القضاء المصرى يطهر مصر من السرطان/ مجدى نجيب وهبة

 منذ أكثر من 50 عاما مضت ، ومصر تعيش تحت وطأة الإرهاب الذى تركه السادات ، بل أيده ودعمه وأعلن عن ذلك علانية حتى تم قتله بالإرهاب نفسه ...
** عندما تولى مبارك الحكم عقب إغتيال السادات على أيدى الإرهابيين .. عقد صفقة سرية بينه وبينهم ، كان شعارها "يانحلة لا تقرصينى ولا عايز منك عسل" .. أى تركهم يتكاثرون وينمون ، بل ويقتلون ، وأحدثوا العديد من الحوادث الإرهابية والمئات من الأحداث الطائفية ، وجرائم يندى لها الجبين .. ومع ذلك كانت تنتهى هذه الجرائم بصورة مؤقتة وليس بالبتر .. فظل السرطان ينمو وينمو ، بل كان يتم القبض على الجناة ويتم إيداعهم بسجون خمس نجوم .. ويطلقون لحاهم .. وتفتح لهم أبواب الزيارات وإصدار الفتاوى ويتم تبرير جرائمهم بإدعاء أنهم مختلون عقليا أو غير مدركين لصحيح الدين الإسلامى .. ثم تتوالى زيارات بعض مشايخ ودعاة الأزهر لهم فى السجون ، ويخرجون الشيوخ من هذه الزيارات بأن السجناء الإرهابيين أعلنوا التوبة ، أو عملوا مراجعة لأفكارهم ، ويحصلون على شهادة بذلك لتقدم للسيد رئيس الدولة ، فيتم الإفراج عنهم فورا فى أقرب مناسبة إحتفال بالأعياد القومية أو الأعياد الدينية .. فيخرجون للمجتمع أشد إرهابا وعنفا ، بعد أن حصلوا على رخصة إرهابى تائب ، ولا تمضى بضعة أيام إلا ويعود هذا الإرهابى لممارسة نفس الجرائم الإرهابية أو الطائفية ، ولكن بصورة أشد قذارة ووقاحة ..
** ولم نسمع عن أى تحركات لجمعيات حقوق الإنسان ، لفضح السياسة المصرية .. أو لكشف الحقيقة .. بل كنا نسمع بعض الأصوات التى تطالب بحماية الأقباط أو تحديدا الأقليات الدينية .. ولم تكن كلمة أقليات هى المقصود بها تقسيم الوطن .. ولم يكن معظم الأقباط يدركون أن هدف المطالبة من بعض منظمات حقوق الإنسان أو النشطاء فى الخارج ، وهم نشطاء البيزنس والسبوبة .. هو دعم المخطط الأمريكى للتقسيم وخلق ما تدعو إليه أمريكا بإسم "الفوضى الهدامة" .. بل كان الكثير يلهثون وراء السفر إلى الإتحاد الأوربى وأمريكا لعمل مؤتمرات بإسم الأقباط أو الأقليات فى مصر .. بل ومازالت هناك بعض فلول أمريكا تدعو لهذه المؤتمرات المشبوهة التى يتزعمها بعض أقباط المهجر بأمريكا والإتحاد الأوربى ، ويشاركهم أقباط السبوبة من النشطاء فى مصر ، العاملين فى مجال حقوق الإنسان ..
** لقد مرت مصر بأحداث وجرائم إرهابية وقتل وإغتصاب وسرقة وطرد للأقباط من مساكنهم بعد نهب ممتلكاتهم ، ويظل البحث عن الجناة دون فائدة ، رغم أن الجناة معروفون ، وتظل الوعود الفاشينكية لرئيس الدولة تنطلق دون أى حل حتى تنتهى الجريمة الإرهابية بواقعة أخرى تجعلنا نتجه إليها وننسى الجريمة السابقة ..
** هذا هو الحال الذى جعل سرطان الإرهاب يتوغل فى كل مرافق الدولة .. حتى وصلوا إلى برلمان 2005 ، وحصدوا بالإتفاق مع الدولة على 88 مقعد للإخوان داخل البرلمان .. حتى جريمة القديسين بكنيسة "سيدى بشر" بالأسكندرية .. والتى راح ضحيتها المئات من الأقباط بين شهيد وجريح ، إنتهت بغلق الملف ولم يستدل على الفاعل .. علما بأن الفاعل هم جماعة الإخوان المسلمين الإرهابيين وتنفيذ حركة حماس الذراع العسكرى للإخوان .. وهذا ما كتبناه عقب هذه الجريمة البشعة الإرهابية ..
** ظل الغضب يتصاعد ضد مبارك بسبب مواقفه المتخاذلة ضد هذه الأورام السرطانية .. حتى أن بعض الأقباط إعتقدوا أن طوق النجاة ، ربما يأتى من أمريكا .. وهم لا يدرون أن أمريكا كانت تخطط لتدمير جميع الكنائس والأديره فى مصر ، ولا يهمها من قريب أو بعيد أن يذبح الأقباط فى جميع محافظات وقرى وصعيد مصر مثلما يحدث فى العراق وسوريا وليبيا الأن .. بل أن مخطط 25 يناير ، لم يكن يهدف إلا لما هو أسوأ من إسقاط نظام مبارك ، وهو إعطاء مصر للإخوان وتسليمها لهم تسليم مفتاح عن طريق المجلس العسكرى السابق برئاسة المشير طنطاوى والفريق سامى عنان .. والذى إنتهت هذه الحوارات والقصص والأفلام الساقطة بتسليم المعتوه والإرهابى والجاسوس "محمد مرسى العياط" سدة الحكم .. وإعتقدت أمريكا أنها بالفعل نجحت وبدأت تتراقص على جثث ضحاياها ، الذين سقطوا فى مصر وليبيا وسوريا واليمن وتونس ، وأطلقت على هذه الأمراض السرطانية والطاعون ، كلمة "الربيع العربى" .. وإستمر هذا السقوط للدولة المصرية حتى خرج 40 مليون مواطن مصرى حر شريف أصيل ، دون فرق بين المسلم والمسيحى .. الجميع خرجوا تحت علم واحد ونداء واحد هو "مصر" ..
** لم يكن أمام الجيش المصرى العظيم إلا أن يستجيب لإرادة الشعب .. بل أن الجيش حمى كلاب الإخوان من ثورة الشعب المصرى الذى أقسم أن يفتك بهم ويبيدهم .. وينهى هذا الطاعون ، وهذا السرطان من جسد الوطن ..
** خرج الشعب وحقق النصر ، وإلتحم "الشعب والجيش والشرطة والقضاء" فى سابقة لم تحدث فى العالم ، فى كتلة واحدة صلبة قوية ، فى مواجهة الإرهاب وأمريكا وإسرائيل والإتحاد الأوربى ، وفرنسا ، وبريطانيا ، وتركيا ، وقطر ، وكل المنظمات والتجمعات الإرهابية ، وإستطاعوا بفضل صلابة شعب مصر العظيم أن يوقف أكبر مؤامرة ومخطط لإسقاط منطقة الشرق الأوسط بالكامل وتقسيمها .. وتم ملاحقة كل الإرهابيين والمجرمين أعوان الشيطان الذين تحركهم أمريكا ، وأولهم جماعة الإخوان المسلمين .. قبض على أعوان الشيطان وقدموا للمحاكمة بالمستندات التى تصور جرائمهم القذرة فى حق الوطن ..
** والأن بعد إنتظار دام أكثر من خمسون عاما يصدر قضاء مصر الشامخ أحكاما بالإعدام على هؤلاء المجرمين ، والإعدام يعنى تطهير مصر من هذه الأورام السرطانية إلى الأبد ..
** عاش القضاء المصرى وعاش جيشها وشرطتها وشعبها العظيم .. فقد إنتصرت مصر على الطاعون والسرطان ، ولا عودة للوراء وكل الخونة والمأجورين يتساقطون مثل كرات الثلج ، وسوف ندوس عليها حتى تتهاوى فى البالوعات ..
** وداعا لسرطان الإعلام .. فلن يكون هناك مجالا لتلاعبهم بالوطن .. وداعا للخونة والمأجورين أعوان البرادعى وعمرو حمزاوى وأيمن نور .. فقد إنتهى دورهم ..
** وداعا للمتحولين ولاعبى الثلاث ورقات .. فالقضاء سيقول كلمته فى كل هؤلاء ، وسيحاكمون لتتطهر مصر من أشكالهم ..
** وداعا للخونة والفاسدين والمتآمرين .. فمصيرهم حدده القضاء المصرى ولن يفلت خائن من العقاب .. سيظل القضاء هو السيف المسلط على رقاب الإرهابيين والخونة والعملاء وأعوان أمريكا ، وكل من يتطاول على مصر ..
** وداعا للصحافة المأجورة والمتلونة .. فالمشهد واضح وصريح ، ولا يحتمل مسك العصا من النصف ..
** وداعا لنكسة 25 يناير .. لأنها لم تكن بثورة بل كانت أكبر وكسة ومؤامرة تعرضت لها مصر ..
** هناك ثورة واحدة خرجت ضد الظلم والفساد والإرهاب والمخططات الأمريكية .. نعم إنها ثورة 30 يونيو ولا ثورة قبل أو بعد ذلك .. بل إنها إمتداد لثورة 23 يوليو ..
** وداعا لكل الخونة والمأجورين وعلى رأسهم الإرهابى ، كاتب الدعارة "علاء الأسوانى" ، والإعلامى " يسرى فودة" ، والإعلامى "محمود سعد" ، والإعلامية "منى الشاذلى" ، والإعلامية "دينا عبد الرحمن" ..
** كفاكم أيها المضللون .. كفاكم أيها الكتاب والصحفيين أعوان البرادعى ، وأعوان حركة 6 إبليس ..
** وداعا لكل الأورام السرطانية ولتحيا مصر ، وليحيا قضاءها وجيشها وشرطتها وشعبها العظيم ..

صوت الأقباط المصريين

لبنان بحاجة لرئيس لبناني قلباً وقالباً وإيماناً/ الياس بجاني

خزيٌ وعارٌ أن يُضيِّع بعض المُمْسكين حالياً بقرارات حُكم وطننا الأم لبنان المعذب فرصة ذهبية نادرة للخلاص من خلال انتخاب رئيس للجمهورية حر وسيادي ولبناني قلباً وقالباً وإيماناً. إن واقع "وطن الساحة" "والدويلات" هو علقم مفروض بقوة سلاح الغرباء ومالهم. إن البدء بصدق وتفاني وشفافية مهمة تثبيت وتحصين وحماية أسس دولة القانون والحقوق والمؤسسات الحرة السيدة المستقلة هو من الأهمية بمكان وهذه مهمة مقدسة لن تتم إلا بوجود رئيس جمهورية حقيقي، وليس دمية يحركها حزب الله الذي يحتل لبنان ويعمل على تحويله بالقوة والإرهاب والبلطجة والغزوات لدولة تابعة كلياً لجمهورية ملالي إيران. 

دولة كلِّ اللبنانيين العصرية بشرائحهم المتنوعة اثنياً ودينياً وحضارياً توخَّينا قيامها، دولة طالما سعى الأحرار والأشراف والمناضلين من أهلنا لبلوغها منذ سنين طويلة، عانوا خلالها بصبر وإيمان ورجاء جور وكفر وفجور وإجرام زمن الاحتلال الأعجف برموزه وأدواته من طرواديين ومرتزقة وملجميين. 

لقد قدم الآلاف من شهدائنا الأبرار أنفسهم قرابين لتبقى الجباه عالية والكرامات مُصانة والرايات خفاقة، فماذا نقول لهم ونحن نرى حالة الحكام والسياسيين ورجال الدين التراجعية والجبن؟
واللافت أنه وبعد خروج سوريا العسكري القسري من لبنان طبقاً للقرار الدولي 1559 عادت، وبِقوَّة، التقية ومعها لغة التكاذب والدجل إلى التداول ولم يعد المواطن اللبناني الحر السيادي بقادر على فهم اتجاه بوصلة حكامه والسياسيين وكبار رجال الدين كافة. 

ففي حين ينادي هؤلاء وعلى مدار الساعة بضرورة نهوض الدولة وبسط سلطتها الذاتية والقانون، نراهم يقبلون راضين أو صاغرين، لا فرق، باستمرار سلطة وتسلط حزب الله الإرهابي والإيراني وببقاء المخيمات الفلسطينية وسلاحها بؤرا أمنية وقنابل موقوتة بيد سوريا البعث وإيران الملالي وغيرهما من القوى الإقليمية والأصولية التي تعودت جعل "لبنان الساحة" مسرحاً لصراعاتها والحروب.

قادة وسياسيين وأحزاب مسخ يطالبون باحترام القرارات الدولية وبتنفيذ بنود اتفاق الطائف، لكنهم في الوقت عينه ينتقون ويستنسبون ما هو على مقياس نفوذهم والمصالح، والأدهى ربطهم الهرطقي مصير ما هو لبناني صرف من القرارات وخصوصاً الـ 1559 بتلك غير اللبنانية. فهُم، وهنا العجب يصرُّون أولاً على تنفيذ القرار 194 لجهة عودة الفلسطينيين إلى بلادهم ومعه كل القرارات منذ تأسست عصبة الأمم ومن بعدها جمعية الأمم المتحدة بما فيها تلك المتعلق ببلاد الماو ماو وغابات الأمازون ومجاهل أفريقيا!! يريدون إنهاء أزمات القارات الخمس قبل القبول بقرارات محقة وعادلة تؤمن استعادة سعادة وسيادة واستقلال لبنان وتحريره من الغرباء ومن أسلحتهم!!

أما تغنَّي القادة باتفاق الطائف وبمحاسنه فيكشف زيف لبنانيتهم والانتماء لأن هذا الاتفاق ورغم علله الكثيرة صنف كل المسلحين تحت خانة الميليشيات التي يتوجب تجريدها من السلاح، كما أنه طالب بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل والالتزام باتفاقية الهدنة وبسط سلطة الدولة على كامل ترابها بواسطة قواها الذاتية. 

يتكلمون عن حوار داخلي مع حزب الله الإرهابي والإيراني، وهو طرح لا يزال في علم الغيب. حوار يهدف كما يبشرون تسهيل أمر تنفيذ ما تبقى من بنود القرار 1559 توافقياً، كتسليم سلاحه للدولة وتفكيك بنيته العسكرية والانخراط في العمل السياسي، فيما الحزب يعلن ليلاً نهاراً وبلغة واضحة جداً أن سقف هذا الحوار بمفهومه النضالي والمقاوماتي والممانع محدد بـ "كيفية حماية سلاحه" وليس بأي شيء آخر. فتارة يربط هذا الحزب مصير سلاحه بتحرير مزارع شبعا وطوراً بعودة القرى السبعة وتلال كفرشوبا، ودائماً بوجود إسرائيل وحماية لبنان من أطماعها ومخططاتها!! فيما قادة معظم الدول العرب، بمن فيهم قادة المقاومة الفلسطينية قد صالحوا إسرائيل وعقدوا اتفاقيات السلام معها أو منتظرين "بالصف" وبفارغ الصبر دورهم. 

والسؤال إلى متى التدجيل والتقية؟ فالحقيقة الفاضحة والناضحة تقول إن لا إمكانية ولو بسيطة لقيام دولة لبنانية مركزية واحدة موحدة في ظل بقاء دويلات وبؤر أمنية خارجة عن نطاق سلطة الشرعية، ودون رئيس جمهورية يلتزم الدستور والقرارات الدولية وإعلان بعبدا، كما أن مبدأ قيام الدولة الواحدة يناقضه كلياً ويلغيه وجود ميليشيات مسلحة تصادر دور الجيش وسلطة الدولة على الحدود وداخل الوطن وتتحكم بقرار الحرب والسلم مع دول الجوار، إنه دور مفترض أن يناط بالدولة وحدها وليس بفريق أو بشريحة واحدة.

حان الوقت لتحديد مواقف الجميع ودون استثناء من مبدأ قيام الدولة أو عدمه دون "لف ودوران"، والدولة المنشودة هذه لا يمكن أن تقبل بشريك في سلطاتها السياسية والعسكرية والأمنية والمالية والقضائية وفي علاقاتها مع الدول. 

أما مهمة حماية لبنان من إسرائيل وغيرها من القوى والدول، فهي من واجبات الجيش والقوى الأمنية الشرعية اللبنانية وحدها، وكل ما عدا ذلك من ضجيج وتهديدات وحجج وذرائع ومبررات جهادية مبتكرة ومستوردة من جمهورية ملالي إيران بهدف إبقاء وضعية حزب الله والمخيمات الفلسطينية الحالية الشاذة على حالها، فهي خطايا مميتة بحق الكيان وتعدٍّ سافر على حقوق المواطن وانتهاكاً للدستور ولشرعة حقوق الإنسان واستهتاراً بالقرارات الدولية كافة، واستخفافاً بذكاء اللبنانيين والكرامات.

يتكلمون عن أمور كثيرة، فنراهم يناورون ويتكاذبون ويدجلون ويزايدون فيما هم يتجنبون بحربائية فاقعة وعن سابق قصد وتصميم التطرق للبّ القضية الأساسية التي هي السلاح غير الشرعي، سلاح حزب الله الإحتلالي، ودويلات المخيمات الفلسطينية وسلاحها، ومبدأ قيام الدولة الحقيقي والدستوري.

يهتم أهل السياسة عندنا بأمور كثيرة فيما المطلوب واحد، الدولة ومن ثم الدولة، فهل من يسمع منهم وينتفض فيشهد للحقيقة بجرأة وتجرد ليخلص ويخلّص معه الوطن وناسه ويسعى بصدق وجرأة لانتخاب رئيس للجمهورية حر وسيادي وليس دمية إيرانية؟
إن حزب الله يعرف ماذا يريد وهو واضح بطروحاته وأهدافه وارتباطاته الخارجية، كما بإصراره على الاستمرار في قتل الشعب السوري وفي المحافظة بالقوة والإرهاب على وضعيته العسكرية و"الجهادية" والسلطوية الحالية، وكلام قادته اليومي لا يترك أي فسحة للتأويل أو الشك بما يضمر ويريد، فهل قادة لبنان وسياسييه ورجال أديانه وشرائحه يعرفون ماذا يريدون؟

في الخلاصة أن اللبناني الحر والسيادي لن يغفر لمن يُضيّع من السياسيين والأحزاب ورجال الأديان والمسؤولين كافة فرصة خلاص الوطن المتاحة حالياً من خلال انتخاب رئيس للجمهورية يؤمن بلبنان الإنسان والرسالة والحرية والهوية والعدل ويحترم الدستور ويصونه.

قراءةٌ نقديّةٌ لقصيدة - أحِنُّ إلَى حَفيفِ صَوْتِكَ- للشّاعرة آمال عوّاد رضوان/ عبد المجيد عامر اطميزة

أحِنُّ إلى حَفيفِ صَوْتِكَ
يَنْسابُ نَسيمًا رطبًا في مَعابِرِ روحي
تَجمَعُني قُزحاتُهُ إضماماتٍ فوّاحَةً
تَزدانُ بها منابر ُمَسامِعي
نَبَراتُ حُروفِكَ تُلاغِفُ جَوانِحي 
أحاسيسُكَ تُسَوِّرُني
كَيْفَ أهْرُبُ وَمسافاتُ اٌلوَلَهِ
تَزدادُ نقشًا في مَسالِكِ قلبيِ؟
أشتاقُكَ أيُّها اٌلمَجنونُ
إلى ما لا نهايةٍ مِن جُنونِك 
أشتاقُك
وما مِن أحَدٍ / يَراكَ شفيفًا كَمايَ 
كم أُدمِنُها دِنانُ حُزنِكَ
أنادِمُها بِكَلماتٍ فيها بَعْثي المنتَظـَر
لِمَ يَتَأوَّهُ حَبيبي 
واٌلنّارُ تَتَآكَلُ في دِمائِهِ ولا تَأكُلُهُ؟ 
أما كانَ اٌلأوْلى بِنيرانِهِ أن تَتَأوّهَ؟
حبيب قلبي/ اِفتَحْ لي قلبَك الذهبيَّ 
واُسْكُبْ أحشاءَهُ عَلى راحَتيَّ
باٌلأمْسِ سَمِعْتُ وُعولَكَ/ تُناغي ظباءَ حُزنِك
آه يا رحمَ روحٍ 
تَتَفَتَّقُ ولادةَ وجْدٍ في روحي: أنولدُ فينا؟
آثارُ قلبِكَ
دعني أرَمِّمْها ..أجدِّد ماءَ حَدائقِها
أجعلها ورودًا / نتراقصُ بينها شغفًا
وتَسبَحُ قناديلي / في جَداولِها اٌلشهيَّةِ 
هو قلبُكَ لي 
بِمائِهِ وطَمْيِهِ.. بِضِفافِهِ وأشجارِهِ 
بِعَصافيرِهِ ونَحْلِهِ 
أُريدُهُ بِعالمِهِ 
كُلُّكَ وَكُلُّ كُلّـِكَ يَشوقُني 
ولا أُريدُ اٌلشّوْقَ يُؤطّـِرُني
هُوَ صدرُكَ بَيْدَري / أدْرُسُ عَليْهِ سَنابلَ حَنيني 
لن أخشى اٌجتياحَ فَيَضانِك
تُسْكِنُك قُبْلَةٌ / تُخَثـِّرُ أمواجَك
لَنْ أخشى خَطَرَ السّباحةِ فيك
واٌلاٌنْجِرافَ بشَلاّلاتِكَ اٌلنّاريَّةِ
أأسْكُبُني رَعشاتٍ 
تصهرُكِ .. تُغلِّفُكَ بي ؟ !
أتكونُ دفينَ اٌنصِهاري؟ حَبيسَ أنْوِيَتي؟
أتَقْبَلُ بِكيْنونَةٍ جَديدةٍ / لا تُحَرِّرُها إلاّ بَراكيني؟
يا مَنْ أشْتاقـُكَ
دعْني أرْوي بِأمْطارِ عيني/ براريَ عَطَشِك
أُلِملمُني لكَ ظلالًا
وأشتاقُكَ أبدا
التّحليلُ الأدبيّ: أوّلُ ما يُطالعُنا في هذا النّصِّ الشِّعريِّ المُنتمي للقصيدةِ النّثريّةِ هو العنوان: (أَحِنُّ إِلى حَفيفِ صَوْتِكَ)(1). 
العنوانُ مُكوّنٌ مِنْ جُملةٍ فِعليّةٍ، فِعْلُها الفِعْلُ المُضارعُ، ومِنَ الفاعلِ وهوَ الضّميرُ المُستَتِرُ"أنا"، وهذا انزياحٌ، ومِنْ جارٍ ومَجرورٍ (إلى حَفيفِ)، وَ (مِنِ مُضافٍ ومُضافٍ إليه "حفيف صوتِك")، وجاءَ في لسانِ العَربِ: حنَّ إليهِ يَحِنُّ حَنينًا، يُقالُ: حنَّ عليهِ؛ أي عطف، وحنَّ إليهِ؛ أي نزع إليه(2). 
وفي المُعجمِ الوسيطِ حَنَّ إليه: اِشتاقَ، وحنَّ عليهِ حنانًا؛ أي عطف.(3)، وفي مختارِ الصحاح، الحنين: الشّوقُ وتوَقانِ النّفس.(4) 
وجاءَ في قاموسِ المَعاني: "حَفِيفُ الأشْجَارِ": الصَّوْتُ الصَّادِرُ عَنْ تَحَرُّكِ أَوْرَاقِ الشَّجَرِ. و"حَفِيفُ جَنَاحَيِ الطَّائِر": صَوْتُ جَناحَيْهِ. و"حَفيفُ الحَيَّةِ": صَوْتُ جِلْدِها. 
وشاعرتُنا مُشتاقةٌ بأحاسيسِها العذبةِ إلى كلِّ شيءٍ في حبيبِها، حتّى أنّها توّاقةٌ لسماعِ صوتِهِ، فلا غرابةَ في ذلكَ، فهي عايَشَتْ ظروفَ النّكبةِ، وترى وتُحِسُّ بآثارِها المُدمّرةِ، في جوٍّ كئيبٍ حزينٍ تَعجَزُ عن تَغييرِهِ، تمامًا مثلما عجِزتْ كلُّ الدّولِ العربيّةِ، وأمامَ هذا الواقعِ العَصيبِ، والأوضاعِ الاجتماعيّةِ المُكبِّلةِ ليَديْها، الآسرة لحركاتِها، وفي ظلِّ واقعٍ اقتصاديٍّ يَعصِفُ بها وبأبناءِ جلدتِها، نراها تقفُ عاجزةً عنِ التّغييرِ، فتلجأُ إلى التّعبيرِ عمّا في قلبِها، وما هوَ مُختَزَنٌ في أحاسيسِها، هربًا مِن واقعٍ مُرٍّ كئيبٍ مُحزِنٍ، فتلجَأُ للكلمةِ المُعبِّرةِ وإلى ما يَعشقُهُ قلبُها، تلجأُ لغزَلٍ رقيقٍ تُلهي به ذاتَها، وتعزفُ لحنًا عذبًا رخيمًا، تُخفِّفُ بهِ عمّا في داخلِها مِن ضُغوطاتٍ تكادُ تَعصِفُ بها عصْفًا، عساها أنْ تَجِدَ المُتلقّي الّذي يُحلِّلُ ويَفهَمُ نبضَ حُروفِها. 
القصيدةُ مُكوّنةٌ مِن ثمانيةِ مَقاطعَ، ففي المَقطعِ الأوّلِ تقولُ: أَحِنُّ إِلى حَفيفِ صَوْتِكَ/ يَنْسابُ/ نَسيمًا رَطِبًا في مَعابِرِ رُوحي/ تَجمَعُني قُزَحاتُهُ إضماماتٍ فوّاحَةً/ تَزدانُ بِها مَنابرُ مَسامِعي/ نَبَراتُ حُروفِكَ تُلاغفُ جَوانِحي/ أَحَاسيسُكَ تُسوِّرُني/ كَيْفَ أهْرُبُ، وَمسافاتُ الوَلهِ تَزدادُ نَقشًا/ في مَسالِكِ قلبيِ؟
فالمَطلعُ: (أَحِنُّ إِلى حَفيفِ صَوْتِكَ) وفيه تناصّ، وتعريفُهُ: يَرى ميخائيل باختن: "أنّ التّناص: تداخلُ السِّياقاتِ ووجودُ علاقةٍ بينَ نصٍّ قديمٍ وآخرَ جديدٍ.
وترى جوليا كرستيفا: "أنّ التّناصَ لوحةٌ فُسيفسائيّةٌ مِنَ الاقتباساتِ، وكلُّ نصٍّ هو تَشرُّبٌ وتحويلٌ لنصوصٍ أخرى"، وهذا المَطلعُ يُذكِّرُنا بقولِ الشّاعرِ محمود درويش:  (أحنُّ إلى خُبزِ أُمّي)، وهو تناصٌّ أدبيٌّ.
تبدأ قصيدتُها بجُملةٍ خبَريّةٍ للتّعبيرِ عنْ ذاتِها وعنْ مَكنوناتِ مَشاعرِها، والمُلفِتُ للنّظرِ في حُروفِ هذا المَقطعِ هو النّاحيةُ الجَماليّةُ، في الحُروفِ وانتقائِها، وفي التّعابيرِ ومُواءَمتَها لبَعضِها، فهذا المقطعُ يَكثرُ فيهِ حُروفُ: السّين والنّون والواو، وهذهِ الحروفُ لا تَدخلُ على كلمةٍ، إلّا وقدْ جمّلتْها وأكسَبتْها روْنقًا وجَمالًا، كما يَرى الخليلُ بنُ أحمد الفراهيدي، لنقفَ عندَ كلمةِ "أحِنُّ"، فالحَنينُ كما أوضحْنا، مُرتبطٌ بالصّوتِ غالبًا، كما بيّنَتْهُ مَعاجمُ الّلغةِ، والنّونُ مُشَدّدةٌ، تَنفُثُ بها الشّاعرةُ زفراتِها الحَرّى، يَأتي بَعدَها "صوتُ الحبيب"، أمّا الأصواتُ الصّائتةُ المُهيْمنةُ في هذا المَقطعِ، فتتمثّلُ بصوتِ الألفِ، ففيهِ إطالةٌ وراحةٌ للنّفسِ في التّعبيرِ، ويَحتاجُ لزمنٍ أطولَ، كي يتسنّى للحبيبِ سماعَ ندائِهِ لمَنْ أحَبَّتْهُ واختارَتْهُ. 
لقدْ ثارَ رُوّادُ الشِّعرِ العربيِّ الحُرِّ على القاموسِ الشِّعريِّ، فلمْ يَعُدْ للشِّعرِ مُعجمٌ خاصٌّ، لأنَّ "القصيدةَ لغةٌ وليستْ كلماتٍ، وما دامتْ لغةً فهي علاقاتٌ، أو بعبارةٍ أدقَّ، نظامٌ خاصٌّ مِنَ العلاقاتِ، وبما أنّها كذلكَ، فهي لهجةٌ شخصيّةٌ غيرُ مستعارةٍ"، كما يقول حجازي. 
لقدِ ارتبطَ الشِّعرُ بالّلغةِ لا بالكلماتِ، بالشّاعرِ الخلّاقِ والتّجربةِ والحياةِ. الشِّعرُ رؤيا، والرّؤيا تقومُ على رؤيةٍ خاصّةٍ للحياة، وعلاقةٍ خاصّةٍ بالأشياء، تتجلّى عبْرَ علاقاتٍ لغويّةٍ خاصّة. الّلغةُ ليسَتْ صناعةً لفظيّةً يَقومُ بها الذّهنُ بعيدًا عنِ الإحساسِ بالحياةِ والعالَمِ. إنّها "نظامٌ لا يتَحكّمُ فيهِ النّحوُ، بل الانفعالُ أو التّجربة. مِن هنا كانتْ لغةُ الشّعرِ لغةَ إيحاءاتٍ، على نقيضِ الّلغةِ العامّةِ، أو لغةِ العِلمِ الّتي هي لغةُ تحديداتٍ"(5).      وشاعرتُنا بذائقتِها الفنّيّةِ الخلّاقةِ أدركَتْ ذلكَ، وها هي تُسَخِّرُ هذهِ النّزعةَ التّجديديّةَ في شِعرِها، بطريقةٍ مُبتكَرةٍ.
ولْنتمَعّنْ في أفعالِ هذا المقطعِ برَوِيّةٍ، فسنرى أنّ الأفعالَ كلَّها أفعالٌ مُضارعةٌ، وتخلو تمامًا مِنْ فِعْلَي الأمر والماضي: أَحِنُّ، يَنْسابُ، تَجمَعُني، تَزدانُ، تُلاغفُ، تُسوِّرني، أهْرُبُ، تَزداد.
لقدِ اتّكأتِ الشّاعرةُ على الفِعل المضارع؛ لخلْقِ الحيويّةِ وبثِّ الرّوحِ والاستمراريّةِ. وانتقلتْ في السّطورِ الثّلاثةِ الأخيرةِ لأسلوبِ الإنشاءِ المُتمثّلِ في (كيف): كَيْفَ أهْرُبُ/ وَمسَافاتُ الوَلهِ تَزدادُ نَقشًا/ في مَسالِكِ قلبيِ ؟
والاستفهامُ خرَجَ عن مَعناهُ الأصليّ؛ ليُفيدَ التّعجُّبَ. وتتزاحمُ الصُّوَرُ الشِّعريّةُ المُبتكَرةُ في هذا المقطعِ: فالشّاعرةُ تَحِنُّ وتَشتاقُ لسماع صوتِ حبيبها، فهو كما النّسيمُ يتنسّمُهُ قلبُها بمَعابرِهِ، وصوتُ الحبيبِ يُزيّنُ مَنابرَ سمَعِها، تشْرَئِبُّ لها عواطفُ الشاعرةِ وتلعَقُها. 
والتّحوُّلُ والانزياحُ يتزاحمُ أيضًا في هذا المقطعِ، وما فيهِ مِن تشبيهاتٍ وكناياتٍ واستعاراتٍ: فلِلقلبِ مَعابِرُ ومَسالِكُ، وللسّمعِ مَنابرُ كما للمَساجدِ، ونبراتُ الحروفِ تَلعقُ الجَوانحَ، كما لو أنّ للجَوانحِ لسانٌ يَلعقُ ويَأكلُ، والأحاسيسُ تُطوَّقُ، ولِلولَهِ وهو شدّةُ الحُبِّ، مسافاتٌ تُنقَشُ. 
ولقدِ اختارتْ شاعرتُنا كلماتِها بعنايةٍ، فقالتْ: "الولَهُ" ولم تقُلْ: "الحُبُّ"، فـ "الولَهُ" أشدُّ مِنَ الحُبِّ، وأعمقُ تأثيرًا في القلبِ. ولقد وظّفَتِ الشّاعرةُ عناصرَ الصّوتِ والحركةِ، فمِنَ الألفاظِ والتّراكيبِ الدّالّةِ على عنصرِ الصّوتِ: حَفيفِ صَوْتِكَ، تجمَعُني، مَسامعي، نبراتُ حُروفِكَ. 
ومِنَ العناصرِ المُعبِّرةِ عنْ عنصرِ الحركةِ: ينسابُ، فوّاحة، تُلاغف (تلعق)، تُسوِّرُ، أهربُ. كما وقدْ ذكَرَتِ الجزءَ (الحَرْفَ)، وأرادتْ بهِ الكُلّ (الكلمات)، مجاز مرسل علاقته الجزئيّة. 
وفي المقطع الثاني: أَشتاقُكَ/ أيُّها المَجنونُ/ إِلى ما لا نِهايةٍ مِن جُنونِك/ أَشتاقُك/ وما مِن أحَدٍ يَراكَ شَفِيفًا كَمايَ/ كم أُدمِنُها دِنانُ حُزنِكَ/ أنادِمُها بِكَلماتٍ فيها بَعْثي المنتَظَر
بدأتْ شاعرتُنا هذا المَقطعَ بأسلوبٍ خبَريٍّ، مُعلِنةً شوْقَها لحبيبِها للتّعبيرِ عن ذاتِها وخلجاتِ نفسِها؛ لتنتقلَ في السّطرِ الثّاني مباشرة للأسلوبِ الإنشائيِّ المُتمثّلِ في النّداءِ، ويُفيدُ التّحبُّبَ والتّقرُّبَ للحبيبِ، وتُكرِّرُ كلمةَ (أشتاقُكَ) تأكيدًا لشوقِها، ولخَلْقِ إيقاعٍ موسيقيٍّ، ونُلاحظُ في هذا المقطعِ كلمَتَيْ (أشتاقُكَ) و(كمايَ)، فالأولى: "أشتاقُ إليكَ"، والثانيةُ: "كما إيّايَ". 
لقدْ ثارَ رُوّادُ الشِّعرِ العربيِّ الحُرِّ على القاموسِ الشِّعريِّ، فلمْ يَعُدْ للشِّعرِ مُعجمٌ خاصٌّ، لأنَّ "القصيدةَ لغةٌ وليستْ كلماتٍ، وما دامتْ لغةً، فهيَ علاقاتٌ، أو بعبارةٍ أدقَّ، نظامٌ خاصٌّ مِنَ العلاقاتِ، وبما أنّها كذلك، فهي لهجةٌ شخصيّةٌ غيرُ مستعارةٍ، كما يقولُ حجازي. لقدِ ارتبطَ الشِّعرُ بالّلغةِ لا بالكلماتِ، بالشّاعرِ الخلّاقِ والتّجربةِ والحياةِ. الشِّعرُ رؤيا، والرّؤيا تقومُ على رؤيةٍ خاصّةٍ للحياة، وعلاقةٍ خاصّةٍ بالأشياء، تتجلّى عبْرَ علاقاتٍ لغويّةٍ خاصّة. الّلغةُ ليسَتْ صناعةً لفظيّةً يَقومُ بها الذّهنُ بعيدًا عنِ الإحساسِ بالحياةِ والعالَمِ. إنّها "نظامٌ لا يتَحكّمُ فيهِ النّحوُ، بل الانفعالُ أو التّجربة. مِن هنا كانتْ لغةُ الشّعرِ لغةَ إيحاءاتٍ، على نقيضِ الّلغةِ العامّةِ، أو لغةِ العِلمِ الّتي هي لغةُ تحديداتٍ"(6)      
وفي المَقطعِ مجموعةٌ مِنَ انزياحاتٍ وكِناياتٍ واستعاراتٍ وحذْفٍ: فلقدْ شبّهَتِ الحزنَ بالخمْرِ لهُ دِنانٌ، كما شبّهَتْ دِنانَ الحزنِ بالنّديمِ، ولْنَقِفْ عندَ اختيارِ الشّاعرةِ لكلمةِ (نديم): و(النَّدِيمُ): المُصاحِبُ على الشَّراب المُسامِرُ، فلم تقُلْ: الصّاحبُ أو الرّفيقُ، وقدْ أحسَنَتْ صنْعًا، فجاءتْ بلفظةِ (أُنادِمُها)، لتُوائِمَ الجُملةَ السّابقةَ عليها، وهي (دنانُ حزْنِكَ)، والجُملةُ هذهِ تُوائِمُ الإدمانَ، فمُعاقِرُ الخمْرِ يُدمِنُ عليه.
لِمَ يَتَأوَّهُ حَبِيبي/ والنَّارُ تَتَآكَلُ في دِمائِهِ ولا تَأكُلُهُ؟/ أما كانَ الأَوْلى بِنيرانِهَ أن تَتَأوّهَ؟: وفي المَقطعِ الثّالثِ تتحوّلُ الشّاعرةُ للأسلوبِ الإنشائيّ، وهو الاستفهامُ الّذي يُفيدُ تَعَجُّبَ شاعرَتِنا، مِن عدَمِ تأوُّهِ الحبيبِ لشِدّةِ وجْدِهِ بمحبوبَتِهِ، وتَرى أنَّ الأوْلى بنيرانِ الحُبِّ والشّوقِ أنْ تتأوّهَ، ففي السّطرِ الثّاني كنايةٌ عن شِدّةِ وجْدِ الحبيبِ بالمحبوبةِ الشّاعرةِ، وصَبْرِهِ على عذاباتِ الشّوْقِ والحُبِّ والحنين، فالنّارُ تتآكلُ وتتأوّهُ، وهذا تشخيصٌ وتجسيمٌ.
اِفتَحْ لي قلبَكَ الذَّهبيَّ/ واسْكُبْ أَحشاءَهُ عَلى راحَتيَّ../ بالأمْسِ؛/ سَمِعْتُ وُعُولَك تُناغِي ظِباءَ حُزنِك/ آهٍ يا رَحمَ رُوحٍ/ تَتَفَتَّقُ وِلادةَ وَجدٍ في رُوحِي: أَنُولَدُ فِينَا؟: وفي هذا المَقطعِ الرّابعِ تبدؤُهُ بأسلوبٍ خبَريٍّ، دلالةً على البوْحِ بشدّةِ حُبِّها وتَعلُّقِها بالمحبوبِ، بإعجابِها بهِ، وتختِتُمُهُ بأسلوبٍ إنشائيٍّ، وهوَ الاستفهامُ الّذي يُفيدُ التّمني. فقلبُ الحبيبِ مِنْ ذهبٍ: كنايةً عن طِيبِ مَعدنِهِ، وللحبيبِ وُعولٌ تُناغي وتُلاطِفُ، كما للأحزانِ ظِباءٌ، وللرّوحِ رحمٌ، وللحُبِّ والوَجدِ ولادةٌ، وللقلبِ أحشاءٌ، وكلُّها استعاراتٌ، وفيها الاختراقُ والانزياحُ، وتقولُ (راحتي): والرّاحةُ باطنُ اليَدِ، مجازٌ مرسل علاقته الجزئيّة. 
الشّاعرةُ تنتقي كلماتِها بعنايةٍ، فتختارُ كلماتِها وألفاظَها مِنْ مُعجمٍ شِعريٍّ يُوحي بالرقّةِ، فكلمةُ (تناغي) في الّلغةِ تُغازِلُ وتُلاطِفُ، والمرأةُ تُنَاغِي الصّبيّ، أي تُكلِّمُهُ بما يُعجبُهُ ويُسِرُّهُ، ومِنَ العِباراتِ والألفاظِ الدّالّةِ على الرّقّةِ: قلبُكَ الذّهبيّ، الوُعول، الظباء، تُناغي، والرّوح.  
وتقول في المقطع الخامس: آثارُ قلبِكَ دَعني أرَمِّمْها ../ أُجَدِّد مَاءَ حَدائِقَها ../ أَجعلها وُرودًا/ نَتراقصُ بَينَها شَغفًا/ وتَسبَحُ قَنادِيلي في جَداولِهِا الشّهيَّة: وتَكثُرُ في هذا المَقطعِ الانزياحاتُ، فالقلبُ الّذي أضناهُ الوَجْدُ والعِشقُ، كما البناءُ الّذي يَحتاجُ إلى ترميمٍ، وحدائقُهُ تحتاجُ لمياهٍ جديدةٍ وورودٍ تَرقصُ، كنايةً عن الجَمالِ والبهجةِ والسّرورِ، وللشّاعرةِ قناديلُ مُتوهِّجةٌ مضيئةٌ، وللعِشقِ جداولُ شهيّةُ الطّعم كما الغذاء، والفعلُ (نتراقصُ) يُفيدُ المشاركةَ في الرّقصِ بينَ الشّاعرةِ ومَنْ أحبَّتْ. وتَزخَرُ عناصرُ الحَركةِ، والّلوْن، والمَذاقِ، فالوردُ أحمرُ، والجدْولُ أزرقُ، والورودُ تتحرّكُ وتتراقصُ كماءِ الجداولِ المُنسابةِ، والجداولُ شهيّةُ المَذاقِ. 
وفي المَقطعِ السّادسِ: هُو قلبُكَ لي؛/ بِمَائِهِ وطَمْيِهِ../ بِضِفَافِهِ وأَشجَارِهِ../ بِعَصافيرِهِ ونَحْلِهِ../ أُريدُهُ بِعالَمِهِ/ فَكُلُّكَ/ وَكُلُّ كُلِّكَ يَشوقُني/ ولا أُريدُ الشَّوقَ يُؤطِّرُني: يبدأ بضميرِ الشّأنِ (هو)، دلالةً على تقديرِ الشّاعرةِ لحبيبِها ولحُبِّها، وذكَرَتِ (القلب) مجاز مرسل علاقته المكانيّة، فهو مكانُ الحُبِّ والوَجْدِ، وقالت: (لي)، دلالةً على  حِرصِ الشّاعرةِ أنْ يكونَ حبيبَها لها فقط دونما سواها، وتُؤكِّدُ الشّاعرةُ على ذلك، بتِكرارِها للفظةِ (كُلّ) بقولِها: فَكُلُّكَ/ وَكُلُّ كُلِّكَ يَشوقُني.
وتلجأُ الشّاعرةُ لتوظيفِ عناصرِ الطّبيعةِ: الماء، الطّمي، الضّفاف، الأشجار، العصافير، النّحل. و(تُعتبرُ ظاهرةُ الهُروبِ إلى أحضانِ الحُبِّ الدّافئِ، وإفراغِ الشّعراءِ عواطفَهُمُ المُلتهبةَ فيها، مِنَ الظّواهرِ الرّئيسيّةِ، إلى جانبِ الطّبيعةِ في الشّعرِ الرّومانسيِّ بوجهٍ عامّ. 
إنّ الطّبيعةَ والحُبَّ ليسا بجَديدَيْنِ على الشِّعرِ العربيّ، لكنَّ الجَديدَ فيهما، أنّهما يَمتزجانِ بوجدانِ الشّاعرِ امتزاجًا يكادُ يَتّحِدُ فيهِ الوجودُ الخارجيُّ بالوجودِ الدّاخليِّ، فتحتملُ التّجربةُ دلالاتٍ أرحبَ مِنَ الدّلالاتِ المَألوفةِ في التّجربةِ العاطفيّةِ التّقليديّةِ، ويُصبحُ للشِّعرِ مُستويانِ: أحدُهُما مُرتبِطٌ بحدودِ التّجربةِ في الواقعِ الخارجيِّ، والآخَرُ ناطِقٌ بأشواقِ الإنسانِ العامّةِ، وإحساسِهِ بالكوْنِ والحياةِ والمُجتمعِ". (7) 
وتقولُ في المَقطعِ السّابعِ: هُوَ صدرُكَ بَيْدَري/ أدْرُسُ عَليْهِ سَنابلَ حَنيني/ لن أَخشَى اجْتياحَ فَيَضانِكَ/ سَتُسْكِنُك قُبْلَةٌ تُخَثِّرُ أَمواجَكَ/ لَنْ أخشَى خَطَرَ السِّباحَةِ فيكَ/ وانْجِرافي بِشَلاّلاتِكَ النَّاريَّة: ويبدأُ هذا المَقطعُ بضميرِ الشّأنِ (هو)؛ أي الحبيب، لأهمّيّتِهِ وتقديرِهِ في نفسِ الشّاعرةِ، ونرى أنَّ الشّأنَ مِن حيثُ الّلغةِ، هو الحالُ والأمرُ والخطْبُ الّذي لا يُقالُ، إلّا فيما يَعْظُمُ مِنَ الأحوالِ والأمورِ، فهيَ تُريدُ التّوحُّدَ معَ مَنْ تُحِبُّ. 
ونلاحِظُ مُواءمةَ الشّاعرةِ بينَ الألفاظِ وحُسْنِ انتقائِها لها، كما في مثل: بَيْدَر، أدْرُسُ، سَنابل، وسنابل، فهي كلُّها ألفاظٌ دالّةٌ على المحصولِ والخيرِ. 
ومنها أيضًا: فيضان، أمواج، السّباحة، انجراف، شلّالات، فهذهِ الألفاظُ تُناسبُ بعضُها بعضًا. وتختارُ في هذا المَقطعِ أفعالَ المُضارعة الدّالّةَ على استمراريّةِ الحُبِّ والحَركةِ والنّشاطِ: أَدْرُسُ، لنْ أخشى، ستُسكِنُكَ. 
والمُلفِتُ للنّظرِ تِكرارُ لفظةِ (لن أخشى)، و(لن) حوّلَتْ زمنَ الفِعلِ المُضارعِ للمُستقبلِ، فهي حرفُ نصبٍ، وقلْبُ زمَنِ الفِعلِ المُضارعِ للمُستقبَلِ. كما في قولِها (ستُسكِنُكَ)، فالسّينُ دخلَتْ على الفِعلِ المُضارعِ؛ ليُفيدَ الاستقبالَ، وهذا كلُّهُ اختراقٌ في الّلغةِ والتّحويلِ، يُفيدُ العِباراتِ جَمالًا على جَمالٍ. 
وفي المَقطعِ الثّامنِ: أأسْكُبُني رَعشاتٍ تَصهُركَ../ تُغلِّفكَ بي؟!/ أتكونَ دفينَ انصِهَاري/ حَبيسَ أنْوِيَتي؟!/ أتَقْبَلُ بِكيْنونَةٍ جَديدةٍ/ لا تُحَرِّرُها إلاّ بَراكيني؟!/ يَا .. مَنْ .. أَشْتاقُكَ/ دَعْني أرْوي بِأمْطارِ عَيني/ بَراريَ عَطشِكَ/ أُلَمْلِمني لكَ ظِلالًا/ وأشتاقُكَ أبدًا: وفي هذا المَقطعِ، نرى أنّ الشّاعرةَ قدِ انتقلتْ فيهِ إلى الأسلوبِ الإنشائيّ، وهو حافلٌ بهِ، بدَأتْهُ بالاستفهام: (أأسْكُبُني رَعشاتٍ تَصهُركَ.. تُغلِّفكَ بي؟!)- (أتكونَ دفينَ انصِهَاري.. حَبيسَ أنْوِيَتي؟!)_ (أتَقْبَلُ بِكيْنونَةٍ جَديدةٍ.. لا تُحَرِّرُها إلاّ بَراكيني؟!) 
والاستفهامُ في كلٍّ يُفيدُ الالتماسَ. 
والنّداءُ في نحو:  (يَا.. مَنْ .. أَشْتاقُكَ): ويُفيد التّحبُّبَ والتّقرُّبَ مِنَ الحبيب.  
والأمرُ كما في: (دَعْني أرْوي بِأمْطارِ عَيني/ بَراريَ عَطشِكَ). 
ولقدْ خرَجَ الأمرُ عن معناهُ الحقيقيِّ؛ ليُفيدَ الالتماسَ.
ولقدْ تكَرَّرَتْ كلمةُ (أشتاقُكَ) في القصيدةِ أربعَ مرّاتٍ، وفي هذا المَقطعِ مرّتيْنِ: 
"إنّ هذا التّكرارَ لِلكلمةِ نفسِها المُتّفقةِ في شكلِها وعددِ حُروفِها يكونُ توافُقًا صوتيًّا، وهذا التّوافُقُ الصّوتيُّ مِن شأنِهِ أنْ يُحدِثَ موسيقى داخليّةً، بالإضافةِ إلى موسيقى البيتِ، وإنَّ نغمةَ هذهِ الكلماتِ المُتكرِّرةِ، تُبرِزُ إيقاعَ النّفسِ المُنفعِلةِ والمُندهِشةِ. الكلماتُ المُكرَّرةُ ربّما لا تكونُ عاملًا مُساهِمًا في إضفاءِ جوِّ الرّتابةِ على العملِ الأدبيّ، ولا يمكنُ أن تكونَ دليلًا على ضعفِ الشّاعريّةِ عندَ الشّاعرِ، بل إنّها أداةٌ مِنَ الأدواتِ الّتي يَستخدمُها الشّاعرُ، لتُعينَ في إضاءةِ التّجربةِ وإثرائِها، وتقديمِها للقارئِ الّذي يُحاولُ الشّاعرُ بكلِّ الوسائلِ، أنْ يُحرِّكَ فيهِ هاجسَ التّفاعُلِ معَ تجربتِهِ".(8) 
إنّ تِكرارَ كلمةِ (أشتاقُكَ)، يُمكنُ أن يكونَ عنوانًا للمُتلقّي، على الكشْفِ عن البُنيةِ الدّاخليّةِ لعالَمِ النّصّ، وبالإضافةِ إلى ذلك، فإنّها شكّلتْ إيقاعًا موسيقيًّا قادرًا على نقلِ التّجربةِ، وهكذا يقومُ التّكرارُ الصّوتيُّ والتّوتُّرُ الإيقاعيّ، بمُهمّةِ الكشْفِ عن القوّةِ الخَفِيّةِ في الكلمة.(9)  
الهوامش: 
1. ديوانُ "بسمةٌ لوزيّةٌ تتوهّجُ" ، آمـال عوّاد – رضوان 12- 16 ط أولى 2005 
2. اُنظر لسان العرب ابن منظور، ص 636 ، دار الحديث، القاهرة، 2002 
1. المعجم الوسيط، إبراهيم أنيس ورفاقه، ص225، ط2، القاهرة 
2. مختار الصحاح، الرازي159، دار الفكر العربيّ، بيروت 1973 
3. مفهوم الشعر عند روّاد الشعر العربيّ الحُرّ، د. فالح علاق ص220، منشورات اتّحاد الكُتّاب العرَب، دمشق 2005 
4. مفهومُ الشّعر عند روّاد الشّعر العربيّ الحُرّ، د. فالح علاق ص220، منشورات اتّحاد الكُتّاب العرَب، دمشق 2005  
5. د. عبد القادر القط- الاتّجاه الوجدانيّ في الشّعر العربيّ المُعاصر ص14 .  
6. اُنظر: قراءة أسلوبيّة في الشّعر الجاهليّ، د. موسى ربابعة، ص 24- 26 دار جرير، عمان، 2010    
7. وانظر: الأفكار والأسلوب: دراسة في الفنّ الرّوائيّ ولغته ترجمة د. حياة شرارة 50 ، دار الشّؤون الثّقافيّة العامّة، آفاق عربيّة، بغداد، د.ت.       

اكرهني!/ عـادل عطيـة

صفحات التواصل الاجتماعي، تضعني دائماً أمام هذه الخيارات (ليس من الخيار الذي نأكله): اعجبني، تعليق، مشاركة.
فكثيراً ما أجد كلاماً لا استطيع الاعجاب به، أو التعليق عليه؛ اما لتفاهته المفرطة التي تسد النفس، واما لعنصريته البغيضة التي تشل الحروف، وتُجمّد الأصابع في عز الحر!
المؤلم أكثر من ذلك، أن بعض اصحاب الصفحات، يبدون لك وكأنهم مُصرّون على طلب أن تكرههم (وان كنت أنا أيضاً مُصرّ، ولكن على أن أكره الفعل السيء لا الشخص السيء)!
يحضرني هنا ـ على سبيل المثال لا الحصرـ، ما كتبته الاخت إيمان (واعتقد أن هذا هو إيمانها)، فقد كتبت على صفحتها هذا البريد: "نحن نهني اخوتنا المسيحيين بعيدهم: كل سنة وانتم طيبين يا كفرة ياولاد الكلب"!
لذلك اتمنى من كل قلبي، اضافة خاصية: "اكرهني"، تلبية لطلب الجماهير التواصلية!
وأرجو ألا يتهمني أحد، بالتحريض ضد التعاليم الحضارية؛ فانني أعتقد أن "اكرهني" ابنة عم "اعجبني"؛ فالمثل يقول: "ما محبة إلا بعد عداوة"، والذي سيصبح بلغة العصر الحاسوبى: "ما اعجبني إلا بعد اكرهني"!
ولأن الحديث بالحديث يُذكر؛ فانني تأملت يوماً في الزوجة (ليست زوجتي)، التي تقول لزوجها (لست أنا)، بالصوّت الحيّاني: بأكرهك.. بأكرهك.. بأكرهك...
لاكتشف أن خاصية "اكرهني" مفعلة فعلاً في الإنسان، ومع انني لا أعرف مكانها بالتحديد، ولكن الأمر يتم، على كل حال، بنجاح، عن طريق تحكم المشاعر عن بعد!
ولعل هذا الزوج، جعل زوجته تكره عيشتها، وتريد التعبير عن كراهيتها لأفعاله؛ فكان لها هذا التعليق، وكانت لي هذه المشاركة!...

روحُ القدُس/ حاتم جوعيه


إيهٍ   روحَ   اللهِ   القدُّوسْ      حَرِّرنا   أرواحًا   ونفوُسْ    
أطلقنا، فوقَ الشَّوكِ ندُوسْ     لا  نخشَى  أمواجَ    البحرِ 

يا   روحَ   اللهِ    فاغمُرنا      بسَكِيبِ الحُبِّ  ألا  امْلأنَا  
دِفئا ً    وحَنانا ً     إمنحنا      ِليَعُمَّ   الحُبُّ   بني   البشر ِ  

روحَ  اللهِ  المحزونَ   لنا       ندعُوكَ  وبالحقِّ  اجْمَعْنَا 
وبفيضِكَ   فاملأنا  املأنَا       أخرجنا  من   هذا   القفر ِ 

روحَ  القدس ِ الآنَ   الآنَِ       َفسَتُحْيي    فينا    الإنسانا  
أضنانا   الهمُّ     وأشجَانا       وغدونا  كالعُشبِ   اليَبِسِ ِ 

للخلقِ ِ   شفعتَ     بأناتِ      سَتُسَدِّدُ    كلَّ     الحاجاتِ  
إفتحْ     أبوابَ   الخيراتِ      ومَواهبَ     إبداع ٍ    كُثر ِ 

نتحَدَّى    فيكَ    الأهوالَ       بالبرِّ     حَمَلنا      الأثقالا 
في  الشِّدَّةِ  صُرنا  أبطالا      لا   نخشى   أشباحَ   الشَّرِّ 

كم   َخطبٍ  قد  عَارَكناهُ       وظلام ُ    الليل ِ   سَهِرناهُ   
دربُ    الآلام ِ   عبرناهُ       ولكم   لاقينا    من    عُسُر ِ 

عندَ الأهوال ِوفي الغَلس ِ     سَنُعَزَّى  في روح ِ  القدُس ِ  
وسَنلقي  أغلالَ    اليأس ِ      ُنسقى   شهدًا    بعدَ   المُرِّ 

يا    روحَ  اللهِ    نُناديكَ        بدُموع ِ   الحُبِّ    نناجيكَ 
بصلاةٍ    دومًا   ندعوكَ       عندَ  الإمساءِ  وفي السَّحَر ِ  


                ( شعر: حاتم  جوعيه  - المغار- الجليل )


وما زال أسرى الداخل ينتظرون/ راسم عبيدات

أسرى الداخل -48 - من الذين مضى على وجودهم في سجون الإحتلال وزنازينه عشرين عاماً فما فوق،ومن ضمنهم عميد الأسرى كريم يونس والمعتقل منذ 30/1/1983،والذي دخل عامه الاعتقالي الثاني والثلاثون،تجاوز موسوعة غينتس وغيرها من الأرقام القياسية في الوجود داخل المعتقل،وهؤلاء الأسرى تتداخل وتختلط في قلوبهم وداخلهم الكثير من المشاعر والأفكار المتضاربة،فهم يقولون بصوت عال نحن من تركنا وحيدين في الميدان،فلو ان القيادة الفلسطينية في اوسلو إشترطت تحريرنا قبل توقيع الإتفاق لما كنا الان في السجون،وهي لم تتدارك هذا الخطا الفاضح بعد توقيع الاتفاق،بل خضعت لشروط الإحتلال بعدم الحديث باسمنا لكوننا من حملة الجنسية الإسرائيلية قسراً،ولذلك لم نكن جزءا من أي دفعة من دفعات إفراجات اوسلو أو ما يسمى بمبادرات حسن النية،وتجرعنا المرارة والألم ولم نتخلى عن قناعاتنا ومبادئنا وفصائلنا،رغم كل الضغوط التي مارستها علينا إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية واجهزة مخابراتها من اجل فك ارتباطنا مع فصائلنا وثورتنا،مقابل العديد من التسهيلات في الشروط والظروف الحياتية،وكذلك تطبيق القوانين التي تنطبق على الأسرى المدنيين علينا،ولكننا رفضنا وتصدينا لهذا المخطط،الذي حاول الترويج له بعض من ضعفت عزائمهم من الأسرى.
وخاطبنا قادتنا واحزابنا وفصائلنا والسلطة الفلسطينية،بان لا يتركونا نواجه قدرنا،فنحن جزء صميمي من هذه الحركة الأسيرة والحركة الوطنية الفلسطينية،ولا يجوز ولا يحق لي قائد او فصيل فلسطيني،ان يتنكر لكل تضحياتنا ونضالاتنا أو يتخلى عنا،وعليهم أن يربطوا أي عملية عودة للمفاوضات مع المحتل بالموافقة على الإفراج عنا،ويجب ان يكون ذلك موثقاً ومحدداً ومسقوفاً بجداول زمنية ملزمة،وليس عبر تعهدات وحسن نوايا شفوية،تخضع لمزاج الإحتلال ومدى رضاه عن سلوك السلطة الفلسطينية،لكي تصبح قضيتنا خاضعة للإبتزاز والمساومة.
وهذا الهاجس والشعور كان عندنا،بان الإحتلال سيحاول قدر الإمكان ان لا نكون جزءاً من أسرى ما قبل اوسلو ال(104) الذين سيطلق سراحهم بموجب العودة للمفاوضات الأخيرة،وذلك عندما قبل الطرف الفلسطيني تجزئة الإفراج عنا الى أربع دفعات،متيقنين بان الإحتلال الذي خبرناه جيداً لا ولن يلتزم بذلك،وقد بدا الخلل منذ الدفعة الأولى،حيث مقابل الإفراج عنها أقر الإحتلال مشاريع ومناقصات إستيطانية لإقامة مئات الوحدات الإستيطانية في القدس والضفة الغربية،وكذلك فعل مع الدفعة الثانية،ليوجد معادلة جديدة غض الطرف عنها الجانب الفلسطيني وقبل بها"أسرى مقابل لإستيطان"،وتمادى في الدفعة الثالثة اكثر،عندما شعر بان الجانب الفلسطيني،يخضع لشروطه وإبتزازاته،حيث أضاف على شروط الدفعتين الأولى والثانية شروطاً اخرى حيث جرى إستبدال أسرى اعتقلوا وحوكموا ما بعد اوسلو بأسرى معتقلين قبل اوسلو،وكذلك اخر إطلاق سراحهم لأيام،ولم يكتفي الإحتلال بذلك،فقد صعد من عنجهيته وابتزازه،وأصبح يريد من الطرف الفلسطيني شرعنة الإحتلال ومقايضة الحقوق الوطنية لشعبنا،بمجموعة من الرشاوي والتسهيلات المعيشية والإقتصادية،ومجموعة المشاريع الإقتصادية الإستهلاكية،وعدة مئات من تصاريح الدخول للقدس والثمانية واربعين،وزيادة أعداد بطاقات ال(VIP)،وإطلاق دفعات من الأسرى،وليبلغ الإبتزاز ذروته بمطالبة حكومة الإحتلال للسلطة الفلسطينية،بالموافقة على تمديد المفاوضات،ومطالبة امريكا بإطلاق سراح الجاسوس الإسرائيلي بولارد،مقابل إطلاق سراح الدفعة الرابعة،شريطة إبعاد عدد منهم الى خارج الوطن،او إسقاط الجنسية الإسرائيلية عنهم،وهنا الموافقة على هذه الشروط،سيكون استمراراً للأخطاء السابقة،فالموافقة على إبعاد أسرى لمدد محددة،رأينا نتيجته السلبية في صفقة الوفاء للأحرار،حيث لم تسمح اسرائيل لأي مبعد انتهت مدة إبعاده بالعودة،وكذلك مبعدي كنيسة المهد الذين أبعدوا من عام 2002 ولمدة ثلاث سنوات،لم يسمح بعودة أي منهم،حتى المناضل عبد الله داود الذي توفي في الخارج،لم تسمح اسرائيل بعودة جثمانه إلى مسقط رأسه.
أما الموافقة على إسقاط الجنسية الإسرائيلية عنهم،فهذا يعني بان ذلك سيكون مقدمة لما يسمى بتبادل الأراضي،والذي تطرحه اسرائيل،أي شرط يهودية الدولة،ونقاء الدولة العبرية.

قضية الأسرى وبالذات قضية الداخل- 48 – والقدس،يجب ان لا تكون خاضعة للإبتزاز السياسي،او مربوطة او مرهونة بقضية العودة للمفاوضات،فهذا الملف من المفروض ان يغلق قبل عشرين عاماً،وبالتالي هذه القضية،يجب ان يجري الإتفاق عليها،قبل العودة او الدخول في أية مفاوضات،وليس من خلال الرعاية الأمريكية الوحيدة والمنحازة،بل بالضرورة ان يكون هناك رعاية وإلتزام دولي بذلك،بحيث يجري تحديد تواريخ زمنية محددة للإفراج عن أسرانا في سجون الإحتلال،وان لا يكون ملف إبتزاز من قبل الإحتلال خاضع لرحمته وتقيماته لسلوك السلطة الفلسطينية،تقيم إيجابي لها يطلق سراح أسرى،سلبي لا يطلق سراحهم.
أسرى الداخل-48– قبل أوسلو وبعده ما زالوا ينتظرون تصحيح المعادلات،وان لا يجري هم وأسرى القدس،فصل قضيتهم عن قضايا بقية أسرانا في سجون الإحتلال،فهم جزء صميمي من أبناء الحركة الأسيرة في سجون الإحتلال،ولا نبالغ بانهم هم وأسرى القدس،يدفعون الثمن الباهظ،لقاء نضالاتهم وتضحياتهم،لجهة عزلهم في أقسام خاصة في السجون،ومنع المحامين من زيارتهم ومقابلتهم،وفرض الأحكام القاسية عليهم،على اعتبار ان ما قاموا به من اعمال كفاحية ونضالية،هي نوع من" الخيانة" لدولة الإحتلال.
في ذكرى يوم الأسير،نوجه التحية لكل أسرانا في سجون الإحتلال، ونخص بذلك أسرى الداخل-48- والقدس،فهؤلاء الأكثر استهدافاً من أبناء حركتنا الأسيرة في سجون الإحتلال،ولتتكاتف وتوحد كل الجهود والنضالات من أجل إطلاق سراح أسرانا من سجون الإحتلال.

لا أحلم كما أشاء/ خليل الوافي


ملعونة أنت !
ما الذي زرعته يداك
في حقل كفي؟
سنابل تمارس فوضى الاحتراق
في انحصار الشمس..
نورس يسرق ضوء القمر 
في انعكاس الماء..
وأراك تتسللين دونما خجل
في كل المطارات التي أعرفها
في كل المحطات التي لا تأتي
في كل الحواس الخمس
مثل قصيد في حدائق المنفى
مثل نطفة تجمعت في الصدى...
أنتحل صفة الهارب من نفسي
تغتابني ملامحك الصامتة
أنتشر في مهب الريح
أنتظر إشارتي الأخيرة
من قارب أوشك
أن يقطع نصف الجسد.
تحملني الرعشة الطافحة 
في أقداح الشهوة
وأراك عارية
وأراني أحمل خطوي
عند مطلع الفجر
أبحث عن فراشات تحللت
في مسارب القصب...
اجتمعت القبائل من حولي
تدون خطايا سبإ.
 بالأمس...
كان ابن ذي يزن
يحمي الماء من الهرب
كان عنترة يركض خلف الخيل
أسفل الموت
وأنا- وحيداً-
أجمع حطب الغابات المحترقة
في سؤال الأرض
تركب العير وحشة الرمل
أَقرأ صرخة طارق
تاريخ الحروف ألـَمْلِم
نحو بوصلة زياد 
أخسر جنودا على مناحي اللغة 
يكثر الملح في أخاديد  الجرح 
وأسرار البوح
ماجن ليلك 
يراودني عن نفسي 
في الجسد العاري 
في زهرة الحجر 
أحتمي بظلي 
أعد خطو الهجر 
على شرفة حلم لا يأتي...

( قصيدة من ديواني : ما أراه الآن )

الأسرة والمجتمع والدولة/ زهير الخويلدي

" الثورة قوة تاريخية وليست نتاجا واعيا أي إنها وعي بالحاجة إلى التغيير تدعمه طبقة... تؤلف أغلبية أعضاء المجتمع"[1]

يبدو أن البعض قد فهم السياسة في زمن الثورات على أنها المجال النظري الغريب الذي لا يحدث فيه أي شيء غير الصراعات الإيديولوجية من الهيمنة وإفتكاك المواقع والمناصب وأن تشكيلات جديدة تحركها مصالح حزبية محضة يفترض أن تأخذ المشعل مكان التشكيلات القديمة وتكرار واحد ووحيد للمجادلات العقيمة والنقاشات الفارغة من كل جدية وبناء والبعيدة كل البعد عن التدخل العملي لإنقاذ الموقف وتصحيح المسار. من هذا المنطلق يجدر بالسياسة الثورية أن تكون ممارسة جديدة تجمع أكثر مما تفرق وتهدم قلاع الفساد وتؤسس للصلاح وتغير موقع الخط الذي يفصل بين الأصدقاء والأعداء لتفسح المجال للطاقات الشابة من أجل أن تقرر مصيرها وتصنع مستقبلها وتقوم بإعادة نظر ومراجعة للمقلات القديمة.

ما تقتضيه التجربة التأسيسية الدستورية بالنسبة للجمهورية هو إعادة النظر في مفاهيم الأسرة والمجتمع والدولة وتجديد الصلات الروابط الممكنة بين هذه المكونات الثلاث وتمهيد الطريق نحو إعادة بناء كينونة الإنسان على نحو مخصوص وغير عدواني وإعادة اللحمة إلى الجماعة السياسية بطريقة غير شمولية.

لقد أصيبت الأسرة زمن الاستبداد بأمراض عديدة نتيجة القمع الاجتماعي وفقدان البوصلة السياسي والعمي الحضاري والانحطاط الأخلاقي والتوترات النفسية والحاجيات الاقتصادية المشطة ومجاراة العولمة الاستهلاكية ولعل أبرنها هو التفكك الداخلي وقابلية الانفصال وانطواء الأفراد على ذواتهم والبرود العاطفي وعقوق الوالدين وقلة الاحترام وارتفاع نسب الطلاق وصراع الأجيال والعنف المادي والإقصاء المتبادل والخلط في الأدوار بين الشريكين وتصاعد المشاعر الأنانية وتقلص الشعور بالواجب.

أما المجتمع فحدث ولا حرج فقد عادت العصبيات والنزاعات وتحول الاجتماع الإنساني إلى وضعية الحشد وضاعت آليات الضبط الموضوعي والتلاحم الذاتي وبدأت تتصاعد اللهجة القبلية والانتماءات الطائفية والمذهبية وصار الناس ينظرون إلى بعضهم البعض من زاوية القرابة والتشابه وينفرون عن المغاير والغريب والمختلف والنازح والمهاجر والدخيل والأجنبي ويغيبون الرابطة الوطنية المشترك باعتبارها العروة الوثقى التي ينضوي داخلها الجميع دون استثناء أو تمييز على أساس العرق واللغة والدين والثقافة والعادات والتقاليد وحتمية الرجوع إلى وحدة التاريخ والمصير المشترك.

في حين أن ما يسمى دولة لم يكن موجودا أصلا ولا يمكن التعليق عليه بمنطق النظام والجمهورية والمؤسسة الأولى التي يخول لها القانون الإشراف على تدبير الشأن العام وإنما ما كان قائما هو شكل معين من أشكال الحكم أحيانا تكون إمارة عشائرية وحينا آخر تصبح سلطنة قروسطية وفي بعض الأحيان تتحول إلى محتشد كبير يشرف عليه شخص واحد وبمساعدة فئة قليلة من المقربين ويعزل فيه الأفراد عن بعضهم البعض ولا يتحركون إلا بالإذن وتتغير فيه القوانين والقرارات حسب الأهواء وعند الطلب. ولا يحقق هذا النمط من الحكم وجود الإنسان وإنما يفرط في البؤس والفساد المادي والعطب الروحي.

هل العائلة تمثل البنية الاجتماعية في أكثر أطوارها مباشرة وطبيعية؟ وكيف يمكن أن تكون هي النواة الأولى في تشكل المجتمع؟ وهل المجتمع هو بطبعه مضاد للدولة أو مجتمع اللادولة كما يرى بيار كلاستر؟ ولماذا لم يجد الناس حلا للصراع بين المجتمع والدولة؟ وألا تأتي الدولة دائما من فوق ومن بعيد  وتقدم نفسها على أنها في خدمة الأسرة والأفراد ولكنها تقهر المجتمع وتقمع الأفراد باسم إرساء النظام والسلم والأمن؟ وألا يجب من السياسة أن تشرع فوريا وبشكل متدرج في تجربة تنحية وتقليص الأخطاء؟

ماهو مقصود أن قوى إنتاج الثورة الكاملة وعناصرها المادية هي الشعب وليست الطبقة بالمعنى الكلاسيكي  وأن الأفراد والأسرة والمجتمع هم الذين يشكلون الجماهير الثورية ويتمتعون بالفعالية الايجابية والتطوير العملي. والدليل على ذلك أنه "إذا كانت الطبقة هي البنية النهائية فإن القوة النهائية التي تقوم بالحث هي الفرد"[2]. كما أن النظام السياسي القائم هو العدو الأكبر لكل هذه المسيرة التاريخية والجهاز المعد سلفا من أجل المحافظة على السائد وخدمة مصالح الطبقة الماسكة بمقاليد الحكم.

لكن هل يجب زحزحة الدولة لاستكمال الثورة والإبقاء على الأسرة وعلى المجتمع في كنف الحرية؟ ألم تعاني الأسرة من التفكك؟ وألم يصب المجتمع داء التناحر؟ وألا يجب أن تمس الثورة كل من الأسرة والمجتمع إذا ما أردت إعادة تأسيس الدولة بالمعنى الشرعي؟ لكن ماهي الأسرة التي تبحث عنها الدولة الثورية؟ وماهو المجتمع الثوري الذي تنبثق منه الدولة الشرعية؟ وماهي الدولة التي تراعي كل هذا؟

يمكن القول أن الدولة هي تأليف جدلي وسيرورة تاريخية ينتقل بمقتضاها الاجتماع البشري من  الأسرة إلى المجتمع المدني. وأن هذا الأخير لا يستطيع أن يستمر دون وجود دولة تنظمه وتضيف اليه السياسي. زد على أن الدولة بوصفها وجود عقلي فاعل في التاريخ لا تعامل البشر كجمهور وتتوسط بين الأفراد وتمنحهم موقعا في الحياة وتتحقق كفكرة فعلية في الواقع الاجتماعي وتعود إلى نفسها في الدستور وفي وعي المواطنين أنفسهم بها. لذلك "توجد الدولة على نحو مباشر في العرف والقانون وعلى نحو غير مباشر في الوعي الذاتي للفرد ومعرفته ونشاطه"[3] وهي "التحقق الفعلي للإرادة" والغاية التي تصل فيها "الحرية إلى حقها الأعلى وهي أسمى من الفرد ولذلك واجب الفرد الأسمى هو أن يكون عضوا في الدولة"[4].

 إن المجتمع الأهلي الواقع الموضوعي المستقل الذي يميز بالتنوع والتشتت ويظهر فيه الكلي متعينا في الأجزاء ويتشكل عن طريق امتداد سلمي للعائلات في الخارج وانصهار بين المجموعات وهو لا يتشكل نتيجة نفوذ حاكم مطلق وإنما هو العالم الظاهر من الحياة الأخلاقية ويرجع إلى  تجمع إرادي بحدثه الارتباط في الحاجات وتبادل الإشباع المشترك ويعكس حكم الكلي المجرد على الجزء ويظل التعارض قائما بين الخاص والعام وينظر الفرد على انه مجرد خادم للدولة وأنها شيئا خارجيا عنه وأن أفراد المجتمع المدني يقيمون ذواتهم ويشبعونها عن طريق الآخرين ويسعون الى تحقيق مصالحهم.

هكذا يتكون المجتمع المدني من نظام الحاجات ومن ممارسة العدالة عن طريق القضاء قصد تحقيق الحرية وحماية الملكية بشكل فعلي ورعاية المصالح الجزئية وكأنها مصالح مشتركة بواسطة قوة الارغام والجزاء. هكذا يمثل المجتمع منتهى من كل الحياة الأخلاقية الموضوعية ويعتبر الفلك الذي تدور عليه نسق الحاجات والوقود الحيوي الذي يغذي جميع الهيئات ويشغل كل المؤسسات ويمد يد العون إلى الدولة، ولذلك يجب إذابة الأوهام بشان إسقاطات الإيديولوجية التي يتعرض لها من قبل الدولة وإعطائه كامل الحقوق والحريات دون تقسيط حتى يتحول إلى تأسيس ملموس للفعلي والى إمكانية ايجابية لقيام الدولة الثورية.

في نهاية التحليل تظهر العائلة بوصفها الرحم الأول الذي يترعرع فيه الإنسان ويكتسب كامل إنسانيته ويتزود به في مواجهة الأغيار في المجتمع والسياسة وتظل هي الملاذ من مخاطر البطش العنيف في ظل حكومات تمتلك الرقابة والتعذيب وبالتالي صيانة الأسرة معناه إعداد النواة الصلبة للمجتمع والقوقعة الأصلية بالنسبة للمواطن ويمكن أن يكون تدبير المنزل هو النموذج والفكرة الإجرائية لتدبير المجتمع.

إن التفكير الثوري في الأسرة في مرحلة ما بعد الشمولية لا يفضي إلى استعادة النموذج القديم بحذافيره ولا يعني التخلي عن الركائز الضرورية لتشكل هذه النواة الصلبة والمقاومة في المجتمع والتي تتمثل في مؤسسة الزواج وثروة الأسرة وطريقة حياة الأبناء وإنما تتطلب تغيير في بنية الملكية وطرق التربية ودور الأسرة في المجتمع وترسيخ قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان داخلها بتفعيل الحوار والتسامح.

على هذا النحو يمثل الزواج ضربة البداية لتشكل الأسرة بصفة فعلية و"مصدر الزواج من الناحية الموضوعية يكمن في القبول الحر للشخصين ولاسيما موافقتهما على أن يجعلا من نفسيهما شخصا واحدا وعلى أن يتخلى كل منهما عن شخصيته الطبيعية والفردية ليتحد مع الآخر في شخصية واحدة"[5].

من المفروض أن تكون الأسرة شخصا واحدا في السراء والضراء وأن تقلل على قدر المستطاع من قابلية التفكك وتعزز فرص النجاح والإرتقاء لأبنائها من خلال التكاتف والتفاهم والتعاون على البر والتقوى وجعل الفضاء العائلي فرصة للتحرر والاستقلالية والشعور بالحب والاتحاد الروحي وتحمل المسؤولية وليس مجال الاغتراب والتبعية والوصاية والخضوع وتبادل مشاعر الكراهية والرغبة في السيطرة.

" إن الزواج لا يمكن أن يكون علاقة تعاقدية إذا نظرنا إلى أساسه الجوهري بل على العكس، فعلى الرغم من أن الزواج يبدأ بعقد فإنه بالضبط عقد يتخطى نقطة التعاقد"[6]. والقصد هنا هو أن أساس استمرارية الأسرة ليس وجود العقد القانوني المؤسس وإنما مشاعر المحبة الروحية ونظر الأفراد إلى أنفسهم على أنهم يشكلون كلا موحدا وقدرتهم الفعلية على توحيد إراداتهم ومصالحهم والوعي بأنهم شخص واحد.

والحق أنه" بالزواج تبرز إلى الوجود أسرة جديدة ذات وجود قائم بذاته ومستقل عن العشائر والبيوت التي خرج منها أعضاؤها"[7]، وبالتالي تكون الأسرة هي الخلية الأبرز في المجتمع التي لها أهلية شرعية وتكون ملكية الثروة مشتركة بين جميع الأفراد ويتمتع الأطفال بحق الإعالة والشريكين بواجب الإنفاق .

لا يتأسس الزواج على الدوافع الجنسية الغريزية بل على الحقوق الطبيعية وعلى العقلانية والحرية وإن الخاتمة الفعلية للزواج ليس تكوين العائلة وإنجاب الأطفال فقد بل استمرار المحبة والالتزام الأخلاقي وتمتين مشاعر الولاء والتوادد وتقليل فرص الانقسام والصراع مع النفس والتوجه نحو الكفاح والعمل. لكن لماذا تشترط الحياة الأخلاقية للجماعة الزواج الواحدي كأحد المبادئ المطلقة التي تقوم عليها؟ وكيف عمل الفكر اليساري الثوري على مراجعة هذا التصور فك نزعة القداسة عن العائلة؟ وماهي مشروعية تغيير نمط التأسيس للعائلة ومراجعة مقولة الزواج ؟ وألا ينعكس ذلك على نظرة المجتمع إلى نفسه وعلى طبيعة الدولة الثورية المزمع تأسيسها؟ وماذا يجب أن يدون بخصوص الأسرة في الدستور؟ وهل الميراث هو الآلية التي تتحول بها الملكة العامة للثروة إلى ملكية خاصة؟

المراجع:

بول ريكور، محاضرات في الايديولوجيا واليوتوبيا، ترجمة فلاح رحيم، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، طبعة أولى، 2001،
هيجل، أصول فلسفة الحق، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، مكتبة مدبولي، طبعة أولى، القاهرة، 1997.
[1]  بول ريكور، محاضرات في الايديولوجيا واليوتوبيا، ترجمة فلاح رحيم، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، طبعة أولى، 2001، ص . 157.
[2]  بول ريكور، محاضرات في الايديولوجيا واليوتوبيا، ص .164.
[3]  هيجل، أصول فلسفة الحق، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، مكتبة مدبولي، طبعة أولى، القاهرة، 1997. ص.497.
[4]  هيجل، أصول فلسفة الحق، ص.497.
[5]  هيجل، أصول فلسفة الحق، ص. 408.
[6]  هيجل، أصول فلسفة الحق، ص.410.
[7]  هيجل، أصول فلسفة الحق، ص.417.


حدوثة رعب مصرية...الجزء الثاني/ فراس الور

...أجَابَتْ جَاكْلينْ مُتَفَاجِئَة "هذا إسْم إبْنَتي و لَكِنْ سَيًارَتُهَا في الشَرِكَة لِلْصِيَانَة الدَوْرِيَة،"
"يَبْدو أَنً الشَرِكَة تَعَرًضَتْ لِلْسَرِقَة لِأَنً السَيَارَة وُجِدَتْ في جَارْدِنْ سيتي في كورنيش النيل على مَقْرُبَة مِنْ فُنْدُقْ الجراند حياة."
صَرَخَتْ جاكلين "ماذا تقول؟!!!" 
فَهَرَعَ إليها بولص و مِرْفَتْ و علامات الإسْتِفْهَامْ على وَجْهَيْهِمَا؟"
"لا تَقْلَقي سَعَادَتُكِ فالسَيَارَة الحَمْدُلله بِأَلْف خَيْر فَقَدْ قُدْتُهَا بِنَفْسي الى مَرْكَزْ الشُرْطَة حينَمَا لَفَتَ إنْتِبَاهي وُجودْ إسْم البَاشَا على الرُخْصَة، انا المُقَدًمْ عبدالحليم شَوْكَتْ مَسْؤلْ القِسْم، ولَكِنْ سَامِحونى فَقَدْ وَجَبَ حُضورُكُم الشَخْصي لإسْتِلامْ المارسيدس مِنْ فَضْلِكُمْ و سَأُخْبِرُكُم بالتَفَاصيلْ في المَرْكَزْ"
المَتْحَفْ المِصريْ العَامْ - وَسَطِ القَاهِرَة-7:30 صَبَاحاً: 
جَلَسَ روماني الزواهري على مَكْتَبِهِ وهُوَ في قَلَقْ شَديدْ مِنْ المُكَالَمَة الهَاتِفِيَة التي إنْتَهَتْ مُنْذُ قَليلْ، ما الحَالَة الطَارِئَة التي قَدْ تَحْدُثْ مَعْ مِرْفَتْ في السَابِعَة و النِصْف صَباحاً و خُصوصاً بِيَوْم حَافِلْ  كَهَذا في تاريخ المَتْحَفْ المِصريْ العَامْ؟ كان يَجِبُ عَليهَا أَنْ تُحَاوِلْ جُهْدَهَا لِتَكونَ مَوْجودَة لإسْتِقْبَالْ المومياء و الأثار النَادِرَة، فالقَائِمَة تَضُم غَيْرَ المومْيَاءْ سَبْع قِطَعٍ و المَسْؤولِيَة كَبيرَة جداً، و لَكِنْ كَمَا يُقَالْ "الغَائِبْ حُجًتَهُ مَعَهُ"، فَلَمْ تُخْبِرَهُ بِأَيْ تَفَاصيلْ سِوى أَنًها سَتَتَأَخًرْ. 
كان التَوْتَرْ لا يُحْتَمَلْ و تَأَخُرْ مِرْفَتْ كاد ان يَخْنُقَهُ تَماماً، و لَكِنْ لَنْ يَسْتَطيعْ أَنْ يُعَكِرْ خَاطِرَهَا بِأَيْ لَوْم أو إعْتِراضْ، فَمِرْفَتْ كَانَتْ المُديرْ العَامْ و هُوَ نَائِبَهَا و إحدى واجِباتُهْ كَانَتْ الجُهوزِيَة للإنَابَةِ عَنْهَا في حال غِيَابَهَا الإطراري، فَكَانَتْ مِرْفَتْ تَتَمَتًعْ بِشَخْصِيَة قَوِيَة و حَازِمَة بإدارَتِهَا لِلْمُتْحَفْ، فَفي قَرارَةْ نَفْسِهِ كان يَعْلَمْ أنً الأَسْبَابْ لإنْضِبَاطِهِ في عَمَلِهِ بالإضَافَةِ الى شَهَادَةْ الماجستير في الأَثَارْ و خِبْرَتِهِ رَهْبَتَهُ مِنْ شَخْصِيَتِهَا و إعْجَابَهُ بِجَمَالِهَا، بالرُغْم مِنْ أَنًهَا كَانَتْ تَبْلُغْ مِنْ العُمْرِ سَبْعٌ و ثَلاثونَ رَبيعاً و كَانَتْ تَصْغُرُهُ سَنَة واحِدَة إلًا أَنً حَيَوِيًتَهَا و شَخْصِيَتِهَا الإدارية كَانَتْ مُمَيًزَة جداً، حَتَى لِدَرَجَة أَنًهَا حينَمَا كَانَتْ تُنَاديه الى مَكْتَبِهَا و تُحَدِثُه بِأُمورْ العَمَلْ كَانَ الإرْتِبَاكُ يُخَيِمْ عَليه و يَتَلَعْثَمْ في حَديثِه بَيْنَ الًلحْظَة و الأُخْرَى أَثْنَاء الإجْتِمَاعْ. 
كَانَتْ مِرْفَتْ جَميلَة جداً في عَيْنَيْه، و كَانَتْ ذاتْ قَوامْ طَويلْ يَبْلُغْ مِتْراً و ثَمَانينْ سَنْتيمتراً، فَقَدْ سَمَحَ لِنَفْسِهِ بِقَرأَتْ مَلَفِهَا الوَظيفي في مَكْتَبِهَا في لَيْلَة تَأَخًرَ فيها بِمَكْتَبِهِ لإتْمَامْ عَمَلْ مُهِمْ، وأَخَذَ صُورَة صَغيرَة مِنْ الصُوَر المَوْجودَة بالمَلَفْ لِتَبْقَى صَورَتِهَا قَريبَة مِنْهُ، لِيَنْظُر إليها حينَمَا يَشْتَاقْ لَهَا، و عَرَفَ أَيْضاً أَنًهَا مِنْ مواليد 18 مِنْ كانون الثاني عَامَ ألف و تسعمائة وأرعبة و سبعين، كَانَ لها شَعْر أَشْقَرْ طَويلْ يَصِلْ طُولُه عِنْدَ مُنْتَصَفْ ظَهْرِهَا و عُيونْ زَرْقَاءْ صَافِيَة كَزُرْقَةْ السَمَاءْ السَرْمَدِيَة، و كَانَتْ عِنْدَ طَرَفِ عَيْنِهَا اليَمينْ شَامَة ذاتْ لَوْن بُني مُمَيًزَة لِأَنًهَا الوَحيدَة على وَجْهِهَا، و بَشْرَتِهَا البَيْضَاءْ و خَصْرِهَا النَحيلْ كَانَا يُضْفِيَانْ عَليهَا جَمَالْ فَتًانْ و يُلْهِبَانْ رَغْبَتَهُ العَاطِفِيَة تِجَاهَهَا، و لَكِنْ قَلْبَهَا كَانَ مَعْ غَيْرِهْ مِنْ الرِجَالْ، مازال يَتَذَكًرْ تَفَاصيلْ الحَدَثْ جيداً الذي قَلَبَ كَيَانَهُ و الجُمْلَة التي قَتَلَتْ قَلْبَهُ و اَرْدَتْهُ كالجَريحْ، فَمُنْذُ اسْبوعَيْن طَلَبَ أَنْ يَجْتَمِعْ بها في مَكْتَبِهَا و رُغْم التَوَتُرْ المُعْتَادْ الذي كَانْ يُخَيِمْ عَليهْ عِنْدَ رُؤْيَتِهَا كان قَدْ جَمَعَ عَزْمَهُ و شَجَاعَتَهُ لِمُصَارَحَتِهَا، و قَبْلَ أَنْ يُفَاتِحَهَا بِمَشَاعِرِهِ نَحْوَهَا قالَتْ فَجْأَة: 
"قَبْل أَنْ نَتَحَدَثْ بالعَمَلْ و قَبْل أَنْ أَنْسَى، أَنْتَ مَدْعُوْ لِخِطْبَتي في الأُسْبوعْ المُقْبِلْ،"
فَكَانَتْ على وَشَكْ خِطْبَةْ إبْنَ عَمِهَا فارِسْ السِلِحْدار إبْنَ مَالِكْ مَحَالًاتْ نَهْر النيل المَعْروفَة بِتِجَارَةْ السَيَاراتْ، نَظَرَ الى الأَرْض مُحَاولاً إخْفَاءْ الدُموعْ التي إنْهَمَرَتْ فَجْأَةْ مِنْ عَيْنَيْه حينَهَا، بَحَثَ عَنْ عُذْر لِيُنْهِيْ المُقَابَلَة فَلَمْ يَجِدْ ما يَقولُهْ و إرْتَبَكَ حيَن سَأَلَتْهُ عَنْ سَبَبْ طَلَبْ الإجْتِمَاعْ بها، فَبَعْدَهَا مُبَاشَرَة اتى جَرَسْ هاتِفْ مَكْتَبَهُ رَحْمةً لَهُ و إسْتَأْذَنَ لِيَرُدَ عليه، لَمْ يَعُدْ بَتَاتاً بَعْد المُكَالَمَة و بَقِيَتْ مَشَاعِرَهُ قَيْدَ قَلْبِهِ الجَريحْ.
"واذا طَلَبَ يَدَهَا، لَمْ يَكُنْ إبْنَ باشا مِثْل والدها او حتي يَقْطُنْ في قَصْر عَريقْ مِثْلَهَا،" كان مِنْ عَائِلَة مَسْتورَة الحَالْ فالفَرْق الإجْتِمَاعي بَيْنَهُمَا لا يَرْحَمْ و لا يُعْطي حتى بَصيصْ الأَمَلْ على الإطْلاق لِهَذِهِ العِلاقَة، كان أَبَاهُ قَبْلَ وَفَاتِهِ يَعْمَلْ مُحَاسِبْ في شَرِكَة مُتَوَسِطَة للإسْتيرادْ و التَصْديرْ و أُمُه رَبًةْ مَنْزِلْ مُتَواضِعَة الثَقَافَة، و بالرُغْم مِنْ سُمْعَتَهُمْ الطَيِبَة في الحَيْ الذي يَسْكُنوا بِهِ و عِنْدَ الأَقْرِبَاءْ إلًا أَنً أَحْوَالَهُمْ المَادِيَة لَمْ تَكُنْ مَيْسورَة، فَمَا لَبِثَ أَنْ تَمًمَ دِراسَة المَاجِسْتيرْ إلًا و مُدًخَراتِهِ البَنْكِيَة مُسْتَنْزَفَة كُلياً، لَمْ تَكُنْ ظُروفَهُ الشَخْصِيَة بِصَالِحِهِ بَتاتاً و لا حَتًى طَلًتَهُ و قَامَتَهُ المُتواضِعَة، فَكَانَ يَتَمَتًعْ بِقَامَةٍ قَصيرَة بِعَكْس إبْنِ عَمِهَا الطَويلْ حَيْثُ يَمْتَازْ بِقَامَة مَتينَة و رِيَاضِيَة، و لَكِنْ بالرُغْم مِنْ هَذِهِ النُقْطَة لَمْ يَكُنْ بلا وَسَامَة فَكَانَ ذو بَشَرَة حِنْطِيَة و شَعْر خَروبي و عُيونْ سَوْداء و كان يُمَارِسْ الرِيَاضَة و يَمْتَازْ قوامُه بِقَليلْ مِنْ الرَشَاقَة، و مِنْ العَلامَاتْ البَارِزَة على وَجْهُهْ شَنَبَهُ الكَثيفْ و الذي حَسْبَ رأي صَديقَاتِه يَجْعَلْ طَلًتَهُ تَمْتَازْ بالقليل مِنْ الفُحولَة.  
كَانَ روماني يُؤْمِنْ بِقَرارةِ نَفْسِهِ و حَسْبَ ما كَانَتْ تَكْشِفُ لَهُ الأَيَامْ رويداً رويداً أَنً النِسَاءْ حتى لو تَزَوًجوا الوَحْش بَطَلْ رِوايَة "الجميلة و الوحش" فَلَنْ يَهُمَهُم بَشَاعَتَهُ مازال مَعَهُ النُقودْ، فَكَانَتْ تقول والِدَتَهُ دائماً أَنً المَادَة تُغَطي جَميعْ العُيوبْ بالرِجَالْ و تَجْعَلَ أَبْشَعَهُمْ يَلْمَعْ بِعُيونْ مَلِكَاتْ الجَمَالْ مِثْل المَاسْ الحُرْ...فَفَتَكَ هذا القَدَرْ بِكُلِ المَبادِئْ النَفيسَة بِداخِلِهِ و حَوًلَهُ الى كَارِهْ لِلْضُعْف و الفَقْر  و الظُروفْ القَهْرِيَة التي حَرَمَتْهُ مِنْ حَبيبَتَهُ و أَرْغَمَتْ أَبَاهْ أَنْ يُقَاسي الأَمَرًيْن لكي يُؤَمِنْ لُقْمَةَ العَيْش لَهُ و لِأُمِهِ، أَصْبَحْ كاره لِمَا يَجْلِبَهُ الفَقْر المُهْلِكْ مِنْ ظُروفْ طَاحِنَة أَرْغَمَتْ أَخُوهْ الذي يَكْبُرُهُ بالسِنْ أَنْ يُسَافِرْ الى أوروبا و أن يُحْرَمَ مِنْ رُؤْيَتِهِ الًا مَرًة في السَنَتَينْ عِنْدَمَا كَانَتْ تَسْمَحْ لَهُ ظُروفُه المَادِيَة لِزِيَارَة مِصْر، فَمَعْ مُرورْ الوَقَتْ أَصْبَحَتْ مُعْضِلَةْ روماني هِيَ إيجَادْ الحُلولْ عَنْ كَيْف يَحْصُلْ على النُقودْ و يُحَسِنْ مِنْ أَحْوالِهِ لِكَيْ لا تَعودْ إليهْ هَذِهِ الظُروفْ التي مَرًتْ بِهِ و بِأُسْرَتِهِ...و أيضاً لِيُصْبِحَ مُقْنِعْ لِمِرْفَتْ لِكَيْ تَتْرُكْ إبْن عَمِهَا و تَتَزَوًجَهُ. 
نَظَرَ الى السَاعَةِ فَكَانَتْ الثَامِنَة الًا خَمْسَةْ دَقائِقْ، نَهَضَ مِنْ مَكْتَبِهِ و مَشَى بِخُطواتٍ بَطيئَةٍ في المَمَرْ الرئيسي لِلْمَكَاتِبْ في الطَابِقْ الرابِعْ، كَانَ المَمَرُ يَضُمْ أَرْبَعَ مَكَاتِبْ مَعْ مَكْتَبِهِ مُوَزَعَة بالتَسَاويْ على اليمين و اليَسَار، فَكَانَ مَكْتَبْ لِمُديرْ الأَمْن و كَانَ مُجَهَزْ بِشَاشَاتْ مُراقَبَة و أَجْهِزَةْ الحَاسوبْ التي تَتَحَكًمْ بِأَجْهِزَةْ الإنْذارْ، و كَانَ هُنَالِكْ مَكْتَبْ لِلْسِكِرْتيرَة الإدارِيَة التي تُسَاعِدْ مِرْفَتْ في شُؤونْ مَكْتَبِهَا، و أَخيراً مَكْتَبْ مُوَظَفْ العِلاقَاتْ العَامَة، كَانَتْ سَاعَاتْ العَمَلْ اليَوْمِيَة تَبْدَأْ في الثَامِنَة صَبَاحاً و تَنْتَهي في الخَامِسَة مَسَاءاً حَسْبَمَا أَقَرًتْ مِرْفَتْ حينَمَا إسْتَلَمَتْ إدارَةْ هَذِهِ المُؤَسَسَة الضَخْمَةْ، كان المُتْحَفْ مُشَيَدْ على أرْضٍ شَاسِعَة مَسَاحَتُهَا مِئَتَانْ و خَمْسونَ أَلْف مِتْر مُرَبَعْ و تَضُمْ مَبْنَى المَتْحَفْ الرَئيسي مَعْ مَصَفْ كَبيرْ لِلْسَيَاراتْ لِيَسْتَوْعِبَ حَرَكَة الضَغْط الشَديدَة عَليهْ، أما المَتْحَفْ فَكَانَ مُكَوَنْ مِنْ أَرْبَعَةِ طَوابِقْ واسِعَة تَحْتَوي على أَلْفَيْ قِطْعَة أَثَرِيَة تَعْودْ الى شَتَى الحَقَبَاتْ و السُلالاتْ الفَرْعونِيَة مِنْ وَرَقِ البَرْدي و تَمَاثيلْ و مَنْحوتَاتْ مِنْ الحَجَرْ و المَرْمَرْ و آنِيَة فُخَارِيَة بالإضَافَة الى ما كان يُعْتَقَدْ أَنًهَا مومْيَاءْ لِكَبيرْ كَهَنَةِ مَعْبَدْ رَمْسيس في أبوسمبل، وكان هذا الصَرْح الثَقَافِيْ يَعُجُ بالزوارْ مِنْ التَاسِعَة و حتى الخَامِسَة مَسَاءاً وكَانَتْ قَائِمَة زُوارِهِ تَشْمَلْ المَجْموعَاتْ السِيَاحِيَة الأَجْنَبِيَة و الزوار المَحَليينْ و ضُيوفْ الدَوْلَةْ.   
و بِفَضْل جُهودْ مِرْفَتْ السلحدار سَتَزيدْ القِطَع المَعْروضَةِ سَبْعَةَ قِطَعٍ بالإضَافَة الى مومْيَاءْ مُلوكِيَة سَتَصِلْ الى المَتْحَفْ وَسَطْ لَفيفْ مِنْ العُلَمَاءْ و الحِراسَة المُشَدَدَة و الصَحَفيينْ الذين سَيَصِلونْ مَعْ كَاميراتِهِمْ و شَهِيَاتِهِمْ الإعلامِيَة لِتَغْطِيَة الحَدَثْ، أَخْرَجْ روماني صورَتِهَا مِنْ جَيْبِهِ و نَظَرَ إلَيْهَا بِحُنُوْ قَائِلاً "أهٍ لَوْ تَدْرينْ يا مِرْفَتْ كَمْ أَعْشَقُكِ و أُقَدِسْ الأَرْض التي تَطَأينَهَا بِنَعْلَيْكِ،" و لَكِنْ لِتَعْلَمي أَنًني أُحِبُكِ سَتَجْري الأُمورْ كَمَا أَنًكِ مَوْجودَة و أَكْثَرْ و لَكِنْ أَعِدُكِ لَوْ تَطَلًبَتْ الأُمورْ أَنْ أُصَافِحْ الشَيَاطينْ سَأُصْبِحْ غَنِيْ لِأَتَقَدًمْ لَكِ و أَطْلُبْ يَدُكِ مِنْ أَهْلُكِ، بَلْ حتى لو تَزَوًجْتي إبْن عمك لَنْ أُوَفِرْ كُلْ مَجْهودْ أَنْ أَسرق قَلْبُكِ و أَجْعَلَكِ تَتْرُكينْ زَوْجُكْ، أَنْتِ لي يا مرفت.
نَزَلَ أَدْراجْ الأَرْبَعَةِ طوابِقْ و دَخَلَ صَالاتْ العَرْض في الطَابِقْ الأَرْضي، كانت الصَالاتْ هَادِئَة لِدَرَجَة أَنً صَوْت نَعْلَيْه و هي تَدوسْ السجاد الفَاخِرْ كانَ مَسْموعاً بِوُضوحْ، و لَكِنًهَا الهُدوءْ قَبْلَ العَاصِفَة فَبَعْد سَاعَة سَتَنْطَلِقْ الحَيَاةْ بَيْنَ الجُدْران الضَخْمَة لِلْمُتْحَفْ و تَمْتَلِئْ بالوُجوهْ المُذْهِلَة و الشَهَقَاتْ  المُبْهَرَة و الطَلاًتْ المُتَأَثِرَة بالأَثَارْ و المَعْروضَاتْ، خَرَجَ مِنْ المَبْنَي لِيُلاقيهْ طَقْس دافئ و رَطِبْ حَيْثُ كَانَتْ السَمَاءْ مُلَبَدَة بالغُيومْ، فَكًرَ في ذاتِهِ "رَبُنَا الله أَنً هذا الطَقْس سَيُؤَدي الى الأَمْطَارْ و لَكِنْ شُكراً لِلْرَبْ أَنً السَاحَة الخَلْفِيَة مُغَطَاةْ بِمَظلاتْ حَديدِيَة فَلَنْ تَتَأَثًرْ عَمَلِيَاتْ نَقْل الأَثَارْ بالأَمْطَارْ إنْ هَلَتْ علينا. 
سَارَ بِخُطَى ثَابِتَةٍ نَحُوَ المَصَفْ ونَادَى مُوَظَفْ كُوخْ الحِراسَةِ الذي كَانَ على البوابَةِ الرَئيسِيَة "لَيْث، الوَفَدْ على وُصولْ!" 
خَرَجَ لَيْث بِجُثَتِهِ الضَخْمَة و زِيِهِ الأَزْرَقْ الذي كان يَرْتَديهْ جَميعْ حُراسْ المَتْحَفْ أَثْنَاءْ الوَرْدِيَاتْ و صَافَحَ روماني بِشِدَة، كَانَ لَيْث أَسْمَر البَشَرَةِ ذو شَعْر أَسْوَدْ كَثيفْ و عُيونْ سَوْداء و حواجِبْ كَثيفَة بَارِزَة، كان قوامُه يَبْلُغْ مِتْرَيْن و يَمْتَازْ جَسَدَهُ بِعَضَلاتْ ضَخْمَة بارِزَة عِنْدَ سَاعِدَيْه و صَدْرُهْ مِنْ رَفْع الأَثْقَالْ حَيْثُ كَانَتْ هوايه مِنْ هوايَاته المُفَضَلَة، و كَانَ النَاظِرْ إليه يُصَابْ بالرَهْبَةْ مِنْ شَراسَةْ طَلًتِهْ، نَظَرَ روماني الي يَدَيْه القَوِيَة فَكَادَتْ راحَتَهُ أَنْ تَضيعْ داخِلْ راحَةْ هذا المَارِدْ الضَخْم، فَفَكًرَ في ذاتِهِ "لو ضَخَامَتُكَ عَلَيْ لَكُنْتُ كَسًرْتْ الدُنْيَا؟"
"كَيْف حَالُكْ يا ليث؟"
"بِأَلْف خَيْر يا سَيْد روماني، زَميلي على وُصولْ مَعْ إثْنَيْن مِنْ الشُبَانْ الجَيِدينْ الذين سَيُسَاعِدونَني في إجْراءاتْ نَقْل المومْيَاءْ و التَرْتيبَاتْ داخِلْ المَتْحَفْ،"
"لا تَنْسَى أَنْ تَفْتَحْ الأبوابْ الإلِكْترونِيَة فَوْرَ وُصولْ الوَفْد فلا نُريدْ المَوْكِبَ أَنْ يَتَوَقَفْ عِنْدَ البوابة،"
"تَحْت أَمْرُكْ سَيْد روماني"
"شُكْراً يا لَيْث"
*****
فَكًرَ الشِريرْ بِذاتِهِ "لا تَقْلَقْ يا روماني فَمَنْ يَطْلُبْ مُصَافَحَتي لَنْ يَنْجو مني؟!" نَظَرَ الى السَمَاءْ المُلَبَدَةِ بالغُيومْ و الى الأَرْض مَوْطِنَهُ الذي قَدِمَ مِنْهُ و قال مُعْلِناً "شُكْرا يا سيدي لِأَنَكَ أَرْسَلْتَني لإتْمَامْ ما كان في مَكْنوناتْ نَفْسي مُنْذُ ثلاثة آلاف و ثلاث مائة و ستة اعوام، عَدَدْتُهُمْ بالسَنَةِ يا سيدي، شُكْراً لِأَنًكَ سَلًمْتَ لي أَخيراً البَشَر الغبي الذي يَسْكُنْ الأَرْض، و رَأْسُكَ الغالي يا سيدي سَأَجْعَلُكَ فَخوراً بي" نَظَرَ الى الأَسْفَلْ مِنْ العُليْ الشَاهِقْ الذي كَانَ عَليهْ فَرَأى بوابَةْ المَتْحَفْ تُفْتَحْ على مِصْرَعَيْهَا، فَقَالْ "اما هيا فَسَتَموتْ على يداي."
*****
  أَقْبَلَ روماني الى سَيَارَتِهِ لِيَلْحَقَ بالوَفْد فَأَحَسً بِقَشْعَريرَة تَسْري مِنْ أعلى ظَهْرِهِ الى أَسْفَلِه، نَظَرَ الى يمينه و يَسَارِهْ فَلَمْ يرى شَيئاً غَيْر طَبيعي، ولَكِنْ ما لَبِثَ اَنْ هَمً بِرُكوبْ السَيَارَة مِنْ جَديدْ حتي تَجَدًدَتْ القَشْعَريرَة في جَسَدِهِ، فَكَانَتْ القَشْعَريرَة مِنْ قُوَتِهَا تَغْمُر حَتَى شَعْرَ رأْسِه، نَظَرَ الى الأعلى فَرَأَهُ واقِفَاً مُتَعَمْلِقً على حَافَةِ سَطْح المُتْحَفْ، تَجَمًدَتْ الدِمَاءْ في عُروقِهِ مِنْ الخَوْف و طَقْطَقَتْ أَسْنَانْ فَكَيْه بَعْضِهِمْ بِبَعْض و صَرَخَ بِأَعْلى صَوْتِهِ "ابتعد عني!!! لا تلمسني!!!" 
فَرَكَ عَيْنَاهْ جيداً ثُمَ نَظَرَ الى الأعلى مِنْ جَديدْ ولَكِنَهُ إخْتَفَى فَجْأَة، تَسَارَعَتْ دَقاتْ قَلْبُه مِنْ شِدَةِ التَوَتُرْ و تَسَارَعَتْ أَنْفَاسُه لِبِضْع ثواني ثُمَ عاد الى طَبيعَتِهِ مِنْ جَديدْ، "حَتْماً كَانَتْ رؤيا...بَلْ كابوس...و لَكِنًهَا ذَهَبَتْ الى حال سَبيلِهَا، أَشْعَلَ مُحَرِكَ السَيَارَة و هُوَ يَرْتَجِفُ مِنْ الخَوْف و لَحِقَ بالوَفدْ الى البوابة الخَلْفِيَة حَيْثُ كَانَ صَديقَهُ الدُكْتورْ كارل ساندز مِنْ الجامعة الامريكية في القاهرة بإنْتِظَارَهْ، حين وُصولِهِ الى السَاحَةِ كان حَرَسْ الشَرَف مُصْطَفْ لإلْقَاء التَحِيَة على الجُثْمَاْن الملوكي لِسِخْمِتْ، و لكن رُغْم المراسم كان تَفْكيرُه مُنْهَمِكْ بالمَخْلوقْ البَشِعْ الذي رآه. مَنْ هُوَ؟
7:30 صباحا قسم شرطة الزمالك :
صَرَخَ المُقَدَمْ عَبْد الحَليم بأعلى صَوْتِهِ "ماذا تقول؟!!!!!"
 تَرَكَتْ كَلِمَاتُه صَدَى قوي في زوايا مَمَراتْ القِسْم، أجاب الشرطي الذي كان يُحَادِثُه على الهَاتِفْ "لا يوجَدْ هُنَالِكَ أَثَارْ لِلْسَرِقَة في شركة المارسيدس سَيِدي."
"ماذا يَعْني كَلامُكْ؟ أَظُنْ انً تَحْليلك ناقِصْ!!!"
" يا سيدي إسْمَحْ لي ان أُفَسِرَ لَكَ ماذا أَقْصِدْ، هَذِهِ السَيَارَة كَانَتْ تَنْتَظِرْ مُحَرِكْ جَديدْ مِنْ مَخَازِنْ الشَرِكَة بِسَبَبْ عَيْب صناعي مِنْ بَلَدْ المَنْشَئْ تَمً إكْتِشَافُهْ وَقْت الصِيَانَةِ الدَوْرِيَة، فَكَانَتْ الشَرِكَة سَتُغَيِرَهُ على نَفَقَتِها طَبْعَاً مِنْ غَيْر أَيْ تَكْلُفَة على العَميلْ، و بِحَسَبْ مُديرْ صَالَة الصِيَانَة كانَتْ بلا مُحَرِكْ فَقَدْ قاموا في الأَمْس بِفَكْ المُحَرِكْ مِنْ السِيَارَة..."
قاطَعَ المُقَدِمْ "فإذا كَيْف تَحَرًكَتْ مِنْ الشَرِكَة...أُريدْ تَحْليلاتٍ مَنْطِقِيَة لِلْحَادِثَة!!!"
"يا باشا دَعْني أُكْمِلْ أَرْجوكْ، صَدِقْني لَيْسَ هُنَالِكَ أَثَارْ لِلْسَرِقَة فأبواب الصَالَةِ سَليمَة والمَفَاتيحْ الإلِكِتْرونِيَة التي تَتَحَكًمْ بها سَليمَة و المُديرْ قَامَ بإغْلاقْ الصَالَةِ جيداً و أَكًدَ لي أَنًهُ كان مَوْجودْ بِسَهْرَة عُرْسٍ لِأَقْرِبَائَهُ و الشُهودْ كَثيرَة على وُجودِهِ في العُرْسْ، لَيْسَ هُنَالِكَ اي دَليلٍ على اي إقْتِحَامْ لِلْشَرِكَة..."
"اذاً كَيْفَ سَتَخْرُجْ سَيَارَة مِنْ دونِ مُحَرِكْ مِنْ قِسْم الصِيَانَة يا أَبْلَهْ و مِنْ غَيْر كَسْر الأبوابْ، حَتْمَاً هَذِهِ جَريمَة مُرَتَبْ لها و سَأُعَلِمُكْ فَنْ التَحليلْ المَنْطِقِي يا أخي، تَمً نَقْلُ المَرْكَبَةِ الى مَكانْ آخَرْ و ركَبوا لها مُحَرِكْ لإسْتِغْلالَهَا حَتْمَاً بِإعْمَالْ غَيْر قانونِيَة، أو رُبَمَا تَمً تَرْكيبْ المُحَرِكْ داخِلْ الصَالَةِ قَبْل السَرِقَة تَماماً بِكَفَاءَة عَالِيَة، إجْلِبْ مُديرْ صَالَة الصِيَانَة مَعَكَ لإسْئَلَهُ بَعْض الأسْئِلَة فوراً فَهُنَالِكَ أَمْر مُريبْ بِشَكْوى سَرِقَتْ هَذِهِ السَيَارَة التي تَقَدًمَ بها، "
أَغْلَقَ المُقَدَمْ عَبْد الحَليمْ الهَاتِفْ و هَزً رَأْسَهُ المُثْقَلْ بالهُمومْ و الصُداعْ، أَغْرَبْ قِصَة سَرِقَة على الإطْلاقْ و الواضِحْ أَنً التَرْتيبْ تَمً مِنْ الكَادِرْ الداخلي لِلْشَرِكَة، هذا لَيْسَ مُريحاً فَرُبَمَا كانَ هُنَالِكَ مافيا وراء هذا العَمَلْ المُنَظَمْ، فَنَفَذوا ما نَفَذوا بِها و تَرَكوها في كورنيش النيل، تَوًعَدَ بِقَرارَةِ نَفْسِهِ "لَنْ يَقْبِضْ عَلَيْكُمْ سِوَى المُقَدِمْ عبدالحليم وانا مِنْ أَكْفَئْ ضُبَاطْ دُفْعَتي وسِجِلي يَتَمَتَعْ بالعَديدْ مِنْ الإنْجَازات،"
كان عَبْدالحَليمْ شَوْكَتْ مِنْ أَنْبَهْ و أقوى رِجَالْ الشُرْطَةِ في صُفوفْ الضُبَاطْ في القاهِرَة، و كَانَ يُعْرَفْ بالبُلْدوزَرْ لِأَنًهُ عِنْدَما يَضَعْ يَدَهُ على قَضِيَة كَانَ لا يَتْرُكْهَا الى حين القَبْض على جَميعْ مُرْتَكِبي الجَريمَة فيها،  فَكَانَتْ قَضَاياهْ تَتَحَوًلْ الى المَكَاتِبْ النِيَابِيَة مُغْلَقَة و نَاقِصَة فَقَطْ تداوُلْ القُضَاةْ في المَحْكَمَة، و نَظَراً الى عَمَلِهِ المُخْلِصْ لِلْأَمْن في القَاهِرَة إرْتَئَى رَئيسْ النِيَابَةِ أَنْ يَدْعَمَهُ في عَمَلِهِ فَكَانْ رَئيسْ القِسْم الوَحيدْ الذي سَمَحَ لَهُ بالتَحْقيقَاتْ المُبَاشِرَة و صَلاحِيَاتْ مُحَقِقْ كَامِلَة، و لَكِنْ هذا النَجَاحْ كَانَ لَهُ ضريبَةْ كُبْرَى بِحَيَاتِهِ المِهَنِيَةِ و العَائِلِيَة، فَصَنَعَ لَهُ أعْداءْ كَثيرَة بِعَالَمْ الإجْرامْ لِدَرَجَةْ أَنًهُ بِبَعْض القَضَايا كَانَتْ تَأْتيهْ التَهْديداتْ لِبَيْتِهِ و أُسْرَتِهْ مُبَاشَرَة، بَلْ حَاوَلَ بَعْض مِنْ أَصْحَابْ المَافِيَاتْ أَذِيَةْ والِدَيْه بالمَنْزِلْ في قَضِيَة مِنْ القَضَايا الكَبيرَة التي إسْتَلَمَهَا، و لَكِنْ تَفَهُمْ أَهْلُهْ لِطَبيعَةْ عَمَلِهِ سَاعَدَهُمْ بِتَحَمُلْ هَذِهِ الضُغوطَاتْ المُقْلِقَة، فلا نَجَاحْ مِنْ دونِ ضَريبَة بِهَذِهِ الحَيَاةْ و خُصوصاً مَعْ ضَابِطٍ مِثَالي مِثْل عبدالحليم و سِجِلِهْ المُشَرِفْ بِعَالَمْ الأَمْن، فَكانوا يَعْلَموا بِقَرارَةِ أَنْفُسِهِم أَنً الخَوْف و الخُنوعْ في وَجْه هَؤُلاءْ المُجْرِمينْ سَيَجْعَلَهُمْ أقوى مِنْ الأَمْن و القَانونْ و هذا مِنْ أَكْبَرْ المُسْتَحيلاتْ لِيَحْدُثْ مَعْ أُسْرَةْ ضُبَاطْ في الشُرْطَة،   
كان الصَبَاحْ في القِسْم هَادِئاً بِغَيْر عَادَةْ و لَمْ يَدْخُلْ عَليهْ ولا مُشْتَكي، فَحَتَى سِيَاراتْ الشُرْطَة التَابِعَة لِقِسْمِهِ لَمْ تُبَلِغْهُ بِأَيْ إشاراتٍ مُسْتَعْجَلَةْ، وَضْع غَيْر عادي فَمُنْذُ إنْدِلاعْ ثَوْرَةْ 25 مِنْ يَنَايِرْ و المَشَاكِلْ الأَمْنِيَة كَانَتْ بِإزْدِيَادْ و بِتَنَوُعْ كَبيرْ، فَمِنْ النَشْل الى السَرِقَاتْ إلى النَصْب و الإحْتِيَالْ الى مَحَاضِرْ التَعَدي و الضَرْب كان قِسْمُهْ حَافِلْ بالأَحْداثْ اليومِيَة التي يَنْتَهي جُزْءٌ مِنْهَا بِتَصَالُحْ أَطْرافْ النِزاعْ مَعْ بَعْض و جُزْء آخَرْ بِسَجْنِ المُشْتَكَى عَليهْ و تَحْويلِهَا الى النِيَابَةِ العَامًةْ لِلْمُداوَلَة، أَطْبَاعْ أَهْل القَاهِرَة أَصْبَحَتْ أَعْنَفْ و أَشْرَسْ و خُصوصاً مَعْ إشْتِدادْ الأَزَمَةِ بَعْد عَزْل الرَئيسْ مرسي في 30 مِنْ يونيو، تَغَيًرَتْ القَاهِرَة و مِصْر كَثيراً مِنْ مَدينَة مُسَالِمَة يَعيشْ أَهْلهَا على أَمَلْ غَدْ مُشْرِقْ أَكْثَرْ و تَحْصيلْ لُقْمَةْ العَيْش الى غَابَة كَبيرَة مَعْ إشْتِدادْ سُوءْ الأَحْوال الإقِتَصَادِيَة و المَشَاكِلْ السِيَاسِيَة، فَأَخْرَجَ الكُلْ مَخَالِبَهُ مِنْ الخَوْف و القَهْر الذي يَرونَهُ و أَصْبَحْ العُنْف طَريقَة التَعَامُلْ الوَحيدْة مَعْ المُجْتَمَعْ مِنْ حَوْلِهِمْ و مَعْ بَعْضِهِمْ البَعْض، بَلْ حَتى إخْتَفَيَا الوِئَامْ و السَلامْ نِهَائِياً و أَصْبَحَتْ الكَثيرْ مِنْ الشوارع و الأَحْيَاءْ مُنْقَسِمَة على ذاتِهَا بَيْن مُنَاصِرْ و مُؤَيِدْ لِعَزْل الرَئيسْ مُرْسي و الشَاطِرْ مِنْ أَنْصَارهْ هُوَ الذي يَثْأَرْ لِهَذا العَزْل...فَبِالنِسْبَة إليَهْمْ عَمَلِيَة العَزْل تُبَرِرْ القَتْل و دَمَارْ المُمْتَلَكَاتْ الشَخْصِيَة و التَعَدي على الآخَرْ و حَرْق مُمْتَلَكَاتْ الدَوْلَة،
و لَكِنْ لِهَذِهِ الًلحْظَةْ لَمْ تَأْتيهْ أَيًةْ شَكَاوي او قَضَايا اليَوْم، شَكَرَ لله على هَذِهِ النِعْمَة و إسْتَرْخَى في مَقْعَدِهِ لِأَوًلْ مَرًة مُنْذُ أسابيعْ طَويلَة لِيَسْتَمْتِعْ بِجَوْ الهُدوءْ السَائِدْ مِنْ حَوْلِه، أَمْسَكَ بِكوبْ القَهْوَة مِنْ على مَكْتَبِهِ و أَخَذَ رَشْفَة سَاخِنَة مِنْهُ، كان لذيذاً كَمَا يُحِبُهْ...سُكَرَهُ حُلُو، و لِمَا لا و التي أَعَدًتْهُ النَقيبْ ريهام مُعَوًضْ خَطيبَتَهُ و زَميلَتَهُ التي تَشَاطَرَتْ مَعَهُ مَسْؤلِيَة القِسْم طوال عام كامِلْ، كَمْ كَانَ يُحِبَهَا و يُقَدِسْ حُبُه لها، فَكَانَتْ تُبَادِلَهُ نَفْس الحُبْ و التَقديْر، تَمًتْ خِطْبَتَهُمْ مُنْذُ شَهْر وَسَطَ لَفيفْ مِنْ الأَهْل و الأَقْرِبَاءْ و الأَصْدِقَاءْ، و تَمً الإتْفِاقْ على ان يَكونْ الفَرَحْ بَعْد ثَلاثَةِ أَشْهُرْ، ولَكِنْ كان شَرْطُهْ الأسَاسيْ أَنْ تَنْتَقِلْ مِنْ قِسْم الشُرْطَةِ الى وَظيفَة مَكْتَبِيَة، فوافَقَتْ ريهام على طَلَبِهِ و قَدًمَتْ طَلَبَ النَقْل الى مَرْؤسِهَا حَيْثُ وافَقْ عَليهْ مُتَفَهِماً وَضْعَهَا الإجْتِمَاعي الجَديدْ، فَتَمً تَكْليفُهَا بِمُهِمَةٍ مَكْتَبِيَة بدائرة أُخْرَى مِنْ دوائِرْ الأَمْن المِصْرِيَة، كان الإنْسِجَامْ بَيْنَهُمْ سِرْ نَجَاحْ عِلاقَتِهِمْ و بالرُغْم مِنْ أَنًهَا كَانَتْ في الأَرْبَعينَ مِنْ العُمْر و كان هُوَ في السَابِعَةِ و الثلاثين الًا أَنًهُ أَحَبًهَا و قَدًسَهَا بِحَيَاتِهِ كَثيراً، رَكَعَ قَلْبُهْ لها مُنْذُ النَظْرَةْ الأولة، و بالرُغْم مِنْ مُعَارَضَتْ والِدَتُهْ و والِدُهْ في بادئ الأَمْر على سِنِهَا لِأَنًهُم كانوا يريدونَ لَهُ اوْلادْ إلًا أَنً حُبْ عبدالحليم و ريهام كان أقوى مِنْ أَيًةْ مُعَارَضَة او نواهي، وسُرْعَان ما سَلًموا أَهْل عبدالحليم لِلْأَمْر الواقع بَعْدَ ما شاهدوا وَلَعَهُمْ بِبَعْض و عَلِموا أَنً إنْفِصَالَهُمْ عَنْ بَعْض سَيُؤَلِمَهُمْ كَثيراً، 
"أه كَمْ أُحِبُكِ يا ريهام و كَمْ يَبْرِقْ جَمَالُكْ في عيوني عِنْدَمَا أَنْظُرْ اليك و كَأَنًكِ أَيْقونَة حُسْن مُتَكَامِلْة مُرَصًعَة بِأَلفْ مَاسَة ثَمينَة، أُحِبُكِ، أُحِبُكِ يا ريهام،" أَمْسَكْ فُنْجَانْ القَهْوَةِ الدافئ لِيَأْخُذَ رَشْفَةً ثَانِيَة وإبْتَسَمَ، فإذ بِعِطْرِهَا عَابِقْ بالفُنْجَانْ و عَلامَاتْ أَحْمَرْ الشِفَاهْ واضِحَة على طَرَفِهِ، عطْرهَا المُفَضَلْ كان الياسَمينْ و لَمْ تَكُنْ تَضَعْ غَيْرَهُ، امًا أَحْمَرْ الشِفَاهْ فَكَانَ بِمَثَابَةِ قُبْلَة الصَبَاحْ لَهُ، وَضَعَ شَفَتَيْه فَوْقَ أَحْمَرْ شَفَاهِهَا و أَخَذَ رَشْفَة مِنْ القَهْوَة، تَمَنَى مِنْ كُلْ قَلْبِهْ أَنْ تَنْتَهي الأَشْهُر بِسُرْعَة لِتَكونَ بَيْن يَديهْ و تُصْبِحْ إمْرأَتَهُ أمَامْ الله و النَاسْ، 
فَجْأَة دَوًتْ سِلْسِلَة مِنْ الصَرَخَاتْ في أَرْجَاءْ القِسْم، إرْتَعَدَ عبدالحليم في مَكَانِهِ و هُوَ يُصْغي لها لِدَقيقَة مِنْ الزَمَنْ ثُمَ نَهَضَ خائِفاً مِمَا عَسَى أَنْ تَكونْ، إنْطَلَقَتْ نَحْوُ البوابة مَجْموعَة مِنْ رِجَالْ الشُرْطَةِ لِتَتَفَقًدْ الحَادِثَة، فَوَقَفَ عِنْدَ بَابْ مَكْتَبِهْ و نادى في المَمَرْ "مرسي! عبدالجبار! إجْلِبوا هذا الرَجُلْ الذي يَصْرُخْ بِسُرْعَة لأرى ماذا هُنَالِكْ!" مَضَتْ بِضْع ثوانٍ وَصَلَ بَعْدَها إثْنَانْ مِنْ الشَرِطَةِ مُمْسِكينَ بِشُرْطي يَصْرُخ بِصورَة هِسْتيرية "أتركوني! لَسْتُ مَجنونْ!" كان يُحَاوِلْ أَنْ يَهْرُبْ مِنْهُمْ لَكِنْ مِنْ دونِ جَدوْى فكانوا يَحْكِمونَ قَبْضَتَهُم على ذراعَيْه،
نَظَرَ الى الشُرْطِيْ الأسيرْ بِتَمَعُنْ، كان العَرَقْ يَمْلئُ جَبينَهُ و يُبَلِلْ زِيًهُ العَسْكَريْ الأَبْيَضْ، كان ذو بَشَرَة سَمْراء أَصْلَعْ الرَأْس و عُيونَهُ سَوْداءْ كَسَوادْ الليل، كان مُجْهَدْ جداً و الهَلَعْ مَرْسومْ على طَلًتِهِ الشَابَة، وبالرُغْم مِنْ قوامُهْ الطويل و جَسَدَهُ القوي إلًا أَنً التَعَبْ كان قَدْ أَنْهَكَهُ فَكَانْ يَتَلوًا بَيْنَ يداي الحُراسْ مِثْلَ الطِفْل التَائِهْ، قال لَهُ عبدالحليم مُتَعَجِباً "هَلْ أَنْتَ شُرْطي ام تَتَنَكًرْ بِزَيْ الشُرْطَة؟!"
فأجاب مُتَرَجِياً "أنا المُلازِمْ أَوًلْ أَحْمَدْ حِلْمي سليم عبدالفهيم، أَرْجوكْ قولْ لَهُمْ أَنْ يَتْرُكوني فَأَنا سَويْ و طَبيعيْ،"
فَأَجابَهُ أَحَدْ الجُنودْ المُمْسِكينْ بِهِ "يا باشا أَمْسَكَتْهُ سَيَارَة رَقَمْ (زمالك 51) و هو يسير بالشوارِعْ و يَصْرُخْ مِثْل المَجانينْ- إظْهَريْ و أَيْنَ انتِ و رأَيْتُهَا تَخْتَفي و تَظْهَرْ..."
"أعْطيني هَوِيَتُكَ العَسَكَرِيَه لَوْ سَمَحَتْ، أُتْروكوه، ولَكِنْ إبقوا مَكَانَكُمْ،"
تَوَجًهَ الشُرْطِيْ الى أَحَدِ المَقَاعِدْ في مَكْتَبْ عَبْدالحَليمْ و جَلَسَ، إنْطَلَقَتْ مِنْهُ تَنَهُداتْ عَميقَة و اسْتَرْخَى على الكُرْسِيْ بِتَعَبْ شَديدْ، ثُمً أَخْرَجَ الهَوِيَة العَسْكَرِيَة و أَعْطَاها لِعَبْدالحليم، فَنَظَرَ إليْهَا بِتَمَعُنْ لِدَقيقَة ثُمَ سَأَلَهُ "ما هُوَ رَقْمُكْ العَسْكَريْ"
فأجاب "538904أ"
"هَلْ أَنْتَ مَسيحيْ أمْ مُسْلِمْ؟"
      فَإرْتَسَمَتْ على شَفَتَيْه إبْتِسَامَة  صَغيرَة بالرُغْم مِنْ تَعَابيْر وَجْهِهِ المُنْهَكَة و أَجَابْ "يا باشا كَيْفَ أَكونَ مَسيحي مَعْ الإحْتِرامْ وإسْمي أَحْمَدْ عَبْدالحليم؟"
أَكْمَلْ عبدالحليم بِنَبْرَةٍ آمِرَةٍ "تاريخ ميلادُكْ لَوْ سَمَحَتْ؟"
"السَابِعْ عَشَر مِنْ يوليو عام الثَمَانينْ"
"اذاً عُمْرُكْ أرْبَعينَ عَاماً؟"
اجَابَ بِقَليلْ مِنْ التَعَجُبْ "سَلامَةْ فِهْمِكْ عُمْري 34 عَامْ"
فَكًرَ عَبْدالحليم في ذاتِهِ مُتَعَجِباً "مِنْ الواضِحْ انً مازال ذِهْنَهُ مُتَمَاسِكْ فَمَاذا حَصَلَ لَكَ يا زَميلْ؟" 
تَابَعْ أَسْئِلَتَهُ قائلاً "قُلْ لي ماذا جَرَى لَكَ يا أَحْمَدْ بِهُدوءْ و سَأُصَدِقُكَ؟"
      "كانَتْ واقِفَة عِنْدَ سِيَاجْ الجِسْر فَوْقَ النيل،"
"مَنْ هي؟"
"الجُنْيِةَ،"
كادَ انْ يَضْحَكْ و لَكِنْ مَارَسَ ضَبْط النَفْس إكْراماً لِمُعَانَاْت زَميلَهُ بالمِهْنَةِ، "أَكْمِلْ،"
فَتَابَعَ أَحْمَدْ بِتَعَبْ و صَوْت ضَعيفْ مُجْهَدْ "كانَتْ سَيَارَتُهَا واقِفَة عِنْد جَانِبْ الشَارِعْ الرَئيسي و هذا مُرورِياً مُخَالِفْ، فَنَادَيْتُهَا و قُلْتُ لَهَا إنْهَا مُخْطِئَة بالإصْطِفَافْ، فَقَالَتْ لي بِصيغَةْ ألأَمْر أَنًهُ يَحِقْ لها الإصْطِفَافْ أَيْنَمَا تَشَاءْ، فَحَرًرْتُ لَهَا مُخَالَفَة و لَكِنْ هَزَئَةْ بي وقَالَتْ عِنْدَ أبيهَا نُقودْ كَثيرَة، فَطَلَبْتُ إسْمَهَا و لَكِنْ وَبًخَتْني و قَالَتْ لي أَنًهَا مَلِكَتْ البِلادْ،"
"لا تَنْسَى أَنًنَا بِعَهْد المَلِكْ فاروق؟"
"نحن بِجُمْهورِيَة الآنْ و في سَنَةْ الفين و اربعة عشر و التاريخ هُوَ الثلاثين مِنْ الشَهْر الجاري،"
نَظَرَ عَبْد الحليم الى الشَابْ و بَدَى القَلَقْ يَنْتَابُهْ، فلا يُعْقَلْ لِأَيْ مَجْنونْ انْ يَتَمَتًعْ بِهَذِهِ النَبَاهَة، فَأَمَرَهُ بِإِهْتِمَامْ انْ يُكْمِلْ،
"فَجْأَة إخْتَفَتْ، فَبَحَثْتُ عَنْهَا فَلَمْ أَجِدْهَا، و تَفَقَدْتُ السَيَارَة الحَديثَة التي بِرِفْقَتِهَا فَلَمْ أَجِدْهَا..."
"هَلْ بَحَثْتَ تَحْت الكراسي فَرُبَمَا تَكونْ مُخْتَبِئَة تَحْتَهَا؟"
"لا ألومَكْ فاذا كُنْتُ مَكانَكْ لَسَأَلْت أَكْثَرْ مِنْ هَذِهِ الأسْئِلَة، أَمْسَكْتُ بالراديو لِأُبْلِغْ المَرْكَزْ عَنْ السَيَارَة وفَجْأَة ظَهَرَتْ مِنْ ثَانِيَة و رَكِبَتْ السَيَارَة و إنْطَلَقتْ،"
فَجْأَة زاد تَوَتُرْ عبدالحليم و تَحَوًلَ الى الخَوْف مِنْ كَلامْ الضَابِطْ، فَنَبَاهَتُهْ فِعْلِياً لِرَجْل طَبيعي و لَكِنْ التَفَاصيلْ الخَارِقَة لِلْطَبيعَة الذي يَرْويهَا لا تُصَدَقْ إطْلاقاً، و لَكِنْ لا مَفَرْ مِنْ إسْتِشَارَةْ النَفْسِيَة في حَالَتِهِ، فَقَرًرَ أخيراً و أَمَرَ،
"ايُهَا الزَميلْ سَأَطًرْ لِتَحْويلَكْ الى مَرْؤسيكَ و الطِبْ النَفْسي لِلْمُعَايَنَة، قِصًتُكَ أَغْرَبْ مِنْ الخَيَالْ و لا أَسْتَطيعْ عَمَلْ شَيئْ لَكَ او إخْلاءْ سَبيلِكَ و أَنْتَ بِهَذِهِ الحَالَة،"
نَهَضَ أَحْمَدْ مِنْ مَكَانِهِ وهُوَ يَتَرَجى الضَابِطْ "لَسْتُ بِمَجْنون صَدِقْني،"
"لا أَتًهِمُكَ بالجنُونْ و لَكِنْ عَليً تَحْويلَكَ الى أَخِصَائِيْ لِيُقَرِرْ في شَأْنكْ، أَرْجوكَ ضَعْ نَفْسُكْ في مكاني و سَتَعْذُرَني، خُذوهْ الى مَكْتَبْ الضَابِطْ ريهام فَلَنْ تَعودْ الًا عِنْدَ الظُهْر ثُمً أرْسِلوهْ بِأَيْ سَيَارَة تُغَادِرْ القِسْم الى المُسْتَشْفَى النَفْسي فوراً،"
أمْسَكوا الضُبَاطْ بِأَحْمَدْ و سَاعَدوهْ على الوُقوفْ وهُوَ يَسْأَلْ بِإِرْتِبَاكْ "الا تُريدْ أَوْصَافَهَا، رُبَمَا سَتَظْهَرْ..." وفَجْأَة صَرَخَ صَرْخَة قَوِيَة أَفْزَعَتْ الكُلْ حينَ تَلاقَتْ أَنْظَارُهْ بالضُيوفْ الداخِلينْ الى المَكْتَبْ، صَاحَ بِذُعْر شَديدْ مُتَلوياً بَيْنَ يَديْ الضُبَاطْ كالأَفْعَى "مَتَى غَيًرْتي لَوْن شَعْركِ...هَذِهِ هِيَا الجُنيَة!!!" هَرَعَ عبدالحليم لِمُلاقَاتْ بولُسْ و مِرْفَتْ الذين أَفْزَعَتْهُم نَوْبات الصُراخْ الهِسْتيريا لِأَحْمَدْ وهُوَ يَأْمُرْ مُعَاوينيه "خُذوهْ بِسُرْعَة...هيا!!!! خُذوهْ بَعيداً بِسُرْعَة يا حَرَسْ!!!" وَقَفَ بَيْن الرَجُلْ و الضُيوفْ  رَيْثَمَا أَخْروجوه الحَرَسْ مِنْ المَكْتَبْ،
سَحَبوا الحُراسْ أَحْمَدْ و هُوَ يَصْرُخْ و يلوح بِيَدَيْه بِجُنونْ "هَذِهِ هيا الجِنِيَة!!!أَرْجوكُمْ صَدِقوني!!! فَهِيَ تَرْتَدي نَفْس البِنْطَال الأَبْيَضْ و القَميصْ الأَخْضَرْ، أكَادْ أُجَنْ يا ناس!!!"  
تَحَوًلَ صُراخْ أَحْمَدْ الى أَصْداء مُنْخَفِضَة لِوَهْلَة ثُمَ إخْتَفَى بَيْنَمَا جَلَسَ بولص و مِرْفَتْ و الخَوْف بَادِيَاً عَلَيْهِمَا مِنْ المَوْقِفْ الغَريبْ،
قَسَأَلَ بولص بِخَوْف "مَنْ هُوَ هذا الرَجُلْ؟"
قالَتْ مِرْفَتْ مُفَسِرَة "انا لا أَعْرِفْ هذا الرجل و هَذِهِ أَوًلْ مَرًة ألْتَقي فيها بِشَخْص مُجْهَدْ الأَعْصَابْ بِهَذا الشَكْل، ما هي قِصًتَهُ؟"
أجاب أَحْمَدْ بِتَعَابيرْ مُتَعَاطِفَة و صَادِقَة "انا أَعْتَذِرْ مِنْكُمَا بِشِدَة و لَكِنْ في عَمَلِنَا نَحْتَكُ بِشَتًى أنواع البَشَرْ و القَضَايا،"
    أجَابَتْ مِرْفَتْ "انا شَخْصِياً إرْتَعَدْتُ مِنْ الخَوْف عِنْدَمَا إدعَى مَعْرِفَتي و صَرَخَ كالمَجْنونْ في وَجْهي،"
يقول بِقَليلْ مِنْ الرَهْبَة "أَعْصَابُهْ تَعِبَة بِسَبَبْ ما رَأَهُ في هذا الصَبَاحْ، يَقولْ أَنًهُ رأى...رأى بإسْم الله الرَحَمَن الرَحيمْ، جُنِيَة،"
هَمً بولس يُسَمي ويُصَلِبْ يَدُه على وَجْهِهِ "بإسْم الثالوث الأَقْدَسْ، الشَرْ بَعيدْ عَنًا جَميعاً إنْشاء لله"
قالَتْ مِرْفَتْ بِرَهْبَة "لِتَحْرُسَنَا صَلاة العَذراء الطَاهِرَة،"
"لا تخافوا، سَأَعْرِضَهُ على الطِبْ النَفْسي بَعْدَ قَليلْ، امًا انا بولص باشا فَتَشًرْفُت بِقُدومِكَ لِمَكْتَبي، و لَكِنَني أَحْمِلْ أَخْبَارْ غَيْر سَارَة، التَحقيقَاتْ تُشيرْ الى انً سَيَارَتَكُمْ قَدْ تَكونْ سُرِقَتْ بِتَنْظيمْ مَدْروسْ مِنْ قِبَلْ مُجْرِمينَ رُبَمَا لِلْقِيَامْ بِأَعْمَالْ غَيْر قانونِيَة، سَأَتَوَلًى التَحْقيقَاتْ بِنَفْسي في هَذِهِ القَضِيَة،"
سَأَلَتْ مِرْفَتْ و هِيَا تَنْظُر الى عَلامَات الغَضَبْ البَادِيَة على وَجْه أبيهَا، "هَلْ تَعَرًضَتْ السَيَارَة لِلْإِسَائَة يا سَيْد عبدالحليم؟"
أجَابْ بِنَبْرَة هَادِئَة مُفَسِراً "انا شَخْصِياً لَمْ ألاحِظْ أَيًةَ خُدوشٍ على هَيْكَلِهَا او ايْ اداء غَيْر طَبيعي لِلْمُحَرِكْ، ولِلْعِلْم، أَخْبَرَتْني الشَرِكَة أَنًهُ عِنْدَمَا فَحَصوها كان المُحَرِكْ يُعَاني مِنْ عَيْب صِنَاعي مِنْ بَلَدْ المَنْشَئْ و كانَتْ تَتًخِذْ إجرآت لِتَغْيِرِهْ على نَفَقَتِهَا، لِذَلِكَ كَانَتْ مِنْ دون مُحَرِكْ وَقْت السَرِقَة، فلا أَعْلَمْ بَعْد في هَذِهِ النُقْطَة اذا تَمً تَرْكيبْ مُحَرِكاً لها داخِلْ صَالاتْ الصِيَانَة أمْ أُخِذَتْ الى مَكانْ آخَرْ و تَمً تَرْكيبْ مُحَرِكْ ثانٍ لها، و لَكِنْ أَعِدَكُمْ بِأَجْوِبَة سَريعَة على هَذِهِ الأَسْئِلَة لِأَنًهَا مُحَيِرَة فِعْلِياً، "
رَدً بولُصْ مُنْفَعِلاً و بِغَضَبْ "هَذِهِ مِهْزَلَة كُبْرَى!!! الا يوجَدْ حُراسْ أَمْن في هَذِهِ الشَرِكَة؟ سَأَتًصِلْ بِوَزيرة الداخِلَية شَخْصِياً!" أَخَذَ المَحْمولْ مِنْ جَيْبِهِ لإجْراءْ الإتْصِالْ إلًا انً عبدالحليم نَهَضَ مِنْ مَكْتَبِه و اقْتَرَبْ مِنْهُ مُتَرَجِيَاً و مُطَمْئِناً "بولص باشا أُؤَكِدْ لَكَ أَنًهُ لا داعي لِطَلَبْ مَعَاليهْ فَأَنَا أَعِدُك أَنًني سَأُلاحِقْ المُجْرِمينْ لِحينْ القَبْض عَلَيْهِمْ، "
أَعَادَ المَحْمولْ الى جَيْبِهْ قَائِلاً "كَيْف لا تُريدُني أَنْ أُبْلِغْ عَنْ جَريمَة قَذِرَة كَهَذِهِ، المَثَلْ يَقولْ مَجْنونْ يَتَكَلًمْ و عَاقِلْ يَفْهَمْ! سَحَبْ سِيَارَة بلا مُحَرِكْ يَتَطَلَبْ شَاحِنَة قَاطِرَة فَأَحْضَروا المُجْرِمينْ شَاحِنَة و نَقَلوا سِيَارَة بِأَكْمَلِهَا مِنْ الوَرْشَة و في الليل؟ أَلَمْ يَراهُمْ أَحَدْ؟ و أَيْن الحُراسْ، او حَتَي لَوْ اعادوا تَرْكيبْ المُحَرِكْ لِلْسَيَارَة داخِلْ الوَرْشَة أَلَمْ يَسْمَعْ شيئاً الحراس؟ كُلْ هذا و لا تُريدُني أَنْ أُخْبِرْ مَعَاليها!!! ماذا جرى لِهَذِهِ البَلَدْ بَعْد الثَوْرَة؟! مِنْ سَيِئْ لِأَسْوَءْ حَالُهَا، إلا يوجَدْ أَمْن و آمان؟!"
عاد عبدالحليم الى مَكْتَبِهِ و جَلَسَ مِنْ جَديدْ قائلاً "إسْتَدْعَيْت مُديرْ الصَالَةِ لِلْتَحْقيقْ و سَأَعْرِفْ مِنْهُ كُلْ شَيْئ كما سَأَسْتَدْعي كَادِرْ الحِراسَة بِأَكْمَلِهِ و لَكِنْ أَعْطيني عُطوفَتِكُمْ وَقْت لِتَأْخُذْ التَحقيقاتْ مَجْراها، أَرْجوكْ يا بولص باشا،" 
"48 ساعَةْ فَقَطْ، إنْ لَمْ تَأْتيني بالأَجْوِبَةِ سَأَتَصِلْ مَعْ أعلى المَسْؤلينْ، هَلْ رَفَعْتُمْ البَصَمَاتْ عَنْ السَيَارَة؟ اذا لَمْ تَلْزَمَكُمْ في التَحْقيق إبْنَتي بِحَاجَتِهَا،"
"فَعَلْنَا هذا في المَوْقِعْ الذي إكْتَشَفْنَا فيهِ السَيَارَة بالتَعَاونْ مَعْ الأَقْسَامْ المَعْنِيَة، فلولا تَمًتْ هَذِهِ الإجْرَآتْ كَيْفَ قُدْتُهَا الى مَرْكَزْ الشُرْطَةْ و طَلَبْتُ مِنْكُمْ الحُضورْ لِأَخْذِهَا،"
فَجْأَةْ سُمِعَ صراخ أَحْمَدْ يُدوِي في المَمَرًاتْ مِنْ المَكْتَبْ المُجَاوِرْ "انا مُتَأَكِدْ أَنًهَا الجُنْيِةَ و ها هيا تَلْحَقْ بي الى هنا!!! ماذا تُريدْ مني!!!"
عاد الخَوْف الى مِرْفَتْ مَرًة أخرى فَقَالَتْ مُرْتَبِكَة و مُعْتَذِرَة "انا آسِفَة لَكِنْ يَجِبْ انْ ارْحَلْ لأنً جَدْوَلْ عَمَلي حافِلْ في المُتْحَفْ، و بَدَءَ التَعَبْ يُخَيِمْ علي مِنْ الحَادِثَة قَبْلَ قَليلْ،"
أَخْرَجْ عبدالحليم المَفَاتيح و قال "واجِبَكُمْ كَبيرْ و سَأُرَافِقَكْم لِلْإطْمِئْنَانْ عَلَيْكُمْ الى السَيَارَة،" خَرَجَا جَميعاً مِنْ مَبْنَى القِسْم و عبدالحليم يَسْتَعْطِفْ بولص لِيَصْبِرْ الى حين إنْتِهَاءْ التَحقيقْ، واما مِرْفَتْ فَكَانَتْ خَائِفَة و مُتَوَتِرَة، إتًجَهَ الجَمْع الى مَصَفِ الخَاصْ لِسَيَارات الشُرْطَة خَلْف القِسْم لِيَجدوا العَرَبِيَة الثَمينَة تَقِفْ بِلَوْنِهَا الأَسْوَدْ الأَنيقْ بِجَانِبْ المَدْخَلْ و كان وَميضْ أَشِعَةِ شَمْس الصَبَاح يَشِعُ مِنْ هَيْكَلِهَا المَتينْ، صَافَحَ عبدالحليم الباشا مُوَدِعاً إيًاهْ بَيْنَمَا صَعِدَتْ مِرْفَتْ في السَيَارَة، وَضَعَتْ مِفْتَاحْ السَيَارَة في مَوْضِعْ التَشْغيلْ و ادارَتْهُ لَكِنْ مِنْ دون جدوى، كَرَرَتْ المُحَاوَلَة و لَكِنْ لَمْ يَصْدِرْ صَوْتٌ لِلْمُحَرِكْ،
نادت الضابط "سيد عبدالحليم يبدو أن هنالك عطل في المحرك، أتساعدنا؟"
أجاب مبتسما "بكل سرور، هل فتحتي غطاء غرفة المحرك من فضلك، ربما تكون أسلاك البطارية بحاجة لضبط،"
فَتَحَتْ مِرْفَتْ الغَطَاءْ و خَرَجَتْ مِنْ السَيَارَة، إتًجَهَا جَميعاً الى المُقَدِمَة بَيْنَمَا رَفَعَ عبدالحليم الغِطَاءْ الى الأعلى، فَصَرَخَ الإسْفِلْتُ الرَمَادي بِوَجْهِهِمْ بَدَلْ مِنْ مُحَرِكْ السَيَارَة...
صَرَخَ عبدالحليم "اكاد لا أُصَدِقْ عُيوني!!! يا الله انا قُدْتُهَا وَراءْ سَيَارَة الشُرْطَة الى هنا!!!" رَكَضَ الى داخل القِسْم وهُوَ يَصْرُخْ "عبدالجبار!!!" 
رَدً بولص بِإسْتِيَاءْ "ما هَذِهِ المِهْزَلَة انا سَأَتًصِلْ بِوَزيرَة الداخِلِيَة شَخْصِياً."
رَكَضَتْ مِرْفَتْ و هي تَبْكي الى والدها الذي ضَمًهَا بِحُنُوْ مُحَاوِلاً طَمْئَنَتِهَا قَائِلاً "لا تَخافي فَهُنَالِكْ تَفْسيرْ لِكُلْ شَيْئ،"
عَادَ عبدالحليم و عبدالجبار و إقْتَرَبَا مِنْ السَيَارَة، صَاحَ عبدالجبار بأَعْلى صَوْتِهِ "باسْمِ اللهِ الرَحَمَنْ الرَحيمْ، هَذِهِ السَيَارَة قُدْتُهَا يا باشا مِنْ كورنيش النيل الى الزَمَالِكْ!!! أَيْنَ ذَهَبَ مُحَرِكَهَا!!!"
قال بولص بِنَبْرَةْ صَوْت آمِرَه "هَلْ تَكُفَ يَدُكْ عَنْ القَضِيَة لَوْ سَمَحْت!" 
طَلَبَ رَقَمْ على هَاتِفِهْ الخلوي ثُمَ قال مُرَحِباً "صَبَاحْ الخَيْر يا نَرْجِسْ، كَيْف حَالُكِ،... مُمْتَازْ...لا تَشْرَبِ القَهْوةَ بِمُفْرَدُكِ انا آت اليكِ...الشَرَفْ لي مَعاليكُمْ...شكرا" أَكْمَلْ بولص أَمْرَهُ الى عبدالحليم "لَوْ سَمَحْت أُنْقُلْ هَذِهِ السَيَارَة الى السِكْرابْ لِأَنًني سَأَشْتَري غَيْرَهَا لإِبْنَتي، فَالَهَا مُزْعِجْ جداً،"  
دَخَلَ المُحَقِقْ الى القِسْم و الذُهولْ يُسَيْطِرْ عَليهْ، أَخْرَجَتْ مِرْفَتْ الهَاتِفْ النَقَالْ و الدُموعْ تَنْهَمِرْ مِنْ عُيونِهَا لِتَتًصِلْ بِأُمِهَا كي تُقِلُهَا الى عَمَلِهَا، الأَحْداثْ الغَريبَة في هذا اليَوْم المَشْؤمْ سَبًبَتْ الضَغْط الشَديدْ على أَعْصَابِهَا، لَكِنْ السُؤال الأَهَمْ هُوَ الى ما سَتَؤل هَذِهِ الأَحْداث اليه؟