صوت من السويد/ سعيد علم الدين

سويدية في الثلاثينات من عمرها و لها طفلين بعمر 8, 12 .. و تملك مزرعة و فيها أحصنة و أبقار و طيور و دجاج .. نشرت قبل ايام في صفحتها في الفيسبوك هذا الموضوع و قمت بترجمته .. طريقة كتابتها بسيطة و الترجمة ايضا بنفس البساطة !!

أنا اشعر بالغضب الان و اكتب و أصابعي ترتجف .. قبل كل شئ انا لست عنصرية و لست ضد اللاجئين . نقطة راس السطر ،

قرات للتو بانه يتم تقديم لحم مذبوح على الطريقة الاسلامية المسماة (الحلال) في المدارس السويدية !! الى هنا وصل حدود تحملي !

كل يوم يأتي إلينا لاجئين مسلمين . هم يهربون من ظروف صعبة و نحن لم نعشها و لا يمكننا تخيلها و انا أتعاطف معهم لكنني استغرب خضوع السويد لهم الى هذا الحد..

انهم يريدون الجوامع !! نعم ! نبنيها لهم ! من اين؟ دافعي الضرائب ! و اللاجئين بطبيعة الحال لا يدفعون الضرائب ! لنفرض اننا نحن السويديين انتقلنا الى بلد مسلم ! هل سيسمحون لما ببناء كنيسة او حتى بناية خاصة بنا نحتفل بها !!

انا في بلدي لم أعد احس بالأمان و بت اخاف البس ملابس خفيفة كما كنت سابقا لانني عند ذلك يجب ان ألوم نفسي اذا تعرضت لاية معاكسة او حتى اغتصاب ...

انا كنت اذهب الى المسبح مرتين في الأسبوع . هناك لافتة واضحة مكتوب عليها يجب الاستحمام اولا بدون ملابس لغرض النظافة قبل السباحة .. لكن المسلمون يسمح لهم بالسباحة بدون الاستحمام لانهم لا يريدون ذلك .. لذلك لم أعد اذهب الان الى المسبح .الرجال المسلمون يأتون الى المسابح فرحين و يسبحون بالشورت فقط و هذا شئ عادي لكن البنت المسلمة حتى في المسابح رأيت البعض منهن يسبحن بكامل ملابسهن و مع قطعة قماش على رؤوسهن و طبعا يسمح بالسباحة فقط للبنات الصغيرات لان الفتاة البالغة لا يسمح لها السباحة ابدا ..

لماذا السويد تسمح لهم بمخالفة القواعد و الواجبات التي نحن نطبقها على انفسنا ؟؟ و لماذا لا يغسلون أنفسهم قبل السباحة ؟؟ انا لا تتولد لدي رغبة بالسباحة و في مكان هناك من يسبح به بملابسه !!

لدي ولد في المدرسة و معه بعض الفتيات المسلمات يلبسن الحجاب و لا يسمح آبائهن لهن بممارسة نشاطات الرياضة و غيرها من النشاطات المدرسية .. ولدي يحس بالحزن من أجلهن . نحن نعيش في دولة فيها مساواة بين البنات و الاولاد ! أليس هذا ظلما ضد البنات؟

في المدارس يأخذون التلاميذ الى زيارة الجوامع و معابد اليهود و الكنائس للاطلاع ليس الا ، أولادي يذهبون الى الجوامع لكن اولاد المسلمين يرفضون الذهاب الى الكنائس !!

اصبحت اخاف على ابنتي عندما تلبس ملابس خفيفة لان هناك من الأطفال المسلمين ممن يقولون لها بأنها عاهرة !!

بالنسبة لقضية لحم الحلال . انا املك مزرعة للحيوانات و لدي أحصنة و أبقار و لا اريد لاحد في بلدي ان يذبح الحيوان بدون تخدير . نحن نخدر الحيوان قبل ذبحه لكي لا يتألم !! لماذا يسمح للمسلمين بتعذيب الحيوان ؟ شئ مأساوي ان حتى مدارسنا السويدية توفر اللحم المذبوح على طريقة الاسلامية للطلاب المسلمين !! نحن دولة لها قوانين مشددة لغرض حماية الحيوان ! فلماذا نسمح للآخرين بارتكاب هذه الجريمة بذبح الحيوان بدون تخدير .. انا اكتب هكذا ليس لانني لا احب اللاجئين لكن اذا كانوا قد اختاروا العيش هنا هربا من صعوبات و ظروفهم حياتهم فعليهم ان يحاولوا الانسجام و ألا فان من الافضل لهم و لنا إرجاعهم الى بلادهم ..

انا فخورة ببلدي و تقاليدي و سأساعد كل من يحتاج للمساعدة لكنني لا اقبل ان يفرض علينا شروطه بل بالعكس .. فنحن لو ذهبنا عندهم و احتراما لهم سنلبس كما يلبسون و نتصرف كما يتصرفون ..

شئ اخير ! لماذا في الدول المسلمة هناك دائما حروب و قتل و دمار ؟ لماذا يأتون إلينا نحن المسيحيين و الديمقراطيين و هم لا يحبون طريقتنا في الحياة . هم يأتون ألينا و يطلبون المساعدة و يجدونها بكل سهولة و حسب القانون فلماذا رغم كل هذا و مهما عاشوا بيننا اول شئ يفكرون به هو بناء الجوامع و يستمرون في إساءة معاملة بناتهن و يستمرون بتقاليدهم الغير الجيدة كذبح الحيوان بدون تخدير .. يأتون الى هنا و بدل ان يتغيروا يريدوننا نحن الذين نتغير .. نساعدهم و يسببون لنا المشاكل!!

كتر الأيادي فـ" الزبادي " تضرني/ أنطوني ولسن

يلعب الأعلام في أي بلد في العالم دورا كبيرا وهاما في إستقرار الأمور وتنوير الشعوب بكل ما يحدث في العالم الذي حوله ليكون على بينة لكبائر الأمور وصغائرها في أي وطن على سطح الكرة الأرضية . لأن العالم قد أصبح قرية واحدة يستطيع الأنسان أن يشاهد ويتابع على أدق المعلومات أو الأحداث التي تدور وتحدث في أي بقعة في العالم .

هذا التطور العلمي غيرّ خارطة طريق كثير من الدول ، وكان الفضل في ذلك راجع الى الأعلام . إذن الأعلام هو أحد أهم أدوات الأستقرار في الدول عن طريق البث الواضح الصريح والذي لا يعمل على خلخلة استقرار الوطن .. أي وطن مهما كان تقدمه العلمي أو عدمه .

الأعلام المصري في أحرج مرحلة تمر بها مصر بعد عزل الرئيس مرسي والعمل على تخليص مصر من جماعة الأخوان التي لم تعمل طوال سنوات وجودها على رفعة الوطن مصر والنهوض به النهوض المبني على تطوير المجتمع الى الأحسن والأفضل وتشجيع إستحداث التعليم لأخراج شباب حر متعلم يفهم معنى التعليم وتأثيره في المجتمع للسير بقدم واثقة نحو التكنولجيا العالمية والمعرفة الخافية عن الكثير من أبناء شعوب التخلف سواء الشرقي أو غيره .

على الرغم من التصدي للأخوان وتقريبا يكاد وجودهم قاب قوسين أو أدنى من القضاء عليهم كجماعة إرهابية هدفها الأول قمع الشعب المصري وتخويفه يأسم الدين الأخواني الذي أعلنوه واضحا جدا في تسمية أنفسهم بـ " الأخوان المسلمون " وكأن الأسلام محصور مع تلك الجماعة " التي أصبحت أو كادت أن تكون منتهية " وبدأوا بالأنتشار بأسم الدعوة الأسلامية لكن بشروط إخوانية تدور في أهم بند وهو " السمع والطاعة " لمرشد الجماعة . وهذا في حد ذاته أكبر ضرر وقع فيه بسطاء الناس من المصريين وفقراءهم .

بعد عزل الرئيس مرسي شاهدنا على شاشات التلفزة الكثير والكثير جدا من القنوات التي تستضيف ضيوفا ليناقش معهم مقدم البرنامج " أو مقدمي البرنامج / البرامج " ويكون من بين الضيوف مندس من الأخوان فيدير الحديث ويحوله إلى تشويش معلن أمام المشاهدين فيحدث الأرتباك في عقول بسطاء الناس الذين يسمعونه ويشاهدونه من سفهاء الناس والبرنامج / البرامج تستمر في بث ما يتفوه به  أولئك البشر غير المؤمنين بمصر وطنا لهم يفتدونه بالغالي والنفيس . والسبب في هذا كما وضعته عنوانا للمقال:

 كٌتر الأيادي فـ " الزبادي " تضرني ...

فهل ننتبه إلى ذلك الخطأ الذي وقع فيه البعض من الأعلاميين سواء عن قصد أو بحسن النية ونحن على أبواب جمهورية يترأسها رئيس منتخب من الشعب وليس بالتعيين ، أو بالسكر والزيت والتزوير في الأنتخابات ؟

هذا ما نتمناه لمصرنا الحبيبة . تحيا مصر ...

سألـت المَجْـد فين أرضـك/ مهندس عزمي إبراهيم


سـألـت "المَجْـــــد" فين أرضـك *** قال منين ماتشوف عَرَق ودموع
وتلـقى النـــاس عنـدها إحسـاس *** وحُـب "الوطـــن" وَلاء مشروع
وتلـقى "القلــــب" فيه إخــلاص *** وتلـقى "الحُـــــب" فيه مَـزروع
وتلـقى "الرحمـة" قبـل العــــدل *** وتلقى "الحَـق" صـوت مسموع
وتلـقى "العـــــدل" قبـل الديـــن *** وتلقى "قانـون" ميـزان مرفـوع
وتلـقى "العِلــْـــم" جنب الديـــن *** عصيـره "للحيـــــــــاة" ينبـــوع
وتلـقى الظلـــــــم مش موجــــود *** ولا تلـقى مــــرض أو جــــــــوع
وتلقى "الحُــــــكـم" للعــــــــادل *** مش "للمشتـــهي" المســــروع
***
سألـت "المجـــــد": إيــه تــاني *** وإيــه تـــــاني... وكمـان تـــــاني
وجــاني صـوتـــــــــه في وداني
إذا ما "الـفــَــرد" حُــــرّ كـريــم *** ينـاجي اللــــه برضـــا وخشــوع
تلاقي "المجـــــد في وطـنـــــه" *** بيترعـرَع غصــــون وفــــــروع
*****
مهندس عزمي إبراهيم

ضيف فلسطين الكبير البابا فرنسيس/ سري القدوة

ضيف فلسطين الكبير البابا الحبر الأعظم البابا فرنسيس يتوقف امام الجدار العازل للإنسانية ويصلي من اجل السلام وازالة هذا الجدار الفاصل العازل لكل القيم الانسانية وللحياة ..

قام البابا فرنسيس وترجّل من سيارته ومشى بضع دقائق للاقتراب من الجدار، ليشاهد هذا الجدار البغيض الذي تقيمه إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال على أراضينا، في الوقت الذي نحن أحوج ما نكون فيه إلى بناء جسور التواصل والحوار والجوار الحسن .

وقام البابا بهذه البادرة العفوية وهو في طريقه إلى ساحة المهد في بيت لحم لإقامة قداس كبير أمام الكنيسة يحضره الآلاف.

لنعمل معا وسويا لتعزيز الوجود الفلسطيني المسيحي بالقدس وان القدس عربية اسلامية كانت وستبقي مفتوحة للجميع ولأتباع الديانات السماوية الثلاث دون تمييز وعاصمة لدولتنا الفلسطينية المستقلة فلا سلام دون القدس ولا دولة فلسطينية دون القدس  ..

الحرية لفلسطين التي يكتمل فيها صوت الاذان مع ترانيم الصلاة والقداس لتظهر روح المحبة والسلام في مشهد لم ولن يتكرر في هذا العالم الذي يفتقد الكثير من دوله وقياداته الي الانسانية ..

اليوم وفي فلسطين تكتمل رسالة المحبة وصوت الاذان الله اكبر بدون تخطيط مسبق او سابق انزار لتكون رسالة فلسطين هي رسالة المحبة التي يجب ان تسود العالم ..

اننا نتطلع إلى مضاعفة الجهود والمبادرات لتحقيق السلام وإيجاد حل يصل فيه الجميع إلى حياة كريمة، والي دور دولي في حماية شعبنا وتوفير ابسط حقوق العيش بكرامة بعيدا عن الاستيطان واستمرار اعتقال الاسري في سجون الاحتلال وتشريد شعبنا الفلسطيني .. 

إنه آن الأوان لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي الاطول والاخير في تاريخ الشعوب في العالم والذي أدى الى نتائج مأساوية وجراح يجب انهائها والعمل علي رفع الظلم الواقع علي الشعب الفلسطيني .

أن غطرسة الاحتلال الاسرائيلي تدفعنا الى ضرورة توحيد الصفوف فأننا حقا مع مواجه مفتوحة لعدو صهيوني حاقد يتمني لنا ولأطفالنا الموت ويرفضون لنا حتى العيش بأبسط وسائل الحياة يحاربون كل شيء فلسطيني بالرغم من أنهم احتلوا أرضنا وقتلوا أطفالنا وشردوا شعبنا ودمروا أرضنا وأقاموا دولتهم إسرائيل في يافا وحيفا وعكا ومازالوا يحتلون الأرض الفلسطينية يحاصرون قطاع غزة ويتحولون القدس والضفة الغربية ويتمنون الموت لكل ما هو فلسطيني .

من حضارة شعب فلسطين التي تمتد عبر الاجيال تأتي رسالة شعب فلسطين الي العالم من اجل الوحدة ضد الارهاب والتطرف وتعانق الاسلام مع المسيحية في جو وحدوي روحاني اسلامي يشكل معاني الترابط والتحالف الاسلامي لرسالة الخير والمحبة والانسانية جمعاء ..

وحتما ستنتصر قوة الحضارة علي حضارة القوة التي تفرضها حكومة الاحتلال الاسرائيلي  .. ستنتصر الحضارة الفلسطينية علي بطش وإرهاب وعنجهية وحقد الاحتلال علي شعبنا الفلسطيني وستنتصر رسالة شعبنا ورسالة ( السلام الفلسطينية ) وإيمانه المطلق بحقه واستعداده الدائم للتضحية من اجل وجوده وحياته الكريمة وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة والقدس عاصمتها ..

رئيس تحرير جريدة الصباح – فلسطين
http://www.alsbah.net
infoalsbah@gmail.com
سري القدوة

عتبٌ فلسطيني على تونس/ د. مصطفى يوسف اللداوي

أجل إنه ربيعٌ غاضبٌ عاصفٌ على الفلسطينيين وقضيتهم، قبل أن يكون خريفاً على العرب وشعوبهم، فقد نزلت نسماته لعنةً وناراً وجحيماً على شعبنا المشرد، ومزقته شر ممزق أكثر مما هو مشردٌ، وحرقت جسده قبل أن تحرق ثوبه، وأقصته عن أمته العربية بعيداً، وتركته وحيداً، وتخلت عنه ونأت بنفسها عنه، وقطعت نياط القلب التي كانت تربطه، وأواصر القربى التي كانت تجمعه، فكان ربيعاً حاراً لاهباً عاصفاً حارقاً قاتلاً مشرداً مشتتاً قاصياً قاسياً جافاً يابساً، يبدد الرحمة، ويجافي القلوب، ويباعد بين النفوس، ويوغر القلوب، ويدمي العيون ويبكيها.
أكاد لا أصدق ما تتناقله وكالات الأنباء عن الإجراءات التونسية القاسية الجائرة بحق الفلسطينيين الهاربين من أتون الحرب، ومعامل الموت، وجحيم القتل، والأرض اللاهبة المحترقة، بحثاً عن مكانٍ آمنٍ لفترةٍ قصيرة، وأرضٍ صديقة يقيمون فيها ريثما يعودون من حيث أتوا، فهم لا يحبون الهجرة، ولا يهوون اللجوء، وقد عافوا النزوح، وأيقنوا ألا قيمة للإنسان إلا في مكانه، كما الحجر على أرضه قنطار، فالفلسطيني في دياره أكثر من قنطار، ولكن الظروف خانته، والأحداث جرفته، والمقامرون بمستقبل الأمة غامروا به، وضحوا به، وجعلوا منه ومن قضيته كالقشة في مهب الرياح، يلعب بها العابثون، ويجازف بها المجربون، ويفرط فيها من لا يخلصون لها، ولا يصدقون معها، فكان الفلسطيني قربان الثورة، وكبش الربيع، وفداء الحراك، وهو الذي كان يوماً رمزها، وشعارها المرفوع دوماً، وأيقونتها المقدسة أبداً.
لقد فاجئتنا الحكومة التونسية، باكورة ثورة العرب، وبوعزيزية الغضب، الثائرة على الظلم، والمنتفضة في وجه الجوع والقهر، أنها كانت هي القاهرة الظالمة، وهي المتسلطة المستبدة، القاسية التي لا ترحم، والجائرة التي لا تعرف القربى، والغريبة التي تنكر الأخوة والمودة، فلم تكتفِ بمنع فلسطينيين هاربين من الموت من الدخول إلى بلادهم، أو المرور منها إلى مكانٍ آخرٍ يأويهم ويقبل بهم، بل قامت بتسليم بعضهم إلى السجان يحبسهم، وإلى الجلاد يضربهم، وإلى المقصلة التي قد تقطع رقابهم، وهي العارفة بأحوالهم، والمدركة لمصائرهم، وما قد يحدث لهم إن هم أعيدوا قسراً من حيث أتوا.
قد افتأتت علينا الحكومة التونسية وظلمتنا، واعتدت على حقوقنا، وتخلت عن واجبها تجاهنا، وعاملتنا بغير ما نحن له به أهل، وتجرأت علينا وكأننا أيتام لا أب لنا، ولا من يحنو علينا ويرأف بنا، ويكفف دمعنا، ويسكن جراحنا، فهل يرضى التونسيون عن فعل حكومتهم، وهل يبررون عمل أجهزتهم الأمنية التي تطارد الفلسطينيين على أرضها كمهربين، وتجتجزهم كمجرمين، وتتعامل معهم وكأنهم قد انتهكوا سيادتها، واعتدوا على كرامتها، فتحتجزهم في مراكزِ حجزٍ على الحدود والمعابر، وتحبسهم في المطارات والموانئ، صغاراً وكباراً، ونساء وأطفالاً، وتجبرهم على شراء تذاكر سفرٍ جديدة، تقلهم إلى بلادٍ أخرى، وإن كان فيها حتفهم، وعلى أرضها مقتلهم.
ما كنا نظن أن الحكومة التونسية ستتنكر لقيم ثورتها، وستنقلب على شعاراتها البنفسجية، وستكون أقسى على بضع عشراتٍ من شعبنا، وهم في حالهم الضعيف، وظرفهم الصعب، وأوضاعهم التعيسة البئيسة، وقد ظنوا أن في تونس مأوىً مؤتاً لهم، ومسكناً آمناً يسترهم، وأهلاً كراماً يرحبون بهم، وحكومةً مدنيةً شعبيةً منتخبة ستكون معهم رفيقة ورحيمة، ولكن الواقع كان عكس الأماني، ومخالفاً للتوقعات، إذ كانوا مثالاً سيئاً، وأهلاً عاقين لإخوانهم، كارهين لهم، فلم يكتفوا بأن عبسوا في وجوههم، بل أغلقوا البواب أمامهم، وأعادوهم من حيث أتوا، عقاباً لهم، ودرساً وعبرةً لغيرهم.
في الوقت الذي قامت فيه الحكومة التونسية بطرد الفلسطينيين ومنعتهم من دخول أراضيها، كانت دولٌ أوروبية غربية، مسيحيةً لا مسلمة، غربيةً لا عربية، تفتح أبوابها لعشرات آلاف الفلسطينيين الهاربين من الموت، تستقبلهم وتهتم بهم، وترعاهم وتساعدهم، وتنتشلهم من بين الأمواج ومن براثن الخطر، وتفتح لهم أرضها، وتسكنهم في بيوتٍ لائقة، وتقدم لهم بعض المساعدة التي تمكنهم من العيش الكريم، بعيداً عن سؤال الآخرين والتماس العون منهم.
أليس غريباً هذا التصرف والسلوك، فكم يحزننا نحن الفلسطينيين أن نجأر بالصراخ، ونرفع الصوت عالياً، عاتبين على شعبنا وأهلنا في تونس، مستغربين تصرفهم، ومنكرين فعلهم، ألم تتخلصوا من الديكتاتورية والاستبداد، ألم تلفظوا حكم الفرد وسلطة البوليس، ألم تصبح حكومتكم شرعية، بعد انتخاباتٍ برلمانية، تقرر الأنسب والأفضل لكم ولشعبكم، فإلام هذا السلوك، ومن الذي أجبركم عليه، أو دفعكم إليه، فهذا فعلٌ ينافي الرجولة، ويتعارض من النبل والشهامة، وليس فيه من شيم العرب الكرام شئ.
هل تظنون أن الفلسطينيين سيستوطنون أرضكم، وسيسكنون مكانكم، وسينازعونكم أرضكم، وسينافسونكم على رزقكم، وسيزاحمون عليكم بلادكم، وسيخربون عيشكم، وسيفسدون عليكم هناء أيامكم، فقررتم طردهم قبل أن تحل عليكم لعنتهم، أو ينزل بكم سخطهم، وقد كان الأجدر بكم أن تستقبلوهم وهم بضع عشرات، وأن تكرموهم وهم اللاجئون إليكم، الآملون فيكم، الراجون لفضلكم، فبذا تكبرون وتسمون، وبهذا الفعل تُحمدون وتُشكرون، وبه تُذكرون بالخير وأنكم أهل النخوة والوفاء.
بكل الحزن نخط هذه الكلمات ونحن ننظر إلى تونس الخضراء بأنها بعض حلمنا، وجزءٌ عزيزٌ من أرضنا، وقطعةٌ غاليةٌ من وطننا، فأهلها كانوا وما زالوا معنا، وإلى جانب شعبنا، يحبوننا ويتمنون لنا الخير، ويسعون لصالحنا، ويضحون من أجلنا، ولا يتأخرون عن نصرتنا، ولا يترددون في تقديم العون لنا، فالله الله يا شعب تونس عندما تستدركون ما فات، وتصلحون الخطأ، ولا تستمرون فيه، بل تتراجعون عنه، وكونوا واثقين أننا عابرون لا أكثر، فنحن نتمنى العودة إلى بلادنا وديارنا، ونحن نحب البلاد التي آوتنا وفيها سكنا، ونهوى مخيماتنا ونَحِنُ إليها، فهي علينا عزيزة، لأن فيها شيئاً من الوطن، وبعضاً من ذاكرته التي لن ننساها.

في حضورِ هذا الحبِّ لا تغيبُ الكواكب/ عبدالله علي الأقزم


أنساكُمُ؟   هل    بعدَ    نسياني     لكُمْ

سيعيشُ      فيهِ       ذلكَ      الإنسانُ

أنساكُمُ ؟   ماذا   سيفعلُ     حاضري

إنْ   لمْ   يُحلِّقْ    في    دماهُ    أذانُ

أنـسـاكُـمُ ؟   هيهات     بعدَ    هواكُـمُ

يدنو       إلى     ذكراكُـمُ     النـسـيـانُ

ما    ذلكَ    التذكارُ     إلا     منكمُ

و    وِصالُهُ    الذوبـانُ    و   الفورانُ

ما  عاد   يحجبُهُ   البعيدُ   و  عندَهُ

تتساقطُ      الأبعادُ     و      الجدرانُ

إنْ  لمْ  يعِشْ  بينَ  الجَمَالِ  و  أهلِهِ

فلهُ      بتأريخِ      الغباءِ       مكانُ

منكمْ   مكاني     قِصَّة       شمسيِّةٌ

و  بها   استظلَّ   العاشقونَ   و  بانوا

إن  كنتمُ   الأزهارَ   بينَ     فصولِها

ففصولُها     هي     منكمُ     الرَّيحانُ

و طلوعُها    كختامِها    جُمعِا    معاً

و   يداهما    الأوراقُ    و   الأغصانُ

و جراحُها  إنْ  لمْ    تكونوا    نبضَها

أوْ عاشَ  فيها   الهجرُ    و   النُّـكرانُ

و شفاؤها   إنْ  عاشَ   ظلِّكمُ     لها

و  حروفكم    بدمِ    الوصالِ     حنانُ

لا  يُبتلى    حبٌّ      بفقرٍ       دائمٍ

و     نقاطُكم      لنقاطِها       غدرانُ

إنْ  لمْ   يدِرْ  مِنكُمْ   مداري    كوكبـاً

فالحقُّ     أنْ      يتوقَّفَ      الدَّورانُ

كمْ  سالَ  منكمْ   في   عروقي   كلِّها

فيشِبُّ   مِنْ    هذا    المسيلِ    بيانُ

ما القلبُ  يقوى  أنْ   يعيشَ    مغرِّداً

و  يكونُ    ضمنَ    فضائهِ   الكتمانُ

بحراكِ    حبِّكُمُ    الجميلِ     بأضلعي

و     دفاتري      يتحرَّكُ      الخفقانُ

ما    هذهِ    الألوانُ     إلا     منكُمُ

و     بحبِّكمْ        تتعدَّدُ       الألوانُ

قيثارتي   مِنْ   كلِّ     قافيةٍ     بكمْ

خُلِقتْ    و    أنتمْ    بينـها    الألحانُ

شوقي    لكمْ    متصاعدٌ  و  صعودُهُ

هيهاتَ   لا     يسمو    بهِ    الغليـانُ

و النبعُ   مِنْ   صلواتِ عطرِكمُ   جرى

و   هواهُ     بين     هواكُمُ      ظمآنُ

مِنْ   كلِّ  نبضٍ   في   عروقِكُمُ   لهُ

بينَ     الحروفِ     يُحلِّقُ     العرفـانُ

الحاضرُ    الأبديُّ     مِنْ     أبنائـِكمْ

و    صداهُ    بينَ     ركابِكمْ     ريَّانُ

عمَّرتُمُ   الأخلاقَ    في       أخلاقِكُمْ

حتَّى     تشعشعَ      ذلكَ      العُمرانُ

و   بفضلِ   خطِّكمُ  المسافرِ   للهُدى

لكمُ      الزوايا      ذلكَ      الإذعانُ

هذي   الجواهرُ     منكمُ      أفرادُهـا

و بكمْ     لها     يتـنافسُ      اللَّمعانُ

المُدهشاتُ      جميعُها      لجميـعِكمْ

اللُّغزُ      و   الإبحارُ      و   التبيانُ

بروائعِ    الخُلُقِ     الكريمِ     تكوَّنتْ

و  لها   مِنَ   الآتي    الجميلِ   كيانُ

و  مدينةُ   البركاتِ   مِنْ    خطواتِـكمْ

لمْ    ينطفئْ    مِنكُمْ     لها     بنيـانُ

أنساكُمُ ؟   هيهاتَ    ينهضُ   بعدكـمْ

بجميعِ     ألوانِ     الهوى     الطيرانُ

أنساكُمُ ؟  كيـفَ  الوصولُ إلى الصَّدى

إنْ    لمْ     يُسافرْ    للضميرِ   لسـانُ

أنساكُمُ ؟   ماذا    ستـفعل      موجةٌ

إنْ   لمْ    يُداخِلْ    نبضَها    الجريانُ

الساحلُ    الشَّرقيُّ    أحضاني    التي

بهـواكُـمُ       تـتـشـابـكُ       الأحضـانُ

بوجودِ     حبِّكُـمُ     النقيِّ      بداخلي

قدْ     عادَ    يُشرقُ     ذلكَ    الإنسانُ

و إلى رؤاكُـمْ   كمْ   تذوبُ    قصائدي

عسلاً     و    يحلو     فيكُمُ    الذوَبَانُ

شكراً   لكُـمْ   لمْ   يبقَ  شكرٌ    بعدَكُـمْ

إلا     و      فيهِ      مِـنْـكُـمُ     فيضانُ

عبدالله علي الأقزم 18/7/1435 هـ

حدوثة رعب مصرية...الجزء الثالث/ فراس الور

الساعة 8:30 صباحا، فيلا الجنرال رؤوف الدرملي، الزمالك  :
وقف الجنرال في وسط السجن المُشَيًدْ تحت الارض في منزله ينظر الى السجينة المُتَئَلِمَة و المُقَيًدَة بالحبال، كان يتم انزالها ببطئ نحو الارض من فتحة في سقف الزنزانة، كان منظرها وهي ترتجف من الخوف و تصرخ للرحمة يُطْرِبْ آذانه و يفرحه كثيرا، حسناء طويلة القوام ذات شعر اسود طويل وخصر نحيل وذات بشرة سمراء، توقف مساعده في الطابق العلوي من إنزال الحبل عندما لمست قدميها العارية بابين صغيرين في منتصف الارض، زادت صرخات الاستغاثة حين استقرت حالها على الارض و رأت جلادها واقف امامها بجبروته المعهود، ندأءأتها للرحمة الممزوجة مع نظراتها المتسآئلة عن مصيرها و هي مسكينة مكبلة لا حول لها و لا قوة كانت تتباين مع نظراته الجافة الحديدية التي كانت تراقبها بلا شفقة، 

تمشي من حولها لبضع دقائق مترقباً وضعها عن كثب فكان فستانها الاحمر متسخاً ممزقاً من وَحْل الارض التي كانت تنام عليه، كانت تارة تبكي متلوية من الالم و عدم مقدرتها الوقوف على قدميها بثبات، وتارة تصيح لإطلاق سراحها، ابتسم الجنرال الى نتيجة استجواب مساعده آيفن لها فكان و لمدة اسبوع يعلق ارجلها من الفلقة كل يوم و يضربها بعصى خيزران رفيعة تلسع و لا ترحم لكي تبوح بما لديها، ولكنها كانت قوية و شديدة الإرادة فلم تنكسر أمام التعذيب، حتى عندما فرغ صبره و اغتصبها في ليلة الأمس و أسقاها المُرْ بعينه بقيت صامتة و متماسكة من دون ان تعطيهم آية معلومات، 
توقف امامها و نظر الي عينيها السوداء المرهقة و الخائفة، فقال بهدوء كأنه يناقش احوال الطقس معها "ألن تتعقلي و تقولي لي بصراحة من أرسلك لتتجسسي على عمليات شركتي ايتها النقيب ليلى الصعيدي."
أجابت مترجية و باكية "أنا لست ليلى الصعيدي و لست نقيب، أرجوك صدقني سيدي، إسمي إلهام ابوالذهب و أنا سكرتيرتك بالمكتب،"
"لا احد كان يعلم موعد نقل الشحنة من الباخرة الى المستودعات غير انا و آيفن الروسي و انت ايتها الساقطة، و لكنك رسبتي في امتحان الولاء لي، فانا و آيفن فقط كنا نعلم ان الشحنة مليئة بالسكر الخالص،"
قالت مؤكدة "انا لم أخدعك و لا أعلم انك تتاجر بالممنوع، انا رتبت اجراءات النقل كما أمرتني!!!!"
"أخرسي!!!" انزل الجنرال صفعة مؤلمة على وجها جعلتها تصرخ ثم تقول "اتوسل اليك صدقني فلم اخونك!!!عندي اثبات على كلامي." 
و لكن فقد الجنرال صبره آخيرا و امسكها من شعرها، صرخ في وجهها "رخيصة!!! ساقطة!!! لو كان في شحنتي الكوكايِن لخسرت الملايين، انت و شرطة القاهرة تعبثون مع مافيات عملاقة في داخل مصر و خارجها اكبر منكم بكثير، عمالقة يديرون عمليات تهريب كبيرة و لهم استثمارات جبارة و سيطحنوا كل من يقف في طريقهم،" 
اخرج من جيب بذلته ورقة بيانات مثنية و فَرَدَهَا امام ناظِرَيْهَا و قال "هذه صورتك ايتها النقيب و معلوماتك الشخصية من ملفك العسكرية!!!"
نظرت ليلى بصدمة شديدة الى الورقة امامها و اصيبت بهستيرية بكاء مريرة من شدة الخوف لبضعة ثواني، و رغم صِحَتْ الورقة انكرت و أجابت "هذه تهمة ملفقة لي، انا بحياتي لم ادخل قسم شرطة و لا اعرف كيف امسك مسدس!!! صدقني!!!"

"اه يا كلبة السِكَكْ ستندمين انت و الذي ارسلك،" بصق الجنرال في وجهها و اتجه الى مكتب صغير في زاوية السجن، ضغط على زر إلكتروني فَتَحَرًكَتْ البوابات تحت قدميها لِتَفْتَحْ على مصرعيها، صرخ الجنرال آمرا "آيفن! انزل هذه الكلبة الى الغرفة!"
دَوًتْ صرخات و صيحات مَرًة أخرى تقشعر لها الابدان لليلى بين زوايا السجن مستغيثة و طالبتاً الرحمة و لكن أذان سجانها كانت صماء و قلبه كُتْلَتْ جليد، نزل الحبل بليلى الى غرفة مظلمة و بعدما لمست قدميها الارض بثوان توقف الحبل، نظر اليها الجنرال من فوق و قال مستهزئا "سيرحبون بك بِشِدَة،"
تلفتت ليلى الى يمينها و يسارها مترقبة ما كان يعنيه الجنرال فلم تحس بشئ مريب، و لكن بعد برهة من الزمان احست بالارض ترتجف من تحتها و فجأة اشتعلت انارة الغرفة، صرخة "يا عذراء الرحمة!!!الرحمة يا رب!!!" من الذعر و الهلع لرؤية المَلِكَيْن الشَرِسَيْن منطلقين نحوها، فتح الاول فاه وغرس انيابه الحديدية في رجلها اليمين فقطعها من مكانها ناتعاً منها شلالات من الدماء، أحست ليلى بألفي حربة تمزق جسدها و تَحَوَلَ صراخها الى عويل من الوجع العنيف و لرؤية جسدها يتقطع، هجم عليها الثاني و غرس اسنانه في خصرها فإنطلقت منها صيحات مريرة و مُعَذًبَة ثم أحست بالسكون يغمر عالمها، فَشَدً الاسد نصيبه ليقطع جسدها الى نصفين و لتنسكب ما تبقت من دمائهاعلى الارض، فاض من غرفة الأسود اصوات تمزق اللحم و طقطقت العظم مما دفع الجنرال الى النظر الى الأسفل، كان ما تبقى من جسد ليلى تقذفه الأسود في ما بينها، 
ضحك الجنرال ضحكات انتصار و فكر في ذاته "لا جثة لا جريمة،" ثم نادا "آيفن!"
فأجاب الروسي الضخم بصوته العميق "نعم يا جنرال،"
"هل إلتقطت كاميراتنا الاحداث؟"
جميعها سيدي و انا راضٍ عنها،"
"ارسلها الى وزيرة الداخلية و اكتب على شريط الفيديو مع حبي و تقديري لعملائكم السِرْيين، فمنذ هذه اللحظة ستبدء المشاهد الحقيقية لهذه الرواية،"

9:00 مساءا، قصر النائب و المليونير مرقس جمال، جاردن سيتي:
كانت فيلا جمال تقع في أجمل احياء القاهرة وسط لفيف من الصروح المعمارية التي تعكس الذوق المعماري الرفيع الموجود في العاصمة المصرية، فكانت مشيدة على عشرة فدادين من جاردن سيتي متضمنة مبنى القصر الذي كان مبنيا على شكل القلعات الاموية الاسلامية العتيقة، و يميز التصميم الخارجي هيكل حجري ذو زوايا برجية دائرية تعطي المبنى الكبير شكل قلعة اثرية أنيقة، و كانت حديقته الواسعة تحتل مساحة ثلاثة فدادين من الباحة الخلفية حيث كانت مُسَوًرَة بالكامل بحائط حجري عالي لحمايتها، و من مَيِزاتْ هذا الحائط انه مزين باللغة الهيروغليفية و برسومات فرعونية أنيقة و منحوتات اثرية محفورة ضمن جدران هيكله، و كانت هذه الحديقة مزروعة بالكامل بالعشب الاخضر الجميل و اروقتها بالأشجار و الورود المتنوعة التي استوردها أصحاب القصر من إيطاليا، أما رياحينها فكانت تبعث على مدار الساعة العطور الجميلة حيث كانت تنقلها النسمات الرقيقة معها لتُطَيِبْ أجواء الحديقة بالكامل، بل كانت جزء من هذه العطور الطَيِبَة تنعش أجواء صالة خاصة للرياضة تابعة لهذه الحديقة و مسبح داخلي ايضا كبير طوله خمسة و عشرين مترا، و يتصل بهذا المسبح اجهزة خاصة به تتحكم بدرجة حرارة المياه لكي يكون صالح للاستخدام على مدار فصول السنة،
اما القصر نفسه فكان يتألف من طابقين، فالطابق الأول كان يحتوي على ثلاثة صالات كُبْرَى، واحدة منها مفصولة عن باقي المرافق بباب خشبي لإجتماع الأهل و الأقارب و الزوار، و فرش هذه الصالة كان يتألف من أطقم كنب فاخر للجلوس و بأثاث حفر انيق من خشب البلوط الثمين تم تصميمه على يد مصمم عالمي مشهور خصيصا لهذا الصرح المعماري الفاخر، اما الصالات الباقية فكانت مفتوحة على بعضها و تمتاز بالمساحات الكبيرة حيث كانت فارغة من اطقم الجلوس لأغراض الحفلات و أمسيات الكوكتيل و السهرات، كانت جدران هذه الصالات مُزَيًنَة بلوحات فنية من الطبيعة بريشة رسامين ايطاليَن جلبهم مرقس خصيصا الى مصر لرسم هذه اللوحات، و كانت هذه الصالات تُنَفِذْ على الحديقة الكبيرة في خلفية القصر، كما يحتوي الطابق على مكتب لمرقس و مكتب لزوجته نادية، و كانت المكاتب واسعة ومفروشة بأطقم الجلد الفاخرة، كما يحتوي الطابق على مطبخ كبير مجهز باحدث ادوات الطهي و صالة جلوس لموظفين القصر، اما الطابق الثاني فكان يحتوي على غرف للنوم و صالة عرض سينما مصغرة تضم خمسين كرسي للترفيه و التسلية،
كان القصر عامر بالحياة و الموسيقى الكلاسيكية في هذه الأمسية، فالحضور كان كبير و الضحكات البهيجة كانت تصدح بارجاء صالاته و اجواء حديقته العطرة، فالحِسُ البشري حَوًلَ أروقته الى جنة مُؤْنِسَة، دخلت سيارة الشفروليه التي كانت تُقِلْ الجنرال رؤوف الى الساحة الأمامية للقصر المكتظة بالسيارات الحديثة و الثمينة، و فور توقفها عند المدخل فتح الباب للجنرال احد موظفي الاستقبال، كان شاب طويل و وسيم و يرتدي بذلة سوداء، ابتسم للجنرال حينما خرج من السيارة وقال "مرقس بيه ينتظرك في الداخل،"
أجاب رؤوف "شكرا لك" وهَمً مُسْرِعاً الى الداخل برفقة موظف استقبال آخر ليرشده الى مكان الاحتفال و القلق ينتابه من هذه الرسالة، مرقس جمال كان دقيقاً جدا في مواعيده و لا يحب عدم الانضباط إطلاقا، فعندما يترك هذه الرسالة مع طاقم الاستقبال يعني انه مستاء من تأخر ضيوفه عليه، و لكن الامر الذي أَخًرَهُ كان مهم جدا و كاد ان يهدد عمله و علاقاته مع المجموعة لو لم يهتم به، استأذن من مرافقه و طلب منه العودة حينما دخل الصالات الكبرى للقصر، فإستقبلته الاجواء الاحتفالية المُشْبَعَة بروائحها المعهودة، فكانت رائحة المشاريب الكحولية الممزوجة مع العطور الفاخرة كالعود و الوردية و المنعشة منها تملئ الصالة الكبيرة،
كان الحفل الموجود في قِمًتِ اناقته، فَتَنَقًلَتْ انظاره بحثا عن مرقس بين المجموعات المنهمكة بالحديث و بين النوادل التي كانت تتمشى بين الجموع مُقَدِمَةً الضيافة للحضور، كانت النساء ترتدي الفساتين الثمينة بِتَصَاميمِهَا المُبْهِرَةِ و كان وميضاً بَرًاقاً يلمع بين الفينة و الآخرى أمام ناظريه من على الحُلِي الفاخر التي كانت تزدان به، اما الرجال فكانوا معظمهم في بِذَلٍ فاخرة ما بين التكسيدو الامريكية مع الببيون او البذلة التقليدية التي اختلفت بالوانها و اشكال ربطات عنقها، فَنُخْبَةٌ من ألمع رجال الاعمال في القاهرة كانت مَدْعُوَة لقضاء امسية راقية بمناسبة مرور عامين على زواج مرقس و نادية،
هز برأسه مرحبا ببعض الشخصيات من معارفه التي كانت تقف على مسافة منه ليرى أخيرا مرقس وزوجته واقفين مع بولس السلحدار و عائلته، اقترب منهم مبتسماً و لكن ليلاقي ملامح الاستياء على وجه مرقس وسط ترقب آل-السلحدار لما يحدث، و رغم انزاعجه من ردت فعل مرقس الا انه حَيًاهُ و قَبًلَ وجنتيه كما لو لم يكن هنالك شيئ، و قَبًلَ بولس زميله بالخدمة و سلم على زوجته و ابنته، ورغم دبلوماسيته الا انه قوبل بِنَقْد من مرقس"موعدنا كان في الثامنة و الان الساعة التاسعة، الا تعمل ساعات الضباط بانتظام؟"
انسحبوا ال-آلسلحدار مع نادية بعيدا عنهما و تركا الرجلين لنقاشهما، فاجاب الجنرال رؤوف "تـأخرت لأسباب قَهْرِيَة فحصلت معي حالة طارئة،"
لم يجيبه مرقس بشئ فَتَوَجًهَ و قاد رؤوف الى ممر طويل في يمين الصالة حيث كان بأخره بابين علي اليمين و اليسار، ففتح مرقس الباب اليمين و دخلا الغرفة و أشار بيده الى مقعد للجلوس امام المكتب، توجه الى بار المشروب في احد الزوايا الذي كان حافل بشتى انواع المشاريب سائلا "الوسكي؟"
نظر رؤوف من حوله باعجاب الى المكتب الفاخر و طقم الجلد الأَسْوَدْ الثمين الذي كان يُؤَثِثْ الغرفة، كانت هذه اول مرة يدخل فيها مكتب مرقس في الفيلا فكانا يجتمعا دائما في مقره بالشركة، فالبار الانيق الحافل بالمشروبات على حِدا كان يساوي مبلغ كبيرا من المال، اما الزاوية المقابلة للبار فكانت مفروشة بسجادة جلوس عربية ملونة و طقم وِسَاداتْ بدوي، و كانت معلقة على الحائط اقمشة مزينة باشكال مُلَوًنَة بدوية الأصل، ففكر في ذاته "اذاً الاخبار صحيحة، فإشاعة شركته المُزْمَعْ ان يفتحها مع صديقه الخليجي صحيحة و الا ماكان اثث مكتبه بالجلسات العربية،" فاجاب "مع هذه الجلسات العربية الرائعة انا بحاجة للقليل من العَرَقْ و لراقصة شرقية،"
بالرغم من مزاجه السئ ضحك مرقس بقوة و قال "مازال عندي زجاجة فاخرة اتتني من صديق في لبنان،" قام بوضع بعض الثلج في الكوبين و فتح الزجاجة ثم سكب العرق فيهما، امتلأت اجواء المكتب من طقطقة الثلوج حين لامسها السائل الكحولي الحامي لبضع ثواني، أمسك مرقس الكوبين و اعطا الجنرال كوبه ثم استدار حول المكتب و هو يقول "ما هذه الاخبار التي سمعتها؟"
توترت اعصاب الجنرال و سأل "أية أخبار؟"
نظر مرقس إليه بتمعن و قال"اظن انك تعلم ما اعني،"
كان الجنرال يعلم ان مرقس من أذكى رجال الاعمال التي عرفها بحياته، فبالرغم من قامته القصيرة و التي لا تتجاوز المتر و سبعين سنتمترا كان لديه الذكاء الكافي لادارة اقتصاد بلد بأكمله، كان وسيم و اشقر المعالم فكان شعره ذهبي و بشرته بيضاء و ذو عيون زرقاء، اما شخصيته الظاهرية فكانت مريحة جدا و الناس الذين يحتكون به يشعرون انه قريب من القلب، و هذا ربما كان سبب نجاحه في الانتخبات فكانت لديه الكاريزما و المعرفة كيف و متى يُظْهِرْ دماثة الخلق للناس، و لكن كان الجنرال يعرف ما في المكنونات و خفاياها، فكان جزء من شبكة اجرام تضم اعضاء من مصر و اوروبا فمجموعة شركاته كانت غطاء لتفسير ارباحه و حساباته في البنوك السويسرية، فارباحه كان مصدرها الحقيقي تهريب الاثار المصرية الى تجار في الاسواق السوداء في اوروبا و امريكا و استيراد المخدرات لحسابه الشخصي و لحساب المجموعة الى مصر، و هنا كان يأتي دوره فكانت تُشْحَنْ المخدرات ضمن شحنات السكر الناعم الحلل من امريكا الجنوبية عن طريق خطوط البواخر الذي يمتلكها و يتم خلط المخدرات التي كانت تُغَلًفْ باكياس الخمسين كيلوغرام باكياس السكر الثانية من نفس الوزن ضمن الحمولات الكبيرة على البواخر، فَتُشْحَنْ كميات السكر بعد الاجرآت في الميناء الى مستودعاته ليتم توزيعها على السوق بواسطة شركة الاستيراد و التصدير الذي كان يمتلكها، والاكياس المخدرة كانت تُنْقَلْ الى حجر مبنية تحت المستودعات لغايات تغليفها و نقلها الى التجار، مرة في كل شهر تَصِلْ الباخرة و معها لا يقل عن نصف طن من المخدرات مُغْرِقَةً شوارع القاهرة بهذه السموم و مُرْبِكَةً الشرطة بالبحث عن مصدرها، و كانت المجموعة تُكَافِئُه كناقل لهذه السموم بمبالغ مجزية،
و لم تكن هذه البواخر محملة بالمخدرات و السكر فقط بل كان في هيكلها حجر خفية عن الانظار يتم تحميلها في ساعات الليل الدامس بالاثار المسروقة، فعندما تُبْحِرْ الباخرة و تخرج من الحدود البحرية لمصر كانت تعترضها زوارق و تأخذ من طاقمها الاثار لتحملها الى اوروبا، كانت هذه المجموعة مدعومة في الخفية من اسماء عملاقة في مصر و خارج مصر و من اكبر شبكات تجارة الممنوع في العالم، اما غضبهم فَلَهُ القدرة على زلزلت اقتصاد دُوَلْ باكملها لان نقودهم كان يعاد استثمارها باستثمرات قانونية لِتُهَيْمِنْ بذلك على بعض الدول التي تدري بامرهم للتستر عليهم،
اما عن مدى اخلاص مرقس كزوج فكان يعلم بالسهرات الحمراء التي كان يقضيها اثناء سفر زوجته بصحبة عشيقته الخفية في يخته الخاص و يعلم بالطقوس الخاصة التي كان يحب ان يمارسها بِصُحْبَتِهَا، كان جالساً برفقة معاون الشر نفسه و الكلمة محسوبة عليه،
فقال بنبرة صوت هادئة مفسراً "سيد مرقس انت تعلم ان الشرطة تشدد اجرآتها على الجمرك و التجار..."
فاجاب مرقس بصلابة "ولِمَا الشك بِكَ انتَ يا رؤوف؟"
"يا سيد مرقس الشرطة هذه الايام تشك بخيالها و بأي شخص يشحن مواد الى البلد، يريدون صنع اي حركة امنية و اي شيئ ليثبتوا للرأي العام انهم يقظون، و لأننا نُغْرِقْ البلد بالكثير هذه اليام بسبب إنعدام الأمن بعد الثورة، و لا تنسى أنهم لم يجدوا شيئا عندي،"
فجأة غير مرقس نبرته و سأل رؤوف ببعض الارتياح "انت تخبرني بكل شيئ يا جنرال، انت لا تخفي شيئ عني؟"
هدئت اعصاب رؤؤف قليلا و أخذ رشفة من كوب العرق و أجاب "انت تعلم انني لا اخفي شيئ عليك،"
فتح النيران على الجنرال مرة ثانيه مربكا اياه "هل انت متأكد انه لا يوجد عندك ثغرات في شركتك، ربما جاسوسة مثلا لحساب الشرطة؟"
اهتزَ بدن الجنرال من سؤال مرقس و تسارعت دقات قلبه و بدء العرق يتصبب من جبينه، كيف عرف موضوع الجاسوسة؟ فردَ بارتباك "يا سيد مرقس…أرجوك ان تصدقني ان شركاتي درع محصن عن أي شبهات و لا وجود لجواسيس لدي"
ابتسم مرقس و قال "لا تقلق، كنت فقط اطمئن على سير العمل عندك،" أخذ رشفة من العرق و أخرج ورقة من جيب بذلته و اعطاها للجنرال،
أخذها رؤوف و فردها من ثنيتها ليقرأها، فجأة نهض من مكانه و الرهبة تلمع بعينيه و قال "هذه خارطة لكنز!"
نهض مرقس من مكانه و اقترب من الجنرال و هو يشرح "هذه نسخة مرسومة طِبْق الأصل عن نصف خارطة موجودة عندي تشير الى صحراء عبر الاردن، يعني صحراء وادي رم، الأحرف الهيروغليفية تقول –هنا يرقد الموت الذي سحقه إلهنا سيتي الاول بجيشه بإنتصار عظيم، وابنه رمسيس دفن بيديه ما سيشبع ظمأ الجَشِعْ الى السلطة و القوى – هذه فرصتك يا رؤوف كي تُصَلِحْ اية تقصيرات قد ارتكبتها معي و مع المجموعة،"
لم يصدق رؤوف ما تراه عيناه، كنوز فرعونية ثمينة؟ أخذ رشفتاً كبيرة من العرق فَعَبَسَ وَجْهُهْ حين احس بلسعات السائل الحارق في حلقه، و سرعان ما انهى الكوب، ضحك مرقس من ارتباك الجنرال و قال "في تركيا يسمونه حليب السِبَاعْ يا جنرال، اريدك سبع في الاردن،"
"انت تريد مني ان اذهب الى الاردن..."
"على رأس وفد للبحث عن اثار و لكن علاقاتي ستبقيك في الظِلْ في الاردن، ستدخل من دون اية ضوضاء و تُراجِعْ صديقة ذات نفوذ في عمَان و هي سَتُسَهِلْ لك الادوات و السيارات التي تحتاجها للعمل، واذا تم اكتشاف شيئ ذو قيمة ستعطيها السِلَعْ و هي ستعرف كيف ترسلهم الى مصر،"
فسأل رؤوف "و نصيبي يا سيد مرقس؟"
رد بهدوء "هذه العملية ستقسم علي خمسة اشخاص، نحن الإثنين و الثلاث افراد الذين يؤلفون المجموعة،"
وضع الخارطة بجيبه و أجاب بشغف كبير كالولد الذي إلتقط لعبة جديدة بين يديه "سأبدا بالتحضيرات للسفر فورا،"
"وانا سأتصل بك لاعطيك التفصيل كاملة،" ثم اكمل محذرا "ولكن انتبه يا جنرال، هنالك عواقب لكل شيئ فلا يؤدي بك اي تفكير احمق..."
أجاب معاتبا "عيب با سيد مرقس، بحياتي لم افكر بخيانتك و انا اعلم ما هي العواقب التي تتكلم عنها،"
خرجا مرقس و رؤوف من المكتب و توجها الى الحفل في الصالات، ولكن كان الجنرال متأكدا ان ايامه معدودة، فاخبار الجاسوسة التي قتلها بقدرة قادر وصلت لمرقس، كان اسهل على مرقس و المجموعة سفك دمه بثوان على فضح اعمالهم و أمرهم للصحف و الشرطة، كان يعلم انه بمجرد ان ينتهي من رحلة الاردن سيقتلونه، و لكن لن يسمح بهذا، فتوعد لمرقس في ذاته "سأتغذا بك قبل ان تتعشى بي،"
*****
كانت مرفت في حديقة القصر محاطة بفارس خطيبها الوسيم من جهة و من الجهة الاخرى بنادية زوجة مرقس و أنجي صديقتها، كانت نادية في الثلاثين من العمر و تصغر مرقس بعشرة سنوات، هيفاء القوام جميلة ذات شعر اسود طويل و عيون عسلية جذابة كانت في هذه الليلة تتألق جمالا بالفستان الابيض التي كانت ترتديه، و العطر الوردي التي تعطرت به لمناسبة الحفل كان يفوح منها بقوة و يجعل وجودها مميزا بين السيدات الموجودات في الحفل، اما أنجي فكانت قصيرة و متينة ذات بشرة بيضاء و لم تكن تتمتع بجاذبية إطلاقا نتيجة وزنها الزائد، لذلك لم تكن تهتم بأناقتها على الإطلاق و وقوفها بجانب نادية التي كانت تتمتع بالحسن و الاناقة أبرز قلة أنوثتها و ذوق هندامها البسيط، فكانت ترتدي بذلة نسائية زرقاء و قميص ابيض، كان شعرها قصير و عيونها سوداء و وجنتيها متينة معطيةً وجهها شكل دائري طفولي،
كان الجمع منهمكا في الحديث عن تصميم قصر مرقس جمال فقال فارس مجاملا نادية بنبرة صادقة "انا معجب جدا بتصميم الفيلا فهي تحفة فنية فريدة من نوعها،"
فاجابة نادية شاكرة "ذوقك يا فارس هو الحلو، شكرا،"
"لا اجامل يا نادية بل اكلمك بصدق لدرجة انني، و بعد إذن مرفت، أفكر ان اطلب من المكتب الهندسي ان يكون تصميم الفيلا التي سنسكن فيها قريب من تصميم هذه الفيلا،"
فقالت مرفت قلقة "هذا يشرفني و لكن نرجس قالت لي ان التصميم التي تعمل عليه اشرف على الانتهاء، لكي لا نسبب المشاكل بيننا لنترك التصميم لذوق صديقتنا المهندسة نرجس حيث قالت لي أنها مفاجئة لعرسنا،"
اجابة انجي "ايضا لا تنسوا ان الناس سيقولون انكم قلدتم آل-جمال،"
ردت نادية مناقشة "لا يحق لهم قول هذا فالفن الاموي تراث و ملك للجميع،"
اجاب فارس بتنهد عميق "يا اخوة الناس ستعلق كيفما صنعنا، ألم تسمعوا بالذي تزوج و قال ان في حفل الاستقبال سأضع لكل ضيف من ضيوف الحفلة دجاجة كاملة لكي اسلم من التعليقات، و لكن بعد الحفلة خرج الناس و هم يعلقوا ان دجاجة فلان من الناس اكبر من دجاجتي، "
ضحك الجمع للقصة مع قدوم اهل مرفت الذين كانوا يتسامرون منذ برهة من الزمن على مقربة منهم مع اصدقاء لهم، فقالوا بشغف مبتسيمين "أخبرونا النكتة لكي نضحك معكم،"
فقالت أنجي "اما فارس خطيب مرفت فدمه خفيف بشكل غير طبيعي، كنا نتناقش..." و فجأة سمعت صوت بعيد ينادي "مولاتي...مولاتي..." توقفت انجي لبرهة و سألت "الا تسمعوا؟"
التفت الجمع يمنتا و يسارا مع قدوم مرقس اليهم و هو يسأل "عن ماذا تبحثون؟" اقترب من نادية و ضمها اليه بحنو.
فأجاب بولس "هنالك من ينادي،"
قالت نادية و هي تُؤَشِر بيدها "هنالك،" كانت في زاوية بعيدة للحديقة بوابة خلفية صغيرة، و كان رجل يتقدم ببطئ من ناحيتها و ينادي "مولاتي مرفت،"
تقدم الرجل و مر بالكشافات المضيئة ليتبين انه رجل مسن يمشي ببطئ مرتكزا على عكاز و يرتدي جلباب رمادي اللون،
فسأل بولس مرقس "هل دعوت مَلِكَة في هذا الحفل البهيج؟"
فرد باستغراب و عينيه مسلطة على الرجل المُسِنْ"لا يا بولس،"
فقالت نادية و هي تهز رأسها نادمة "هذا ما يلزمنا شحاد فقير، يبدو انني نسيت ان اغلق البوابة عندما أحضر الفندق موظفين الطعام و الشراب،"
فتجمهر الجمع الذي كان في الحديقة على صوت مناداة الرجل و بعد لحظات لحقتهم الجموع في الصالات متسائلة عن الحركة الغير طبيعية في الحديقة، اقترب الرجل من مرفت التي كانت تنظر اليه بترقب لانه كان ينادي بإسمها، وقف و يديه تهتز من التعب على العكاز، ثم ركع على الارض وسط تعجب الجميع فامتلات الاجواء بالتلهثات و التمتمات المتسائلة، احست مرفت بالخجل اذ لم تكن مليكة و بصورة عفوية تقدمت اليه و ساعدته على الوقوف قائلة "أرجوك لا تفعل هذا و ماذا تريد مني؟ انا لست ملكة،"
فاجاب الرجل بصوت ضعيف و متعب "يا بنية لو تعلمي من أي نسل إنحدرتِ و بالدماء الفرعونية الملكية التي تسري بعروقك ما تفاجئتي بافعالي،"
اقترب منها فارس و قال بصوت منخفض في أذنها "ربما يريد حسنه، اعطيه عشرة جنيهات..."
قال الرجل بنبرة استياء "لا اطلب حسنة..." و نظر الى نادية "وان كنت فقيرا أو شحاد فهذا شأني و ليس شأن البشر،"
فصرخت مرفت متسائلة "كيف سمعت هذا؟!!!" وانطلق من الجمع شلال من التعليقات و التعجبات، وأحست نادية بالصدمة، فقالت بنبرة حازمة "فان كنت لا تطلب حسنة فلماذا دخلت بيتي و بغير استأذآن؟"
صرخ مرقس في وجه الرجل محذرا "انا اقدر شيخوختك فقط و لكن ان لم ترحل و تكف مضايقة ضيوفي..."
قال الرجل مترجيا "عندي رسالة يجب ان ابلغها لجلالتها، و لاجل مصلحتها،"
نظرت مرفت بحنو الى التجاعيد حول عينيه و اطراف فمه و الى جسده الكهل، فأحست ان عمره لن يقل عن ثمانين عام، فقالت "ارجوك سيد مرقس دعه يكمل فلن يأذي أحد اذا تكلم،" فقالت مسايرة الموقف "مولاتك تسمعك" فانطلقت بعض الضحكات المسزهزئة من حولها،
"اجدادك عمروا حضارة جبارة و شيدوا المباني الشاهقة بايديهم العارية و اصرارهم على الانجاز، و سحقوا الممالك و الجيوش التي كانت تهددهم مرارا و تكرارا، فانت عالمة و تديرين متحف و تعرفين هذا،"
صاعقة من الرعب لمعت في كيان مرفت و هي تسمع حديثه، صَمَتَ الجميع عن السخرية و لم يُسْمَعْ في الحديقة بين الجموع الى حفيف اوراق الشجر و نسائم الخريف وهي تداعبب الطبيعة من حولهم برفق،
"و لكن المكتشافات التي تدرسينها وسط المتحف التي تعملين به لا تخبرك عن الافراح و الاحزان و المشاكل التي كانت عامرة في صدور اجدادك،"
نظرت مرفت الى ابويها الذي كان يخيم علي وجهيهما الخوف، ثم سألت بصوت حذر "ماذا تريد مني و كيف تعرف هذه التفاصيل عني؟"
"قدرنا ان نلتقي، اجدادك تواجهوا مع احداث مرعبة حاولت ان تغير مجرى التاريخ باكمله و لم تذكر صفحات التاريخ عنها شيئ، فاختار الله رمسيس ابن فرعون سيتي الاول لان قلبه كان نقي ليواجه هذا الشر المرعب ليقتله و يدفنه في الصحراء ذات الرمال الحمراء، و مع مرور الايام و الاشهر و لآلآف السنين بَقِيَةْ هذه اللعنة مدفونة تحت الرمال ليومنا هذا، ولكن هنالك شخصية قلبها اسود شريرة تسعى لاخراجها بكل اصرار غير واعية للموت و الهلاك التي ستجلبها معها للعالم كله،"
قال بولس باستياء متوتر "كفي! اعصابي لم تعد تحتمل، اذهب عني انت و قصصك الخرافية!"
فصرخ مرقس بصوت عال "يا صالح! يا عثمان!" فهرع اليه اثنان مفتولي العضلات من حراس الامن في الفيلا "خذا هذا الرجل و سلماه الى مركز الشرطة بسرعة،"
قالت نادية "او الى مصح عقلي فيبدو انه يُخَرِفْ،"
قالت مرفت و دموع الخوف تنهمر من عينيها "أرجوكم ان لا يأذيه احد و ارغب بسؤآله شيئا قبل ان يرحل،" فأمر مرقس رجاله ان ينتظروا،
سألت مرفت بحرقة ممزوجة مع نبرة صادقة "اذا كنت من المبروكين فقل لي ماذا و لماذا حصل معي ما حصل اليوم في الصباح"
فتقدمت جاكلين منه و قالت بقلق " زوجي كان مسؤول كبير في الجيش، اذا انت مرسل من ناس للاستهزاء بنا من الاحسن لك ان تعترف والا ستندم،"
"لن تأذيكي،"
اقتربت جاكلين غاضبة وامسكت اكتافه و هزته بعنف بضع مرات و هي تصرخ "من هيا؟ تكلم"
فاجاب الرجل متألما "اتركيني فصحتي لا تحتمل،" ابتعدت عنه جاكلين وهو يقول "الم يقل لك يا مولاتي الضابط الذي جن منها،"
انطلقت من مرفت لهثة تعجب و امتلئ كيانها بالرعب الشديد و هي تسمع الكلمات، فاكمل الرجل بهدوء"ماضيكي لن يؤذي حاضرك، فأتت لكي يُعْطَا لك سلطانك الملوكي من جديد، ستخضع جيوش فرعون لك من جديد يا مولاتي فلا تخافي،" اخرج من جيبه ساعة رملية صغيرة و حنا ظهره واضعا اياها على الارض ثم اغلق عينيه و تمتم في سره شيئا، فلمع وميض نور من حولها لثوان و سط صراخ الجمع في الحفلة ثم كبر حجمها الى حجم متر و ابتدأ الرمل يتساقط بها،
"ابتدات المعركة منذ هذه اللحظة، الامر ليس بيدي و يدكم، فهذا الشرير قلبه اسود مثل هذه اللعنة و ستتكرر احداث التاريخ من جديد، مولاتي مرفت احترسي فقدرك سيجعلكِ تتواجهين مع قوى الشر، هم يكرهون دمك لانك من السلالة الملوكية المباشرة لزوجة سيتي الاول و التي قتلتهم وكانت صاحبت قلب نقي مثلكِ انت و أهلكِ،" ضم فارس خطيبته بشدة و الخوف مهيمن عليه و هو يسمع التحذيرات "لا تكوني ضعيفة و تقوي بالايمان بالله، مهما رأيتِ في دربك لا تخافي،" نظر الى السماء و قال "جلبهم من ثلاثة الاف و ثلاث مائة و سبعة اعوام شخصية شريرة ما ملئ عينيها و شغفها للقوة الا التراب التي دُفِنَتْ تحته، و الان تتوعد للرد و انطلقت في عالمنا من جديد لان العالم يملئه الشهوات و الشر و الحروب الطاحنة و الطمع المادي و قِلَةْ الايمان بالله، اصوات الاذان المُوَحِدَةِ مع اصوات الكنائس تجعلها تنصعر كرها للبشر و لله جل جلاله،" أحنا رأسه لها و قال مولاتي يجب ان ارحل الى بلادي، ثُمَ ادار ظهره لها و مشى ببطئ قائلا سيأخذك قدرك الى بلاد بعيدة سعيا و راء أثر مقدس يجمع بين الثلاثة اديان السماوية، تذكري لا تخافي فهذا قدرك..."

تايلاند في انتظار المزيد من المتاعب/ د. عبدالله المدني

على الرغم من أن تايلاند شهدت في تاريخها المعاصر الكثير من الهزات في صورة انقلابات عسكرية، ومماحكات سياسية، وقمع للمتظاهرين، وحركات احتجاجات شعبية، فإنه لم يسبق لها أن عانت ما تعانيه اليوم من مستقبل سياسي مجهول وسط إنقسام  مجتمعي حاد ما بين تيارين. 
والمعروف أن أحد التيارين يقوده ذوو القمصان الحمراء من مؤيدي رئيسة الوزراء "إينلوك شيناواترا"، التي قررت المحكمة الدستورية مؤخرا بإجماع قضاتها التسع عزلها مع عدد من وزرائها. أما سبب العزل فنجده في منطوق القرار وهو قيامهاــ بــُعيد وصولها إلى الحكم في 2011 من خلال إنتخابات تشريعية ــ بمخالفة إحدى مواد الدستور عبر إستخدام سلطتها في نقل موظف من موظفي الجهاز المدني ــ المقصود هنا هو الأمين العام لمجلس الأمن القومي "تاويل بليانسري" ــ إلى منصب آخر بطريقة تحقق فائدة سياسية لها ولأسرتها ولحزبها السياسي (حزب بويا تاي). وبطبيعة الحال فقد رفضت السيدة شيناواترا هذه التهمة  قائلة: "كنت دائما متمسكة بالقانون ولم اتورط قط في قضايا فساد أو محسوبية". أما أنصارها فقد وصفوا القضية بالتافهة، مؤكدين أنها قضية كيدية رفعها ضد شيناواترا بعض خصومها من أعضاء مجلس الشيوخ، علما بأن "بليانسري" أعيد لاحقا إلى منصبه بموجب حكم من المحكمة الإدارية. 
أما التيار الآخر فيقوده ذوو القمصان الصفراء ممن يطلقون على أنفسهم "اللجنة الشعبية للإصلاح الديمقراطي. وهؤلاء يعادون "اينلوك شيناواترا" وشقيقها تايكون المال والأعمال ورئيس الحكومة الأسبق "تاكسين شيناواترا" المقيم في المنفى الإختياري، ويزعمون أن صلاح الأمور في البلاد لن يتحقق إلا بتعديلات دستورية تعيق وصول آل شيناواترا وأنصارهم إلى السلطة مجددا، بل يسعون إلى تحقيق تلك التعديلات الدستورية من خلال مجلس شعب غير منتخب، وهو ما يتناقض مع التسمية التي يطلقونها على أنفسهم وهو "أنصار الإصلاح الديمقراطي". 
وبحسب قرار المحكمة الدستورية خلف السيدة شيناواترا في منصبها نائبها ووزير التجارة "نيواتومرونغ بونسونغبايسان" على رأس حكومة تصريف أعمال إلى حين إجراء إنتخابات تشريعية جديدة في العشرين من يوليو القادم. غير أني اتفق مع الكثير من متابعي الشأن التايلاندي ممن لا يرون في الانتخابات القادمة مخرجا للأزمة. فلو أثمرت الانتخابات عن عودة شيناواترا أو أي من حلفائها السياسيين إلى الحكم فإن ذوي القمصان الصفراء سيكونون لها بالمرصاد، والعكس صحيح. بل يمكن القول أن طرفي الأزمة يستعدان منذ الآن لمواجهات جديدة ستغرق هذه البلاد في الفوضى وستدمر إقتصادها المزدهر، علما بأن مثل هذه المواجهات بدأت في 2006 على إثر إطاحة الجيش بـحكومة تاكسين شيناواترا المنتخبة، وخلــّفت حتى الآن المئات من القتلى والجرحى، وتسببت في خسائر إقتصادية ببلايين الدولارات ولاسيما في قطاع السياحة الذي يــُعتبر عمود إقتصاد البلاد. 
فبمجرد إذاعة قرار المحكمة الدستورية بعزل رئيسة الحكومة تداعى أنصارها وأنصار شقيقها، وجلهم من الريفيين الذين استفادوا من مشاريع الأخير في المناطق الشمالية النائية، لتنظيم مظاهرات شعبية منددة بقضاة المحكمة الدستورية ومتهمة إياهم بإستخدام القضاء للتخلص من السيدة التي لم تستطع المظاهرات الشعبية طيلة 6 أشهر إسقاطها، الأمر الذي رد عليه ذوو القمصان الصفراء، وجلهم من سكان المدن ومن الطبقة الوسطى المتعلمة أو من الجنوبيين المؤيدين للملكية بقوة، بالقول أنهم سيقدّمون موعد مظاهرات كان قد سبق لهم الاتفاق عليها، بل قام هؤلاء فعلا ــ أثناء كتابة هذا المقال ــ بتأزيم المشهد عبر التظاهر واحتلال مقار الدولة.
والحقيقة أن قرار المحكمة الدستورية قد خيب آمال ذوي القمصان الصفراء، وإنْ منحهم نصرا رمزيا! فهو لئن عزل رئيسة الوزراء من منصبها، فإنه أبقى حكومتها في السلطة لتدير البلاد لفترة انتقالية، بينما كان هؤلاء يمنون النفس بطرد الحكومة بأكملها وإحلال حكومة جديدة مكانها قادرة على إجراء إصلاحات دستورية قبل موعد الانتخابات القادمة، بحيث تطهر تلك الإصلاحات الحياة السياسية من آل شيناواترا.
على أن أعداء وخصوم آل شيناواترا لا تزال أمامهم فرصة لتحقيق أحلامهم! حيث أن "اينلوك شيناواترا" عليها أن تخوض بعد عزلها معركة قانونية طويلة أمام مفوضية مكافحة الفساد التي تنظر في قضية أخرى منفصلة مرفوعة ضدها تتعلق بإهدارها لبلايين الدولارات من أموال الدولة في مشروع لدعم زراعة الأرز كنتيجة للإهمال وسؤ التصرف. فإذا ما فشلت في كسب هذه القضية فإنه قد يصدر حكم ضدها بمنعها من المشاركة في الحياة السياسية لمدة خمس سنوات، وهذا ما يتمناه خصومها كيلا تــُقــْدم على الترشح في انتخابات يوليو المقبلة.

إن الكثير من الانتقادات وجهت في وسائل الاعلام التايلاندية المتمتعة بهامش واسع من الحريات لقرار المحكمة الدستورية آنف الذكر. حيث اتهمها البعض بالتسرع في اصدار حكمها ضد رئيسة الوزراء وكأنها تحابي خصومها، خصوصا وأن لهذه المحكمة سوابق كثيرة لجهة الانحياز ضد آل شيناواترا. ففي 2008 مثلا أصدرت المحكمة نفسها حكمين ضد رئيسين من رؤساء الحكومات الحليفة لـ"تاكسين شيناواترا". وفي شهر مارس الماضي أبطلت ذات المحكمة نتائج إنتخابات الثاني من فبراير 2014  متضامنة بذلك مع الذين مارسوا الشغب في الشارع من أجل إعاقة تلك الانتخابات، الأمر الذي جعل البلاد تعيش حالة فراغ تشريعي.
ونختتم بتسليط بعض الأضواء على السيدة شيناواترا التي دخلت تاريخ بلادها كأول إمرأة تتولى رئاسة الحكومة، وبيان انجازاتها واخفاقاتها.
كتب الكثيرون يوم أن فازت شيناواترا (46 عاما) في إنتخابات 2011 قائلين أنها لا تتمتع بأي خبرة تؤهلها لقيادة البلاد، وأن مجيئها ليس سوى تمهيد لعودة شقيقها إلى السلطة. وأضاف آخرون أنه حتى لو لم يتمكن شقيقها من العودة من منفاه الإختياري فإنها ستكون دمية في يديه يحركها من على بعد لتنفيذ مآربه.
غير أن هذه السيدة الجميلة والأنيقة والثرية والمؤهلة تأهيلا أكاديميا عاليا ــ حاصلة على شهادتي البكالوريوس والماجستير في العلوم السياسية وإدارة الأعمال من جامعة كنتكي الإمريكية ــ وصاحبة الخبرة العملية في إدارة مؤسسات عائلتها الضخمة العاملة في مجال الاتصالات والتطوير العقاري، استطاعت أن تثبت خلاف ما قيل عنها. فطوال أكثر من سنتين من حكمها تمتعت تايلاند باستقرار نسبي معطوف على حالة من الانتعاش الاقتصادي. غير أن مشكلتها الرئيسية تمثلت حصريا في حقيقة كونها شقيقة لرئيس وزراء هارب مغضوب عليه جماهيريا في نصف أقاليم البلاد على الأقل، الأمر الذي وضع كل تصرفاتها وخطواتها تحت المجهر الشعبي. فلولا هذا الأخير وهروبه من البلاد لما فكرت اينلوك شيناواترا يوما أن تدخل عوالم السياسة ودهاليزها القاتمة. 
أما غلطتها القاتلة، التي فجرت الشارع التايلاندي شغبا ومظاهرات وصدامات، فقد تمثلت في مشروع تقدمت به للبرلمان في نوفمبر 2013 للعفو السياسي. حيث رأى الكثيرون من خصومها في هذا المشروع توطئة لإسقاط كل الأحكام القضائية الصادرة ضد شقيقها، وبما يمهد السبيل أمامه للعودة من منفاه دون أن يـُمس أو يـُعاقب، بل بما يمهد الدروب له للعودة إلى السلطة مجددا.
فقرة الهامش:
لم يسبق لتايلاند أن عانت ما تعانيه اليوم من انقسام مجتمعي حاد
د. عبدالله المدني
باحث ومحاضر في الشأن الآسيوي من مملكة البحرين
تاريخ المادة : مايو 2014 
البريد الإلكتروني: Elmadani@batelco.com.bh 

رئيس فذّ لكبح جموح فظّ/ المهندس حميد عواد

  للأسف، ما إن فكّت ثورة الأرز الطوق السوري الخانق الذي كاد يبتلع لبنان، حتّى انقضّ  النظام الإيراني اللصيق بالنظام السوريّ، عبر الحزب الديني والعسكري الذي أنشأه من أتباع لبنانيّين استقطبهم بجذب العصب المذهبيّ وربطهم بإمرة فقيهه، لتعبئة وتوسيع حيّز النفوذ الذي خلّفه النظام السوري بسحب جيشه من لبنان. 

النظام الإيراني مصمّم على بسط هيمنة جمهوريّته الإسلاميّة على أوسع نطاق يتواجد فيه شيعة يوالونه لذا يثابر على دعم قدراتهم ويستعين بهم لغرز نفوذه حيث هم وأبعد من ذلك. 

 ثمّ لا ينفكّ عن تطوير أسلحته الجوّية والبرّية والبحريّة والصاروخيّة وتكثيف مناوراته العسكريّة وتخصيب طاقته النوويّة وتصدير عتاده العسكريّ وعقيدة ثورته وخبراته إلى أذرعته وفصائله المنتشرة خارج نطاقه الجغرافيّ. 

  ولا يتوانى عن إقحامهم في معارك عسكريّة شرسة تشتقّ لنفوذه طرقاً وتقطع أخر لمنع وصول أخصام له ولحلفائه كما يحدث في سوريا حيث تحوّلت المعركة معركته والملك ملكه واصبح جيش النظام رديفاً له. 

ولا عجب أن يتبجّح اللواء يحي رحيم صفوي مستشار الفقيه خامنئي بقوله إنّ حدود جمهوريّته تمتدّ إلى شواطئ لبنان الجنوبية عبر العراق وسوريا. وهو ليس المسؤول الأول الذي يطلق مثل هذه التصريحات الإستفزازيّة إذ صرّح غيره سابقاً قائلين إنّ سوريا والبحرين هما ولايتان إيرانيّتان. 

 في ظلّ هكذا ذهنيّة موقودة بغريزة التسلّط وعقيدة لا تؤمن "بولاية" الدولة المركزيّة ولاتعتبر النظام الديمقراطي اللبنانيّ إلّا محطّة مرحليّة للعبور إلى الجمهوريّة الإسلاميّة المنشودة، ماذا يرتجي الذين يتحالفون مع الحزب الذي يمثّل هذا الخطّ أن يحصدوا سوى "مغانم" مؤقّتة يتلهّون بلوكها فيما "الحليف" يتحضّر لرصفهم قناطر توصله إلى غايته الآيلة إلى تغيير معالم كيان لبنان الحرّ والسيّد والمستقلّ والمتنوّع والرائد والآمن والمزدهر؟

المطلوب موقف شجاع متضامن مع صيغة لبنان الحضاريّة الحافظة لحيويّة مكوّناته البشريّة والثقافيّة والفكريّة والاقتصاديّة، والنابذة والمحبطة للقوى القارضة لهذه الصيغة. 

والمطلوب رئيس ذو هيبة مقدام وحكيم مؤمن بالثوابت الوطنيّة الحامية للصيغة من الغرق في زوابع المحاور المغزولة حوله ومن الاحتراق بنيران معاركها. كما يحمل برنامجاً واضحاً يحفظ للدولة سلطاتها السياديّة دون منافس ويشتمل على سبل إصلاح المؤسّسات وتنقية وترشيق السلطات والإدارات والمرافق العامّة وتسهيل العمل بمزيد  من نشر الشبكة الإلكترونيّة في المؤسّسات. كذلك يتضمّن ما يطمئن المواطن لحاضره ومستقبله ويساعده على الاستفادة من حقوقه وملكيّة أرضه ويحفّزه على ممارسة واجباته. 

وطالما أنّ السلطات المتروكة لموقع الرئاسة باتت محدودة جدّاً يحتاج الرئيس العتيد لتنفيذ برنامجه وخططه الأمنيّة إلى تعاون صادق من القيّمين على السلطات والمؤسّسات والإدارات لينجح.  

 إنّ التحذلق بالتلطي وراء البحث عن رئيس "وفاقي" ينتجه "فيتو" وهج سلاح الحزب  المذهبي والعسكريّ ما هو إلّا فرض لإرادة قيادة حامليه ليأتوا برئيس طيّع لما يملوه عليه. 

 تعطيل هذا "الفيتو" ضروري بالخروج من التحالف مع هذا الحزب لعلّ قيادته تستوعب معنى التوافق وتتخلّى عن النزعات الجامحة وتتّسق مع بقية الأطراف في كنف الدولة ملتزمين أحكام الدستور. 

تحسّباً لئن تحول المناورات السياسيّة دون انتخاب رئيس جديد خلال جلسة الخميس المقبل حريّ بالنوّاب الوسطيين أن يتعاونوا مع غيرهم ممن يقدّرون مزايا الرئيس الحالي ميشال سليمان ويستمزجوا رأيه الحكيم وصوابيّة مواقفه الوطنيّة ليستقصوا أسماء من يأتمنهم على متابعة مسيرته ويختاروا واحداً منهم. ذلك أنّه رافض لأي تعديل  دستوري يمنحه تمديداً لولايته التي استقطب خلالها تأييداً دوليّاً مميّزاً لخططه وتقديراً عالياً لرجاحة منطقه وسمو مناقبه وكثافة جهوده وانجازاته وقدرته على معالجة قضايا معقّدة وصعبة. 

ليكن الرئيس المنتخب فولاذيّ الإرادة ذهبيّ القلب ماسيّ الذهن دمه من نسغ الأرز. وليحطه فريق من المتخصّصين المنذورين لخدمة الوطن.

أكاديمي مواظب على الغوص في الشؤون اللبنانيّة*
-- 
Compassion, accurate discernment, judicious opinion, support for freedom, justice and Human Rights.
 http://hamidaouad.blogspot.com/

العلاقات الأميركية الفلسطينية غير دبلوماسية/ نقولا ناصر

  (امتناع الولايات المتحدة عن إقامة علاقات دبلوماسية مع الشعب الفلسطيني تحت أي مسمى، سواء مع دولة فلسطين التي لا تعترف بها أم مع السلطة الفلسطينية التي تعترف بها، يفقدها صدقيتها في تأييد إقامة دولة فلسطينية)


عشية الخامس عشر من أيار/مايو، يوم الذكرى السادسة والستين للنكبة الفلسطينية، جمع لقاء بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري وبين الرئيس الفلسطيني محمود عباس في العاصمة البريطانية لندن يوم الأربعاء الماضي على هامش اجتماع من يسمون أنفسهم "أصدقاء سوريا".

وكان لافتا أن تقول المتحدثة باسم الخارجية الأميركية جن بساكي إن "الغرض من اللقاء هو بحث علاقتنا المستمرة مع الفلسطينيين".

والعلاقات الفلسطينية مع الولايات المتحدة، بالرغم من الأزمات التي مرت بها، لم تنقطع، سرا وعلنا، قبل وبعد انعقاد مؤتمر مدريد للسلام في "الشرق الأوسط" عام 1991، لكن واشنطن لا تزال تشذ عن معظم دول العالم في عدم إقامة علاقات دبلوماسية مع فلسطين.

إن إشارة بساكي إلى علاقة بلادها المستمرة "مع الفلسطينيين"، وليس مع دولة فلسطين، أو مع السلطة الفلسطينية، أو مع منظمة التحرير الفلسطينية، تشير إلى أن الولايات المتحدة ما زالت تتعامل مع الشعب الفلسطيني كوجود ضبابي هلامي لا شكل له ولا عنوان، ربما حتى لا تضطر إلى تبادل العلاقات الدبلوماسية معه، بالرغم من الزيارات التي قام بها آخر ثلاث رؤساء أميركيين للقيادة الفلسطينية تحت الاحتلال وبالرغم من استقبال الرئيس الفلسطيني الحالي عباس في البيت الأبيض ست مرات منذ عام 2009 في عهد إدارة الرئيس باراك أوباما.

وبالرغم من وجود تسعة وثلاثين بعثة دبلوماسية أجنبية معتمدة لدى السلطة الفلسطينية، منها بعثات لحلفاء الولايات المتحدة الغربيين في الاتحاد الأوروبي وكندا، وبالرغم من اعتراف مائة وأربعة وثلاثين دولة بقلسطين "دولة مراقبة غير عضو" في الأمم المتحدة في السابع والعشرين من أيلول الماضي واعتراف المزيد غيرها بمنظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، لا تزال الولايات المتحدة تدير علاقاتها "المستمرة مع الفلسطينيين" من قنصليتها في القدس المحتلة المسؤولة مباشرة أمام "مكتب الأراضي الفلسطينية" بوزارة الخارجية في العاصمة واشنطن.

واعتبارا من العشرين من تموز/يوليو عام 2010 رفعت الولايات المتحدة مستوى تمثيل بعثة منظمة التحرير في عاصمتها إلى "مفوضية عامة لمنظمة التحرير الفلسطينية" في خطوة وصفها في حينه المتحدث باسم خارجيتها آنذاك فيليب كراولي بأنها "رمزية" تسمح برفع العلم الفلسطيني على سطح المفوضية لكنها لا تمنح طاقمها حصانة دبلوماسية.

إن امتناع الولايات المتحدة عن إقامة علاقات دبلوماسية مع الشعب الفلسطيني تحت أي مسمى، سواء مع دولة فلسطين التي لا تعترف بها أم مع السلطة الفلسطينية التي تعترف بها، لا يشير إلى حسن نية، ويفقد تأييدها اللفظي لإقامة دولة فلسطينية في إطار "حل الدولتين" الذي تدعو إليه أي صدقية.

فتبادل التمثيل البدلوماسي مع الشعب الفلسطيني يمثل حدا أدنى لصدقية الولايات المتحدة في تأييد إقامة دولة فلسطينية، بينما يستمر استنكافها عن ذلك مؤشرا إلى وجود قرار أميركي مدروس ومقصود بالاستمرار في التعامل مع وجود الشعب الفلسطيني كوجود ضبابي هلامي لا يستحق تبادلا دبلوماسيا كاملا.

ومثل هذه المقاربة الأميركية للشعب الفلسطيني تكمن في صلب الفشل الأميركي المتواصل منذ ما يزيد على عشرين سنة في إدارة عملية تفاوض ناجحة تقود إلى حل الدولتين، لأن هذه المقاربة تقود حكما إلى الانحياز الأميركي الكامل لدولة الاحتلال وتجرد الرعاية الأميركية للمفاوضات من الحياد والنزاهة المفترض توفرهما في من يتنطع للقيام بدور الوساطة في أي صراع.

في مقابلة لمجلس العلاقات الخارجية الأميركي في الثالث عشر من هذا الشهر مع آرون ديفيد ميللر نائب رئيس مركز ويلسون بواشنطن العاصمة والذي خدم لمدة عشرين عاما في الخارجية الأميركية، تساءل ميللر عن السبب في فشل المبعوث الرئاسي الأميركي جورج ميتشل والوزير كيري في "التوصل إلى اتفاق بين الفلسطينيين وبين الإسرائيليين".

وربما يوجد الجواب على تساؤل ميللر في تقرير لخدمة أبحاث الكونجرس صدر في العاشر من كانون الثاني/ديسمبر عام 2005: "إلى ما قبل فترة وجيزة، كانت الولايات المتحدة تعامل الفلسطينيين كواحدة من المشاكل التي عليها حلها في إنهاء النزاع العربي – الإسرائيلي وليس كمشاركين في عملية السلام ... ومنذ عام 1948 حتى حرب 1967 كانت الولايات المتحدة تنظر إلى الشعب الفلسطيني في سياق مشكلة اللاجئين وليس كحركة وطنية مستقلة" في إطار "حماية أمن إسرائيل" واستمر ذلك حتى اعترف الرئيس الأسبق جيمي كارتر ب"الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني"  وضمّنها اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وبين دولة الاحتلال عام 1978، لكن إدارة رونالد ريغان ارتدت عن هذا الاعتراف فعادت إلى التعامل مع الشعب الفلسطيني ك"لاجئين" و"إرهابيين". وعندما انعقد مؤتمر مدريد عام 1991 تعاملت "مع الفلسطينيين كجزء من الوفد الأردني وليس ككيان منفصل". ومنذ توقيع "إعلان المبادئ" (أوسلو) بعد عامين منحت الولايات المتحدة "الفلسطينيين ... شكلا من الاعتراف، لم يصل حد الاعتراف بدولة" لهم حتى الآن.

وما زال السلوك السياسي والدبلوماسي الأميركي محكوما بهذه الرؤية للشعب الفلسطيني ك"مشكلة" على الولايات المتحدة "حلها"، ولأرضه المحتلة كمناطق متنازع عليها يتقرر مصيرها بالتفاوض الثنائي مع دولة الاحتلال، وبطريقة "تنبذ العنف" في مقاومة الاحتلال في سياق الالتزام الأميركي بضمان "أمن إسرائيل" كهدف نهائي.

وما لم تتغير هذه الرؤية الأميركية التي تستبعد أي حق للشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بحرية فوق أرضه بما يضمن حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف سوف تظل كل الجهود الأميركية من أجل التوصل إلى تسوية سياسية للصراع العربي – الصهيوني في فلسطين محكوما عليها بالفشل.

ولن يمضي وقت طويل قبل أن يبدأ الشعب الفلسطيني في العمل على أساس ما كان يدركه منذ أمد طويل بأن الصراع هو في الواقع صراع عربي – أميركي في فلسطين بقدر ما هو صراع عربي – صهيوني.

والتبادل الدبلوماسي مع الشعب العربي الفلسطيني هو الخطوة الأميركية الأولى لاقناع الفلسطينيين بالحياد الأميركي وللتراجع الأميركي نهائيا عن تلك الرؤية التي أطالت أمد الصراع، ولتدراك تطور وضع كهذا في العمل السياسي الفلسطيني.

ومثل هذا التبادل الدبلوماسي كمقدمة عملية للاعتراف الأميركي بوجود الشعب العربي الفلسطيني فوق أرضه، وبحقوقه الوطنية فيها غير القابلة للتصرف، وبحقه في تقرير مصيره بإرادة حرة فوقها سوف يكون المؤشر الأول إلى حسن نوايا الولايات المتحدة في الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية وإلى صدقيتها في السعي إلى سلام عادل وشامل.

فالشعب الفلسطيني ليس هو "المشكلة"، بل هي الاحتلال ودولته ورؤية راعيها الأميركي.

في مقال له نشرته "الأهرام ويكلي" في الثامن من الشهر الجاري قال مقرر الأمم المتحدة السابق لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ريتشارد فولك، إنه "يوجد شيء أساسي ناقص في الدور المزدوج الذي تلعبه الولايات المتحدة في المفاوضات" بين منظمة التحرير وبين دولة الاحتلال، ليتساءل: "كيف يمكن الثقة عندما يعلن المسؤولوم الأميركيون المرة تلو الأخرى أن بلادهم سوف تظل حليفا من دون شروط لإسرائيل، ومع ذلك لا تمنح في ذات الوقت إلا الحد الأدنى من الثقة للفلسطينيين بأنها طرف ثالث محايد يعمل من أجل سلام عادل؟"!

* كاتب عربي من فلسطين
* nassernicola@ymail.com

منظمة التحرير السورية هي قمة المؤامرة/ جمال قارصلي

إن المؤامرة العالمية على سورية تزداد كل يوم وضوحا وشفافية ولا تدع مجالا للشك والريبة بأن مخططاتها قد تم رسمها منذ زمن بعيد ولم تعد تنطلي على أحد التفسيرات والتأويلات التي كانت تختبيء خلفها, ومن الواضح كذلك بأن هنالك من يعمل على تنفيذ هذه المؤامرة على أرض الواقع بكل جدية وإصرار. المؤامرة وصلت إلى مرحلة خطيرة جدا وأصبحت تهدد وحدة وسلامة التراب السوري, وأكثر هذه المراحل خطورة هي بداية "مأسسة" الأزمة السورية لكي تدوم وتستمر أكثر وهنالك من وصل إلى حد الوقاحة وصار يطرح فكرة إنشاء "منظمة التحرير السورية" تحت ذريعة بأن هذا الشكل المؤسساتي سيعطي المعارضة السورية إمكانية العمل بشكل فعّال أكثر والتحرك والمناورة في الأروقة السياسية والديبلوماسية العالمية. إن الذين يعملون على ترويج مثل هكذا أفكار لا يريدون أن يأخذوا من التاريخ عبرة, وأن يتعلموا من تجارب الشعوب الأخرى, وينسون بأنهم بعملهم هذا سيضعون الأزمة السورية في نفق مظلم لا أحد يعرف أين ستكون نهايته وماهي عواقبه وأفضل مثال على ذلك هي المعانات التي يعيشها الشعب الفلسطيني منذ 66 عاما. 
لقد التقت على الأرض السورية الكثير من المصالح الدولية والإقليمية وهنالك من لبس عباءة "أصدقاء سورية" وهنالك من وجد في الطائفية أو المذهبية أو العرقية مبررا للإنغماس فيها. ولكن أخطر ما يهدد وحدة الأرض السورية هو التفاهم الكبير القائم بين القوى العالمية العظمى على الأزمة السورية. هذه الدول تعمل على أن تظل موازين القوى بين "النظام" والمعارضة السورية متساوية ولا تسمح لكلا الطرفين أن يخرجا من هذه الأزمة منتصرا.
هنالك دول ومؤسسات وأشخاص تتقن الصيد في الماء العكر وتزدهر تجارتها أثناء الأزمات والحروب, فالكثير من المستفيدين من الأزمة السورية وجدوا فرصتهم فيها وهنالك طبقة من المتنفعين صارت تعتاش منها وتضع كل الدعائم لإطالة عمرها وضمان إستمراريتها, إضافة إلى ذلك تقوم بعض الدول في إستخدام "الورقة السورية" من أجل المساومة بها على مصالحها والتسول عليها.
التحول الطفيف الذي حصل في الموقف الأمريكي بعد التوتر الذي حدث بين أمريكا وروسيا بسبب الأزمة الأوكرانية والذي أدى إلى إغلاق السفارة السورية والقنصليات التابعة لها في أمريكا وبشكل مفاجيء لم تتبعه خطوات أخرى تعزز هذا التحول, بل لا زال أوباما يتعامل مع الأزمة السورية بطريقته الخاصة وهي رسم الخطوط  الحمراء "للنظام" وبنفس الوقت منع وصول السلاح اللازم للثوار من أجل حسم المعركة أو ردع شر البراميل والحاويات المتفجرة. إدارة أوباما تستخدم الأزمة السورية من أجل المساومة على مصالحها مع الدول الإقليمية والعالمية وكذلك من أجل حماية أمن وسلامة إسرائيل. 
من الواضح بأن الموقف الأمريكي من الأزمة السورية لن يتغير على المدى القريب وإن حصل ذلك فلن يتم إلا إذا تغير الموقف الإسرائيلي. ولكن الموقف الإسرائيلي لن يتغير لأن إسرائيل هي المستفيد الأكبر من الأزمة السورية وبواسطتها إستطاعت أن تحقق كل أهدافها دون أن تقوم بأي جهد كان, لأن "نظام المقاومة والممانعة" يقوم بقتل شعبه وتدمير بلده بكل ما لديه من سلاح فتاك ومحرّم دوليا ويحمي حدودها ويجعلها أكثر أمنا وإستقرارا من حدودها مع الدول التي عقدت معها إتفاقيات سلام مثل مصر والأردن. 
عندما قرأت, ولأول مرة, بأن هنالك من يقترح فكرة تأسيس "منظمة التحرير السورية" إقشعر بدني وبدأت مشاهد معاناة أهلنا في الداخل وفي الشتات, والذين بفضل بطش الطاغية تحولوا إلى نازحين ولاجئين, تدور في مخيلتي ومعها تزداد صورة المؤامرة على الثورة السورية وضوحا, ولكن ما أخشاه أن نسمع في القريب العاجل قد تم تأسيس منظمات تحرير لكل محافظة سورية أو لكل طائفة أو قومية تعيش في سورية. المشهد المأساوي لمستقبل سورية أصبح تقريبا كامل المعالم ولكن ما ينقصنا هو أن نجد شاعرا جريئا مثل مظفر النواب ليكتب لنا قصيدة بعنوان "سورية عروس عروبتكم" فيكتمل المشهد.
نحن على ثقة تامة بأن ثوار سورية وأحرارها لن تفوت عليهم هكذا أفكار ومخططات جهنمية وخبيثة وأنهم سيكونوا لها بالمرصاد مثل ما كان أسلافهم أثناء الثورة السورية الكبرى والذين وقفوا في وجه كل مخططات التقسيم لسورية الوطن إلى دويلات صغيرة.