
قَلبي ؛ غَصَّهُ الحُزْنُ/ هَدَّهُ امتِهانُ الرُّوح                                                                         
لا تَبْحَثْ عَن ِالنِّسْيانِ/ في خَريِطَةِ أَوْجاعي
بَيْنَ إِحْداثِيّاتِ ضَعْفي/ أَو بَيْنَ فَواصِلِ شِعْري
لا تَنْبشْ أَدراجَ ذاكِرَتي
لا تَحتَ خُطوطِ أَحْزاني/ وَلا فوْقَ مِساحاتِ أَفْراحي
عَبثًا .. أَحْلامي رَحَلَتْ
عَلى أَجْنِحَةِ النُّورِ والظَّلام
هَرَبَتْ/ مِنْ مَداراتِ الرُّعْبِ الدَّامي
وَخرَجَتْ/ مِن ْجاذِبِيةِ كَوْكَبِ اللِّئام 
ذاكِرَتي غَدَتْ مَزْكومَةً
دواةُ اللَّيلِ انسَكَبَتْ/ فَوْقَ خَرائِطي
مَحَتْ كُلَّ مَعالِمي
نَثَرَتْ عَلى جَسَدي/ بُثورَ غُرْبَةٍ وضَبابًا 
مِن آهاتٍ وَأكْفَان
طَعَناتُ مَكائِد/ تَتَوالى ../ تَتَهاوى ..
من يَدٍ مَسْعورَةٍ تَغْرِزُها
حتَّى في أَنويةِ الزُّهور
هِيَ المُفارَقاتُ تَنَثُرني بِلُؤْمٍ
في حَدائقِ الظَّلامِ بِوَخَزاتٍ مُؤْلِمَةٍ
تَمْتَصُّ وَميضي/ بِاحْتِضانٍ مُسْتَحيلٍ
تَفرشُ مَخالِبَ وَصفِها
فَوْقَ/ أَنفاسِ الحَياةِ
وَتَحْتَ/ سَراحِ المَمَات
تَتَصاعَدُ التَّنَهُّداتُ مُشبَعةً لَهبًا
حتَّى النُّخَاع
آهٍ يَا .../ مَلامِحي الوَرْدِيَّةِ جَفَّتْ 
لُسِعْتُ بِسوطِ الخَرير
وَوَشَمُوني بِمَاءِ الفَوضَى
حَتَّى مَفاتيح الأَلَمِ سُرِقتْ مِنِّي
تَركُوني أَتَأَرْجَحُ/ بَين الذَّاكِرَةِ وَالنِّسْيان 
آهٍ .../ لَكَمْ أَخْشى رُؤيةَ أَيائِلي
تَتَناسَلُ / مُهَرْوِلَةً .. مُشبَعةً
بِرائِحَةِ الهَلَعِ وَالارتِجَاف
تَتَراكَضُ/ جافِلَةً .. خائِفَةً
ما بَيْنَ أَدْغالِ المَوْتِ وَشِراكِ الاحتِرَاق
عُيونُ الشَّرِّ/ تَتَربَّصُهم
في كُلِّ اتِّجَاهٍ وَآن
تَسْتَنْفِرُ حَواسَّ الذُّعرِ
تَسْتَثيرُهم ../ تَسْتَفِزُّ مَوْتَهم إلى المَوْتِ
(ديوان بسمة لوزية تتوهج للشاعرة أمال رضوان ص 50-56)
ثانيًا: التّحليلُ الأدبيُّ- جوُّ النّصّ: هذهِ القصيدةُ تتحدّثُ عن الإنسانِ الفلسطينيّ الّذي عاشَ النّكبةَ، وُلِدَ أطفالُهُ، ولا زالوا يَضرسونَ الوَجعَ والنّكبةَ والهُويّةَ التّائهةَ، والعُمرَ المَهزوزَ المَهدورَ بطلقةٍ طائشةٍ، أو مُوجَّهةٍ في ظلِّ الاحتلالِ، وفيها نرى صورةَ الإنسانِ العربيِّ في الشّرقِ، وما يُكابدُهُ مِن حروبٍ تتوالى، تُجرِّدُهُ حقَّهُ في الحياةِ والأمنِ والأمانِ. فالواقعُ الصّعبُ الّذي تَعيشُهُ الكاتبةُ، وما فيهِ مِن ظُلمٍ اجتماعيٍّ، وتَسلُّطٍ سياسيٍّ، يَضغطُ عليها بأحاسيسِها المُرهفةِ، وبمنظارِ شعورِها الرّقيقِ، فتتولّدُ الأفكارُ، وتغتلي العواطفُ، فتَهيجُ عاطفةُ الشّاعرةِ، وتُصوِّرُ لنا مُعاناتَها في ظِلِّ الوقْعِ المُرِّ، ولِتُخفّفَ عن النّفسِ عذاباتِها، تَنطلقُ بهذهِ السّطورِ الشِّعريّةِ.    
الأفكارُ الرئيسة: 1. أحلامُ الشّاعرةِ  تتأرجَحُ ما بينَ موْتٍ وحياةٍ. 
2. واقعُ الخوْفِ، والرُّعبِ، وامتهانُ الكرامةِ، والحزنِ، والتّهميش.
3. مُواجهةُ الشّاعرةِ للمُنغِّصاتِ والعقباتِ الكأداءِ الّتي يُحدِثُها الاحتلالُ، فكلُّ مُصيبةٍ تُذكِّرُها بمصيبةٍ أخرى، وهي عاجزةٌ عن وقفِ سيْلِها، وتُفضفِضُ عن أوجاعِها شِعرًا. 
4. تَنهى الشّاعرةُ صديقَها، بتذكيرهِ بأحزانِها وأحلامِها الّتي أخذتْها الرّياحُ، وعصَفَتْ بها بَلاقعَ، وترَكَتْها خواءً، مِن خلالِ أجواءِ الحربِ والقتلِ والتّهميشِ وسلْبِ الحقوقِ. 
5. المصائبُ وما تَراهُ وما تُحسُّ بهِ مِن مُحتلٍّ، أفقدَتْ ذاكرةَ الشّاعرةِ، فاجتاحَتْها الغربةُ في وطنِها، ولا يُسمَعُ منها إلّا الأنينِ والزّفراتِ الحَرّى.
6. يدُ المُحتَلِّ المَسعورةِ لا تُراعي حتّى براءة الأطفال. 
7. الشّاعرةُ تُحِبُّ وتَعشقُ كلَّ جميلٍ، لكن ما يُحيطُ بها مِن ظلامٍ دامسٍ، أفقدَها حلاوةَ العيْشِ والإحساسِ بالجَمالِ.
8. تُسيطرُ على الشّاعرةِ الزّفراتُ والتّنهُّداتُ والتّوجُّعاتُ، فتُصبحُ حياتُها فوضًى واضطرابًا. 
9. شعورُ الشّاعرةِ بالخوْفِ مِنَ المُستقبِل، والنّاشئةِ في جوٍّ مليءٍ بالحقدِ والخوْفِ والشِّراكِ المُنتصِبةِ في الأدغالِ، وعُيونُ الشّرِّ تَكمُنُ في كلِّ مكانٍ.
العاطفة :  
1. عاطفةُ التّحسُّرِ والأسى والحُزنِ والخوْفِ والهَلعِ مِن واقعٍ مَقيتٍ.  
2. التّفجُّعُ والتّوجُّعُ مِن مُمارساتِ الاحتلالِ.
3. عاطفةُ الشُّعورِ بالغربةِ في الوطنِ. 
4. عاطفةُ الذّهولِ مِن واقعٍ لا يَرحَمُ يُفقِدُ الذّاكرةَ. 
5. الفقدُ وضياعُ الأمَلِ والأحلامِ.
 وتستمدُّ الشّاعرةُ أفكارَها ومعانيها مِن تجربةٍ صادقةٍ، وعاطفةٍ قويّةٍ، فلا ريْبَ في ذلك، فهي مُرهفةُ الأحاسيسِ، تُحِبُّ النُّبلَ، ويَعشقُ قلبُها الرّقّةَ والدّماثةَ، لكنّها تَعيشُ في وضعٍ مأساويٍّ يَسلبُ الرّقّةَ والأحلامَ، يُخيفُ حتّى الأطفالَ، ويَمحو الذّاكرةَ، ويَقتلُ كلَّ جميلٍ في الرّوحِ. 
هيَ تَهرُبُ بقلبِها عن واقعٍ وحياةٍ، سلبَتْها الحقوقَ وأثقلَتْ عليها بالواجباتِ، وتَرى بأمِّ عيْنِها التّفرقةَ والتّمييزَ والتّهميشَ والتّقزيمَ والعبثَ بإنسانيّةِ الإنسانِ، وتَعجزُ عن التّغييرِ، فها هي تُعايشُ الأحداثَ بنفسِها، فانعكسَتْ تلكَ على أحاسيسِها ووجدانِها، وقد غلبتْ على المقطوعةِ نزعةُ الرّفضِ للواقعِ المُرِّ والمُزْري، فارتفعَ صوتُها رافضًا هذا النّسيجَ المَبنيَّ على عدمِ تقديرِ الإنسانِ لإنسانيّتِهِ. 
تهرُبُ أمامَ العجْزِ وعدَمِ التّمكُّنِ مِنَ التّغييرِ إلى خيرِ جليسٍ، تَسطُرُ بقلمِها ما يَحلو لها شِعرًا تُفضفِضُ بهِ، وتُخفّفُ عن ضغوطاتٍ ألمّتْ وتُلِمُّ بعواطفِها وذاتِها وحُبِّها وآمالِها وأمانيها، لكن باعتدالٍ وبعباراتٍ موحِيةٍ، والإيحاءُ أبلغُ في تصويرِ الأحاسيسِ، وما هو مُختزَنٌ في اللّاشعور. 
الخصائصُ الأسلوبيّةُ: أوّلًا: التّصويرُ الفنّيُّ- 1. الاستعاراتُ والصُّورُ الفنّيّةُ: الصّورُ الشّعريّة: لا تَبْحَثْ عَنْ زَماني العَتيقِ/ في رُكامِ أَعْوامي المَنْسِيَّة/ فَأَحلامي باتَتْ تَتأَرحجُ/ مِثلَ بَندولِ سَاعةٍ/ مَا بَيْنَ المَوْتِ/ وَالحَياة: صورةُ الماضي للشّاعرةِ، مُحمّلةٌ سنُوها بأثقالٍ ونسيانٍ وتهميشٍ، وأحلامُها  تتأرجَحُ ما بينَ موْتٍ وحياة، كما بندول السّاعة يتأرجَحُ مرّةً يُمنةً وأخرى يُسرةً. 
آهٍ .. قَلْبي/ تَصَدَّأ مُثْقَلاً/ بِحَكايا تَتَصدَّع: صورةُ قلبِ الشّاعرةِ تصدّأ مِنَ التّهميشِ، كما الحديدِ يُترَكُ فيَعلوهُ الصدأ، وتصدّعَ بفِعلِ القِصصِ المُرعِبةِ الّتي يُخلّفُها الحزنُ، وامتهانِ كرامةِ الإنسانِ مِن مُحتَلٍّ.
قَلبي؛/ غَصَّهُ الحُزْنُ/ هَدَّهُ امتِهانُ الرُّوح/ لا تَبْحَثْ عَن ِالنِّسْيانِ/ في خَريِطَةِ أَوْجاعي/ بَيْنَ إِحْداثِيّاتِ ضَعْفي/ أَو بَيْنَ فَواصِلِ شِعْري: صورةُ الشّاعرةِ تُحاولُ أن تفقدَ خاصّيّةَ النّسيانِ، بفِعلِ المُنغّصاتِ والعَقباتِ الكأداء، فكلُّ مصيبةٍ تُذكِّرُها بمصيبةٍ أخرى، وهي عاجزةٌ عن وقْفِ سيْلِها، فالخصمُ قويٌّ لا يأبَهُ، وتُفضفِضُ عن أوجاعِها شِعرًا.
لا تَنْبشْ أَدراجَ ذاكِرَتي/ لا تَحتَ خُطوطِ أَحْزاني/ وَلا فوْقَ مِساحاتِ أَفْراحي/ عَبثًا ../ أَحْلامي رَحَلَتْ/ عَلى أَجْنِحَةِ النُّورِ والظَّلام/ هَرَبَتْ/ مِنْ مَداراتِ الرُّعْبِ الدَّامي/ 
وَخرَجَتْ/ مِن ْجاذِبِيةِ كَوْكَبِ اللِّئام: صورةُ الشاعرةِ تَنهى صديقَها عن تذكيرِها بأحزانِها وأحلامِها الّتي أخذَتْها الرّياحُ الهوجُ، وعصَفَتْ بها مِن خلالِ أجواءِ الحربِ، والقتلِ، والتّهميش، وسلْبِ الحقوقِ، وتؤكّدُ على ذلك، بأفعالٍ ترادفيّةٍ ثلاثة مُتتالية، فيها مَعنى الفقْدِ والضّياع: (رحلَتْ، هربَتْ، خرَجَتْ).
ذاكِرَتي غَدَتْ مَزْكومَةً/ دواةُ اللَّيلِ انسَكَبَتْ/ فَوْقَ/ خَرائِطي/ مَحَتْ كُلَّ مَعالِمي/ نَثَرَتْ/ عَلى/ جَسَدي/ بُثورَ غُرْبَةٍ وضَبابًا/ مِن آهاتٍ وَأكْفَان/ طَعَناتُ مَكائِد/ تَتَوالى../ تَتَهاوى ../ من يَدٍ مَسْعورَةٍ تَغْرِزُها/ حتَّى في أَنويةِ الزُّهور: 
شبّهَتِ الشّاعرةُ حالَها وقد أُفقِدَتْ ذاكرتُها، فما تراهُ وما تُحِسُّ بهِ مِن همومٍ ومآسٍ- كما الإنسان يُصيبُهُ الزّكامُ، فتنسَدُّ مجاري تنفُّسِهِ– بصورةِ  صفحاتٍ مكتوبةٍ، محاها وغيّرَ معالمَ حروفِها حبرُ المحبرة الّذي انسكَبَ عليها، وانعكسَ ذلكَ سلبًا على الشّاعرة وروحِها، الّتي اجتاحتْها الغربةُ في وطنِها، ولا يُسمَعُ منها إلّا الأنينُ والزّفراتُ الحَرّى.
هِيَ المُفارَقاتُ تَنَثُرني بِلُؤْمٍ/ في حَدائقِ الظَّلامِ بِوَخَزاتٍ مُؤْلِمَةٍ/ تَمْتَصُّ وَميضي/ بِاحْتِضانٍ مُسْتَحيلٍ/ تَفرشُ مَخالِبَ وَصفِها/ فَوْقَ/ أَنفاسِ الحَياةِ/ وَتَحْتَ/ سَراحِ المَمَات: صورةُ الشّاعرةِ وقد توالَتْ عليها أيادٍ مسعورةٌ لا تُراعي حتّى براءة الأطفال.
تَتَصاعَدُ التَّنَهُّداتُ مُشبَعةً لَهبًا/ حتَّى النُّخَاع: صورةُ التّنهّداتِ والتّوجُّعاتِ تسري في مفاصلِ روحِ الشّاعرة، وتلسَعُ جسمَها الغضَّ، وتمحو كلَّ ما هو جميلٌ، وتخلقُ الفوضى والاضطرابَ. 
آهٍ يَا.../ مَلامِحي الوَرْدِيَّةِ جَفَّتْ/ لُسِعْتُ بِسوطِ الخَرير/ وَوَشَمُوني بِمَاءِ الفَوضَى: صورةُ الشّاعرةِ تُحِبُّ وتَعشقُ كلَّ جميلٍ، لكن ما يُحيطُ بها مِن ظلامٍ دامسٍ،  يوخِزُها بوخزاتٍ مؤلِمةٍ، أفقدَها حلاوةَ العيْشِ والإحساسِ بالجَمالِ.        
حَتَّى مَفاتيح الأَلَمِ سُرِقتْ مِنِّي/ تَركُوني أَتَأَرْجَحُ/ بَين الذَّاكِرَةِ وَالنِّسْيان/ آهٍ../ لَكَمْ أَخْشى رُؤيةَ أَيائِلي/ تَتَناسَلُ/ مُهَرْوِلَةً.. مُشبَعةً/ بِرائِحَةِ الهَلَعِ وَالارتِجَاف/ تَتَراكَضُ/ جافِلَةً/.. خائِفَةً/ ما بَيْنَ أَدْغالِ المَوْتِ وَشِراكِ الاحتِرَاق/ عُيونُ الشَّرِّ/ تَتَربَّصُهم/ في كُلِّ اتِّجَاهٍ وَآن/ تَسْتَنْفِرُ حَواسَّ الذُّعرِ/ تَسْتَثيرُهم../ تَسْتَفِزُّ مَوْتَهم إلى المَوْتِ!: صورةُ الشّاعرةِ تخافُ مِنَ المُستقبلِ، وهي النّاشئةُ بصورةِ الغزلانِ، تتكاثرُ في جوٍّ مليءٍ بالحقدِ والخوفِ والشِّراكِ المُنتصِبةِ في الأدغالِ، وعيونُ الشّرِّ تكمُنُ في كلّ مكانٍ.
التّشبيهاتُ: أ. التّشبيهُ التّمثيليُّ: (فَأَحلامي باتَتْ تَتأَرحجُ/ مِثلَ بَندولِ سَاعةٍ/ مَا بَيْنَ المَوْتِ/ وَالحَياة): شبّهَتِ الشّاعرةُ تأرْجُحَ أحلامِها ما بينَ الموْتِ والحياة، بتأرْجُحِ بندولِ السّاعةِ مرّةً يُمنةً ومرّة يُسرةً، تشبيهٌ تمثيليٌّ.
أ. ومِنَ الاستعاراتِ المَكْنِيّةِ ما يلي: (لا تَنْبشْ أَدراجَ ذاكِرَتي/ لا تَحتَ خُطوطِ أَحْزاني/ وَلا فوْقَ مِساحاتِ أَفْراحي): شبّهَتِ الشّاعرةُ الذّاكرةَ بشيءٍ لهُ أدراجٌ، والأحزانُ بشيءٍ لهُ خطوطٌ، والأفراحُ بشيءٍ لهُ مساحاتٌ؛ استعارةٌ مكْنِيّةٌ في كلٍّ.
(أَحْلامي رَحَلَتْ/ عَلى أَجْنِحَةِ النُّورِ والظَّلام/ هَرَبَتْ): شبّهَتِ الشّاعرةُ كُلًّا مِنَ النّور والظّلامِ بطيورٍ تطيرُ ولَها أجنحةٌ.
(مِنْ مَداراتِ الرُّعْبِ الدَّامي): شبّهَتِ الشّاعرةُ الرّعبَ الدّاميَ بكواكبَ لها مداراتٌ. 
(ذاكِرَتي غَدَتْ مَزْكومَةً): شبّهَتِ الشّاعرةُ الذّاكرةَ بإنسانٍ أصابَهُ مرضُ الزّكامِ.
(هِيَ المُفارَقاتُ تَنَثُرني بِلُؤْمٍ(: شبّهَتِ الشّاعرةُ المُفارقاتِ برياحٍ تنثر.
(َلكَمْ أَخْشى رُؤيةَ أَيائِلي/ تَتَناسَلُ): شبّهَتِ الشّاعرةُ تَكاثُرَ الأطفالِ في فلسطينَ بالأيائلِ؛ جَمالًا ورِقّةً.  
(تَسْتَنْفِرُ حَواسَّ الذُّعرِ): شبّهَتِ الشّاعرةُ الذُّعرَ بكائنٍ حيٍّ لهُ حواسّ.
ب. الاستعارةُ التّصريحيّةُ:  
 (فَأَحلامي باتَتْ تَتأَرحجُ ): شبّهَتِ الشّاعرةُ تبَدُّلَ الأحلامِ وتَناقُضَها بالتّأرجُح.
آهٍ.. قَلْبي/ (تَصَدَّأ مُثْقَلًا): شبّهَتِ الشّاعرةُ ما يُحيطُ القلبَ مِن همومٍ بالصّدأ.
(ِبحَكايا تَتَصدَّع): شبّهَتْ فقْدَ الحِكاياتِ الحلوةِ لروْنقِها بالتّصدُّع.         
(أَحْلامي رَحَلَتْ/ عَلى أَجْنِحَةِ النُّورِ والظَّلام/ هَرَبَتْ): شبّهَتْ تبَدُّدَ الأحلامِ وفقْدَها بالرّحيلِ والهُروب.
2. الكنايات: (أيائِلُ مُشبَعةٌ برائحَةِ الهَلَع): كنايةً عمّا يَلحقُ الطّفولةَ البريئةَ في فلسطينَ مِن خوْفٍ وجزَعٍ. 
(آهٍ .. قَلْبي/ تَصَدَّأ مُثْقَلاً/ بِحَكايا تَتَصدَّع): كنايةً عن الأحداثِ الرّهيبةِ الّتي تحصُلُ في هذا المجتمع، وتتناقلُها الألسنُ.
(قَلبي؛/ غَصَّهُ الحُزْنُ/ هَدَّهُ امتِهانُ الرُّوح): كنايةً عن امتهانِ كرامةِ الإنسانِ، وما يلحقُ بهِ مِن أحزانٍ في منطقتِنا.
(في خَريِطَةِ أَوْجاعي): كنايةً عن انتشارِ الهُموم. 
(أَحْلامي رَحَلَتْ/ عَلى أَجْنِحَةِ النُّورِ والظَّلام/ هَرَبَتْ/ مِنْ مَداراتِ الرُّعْبِ الدَّامي/ وَخرَجَتْ/ مِن ْجاذِبِيةِ كَوْكَبِ اللِّئام): كنايةً عن ضياعِ الأحلامِ العذبة، بفِعلِ اللّئامِ. 
(نَثَرَتْ/ عَلى/ جَسَدي/ بُثورَ غُرْبَةٍ وضَبابًا/ مِن آهاتٍ وَأكْفَان): كنايةً عن الغربةِ في الوطنِ.                     
(هِيَ المُفارَقاتُ تَنَثُرني بِلُؤْمٍ/ في حَدائقِ الظَّلامِ بِوَخَزاتٍ مُؤْلِمَةٍ): كنايةً عن تبَدُّلِ الأحلامِ الجَميلةِ، وتحَوُّلِها إلى ضياع. 
(تَتَصاعَدُ التَّنَهُّداتُ مُشبَعةً لَهبًا/ حتَّى النُّخَاع): كنايةً عن شِدّةِ التّوجُّع.
(آهٍ يَا .../ مَلامِحي الوَرْدِيَّةِ جَفَّت/ لُسِعْتُ بِسوطِ الخَرير): كنايةً عن تغيُّرِ الحالِ مِنَ النّقيضِ للنّقيضِ، ومِنَ الجَميلِ للقّبيح.
(لَكَمْ أَخْشى رُؤيةَ أَيائِلي/ تَتَناسَلُ/ مُهَرْوِلَةً.. مُشبَعةً/ بِرائِحَةِ الهَلَعِ وَالارتِجَاف
تَتَراكَضُ/ جافِلَةً.. خائِفَةً/ ما بَيْنَ أَدْغالِ المَوْتِ وَشِراكِ الاحتِرَاق): كنايةً في كلٍّ عن ضياعِ جيلِ الطّفولةِ.
(وَوَشَمُوني بِمَاءِ الفَوضَى): كنايةً عن تبلبُلِ الفِكْر.
(عُيونُ الشَّرِّ/ تَتَربَّصُهم/ في كُلِّ اتِّجَاهٍ وَآن): كنايةً عن انتشارِ الأذى في كلِّ وقتٍ، وفي كلِّ مناحي الحياةِ. 
1. المجاز المرسل: (آهٍ .. قَلْبي): "ذكَرَتِ الجزءَ" القلبَ"، وأرادتِ الكُلَّ "نفسَها أو أبناءَ جنسِها"، مجاز مرسل علاقته الجزئيّة، أو السّببيّة؛ لأنّ القلبَ سببٌ في الحياة. وفي العبارةِ خرْقٌ تركيبيٌّ واختراقٌ بالحذفِ، حيثُ حذفتْ ياء النّداء (آه يا قلبي)، وفيهِ معنى التّوجُّع. 
(من يَدٍ مَسْعورَةٍ تَغْرِزُها): ذكَرَتِ الجُزءَ" اليَدَ"، وأرادتِ الكُلَّ "الشّخصَ المُؤْذِي"، مجاز مرسل علاقته الجزئية. والغرْزُ تعبيرٌ مُوحٍ، حيثُ أنّ الغرْزَ مِن إنسانٍ مسعورٍ، وكأنّهُ جِنٌّ مِن أثَرِ السّعارِ، قد أفقدَها هذا الواقعُ الأليمُ جَمالَ الحياةِ، ولم تعُدْ للحياةِ معنى في ظِلّهِ.  
إنّ كُلًّا مِنَ المَجازِ والعُدولِ والاتّساعِ، قد جاءَ ليُشيرَ إلى أهمّيّةِ الاستخدامِ الفنّيِّ البليغِ في العملِ الأدبيِّ؛ لتحقيقِ الأثرِ الجَماليّ، لأنّ: "أهَمّ العناصرِ الخاصّةِ بالقوْلِ الجَماليّ هو أنْ يَكسِرَ نظامَ الإمكاناتِ الّلغويّة، الّذي يَهدِفُ إلى نقلِ المعاني العاديّة"(1). والخروج إلى معانٍ ودلالاتٍ أخرى. 
المبدعُ عندما يُبدِعُ أدبَهُ، يكونُ بذلكَ "قد خطا الخطوةَ الأولى نحوَ المَجاز، أي خروج الّلغةِ عن حقيقتِها، كما يقولُ علماؤُنا العربُ، أو عندما يعدلُ المُبدعُ عدولًا قويًّا في الّلغةِ، بحيثُ يَدخلُ المُبدَعَ الأوّلَ (بفتح الدّال)، في مُبدَعٍ آخَرَ (بفتح الدّال أيضًا)، مِن أجلِ إحداثِ بُنيةٍ نسيجيّةٍ إبداعيّة".(2). هذا العدولُ أو الاتّساعُ أو الخروجُ، عبّرَ عنهُ المُحدِثونَ بمصطلحاتٍ مُتعدّدةٍ وإن اختلفَت، إلّا أنّها لا تَخرُجُ في مفهومِها العامّ عمّا حدّدَهُ علماءُ العربيّةِ، ويُمكنُ أن تكونَ معادلةً لمفهومِ "الاتّساع" أو "التّوسّع"، لأنّ الاتّساعَ "يتمخّضُ للدّلالةِ على كلّ مظاهرِ الخروجِ والعدول، في نطاقِ الجُملةِ عن ذلكَ الأصلِ، ويُصبحُ في النّظريّةِ الّلغويّةِ مُؤشِّرُ الصّراعِ بينَ إرادةِ القانونِ وحاجاتِ الفردِ إلى التّعبيرِ"(3). 
  ثانيًا: التّعبيرُ (الّلغةُ والأساليبُ)- الّلغةُ لا تَحملُ أيّةَ صفةٍ قبلَ تناولِها في العملِ الأدبيّ، لأنّ "الّلغةَ تُؤسِّسُ علاقةً خاصّةً أخرى بنظامِ الّلغةِ، باستخدامِ عناصر لغويّةٍ لبناءِ أنظمةٍ جديدةٍ خاصّةٍ بها"(4). الإبداعُ الفنّيُّ يقومُ على تأسيسِ الشيءِ عن الشيء، أي تأليفِ شيءٍ جديدٍ مِن عناصرَ موجودةٍ سابقًا(5). تتمثّلُ بالنّظامِ الّلغويّ الّذي يَنطلِقُ منهُ المُبدِعُ، "ليرتفِعَ بالّلغةِ عن عموميّتِها، ويتحوّلَ بها إلى صوتٍ شخصيٍّ"(6). 
1.الألفاظ والتراكيب: أ. العنوان: أيائِلُ مُشبَعةٌ برائحَةِ الهَلَع: والأيَّلُ (بفتح الهمزة) والأُيَّلُ (بضمّ الهمزة): من الوحش، وقيل هو الوعل؛ قال الفارسي: سُمّيَ بذلك، لمَآلِهِ إلى الجبلِ يتحصّنُ فيهِ؛ قالَ ابنُ سيّده: فإيَّلُ وأُيَّلُ على هذا فَعيل وفعيل، وحكى الطوسيّ عن ابن الأعرابيّ: أيَّلٌ كسيِّدٍ مِن تذكرةِ أبي عليّ. الّليث: الأيّلُ الذّكر من الأوعال، والجمْعُ الأيايل؛ وأنشد: كأنّ في أذنابهِنّ الشّول/ من عبس الصّيفِ قرونُ الأيّل. 
وقيلَ: فيهِ ثلاثُ لغاتٍ: إيل وأيل وأيل على مثال فعل، والوجه الكسر، والأنثى إيلة، وهو الأروى(7). 
و(أيائل) جمْعٌ، وتحوّلتِ الياء الثّانية إلى همزة، وهذا جائزٌ في كلِّ الّلغاتِ، ويُعرَفُ في عِلمِ الّلغةِ والّلسانيّاتِ بالمخالفة (Dissimilation)، وأيائلُ هنا كنايةً عن النّشْءِ وميلادِ الأطفالِ الفلسطينيّينَ، فيهم جَمالُ الخَلْقِ والخلة، تُزيّنُهُمُ البراءةُ الّتي سرعانَ ما تتحوّلُ أحلامُهُمُ الجَميلةُ إلى خوفٍ كاملٍ مُتشبِّعٍ، كما تتشبّعُ قطعةُ القماشِ بالماءِ. والهلعُ: شدّةُ الحزنِ والخوفِ (هلَعَ: الهَلَعُ: الحِرصُ. وقيلَ: الجَزَعُ وقِلّةُ الصّبرِ. وقيلَ: هو أسوأُ الجَزَعِ وأفحَشُهُ، ... قالَ الشّاعرُ: ولي قلبٌ سَقيمٌ ليسَ يَصحو = ونفسٌ ما تَفيقُ مِنَ الهلاع(8). 
فيُصبحُ المَعنى: أطفالُنا يُحيطُ بهِم أشدُّ أنواعِ الجَزَعِ وأفحَشِهِ، وأيائلُ: خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ. مُشبعةٌ: نعتٌ مرفوعٌ، برائحةِ: شِبهِ جُملةٍ، الهَلعِ: مضاف إليه. 
وفي العنوانِ حذْفٌ، وهو انحرافٌ وتحويلٌ واتّساعٌ وخرْقٌ في النّحوِ. و"أيُّ تَغيُّرٍ في النّظامِ التّركيبيِّ للجُملةِ، يترتّبُ عليهِ بالضّرورةِ تَغيُّرٌّ في الدّلالةِ.(9).
ب‌. استخدَمَتِ الشّاعرةُ في نصِّها لغةً سهلةً موحِيةً تُخاطِبُ عقولَ النّاسِ، وقد جاءتْ ألفاظُ مُعجمِها الشِّعريِّ مُناسِبةً، ومَعانيها مُطابِقةً للأفكارِ، ولقدِ اختارتْ ألفاظَها وكلماتِها مِن مُعجمٍ يوحي بالأسى والخوْفِ والحُزنِ، في نحو: أَعْوامي المَنْسِيَّة، المَوْتِ، آهٍ، تَصَدَّأ، تَتَصدَّع، غَصَّهُ الحُزْنُ، هَدَّهُ، امتِهانُ الرُّوح، ِالنِّسْيانِ، أَوْجاعي، ضَعْفي، خُطوطِ أَحْزاني، أَحْلامي رَحَلَتْ، الظلام، هَرَبَتْ، الرُّعْبِ الدَّامي، وكَوكبِ اللِّئام، مَزْكومَةً، دواةُ اللَّيلِ، مَحَتْ كُلَّ مَعالِمي، بُثورَ غُرْبَةٍ، وضَبابًا، آهاتٍ وَأكْفَان، طَعَناتُ مَكائِد، يَدٍ مَسْعورَةٍ، تَنَثُرني بِلُؤْمٍ، حَدائقِ الظَّلامِ، بوَخَزاتٍ مُؤْلِمَةٍ، مَخالِبَ، فَوْقَ أَنفاسِ الحَياةِ، سَراحِ المَمَات، التَّنَهُّداتُ، لَهبًا، آهٍ، جَفَّتْ، لُسِعْتُ بِسوطِ، مَاءِ الفَوضَى، مَفاتيح الأَلَمِ، سُرِقتْ مِنِّي، َالنِّسْيان، أخْشى رُؤيةَ أَيائِلي، مُهَرْوِلَة،ً مُشبَعةً بِرائِحَةِ الهَلَع وَالارتِجَاف، جافِلَة،ً خائِفَةً، أدْغالِ المَوْتِ، شِراكِ الاحتِراق، عُيونُ الشَّرِّ، تَسْتَنْفِرُ حَواسَّ الذُّعرِ، تَسْتَفِزُّ مَوْتَهم إلى المَوْتِ! 
و(إذا كانتِ الّلغةُ نظامًا عامًّا مفروضةً على المُتكلّم، فإنّ الكلامَ هو الاستعمالُ الخاصُّ لها. (10). 
لم يكتفِ النُّحاةُ حينما تكلّموا عن الّلغةِ بقوْلِهم: إنّ الّلغةَ وضْعٌ، بل أضافوا إليها-تأكيدًا- قولُهم: "وضْعٌ واستعمالٌ"، لأنّ "الّلغةَ عندما تنتظمُ في النّصّ الأدبيّ، تكتسبُ حياةً جديدةً، أكثرَ حيويّةً وعُمقًا ممّا هي عليهِ خارجَ النّصّ الأدبيّ"(11).
ج. ولقدْ‌ جاءتْ تراكيبُها متناغِمةً بعضُها معَ بعضٍ، رقيقةً متينةً، موحِيةً فيها مِنَ الرّمزِ الجُزئيّ تعبيرًا عن رفضِها للواقعِ، فاستخدَمَتْ أسلوبَ "الاتّساع"، وهو واحدٌ مِنَ الأساليبِ التّحويليّةِ الّتي تطرأ على العباراتِ والتّراكيبِ النّحويّةِ، وقد أوضحناهُ آنفًا.
د. وقدِ اتّكأتِ الشّاعرةُ على مُفرداتِ الفِعل المضارع، لِما فيها مِن استمراريّةٍ، استمراريّةِ المأساةِ والحزنِ والأسى، ويوحي باستمراريّةِ الحدَثِ، وبرغبةِ الشّاعرةِ المُلِحّةِ في تَجاوُزِ المأساةِ، وفيهِ تأكيدٌ على موقفِها مِن رَفضِها للظُّلمِ والواقعِ المُرّ غيرِ القادرةِ على تغييرِهِ، فتَهرُبُ منهُ بشِعرِها ونبضاتِ أحاسيسِها، كما في مثل: لا تبحثْ (مُكرَّرة)، تتأرجَحُ، تَتَصدَّع، لا تَبْحَثْ، لا تَنْبشْ، تَتَوالى، تَتَهاوى، تَغْرِزُه، تَنَثُرني، تَمْتَصُّ، تَفرشُ، تَصاعدُ، أَتَأَرْجَحُ، أَخْشى، تَتَناسَلُ، تَتَراكَضُ، تَتَربَّصُهم، تستنفرُ، تَسْتَثيرُهُم، تَسْتَفِزُّ. 
واستخدَمَتِ الفِعلَ الماضي؛ ليُفيدَ السّردَ القصصيّ، في نحو:  باتَتْ، تَصَدَّأ، رَحَلَتْ، هَرَبَتْ، خرَجَتْ، غَدَتْ، انسَكَبَتْ، مَحَتْ، نَثَرَتْ، جَفَّتْ، لُسِعْتُ، وَشَمُوني، سُرِقتْ، تَركُوني. 
ه. استخدَمَتِ الشّاعرةُ تارةً الألفاظَ في معانيها الحقيقيّة، لتوضيح أفكارِها ونقْلِ المعاني لمُستمِعيها؛ وهي ألفاظٌ سهلةٌ جميلةٌ تُناسبُ الغرَضَ الأدبيّ، ويَظهرُ ذلكَ في وصْفِها لمشاعِرِها، وخوْفِها مِن واقعٍ مريرٍ، وهروبِها إلى الشِّعرِ واليّراعِ، وتارةً أخرى كانتْ تلجأ للرّمزِ، كما في قوْلِها: "آهٍ/ لَكَمْ أَخْشى رُؤيةَ أَيائِلي/ تَتَناسَلُ/ مُهَرْوِلَةً .. مُشبَعةً/ بِرائِحَةِ الهَلَعِ وَالارتِجَاف/ تَتَراكَضُ/ جافِلَةً.. خائِفَةً/ ما بَيْنَ أَدْغالِ المَوْتِ وَشِراكِ الاحتِرَاق": فابتعَدَتْ عن المباشرة، فلجأتْ إلى الرّمزِ حينًا، وإلى الإبهامِ والغموضِ تارةً أخرى. 
(آهٍ يَا .../ مَلامِحي الوَرْدِيَّةِ جَفَّتْ/ لُسِعْتُ بِسوطِ الخَرير/ وَوَشَمُوني بِمَاءِ الفَوضى): فالدّلالاتُ الّلغويّةُ تكونُ أحيانًا قاصرةً عن نقلِ حالاتِ النّفسِ بكلِّ ثرائِها وعُمقِها، فهي تتعمّدُ بإلقاءِ بعضِ الظّلالِ على مَعانيها، وتَغليفِها بغلالةٍ رقيقةٍ تُجنّبُها خطرَ الابتذالِ.
و. نَلحظُ في النّصِّ عنصرَ الجُنوحِ إلى التّركيزِ والتّكثيفِ والتّجافي عن الشّرحِ والتّحليلِ، وهي سِمةٌ تنشأُ عن تطوُّرِ وظيفةِ الصّورةِ مِنَ التّقريرِ إلى الإيحاءِ، وهذا هو سِرُّ الإبهامِ والغموضِ أحيانًا. واتّسمَتِ القصيدةُ بمجموعةٍ مِنَ الخصائصِ الفنّيّةِ الّتي امتازَ بها الشِّعرُ الرّمزيُّ والشِّعرُ الحُرُّ، وأهمُّها الوِحدةُ العُضويّةُ والوحدةُ الموضوعيّةُ. "وقد أدّى اختلافُ طبيعةِ الشّعرِ الجَديدِ عن طبيعةِ الشِّعرِ القديمِ، مِن حيثُ بناؤُهُ ونظامُهُ القائمُ على العلاقاتِ المُتعدّدةِ بينَ عناصرِهِ، على تعدُّدِ دلالاتِهِ، فلم يَعُدْ يُفهَمُ، وإنّما أصبحَ غامضًا. 
ويذهبُ عزّ الدّين إسماعيل، إلى أنّ القصيدةَ الحديثةَ غامضةٌ على مستوى رؤيا الشاعرِ ولغتِهِ المستعمَلةِ، "لأنَّه ما دامت الرّؤيا مغايرةً لِما هو مألوفٌ، وكانتِ الّلغةُ المُستخدَمةُ خاضعةً لطبيعةِ هذهِ الرّؤيا، فإنّهُ مِنَ الطّبيعي أن يُغلّفَ القصيدةَ إطارٌ مِنَ العتمةِ، ويَجعلَ الولوجَ إلى عالمِها شاقًّا" (12).
لقد حاولَ رُوّادُ الشِّعرِ العربيِّ الحُرِّ تحديدَ طبيعةِ القصيدةِ، مِن خلالِ جُملةِ مُصطلحاتٍ، أهمُّها (الوحدةُ العضويّةُ)، و(النّموُّ)، و(التّكاملُ)، و(التّلاقي الأضداد). والوحدةُ مرتبطةٌ بالنّموِّ والتّكاملِ. التّكاملُ يَعني حاجةَ العنصرِ إلى غيرِهِ حتّى يَحدثُ النّموّ، فالنّموُّ متكامِلٌ، والتّكاملُ يُحقّقُ الوِحدة، وهذهِ المُصطلحاتُ عامّةً، لأنّها لا تُحدِّدُ لنا كيفَ يَحدثُ هذا التّكاملُ مثلًا في القصيدةِ، فالتّكاملُ يَعني حاجةَ عنصرٍ إلى آخرَ، وتَفاوُتَ أهمّيّةِ العناصرِ في النّصّ. 
فتنيانوف يرى أنّ العلاقةَ بينَ العناصرِ تقومُ على عدمِ التّكافؤِ الّذي يَخلقُ التّعاونَ والتّكاملَ. "إنّ عناصرَهُ (أي العمل الأدبيّ) ليستْ مُرتبطةً فيما بينها بعلاقةِ تساوٍ أو إضافةٍ، بل بعلاقةِ التّلازُمِ والتّكامُلِ الدّيناميكي"(13). 
ويرى ياكبسون أنّ العلاقةَ في النّصِّ الأدبيّ إنَّما تقومُ بينَ عناصرَ مُهيْمِنةٍ وأخرى خاضعةٍ، وأنّ المُهيمِنَ هو الّذي يُحقّقُ للعملِ نظامَهُ، "بوصْفِهِ ذلكَ المُكَوِّنَ المِحوريّ في العملِ الفنّيّ: ذلكَ أنّهُ يتحكّمُ في المُكوّناتِ الباقيةِ، ويبتُّ فيها ويُغيّرُها. إنّهُ المُسيطِرُ الّذي يأخذُ على عاتقِهِ كمالَ البُنية"(14).  
ز. وإذا قرأنا النّصّ قراءةً مُتأنّيةً، فإنّنا سنجدُ الخطابَ الشِّعريَّ فيهِ يتمركزُ حولَ شخصيّةِ الشّاعرة، ولكنّ تلكَ الشّخصيّةَ لا تبدو نفسًا أو ذاتًا أو فردًا منغلقةً على نفسِها، فالشّاعرةُ تَعتبرُ نفسَها امتدادًا متواصِلًا في التّاريخِ الجَماعيِّ، لشعبٍ عريقٍ مُتجَذّرٍ مُنتَمٍ إلى الأمّةِ العربيّة، ألا وهو الشّعبُ الفلسطينيّ، فالخِطابُ بصيغةِ المُتكلّمِ في النّصّ يُصبحُ دالًّا على الأمّةِ، فتتّحِدُ ذاتُ الشّاعرِ معَ روحِ الجَماعةِ، فالأنا لمْ تَعُدْ تعني في النّصّ أنا الشّاعر، بل أصبحَتْ (أنا) الشّعبَ والأمّة.  
ح. استخدَمَتِ الشّاعرةُ (الهَلع)، وقد كرّرتْها بدلَ (الخوف) فهو أدقّ؛ لأنّ (الهَلعَ) هو أسوأُ الجَزعِ وأفحَشُهُ، وفيهِ معنى الّلؤمِ والتّوسُّعِ في الأذى؛ بينما (الخوف) أقلُّ درجاتٍ مِنَ الهَلعِ، ومعَ (الهَلع) شموليّةٌ في الأذى ومُبالغةٌ. 
2. الأساليبُ الخبَريّةُ والإنشائيّةُ: أ. راوحَتِ الشّاعرةُ بينَ استعمالِ الأساليبِ الخبَريّةِ والإنشائيّةِ؛ فاستهلّتْ قصيدتَها بأسلوبٍ إنشائيٍّ: (لا تَبْحَثْ عَنْ زَماني العَتيقِ). ثمّ انتقلتْ في المقطعِ الثّاني إلى الأسلوبِ الخبَريّ، وهدفُها البوْحُ عن مخزونِ مشاعرِها الّتي أُحبِطَتْ جرّاءَ ما تُعانيهِ، واستخدَمَتِ الأسلوبَ الخبَريَّ؛ ليُناسِبَ الغرضَ، فاستخدَمَتْهُ؛ لتُجَسِّدَ مدى تقديرِها لمشاعرِها وأحاسيسِها، ولتأكيدِ ذاتِها بارتباطِها بوطنِها وأُمّتِها، وبحُبِّها لهُ في عالمٍ طغتْ عليهِ المادّيّاتُ، واستشرَتْ أمراضُها وما يَنتجُ عنها. 
ومِنَ الأساليبِ الإنشائيّةِ: النّهي، كما في نحو: (لا تَبْحَثْ عَنْ زَماني العَتيقِ)، و(لا تَبْحَثْ عَن ِالنِّسْيانِ)، و(لا تَنْبشْ أَدراجَ ذاكِرَتي/ لا تَحتَ خُطوطِ أَحْزاني/ وَلا فوْقَ مِساحاتِ أَفْراحي): وكلُّها تُفيدُ الالتماسَ؛ مِن أجلِ خلْقِ جوٍّ يُوحي بالحياةِ والحرَكةِ.
ب. استخدَمَتِ الشّاعرةُ أسلوبَ المُتكلّم؛ لتأكيدِ الذّاتِ، والذّاتُ المخاطَبةُ تحاولُ الفرارَ مِن واقعِها الأليمِ، لتشكيلِ عالَمِها الخاصّ، وضميرُ الأنا يَستشعِرُ هوْلَ المأساةِ، ومرارةَ الواقعِ المُهينِ والمُزري، وتُدركُ أنّها تنتمي إلى زمنٍ رديءٍ مُرٍّ مُهين. 
ج. استخدَمَتْ أسلوبَ الإيجازِ بالحذفِ، فقالت: كما في عنوانِ المقطوعةِ "وكما في نحو: "آهٍ .. قَلْبي" وتقديره: "آهٍ  يا  قَلْبي"، فحَذفتْ حرفَ النّداء.
3.المُحسِّناتُ البديعيَّة- أ. الطباق: 
كما في مثل: (فَوْقَ / أَنفاسِ الحَياةِ/ وَتَحْتَ / سَراحِ المَمَات  :فطابقتْ بينَ كلٍّ مِن: "فوق" وَ "تحت". 
وفي مثل: (مَا بَيْنَ المَوْتِ/ وَالحَياة) :فطابقَتْ بينَ كلٍّ مِن: "الموتِ" وَ "الحياة". 
وفي نحو: (لا تَحتَ خُطوطِ أَحْزاني/ وَلا فوْقَ مِساحاتِ أَفْراحي): فطابقَتْ بينَ كلٍّ مِن "لا تحتَ" وبينَ "لا فوقَ". 
وكما في مِثل: (عَلى أَجْنِحَةِ النُّورِ والظَّلام): فطابقتْ بينَ كلٍّ من "النّورِ وَ "الظّلام". 
(حَتَّى مَفاتيحَ الأَلَمِ سُرِقتْ مِنِّي/ تَركُوني أَتَأَرْجَحُ/ بَينَ الذّاكِرَةِ وَالنِّسْيان): كما طابقَتْ بينَ كلٍّ مِنَ "الذّاكرة" وَ "النّسيان".
أ‌. الإطنابُ: كما في مثل: (أَحْلامي رَحَلَتْ/ عَلى أَجْنِحَةِ النُّورِ والظَّلام/ هَرَبَتْ/ مِنْ مَداراتِ الرُّعْبِ الدَّامي/ وَخرَجَتْ): والإطنابُ في كلٍّ مِن: "رحلَتْ" وَ "هرَبَتْ" وَ "خرَجَتْ".
ثالثًا– الوزنُ والموسيقى- نظَمَتِ الشّاعرةُ مقطوعتَها على نمَطِ قصيدةِ الشِّعرِ النّثريّ، واستغْنتْ عن الموسيقى الخارجيّةِ بالإيقاعِ الدّاخليّ، الّذي يسري في عروقِها مِن استخدامِها للمساواةِ بينَ الجُمَلِ، كما في نحو: (تَتَوالى.. .. تَتَهاوى ..) 
 والمقاربةُ بينَ الأصواتِ، والتّكرارُ في نحو: (لا تَحتَ خُطوطِ أَحْزاني/ وَلا فوْقَ مِساحاتِ أَفْراحي)؛ فقد تخلّصَتْ مِنَ الرّتابةِ في القافيةِ المُوَحَّدةِ، وتَمكّنَتِ الشّاعرةُ بهذا في الانطلاقِ برحابةٍ أوسعَ في قاموسِها الشِّعريّ؛ لتُحَمِّلَهُ المَضامينَ الكبيرةَ، وجاءتْ سطورُ القصيدةِ حسبَ التّدفُّقِ العاطفيِّ للشّاعرةِ، ممّا ساهمَ في المحافظةِ على الوحدةِ العضويّةِ والموضوعيّةِ في النّصّ. 
رابعًا- شخصيّةُ الشّاعرةِ: اتّسمَتِ المَعاني والأفكارُ والصُّوَرُ الفنّيّةُ الّتي اتّكأتْ عليها الشّاعرةُ بالبساطةِ والرّقّةِ والعذوبةِ، لكنّها عميقةٌ في مَعانيها، واسعةٌ في مدلولاتِها. ولجأتِ الشّاعرةُ فيها إلى الغموضِ حينًا، كيْلا تبتذلَ كلماتِها؛ مُستعينةً بالألفاظِ والتّراكيبِ المُوحِيةِ؛ لأنّ وقْعَها على النّفسِ أبلغُ، إذ تبدو الشّاعرةُ مِن خلالِها جيّاشةَ المَشاعرِ، رقيقةَ العاطفةِ، مُرهفةَ الإحساسِ، مُحِبّةً لأُمّتِها ولوطنِها، رافضةً للذُّلِّ والمَذلّةِ. والمَنظومةُ في مُجملِها صورةٌ ناطقةٌ ومُعبِّرةٌ عن شخصيّةِ صاحبتِها، ميّالةٌ للتّجديدِ والابتكارِ في صنعةِ الشِّعرِ المنثورِ، مِن حيثُ التّعبير والتّصوير.  
الهوامش 
 1. النّظريّةُ البنائيّةُ في النّقد الأدبيّ/ صلاح فضل: 375، دار الشؤون الثقافيّة العامّة، بغداد ، ط3، 1980م.  
2. علم تحليل الخطاب وموقع الجنس الأدبيّ/ مازن الوعر، آفاق الثقافة والتّراث، ع14، 1996: 16 . 
3. التفكير البلاغيّ عند العرب - أسسه وتطوّره إلى القرن السادس ص 103، حمادي صمو، منشورات الجامعة التونسيّة - المطبعة الرسميّة - 1981 
4. الّلغة والأسلوب والموقف/ جورج و. تيرنر، ترجمة: كاظم سعد الدّين، الثقافة الأجنبيّة، ع3، 1998 : 8 . 
5. المعجم الفلسفي /جميل صليبا: 31، دار الكتاب اللبناني، ط1، 1971م.
6. لغة الشعر الحديث في العراق بين مطلع القرن العشرين والحرب العالميّة عدنان حسين العوادي، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1985م . 
7. لسان العرب، ابن منظور ص274 ج1، دار الحديث، القاهرة، 2002  
8. المصدر نفسه ج9 ص 116 
9. البلاغة والأسلوبيّة، محمّد عبد الطلب، ص 391 
10. voir Andre Martinet.Element de Linguistique generale.p20.Armand Colin.1999/10 
11. وظيفة اللغة في الخطاب الروائيّ الواقعيّ عند نجيب محفوظ، عثمان بدري، موفم للنشر، الجزائر، 2000، ص 14
12. مفهوم الشعر في كتابات الشعراء المعاصرين: عز الدين إسماعيل/ فصول مج 1 ع 4 1981 ( ص 56 )
13. نظريّة المنهج الشكلانيّ: تزفتان تودوروف ـ تر : إبراهيم الخطيب ـ الشركة المغربية للناشرين المتحدين ـ مؤسسة الأبحاث العربية (ط 1 ـ 1982 ) ( ص 59 )  
14. نظرية الأدب في القرن العشرين: ك.م  نيوتن  ترجمة عيسى العاكوب  عين الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية  مصر، ط1  ( ص 34 ) 
من كتاب (أعماق القول)- قراءة تحليلية في شعر آمال عوّاد رضوان/ الناقد عبد المجيد عامر إطميزة

دراسة نقديَّة لديوان "اسمكَ تهليلة زمرد" ولديوان "شمس حضورك أسطورة" للشاعرة شوقيه عروق منصور/ حاتم جوعيه

 
مقدمة :  الشاعرة ُ والأديبة ُ والصََّحَفيَّة " شوقيَّة عروق  منصور " من المبدعاتِ  المتميزاتِ  فنيًّا ،حققت  انتشارًا واسعا  لمساهماتِهَا النثريَّة والشعريَّة  ومثابرتها على الكتابةِ  الناقدةِ  والجادَّة . ولها أسلوبٌ  مميَّزٌ وجديد  فالكثيراتُ من الكاتباتِ المحليَّاتِ تأثرنَ  بهِ، وخاصَّة في  تقاريرها ولقاءاتها الصحفيَّة... وهي أوَّلُ  صحفيَّةٍ  وإعلاميَّةٍ محليَّة  ( داخل  الخط  الأخضر تجري  لقاءات  صحفيَّة  مع  كتابٍ وشعراءٍ  وفنانين ومطربين من الدول العربيَّة .. وكنت أنا  ثاني شخص بعدها )  .      
مدخل :   ديوانها " تهليلة زُمُرُّد " من  إصدار دائرة الثقافةِ العربيَّة ، يقع  في  98
صفحة  من  الحجم  الوسط ، تحليه  وتزينهُ  بعضُ  الرسومات  واللوحات  الداخليَّة ، وقصائدهُ  تتمحورُ  في  المواضيع : الغزليَّة  والوجدانيَّة ، الإجتماعيَّة  والإنسانيَّة  .  ...  ويبدو  واضحا  فيه  أسلوبُ  التجديدِ  والإبتكار والعُمق  في المعاني  والتفنن  في  اختيار المفردات والعبارات الشعريَّة  المموسقة ... فيتألق وينسابُ  الجرس الموسيقي رغم  أنها  تكتبُ  على النمطِ  الحديث  ( الشعر الحر )    .                                وشاعرتنا وأديبتنا " شوقيَّة عروق " إستطاعت أن تجتازَ العراقيلَ  والحواجزَ وتحلِّقَ  في  سماءِ  المجدِ  والإبداع  والشُّهرة ، في  شتى  الميادين  والألوان الكتابيَّةِ  والأدب .. فما أجملَ قولها في دفاعِها عن المرأة  وكيانها وكرامتِهَا ، حيثُ تقول :
( "   أتبتغي أن أكون امرأة ً أخرى    // 
   تسافرُ  في الجسَد  وتترك  الورق  //
   مهما   قلت ...  أنا   لهفة ُ  الحبر ... // 
   وخطوط  ُ الحلم  إلى   الأبَدْ ...   "    )  .  
       وتقولُ في قصيدة أخرى :  
( " ... لا أتنازل عن  موقفي / بكَ  ألتقط ُ خيط  النقاش // 
    وألفهُ     بهدوءٍ  //    فوقَ  بَكرةِ  خيطان  كبريائي    //  " ) .     

     نجدُ  هنا  تعبيرات وتشبيهات جديدة مستحدثة لم  يستعملها  شاعرٌ  قبلها ،  مثل : خيط النقاش، بكرة خيطان لكبريائي، لهفة الحبر ..وهكذا  يفعلُ دائما الشَّاعر والأديب  المبدع ، فلا  يكتفي  بالقوالب  البلاغيَّةِ  الجاهزة  والصور المألوفة والمستهلكة  التي عفى على  بعضها  الزمنُ  وأكلَ  الدهرُ عليها  وشرب ، مثل : الناقة والجمل والظبي   والبيد والأطلال واستسقاء الغمام  أو المطر .. إلخ ،  بل يكون لديهِ  قاموس جديد من المفردات البلاغيَّة الجديدة المبتكرة، ويعملُ على تطوير اللغة والأدب ، وعلى تطوير الأدوات الشعريَّة  لتتلاءَمَ مع  مقتضيات وظروف العصرالحالي، كما  تفعل  بالضبط الشاعرة  شوقيَّة  عروق   .   ولو راجعنا  دواوينها  وكتاباتها  جميعا  بعمق  وبرويَّة لوجدناها حافلة زاخرة ً بالمعاني الجديدة  وبالرموز الإبداعيَّة الجميلة المستحدثة التي لا تخطرُ على بال  أيِّ  قارىءٍ  أو  أديب  أو ناقد . والتي  تزخرُ  أعمالها الإبداعيَّة ، بالمعاني الجديدة ، وبالرموز الإبداعيَّة  الجميلة المستحدثة ، التي لا تخطرُ على  بال أيُّ قارىءٍ أو ناقد . 
      في  قصائدِها الغزليَّةِ نراها شفافة  في منتهى العذوبةِ والرِّقة ، إضافة إلى العمق  المعنوي والبعد الفلسفي والإنساني فيها ، وأحيانا ، في بعض قصائِدِها ، تكونُ قريبة ً إلى أسلوب " نزار قبَّاني " شاعر المرأة الأول في العالم  العربي .  تقول مثلا : 
( " حُبُّكَ   مرشدٌ   سياحي   /     يَدُلنِي  ...   يُوَجِّهُني  // 
     يفتحُ  خزائنَ   عمري    /  ويعلقُ سنواتي في متاحف  أصابعكَ   //  " ) .  
       هنا نشعرُ ونحسُّ بروح ونفس  وعالم  نزار قبَّاني . 
     وأما في قصيدتها   " أنت "  فتقول :   
( "   أنتَ وحدكَ  كلُّ  الرجال ..  أنتَ وحدكَ العنوان   
       والموعدُ  الذي  أنتظرُهُ   منذ  مولدي "   )  .  
    في هذه القصيدةِ  نجدُ أسلوبا جديدا وشخصيَّة متميِّزة مستقلَّة  في  توجهها وخيالها وعالمها الأدبي وفي  لوحاتِها  وصورها الفنيَّة الخاصَّة  .  
    وما أجمل قولها في هذه   المقطوعةٍ بعنوان : " إعذار " ،  تقول :                                                    ( "  بينَ   الدَّهشةِ   والشَّهقةِ  //    يَتبدَّدُ  غضبي ، تثيرُ  رغبتي //  
     عندما   تناولني  الهديَّة    //  التي  لففتها   بأوراق  اعتذاركَ ... " ) .    
      تمتازُ  معظمُ قصائد  شوقية عروق  بقصرها  وكثافتها  المعنويَّة والفنيَّة  ( شعر البطاقة ) ، فهي تحاولُ  أن تعطينا المختصر المفيد  فتوجزُ  قدر الإمكان  .  والجديرُ بالذكر انَّ شاعرتنا درست موضوعَ  الفلسفة  واللاهوت ( فلسفة الديانات)  وحاصلة ٌ على شهادةِ  البكالوريوس ( b.a ) في هذا الموضوع . ونجدها في الكثير من كتاباتِها الأخيرة متأثرة  بالكتبِ المقدسةِ  ( العهد القديم والجديد  ) . 
   تقلُ مثلا في  إحدى  قصائدها :  
( " في    البدء     كنتَ     أنتَ  //   
     صحوة  النسيان الذي أخذ َ يهطل  //
     من    سماءِ   الأشرعةِ    العائدة     //    
     على   عشبِ    أيُّوب   الأخضر    //   "  )  .                            
             يظهرُ  هنا  بوضوح    تأثرها   بموضوع   اللاهوتِ  فعملت  واستطاعت  توظيف  وإدخال  بعض  الرموز والمعاني  والشخضيات اللاهوتيَّة  إلى  مواضيعها الجديدة المنتقاة ، لتعبِّرَ وتدعمَ فكرة  ً أو  رأيا  وقضيَة جديدة معيَّنة ، فمثلا  في جملةِ  ( وعشب أيوب الأصفر  ... فأيُّوب  نبيُّ  للمعاناة والالم والصبر، وأمَّا اللونُ الأصفر  فيذكرنا  بالمرض  والضعف والكآبة  واليأس ، فقد  أخذت اسمَ  أيُّوب النبي وأضافتهُ  إلى العشب الأصفر فجاءَ  التشبيهُ  الإستعاري جميلا  جدًّا ومعقولا . كما أنها  تأثرت  بعضَ  الشيىء  بالشَّاعر والناقدِ  العربي  الكبير " أدونيس "   وخاصَّة  في  معادلاتهِ الحسابيَّةِ والأرقام .. فتقولُ مثلا في قصيدةٍ  لها  بعنوان : " بلور " : 
( "  أنا  +  أنتَ   نساوي   //  عاصفة    تشقُّ    البلورْ  //  
    أنا   +  أنتَ  تساوي  رحلة  في نفق  أضيىءَ  بلنورْ  " ) .   
           والشاعرُ أدونيس  ربَّما هوَ  أول  من استعملَ  الأرقامَ  والمعادلات الحسابيَّة ( الرياضيات ) في  أشعارهِ  عند العرب ( قديما  وحديثا )  ووضعها لأهداف  ومعان ومواضيع عديدة . والكثيرون من الشعراءِ بعده  قلدُوهُ  .   وشوقيه عروق في ديوانها الثاني  " شمس حضورك أسطورة "  نجدُهَا  أيضا متأثرة ً بالكتب  المقدسة ( التوراة  والإنجيل ) ، وخاصَّة  بنشيد الإنشاد  لسليمان الحكيم ، ونجدُ  في ديوانها الثاني أيضا الكثيرَ من القصائد الوطنيّة  ذات الطابع  الغزلي ، فتقولُ مثلا  في  إحدى قصائدها : 
( " خبَّأتكَ   في  ظهري   كالطعنةِ   //    
    في ضلوعي  كالشَّهوة  // في صوتي  كالفرحَة    
    في    رموشي    كالنسمة      // 
    في وجهي  كالرَّصاصةِ التي تنتظرُ اللعنة    //   " )  .  
       هي ترمزُ  للوطن  بالحبيب  وفارس الأحلام  .  ومن  جميل  وعذب  قولها  في قصيدة " الخمر الدَّافئة " فتقول :  
( " يُغريني    صوتُكَ   //   فأتساقط ُ تحتَ  دقاتِ الإنتظار  // 
     يصلبني على أبواب المدينة  //  زنبقة  شهيَّة  الألوان  //   
       وتقولُ أيصا  : 
( " يُغريني     صوتكَ   //   فأهرب  من  كلِّ  الأصوات   // 
     أمتصُّ  صوتكَ  وحدي  //    ينبتُ  برعمًا  أخضر     //
     في صدري  يتدفقُ  صوتك  ... //  "  )  .
       في هذه  القصيدةِ  كالكثير من قصائدها الجميلةِ  نجدُ فيها عدَّة َ أبعادٍ  وتموجاتٍ  وانعكاساتٍ موضوعيَّة  وفنيَّة ..  هي تتحدَّثُ  عن  الحبيب  واشتياقها  إليهِ  والتياعها الشديد في ساعاتِ انتظارهِ،والحبيبُ هو الوطنُ  والجمال، والحياة والسَّعادة ، والكيان  والهويَّة  وصوتُ الوطن ... الحبيبُ هو الصَّوتُ الوحيدُ المطربُ الشَّجي الذي  يُغري ويؤَثرُ  ويأسرُ القلبَ  والروحَ ... أمَّا باقي الأصوات  فنشازيَّة ٌ مُمِلَّة ٌ، وَحُبُّهَا  للحبيب  وإخلاصها  لهُ  وتفانيها  وذوبانها وضياعها  فيهِ  يمنحها  الغلالَ فتورقُ حقولُ أيَّامِها  وتنبتُ  البراعمُ  الخضراء ، ويتلاشى  التوَهُّجُ   الصَّحراويُّ  الرَّابضُ  فوقَ  سنواتِ عمرها .   وفي هذه القصيدةِ نستخلصُ بعدًا فنيًّا  فلسفيًّا  لمتعةِ الحياةِ وجدوى الوجود  والبقاء والأمل الذي من أجلهِ  تحياهُ  شاعرتنا وتنتظرُهُ ..إلخ ..   
   مبروكٌ لشاعرتِنا وأديبتنا الكبيرة " شوقيَّة عروق- منصور"على هذا العطاءِ الثري   وإبداعها  المتواصل ، ونأملُ  أن  تتحفنا  دائما  بالكثير من الإنتاج  الأدبي والشعري الرَّاقي والجديد  والإبداعي المميَّز  ليتألَّقَ  ويسمو  شعرُنا  وأدَبُنا  الفلسطيني  المحلي أكثرَ وأكثرَ إلى  قمم  المجدِ والإبداع  والخلود  .   

(  بقلم  :  حاتم  جوعيه - المغار - الجليل - فلسطين  )

رابعة لما تلهفك منك له/ أشرف حلمى

اسم رابعة العدوية عرفة المسلمون عبر العصور السابقة لما تمتعت به من سيرة عطرة وحياة مملؤة بالتعبد بعد ان انقطعت عن الغناء واستبدلت أشعار اللهو بأشعار الزهد والصلاح وسميت برابعة لانها كانت الإبنة الرابعة لأبيها إسماعيل العدوى والتى ولدت في مدينة البصرة العراقية .
وفى العام ١٩٩٣ أنشئ اول مسجد على اسم رابعة العدوية بمدينة نصر وأطلق على الميدان المقابل للمسجد اسم ميدان رابعة العدوية , هذا وترجع شهره المسجد بسبب خروج منه الكثير من جنازات المشاهير بسبب قربه من مقابر شرق القاهره , وذادت شهرتة أكثر إبان فض إعتصام الإخوان الارهابية المدعوم سلفياً بعد ثورة يونيو الماضية وما صاحبه من انتهاكات  مارستها جماعه الاخوان الإرهابية واستخدمهم المسجد مكاناً لتعذيب المواطنين حيث وجدت غرفه مخصصه للتعذيب بها مشنقه لقتل المواطنين المختلفين معهم في الراى واثناء فض الاعتصام اشعل الاخوان النيران فى المسجد حتى يهربوا سالمين كما قاموا بهدم واحراق اكثر من ستون كنيسة مما أدى الى كره المصريين لسماع إسم رابعة التى لا ذنب لها فيما حدث .
 لذا طالب الشيخ مظهر شاهين بتغيير اسم جامع وميدان رابعة إلى 30 يونيو  حتى لا يحمل المكان هذه الذكرى  التى كادت أن تتحول إلى صنم أو عجل يكاد الإخوان يعبدوه من دون الله وعدم ربط إسم رابعة بالارهاب الدموى للإخوان المسلمين .
وما ذاد الطين بلة تصرفات حكومة سحلب الأخيرة التى قد تعصف بنفسها  نتيجة قراراتها الفاشلة على عكس إرادة الشعب إرضاءاً الى المتاسلمين ذو الافكار الوهابية الداعشية خوفاً على المعونة السعودية المسمومة من الزوال .
فقد سمحت حكومة سحلب أفندى بعودة السلفيين للمنابر كما ذكر السيد ابراهيم عيسى ضارباً بقرار وزارة الاوقاف المصرية الذى يمنع غير الازهريين من اعتلاء المنابر عرض الحائط . هذا بالإضافة الى قراره الاخير بتخصيص بعض قطع الأراضي المملوكة لمحافظة شمال سيناء لإقامة ٤ مساجد ومدرسة على اسم رابعة الابتدائية الجديدة وسوق تجارى  بمنطقة العبيدات وكان هذا السحلب يخرج لسانه الاعوج الى جميع المصريين بإسم رابعة مفرقاُ بهذا القرار العنصرى بين ابناء الوطن الواحد حيث تجاهل الوجود المسيحى للمحافظة بعدم إنشاء كنسية واحدة بها او حتى اسرع بالإنتهاء من ترميم الكنائس التى وعدت الحكومة المصرية بترميمها بعد ان خربها المتاسلمين بعد فض اعتصام رابعة خوفاَ من اهله وعشيرتة الجدد المتمثلين فى حزب النور السلفى واعوانه ذو الافكار الداعشية السعودية الرافضة للوجود والكيان المسيحى طبقاُ للفتاوى البرهامية السابقة التى يعمل بها تنظيم داعش فى كل من سوريا والعراق .
فاللوم الاول والاخير يعود الى السيد عبد الفتاح السيسى الذى مازال متمسكاً بحزب النور السلفى وكان الثورة لم تقم ضد الأحزاب التى تم إنشاؤها على أساس دينى فى عهد طنطاوى ذو الميول السلفية مخالفاً بذلك أهدافها ودستورها الجديد ام ان هناك صفقات سعودية فيما بين الحكومة المصرية والسعودية بوجود السلفيين على الساحة السياسية مقابل الدعم المالى والسياسى للمملكة الوهابية على غرار الصفقات المشبوهة بين حكومة الاخوان الارهابية وقطر , تاكيداً لمقالتى السابقة بعنوان (تكرار سيناريو ما بعد ٢٥ يناير بطعم سلفى ) بتاريخ 2013-07-09 .
فإذا ثبت ما جاء فيه ودخل السلفيين مجلس الشعب المقبل فلن يغفر شعب مصر لكل من السيسى وحكومته الرشيدة هذه الخيانة وسيعتبرهم من خانوا الثورة واهدافها خاصة بعد تصريحه بإن أعضاء حزب النور محبون للوطن ومدركين لحجم المخاطر التي يمر بها فى شهر مايو الماضى . وهذا يتحقق مع اهداف الولايات المتحدة الامريكية ومن ثم يعود المصريين الى نقطة الصفر من جديد وخاصة بعد ان أخل السيسى بوعده للمصريين امام العالم اجمع بتجديد وترميم الكنائس المتضررة على نفقة الدولة بعد الثورة إرضاءاً للسلفيين محبو الوطن كما قال سيادته مما يساهم فى فقد الثقة فيما يوعد به الشعب .  

تأتأت شقوق اللمس ومنْ ثقبِ إبرةٍ يهربُ الزمن/ كريم عبدالله

في تجاعيدِ المسافاتِ المنهوكة ـــ طيفٌ يضيءُ أهدابَ القصائد
و ........... / مرآةُ جثّةُ الحلمِ ../ تلتحفُ خطوطَ الظلِّ
نكهةُ الجسدِ وعاء النزفِ ـــ تفيضُ الينابيعُ في نسغِ الخطوةِ
الرموزُ مساميرٌ تدكُّ لغةَ الصمتِ ـــ تتدحرجُ على مفاتيحِ الشهوةِ
حشدٌ منَ الأشواقِ ../ تغصُّ بالأشواكِ ../ تحرسُ مجامرَ الشقاءِ
ركامُ المرآيا ../ تصالحُ تواريخ الصورِ ../ وأجراسُ السنين تلبسُ ثوبَ العفّةِ
مزجتْ ألوانها ../ وأحمرُ الشفاهِ غَنَجٌ ../ يفتحُ أسرارَ القبلات
تأتأتْ شقوقُ اللمسِ ../ والجسدُ فردوساً كسّرَ قيودَ الرذيلةِ
عائدٌ منْ مدافنٍ تنخرُ الروح ـــ وشحوبَ الليلِ يعصرُ تلويحةَ العودة
ثيابُ القهرِ يشقّها رمادُ الزيّفِ ../ جيوبها مخزيّة ../ تحطّمُ الأنعتاق
مستنقعاتٌ تحومُ اللذّة فيها ../ فمنْ يملأُ الأواني الفارغة ../ إذا سحقتها سنابكُ السياط .. ؟
البوحُ أدردٌ ../ يتشرّبُ في خلاخيلهِ ../ غسقُ الشهوةِ يفيضُ في الحناجر
فتنةٌ توقضُ سباتَ الأوردةِ ../ تتفصدُ تفاحةُ الومضِ ../ وأزيزُ الخرابِ يستحيلُ بينَ الضلوع
كلُّ ما على الجبينِ ../ وصمةٌ تُشبِعُ كابوسَ الخّلّبِ ../ ودفوف الشناشيلِ تذرفُ دموعَ الثديين ...
**
منْ ثقبِ إبرةٍ .. يهربُ الزمن
 حينَ يكونُ الزمن هارباً ../ منْ ثقبِ إبرةٍ ../ وتجلسُ المتاهات في فوّهاتِ البنادقِ ../ ينبغى أنْ نهاجرَ في عوالمِ الدهشةِ
وحينَ يسافرُ القطارُ ../ عرباتهُ مكدّسة بصورِ الرجالِ ../ قضبانُ الحديدِ تجرشُ الحكايات
وإذا إعشوشبَ الربيعُ بعطرِ الخوفِ ـــ ستنبتُ الجماجمُ على ضفافِ الخريف
وإذا الشطوطُ غادرتها عوائلُ الأزهارِ ـــ فلا عودةَ للنبعِ يتعطّرُ بالطينِ
لمّا تزلْ أنهارُ الشرايينِ ../ تطوّقُ خلاخيلَ المدنِ ../ والخناجرُ تمشّطُ الأرصفة
الكؤوسُ غارقاتٌ بعبثِ القبلات ـــ والمآتم تتغطّى بعباءةِ النساء ../ بينما المآقي تُغرقها سفنُ الرحيل
كلّما تنزوي العصافير ../ تمطرُ السماء ملحاً ../ تُشذّبُ أجنحةَ المواكب
سائحٌ هذا الموت ../ يحملُ تذاكرَ العبور ../ (( الشيكاتُ )) تملأُ جيوبَ المحطةِ ../ فزعاً يقطفُ الثمار
تتناسلُ وجوهُ الرماحَ ../ خيولها مغترّةً بالأنقلابِ ../ يوسوسها شيطانٌ عقيم
أهلّي أيّتها القصائدُ ../ وتآصري مع موجة العصفِ ../ فغيوم السماءِ تتمددُ ../ فوقَ ضمائرَ مستترة
وحمّحمي ../ فاراجيحُ الشرقَ ../ تُسرجُ الفرائس ....

وترجل شاعر الثورة الفلسطينية ويراعه مشرع/ محمد فاروق الإمام.

سميح القاسم كان بالأمس بيننا يملأ حياتنا أملاً واستشرافاً بمستقبل يحلم به لفلسطين التي أحب وعشق وهام.. واليوم غادرنا ولمّا يقف يراعه عن العطاء حتى آخر لحظة من تصاعد أنفاسه.. مبشِّراً بغدٍ مشرقٍ يُطلُ على فلسطين محررة من يد الغاصبين.. يبدّد دُجى الظلمة التي يلفها!!
سميح القاسم المعلّم الذي استلهمت منه الكثير وتعلمت منه الكثير.. عرفته بعواطفي ووجداني.. وعشت معه بكل خفقات قلبي؛ فبلاد الشام تجمعنا وقضية فلسطين توحدنا، فقد تجرعت المرارة من نفس الكأس التي تجرعها، فلا فرق بين محتل غاشم وجبار ظالم وإن اختلفت التسميات، وكان حلمنا مشتركاً لسنوات طويلة فحلمه كان تحرير فلسطين من المحتل الصهيوني، وحلمي تحرير سورية من كابوس آل الأسد الذي يتحكم بالحجر والبشر والشجر.. وحلمه عودة فلسطين إلى كل أهلها الذين هُجّروا منها قسراً بقرار أممي, وحلمي عودة كريمة إلى الوطن حيث الأهل والعشيرة ومراتع الصبا.. حلمت معه بعودة تكون فيها قاماتنا منصوبة.. وهاماتنا مرفوعة.
بالأمس غادرنا شاعر الثورة الفلسطينية سميح القاسم قبل أن تجف أوراقه.. وتتساقط أوراق أشعاره التي كان الصهاينة ترتعد فرائصهم عند سماعها.
غادرنا سميح القاسم ولا تزال كلماته أجراساً تدغدغ مسامعنا.. فتشحن نفوسنا مزيداً من النهوض والمثابرة والإقدام.. دون الالتفات إلى الوراء.. إلاّ بما يزيد من عزيمتنا وإصرارنا على الكفاح من أجل إعادة الابتسامة لترتسم على شفاه الأيتام والأرامل والثكالى في فلسطين وسورية من ضحايا الاحتلال الصهيوني لفلسطين وضحايا النظام السادي الذي جاء به آل الأسد.. من ظلمات القرون الغابرة!!
لم تحل سنابك جيش الاحتلال ولا تمزيق المدن الفلسطينية ولا جدران الفصل العنصري من أن يخاطب سميح القاسم الشعب الفلسطيني والمقاومة في قصائد رائعة يستنهض فيها هممهم، ويكون فعل أشعارها أقوى من رصاص الصهاينة الغاشم، كحال كفاحنا نحن لتمزيق أستار الظلمة عن وجه سورية الحبيبة الأسيرة.. لتعود دمشق الفيحاء كسابق عهدها.. منارة تشع منها الحرية والنور والمدنية والحضارة والعطاء الإنساني وتكون سنداً للإخوة الفلسطينيين تتقاسم معهم العطاء والجهد والتضحية والفداء!!
سميح القاسم فارقنا بجسده.. ولم تفارقنا روحه.. التي ستظل تحلق في سماء قلوبنا.. حتى نلحق به.. فهذا قدر قافلة الكفاح.. يرتفع واحدنا إلى بارئه تلو الآخر.. دون أن تنقطع هذه السلسلة المباركة.. إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها!!
نعاهدك يا سميح القاسم أننا سنظل على العهد.. عهد الوفاء للقضية التي سقطت من أجلها.. نعاهدك على أن تظل حدقات عيوننا مصوبة إلى فلسطين مهفى قلوب كل الأحرار والشرفاء في وطننا العربي الكبير.. نقارع الظلم وأهله حتى يحكم الله بيننا.. مهما غلت التضحيات وتوالت الأيام وبعدت المسافات.. فكما كنت حتى الرمق الأخير من أنفاسك مستلاًّ قلمك.. مشهراً يراعك.. تنافح به عن فلسطين.. وتذود به عن مبادئك وقيمك وأخلاقك.. سنظل على نفس الطريق سائرين حتى صعود النفس الأخير كما كان حالك.. وحتى نلاقي الله كما لقيته.. أحراراً منتصبي القامة.. مرفوعي الهامة.. سلاحنا قلمنا.. ومعيننا مدادنا.. الذي لن يجف وفي عروقنا دم يتدفق.. وبين صدورنا قلب يخفق!!
رحمك الله يا شاعر الثورة الفلسطينية يا صاحب الصوت الوطني الشامخ وقد كرست حياتك مدافعاً عن القضية الفلسطينية ومنافحاً عن مقاومة الشعب الفلسطيني وأنت القائل:
"منتصب القامة أمشي .. مرفوع الهامة أمشي …في كفي قصفة زيتون… وعلى كتفي نعشي، وأنا أمشي وأنا أمشي" ونحن على خطاك سنظل نمشي...

تضخيم الخلافات الأميركية – الإسرائيلية/ نقولا ناصر

(تستفيد الإدارة الأميركية من تضخيم خلافاتها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي للتغطية على حقيقة أن الدعم العسكري والأمني الأميركي للاحتلال ودولته في عهد أوباما "غير مسبوق" حتى خلال العدوان الحالي على غزة)

من المتوقع أن يصل هذا الأسبوع وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، وسط دفق من التقارير الإعلامية عن خلافات قديمة جديدة سياسية وشخصية تتسم بعدم الثقة بين الإدارة الأميركية ورئيسها باراك أوباما وبين حكومة دولة الاحتلال ورئيسها بنيامين نتنياهو، وقد استفحلت هذه الخلافات بسبب تباين وجهات نظر الطرفين حول إدارة العدوان الإسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

ومن المؤكد أن صمود المقاومة الفلسطينية وإبداعها قد أفشلا الأهداف التي توختها دولة الاحتلال من عدوانها الحالي على قطاع غزة الذي وصل إلى طريق مسدود، ومن المرجح أن تستهدف زيارة كيري ايجاد مخرج لها من فشلها، ربما من خلال التوافق بين الجانبين على مشروع القرار التي تعتزم ألمانيا وبريطانيا وفرنسا تقديمه إلى مجلس الأمن الدولي لوقف العدوان على غزة بالشروط الإسرائيلية.

يوم الثلاثاء الماضي كتب الإعلامي الإسرائيلي بن كاسبيت بأن زيارة كيري سوف تكون محاولة للتغطية على هذا الفشل، الذي دفعت دولة الاحتلال "ثمنا باهظا" له ولم تحصل على "أي شيء في المقابل"، وتوقع بأن "إسرائيل سوف تخرج من هذه القضية وهي ترفع راية بيضاء".

واقتبس كاسبيت من "مسؤول إسرائيلي رفيع "كان إلى ما قبل فترة وجيزة جزءا من حكومة صنع القرار المصغرة" قوله إنه "من وجهة نظر استراتيجية تكبدت الدولة ضررا فادحا. فمبدأ الدفاع الإسرائيلي الذي صاغه ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل يقوم على أساس مبادئ بسيطة هي: تحقيق نتيجة حاسمة، ونقل سريع للقتال إلى أرض العدو، والردع، ... وبالكاد ظل أي شيء من هذه المبادئ" التي بددها صمود المقاومة في مواجهة العدوان الذي "أفقد إسرائيل الشهرة التي كانت لها طوال 40 سنة".   

وظهرت هذه الخلافات إلى العلن مجددا عندما شددت إدارة أوباما في تموز / يوليو الرقابة على إرساليات الأسلحة الأميركية إلى دولة الاحتلال بعد أن أن علم البيت الأبيض بأن البنتاغون كان يزودها بها من دون موافقته، فشنت وسائل إعلام دولة الاحتلال حملة ضد إدارة أوباما اتهمتها فيها بالتخلي عن حليفها الإسرائيلي "في زمن الحرب"، متجاهلة تماما استمرار تدفق السلاح الأميركي على دولة الاحتلال خلال عدوانها على غزة حد فتح مخازن السلاح الأميركي فيها أمام آلتها العسكرية، ومتجاهلة تمويل تطوير "القبة الحديدية" بمبلغ يزيد على مائتي مليون دولار خلال العدوان أيضا.

وما زالت عملية تضخيم الخلافات الأميركية مع دولة الاحتلال مستمرة حد المبالغة كي يصفها المتخصص في العلاقات الثنائية بجامعة بار ايلان في تل أبيب، ايتان جيلبوا، في العشرين من الشهر الجاري ب"انفجار من النوع الذي شهدناه في الأيام الأخيرة" نتيجة ل"تدهور العلاقات الشخصية" بين أوباما وبين نتنياهو و"الاهانات وسوء التفاهم والأفكار الخاطئة" التي كانت تتراكم.

ويوم الخميس الماضي اقتبست "الجيماينر" اليهودية الأميركية من اليوت ابرامز، مستشار الأمن القومي للرئيس السابق جروج دبليو. بوش، قوله إنه "لسوء الحظ، يبدو ان التوتر (الأميركي – الإسرائيلي) في ازدياد ولن يخف طالما ظل فريق أوباما في الحكم".

وفي الخامس من الشهر الجاري اقتبست "سي ان ان" من مستشارها الذي كان مستشارا لأربعة رؤساء أميركيين، ديفيد جيرجن، قوله: "ربما تكون هذه العلاقة هي الأسوأ بين قائد للولايات المتحدة وبين قائد لإسرائيل منذ أيام (الرئيس الأميركي الأسبق دوايت) ايزنهاور".

ويوم الأربعاء الماضي استهلت الأسوشيتدبرس تقريرا إخباريا لها بالقول: "عندما تكمل إسرائيل تقدير أضرارها من حربها الأخيرة مع (حركة) حماس، فإنها قد تستنتج بأن واحدا من أكبر خسائرها كان علاقتها التي لها كل الأهمية مع الولايات المتحدة" قبل ان تقتبس من مقال للمعلق الإسرائيلي البارز ناحوم بارنيا نشرته يديعوت أحرونوت قبل يومين قوله إن "التخبط" في العلاقات الثنائية "له أبعاد تاريخية".

يوم الثلاثاء الماضي قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية إن الهدف من زيارة كيري هو "إظهار أن العلاقة بين الحليفين ليست في أزمة"، بعد تراشق إعلامي متبادل صريح وضمني طال كيري نفسه الذي اتهمته وسائل إعلام دولة الاحتلال ب"إضفاء شرعية على منظمات إرهابية" بحجة تبنيه وإدارته لمطالب المقاومة برفع الحصار عن قطاع غزة، فقط لأن أوباما في السادس من آب الجاري، عندما بدأت في القاهرة المفاوضات غير المباشرة لوقف إطلاق النار في غزة، تحدث في مؤتمر صحفي عن "حاجة" الفلسطينيين في القطاع لرؤية "بعض الآفاق لانفتاح في غزة بحيث لا يشعرون بأنهم داخل أسوار".

وتتجاهل دولة الاحتلال وحكومتها ووسائل إعلامها أن أوباما إنما تتحدث عن "تخفيف" الحصار أكثر مما تحدث عن رفعه، وبشروط دولة الاحتلال المعروفة أيضا، وفي إطار الالتزام الأميركي باعتبار المقاومة الفلسطينية عملا "إرهابيا".

لذلك لم تسهل دولة الاحتلال الوساطة الأميركية في التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار في القطاع واعتمدت الوساطة المصرية بدلا منها ليظل الدور الأميركي مخفيا وراء الكواليس في المفاوضات الفلسطينية غير المباشرة معها في العاصمة المصرية، وتجاهلت وسائل إعلامها دور مبعوث السلام الأميركي فرانك لونستين (خليفة مارتن انديك المستقيل) الذي كان موجودا في القاهرة أثناء المفاوضات طوال أسبوع كامل قبل أن يغادرها إلى الأردن في الرابع عشر من الشهر الجاري.

وتستخدم دولة الاحتلال تضخيم الخلافات للضغط الداخلي على إدارة أوباما لانتزاع المزيد من المساعدات الأميركية، وتستفيد الإدارة الأميركية من تضخيمها للتغطية على حقيقة أن الدعم العسكري والأمني الأميركي للاحتلال ودولته في عهد أوباما "غير مسبوق"، كما قال أوباما نفسه في أكثر من مناسبة، حتى خلال العدوان الحالي على غزة، ويستفيد منها "معسكر السلام" العربي والفلسطيني كمسوغ لمواصلته الرهان على احتكار الولايات المتحدة لعملية حل الصراع العربي – الإسرائيلي في فلسطين "سلميا".

لكن الأهم أن تضخيم الخلافات الأميركية – الإسرائيلية يستخدم للتغطية على حقيقة أن الولايات المتحدة لم تكن فقط شريكا أساسيا في تحويل المشروع الصهيوني إلى دولة على الأرض في فلسطين بل كانت شريكا أساسيا في احتفاظ دولة الاحتلال بالمكاسب الاقليمية التي انتزعتها بالقوة الغاشمة والاستعمار الاستيطاني منذ احتلت ما هو مخصص للدولة العربية بموجب قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين عام 1948 ثم ما اكتسبته بالاحتلال العسكري عام 1967.

في تشرين الثاني / نوفمبر عام 1947 كتب الملك الراحل عبد الله مؤسس المملكة الأردنية الهاشمية، وكان أميرا على شرق الأردن آنذاك، مقالا في "ذى أميريكان ماغازين" قال فيه إن الولايات المتحدة "مسؤولة تقريبا بقدر بريطانيا عن وعد بلفور هذا. فالرئيس (وودرو) ويلسون أقره قبل إصداره وتبناه الكونجرس كلمة كلمة في قرار مشترك (لمجلسي النواب والشيوخ) بتاريخ 30 حزيران/يونيو 1922 ... إنه مال أميركي بالكامل تقريبا الذي يستأجر أو يشتري سفن اللاجئين (اليهود) التي تبحر بطريقة غير قانونية نحو فلسطين، والمال الأميركي هو الذي يدفع اجور بحارتها. والهجرة غير القانونية من أوروبا تنظمها الوكالة اليهودية، المدعومة بشكل كامل تقريبا بالأموال الأميركية. إنها الدولارات الأميركية التي تدعم الإرهابيين" الصهاينة في فلسطين.

وفي التاسع عشر من هذا الشهر كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية أن قيمة المساعدات العسكرية الأميركية لدولة الاحتلال خلال السنوات العشر الماضية، التي شنت خلالها أربعة حروب عدوانية على الشعب الفلسطيني الخاضع لاحتلالها عدا عدوانها على لبنان عام 2006، بلغت (28،9) مليار دولار أميركي بينما بلغ إجمالي قيمة هذه المساعدات منذ عام 1962 (100) مليار دولار.

وكل هذا الدعم المادي يردفه دائما الدعم السياسي. في افتتاحية لها يوم الأربعاء الماضي قالت "ذى جويش برس" اليهودية الأميركية إن "الرئيس أوباما ووزير الخارجية كيري نادرا ما فوتا فرصة لإعلان حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وإن ترافق ذلك مع التحذير ببذل كل جهد لخفض الخسائر في أرواح المدنيين إلى الحد الأدنى"، وحثها على "ضبط النفس"، لينفي مكتبا أوباما ونتنياهو وجود أي ضغط أميركي على الاحتلال ودولته في الخامس من هذا الشهر، لتظل أي خلافات بينهما مجرد تباين ثانوي في الآراء حول طرق التخلص من المقاومة الفلسطينية بكل أشكالها كهدف استراتيجي لكليهما.

طالما استمرت الولايات المتحدة في التعامل مع حركات المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي ودولته كمنظمات "إرهابية"، بالرغم من فشلها طوال ما يزيد على عشرين عاما في ايجاد "حل سلمي" بديل ينهي الاحتلال ويعيد للشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية، فإنها سوف تستمر في توفير الغطاء السياسي لاستمرار دولة الاحتلال في مواصلة احتلالها وعدوانها على الشعب الفلسطيني متذرعة بضوء أخضر أميركي يعدّ عدوانها جزءا لا يتجزأ من الحرب العالمية الأميركية على الإرهاب، ليتجرأ رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو على مقارنة قائد المقاومة الفلسطينية محمد ضيف، المقاتل من أجل حرية شعبه وأرضه، بقادة القاعدة و"داعش" وغيرهما من المنظمات الإرهابية العالمية كما فعل نتنياهو يوم الأربعاء الماضي.

* كاتب عربي من فلسطين
* nassernicola@ymail.com

المالكي المطرود يوعظ العبادي المُكلف!/ محمد الياسين

يبدو ان المطرود نوري المالكي لا يزال يعيش " اللحظة " أو " اللقطة " كما يسميها العراقيون، عند إلقاءه خطابا متلفزا الغاية منه نقل تجربته الفريدة جداً! بالحكم إلى السيد العبادي المُكلف بتشكيل الحكومة ، داعيا إياه للذهاب إلى خيار الازمات الذي أعتاد عليه المطرود بتعامله مع الشركاء السياسيين ، لا أجد إلا ان المالكي يعتبر العبادي " عربانه " كما يطلق العراقيين على من يندفعون بسرعة لقرارات غير مدروسة عند سماع كلام الاخرين لهم ، حتى وان كان يعني الذهاب نحو الهاوية .
ثم ان المالكي أعتاد ان يكون له خطاباً دائم إلى الشعب متخيلاً أنه ملك أو رئيس دولة أو حتى رئيس وزراء حقاً! متناسياً أنه ليس سوى موظف لدى الحكومة الإيرانية يتلقى أوامره من سفيرها في بغداد ، يذهب خاضعاً ذليلاً لطهران لتلقي التعليمات من قادة النظام الدكتاتوري الحاكم هناك.
المالكي يريد توريط العبادي أو إيصال رسالة إلى الوسط السياسي العراقي أنه لا يزال صاحب نفوذ حتى على المُكلف بتشكيل الحكومة ، بالعرف الاجتماعي يعتبر ذلك الفعل مخزي ومعيب من قبل المالكي بحق العبادي فما بالك بالعرف السياسي؟! . المالكي أيضاً إلى الان يبدوا انه لا يتخيل كونه خارج إطار رئاسة الحكومة ، رغم أنه كما يبدوا تلقى تطمينات كبيرة بأن يكون له دور بتشكيل الفريق الحكومي وسيكون وقعه مؤثر داخل مجلس النواب كونه يتزعم الكتلة الاكبر من حيث عدد المقاعد النيابية .
المصيبة ان يستمع العبادي لرؤية عبقري زمانه المطرود المالكي ويذهب لتشكيل حكومة تقتصر على من يذهب بخياراتها التي ستتدخل بها إيران لا شك ، خاصة وان ميليشياتها تمكنت اليوم من إحكام سيطرتها تماماً على المشهد الامني بسبب الفوضى التي أحدثها تشكيل داعش الإستخباراتي الموجه من جهة والثورة التي يقودها عراقيون أصلاء رفض المالكي الاستماع لمطالبهم وإعطاء حقوقهم من جهة أخرى ، بالتالي ان ميليشيات إيران فرضت نفسها بشكل علني مباشر على المشهد بالكامل ، تخطف وتعذب وتقتل وتمثل بالجثث أمام مرأى ومسمع الحكومة والبرلمان الذي يبدوا أنه سيكون هو الاخر فاشل بإمتياز لن نرى منه أفعالا سوى جعجعات حناجر نوابه ونائباته! الفطيرات! من على شاشات التلفاز.
ثم أولى بوادر إستمرار الفشل السياسي للحكومة الجديدة ظهر عندما ألتقى رئيس الجمهورية فؤاد معصوم مع قائد ميليشيا العصائب قيس الخزعلي ، تلك الميليشيا متهمة بأنها تخطف وتقتل وتعذب مواطنين عراقيين على الهوية وهي تعمل دون أي غطاء دستوري وقانوني حالها حال العشرات من تلك التنظيمات المسلحة فضلاً أنها تتلقى تمويلها بالكامل من دولة أجنبية لكنها تقوم بفعالياتها الاجرامية تحت أنظار وحماية النظام السياسي الحاكم في بغداد ، أي حكومة نتنظرها أذن طالما نرى المجرمون يصولون ويجولون في بغداد ومدن البلاد بحرية تامة وبحماية حكومية أو شبه حكومية؟! ، العبادي لم يأتي هو الاخر من الفضاء ، فهو نتاج صفقة سياسية لإنقاذ البيت الشيعي السياسي من التفكك بسبب سياسات المالكي وإرضاء الاكراد ومحاولة تطمين السُنة بتغيير المالكي الذي تطوع بنفسه عدوا لهم ، إلا أنه برع حقاً بصناعة الأعداء بالوسط العراقي عموماً عند الشيعة كما عند السنة والاكراد ، لم يأتي بإنقلاب على قواعد اللعبة السياسية الحاكمة والمحاصصة التي دمرت العراق وإنما هو جزء لا يتجزأ من تفاهمات وصفقات المحاصصة الطائفية التي قسمت البلاد على ثلاثة أركان ، شيعة ، سنة ، أكراد.لكن اليأس الذي تملك الانسان العراقي دفعه لمناشدة رئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي لبناء الحكومة وفق سياسات وطنية والغاء الممارسات الطائفية بالرغم من ان العبادي هو الاخر جاءت به المحاصصة الطائفية تلك ، كما الحال بالنسبة لمعصوم والجبوري!!.

إمبراطوريات العولمة في مصيدة ميكروفيزياء الإرهاب/ د. زهير الخويلدي

استهلال:
"ولكن الحرب مستمرة.وعلينا أن نظل سنين طويلة نضمد الجراح الكثيرة,التي لا تشفي في بعض الأحيان,الجراح التي أحدثها في شعوبنا الاندفاع الاستعماري.إن الامبريالية التي تحارب الآن تحرير البشر تدع هنا وهناك بذور تفسخ علينا أن نكتشفها وأن نستأصلها من أراضينا ومن أدمغتنا".[1]
ربما يسهل للبعض إطلاق تسمية "عصر الإرهاب" على هذه الحقبة من الزمن التاريخي مقابل تسميات أخرى أطلقت عليها مثل"عصر الأنترانت"أو" عصر العولمة "أو"عصر الاستنساخ"،فالإرهاب ليس حالة ظرفية آنية بقدر ما هو أحد أكبر مظاهر الوجود الإنساني انتشارا منذ مدة ليست بالقصيرة حيث يبرز أو يخفت تأثيره انطلاقا من وطأة الظروف وقسوة العوامل التي تغذيه.وقد يبدو من السهل جدا أن ندين الإرهاب وأن ننظم إلى طابور الموقعين على عرائض منددة به أو أن ننجز ونعد قوائم بالأعمال التخريبية التي يخلفها وان لفي تعدادها تفاهة تبعث على القرف والغثيان ولكن من أصعب الأمور أن نعرف الإرهاب ونحدد له مرجعا أخلاقيا وقانونيا وأن نفسر الأسباب والدواعي والمبررات التي تجعل المواجهات تندلع بين الفئات الاجتماعية والأديان والأعراق والأمم وهي غالبا ما تتخذ تلك الأشكال القاسية التي اعتاد الكلام السائد أن يقتصر على تسميتها "بالقوة الغاشمة" أو"العنف التدميري". كما أنه من العسر أن نعثر منذ الوهلة الأولى على الوسائل والخطط والمناهج القادرة على إيقاف حمى الإرهاب بالسيطرة عليه ومحاصرة تداعياتها الخطيرة.
إن صعوبة تعريف الإرهاب أمر يعاني منه رجل السياسة ورجل الفكر على السواء لما يبدو عليه من غموض فهو واقع معقد متعدد الأشكال يصعب تطويقه ويملك من الانتشار والأذى أكثر مما يمكن تصديقه،ولكن عندما يتناول الفكر الحاذق هذه الظاهرة فإنه يعتبرها ظاهرة غير عادية وغير لازمة لتطور المجتمعات فهي قهرية ضاغطة وأمر منفر غير مرغوب فيه فكأنها مرتبطة بعدوانية بربرية لا يمكن للعصرية أن تقضي عليها وآية ذلك أنها حالة من الحرب الكونية المدمرة التي تهدد الحياة الإنسانية وتزعزع السلم الأهلية وتعطل التساكن والتآنس بين الشعوب والحضارات والأديان.[2]
 والحق أن الإرهاب لا يعد ظاهرة حديثة بل قد يكون أقدم رفيق عرفه البشر في غابر العصور إذ منذ أن صنع الإنسان الأول بعض الأسلحة للدفاع عن نفسه استعملها أيضا لإرهاب غيره وتخويفه وليفتك بأمثاله,لذلك كانت مشاهد التفجير والقتل مألوفة للأسف حتى أن كل وصف لها بات نافلا.
 بيد أن اللافت للنظر اليوم أن من يرتكب الإرهاب من حيث كونه حالة صرفة أصبح لا وجود له وبات غير مرئي،فهو شبحي ومخفى إن لم نقل مجهري،فالإرهابي إنما هو هذه الدولة( الصهيونية/ الأمريكية) وتلك الشركة وذاك الشخص وتلك المجموعة وذلك الوضع وتلك الكتلة من القوى المتصارعة التي تستعمر ميدانا ما,إننا صرنا نتحدث اليوم عن عولمة الإرهاب وأرهبة العالم وانتهينا إلى حقيقة بديهية مفادها أن إمبراطوريات بأسرها تمارس الإرهاب وتتهم كل من يقاومها به بل باتت في قبضته الميكروفيزيائية.
 إن كانت الصراعات والحروب والمجابهات تملأ التاريخ البشري وتجوبه طولا وعرضا فإن الإرهاب يسطع راهنا مثل لمحات البرق الخاطفة ويدوي صوته كالرعد المزلزل للآفاق فهو يظهر ويختفي ويبرز ليتوارى بشكل مفاجئ ومباغت وكأنه يحمل بين طياته الطابع الجديد على الدوام,فهو الحدث المطلق الذي يتيح لكل الأحداث التي لم تحدث من قبل أن تحدث,فهو الحدث الجلل الذي سيظل أبدا بصدد الحدوث دون أن يكتمل أبدا.
 إن إرهاب القرن 21 يتخذ طابعا جديدا مفارقا فهو يضيف إلى القدرة على الظلم النزعة إلى الإذلال،ورجل الأخلاق الذي يتأمل في السلوك الإنساني لا يستطيع أن يذكره دون أن يستهجنه كما أن رجل السياسة يسعى إلى السيطرة عليه ويوظفه لمصلحته ويدرجه ضمن استراتجياته,انه ليس فقط إرهاب الأفراد والمجموعات والأحزاب والتنظيمات الباطنية المسلحة بل هو أيضا إرهاب المؤسسات والدول والشركات متعددة الجنسيات والأحلاف العسكرية الكبرى والمنظمات العالمية العتيدة وهو ليس موجها فقط للفتك بالأجساد ولتخريب العمران المادي بل يطال مداه النفوس ويخرب العمران الروحي.
بيد أن الاهتمام بالإرهاب قد ازداد إلى قدر كبير في الآونة الأخيرة وذلك لاعتبارات عقائدية ولقبليات ايديولوجية أو نتيجة ترسبات عدوانية لأصول حيوانية في النوع البشري تحث تأثير ظاهرة عولمة العنف والاستغلال والبؤس وتسارع نسق تبادل المعلومات وتطور وسائل الاتصال والإعلام.
 على هذا النحو بدت مشكلة الإرهاب أكثر تعقيدا مما يظن البعض في بادئ الرأي بحيث لم تعد تكفي الإدانة الأخلاقية القاطعة وبيانات الشجب لإخماد ناره ومواجهته بل ان العزم على اقتلاعه من جذوره ومداهمته في حصونه الآمنة ومنابته النائمة لن يتم ولن يتحقق دون فهم حاذق وتدبر ثاقب.[3]
 لهذا السبب يبدو اقتحام لجج بحر هذا الموضوع بالغ الدقة والتعقيد أمرا مقضيا واستجابة لنداء الوجود ولن يتحقق ذلك إلا بمعالجة الأسئلة التالية: ما هو الإرهاب ؟ما هو مصدره؟ ما هي مظاهره؟ وما هي العوامل التي تسببه؟هل الإرهاب بعيدا عنا أم على الأبواب ؟هل يمثل صفة عارضة أم خاصية ملازمة للسلوك الإنساني؟هل يشير فقط إلى انطلاق أعمى لقوى معادية أم تراه يغطي ميدانا أكثر اتساعا بكثير ويحفل بأوضاع هادئة في ظاهرها ولكنها حبلى بعنف كامن؟ هل لنشوئه آلية ما يمكن الكشف عنها وتصنيفها أم تراه ينفجر عادة وكأنه اندلاع للعنف غير متوقع ومثير للحيرة؟ هل الإرهاب رد فعل أساسي في الكائن البشري أم تراه نتيجة عدم توافق مع البنى الاجتماعية ومن الممكن تقويمه؟
 لكن قبل كل شيء من هو الإرهابي؟ هل هو المهاجم المستولي على حقوق الآخرين أم المدافع عن حقه المرابط في أرضه؟ ما الفرق بين المقاومة والإرهاب؟ إلى أي مدى يمكن أن تتحول ممارسة شعب لحقه في المقاومة إلى إرهاب ؟ هل الإرهاب عنف فردي أم عنف جماعي ؟ هل هو تصرف فوضوي أم فعل منظم ؟ هل هو مادي أم رمزي ؟ من الذي يهدده الإرهاب أكثر الفرد أم الجماعة؟ المجتمع أم الدولة؟ ما هو الخطر الذي يتهدد الإنسان من جراءه؟ هل يمكن أن يضطلع بدور في التطور البشري ؟ أليس هو نتيجة استغلال المعرفة العلمية على الصعيد الصناعي والسياسي ؟
 هل من حل للتناقض بين الضرورة التاريخية للإرهاب والضرورة العقلية التي تستوجب احترام القانون الأخلاقي والنزوع إلى السلم والعدل ؟ هل أن مقاومة العنف بالعنف تؤدي إلى تبرير كل أشكال العنف بما في ذلك الإرهاب ؟ هل أصبح السلم حلم يصعب تحقيقه أم أن تصورنا له في حاجة إلى المراجعة؟ ما هو تأثير المعرفة في حل الصراعات الإنسانية؟وإذا كانت المعرفة تسمح بإيجاد عقد جديد بين الإنسان والطبيعة فهل يمكنها أن تحقق السلم بين البشر؟ هل تكفي المعرفة والحكمة والتربية للسيطرة على الإرهاب والحد منه؟ أليس الإرهاب في جوهره نفيا لهذا الأساس القائم على الحكمة والعقل الذي تغرس فيه كل نزعة إنسانية جذورها ؟ ألا يعني انتصار الغريزة على العقل ورفضا للحوار؟ أليس هو في نهاية المطاف ترسيخا للدمار والخراب ؟
 ما هي جذور الإرهاب الحيوية والنفسية والاجتماعية ؟ هل العدوانية غريزة فطر عليها الإنسان أم هي رد فعل مكتسب ؟ هل يمكن أن نعتبر العامل الاقتصادي سببا مركزيا للإرهاب؟ وهل يجب هنا التحدث عن الإرهاب التكنولوجي؟ وهل يعقل أن نصف تطور أشكال الحياة بكل ما تسببه من أنواع الإبادة بأنه عنف بنيوي طالما أن القتل ضروري لتوفير الغذاء ؟ كيف يواجه الاقتصاديون هذه المشكلة ؟ ثم كيف أصبح الإرهاب مؤسسة سياسية قائمة الذات لدى السلطات الاستبدادية؟ أين يكمن الإرهاب في العلاقات السياسية الدولية ؟ كيف يتحول شعار الإرهاب إلى سلطة في يد الجماعات المسيطرة تستعملها لتخويف مناوئيها ؟ هل من البديهي أن نعرف الإرهاب بأنه بالضرورة اندلاع لاعقلاني للعنف؟ 
 ما الفرق بين النزاع والعنف والإرهاب ؟ ماهي الغاية التي يرمي إليها الإنسان إذ يخوض معركة لا يدري بعد تماما كل ما سوف تنتهي إليه؟هل يجوز أن يلجأ الناس إلى أقصى أشكال العنف من أجل الدفاع عن كرامتهم؟ ثم إلى أي مدى يمكن أن نعتبر العمل الثوري مقاومة للإرهاب المعولم ؟ هل يمكن التضحية ببعض الأشخاص الأبرياء من أجل الثورة والاكتفاء بوعدهم بالشهادة والجنة؟ لكن ألا يكون من الأجدى بناء هذه الجنة على الأرض في إطار المدينة الإنسانية عوض السير إليه مشيا على الجثث الآدمية ؟ 
 إذا صغنا الإشكالية الناجمة عن هذه المعضلة بشكل جيد فإنها تطرح على النحو التالي: 
هل الإرهاب مجرد حادث طارئ على طريق التطور التاريخي للشعوب والحضارات أم هو رد فعل أحمق يجابه به الناس تناقضات المجتمع ومظالمه ؟هل هو أحد أقوى اندفاعات الغريزة أم تراه ينغرس بعمق في بنية الكائن البشري ذاته ؟ هل ينبغي لنا أن نحلم بذهابه من خلال زوال عوامل التوتر التي تسببه وبتحقيق الانسجام بين الإنسان ونفسه وبينه ومحيطه أم أنه واقعة لا راد لها ويتوجب على الإنسانية أن تستأنس به؟ لكن ألا يقتضي السلوك القويم أولوية الروح على المادة ويستوجب العقل المستقيم الانفتاح على الأغيار والانخراط في الكونية ببذل الجهد الخلاق للسلام والصداقة؟ 
 كل هذه الأمور والتحديات هي التي تحرك فينا أولا التساؤل حول تداعيات الإرهاب ومعالمه الأساسية وتحفزنا للانطلاق في هذه المعالجة بدراسة ما يعيشه الناس في القرن 21 من نزاعات وحروب وذلك بتجميع المعطيات لمعرفة مواقعه كما هي في ذاتها دون أفكار مسبقة بالتركيز على الأطر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تسيطر عليها التقنية والتنظيم العقلاني الحسابي بغية إدراكها بتميز ووضوح وتحديد ملامح أساسية لها.
 كما تدفعنا حركة الفكر في مستوى ثان إلى التساؤل حول العوامل والأسباب والخلفيات التي أدت إلى تبلور ظاهرة الإرهاب والعنف المدمر بهذا الشكل المعقد وبمثل هذا الحجم الهائل والمريع مسلطين على هذه المادة أنوار العلوم الإنسانية والفلسفة باحثين عن دور ايجابي لها في التطور البشري ومحددين المخاطر والانعكاسات السلبية المنجرة عنها والتي تهدد الحياة الإنسانية .
 أما في مستوى ثالث فحري بنا أن نجد في البحث عن أساليب العلاج وطرق السيطرة على هذه الظاهرة المرضية باجتنابها على صعيد السلوك الشخصي واقتلاعها من جذورها على مستوى ردود الأفعال الجماعية والبحث عن السبل الكفيلة بمحاصرتها واستباق وقوعها. 
 غني عن البيان أن ما هو في ميزان الفكر وما نراهن عليه عندما نضع هذه المعضلة قيد الدرس هو الكف عن صراع التأويلات حول هذه المفردة المحيرة للعقول والمدهشة للقلوب وإيجاد تعريف لها يميزها عن المقاومة بوصفها حق مشروع يلتجئ إليها كل مظلوم للدفاع عن نفسه.
1 - تداعيات الإرهاب وتجلياته: 
«هناك انتشار عالمي للإرهاب الذي بات شأن الظل الملازم لكل نظام هيمنة،مستعدا في كل مكان لأن يستيقظ كعميل مزدوج ،لم تعد هناك أية حدود فاصلة تسمح بمحاصرته فهو في قلب هذه الثقافة التي تحاربه»[4] 
ان أهمية دراسة الإرهاب دراسة مجهرية تشخيصية تنبع من كثافة تجليه في الواقع ومن اتساع مدلوله وتعدد أسبابه وضخامة المؤسسات التي تفرزه بشكل يجعلنا غير قادرين على الكشف عن حيثياته وأصوله بقراءة الأحداث قراءة خارجية وبالبقاء على مستوى الظاهر لذلك لابد من الكشف عن الإيديولوجيا التي تجعل من الوعي مسرحا للأوهام وتشوه الحقائق وتزيف القيم ولن يكون ذلك ممكنا إلا بالتحقيق والتدقيق والتمحيص. 
إن عالمنا المعاصر يقدم لنا صورة حية ومتنوعة الجوانب والدلالات التي تجسد ظاهرة الإرهاب بما هو تشدد عنيف وتجلي للقوة العمياء التي يمكن رصدها وتتبعها في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة والمجتمع. إن تحليل ظواهر الإرهاب أظهر تنوعه الشديد وطابعه المتعدد الأشكال الذي يصعب رده واختزاله إلى أنماط محددة وقد اتضحت ولا شك حالات من الإرهاب مختلفة على الصعيد الثقافي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي منها ما هو مكشوف (حروب,اعتداءات،قمع بوليسي، سيطرة اقتصادية) ومنها ما هو خفي مجهري (مراقبة الحياة الخاصة،دمج مفروض،تنميط قسري،تحكم بالفرد والسلوك).
أ/ الإرهاب الثقافي:
" علوم التقنية هي التي تشوش الفروق بين الحرب والإرهاب. وفي هذا الصدد, بالمقارنة بإمكانيات الدمار والخلل الفوضوي التي تنتظرنا في المستقبل وفي شبكات العالم الإلكترونية,فإن 11 سبتمبر ما يزال ينتمي الى مسرح العنف القديم الموجه الى صدام المخيلة.فقد يمكن القيام غدا بعمليات أشد سوء من هذه العمليات, والقيام بعمليات غير مرئية وصامتة وبعمليات أكثر سرعة ودون إراقة للدماء, وذلك عن طريق مهاجمة الشبكات الإلكترونية التي تعتمد عليها الحياة(الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية, الخ)لأي دولة من دول العالم...وسنقول إن ما يحدث الآن له أشد سوءا مما حدث من قبل,حيث تسللت النانوتكنولوجيا المختلفة إلى كل مكان,تلك التكنولوجيا غير المرئية والمنيعة والأشد وطأة من أي شيء مضى."[5]
تظهر الكثير من أشكال الإرهاب الرمزي المرهون بدرجة الوعي والثقافة مقابل هذا الوضع العنيف المفروض على إنسان اليوم فهناك أولا الإرهاب اللغوي الذي يكتمل بالتقوقع في عالم القول المغلق أين نشهد هيمنة اللغة المغلقة أو المستبدة التي تنسى كثافتها وقدرتها اللاّمحدودة على توليد المعاني وتختزل نفسها في ممارسة السلطة والرغبة,اذ من تكون له الكلمة الأخيرة يمتلك في نهاية المطاف الكلمة التي تأمر وتنظم وهي التي تحرض الناس على العمل والإنتاج والموافقة، وتستبد الكلمة وتتحول إلى عقيدة وتفقد الفكرة قيمتها لأن الكلمة لا تحيل إلا إلى السلوك أي كيفية الدعاية ولا يهم أن يبقى للكلمة رونقها وسحرها وتأثيرها الشاعري.
هكذا تتخذ اللغة طابعا استبداديا بل كاذبا وإرهابيا تضيق على الرأي العام وتخنق كل معارضة وتمنع أي سعي نحو الحرية,فاللغة ليست أداة للتفاهم والتواصل بين الذوات وليست وسيلة تعبير وإبلاغ بل "أصبحت أداة مراقبة وذلك في الوقت الذي تنقل فيه أخبارا فقط لا أوامر وفي الوقت الذي تدعو فيه الإنسان إلى ممارسة الاختيار لا الطاعة والحرية لا الخضوع".[6]
يظهر الإرهاب اللغوي في الانتماء إلى هوية ثقافية متقوقعة ورفض الانفتاح والاستفادة من الهويات الثقافية الأخرى،خصوصا وأن مفهوم الثقافة هو قيم وأهداف ورموز وهذه القيم تصبح ضاغطة عندما تتعرض للخطر,وهكذا فإن كل ثقافة تحدد لكل امرئ مجال انتمائه وساحة اتصالاته داخل مجتمعه وعندما يرفض إنسان ما ثقافة غيره فانه يؤكد أولا ثقافته ويحاول المحافظة على قيمه ويصون هويته الخاصة ولكن رفض الانتماء إلى ثقافة جماعة ما والعزوف عن التكلم بلغتها والابتعاد عن اعتماد نظامها المتعلق بالقيم والتواصل يعني في نهاية المطاف رفض لثقافتها وبالتالي التعبير عن أعظم مظاهر التشدد والإرهاب وهو الإرهاب الثقافي الذي يتبلور من خلال رضي الإنسان اليومي بثقافته السائدة للمحافظة على الذات حتى بالبقاء غريبا عن العالم الذي يعيش فيه. انه مشهد آخر للإرهاب يتجسد في عنف يتجلى بقوة في الخطاب وهو يعبر عن المراهقة الثورية والبداوة الممدنة.
إن الإرهاب اللغوي يبرز هنا في:
* صيغة الكلام إن...إما...أو 
*الدفاع المستميت عن فكرة ما والرفض القاطع لأية فكرة مخالفة. 
* مقاطعة المتكلم من موقف اللاّتكافئ ومحاولة تبكيته. 
* الاعتماد على الأحكام القطعية والكلام الآمر الفاشي دون تمحيص. 
كل هذه المواقف هي تورط جزئي أو كلي في شراك الإرهاب الفكري الذي يتمثل في اعتماد عصبية نقدية أو دغمائية منهجية دون دراية بشروط الإمكان ودون تعرف على المسلمات القبلية والفرضيات الصامتة التي ينطلق منها الفكر ما دام كل نقد لا يخلو من عنف لأنه يسعى إلى الكشف عن حقيقة معينة والتعبير عنها للآخرين أو سترها وتغييبها إذا كان إظهارها لا يفيد. لكن ألا يوجد تناقض بين اللغة والإرهاب ؟ أليس هناك تنافر بين الخطاب والعنف؟فهل نحن في طريقنا إلى إخضاع العالم بأسره للخطاب المغلق الفاشي والتكنوقراطي؟
إن الإرهاب اللغوي هو مزيج من القمع الذاتي الشخصي والقمع الموضوعي أين ترتدي الكلمات سحرا جديدا ولا يكون لها من معنى إلا إذا علمت فقط محتوى العبارات المستخدمة والدارجة،هذا المحتوى هو اجرائي ووظيفي وتقني. فعالم القول المغلق هو نمذجة للغة خطيرة هي لغة إدارة كلية الوجود أي لغة التواصل الوظيفي الموجه التي تفرض التوحيد القسري بين الإنسان والوظيفة وذلك بمعاكسة التاريخ وبممارسة العنف على القوى والملكات الإنسانية المقاومة للدمج والتوجيه الإجرائي الوظيفي.
إن عالم القول المغلق هو انعكاس للعالم التقني الذي يعبر عما ينمو ويتكاثر وعما يمكن صنعه. في هذا الإطار فإن اللغة باتت أداة من الدرجة الثانية للتنبؤ بعمليات البرمجة والتحكم بالأدوات الإجرائية الضرورية وأصبحت أفضل أدوات الرقابة ليس فقط كجهاز انتشار لتكنلجة الحياة فحسب بل أيضا كشكل الإتصالات المنقولة ونمط الإعلام المقدم والآراء التي تبدعها الدعاية التي تفرضها.  ولقد لا تكون هذه اللغة الآمرة الفوقية تفكيرا فلسفيا حول مصير الإنسان بل نوعا من السفسطة الجديدة تشرح أبعاد الكائن البشري من خلال شبكة من الصور والعلاقات والروابط والإندفاعات داخل نسق من الإجراءات والوظائف الدقيقة. من الواضح إذن أن هذا المجتمع يحمل في ذاته وفي بنيته الداخلية بذور النزاع والعنف وأن الإرهاب يكمن وراء عملية تكنلجة الوجود بكاملها. لكن ما المقصود بتكنلجة الحياة الإنسانية؟ أليست التقنية وسيلة ضرورية لصنع حياة مريحة؟
إن التقنية لم يعد لها نظام خاص ولم يعد ينظر إليها كأداة بل اجتاحت الحياة الاجتماعية برمتها،فمن الآن وصاعدا لم تعد البنى الاجتماعية هي التي تستعمل التقنيات لصالحها بل المجموعات التقنية هي التي أصبحت تشكل المؤسسات البشرية على صورتها وتسخرها لخدمتها بل تحددها وتنظمها.وآيتنا في ذلك أن العالم التكنولوجي لم يعد عالم القيمة والإنسان بل أضحى عالم عقلانية منطقية ورياضية حسابية إجرائية,في جوهره عالم القوة والعنف وفي سطحه عالم اللذة والاستهلاك والمردودية.
ان المجتمع بأسره قد تحول إلى مختبر وان التقنية تسبب الإرهاب التكنوقراطي وتفرض ذاتها على البشر كأنها طبيعة فوقية ضاغطة رغم أن البعض يعدها أمرا جيدا يوجه المجتمع نحو الصلاح ويغير حياة الناس نحو الأسهل.لكن أليست التقنية هي التنين الجديد الذي يسبب عدة شرور للإنسانية عندما تضع نفسها على ذمة أنانية البشر وتخدمها أكثر مما تستخدمها؟ ألا يحتوي الواقع التكنولوجي على عدة تناقضات حادة تتصف بسمة قمعية ومتفجرة في آن واحد وبقدرة على التضييع وتهدئة الناس وتخديرهم معا؟ فما المقصود بالإرهاب التكنولوجي؟
إن المغامرة التكنوقراطية هي أفيون الشعوب الناهضة،فهي صنم جديد مخادع يجتذب كل حياة لصالحه والإنسان يقف مذهولا لا يعود يعرف من هو وما هو وجوده الخاص لكونه عاجز عن تحديد مضمون الحياة وإسناد معنى لها.إنها مجرد شكل فارغ ملئ بالإمكانيات المفرغة من الحياة الحقيقية. إن الإنسان قد تحول إلى كل ما يتلقاه من الخارج إذ تجتاحه مجموعة من الصور الساحقة التي تتدفق من أجهزة وسائل الإعلام،هذا الإنسان يتكيف مع ما يجده من حتمية ولكن يخترقه تناقض لاواعي بين تفاؤله التكنولوجي الساذج بشأن سعادة دنيوية موعودة وتشاؤمه السياسي أو الثوري نتيجة تعاسة واقعية وبؤس يومي يعاني منه ويتحول شيئا فشيئا إلى موضوع تتحكم فيه التقنيات وهي تبدو له مفيدة ليحقق تكيفه مع العالم ولكنها تفرض عليه وصاية القوى المسيطرة التي تحكم عليه بأداء دور محدد فقط طبقا لوظيفة معينة.في هذه الظروف التي يخضع فيها الفرد للإرهاب وتتعرض فيه الحميمية للانتهاك فان الوضع المرسوم هو وضع متفجر يجد فيه المرء نفسه مضطرا من حيث لا يدري لأن يكون شيئا آخر غير ذاته.
ب/ الإرهاب السياسي :
" كانت الثورة الفرنسية كغيرها من الثورات العظيمة,في شكلها الإرهابي المتطرف على الأقل,مجرد انفجار للرغبة في الحصول على حرية ايجابية للحكم الذاتي الجماعي من قبل فئة كبيرة من الفرنسيين الذين شعروا بتحررهم كشعب,وان كانت النتيجة بالنسبة الى كثيرين منهم تقييدا صارما لحريات الفرد."[7]
قلما تتمتع وقائع بمثل ما يتمتع به الإرهاب الآن من التصاق محزن بالأحداث الحاصلة في هذا الزمان,فالنزاعات طويلة الأمد لم يتم فضها( الصراع العربي الصهيوني مثلا) والرقابة الخانقة أصبحت مضروبة على العقول والأفواه وحروب العصابات مستمرة ردا على غطرسة الأنظمة الشمولية والأوضاع متفجرة في عدة أصقاع من المعمورة والمآسي والكوارث التي يتعرض لها الإنس المستخلف في الأرض لا تحصى ولا تعد وفوق ذلك التهديدات التي تشكلها الأسلحة الذكية غير التقليدية على أمن الدول واستقرار الشعوب تفوق كل التصورات,الأمر الذي يؤذن بانهيار التوازن الهش القائم على الرعب وامكانية اندلاع الحروب الأهلية في كل مكان وملة, كل هذه الوقائع تتفق الى حد بعيد مع الصورة التي تتكون عفويا في ذهن الناس عن الإرهاب عندما كان معظمهم يعرضون عن هذه المشاهد الفضيعة وقد استبد بهم الخوف والهلع. 
ان أعمال الإرهاب آخذة بالإتساع هنا وهناك,فالوسائل التي تستخدم لقسر بعض الأفراد أو الجماعات على مستوى وجودهم أو حقوقهم تحت ستار المستلزمات التقنية أو الإجتماعية وتحت ستار الإقتصاد والربح والقانون أو حتى الأعراف والعادات والتقاليد في تصاعد مستمر،علاوة على ذلك إن المجازر والمذابح في تزايد وهي لا تكاد تحظى باهتمام أحد وآلاف الرجال يقفون دوما تحت السلاح على أهبة للقتال،ومنذ نشوب الحروب لم تتمكن البشرية من إحصاء خسائرها من الأرواح،ومنذ إندلاع موجة الإغتيالات السياسية والإنقلابات العسكرية لم يتم حصر المنتحرين السياسيين والأنظمة المتداعية، وحتى ما يسمونه مدن الأنوار والسلام والحرية فإنها لم تكن بمنآى عن تفجر الدم والعنف بل كانت لقمة سائغة في قبضة القوة المدمرة."إن الطابع الجديد للإرهاب يتمثل في قدرته الكثيفة على الظلم الخبيث والمغفل بحيث يقهر الكائن البشري في أعمق أعماقه تحت ستار ضرورات تقنية أو اجتماعية تبسط أمامه وكأنها محتمة بل ونافعة".
من جهة أخرى ثمة أشكالا للإرهاب أكثر غموضا تجد لها في النفوس البشرية تجانسا خفيا تتمثل في هذا الشغف بالقوة والمخاطرة والرغبة في الانتصار وحب السيطرة وإرادة الطغيان وهذا التعشق بالزعيم الرمز الذي يكون منطلق لعنف سريع الاندلاع,لذلك يمكن القول أنه ثمة طابع آخر للإرهاب خاص بالمجتمعات المتقدمة،إنه التناقض بين ظهور الإنسان العقلاني وردود الأفعال العنيفة التي تتفجر غضبا ودمارا, اذ كلما سعى العقل عبر التوقع والبرمجة والرقابة إلى السيطرة على الجماعات البشرية كلما تعددت أشكال الرفض والفوضى ونمت روح العصيان والتمرد والنقمة والغضب وكلما تنامت كل أشكال الرفض اللامعقولة لهذه العقلانية المزيفة وقع إهمال أبعادا عميقة في الكائن البشري والتي جعلت من سيطرة الإنسان على الطبيعة بوابة لسيطرته على الإنسان الآخر.
"ان عصر الإرهاب الاستبدادي للدولة العظمى لا يؤذن بوأد السلم العالمي فقط لكنه يهدد سلم الطبيعة كذلك ويكسر أخوتها الأزلية مع الجنس الإنساني ووطنه".من هنا فإن جرثومة الإرهاب تنشأ بين أحضان الدولة التسلطية الشمولية وتعشش في أوكار عصابات النهب والمافيا الاقتصادية وتكبر في كهوف المرابين الدامسة وبذلك هيأت الجو لنشوء العنف المرتقب على مسرح القسوة والعنف المضاد، فكل الطرق تؤدي إلى الإرهاب منها البيئة الداخلية والخارجية والطرف السلطوي المحلي والعالمي هو الذي يتحمل مسؤولية انتشار الإرهاب ومعالمه السياسية بصفة خاصة،فقد شهدت الكثير من الدول العديد من أحداث العنف السياسي الذي شاركت فيه الجيوش والجماهير التي عمدت إلى استخدام القوة والتهديد باستعمالها من أجل الحصول على بعض المكاسب الاقتصادية ومن أجل نشر العقائد المهترئة. 
إن الإرهاب قريبا كان أم بعيدا يتخد مظاهرا وأشكالا أخرى أيضا: زرع الجحيم في جبال يشتبه في ايوائها الثوار وهو ما يجعل آلاف من الأطفال يقضون ضحية الإعصار والجوع والمرض،كما تلقي طائرات عملاقة قنابل النابالم على المدن أدرجت ظلما ضمن محور الشر، من جهة أخرى تلجأ بعض الأنظمة الفاشلة إلى الضرب الوحشي للطلاب وقمع مظاهراتهم السلمية واستعمال قنابل الكلور المسيلة للدموع ضد حشود منتفضة من العمال رافضين الاستغلال والبؤس والاضطهاد مع مباركة النخب وتحت أعين الكتاب والمثقفين.
عنندئذ يبدو مجتمع النخبة مجتمعا لا يطاق لأنه مجتمع نخبة القمع والاستبداد والتسلط اذ تعمد الأقلية الضيقة إلى استعمال العنف المبرمج والإرهاب العصري للسيطرة على الأغلبية,اذ أن "الحل الوحيد المطروح لكل مشكلات المجتمع هو القمع:قمع الأغلبية للأكثرية كشرط لتكوين دولة حديثة قوية لانتزاعها الكتل والجماعات والقبائل والعشائر والقرى التي يتكون منها المجتمع العربي،وقمع الدولة الاقتصادي كشرط لإقامة اقتصاد حديث استهلاكي طفيلي قادر على إشباع حاجات الفئة المتغربة والمحتكرة لكل وسائل الحياة،وقمع ثقافي كشرط لتكوين ثقافة محلية لا تنفذ إليها التيارات والطفرات والثورات التي تهز الثقافة العالمية ووسيلة لعزل الجماعة ككل عن تاريخها وعما يجري في بقية أنحاء العالم".[8] لكن ما الذي يمهد لذلك؟ ماهي المرتكزات التي تستند إليها سلطة قمعية كهذه في تهميش الأكثرية لصالح الأقلية؟
إن الإرهاب متعدد وهو مخالف للرفق واللين ولكنه يجمع عدة مشتقات يتميز بها,فالعنف والعدوان والظلم والقتل والعبودية والإهانة والنفي والملاحقة والتعذيب حالات له.والإرهاب هنا يتنوع فقد نجد هنا إرهاب مؤسسة ضد جماعة أو جماعات أو فرد بعينه لأسباب سياسية معينة أو غيرها،أو إرهاب جماعة ضد أخرى أو دولة ضد أخرى أو مجموعة دول أو أمة ضد أخرى أو فرد ضد فرد آخر. وفي جميع هذه الحالات يكون الإرهاب مركزا على اذلال أو تركيع أو تحطيم طرف من قبل طرف آخر.اذ الإرهاب يكون هنا مقرونا بالملكية وبنزعة السيطرة والإحتفاظ بالسلطة ما دامت هي قائمة على العنف الموجه من خلال تمركز الملكية والدفاع عنها.
الإرهاب هو تجلي للقوة العمياء وللعنف التدميري الذي يشكل أحد أكبر المفاهيم المتداولة ويرتبط بالتناقض والصراع ويؤدي دور المحرك الأساسي للوجود الجيوسياسي للدول. ويرتبط الإرهاب في السياسة بالعنف ويقصد بالعنف السياسي الاستخدام الفعلي للقوة أو التهديد باستخدامها لتحقيق أهداف سياسية واجتماعية لها دلالات وأبعاد اقتصادية بشكل يأخذ الأسلوب الفردي أو الجماعي ،السري أو العلني، المنظم أو غير المنظم والذي يؤدي إلى بروز الاستبداد.فماهي علاقة الإرهاب بالطغيان السياسي؟
"لا يمكن القول إن الإرهاب قد ولد قبل أربع سنوات فقط مع هجمة أصولية إسلامية مستحدثة على رموز الحضارة الأٌقوى في نيويورك وواشنطن. ذلك أن الإرهاب قديم قدم الطغيان المتجذر في تاريخ الإنسان, انه الوجه الآخر للطغيان, النابع منه أصلا ولكن قد يتحول بعضه ضد جبروته, ففي البدء كان الطغيان هو التعبير عن فيض القوة التي تفلت من رقابة صاحبها وأمست سيدة على إرادته. لكن في الوقت عينه قد ينقسم إرهاب الطغيان على نفسه ويبرز أمامه قسمه الآخر على شكل عنف, ليس هو من فيض قوة مفرطة, بل من شبه انعدام لنوع تلك القوة المحتكرة لجبروت الطغيان وحدها.انه عنف المستضعفين الذي لم يكن ليوجد ويظهر على شكل التمرد والثورة والعصيان إلا بسبب انفلات الطغيان واستفحال ممارساته المنكرة,وردا مستحيلا على فظاعته ولا يصير ردا ممكنا إلا بجعل موت (الإرهابي) سببا لموت جلاده في الوقت عينه. فالإرهاب هو صنو الطغيان وان كان يلعب دور عدوه الأخير الذي لن يسهل قهره بذات الأساليب التي يقهر بها أعدائه أو ضحاياه التقليديين من الشعوب والمجتمعات المغلوب على أمرها وهكذا يخرج الإرهاب الطغاة عن عاداتهم المألوفة, يضطرهم إلى إسقاط جميع أقنعة المدنية التي يتخفون وراءها. فإذا بالأنظمة الديمقراطية تتهاوى مظاهرها تباعا لتبرز تحتها أصولها الحقيقية منظمة كلها في مؤسسة واحدة للعنف الخالص.فإذا بدولة القانون تنجلي عن الدولة الأمنية والبوليسية الكامنة في جذورها الأولى."[9]
هكذا" فإن تاريخ الإنسان يبدو وكأنه يطابق تاريخ السلطة العنيفة.وفي أقصى حد ليست المؤسسة هي التي تشرع العنف بل هو العنف الذي ينشيء المؤسسة بإعادته توزيع القوة بين الدول والطبقات... وينتهي الأمر بالعنف الى أن يظهر وكأنه محرك التاريخ".[10] لكي نكتشف طابع الإرهاب الملازم لهذه الأشكال من السيطرة التي تمارسها السلطات السائدة لا بد من تحليل المجتمع الوظائفي الخاضع لحكم الفنيين الذي تتحكم به البنية التقنية والتأكد من أن استفحال نتائج الإرهاب يعود إلى السلطات الواسعة التي يمتلكها من يمارسونه.ان السيطرة الواقعية للبلدان القوية التي غالبا ما تجد تبريرا لها في شريعة الأقوى تشكل ارهابا على نطاق عالمي يفوق دون شك أشكال الإرهاب القاسية التي سببتها الحربان العالميتان الضاربتان (1914-1918/1939-1945).
من ناحية أخرى فإن أنواع كثيرة وضخمة من السيطرة تمارس بين الدول التي تؤلف قوى تجارية ومالية وأخرى ضعيفة ومتخلفة أو على الأقل سائرة في طريق التقدم والنمو ونتيجة لذلك أصبحت الأوضاع الدولية غير مستقرة وتنطوي على استعباد حقيقي بل إن هذا الوضع الدولي المزري والصارخ بالإرهاب الذي هو نظام الرق هو أبعد من أن يكون قد زال في أيامنا هذه بل انتقلنا من عبودية قديمة إلى عبودية جديدة أشد فتكا لأن قوتها التأديبية والانضباطية مزورة ومنمقة ولكنها أقل تسامح وإنصاف. إن تلك الرقابة الدولية المنبعثة في كل مكان تبلغ من الإرهاب الذروة بحيث تحكم الضمائر وتتدخل في الحياة الخاصة وتبرر النظام القائم وتسحق الفكر اللاّنمطي وتسيطر على حرية الشخص في الاختيار فيختار لا ما يريد بل ما أرادت له لعبة القوى الضاغطة أن يرغب فيه ويختاره. من هنا فإن المحققين العاملين في الاستخبارات وشركات التأمين يعرفون أحيانا عن تفاصيل الحياة الخاصة للملايين أكثر مما يعرفونه هم عن أنفسهم,فالعين الإلكترونية ذات فائدة أكيدة في البنوك والمغازات ولكنها تستخدم بصورة غير لائقة عندما تشدد الرقابة على الناس وتدرج كعنصر أساسي في أي تحقيق تفتيشي تكملها مجموع الأجهزة الخاصة بالإصغاء إلى المكالمات الهاتفية وتسجيلات أحاديث الناس بجميع أنواعها. إن البلدان الفقيرة التي استعمرتها البلدان الغنية بل نهبتها واستغلتها والتي تخنقها كماشة الاقتصاد الدولي والتقسيم العالمي للعمل وتضغط عليها آليات التجارة العالمية والشروط المجحفة للصندوق الدولي والبنك الدولي والتي تغير علتها من خلال تبادل لا متكافئ وتغيير غير عادل في سوق البورصات العالمية محكوما عليها إما بالموت جوعا أو الانقراض الحضاري والتفكك السياسي وإما بالرد حسب الطريقة الوحيدة المفتوحة أمامها أي بالمقاومة المسلحة والعنيفة ضد سياسة القوة عبر إستراتجية الحرب العادلة طويلة المدى ومن خلال استعمال ذكي للتقنية. 
ويتجلى هذا الفيروس الإرهابي في تسلط الأنظمة الإمبراطورية كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا على الدول الفقيرة والتدخل في شؤونها الداخلية باسم حقوق الإنسان تارة وباسم نقل الحضارة والتمدن والحرية طورا بينما حقيقة الأمور هي الفوز بمصالح مادية وتحقيق منافع اقتصادية.
هذا الوضع المتفجر ينشأ من جراء بنية علائقية غير متكافئة بين الشمال والجنوب والمركز والمحيط قامت على الأعراف والقوانين الدولية التي ترعاها الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمحكمة الدولية وان هذه البنية الحقوقية مكنت من استيلاء حفنة من الدول على العالم بابتداع شبكة واسعة من السلطات تكرس من خلالها هيمنتها وتفوقها الحضاري على الآخرين،وقد تحولت هذه الشبكة الى أنظمة سياسية ظالمة ومستبدة وعنيفة ترفض التخلي عن عقيدتها الإمبريالية ولا تعترف بحق تواجد الأنظمة السياسية المختلفة والمغايرة لها.ان هذه الأنظمة السياسية تحاول في أكثر الأحيان البقاء في سدة الحكم وموقع الزعامة العالمية ولكي تبقى بنية فوقية سياسية للمعمورة تلجئ إلى حلول إرهابية سواء بتصفية الخصوم أو بالتخطيط للانقلابات العسكرية أو الانحراف نحو الحرب والاستعمار العسكري المباشر للدول كما حصل في العراق وأفغانستان والصومال. كما تؤجج شعارات مثل تحرير المرأة والفصل بين الدين والدولة واحترام حق الإثنيات والخصوصيات القومية والثقافية في المحافظة على بقاء مشاعر التوتر والنزاع وتوظف عادة هذه القضايا رغم شرعيتها للتدخل في شؤون الدول وانتهاك سيادتها الدولية الوطنية وتساهم بدرجة كبيرة في تفكيكها وتجزئتها إلى دويلات صغيرة لا قيمة سياسية لها على الصعيد الاستراتيجي.
 اللافت للنظر أن الديمقراطية نفسها تحولت إلى شكل من أشكال الاستبداد وما اصطلح على تسميته بالإستبداد الديمقراطي أو المستبد العادل هو خير مثال على ذلك ويتجسد عندما تتحول اللعبة الديمقراطية إلى مجرد واجهة يتقاسم من خلالها الفاعلون الاجتماعيون وأصحاب النفوذ والجاه والمصالح والمناصب ويوهمون الشعب بالعدالة والمساواة والحرية وحقوق الإنسان ودولة القانون والمؤسسات ولكن كل هذا يظل مجرد شعارات جوفاء وحبر على ورق لأن واقع الممارسة يبين ذلك وما تكاثر السجون والجرائم إلا دليل على هذا النفاق والظلم.
 ج/ الارهاب الاقتصادي :
 " إن المجتمع الصناعي المعاصر يميل بحكم طريقة تنظيمية لقاعدته التكنولوجية إلى النزعة الكلية الاستبدادية. والنزعة الكلية الاستبدادية ليست مجرد تنميط سياسي إرهابي بل هي أيضا تنميط اقتصادي-تقني غير إرهابي يؤدي دوره عن طريق تحكمه بالحاجات باسم مصلحة عامة زائفة. ولا يمكن في مثل هذه الشروط قيام معارضة فعالة للنظام. فالنزعة الكلية الاستبدادية ليست مجرد شكل حكومي أو حزبي نوعي وإنما تنبثق بالأحرى عن نظام نوعي للإنتاج والتوزيع متوافق تمام التوافق مع تعدد الأحزاب والصحف ومع انفصال السلطات."[11]
 ما تكشفه لنا العولمة الاقتصادية الظالمة أن كل مجتمع بات يمارس الإكراه والفرد لا يعود يعتبر نفسه ذاتنا واحدة إلا ضمن الكل كما أن مصادر السلطة انتقلت من حيز الكلام إلى حيز الاقتصاد، إذ أن الرجال الذين يديرون دواليب المجتمع الصناعي ويسيرون الشؤون الاقتصادية على الصعيد العالمي هم الذين يمسكون بزمام السلطة الفعلية ويملكون القدرة على التحرك بحرية تامة في المعمورة بأسرها. ففيما يتمثل الإرهاب الاقتصادي؟
 يعرف المجتمع الصناعي نفسه بأنه مظهر اجتماعي للتطور الاقتصادي تكون فيه مصادر الحكم والسلطة لمن يملك وسائل الإنتاج بفرض الرقابة والتوجيه العقلانيين. إن استعباد الإنسان واستغلاله على الصعيد المادي لا يحتاج إلى التفسير فمنذ نظام الرق وظهور العبودية إلى نظام الأجرة في الرأسمالية المتوحشة وقع التعامل مع الإنسان كقوة من قوى الإنتاج أو بأسلوب أكثر سخافة عرض في السوق كسلعة تباع وتشترى تماما مثل أي بضاعة أخرى. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل وطلب من العامل أن يبذل كل ما أوتي من جهد وطاقة لكي يحقق المزيد من الإنتاج والربح ولكن النتيجة كانت مخيبة للآمال" كلما ازداد العامل إنتاجا قل ما يتاح له الاستهلاك وكلما ازدادت القيمة التي ينتجها أصبح هو أقل قيمة.وكلما ازداد إنتاجه تجويدا أصبح هو أقل تهذيبا وأكثر تشويها وكلما ازداد المنتج حضارة ازدادت همجية العامل وكلما ازدادت قوة العمل أصبح العامل أكثر ضعفا وكلما أظهر العمل ذكاء انحدر العامل في الذكاء وأصبح عبدا للطبيعة".[12]
 إن الإرهاب الاقتصادي يؤدي إلى اغتراب ثلاثي الأبعاد في طبيعة العمل ذاته وفي العامل وفي الثقافة الإنسانية جمعاء لأن أداء العمل يظهر في نفس الوقت كنفي للعامل وتشييء له ويظهر التشييء كضياع وعبودية للشيء ويظهر تخصص العامل كاغتراب بعبارة أخرى׃"يظهر أداء العمل نفيا للعامل إلى حد التضور جوعا ويظهر التشييئ ضياعا للشيئ الى حد حرمان العامل من أكثر الأشياء ضرورة ليس فقط للحياة بل أيضا للعمل ويصبح العمل في حد ذاته شيئا لا يمكن الحصول عليه إلا بأعظم الجهود...ويظهر تخصيص الأشياء كتغريب إلى حد أنه كلما ازدادت الأشياء التي ينتجها العامل قل ما يستطيع أن يمتلكه من الأشياء وكان وقوعه تحت سيطرة إنتاجه أكبر...إن العامل مرتبط بمنتج عمله وكأنه مرتبط بشيئ غريب عنه لأنه...كلما استهلك العامل نفسه في العمل ازداد عالم الأشياء التي ينتجها قوة في مواجهته هو نفسه وازداد فقرا في حياته الداخلية وقل انتماؤه إلى نفسه فلا تعود حياته تنتمي إلى نفسه بل إلى الشيئ وبذلك كلما عظم نشاطه قل ما يمتلك. إن ما يتجسد من عمله في المنتج لا يعود ملكه بعد ذلك وبذلك كلما كان هذا الإنتاج أعظم قل هو،ان اغتراب العامل لا يعني فقط أن عمله أصبح شيئا يكتسب وجودا خارجيا ولكنه يعني أنه موجود بشكل مستقل خارج عنه وغريب بالنسبة إليه وأنه يقف معارضا له كقوة مستقلة بذاتها...وبالتأكيد ينتج العمل الروائع للأغنياء لكنه ينتج الحرمان للعمال.انه ينتج القصور ولكنه ينتج الأكواخ للعمال.ينتج الجمال ولكنه ينتج البشاعة والتشويه للعمال.يستبدل بالعمل الآلة ولكنه يرمي ببعض العمال إلى نوع همجي من العمل ويحول الآخرين الى آلات.ينتج الذكاء ولكنه أيضا ينتج الغباء والدمامة للعمال..."[13] 
 إن الغني عن البيان هنا هو أن الإرهاب ناتج عن سلطة الجماعات المسيطرة على رؤوس الأموال وهو في النهاية إكراها قمعيا ناجما عن القوانين الاقتصادية الجائرة يبرر بمبدأ الندرة وعدم التوازن بين العرض والطلب وبحدوث أزمات تضخم أو انكماش ويفسر ببعض الاعتقادات الفيزيوقراطية والليبرالية المضللة مثل فرضية اليد الخفية التي تعمل بطريقة غيبية على استقرار الأسعار والأجور ولكن في حقيقة الأمر إن الاقتصاد السياسي علم مشؤوم لأنه ينشأ من ضرورة الصراع من أجل البقاء فهو يعنى بالإنسان الساعي إلى انتزاع ما هو ضروري لبقائه ويستهدف ترويض الطبيعة وإخضاعها لحاجياته وهو كذلك يكشف عن بؤس الأوضاع وخطورة الإرهاب السياسي والرياء الديبلوماسي التي يعاني منها العالم اليوم في شؤونهم الخاصة. ينتج عن هذا الإرهاب الاقتصادي وعيا زائفا يستبد بالإنسان يتمظهر في الاستلاب والاغتراب المرتبط بانسحاق الفرد داخل الجماعة وبتكون فكر ذو بعد واحد عند إنسان ذي بعد واحد,يقول ماركوز في هذا الشأن:"إن الثقافة الصناعية المتقدمة أكثر ايديولوجية من الثقافة التي سبقتها لأن الإيديولوجيا تحتل مكانها اليوم في صيرورة الإنتاج بالذات...فالجهاز الإنتاجي والسلع والخدمات التي ينتجها تبيع أو تفرض النظام الاجتماعي من حيث أنه مجموع.إن وسائل النقل والاتصال الجماهيري وتسهيلات السكن والطعام والملبس والإنتاج المتعاظم لصناعة أوقات الفراغ والإعلام,إن هذا كله تترتب عليه مواقف وعادات مفروضة وردود فعل فكرية وانفعالية معينة تربط المستهلكين بالمنتجين ربطا مستحبا بهذا القدر أو ذاك ومن ثم تربطهم بالمجموع.إن المنتجات تكيف الناس مذهبيا وتشرطهم,وتصطنع وعيا زائفا عديم الإحساس بما فيه فيه من زيف."[14] إن العولمة في جانبها الاقتصادي وخصوصا حرية التجارة هي إرهابا تمارسه الدول الكبرى على الدول النامية ووبال على الشرائح محدودة الدخل واعتداء صارخ على سيادة الأوطان على أراضيها,وقد رأى جلال أمين أن حرية التجارة لها نقائص وأخطار مهمة وتضر بالفقراء ضررا شنيعا فيما يتعلق بإشباع الحاجات الضرورية كالغذاء والمسكن والصحة والعليم المتوازن.
 وقد حدد ثلاثة نقائص للعولمة:
 - حرية التجارة عندما تسند لكل دولة دور في الصناعة العالمية في إطار تقسيم العمل الدولي فأنها تكرس التخصص القائم بالفعل ولكنها قد تعطل أو تمنع الانتقال الى مستوى أعلى من التخصص.
 - تحرير رؤوس الأموال يتعلق بالاقتصاد ويعظم المنافع المادية بينما الحياة الإنسانية هي أرحب من ذلك بكثير والرفاهة الإنسانية قد تتعالى على الحاجيات الجسدية.
 - عدم التزام الدول الكبرى بتطبيق مبادئ العولمة وشعارات حرية التجارة العالمية إذا كان ذلك يتعارض مع مصالحها ويضر باقتصادياتها ويعرض أسواقها لخطر منافسة البضائع الأجنبية الأكثر جودة والأقل ثمنا.
 "الإنسان ليس مجرد مستهلك حقير بل هو أيضا كائن اجتماعي,عضو في أسرة,ويشعر بالانتماء إلى أمة,وهو لا يحتاج فقط إلى سلع وخدمات مما يباع ويشترى,بل يحتاج أيضا إلى هواء نقي وغذاء غير ملوث,كما يحتاج إلى أن تكون له وظيفة أو عمل يحقق من ورائه ليس فقط دخلا ملائما,بل وأيضا ثقة بالنفس وشعورا بأن المجتمع في حاجة إليه. ومن ثم فالبطالة شيء فظيع حتى ولو أدت إلى ارتفاع كبير في معدل النمو."[15]