من طبول الحرب الى طبول الوئام/ ابراهيم الشيخ

في بداية  ايلول كانت منطقة الشرق الاوسط  على صفيح ساخن  بسبب التهديدات الامريكية واستعدادها لضرب سوريا بسبب استخدام السلاح الكيميائي في هذا البلد، ولكن في اللحظات الاخيرة وبشكل مفاجئ تم نزع فتيل هذه الحرب من خلال اطلاق مبادرة روسية لتدمير الاسلحة الكيميائية. 
لم يكن احد يتصور ان تنتهي هذه الازمة بهذا الشكل الذي جنب المنطقة ودولها الخراب والقتل، لانه لو تم سيناريو الحرب لكانت منطقة الشرق الاوسط غير ما هي عليه اليوم، ولكن الذي لم ينته هو القتل والدمار في سوريا لان السلاح الكيميائي كان هو الهدف الذي يقلق الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وكذلك إسرائيل.
وان المفاجئات لم تنته عند هذا الحد وبشكل متسارع حصلت امور لم تكن متوقعة مثل لقاء وزير الخارجية الامريكي جون كيري مع نظيره الايراني محمد جواد ظريف، عقد هذا الاجتماع على مستوى وزراء الخارجية بين إيران والقوى العالمية الست، ومن ثم تبع هذا اللقاء اتصال هاتفي بين الرئيس باراك اوباما والرئيس حسن روحاني، وهذا التطور بدون شك يعد اختراقا مهما ويعتبر الاول منذ اربعة وثلاثين سنة اي منذ بدء الثورة الايرانية في 1979.
هذه التطورات ان دلت على شيء انما تدل على ان الطرفين جادين في التوصل الى حل ينهي حالة الاحتقان والتشنج والتهديدات بالحرب وعدم الاستقرار في المنطقة التي كانت تعيش على وقع دق طبول الحرب من قبل امريكا واسرائيل وايرن، فهذا  التغيير في الموقف الايراني ببدء انتهاج سياسة منفتحة يشكل بداية بناءة ومهمة للمنطقة العربية، وخاصة دول الخليج التي كانت خائفة من حصول هذه الحرب لما لها من تداعيات ومضاعفات عليها. 
 ولكن ما ان بدأ الرئيس حسن روحاني في عرض اعتداله على الغرب واستعداده للحوار حول الملف النووي الايراني بدأ التشكيك بنواياه وخاصة من قبل اسرائيل التي تبدو منزعجة وقلقة من التقارب الايراني الامريكي، وهي التي لعبت دورا مهما ومحرضا على ضرب ايران وتشديد الخناق عليها، وستحاول اسرائيل الضغط على الولايات المتحدة والدول الغربية من اجل عدم تصديق الموقف الايراني، وستعمل اسرائيل جاهدة الى تخريب وبث المخاوف من هذا  التقارب. 
 كذلك عبرت  بعض الدول العربية عن شكوكها حيال الموقف الايراني التي فوجئت به، ومن غير شك ان التقارب الايراني الامريكي يزعج الدول العربية وخاصة الخليجية التي قد تشعر انها خًذلت من قبل امريكا، ومن المعروف أن أمريكا لا يهمها سوى مصالحها ومصالح حليفتها اسرائيل وخاصة في الملف النووي وليس خوفا على هذه الدول، ولم تكن الدول العربية سوى اداة لتحقيق مصالح امريكا في المنطقة.
 من غير شك ان الدعم العربي الذي يُقدم للمعارضة السورية هدفه اسقاط نظام الاسد وبالتالي اسقاط الورقة السورية من ايدي ايران، ولكن هذا الدعم قد يتغير بتغير قواعد اللعبة وخاصة بعد التقارب الايراني الامريكي وصدور قرار بمجلس الامن حول تدمير الاسلحة الكيماوية السورية مقابل عدم دعم المعارضة السورية، ومن الممكن ان تضغط  واشنطن على الدول العربية من اجل عدم دعم المعارضة المسلحة، لان تحقيق مصالح الدول الكبرى اهم من نشر الديمقراطية التي تأتي في اخر اهتماماتها.  
 يبدو ان الدول العربية التي تدعم المعارضة السورية ليس لها اي استراتيجية في هذا البلد، لانه لا احد لديه تصور كيف ستنتهي الازمة السورية ومن سينتصر فيها، النظام ام المعارضة بقيادة الجيش الحر ام الجماعات المتشددة التي تريد اقامة امارتها الاسلامية على الارض السورية، ومن غير شك ان الاطراف العربية الداعمة للمعارضة ستكون الخاسر الاكبر، لان الدول الكبرى كروسيا وامريكا ومعهم ايران لن يسمحوا بأي تغييرات تضر بمصالحهم غير ابهين بالمصالح العربية، وحتى بمصالح الشعب السوري نفسه. 
وهنا تساؤل ما هو وضع العرب من هذه الصفقات التي تحصل بين ايران والولايات المتحدة في مسألة النووي الايراني الذي كان يشكل الفزاعة الكبرى، وماذا لو اتفقت الولايات المتحدة مع ايران حول سوريا وبموافقة روسية، يبدو ان كل هذه الامور تحصل دون ان يكون للعرب اي دور لانهم فقدوا اي تأثير في السياسة الدولية، وحتى عدم مقدرتهم على حل قضاياهم الخاصة التي اصبحت لا تحل الا بتدخل القوى الخارجية. 
 في حال سارت الامور كما يجب بدون معوقات في مسألة تدمير السلاح الكيماوي السوري وخاصة انه صدر قرار من الامم المتحدة بتوافق جميع اطراف، وفتحت ايران منشأتها النويية للمفتشين وجرى التأكد من سلمية المفاعلات النويية الايرانية، فماذا عن الترسانة النووية الاسرائيلية التي تهدد امن المنطقة وخاصة أمن الدول العربية التي لحد الان لم تنجح بطرح  قضية خطر هذه الترسانة امام العالم، وماذا عن السلام مع الفلسطينيين، وهل ستلتزم اسرائيل باقامة الدولة الفلسطينية ام ستبقى استثناء في المنطقة.

كاتب فلسطيني
ielcheikh48@gmail.com

آمال عوّاد رضوان قامةٌ أدبيّةٌ باسقة/ نزيه حسون

في مِحرابها الشّعريّ، لا تستطيعُ إلّا أن تُصلّي بخشوعٍ.. وفي رحاب كلماتِها المُجنّحة، لا يمكنك إلّا أن تضيءَ شمعةً، وتَخرجَ بخطى وئيدةً، كي لا تخدُشَ الجَمالَ، أو تمَسَّ ملائكيّةَ الصُّور..
هذا العالمُ الشّاعريُّ المُتوهّجُ يَسرقُكَ، منذ اللّحظةِ الأولى الّتي تقتربُ فيها نحوَهُ.. ويجعلُكَ تتداخلُ فيهِ تداخُلًا عضويًّا، كأنّكَ جزءٌ مِن هذا العالم الشّعريّ الشفيف، الذي تَسكبُهُ آمال عوّاد رضوان بحروفِها النديّة على أديم الورق، ليتسرّبَ بسرعةِ العطرِ المتطايرِ إلى قلب المتلقّي، لا سيّما إذا كان المتلقّي شاعرًا، يثملُ مِن خمرِ الكلمةِ ونبيذِ الفِكرة. 
هذا هو الشعور الّذي انتابَني بعدَ قراءةِ ديوانِها الأخير، وقد تأتي شهادتنا في شِعر آمال مجروحةً، لاسيّما أنّها صديقةٌ عزيزةٌ، وجذوةٌ إنسانيّةٌ تتوهّجُ بالنُّبل والعطاء، ولكن للحقيقةِ الجافّة والموضوعيّةِ المُطلقة، فإنّ حُكمَنا هذا هو على ما تكتبُ وما تُبدعُ آمال عوّاد رضوان، ولعلّ نزعةَ العطاءِ ونزعةَ الإنسانيّةِ الّتي تتميّزُ بها آمال عوّاد رضوان، قد تكونُ المُكمّلُ الطبعيّ لشِعرِها الإنسانيّ الرقيق الشفيفِ. 
الشاعرُ الحقيقيُّ إنّما تكونُ أشعارُهُ مرآةً لخبايا نفسِهِ.. وهُويّةً صادقةً لمكنوناتِ روحِهِ.. وهذا الأمرُ إنّما ينطبقُ عميقًا على شخصيّةِ الشاعرة آمال عوّاد رضوان، وعلى حيثيّاتِ روحِها السامية، وليسَ هنالكَ أجملُ مِنَ الشاعر الصّادق.... 
وعندما سُئلتْ في إحدى اللقاءاتِ الّتي أُجريتْ معها، كيف يبتدئُ اليومُ طريقَه إلى الشّعر عند الشاعرة آمال عوّاد رضوان؟ كان جوابها ما يلي: بالحُبّ يبتدئُ طريقي إلى الشعر، ولمّا أزلْ أتدرّجُ على سُلّمِ مَجدِهِ السّماويّ، فالشّعرُ هو امتدادُ روحي المُتّقدةِ باليقظةِ، المُفعمةِ بالحُلم! الشعرُ هو عشقي المُمجِّدِ لحياةٍ أنا جديرة بها، وهي جديرةٌ بي وباستحقاق، بشتّى طعومِها الحلوةِ والمُرّةِ والمُغايرةِ بمَذاقاتِها، في ظِلِّ الصعوباتِ الكثيفةِ والمُتناقضات العنيفةِ. 
الشعرُ هو برفير يُسربلُني الحياةَ، ويَطأ الموتَ والآلامَ والأحزانَ بلغةِ انعتاقِهِ مِنَ الجُمودِ، حينَ يتوشّحُ صلاةً تتناهى إليها كلُّ الحروفِ الشّفّافةِ، وشتّى الكلماتِ مُتراميةِ الهندسةِ والإتقان. الشعرُ هو الحُبُّ الّذي يتفتّقُ نورًا يَرِقُّ بتصويرِهِ، ويَشِفُّ ببلاغتِهِ، فتسمو النفوسُ إليهِ وتحنو بهِ، الشعر هو أسمى النِّعَمِ الربّانيّةِ، وأقدسُ أسرارِها التي تُعزّزُ اتّحادَ الإنسانِ بالحياةِ الكريمةِ، والإنسانِ بالإنسانِ وبالوجودِ، وفقط بالحبِّ نتمكّنُ مِنَ المعرفةِ والتمييزِ والتكهُّنِ والاعترافِ، فالشعرُ اختراقٌ للنواميسِ المألوفةِ، والأعباءِ الثقيلة، والكوابيسِ المُلازِمة. 
ولعلَّ الجوابَ هذا هو خيرُ ترجَمةٍ لحقيقةِ وإنسانيّةِ شاعرتنا آمال عوّاد رضوان، فلا انفصالَ بينَ كيانِها وشخصيّتِها، وبين ما يَسكبُهُ قلمُها.
وكما قالت آمال: "الشّعرُ هو امتدادُ روحي المُتّقدةِ باليقظةِ، المُفعمةِ بالحُلم"! 
الحقيقة الّتي أعترفُ بها دائمًا، أنّني لستُ بناقدٍ لكي أخوضَ غمارَ أعمال آمال عوّاد رضوان، مُحَلِّلًا نصوصَها بشكلٍ نقديٍّ أكاديميّ، بل أترك ذلك الأمرَ للنّقّاد، ولكنّي كشاعرٍ يَملكُ ذائقةً شعريّةً وأدبيّة، أعترفُ أنّني كلّما قرأتُ مِن أشعار آمال عوّاد رضوان، كلّما ازددتُ جوعًا إليها، فهي تنقلُني وبسرعةِ البرق إلى عالمٍ شاعريٍّ حالِم، أدخلُهُ بشوقٍ جارحٍ. 
وبالتالي، تبقى آمال عوّاد رضوان قامةً شعريّةً باسقةً، تُعرِّشُ يانعةً في سماءِ المَشهدِ الأدبيّ، ودائمًا نتمنّى لها المزيدَ مِنَ التوهّجِ والإبداع.

القلب الشجاع/ محمـد محمد على جنيدي

وماتت الأسود وهي تزود عن صغارها وشرف القبيلة، وأعلنت الذئاب الانتصار في مشهد الكيد والمكر والخزي والعار، وصرخت السماء برعدها وبرقها، واحتل الخوف قلوب الكبار والصغار إلا بضعة أشبال أبت الاستسلام وقبول الهزيمة، وبالرغم من ضعفها وقلتها ونحافة أبدانها لكنها تمتلك هذا القلب الشجاع قلب الأسد الذي يضخ دماء العزة والإرادة في شراينهم، ويجعلهم يحرصون على الموت في كرامة وكبرياء على حياة العبيد والأسرى، وما يزال النزال قائما يزلزل الأرض من تحت أقدام الغزاة، ويكشف النقاب عن خوارق الروح في مواجهة خديعة وغطرسة أعدائها، فهل يخرج الفجر مبتسما لهذه الأشبال لتعود للقبيلة كرامتها وعزتها وأمنها المغتصب أم بات لهم مع الله فجر جديد لا يلقون بعده ظلما أبدا.


دمعة وفاء لروح معلمي واستاذي محمد خالد اغبارية في ذكراه/ شاكر فريد حسن

تطل في هذه الأيام الذكرى السنوية الأولى لوفاة معلمي واستاذي، فقيد العلم والتربية ، محمد خالد اغبارية (أبو خالد) ، إبن قريتنا الحبيبة "مصمص" ، الذي غادر دنيانا الفانية الى الدار الباقية بعد ان غرس في نفوسنا قبساً من علمه وروحه .
لقد اعتصرنا الحزن والأسى حين رحل وترجل عن صهوة الحياة ، ونحن ندرك كم هو صعب الفراق، وكم قاسٍ الرحيل ، بعد ان صارع وقاوم المرض اللعين ، فصبر ولم يتألم أو يتضجر . ولم يكن أمامنا في لحظات الوداع سوى القول :" إنا للـه وإنا اليه راجعون، وان القلب ليحزن وان العين لتدمع وإنا على فراقك يا أبا خالد لمحزونون ".
عرفناك، أيها الراحل العزيز انساناً اجتماعياً ، وناشطاً سياسياً ، ورجلاً معطاءً خدم أهله ومجتمعه بكل الحب والإخلاص ، مشاركاً الناس افراحهم واعراسهم واحزانهم . وعرفناك مربياً للاجيال ، ومديراً لمدرسة مصمص الابتدائية ، مكملاً درب سلفك المربي الفاضل خليل يوسف أبو زينة (أبو لؤي) ، الذي نكن له الاحترام والتقدير في افئدتنا .  فلم تتوان يوماً عن القيام بمسؤولياتك الجسام في المدرسة ، وأضأت طريقنا ، طريق الخير والعطاء والاصلاح ، طريق العلم والنور والمعرفة ، وزرعت قلبك في مدرستك فنما حباً في قلوب طلابك وزملائك من المعلمين والمدرسين .
آمنت بالفرج بعد الضيق والشدة، وبالمطر وراء السحاب ، وصغت أنهار فرح ، وجداول أمل ، وبحاراً تتدفق عشقاً لوطنك وبلدك . اجتمعت في شخصيتك الرقة والصلابة ، القسوة والطيبة ، العناد والدماثة ،  فكنت متسامحاً ، عطوفاً ، حنوناً ، قريباً من القلب رغم قساوتك وتطاير الشرار من عينيك ..!
تلونت بالارادة والحق ، العزم والعزيمة ، الصبر والثبات ، وعهدناك محباً للحياة ، عاشقاً لها حتى الثمالة .
مشيت في رحلة حياة وعطاء شائكة وشائقة ، تقدم عصارة فكرك ، ودفق مشاعرك ، وذوب روحك لطلابك ومدرستك ، ونطقت من كلمات بقدر ما ادخلت البهجة والسرور في النفوس .
لن ننساك أبداً يا أبا خالد ، ولن ترحل من قلوبنا وافئدتنا بذكراك العطرة .وإذا كان الموت ابعدك عنا جسداً لكنه لا يستطيع أن ينزع منا الذكريات الطيبة التي تبلورت وترسخت في نفوسنا على مر السنين من خلال تعاملنا معك ، معلماً ومربياً ومديراً وانساناً في هذا البلد الطيب .
رحمك اللـه وسقى قبرك هواطل الرحمة والرضوان . ونم قرير العين ، وطاب ثراك، وأسكنك الجنة في أعلى مراتبه .



ياسمين آذار المخضب بالدم: الحلقة 53/ محمد فاروق الإمام

زوجة طلاس والشيخ أحمد عبد الجواد
يقول طلاس: في أوائل شهر شباط (فبراير) من العام 1984م اتصلت زوجتي لمياء الجابري (أم فراس) بالشيخ أحمد عبد الجوّاد وطلبت منه أن يأتي إلى سورية وكان جوابه: إنّني الآن في المدينة المنورة وأمامي المدفأة الكهربائية ولا أقوى على برد الشام في شهر شباط، فقالت له أم فراس: إذاً على خاطرك وفوجئنا في اليوم التالي به يطرق الباب مع الشيخ محمد الهندي، وبعد أن رحّبت بمقدمه وقلت له من الذي أتى بك الينا؟ أجاب اسأل زوجتك أم فراس، فقلت: أريد أن أسمع منك، فقال بعد هاتف أم فراس توجّهت إلى مسجد الرسول وبدأت بالصلاة وتلاوة القرآن حتى غلبني النّعاس فنمت في الروضة الطاهرة (ورأيت حلماً دفعني إلى المجيء إلى الشام) وأمام هذا الحدث اتصلت بشركة الطيران السعودية وغادرت المدينة المنورة على أول طائرة متوجّهة إلى دمشق وها أنا ذا بينكم.
بعد أن شربنا القهوة قال لي: إنّني مكلّف (...) في مكان مرتفع في دمشق على مدى ثلاثة أيام ونقوم سويّة بالدّعاء بأن يحفظ الله البلد والقائد حافظ الأسد، وأجبته: حبّاً وكرامة، ورجاني أن نستخدم سيارة الشيخ محمد الهندي لأنّها متواضعة ولا يجوز أن نتقرب إلى الله ونحن نركب أفضل السيارات وأجبته لا مانع لديّ مطلقاً، وصعدنا الثلاثة إلى جبل قاسيون وصلّينا قرب (نصب الجندي المجهول) وقمنا بالدّعاء حسب الأصول.
في اليوم الثاني طلب منّي أنْ نصلّي في أعلى مكان في دمشق قرب شارة التلفزيون على جبل قاسيون وتوجّهنا إلى هناك وكنت أجلس إلى جانب السائق وتعرّف عليّ قائد الحرس، وهو من عناصر سرايا الدفاع، وفتح لنا الحاجز بعد أن أدى التحية العسكرية وقمنا بالصلاة والدّعاء إلى الله بأن يحفظ البلد وقائدها الأسد، وشعرت وأنا أصلّي بوجود حركة غير طبيعية في الموقع فالدبابات خارجة من مخابئها وسدنة الدبابات يقومون بتنظيف الذخيرة ومسح المدافع وتنظيفها، من أعمال الصيانة وقلت في نفسي ربّما تصادف مجيئنا مع يوم المرآب في سرايا الدفاع.
في اليوم الثالث قال الشيخ أحمد لسنا بحاجة لكي نصلّي في مكان مرتفع ويمكننا أن نصلي في حديقة المنـزل، وهبطنا مع سجادات الصلاة إلى الحديقة وصلّينا وتوجهنا إلى الله بالدعاء نفسه.
وإنّني أعترف للقارئ بأنني أكبرتُ في هذا الرجل محبته للقائد الأسد دون أن يراه أو يقابله شخصيا.ً
وقد حدثت هذه الواقعة في أوائل شهر شباط (فبراير) 1984م، وقبل أن يكتشف أحد باستثناء السيد الرئيس نوايا العميد رفعت في عزمه على كشف أوراقه بشكل مبكر وقد بقي الشيخ أحمد في سورية حتى انفرجت الأزمة وسافر العميد رفعت إلى روسيا (علمت بعد انتهاء الأزمة بأن الرقيب أول رئيس الحرس الذي فتح لنا الحاجز على قمة جبل قاسيون عاقبه العميد رفعت عشرين يوماً في سجن الوحدة.
كان الرئيس الأسد أحرص مني على نفسي وقال لي في بداية الأزمة: ليس من الضروري أن تنام كل يوم في مكتبك، بل يمكن أن تناور وتبيت كل يوم في أحد مكاتب القيادة العامة وتعلمني عن رقم هاتف المكتب، وكان جوابي: إنني مصمم على المبيت في مكتبي مهما كانت النتائج وحتى أعطي مثلاً للآخرين بأنّ القائد يموت دفاعاً عن وطنه حتى ولو كان في مكتبه، فقال: إذا كان هذا رأيك فأنا موافق لأنّه من الضروري أن تترك أمثولات ومآثر للتاريخ.
وفي 12 آذار (مارس) 1984م كنت نائماً في مكتبي وإذا بي أسمع بعد منتصف الليل جلجلة كبيرة في ساحة الأمويين وقدّرت أنّه يوجد في الساحة نحو ألف رجل يرقصون رقصة الحرب وكان على رأسهم الشيخ الجليل أحمد الرفاعي كانت سيوف الجنود تلامس الأرض إلاّ قليلاً وكانت الرماح تتطاول حتى لتنوف على شرفة مبنى القيادة العامة وكانت الأيدي تمسك بالأيدي والأكتاف متراصّة كأنّها بنيان مرصوص وقائد الدبكة الحربية يقول بصوت جهوري يشق عنان السماء.
أمام الحضرة سلطانها القوي، قال لي الشيخ عربي قباني (رحمه الله): إننا نتناقل هذا النشيد في المدائح النبوية ونقول: سلطانها الغيبي فأجبته هذا ما سمعته من الشيخ أحمد الرفاعي دونما تحريف أو تصحيف.
وعندما يصل الشيخ أحمد الرفاعي إلى كلمة (سلطانها القوي) تهوي ألف قدم على الأرض فترتج ساحة بني أمية وكأنّ زلزالاً ضربها.
استيقظت من نومي وأطليت من النافذة فلم أجد شيئاً وخرجت إلى الشرفة ومعي مرافقي المساعد سيف الدين سعدة فلم أجد شيئاً وعدتُّ إلى النوم من جديد وما هي إلاّ نصف ساعة حتى عاودني المنام ونهضتُّ من السرير وكرّرت المحاولة ولم أجد شيئاً وهكذا حصل معي في الرؤيا الثالثة وسجلت تاريخ الليلة على مفكرة المكتب، وبعد انتهاء الأزمة اعترف النقيب مالك مصطفى من سرايا الدفاع بأنَّ العميد رفعت الأسد أمره ثلاث مرات بأن يطلق قذيفة مدفعيّة محمولة من طراز (غفوزديكا) على مكتبي وبعد خمس دقائق كان يأتيه أمر معاكس بأن ينـزع القذيفة، وهكذا كانت العناية الإلهية تحرس مبنى القيادة العامة.
يتبع

عشرون عاماً على اتفاق اوسلو/ شاكر فريد حسن

مضى عشرون عاماً على اتفاق اوسلو المشؤوم بين منظمة التحرير الفلسطينية  وبين اسرائيل ، تحت الرعاية الامريكية ، الذي وقعه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ، ورئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين ، الذي تم اغتياله وتصفيته بسبب ذلك . وهذا الإتفاق اتاح  للكثير من القيادات والكوادر الفلسطينية في الخارج ، وخصوصاً قيادات حركة "فتح" ، وعدد من قيادات الفصائل الاخرى المنضوية تحت لواء منظمة التحرير، العودة الى ارض الوطن في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967.
 وقد شكل هذا الاتفاق انعطافة مفصلية تاريخية، ونقطة تحول في مسار القضية الفلسطينية،وتاريخ النضال الفلسطيني وحركة التحرر الوطني الفلسطيني، وأثار الكثير من الأسئلة وردود الفعل العديدة ، وظل حتى يومنا هذا،  موضع خلاف في الشارع السياسي الفلسطيني، وبين عدد من القوى الفصائلية الفلسطينية اليسارية ، التي عارضته جملة وتفصيلاً، ورأت فيه اتفاقاً منقوصاً لا يحقق المطالب الفلسطينية العادلة ، واعتبرته تفريطاً  وتنازلاً عن الثوابت الفلسطينية التي نصت عليها قرارات المجالس الوطنية الفلسطينية .
وفي المقابل كانت هناك أحلام وآمال عريضة لدى قطاع واسع من ابناء شعبنا الفلسطيني ، الذين رأوا فيه بارقة امل توصلهم الى نهاية النفق المظلم ، لكن هذه الاحلام والآمال تبخرت كفقاعات الماء ، وغدت اوهاماً بعد مرور عشرين عاماً على هذا الاتفاق ، الذي لم يجن منه الشعب الفلسطيني سوى الاحباط وخيبة الامل . ويمكننا القول ، ان اتفاق اوسلو أحدث ضرراً فادحاً وجسيماً وبالغاً لشعبنا وقضيته الوطنية ولحركة تحرره الوطني ، وعمق الشرخ في الجسد الفلسطيني ، وان آثاره وتبعياته تهيمن على الواقع السياسي والراهن الفسطيني . انه بمثابة تراجيديا يعيش فصولها ابناء شعبنا المعذب والمحاصر ، الذي يئن الماً ،ويتضور جوعاً ومعاناة نفسية يومية ، ولم يكن امامه مناص سوى التعاطي مع اتفاق اوسلو والتسليم به ومسايرته . 
ان صورة الحال السياسي الفلسطيني بعد مرور عشرين عاماً على اوسلو تبدو سوداوية وحالكة ، فالمشروع الوطني الفلسطيني تراجع عقوداً الى الوراء ، والسلطة الفلسطينية مجرد فضاء محدود يقع تحت سيطرة الاحتلال الاسرائيلي ، والمناطق الفلسطينية مقطعة الأوصال بالحواجز العسكرية ومحاطة بجدار الفصل العنصري ، والاستيطان يستفحل ويتضاعف ويبتلع المزيد من الاراضي الفلسطينية ، والاغتيالات الوحشية متواصلة ، وحصار غزة متواصل ، وسياسة هدم البيوت واقتلاع الاشجار وتدمير الزراعة الفلسطينية مستمرة ، علاوة على الزج بالمناضلين والنشطاء الفلسطينيين في غياهب السجون والمعتقلات والزنازين الاحتلالية . والأنكى من كل ذلك الانقسام المدمر على الساحة الفلسطينية ، الذي افرزته واحدثته اتفاقات اوسلو .
 ان اتفاق اوسلو لم يكن سوى اتفاقاً كارثياً لم يحقق النتائج المرجوة ، وبعد عشرين عاماٌ على ابرامه لا بريق أمل في الأفق باتجاه تغيير الحال الفلسطيني وانهاء الاحتلال البغيض واقامة الدولة الفلسطينية الكاملة السيادة ،وذلك بسبب سياسة الرفض والماطلة والتسويف  والتنكر للحق الفلسطيني المشروع ،التي تتبعها حكومات اسرائيل المتعاقبة ، المجافية والمناهضة لما انجزه الطرفان الفلسطيني والاسرائيلي وتوصلوا اليه في اوسلو . وبدون أدنى شك ان المفاوضات الجارية الآن ، التي تجددت بعد ثلاث سنوات من توقفها وتعثرها ،وذلك بفعل الضغوطات الامريكية والرسائل التي حملها كيري ، هي مفاوضات عبثية ، وتراوح مكانها،  ولا أمل فيها . 
المطلوب فلسطينيا في هذه المرحلة الدقيقة والخطيرة هولفظ اوسلو ، وتجاوز الخلافات ، وانهاء حالة الانقسام ، وتحقيق المصالحة الوطنية الجادة وفق اتفاق وطني يصون ويحمي المشروع الوطني الفلسطيني ، الذي يلبي طموحات شعبنا في الحرية والاستقلال الوطني ، وتغليب المصلحة الوطنية العليا على المصلحة الفئوية  الضيقة ، بتعميق الوحدة الوطنية الوطنية الفلسطينية لمواجهة الاخطار والتحديات ، التي تهدد شعبنا وقضيته الوطنية .

صنــاعـة وإدارة الأزمــات..رؤيـة تحـليليـة في المـصالـح الإستـراتـيجيـة الـروسيـة!/ محمد الياسين

موسكو تهدف إلى إرغام واشنطن على القبول بها كشريك في إدارة العالم!
يتعاظم النفوذ الروسي بسبب إستمرار الأزمة السورية وتصديرُ تداعياتها إلى دول المنطقة !
المخابرات الروسية تُسهل مهمة ذهاب المقاتلين الشيشان إلى المحرقة السورية!
لموسكو مصالح إستراتيجية عميقة في إستمرار الأزمة السورية وتصديرُ تداعياتها إلى دول الجوار، بهدفِ خلقِ أزمات إقليمية جديدة ، وفي نفس الوقت تجد ضرورة بإنجاح مبادرتها التي اطلقتها لحل أزمة الكيماوي       " المفتعلة" في سوريا! .
فمنذ إنهيار الإتحاد السوفيتي انكفأت روسيا على نفسها وتراجع نفوذها الذي كانت تتمتع به في السابق ، على الرغمِ  من سعي القادة الروس للعودةِ ببلادهم إلى مركز صناعة القرار وإدارة الأزمات ، وذلك لا يتمُ إلا من خلال أن يكون لموسكو نفوذٍ مؤثرٍ بالقضايا الرئيسية في الشرق الأوسط  ، (عملية السلام وإقامة الدولة الفلسطينية ، الملف النووي الإيراني ، مكافحة الارهاب ، نشر الديمقراطية ) ، تلك هي خلاصة المواضيع الرئيسة التي ترسم ملامح الخارطة الجيوسياسية للمنطقة ، وتخلفُ موسكو في لعب دور فعال في تلك القضايا بسبب السيطرة التي تفرضها كلا من الولايات المتحدة الأميركية والغرب على تلك الملفات وإدراتها وصناعة القرارات الخاصة بها من خلال مجلس الامن والأمم المتحدة والمحافل الدولية الآخرى. 
فكان لا بد لروسيا الطامحة إلى لعب دور أكبر في الشرق الأوسط  ، أن تجد مساحة لها من خلال البحث عن أزمات جديدة من اجل ان تلعب دورا رئيسا فيها ، وبالتالي يتعاظم نفوذها إقليميا ودوليا ، ثم تتقاسم مع واشنطن والغرب جزءا من إدارة ملفات المنطقة والتي تؤهلها بأن تعود إلى موقع الصدارة في صناعة القرار الدولي.  
 وضحت الصورة آخيرا! ، بعد ان وجدت روسيا في تداعيات الازمة السورية ممراً يأخذها إلى واجهة العالم من جديد بصناعة القرار وإدارة الأزمات ، حيث بدأ النفوذ الروسي يتعاظم يوم بعد آخر على المستويين الإقليمي والدولي، خاصة بعد المبادرة التي اطلقتها بشأن وضع الترسانة الكيماوية السورية تحت إدارة وإشراف دولي ، والإتفاق الأميركي الروسي المشترك بذاك الخصوص . 
حري بالذكر وفق تلك القراءة التحليلية  أن روسيا تعمل على إطالة أمد الازمة السورية وتصدير تداعياتها إلى دول آخرى بالمنطقة من اجل الدخول كلاعب إقليمي ووسيط دولي على خط الأزمات التي تعصف بالدول العربية !  ، من جهة آخرى تسعى إلى إنجاح مبادرتها بشأن الكيماوي ، لحين التوصل إلى إتفاق مشترك مع واشنطن يقضي بتقاسم النفوذ الإقليمي معها ، فتتخلص عند ذلك ، وفق سيناريو معين ، من حليفها السوري بشار الأسد ، وهي قد هيأت لذلك الموقف مقدما عندما أعلن كبير موظفي الرئاسة الروسية " الكرملين " سيرغي إيفانوف  ان بلاده ستتخلى عن الاسد في حال شعرت أنه "يُخادع" بشأن ترسانته الكيماوية ! .
تتلخص مصالح روسيا الإستراتيجية في تداعيات الازمة السورية بالوقت الراهن بأمرين أساسين ، الأول هو تخلص روسيا من عبئ المقاتلين الشيشان بذهابهم إلى المحرقة في سوريا ، والأمر الثاني وهو الهدف الذي تسعى إليه موسكو منذ زمن طويل ، تحقيق مكاسب سياسية إقليمية تُعيد الدب الروسي كلاعب مؤثر في الساحة الدولية ، وقطبا متساويا مع العملاق الاميركي في إدارة العالم، وتقاسم نفوذه.
بنهاية المطاف ، تهدفُ السياسة الروسية إلى إرغام الولايات المتحدة على القبول بروسيا كشريك أساسي ولاعب حقيقي في القضايا الرئيسية للشرق الأوسط .
وقد نشهدُ وفق ذلك السيناريو، عودة المعسكر الشرقي بقيادة روسية ، ما سيؤدي بطبيعة الحال إلى عسكرة المنطقة والعودة بها إلى عهد المعسكرات والتبعية للمحور الشرقي أو الغربي!.
هذا السيناريو إن تحقق فأن الصراع الأميركي - السوفيتي السابق على مراكز صناعة القوة والتفوق الاقتصادي والنووي سيعود من جديد إلى الساحة الدولية !.

Moh.alyassin@yahoo.ca 

من جوزاف بو ملحم الى فاطمة ناعوت

الاعلامي المهجري المعروف جوزاف بو ملحم، المعجب جداً جداً بكتابات شمس مصر الشاعرة فاطمة ناعوت، أرسل لي هذه الكلمات لتطلع عليها ضيفتنا الحبيبة فقط، ولكن فضولي الاعلامي جعلني أقفز فوق تمنياته كي لا أحرم قرائي من شهادته الرائعة بكتابات شاعرة مناضلة وجب علينا تكريمها كيفما جاء التكريم:

 صباح الخير يا صديقي شربل بعيني
 هذه الكلمات ليست للنشر 

المقصود منها صاحبتها، 
هذه الفاطمة الممتازة، 
شمس الأقصر، 
وردة النيل،
ومَسلًّة الكنانة.
كم يطيب لي أن أقول لها بوركت يداك يا قلم الحق والجرأة والاستقامة.
لقد قرأت بعض آخر مقالاتها هذا الليل وزاد كبر قلبي بها.
هي دائماَ مقدامة ومقنعة وشرسة في الدفاع عن مبادئها وقناعاتها والناس المستضعفين.
وجدت عنوانها البريدي في ذيل احدى المقالات لكني آثرت ان تمر هذه الكلمات عبرك فلولاك لما كنت تجاسرت على ابداء هذا الاهتمام.
إني أشد على يدها متمنياَ أن لا تثنيها مسألة إدراج اسمها على لائحة الإخوان، عن المثابرة في عملها وكتاباتها ونضالها الرسولي من أجل مستقبل أفضل لشعبها وشعوبنا.
وأراني أستعير جوابها في الرد على الإدراج حيث استشهدت في مقابلة تلفزيونية بقول للمتنبي:
اذا أتتك مذمتي من ناقص
فهي الشهادة لي باني كامل
وإني أضيف:
واذا وضعكِ على لائحة القتل قليلون تخجل البشرية منهم، فهذا دليل أكيد ان باقي البشرية توافقك الرأي، وتعتز بمواقفك، وتفاخر بكتاباتك.
واذا انتقدك الضعفاء فمعناه أنكِ قوية.
وإذا هاجمكِ  قوم ظلاميون مجرمون فهذا معناه أنكِ مستقيمة الرأي، 
ناصعة السيرة، 
شريفة الانتماء،
 نورانية الأداء،
وأصيلة الوطنية
 الى الأمام يا فاطمة ناعوت
فشمس الحرية في شرقنا تنبثق من بين أصابعك والكلمات التي تكتبين.
**
وبعد ساعة واحدة من نشر هذا المقال وصلتني هذه الكلمات الرائعة من "وردة النيل" السيدة فاطمة ناعوت رداً على ما كتبه جوزاف، ليكتمل الجمال بالجمال، والحب بالحب، والكلمة بالكلمة، وإليكم ما كتبت:
يا إلهي!
أنّى من عينيّ هاتيك الكلمات الوازنات خطّها قلمٌ رشيق وازنٌ هو قلم جوزاف بو ملحم، الأديب الكبير!
كلمات أتيهُ بها خيلاءً وفرحًا،
لتخبرني بأن خلف الجبال البعيدة،
ومن وراء المحيطات والبحار والجُزر،
ثمة عيونًا ذكية تقرأ أفكارك،
وأياديَ بيضاء طيبات
تشدّ على يديكِ الضعيفتين
أيتها البنت المصرية التي تحاربُ مصاصي دماء،
وهي عزلاء إلا من قلمها.
عيونٌ وأياد لا تعرف إلا شرف الوطن وشرف الكلمة وشرف القلم.
كل الشكر لك أيها الغالي جوزاف بو ملحم،
والشكر موصول لك أيها العزيز شربل بعيني أن سمحت لي بدخول دائرة النور التي تقف على بابها.

فاطمة ناعوت
سيدني/ ٢٣ سبتمبر ٢٠١٣ 


حسن العلوي ليس قومياً / أسعد البصري

حسن العلوي قومي ؟ كيف ؟ 

لم يخدم كاتب المشروع الصفوي الإيراني الحالي في العراق كما خدمه حسن العلوي ، هل نسيتم كتابه " الشيعة والدولة القومية في العراق " الذي احتفت به الحوزات الشيعية والأحزاب الصفوية إلى درجة توزيعه على الناس ؟ . هل نسيتم كتابه " العراق دولة المنظمة السرية " بينما المنظمة السرية الباطنية الحقيقية هي حزب الدعوة والحلف الصفوي الغامض وليس البعث . 

لا شيء باطني و سري في البعث بينما حزب الدعوة الذي يحكم العراق لا نعرف ما هو أصلا لأنه منظمة سرية . كيف يصبح آية الله محمود الشاهرودي مرجع حزب الدعوة رئيساً للقضاء في إيران و عضو تشخيص مصلحة النظام الإيراني و لجنة صيانة الدستور الإيراني ؟ . كيف يصبح مفكر حزب الدعوة و قائده الشيخ محمد مهدي الآصفي ممثلا رسميا للخامنائي في النجف و داعيا لولاية الفقيه ؟ . 

هذه هي المنظمة السرية الصفوية المعقدة وليس حزب البعث . حسن العلوي أول من دعا منذ ثمانينات القرن الماضي إلى تغيير المدرسة في العراق والسيطرة الصفوية على التعليم العالي العراقي . وحسن العلوي أول من دعا إلى تفكيك الجيش العراقي و تقويض الدولة العراقية لأنها تأسيس عثماني معادي للشيعة برأيه . حتى فكرة الصحوات المعيبة في الانبار والموصل مهندسها حسن العلوي بنظرية " الضد النوعي " الشهيرة .

حسن العلوي أول من بشر بعراق تقوده الروح النجفية ، الحوزة و مراجع إيران منذ زمن بعيد . و هو أول من نسب ثورة العشرين للشيعة والعمالة للإنكليز للسنة وطالب بعمالة شيعية للأمريكان و مقاومة حزينة غبية للسنة لغرض الإنتقام . 

حتى فكرة الإعتماد على خزان بشري شيعي غوغائي في العراق للمشروع الصفوي أصلها حسن العلوي . غير أنه فكر بنقل العاصمة من بغداد إلى الديوانية لكثافتها البشرية لكن الكثافة والغوغاء متوفرون أكثر في مدينة الصدر ، ويمكن تبني مشروع تهجير كبير واسع للسنة من بغداد بواسطة ميليشيات مدينة الصدر . وهذا لم يدر بخلد حسن العلوي ثمانينات القرن الماضي . 

حسن العلوي أول من كسب الكويت بنصيحة تقول إن العراق يهدد أمن الكويت مادام الحكم سني لكن الشيعة لو حكموا لن يفكروا بضم المزيد من العرب السنة إلى البصرة بل سيفكرون بتهجير السنة من البصرة الغنية والجنوب عموما. قال للكويتيين الحدود المذهبية أفضل لكم لو حكم الشيعة .

حسن العلوي كتب ( عمر والتشيع ) وهو كتاب سخيف لقبض النقود من السعودية فقط للضحك . لكنه ليس قومياً ومن يعتقد ذلك لا يفهم شيئا عن الحكاية كلها . مشكلتنا مع الذين ينظرون بطريقة واثقة دون أن يكون فكرهم يستحق الثقة . قبل أن تعرف حسن العلوي لا تتحدث عنه .
العراق الطائفي المظلم الذي نعيشه اليوم كلن مجرد أفكار و أحلام في كتابات حسن العلوي قبل ثلاثين عاما 

شاعرة رعوية فطرية من الناصرية أم عباقرة مدينة الصدر؟ / اسعد البصري

رسمية محيبس عاتبني ربي فيها .... شاعرة رعوية كالرياح في السهوب والبساتين . ولأنها تكتب كأعمى ، فمن أين لها بكل هذا . لقد كان النبيّ أمّيّاً وجاء بأعظم كتاب . أحيانا يجب التأني حقاً . فالفضل لمدينة الناصرية ، لهوائها و جداولها و أشباح الميتين في تاريخها 

لقد وُلِدْتُ في قرية تشبه هذه الصور التي تكتبها رسمية زاير . البعض يظن بأنني منحاز لهذه الشاعرة .... أنا منحاز لطفولتي ، و ذكرياتي ، وهذا الريف الجنوبي العجيب في قصائدها . 

طبيعة تفيض من بين السطور ، وماء قديم يهرب من بين الأصابع دون حيلة ، ولا مكر ، ولا قصد .

هؤلاء الذين ولدوا في مدن وهمية لا تاريخ لها ننصحهم الإستمرار بالحداثة ، والغموض ، والكلام الكثير . يعتقدون بأن الكتب تسعفهم ، لقد ضحك آرثر رامبو كثيرا من شعراء الكتب . فما بالك بالكتب المترجمة في مدينة من المنبتّين ؟ . 

رسمية محيبس تخطأ بالإملاء والنحو كثيرا ، وأفكارها بسيطة ( وربما دينية و مذهبية ضيقة ) لكنها شاعرة حقيقية ماذا أفعل لكم ؟ .

الشعر طفولة ، و طبيعة ، و ذكريات غنية و تاريخ . الشعر روح الأسلاف ، و روح المكان ، و تاريخ الصوت .

عبد الزهرة زكي شاعر عالمي تقول عنه قطعان مدينة الصدر ... نحن محليون جدا ، الجنوب منحنا هذه المحلية الكونية .

أضحك حين أقرأ قصائدأحمد عبد الحسين ، و عبد الزهرة زكي ، و محمد غازي الأخرس ، و 

أحمد عبد السادة و وجيه عباس..... الخ . هههههه جفاف ، و قحط ، و فراغ ، وعقم .

لا توجد صور حقيقية تنبض بالحياة والذكريات ، كهذه الصور التي تكتبها الناصرية بيد رسمية محيبس . 

نعم رسمية التي لا تعرف القواعد ، ولا تفهم ما يقول ميشيل فوكو أشعر منكم بكثير . لأنها شاعرة من الناصرية ، وليست من مكان بلا ملامح ، ولا هوية . 

المشكلة شعراء مدينة الصدر يشعرون بهذه الحقيقة المرعبة لهذا يمدحون بعضهم و يبالغون كثيرا ( الكثرة تغلب الشعرية في العراق ) هواء في شبك . 

ليس عندكم شاعر واحد بحكم الطبيعة . ومهما سيطرتم على الإعلام ، والفضائيات ، والمؤسسات الثقافية في هذا العهد الصفوي المظلم تبقى قصيدة بسيطة كقصيدة رسمية محيبس هذه أكبر منكم جميعا . 

الناصرية العجيبة حقاً . 

المشكلة أن مدينة الصدر احتلت الثقافة العراقية اليوم باسم الشيعة ، والطائفية ، والجنوب بينما هم في الحقيقة كيان هجين ، وذاكرة مزدحمة ، و طفولة فقيرة ، و جافة لا تصلح لا للشيعة ولا للسنة . ربما تصلح لجيش المهدي .

سيسجل التاريخ بأن المسفرين الإيرانيين التبعية ونسبتهم واحد بالمئة من السكان جعلوا من مدينة الصدر خزانا بشريا لضرب الوحدة الوطنية العراقية ، والثقافة العربية في العراق .

كانوا يدا واحدة للشعوبية ، والعصابات التخريبية ، و الطائفية .

أفكار وثقافة مسمومة و هدامة تستحق الإجتثاث حقاً 

حتى لو قالوا بأنني مشعل بهذا حربا أهلية ثقافية في العراق فليكن 

أنتم بدأتم هذه الفتنة 

تقول رسمية محيبس 

" رغيفٌ واحدٌ يكفينا 
كأسُ ماءٍ واحدٍ يحفظ نضارة العشب
في برارينا القصية 
غصنٌ واحدٌ يخفينا عن الأعين المستطلعة 
قلبٌ واحدٌ كبيرٌ نحن 
ودقاته تشبه طبولَ حربٍ باردةٍ " 
...................
هذه المدينة تلتف على جذعي في الليل كأفعى 
تلحس ظلي المنساب على إسفلتها 
أصابعي المتوغلة في شجرها الآمن 
ظلامها عباءتي
نهرها ما زال يجري في روحي 
نهرها البعيد عن المدن 
القريب من القلب 
نهرها الغزال الشارد في ليالي السهاد 
أودعته قلبي
أهيم مع موجه الوادع
يتهدهد في الليل 
يا سفن ، يا مراعي ، يا بنات ، يا عشاق 
أنا النهر وهذا الواقف جسري وصراطي 
و أخي الروحي وبلسمي
كم هَدْهَدَتْ أمواجه حلمي 
كم أثارني غناءُ بحارته الهائمين 
لا أعرف ما بي هذه الليلة 
قلبي مشغول بالأغاني 
وروحي هائمةٌ في حقولٍ 
يجرحها النسيم 
وتسابقها الظلال 
بوصلتي الماء 
وهاتفي الموجة بترددها الآسر 
روحي تغني الليلة 
أغنية شجرة وحيدة
ترقص في الريح 
شجرة تحتفل بالمطر 
أصدقائي 
هذا الضباب الشفيف 
تلك النجمة الذاهلة 
ذاك المصباح الضئيل 
البعيد 
رغيفٌ واحدٌ يكفينا 
كأس ماء واحد يحفظ نضارة العشب
في برارينا القصية 
غصنٌ واحدٌ يخفينا عن الأعين المستطلعة 
قلبٌ واحدٌ كبيرٌ نحن 
ودقاته تشبه طبولَ حرب باردة

المال السياسي زينة الحياة السفلى/ جواد بولس

نشر النائب عن حزب التجمع في الكنيست الإسرائيلي، باسل غطاس، مقالًا/رسالةً وجّهها إلى قادة الجبهة والحزب الشيوعي الإسرائيلي تضمّنت تهديدًا سافرًا، بأنه، وآخرين، لم يفصح عن هويّتهم، لديهم وفرة من الأدلّة والتفاصيل عن تورّط الجبهة والحزب الشيوعي الإسرائيلي باستيرادهم ما أسماه مبالغ طائلة من المال السياسي.(انظر: "إلى قادة الجبهة والحزب الشيوعي" 12/9/2013 موقع عرب ٤٨). 
جاءت رسالة النائب غطّاس، وفقًا لما صرّح به، بعدما "تجاوزت صحيفة "الاتحاد" الحيفاوية  كل الخطوط الحمر، وطفح ردحها" في افتتاحية نشرتها يوم 1/9/2013 وتطرقت بها لانتخابات بلدية الناصرة المقبلة: "ها هي اليوم تستعد لهزيمة حصان طروادة الطافح بالدولارات واليوروهات المشبوهة، التي تفوح بأكره وأقذر روائح العمالة والتواطؤ، والملطخة بأحقر موبقات التآمر، على فلسطين وعلى مصر وعلى سوريا وعلى لبنان، وعلى الناصرة!".
 لقد انتقى الكاتب هذا الاقتباس من افتتاحية لم تأت على ذكر قوائم منافسة أخرى، ولا على ذكر حزب بعينه، بل عاهدت الصحيفة الناصرة وهذا واجبها وحقها، أن تبقى بلديتها بقيادة جبهوية وقلعة في وجه أعدائها لأن للناصرة شعبًا يحميها.
إلى ذلك، استنتج الكاتب قائلًا:
 "ولا يحتاج القارئ إلى كثير من الحصافة لكي يعرف من هو المقصود بهذا الكلام. كل هذا لأن النائبة حنين زعبي وبتأييد من التجمع الكامل قررت خوض انتخابات الرئاسة في الناصرة". 
 لقد أثارت المقالة عدة  مواضيع أريد لها أن تبقى من المحرّمات، لا تقرب ولا تمّس. "الاتحاد" تتطرّق بتعميم ضبابي مستفز لهذه المحرّمة وتعلن: "لقد هَزمت الناصرة، بسواعد أبنائها وبناتها، سياسة الخنق الحكومي في السبعينيات والثمانينيات، وهَزمت، في التسعينيات وفي العقد الماضي، فتنة التأزيم والتقسيم الطائفي"، وتستعد الآن: "لحصان طروادة الطافح بالدولارات واليوروهات المشبوهة"، الجريدة كتبت نصًا فضفاضًا يحتمل تأويلات عديدة اختزلها النائب بإمكانية واحدة وحيدة، كمن على رأسه ريشة، فاستجلب التهمة نحوهم؛ فهو لا ينفي تهمة تلقي حزبه مالًا سياسيًا- كما فهمها منسوبةً إليهم في تلك الافتتاحية- بل ينقل التهمة للطرف المهاجم،  فيرد الصاع صاعين، ويعلن أنه لن يقسو على الجبهة والحزب الشيوعي، ولن يفصح بل "يحجم من منطلق المسؤولية الجماهيرية عن الخوض بالتفاصيل، وهي متوفرة لدينا بكثرة، وبالأرقام والوثائق؛ ذلك لأنه لا يزال لدي أمل بأن يتدارك الإخوة في الجبهة الأمور، ويتوقفوا عن المضي في غيهم".
 كلام في منتهى الخطورة. 
في الحقيقة كانت الرسالة تهديدًا ولائحة إتهام حرّرها قائد في حزب التجمع بحق جريدة ذات تاريخ ناصع مشرّف، جريدة قادت لعقود مسيرة نشر فكر تقدمي وثقافة إنسانية ومنبر شكّل حاضنة لكل من كتب كلمة حرّة وسعى وراء الأفق والشمس، ومفاعل صاغ عناصر ما زالت هويتنا الجمعية تعتاش منها وعليها، بما في ذلك ما يفاخر به ابن الاتحاد وفتاها سابقًا، كاتب المقال الشيوعي سابقًا التجمعي ونائبه الحالي في الكنيست الإسرائيلي د. باسل غطّاس.
 إنها لائحة اتهام تستوجب التوضيح والرد، لأنّها دمغت الاتحاد كما جاء بالمقالة أنّها: "تدين بمجرد استمرار وجودها لمال سياسي تمتد أصوله لآبار النفط والغاز، حيث لم نسمع عن اكتشافات نفطية في رام الله مؤخرًا".
 هل يعد هذا الكلام إحجامًا وتأنيًا وكلام صديق لحليف؟ هل حقًا؟ 
لا أعرف لماذا اندفع النائب غطاس وخصّ حزبه بما جاء في افتتاحية "الاتحاد"، فالمقولة كما صيغت يصح إسقاطها على أحزاب وحركات عربية وإسلامية كثيرة عرف عنها، جهارة أو خفية، بأنها ذات حظوة في بلاط أمراء ورؤساء ومشايخ؟ 
إلى حد بعيد من الجائز اعتبار مقالة النائب غطاس دعوة لفتح نقاش علني مسؤول حول موضوعة المال السياسي، ما تعريفه؟ ما المحظور فيه وما المرغوب؟ ما يصب في صالح الجماهير العربية وما يصب في صالح خندقة هذه الجماهير وتنمية قيم الفرقة والاستعباد، الرشوة والارتشاء، متى يكون هذاالمال غنيمة ذات نفع للمجموع، ومتى يكون مقابل ذمة يدفعها هذا الحزب وذاك القائد؟ 
علاوة على ما تضمّنته من اتهامات لها علاقة بالمال السياسي ومصادره، أثارت المقالة جملةً من مسائل جوهرية أخرى، منها ما جاء على هامشها ويثير برأيي قضية تمسّ عصب الحياة السياسية الحزبية بين ظهرانينا، لا سيّما في موضوعة مصادر شرعيات قيادة أحزابنا وحركات جماهيرنا العربية، والمقالة تتطرّق لمكانة ودور مؤسّس حزب التجمع،  فهل حقًا يقتصر دور عزمي بشارة على ما جاء بلسان النائب غطاس على أنه "يقوم بدوره العلمي الأكاديمي كمفكّر وباحث عربي من الطراز الأول بعيدًا عن الوطن، ونعم لديه دوائر تأثير كبيرة تتعدّى ما يجري هنا إلى كل العالم العربي الفسيح....".
 أمن أجل استنارة فكرية وأكاديمية تحجّ إليه وفود حزب التجمع وقادته؟ 
ثم، أما آن الأوان ليطرق الساسة بشكل صحيح وعلمي جدلية هذا التأثير وتوابعها على الذي ما زال ينشد وينصاع  لرأي مؤسّس حزب فاقد لحرية التفكير والرأي؟ 
كيف يجب قبول ما يؤمّنه وجوده هناك من إمدادات، على تنوّعها، وهل يكفي اتهام الآخرين بذات "الخطيئة" كي تعلن البراءة والعفو بالتماثل؟ 
هذه المسائل، وغيرها، ضجّت بها مقالة النائب غطّاس، وهي برأيي مقالة مباشرة قاسية، الإعراض عنها بشتّى الذرائع سيبقي ما جاء فيها كطنينٍ مؤذٍ، ويستدعي تساؤلات عديدة، فإن لم ينبرِ السياسيون إليها فإن على "المفكرين"، إن وجدوا خارج قطَر!، أن يفعلوا وبجرأة، وبعضها قد يتجلّى من خلال عناد/وقاحة عرّفتها العرب بجرأة ذبابة، إذا وجد الأسد.

التَّشكيلي جان استيفو يلوِّنُ الأساطير: التوغُّل عميقاً في حضارةِ ما بين النَّهرين/ صبري يوسف



الفنّان جان استيفو في سطور،
مواليد المالكيّة/ ديريك، سوريا، الواقعة في أقصى الشِّمال الشَّرقي من تدفُّقات وهج الرُّوح، والمتاخمة لصفاء نهر الدّجلة.   
عمل قرابة ربع قرن من الزَّمن في مجال التَّشكيل الفنّي اليدوي على النّحاس في مرسمه الفنّي في مدينة حلب.          
عضو نفابة الفنّانين التَّشكيليين في سوريا - فرع الحسكة.                                                              
شاركَ في الكثير من المعارض الفنّية في سوريّة، وشارك في معرض خاصّ بالجّمعيّة الحرفيّة للتشكيل الفنّي على النّحاس في حلب، كما شارك في أغلب المعارض المشتركة مع نقابة الفنّانيين التَّشكيليين في الحسكة.                            
أغلب أعماله مقتناة من قبل المهتمِّين بالتَّشكيل الفنّي على النّحاس من داخل وخارج سوريا، الأردن، الإمارات، أرمينيا، السُّويد، هولندة، أميريكا، كندا، وأستراليا.                                                                               
يستلهمُ أعماله الفنّيَّة من خلال مشاهداته ومتابعاته العميقة لحضارة بلاد ما بين النَّهرين، بكلِّ مراحلها وأحقابها بأسمائها المتعدِّدة، ابتداءاً من الحقبة السُّومريّة والأكَّاديّة والبابليّة والآشوريّة والآراميّة السّريانيّة، هذه الحضارة الغنّيّة بملاحمها وأساطيرها وملوكها وأعمالهم في الحرب والصَّيد، ومن خلال إبداعِ شموخِ تماثيلهم الَّتي تعتبر من أقدم الإرث الحضاري الفنّي في التّاريخ البشري، حيث ينقل الفنّان بكلِّ أمانة الكثير من الآثار الفنّيّة على النّحاس بمهاراتٍ فنّيّة دقيقة، إضافة إلى اشتغاله على الأيقونات الشَّرقيّة، وفنون الزَّخرفة الشَّرقيّة والغربيّة والخطِّ العربي والإعلان وتصميم أغلفة الكتب والتَّصميم الطِّباعي وإعداد اللَّوحات الإعلانيّة الحديثة، وتصميم الدُّروع التّذكاريّة من النّحاس الأصفر والأحمر ومن البوليستر، واضعاً في الاعتبار وضْع لمساته الإبداعيّة الحديثة والمعاصرة على وجنةِ لوحاته وأعماله الفنِّيّة، فيمنحها جماليّة فنّيّة باهرة وكأنّه يغدقُ عليها حالات انبعاث الرُّوح من أعماقِ خفايا الأساطير.                                                         
يرى الفنّان جان استيفو أنَّ فنّ التَّشكيل اليدوي على النّحاس، هو من الفنون اليدويّة الاحترافيّة، وينتمي إلى مدرسة الفنون العمليَّة التَّطبيقيّة، الَّتي تعتمد على المهارة اليدويّة حصراً، دون أيِّ تدخُّل من الآلة في صياغة وتشكيل العمل، ولهذا يعتمدُ الفنّان على مهاراته اليدويَّة والإحترافيّة وتعتبر هذه المهارات من أهمِّ البُنى الأساسيّة الَّتي يبنى عليها الفنّان تطلُّعاته وآفاقه الإبداعيّة من حيث الشَّكل والمضمون معاً.                                                                           
كما يرى من أبرز العناصر المميَّزة لهذا النَّوع من الفنون التَّشكيليّة التَّطبيقيّة، هو إظهار البُعد الثَّالث "الرِّيلييف" من العمل، ثمَّ يأتي دور تعتيق العمل ومنحه إحساساً بالبُعدِ التَّاريخي من خلال استخدام بعض المواد الطَّبيعيّة والكيماويّة أيضاً.   
*****
يلجُ الفنّان جان استيفو في عتبات أغوار التّاريخ والحضارة الشَّامخة في بلاد ما بين النَّهرين، متأمِّلاً معالم الحضارة بكلِّ شموخها وعنفوانها وأصالتها وعمقها، ثمَّ يبدأ رحلةَ البحث عن معالم انبعاث الحضارة الآشوريّة الأكّاديَة السُّومريَة البابليَة، مشكِّلاً إزميله بِرقّة ومهارة باذخة في رسم معالم الحرف السِّرياني، مجسِّداً التّاريخ السِّرياني الآرامي عبر أيقونات لها رموزها ودلالاتها العميقة في رسم حضارة مضيئة منذ فجر التَّاريخ.
توقَّفْتُ بشغفٍ ومتعةٍ كبيرة أمام أعمال الفنّان جان استيفو، كأنّني في رحلة بديعة في أبهى وهادِ التَّاريخ. تسطع أعماله  بأبرز ما قدّمته الحضارة الآشوريّة عبر تاريخها الطَّويل، جنباً إلى جنب مع حضارة أكَّاد وسومر وبابل، تزهو بتلالها وشموخها ومنحوتاتها وشرائعها وحرفها وفنِّها وإبداعها كأنَّها منارة ساطعة في دكنة اللَّيل، ... .
اختار الفنّان التَّشكيل الفنّي اليدوي على النّحاس لما له خصوصيّة في نفسه وبمهارةٍ توازي الشُّموخ الحضاري الَّذي ينتمي إليه، يشكِّلُ انحناءات وخطوط وتجاويف الشُّخوص والأشكال ومنعرجات الرُّموز وتداخلات التَّشكيل بحرفيّةٍ راقيةٍ، كأنّه في محترفه على تخوم معبد عشتار، آلهة الحبِّ والجَّمال، آلهة العشق والبهاء، آلهة الحنين إلى شهقةِ الإبداع، حيث نرى توغُّلاتِ إزميله وجموح خياله يموجان على أنغام موسيقى هادئة، مترجماً عبر أعمالهِ حضارةً، ظلَّتْ شامخةً طويلاً، ثمَّ عبرتْ تخومَ الآفاق.  

يبدو واضحاً من خلال ما أبدعه جان أنّه قرأ  كثيراً عن ماضيه وتراثه وتاريخه المعرَّش بأريج أبهى الحضارات في دنيا الشّرق، تتراءى أثناء تأمُّلاته الحلميّة رحيق الحضارة الآفلة، فتدمع عيناه فيما هو يرسم لوحة جلجامش، وهو يحمل لبوة في يده اليسرى، وصولجاناً باليد اليمنى، هذه الشَّخصية الخالدة الَّتي ترمز للقوّة والبحث عن الخلود عبر نبتة الخلاص، فهل وجد جلجامش ومن جاء بعده نبتة الخلاص، أم تاهَ وتهنا معه في خضمِّ بحثنا عن نبتةِ الخلاص؟!                    
لقد جسِّدَ الفنّان تطلُّعات جلجامش، هذا الكائن الأسطوري عبر أعماله الجَّانحة نحو سموِّ السَّماء، متسائلاً: أيعقل أن نكون من السُّلالة الجّلجامشيّة ونحن على قاب قوسين من العبور في شفير الجَّحيم، جحيمِ الرُّؤى، جحيم الانغلاق في دكنة اللَّيل البهيم، هل من المعقول أن يكون أنكيدو قد عَبَرَ كلَّ هذه البراري الفسيحة وهي تئنُّ الآن من هولِ انتشارِ الصَّحارى، صحارى مفتوحة على كلِّ الجِّهات، ابتداءاً من صحارى الرُّوح، ومروراً بصحارى العقل، وإنتهاءاً بصحارى الخيال، خيالٌ معشَّشٌ بزمهرير الصَّحارى، هل غضبَتِ الآلهة منّا أم أنَّنا ابتعدنا كثيراً عن أصالةِ الرَّافدين وعن حفاوة وبركات السَّنابل؟! 

مراراً هزُّ الفنَّان رأسه نحو اليمين واليسار، مذهولاً من اضمحلال حضارة عريقة كانت تضاهي في أوجها أعرق الحضارات! 

يرسمُ جان قامةً شامخةً، فارساً يحمل سيفاً من حجر الصّوَّان، يشبه الأمل القادم، يرفرف بجناحيه، كأنّه على موعد مع غيمةٍ ماطرةٍ، تهطلُ في بداية نيسان، لتحتفل بعيد الرَّبيع، عيد الاخضرار، عيد الأوّل من نيسان، عيد الحضارة الَّتي قدّمَتْ أوّل الأبجديات وأوَّل التَّشريعات، دقّة ومهارة في تكويرة التَّشكيل. كيف يرسم جان قامات شخوصه المجنّحة نحو أحلامنا الغافية فوق أمواج البحار، هل يرسمها من وحي أحلامه المتلاطمة، أم أنّه يعبر عميقاً في ينابيع حضارة من نكهة الماء الزُّلال، مغترفاً منها اشراقة الانبلاج، انبلاج حفاوة الإبداع، فارشاً بشغفٍ عميق أزاميله وعدّته، ممعناً النَّظر في دالياته المسترخية فوق ظلال الذَّاكرة البعيدة، دامجاً اخضرار روحه المعطَّرة بعبق السَّنابل، ثم ينثرُ تدفُّقات أحلامه فوق مساحاتٍ مستنبتةٍ من حفاوةِ التَّأمّلِ العميقِ في شهقةِ الشُّروقِ، حيث تشبه زهوة الأزاهير البرّيّة وهي تبلِّل نسيم الصَّباح في أوجِ إغفاءة الأطفال بينَ أحضانِ أمهاتهم؟!

تتميّز أعمال الفنّان بتألُّقِ انسيابيّتها الإبداعيّة، نرى في إحدى لوحاته فارساً يجابه أسداً في عرينه، يجسّد الفنّان جرأة الفرسان الَّتي ما كانت تتوانى دقيقة واحدة في مجابهة أقوى القوى بما فيها أسود الغابات وقوى الطَّبيعة، حيث وقفوا بكلِّ عزمٍ يطاوعون قوى الطَّبيعة، كقوى الأنهارِ وقوّة الماء، وإلا كيف بنوا برج بابل والحدائق المعلّقة الَّتي كانت المياه تتصاعد نحو الأعلى بطريقةٍ باهرة من دون استخدام التَّقنيات الحديثة المتوفِّرة الآن، حيث يعجز الإنسان الحالي من تحقيق ما حقَّقوه الأسلاف منذ آلافِ السِّنين، هل سينتصرُ الفارسُ على عنفوان الأسد، أم أنَّ عمله رمز من رموز القوَّة الَّتي كان يتمتَّع بها فرسان آشور وسومر وأكّاد وهم يعبرون البراري بحثاً عن الغزلان الَّتي كانت تسابق الرِّيح في جموحها؟!    

يتأمَّل الفنّان وجه الشُّخوص الَّتي يرسمها ثمَّ يشكِّلها بإزميله بطريقة مبهرة. تبدو التَّشكيلات النَّافرة كأنّها كائنات حيّة، 
منسابة في منحنياتها وخطوطها وتفاصيلها، دقّة فريدة في تلافيفها وبروزها وتجاعيدها. عينان ناضحتان بشهوة الصُّعودِ إلى اشراقةِ الشَّفقِ، فنّان حالم بالفوز ببسمة الأطفال وهم مشدودون إلى ازرقاق واحمرار وبياض نجمة آشور المقدّسة وهي تبعثُ أشعتها المتعانقة مع أبجديّاتِ الحرف السّرياني المقدَّس. ما هذه التَّناغمات في تكويرةِ حرفٍ نبعَ من قداسة مجد الأمجاد، حيث حضارة آرام كانت تشمخ عالياً مفروشة الجِّناحين مثل نسرٍ جامحٍ، معانقةً زرقة السَّماء. تشكيلٌ على شاكلةِ قلبٍ حالمٍ بالنُّهوض نحو الأعالي، عجباً، لماذا لا ننهض بكلِّ ما أوتينا من قوّة، نتعاضد، نتعانق، نفرح، ننشد أنشودةَ الحياة الَّتي حملها أنكيدو بين جناحيه، معرِّشاً إيَّاها فوقَ هاماتِ الجِّبال؟!

يجسِّد الفنّان تمثال حمورابي الملك البابلي بشموخٍ كبير، وهو أمام إله الحكمة الّذي يتسلمَّ شريعة حمورابي المشهورة، ويرسم لوحة أخرى، حصانان جامحان يجرّان عربات آشور باتّحاه رُقَيْمَاتِ حمورابي، حيث شريعة الشَّرائع ما تزال متربّعة فوق طينِ الآزال، يمسك الفارسان لجام العبور، كانّهما يتسابقان مع هبوبِ الرِّيح، كيف تبادر إلى ذهن الفنّان أن يتوغَّل في أسرار العبورِ في أعماقِ ينابيعَ الحضارةِ الآفلة، وهل يراوده أن ينتشلَ هذا الأفول، ويسلطنه عبر فنّه فوقَ قبّةِ الحياة من جديد، ألسنا من اكتشف الحنطة، خبز الحياة وهذه العجلات هي أسُّ الحضارات، عجباً أرى، كيف فاتَ الكثير من عميان هذا الزّمان تجاهل مخيخ أحفاد حضارة الحضارات، أم أنّهم يخشون من تجلِّياتِ عبورنا في أسرارِ الأرضِ والماء والسَّماء؟!   
يسمع الفنَّان إلى موسيقى هادئة جدَّاً على البيانو، للفنّان ريتشارد كليدرمان وأحياناً أخرى يشتاق لسماع صوت الفنّان الآشوري المبدع آشور بيت سركيس، وهو يداعبُ بإزميله وجنةَ عشتار، متمنِّياً أن تسترخي بين يديه كي ينقشَ فرحه وحبّه وعشقه فوقَ خدودِها المبرعمة في ذاكرة الرُّوح، رافعاً هامته، منتظراً قدوم سركون الأكّادي شامخاً على ظهرِ المحبّة، فارشاً جناحيه نحوَ أبراجِ الخلاص. ينظر الفنّان بإمعان                                                           

نفّذ الفنّان في محترفه الجّميل على النُّحاس عبر إزميله، برهافةٍ وتقنيةٍ بديعة تمثال الثَّور المجّنح المعروف في الحضارة الآشوريّة الرَّاسخة في شموخِها الفنّي الكبير! يتألف من جسم ثور رمزاً للقوّة والرُّسوخ على الأرض، ومن أجنحةِ نسرٍ، رمزاً للسموّ نحوَ السَّماء، ورأس إنسان رمزاً للمعرفة والحكمة والسُّلطة!  

وفي لوحة الملك آشور ناصربال، نرى كيف ينفّذ الفنَّان عملاً فنّياً بارعاً في تشكيله ودقّة تفاصيله، فقد رسم الملك في معبده وفي يده عصاه الطَّويلة، ويده على خنجره المزنَّر على خاصرته، وحوله بعض التَّعويذات الَّتي كانت تحميه وتمنحه القوّة والسُّلطة، كنجمة آثور، النّسر المفتوح الجّناحين، والهلال وغيرها من الرُّموز، وكان الملك معروفاً بكتابة أعماله بالحرف المسماري، الَّتي رسمها الفنّان على جوانب اللَّوحة!                                                                    
                                                                   
وفي لوحة الطَّبيب السِّرياني بختيشوع، الَّتي نفّذها بشكلٍ مبهر، وهو يجري عمليّة جراحيّة لفارس جريح في العصر العبَّاسي، مبيّناً أهميّة دور الآراميين السّريان الحضاري الَّذي قدّموه عبر عصورهم الذّهبية، ويبيّن مدى تعاونهم مع جيرانهم العرب وبقيّة شعوب المنطقة على مرِّ التّاريخ وحتّى الوقت الرَّاهن!

ويبرعُ بمهارةٍ كبيرة في تنفيذِ لوحة العشاء السرّي، حيث يرسم الفنّان السَّيِّد المسيح مع تلاميذه جميعاً وهم في العلِّية، وقد  نفّذها بدقّةٍ متناهيةٍ على النّحاس، نقلاً عن لوحة الفنَّان المبدع ليوناردو دافنشي!
ويجسِّدُ الفنّان في لوحة "إله الحرب"، الّذي أُكْتُشِفَ هذا الأثر الفنِّي في العراق القديم، مهاراته الفنِّيّة على النّحاس عبر إزميله الدَّقيق، بطريقةٍ معبّرة وجميلة، ويرمز العمل للقوّة والجَّبروت، لإله الحرب وهو يعطي الأوامر لأعوانه الَّذين يقدِّمون له الطّاعة بخشوعٍ كبير، مركّزاً في وسط اللَّوحة على النّجمة الآثوريّة السّاطعة، ونرى حول الملك أفعى كبيرة تحرسه من 
الأعداءِ والخصوم!                                                                                                   

إنَّ الكثيرَ من الأعمال الَّتي تمَّ اكتشافها خلال الحضارة الآشوريّة القديمة، كانت تتميَّز بشخوصها المجنّحة بأجنحةٍ وأجسادٍ قويّة، حتَّى أنّهم شيَّدوا تماثيلاً لحرَّاسهم ورعيانهم، إمتازت بأجنحةٍ مفروشةٍ، رمزاً للسموِّ والتَّحليق نحو أقاصي السَّماء، فنرى الفنّان يرسمُ راعٍ، نقلاً عن تمثالٍ قديم، بجناحين قويَّين وهو يحمل وعلاً وسنبلةً كرمزٍ للخير والعطاء الوفير.

ينتقي الفنَّان جان استيفو مواضيع لوحاته من منظور عميق، كي يبيّن لمتابعيه البُعد الحضاري، التَّاريخي، والإبداعي للحضارة الَّتي ينتمي إليها، فنراه ينفّذ عملاً فريداً في بُعده الفنِّي والجَّمالي، حيث نرى حامل الكأسين الفوَّارَين وهو متجذِّر بالأرض، رمزاً للتشبُّثِ بالأرض وحوله جرَّتين، ترمزان للخصوبة والعطاء الأبدي، كما يرسمُ في لوحةٍ أخرى احتفالاً ملكيَّاً شهيراً بالسَّنة الجَّديدة، وفي وسط اللَّوحة نجد شجرة الحياة، وإله الحرب وحول الملك نجد أعوانه وحرّاسّه المجنّحين، وهم يرفعون نخب انتصارات الملك وإله الحرب!         
وبالإضافة إلى الأعمال الغزيرة عن الحضارة القديمة، اشتغل الفنّان العديد من الأعمال المعاصرة أيضاً، فنراه يجسِّدُ تشكيل إمراة عارية بتقنيات جميلة، ممَّا يدلِّل على أنَّ الفنّان يواكب الفنّ المعاصر والحداثة بأسلوبٍ بديع. ويهوى الشّعر الخلَّاق، فرسمَ بشفافيّةٍ شاعريّةٍ منسابة، وبرهافةٍ عالية، لوحةً تتضمّن الشَّاعر الفارسي رباعيات الخيام، ومن حوله تتدفَّق شياطين الشِّعر كي تغدقَ على الخيام طاقات استلهاميّة، وقد نفّذها بانسيابيّة شاعريّة راقية، وكأنَّنا أمام توهّجات شعريّة متدفِّقة من ربَّاتِ الشِّعرِ الموغلة في أوجِ تجلِّياتِ بوحِ الخيال!                                                  

موقع الفنّان جان استيفو
www.jeanstephowarts.com
صبري يوسف
أديب وفنّان تشكيلي سوري مقيم في ستوكهولم
sabriyousef1@hotmail.com

حماية المنظمات غير الحكومية من غسل الأموال وتمويل الإرهاب/ جميل عوده

مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
 تعد جريمة غسل الأموال أو غسيل الأموال واحدة من أهم الجرائم الاقتصادية الحديثة المنظمة العابرة للحدود، وهي كل سلوك ينطوي على اكتساب أموال أو حيازتها أو التصرف فيها أو إدارتها أو حفظها أو استبدالها أو إيداعها أو ضمانها أو استثمارها أو نقلها أو تحويلها أو التلاعب فيها بقصد إخفاء المال أو تمويه طبيعته أو مصدره.
 مثال ذلك، استخدام أموال متحصلة من نشاط غير مشروع (بيع المخدرات مثلا) في نشاط مشروع (شراء العقارات) بقصد إخفاء مصدر المال. أو استخدام أموال متحصلة من نشاط مشروع (جمع التبرعات لمساعدة الفقراء) في نشاط غير مشروع (تمويل العمليات الإرهابية) بقصد التمويه. وترتبط عمليات غسيل الأموال بجرائم أخرى، مثل: جرائم المخدرات، جرائم الإرهاب، جرائم الخطف وبيع الأطفال الرضع في السوق السوداء، الابتزاز، الاحتيال، سرقة واختلاس أموال خاصة، اختلاس أموال عامة، القتل مقابل أجر، تهريب الأسلحة، الرقيق، الدعارة، القمار، التجارة بالأعضاء الآدمية، إخفاء مصدر العائدات ووجهتها، أنشطة التهريب عبر الحدود الأموال والسلع والمنتجات، أنشطة السوق السوداء، الرشوة والفساد الإداري، التهرب الضريبي، العمولات مقابل عقد صفقات الأسلحة، وتزوير العملات وغيرها.
 بدأت ظاهرة غسل الأموال في العراق مع انعدام الاستقرار السياسي والاقتصادي والانفلات الأمني وانتشار العمليات الإرهابية، وغياب دولة القانون، وضعف الأجهزة الرقابية، وانكشاف السوق العراقية أمام الأسواق العالمية، فضلا عن فتح الحدود العراقية مع دول العالم بشكل واسع. وأبرز مصادر الأموال غير المشروعة في العراق فهي:
 (1- سرقات المصارف والبنوك، 2ـ سرقة وتهريب الآثار الوطنية وبيعها في الأسواق العالمية. 3ــ تهريب النفط ومشتقاته إلى الخارج. 4- تهريب المصانع والمكائن والآلات والمعدات إلى الخارج. 5- الفساد المالي والإداري في أجهزة الدولة، بما فيها عمليات الاختلاس الكبيرة للأموال المخصصة للمشاريع الخدمية وإعادة الإعمار. 6- الأموال المتأتية من جرائم المخدرات والسطو والخطف والغش الصناعي والتجاري وانتشار الشركات والمنظمات غير الحكومية الوهمية وغيرها). 
 ويرى خبراء مكافحة ظاهرة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب أن هذه الظاهرة لها آثار اقتصادية سيئة على الاقتصاد القومي للبلدان التي تنتشر فيها، مثل: اضعاف قدرة السلطات على تنفيذ السياسات الاقتصادية بكفاءة، وزعزعة استقرار سوق الصرف الأجنبي نتيجة للتقلبات الشديدة في حركة الأموال والتدفقات النقدية الداخلة والخارجة، وتهديد الاستقرار المالي والمصرفي نتيجة لتعرض المؤسسات المالية والمصرفية لمخاطر فقدان الثقة والسمعة.
 ولها آثار سياسية مثل: انتشار الفساد السياسي والإداري واستغلال النفوذ، والأضرار بسمعة الدولة أمام الهيئات الدولية المانحة للمساعدات والقروض، خاصة بالنسبة للدول النامية، وإمكانية توجيه الأموال الناتجة عن غسل الأموال إلى تمويل التنظيمات الإرهابية، مما يؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار.
 ولها آثار الاجتماعية أيضا مثل: عدم خلق فرص عمل حقيقية مما يؤدي إلى تفاقم مشكلة البطالة، وانتشار الفساد الوظيفي وشراء الذمم، وصعود فئات اجتماعية دنيا إلى أعلى الهرم الاجتماعي في البلاد لصعود المجرمين القائمين على عملية غسل الأموال إلى هرم المجتمع في الوقت الذي يتراجع فيه مركز المكافحين إلى أسفل القاعدة.
 وتعد منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الربحية وسيلة من بين أهم الوسائل الحديثة التي يمكن أن يستغلها أصحاب الأموال القذرة لتبيض أموالهم وإخفاء مصادرها غير المشروعة وتدويرها. وقد استقطب موضوع سوء استعمال المنظمات غير الربحية لتمويل الإرهاب اهتمام هيئة الأمم المتحدة والدول الصناعية السبعة الكبرى، والسلطات الوطنية في عدد كبير من الدول. ومنذ عام 2002 أصبح هذا الموضوع نقطة التركيز الأولى بالنسبة لفريق العمل المالي لمكافحة غسل الأموال (FATF.GAFI).
 فقد جاء في (التوصية الثامنة) لفريق العمل المالي الدولي لمكافحة غسل الأموال بخصوص المنظمات غير الربحية (يتعين على جميع الدول التأكد من كفاية القوانين واللوائح التنظيمية المتعلقة بالمؤسسات التي يمكن أن تستغل في تمويل الإرهاب، خاصة المؤسسة غير الربحية، كما ينبغي على الدول التأكد من عدم استغلال هذه المؤسسات:
 1. من قبل المنظمات الإرهابية التي تتخذ وضعية مؤسسات شرعية.
2. لاستغلال جهات شرعية كقنوات لتمويل الإرهاب بما في ذلك تفادي تجميد الأموال.
3. في اخفاء أو تمويه التحويلات السرية للأموال المزمع استخدامها في أغراض شرعية. 
وتشمل (المنظمة غير الربحية)- على سبيل المثال - كل المؤسسات القانونية والأوقاف واللجان التي تجمع الأموال والمنظمات العاملة لخدمة المجتمع والهيئات ذات المصلحة العامة والشركات المحدودة والمؤسسات الخيرية العامة وغيرها من الأشكال القانونية المتنوعة من المنظمات غير المربحة.
 والسؤال المهم هنا، كيف نستطيع حماية المنظمات غير الربحية والمنظمات غير الحكومية التي تعمل في مجال جمع الأموال أو توزيعها تحقيقا لأغراض خيرية أو دينية أو ثقافية أو تربوية أو اجتماعية، أو في القيام بأنواع أخرى من "الأعمال الحسنة"، من الناحية الفعلية من سوء الاستعمال أو الاستغلال من قبل تجار الأموال القذرة وممولي الإرهاب؟.
 تؤدي منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في العراق دورا مهما في محاربة الظروف التي تؤدي للإرهاب من خلال تقديم المساعدات الإنسانية والخدمية للمحتاجين، وبناء الهياكل الاجتماعية، وزيادة الحوار والتفاهم داخل المجتمع، وحل النزاعات، وقضايا التعايش السلمي، مضافا إلى قضايا الصحة والتعليم. ولكن – للأسف- بعض منظمات المجتمع المدني العاملة في العراق كانت وسيلة من وسائل غسيل الأموال أو تمويل الإرهاب، أو الفساد المالي والإداري، أو الفساد الأخلاقي مثل الدعارة والقمار، أو الاحتيال والنصب وغيرها من الجرائم.
 ومن بين المنظمات غير الحكومية التي يحتمل أن تكون عرضة لسوء الاستغلال بما فيها غسيل الأموال، وتمويل الإرهاب هي المنظمات الآتية:
1- المنظمات غير الحكومية الأجنبية، وهي فروع المنظمات غير الحكومية الأجنبية المسجلة لدى دائرة المنظمات غير الحكومية، وتحصل على التمويل المالي من منظمة الأم، ولا تمتلك المؤسسات الحكومية المختصة بيانات دقيقة عن مصادر تمويلها الحقيقية.
2- المنظمات غير الحكومية المحلية التي أسسها عراقيون يقيمون في دول الخليج والدول المجاورة وفي بعض الدول الأوربية وأمريكا. وتحصل هذه المنظمات على التمويل من المؤسسين أنفسهم دون معرفة مصادرها الحقيقية.
3- المنظمات غير الحكومية التي أسسها عراقيون يقيمون في العراق ويتولون مراكز قيادية عليا، بما فيهم أعضاء مجلس النواب والمدراء العامون ورؤساء الأحزاب ومسئولو القنوات الفضائية ورؤساء الصحف وغيرهم. وتحصل هذه المنظمات على التمويل من الأموال التي تقع بيد هؤلاء المسئولين بشكل مباشر، أو عن طريق استخدام علاقاتهم الوظيفية مع المسئولين في الوزارات القطاعية التي تقدم مساعدات مالية للمنظمات غير الحكومية.
4- المنظمات غير الحكومية التي أسسها عراقيون يقيمون في العراق، ويستغلون حصول منظماتهم على شهادة التسجيل التي تخولهم إجراء التصرفات القانونية، فيستغلون اسم المنظمة غير الحكومية وشعارها لفتح مشاريع مربحة تعود بالفائدة إلى أعضاءها، أو فتح نوادي للخمر والقمار والدعارة، وغيرها من الأنشطة غير المشروعة المدرة للربح غير المشروع.
5- المنظمات غير الحكومية غير المسجلة لدى دائرة المنظمات غير الحكومية، وهي منظمات شبه وهمية لا ترغب بالتسجيل ولا تريد الإفصاح عن بياناتها، وأنشطتها الفنية والمالية إلى رقابة أجهزة الدولة، ولا أحد يعرف بالتحديد مصادر تمويلها.
 لذا.. يستلزم أن تقوم الهيئات الحكومية المسئولة عن مكافحة غسيل الأموال أو تمويل الإرهاب بوضع سياسات وخطط وبرامج تحمي المنظمات غير الحكومية من تطاول الجماعات وأصحاب رؤوس الأموال القذرة، وممولي الإرهاب، من خلال ما يأتي:
1 - تضمين مشروع قانون مكافحة غسيل الأموال، وقانون المنظمات غير الحكومية رقم (12) لسنة 2010، نصوصا قانونية تحمي المنظمات غير الحكومية من سوء استغلال العمل الخيري لصالح الجماعات وأصحاب رؤوس الأموال القذرة وممولي العمليات الإرهابية أو إعطاء التعويضات نتيجة المساهمة في تلك الأفعال.
2- شمول حسابات المنظمات غير الحكومية الأجنبية أو المنظمات غير الحكومية المحلية التي تزيد موازنتها المالية على (75) مليون دينار عراقي والمنظمات ذات النفع العام بتدقيق ديوان الرقابة، وذلك من اجل الاحتفاظ بثقة المتبرعين والسلطات التنظيمية من جهة، ولضمان عدم سوء استعمالها أو استغلالها من قبل المجموعات الإرهابية من جهة ثانية.
3- أن تنشا الجهات الرسمية المختصة استمارة حساب لجميع الأموال والموجودات والعقارات لدى المنظمات غير الحكومية. وأن تقوم بالتدقيق الميداني المباشر لحسابات المنظمات غير الحكومية، ففي العديد من الأحوال يكون التدقيق المالي والحسابات غير كافية ضد سوء استعمال المنظمة غير الحكومية. فمن الواضح أن فحص العمليات الميدانية هو أسلوب ممتاز لاكتشاف سوء استعمال الأموال بما في ذلك تحويل الأموال إلى الإرهابيين.
4- أن تتولى الجهات الرسمية المختصة التأكد من قيام المنظمات غير الحكومية بتنفيذ مشاريعها، وأن المستفيدين هم أناس حقيقيون، وقد استلم المستفيدون الحقيقيون الأموال التي أرسلت إليهم.
5- إلزام المنظمات غير الحكومية التي تتجاوز ميزانيتها (75) مليون دينار عراقي على تعين محاسب قانوني مجاز يتولى تنظيم حسابات المالية من حيث مصادر الأموال وطرق إنفاقها، وحث المحاسب القانوني على أن يؤدي دورا في حماية القطاع الخيري من سوء الاستعمال، وتقليل خطر استخدام المنظمات غير الحكومية من قبل المجموعات الإرهابية.
6- إلزام المنظمات غير الحكومية أن تحتفظ بميزانيات كاملة، وان يكون في مقدورها تقديم مثل تلك الميزانيات التي تأخذ بعين الاعتبار كافة نفقات البرامج. ويجب أن تشير تلك الميزانيات إلى هوية المستفيدين والى كيفية إنفاق الأموال. ويجب أيضا حماية الميزانية الإدارية من التحويل إلى جهات أخرى وذلك بتوفير مراقبة لها والتبليغ وتحقيق حماية جيدة.
7- إلزام المنظمات غير الحكومية بفتح حساب مصرفي خاص بأموالها، وان تستخدم القنوات المالية الرسمية أو المسجلة لتحويل الأموال لاسيما إلى الخارج. ويترتب على المنظمات غير الحكومية التي تتداول كميات كبيرة من الأموال أن تستخدم الأنظمة المالية الرسمية للقيام بمعاملاتها المالية.
8- أن تعمل الجهات المختصة على توفير مراقبة مالية مناسبة على الإنفاق وعلى البرامج بما في ذلك البرامج التي يجري تنفيذها بموجب اتفاقيات مع منظمات أخرى؛ والتأكد من توازن مناسب بين الإنفاق المباشر على البرنامج والإنفاق على الشؤون الإدارية؛ والتأكد من وضع إجراءات لمنع استخدام تسهيلات المنظمة أو موجوداتها لدعم النشاطات الإرهابية أو التغاضي عن النشاطات الإرهابية.
9- تفعيل هيئات الرقابة الرسمية مثل ديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة العامة بهدف مكافحة سوء استعمال المنظمات غير المربحة من قبل الإرهابيين من خلال تدريب مراقبين على معرفة ودراية بالمنظمات الجامعة للتبرعات.
10- أن تتولى الجهات المختصة التنسيق وتبادل المعلومات مع السلطات المختصة في البلدان الأخرى بالنسبة للمنظمات غير الحكومية التي يكون المقر الوطني للمنظمة غير الحكومية في بلد آخر ويكون فرعها والعمليات المستفيدة في العراق.. وأن تتولى إنشاء قائمة دولية للمدانين في جرائم المخدرات وغسيل الأموال وأصحاب السوابق والمشبوهين تشمل الأفراد والمنظمات غير الربحية التي تسعى لإنشاء وتأسيس منظمة غير حكومية أجنبية.
11- حث البنك المركزي العراقي على التعاون مع الجهات المختصة من أجل إعداد ورش عمل لشرح مفاهيم غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتعريف بالقوانين و النصوص العراقية والإطار المؤسسي والتنظيمي والإجراءات الرادعة والوقائية ضد هذه الظاهرة وأدوار ومسؤوليات الهيئات الخاضعة لقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وواجب اليقظة ومراقبة الأشخاص المشتبه فيهم والتبليغ عن العمليات المريبة، فضلا عن المؤشرات الدالة على عمليات الغسل وتمويل الإرهاب.
12- إنشاء قاعدة بيانات بالمنظمات غير الحكومية ومؤسسيها وأعضاء هيئاتها الإدارية الذين يحاولون القيام بعمليات مشكوك فيها بكونها عمليات غسيل أموال، أو يحاولون بعد ذلك فتح حسابات بشكل مباشر أو غير مباشر، وإتاحة استخدام قاعدة البيانات المذكورة لتمكين الموظفين في المصارف والمؤسسات المالية من الكشف عن محاولات جديدة أو فتح حسابات مباشرة أو بالواسطة.
13- أن تلتزم الجهات المختصة بإبلاغ (مكتب الإبلاغ عن جريمة غسيل الأموال) في البنك المركزي العراقي إذا ما حاولت المنظمة غير الحكومية توظيف مبالغ متحصلة من نشاطات غير قانونية، أو توظيف مبالغ لتستعمل لتمويل الجريمة أو توظيف مبالغ لدعم غرض غير قانوني بطريقة ما.
 وبذلك يمكن تحديد ومحاصرة تلك المنظمات التي تستغل اسم المجتمع المدني لأهداف تخالف هذا المفهوم، شريطة عدم استغلال تلك الإجراءات من قبل أي سلطة للتحكم بعمل المنظمات الفاعلة أو التضييق على فاعليتها واحترام برامجها وخصوصيتها وتقديم كافة أنواع الدعم لحركتها واتصالها بالمجتمع من جهة وبالمنظمات الدولية من جهة أخرى. 
.....................................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
موبايل/009647712421188
http://adamrights.org
ademrights@gmail.com
https://twitter.com/ademrights

فوق الخوف/ عـادل عطيـة

قال أحدهم: "لقد رأيت مرة من المرات مشهداً عجيباً في سيرك للألعاب البهلوانية، حيث حاول أحد الرجال المدربين على التصّويب الدقيق وإصابة الأهداف بمهارة، أن يُظهر مهاراته في هذا المضمار، فوجه مقذوفة نحو شمعة مشتعلة وضعتها زوجته على رأسها، ومن مسافة بعيدة، أطلق المقذوفة، فأسقط الشمعة إلى الأرض دون أن تصاب زوجته بأي أذى، فسألتها بعدها: هل كنت تشعرين بالخوف وأنت في هذا الوضع، فأجابت بلا تردد: لماذا أخاف؟..؛ فإن زوجي كان يصوّب مقذوفته للشمعة، وليس لي.
فكرت في ذلك، وأنا أشاهد هؤلاء الذين لا يصلحون لأي مهنة في الأرض، أو السماء، سوى: "الموت".. وهم يصوّبون بيد معصيتهم وغرورهم كل مقذوفات البغض والشر، ومحبة الذات إلى أقصى حدودها، بإتجاه أولئك الذين لا يحملون سوى: شمعتهم المضيئة، وصليبهم الذي لا يزال يقطر بشهادة الفم، وشهادة الدم.
هاهم الأقباط، يدفعون كل شئ، من أجل وطنهم الذي يُقتحم لرفضه للفاشية الدينية، والسياسية!
ها هم يواجهون صرخات نداء الموت، بالإصغاء لنداء المزامير!
ويواجهون أبواق البغضاء، بأناشيد: "نحن نغفر"!
وبينما هم يرون كنائسهم تحترق، يخلعون نعالهم أمام عليقتهم المشتعلة، ويصغون لبكاء الله، القريب من أوجاعهم!
وبينما تُنزع ممتلكاتهم عنهم، يعلنون: بأنهم يقدمون ما لا يستطيعون أن يحتفظوا به؛ ليربحوا ما لايمكن أن يفقدوه!
وبينما يُذبح أحد من أحبائهم، يبشرون: بأن ذبح شخص لا يمكن أن يقضي على إنسان أصبحت حياته جزءاً من الأبدية!
ومع أن الخوف الذي لا يصل إلى حد الجبن، حق إنساني، إلا أن الخوف لم يمس بعد قلاع قلبهم، وإرادتهم.. ولسان حالهم: "لماذا نخاف؟".. فلا خوف في المحبة، ولا محبة بلا خوف على هؤلاء الذين لا يزالوا  يتوعدون بقايا سيفهم، ويحاولون الاختباء من دعوة المحبة بين الأسلحة!...
**
طبّاخ الإرهاب
بعد إطلاق النار على مبنى البحرية الأمريكية بواشنطن، نقول: "طبّاخ الإرهاب لازم يدوقه"!...

قائـدنا لا يقـتـنع بديمقـراطيته/ مايكـل سـيـﭘـي

مداخـلتي في المؤتمر القـومي الكـلـداني العام ـ مشـيـﮔان

قـرأتُ عـلى أحـد جـدران بناية حـكـومية في أثينا عـبارة ( الـديمقـراطية بـدأتْ عـنـدنا منـذ 2500 عام ! ) إلاّ أني سمعـتُ من أحـدهم لاحـقاً أن الديمقـراطية كانـت تمارس عـنـدنا قـبل ذلك الوقـت دون أن نسميها ، عِـلماً أنَّ الملوك والأمراء والأباطرة والرؤساء وجـميع القادة سياسيّـين أو دينيّـين يمثـلون شعـوبهم ترهـيـباً أو ترغـيـباً وليس إنـتخاباً مرغـوباً ، بل وخـدعة أيـضاً مما جـعـل تلك الشعـوب تخـضع لـنير عـبودية الفـرد الواحـد عـلناً أو مبطناً . إن أسالـيـب القـمع والإذلال التي مارسها أولـئك القادة ضد شعـوبهم حـفـزتْ أشخاصاً مفـكـرين كالفلاسفة والعـلماء والمصلحـين إلى رفـض الخـنوع فـنشروا الوعي في مجـتمعاتهم فـكان البعـض منهم ضحـية فـكـره ودعـوته وفي النهاية أثمرتْ جهـودُهم حـين نهـض الشعـب وأحـدث تغـيـيـرات جـذرية في دسـتـور بلاده فـلجـمتْ سـلطة الفـرد بمقـدار كـبـير فـكانت النهـضة الأورﭘـية خـير مثال عـلى ذلك . 
إن أولـئك الفلاسفة المصلحـين وعـلماء الـنـفـس القـديرين وضعـوا الأسس الفعالة لـتربـية شعـوبهم وتـدريـبهم عـملياً عـلى مبادىء عـصرية وأوصوا بأن يتم تعـليمها لأبنائهم منـذ نعـومة أظفارهم بطرق محـبَّـبة فـتـنـمو عـنـدهم مع كـبرهم لتـصبح نهجاً غـريـزياً في حـياتهم .
ومع هـذه المفاهـيم الضرورية لأبناء شعـبنا برزتْ بعـض من تـنـظيماتـنا الكـلـدانية حاملة الإسم الديمقـراطي أسـوة بكـثير من الأحـزاب في المعـمورة كـلها ، والبعـض الآخـر تـنهج ذات المبـدأ دون أن تسمي إسمها بالديمقـراطية ، وعـلى هـذا الأساس إنعـقـد المؤتمر القـومي الكـلـداني العام في مشيـﮔان / ديترويت 2013 ، وفي إحـدى جـلسات اليوم الثاني له تـطـرق أحـد المشاركـين في حـديثه إلى الديمقـراطية في حـياتـنا ، فـشئتُ أنْ أعـقـب عـلى حـديثه فـقـلتُ :
 إنَّ قائـدنا الشرقي ينادي بالديمقـراطية ولكـنه لا يقـبل بها والسبب يعـود إلى جـذور تربـيته المغـروزة فـي أعـماق نـفـسيته منـذ مرحـلة طفـولته والتي أنبتـتْ عـنـده التـزمُّـت والأنانية وحـب الـذات فـقـيَّـدتْ عـقـله وجـعـلته يعـتـقـد بأنه إذا ضمَّ أصابع كـفـه أصبح الهـواء الجـوي الـذي نـتـنـفـسه جـميعـنا ، مُـلكاً له ! بعـكس الإنسان الغـربي الـذي يتـقـبل كـلمة الـديمقـراطية بكـل رحابة صدر وسلاسة دون أن يشعـر بالغـبن أو الفـشل أو الإنـتـكاسة أو التراجع . 
فـفي المجـتـمعات الغـربـية نلاحـظ نماذج اللعـب المتـنوعة في رياض الأطفال متاحة لجـميعهم ولا يحـق لطفل أياً كان الإستحـواذ عـليها لـوحـده بل يتـناوب جـميع الأطفال عـليها ، فإذا تمتع طـفـل بإحـداها لـدقائق معـينة فإن المعـلمة أو المرشـدة تـوصيه بأن يتـركها لـيُـعـطي الـفـرصة لـطـفل آخـر كي يلعـب بها ، فـتصبح هـذه الممارسة عادة ثم عِـرفاً إجـتماعـياً ولهـذا فـقـد شاعـت بـين الأطفال عـبارة (  it is my turn = إنه دَوري ) أي أن فـترة إستحـقاق الطفل الأول من التمتع باللعـبة ينتهي فـيحـين الـدَّور للطفل الآخـر وهـكـذا ينمو هـذا الشعـور عـنـدهم مع نموّهم وحـتى الكـبر ، عـنـدئـذ يصبحـون مستعـدين لـتـقـبـُّـل فـكـرة تبادل الأدوار السياسية والإجـتـماعـية ومنح الفـرص ومشاركة الغـير وتكافـؤ الفـرص ونبـذ الأنانية وعـدم وضع اللاصق عـلى الكـرسي ، ولا الإستحـواذ عـليه ولا عـلى القِـدر المملوء بالبرغـل  ..... .
أما الطفل الشرقي فإن بـدايات التربـية التي يتلقاها من أبـيه أو أمه تخـتلف ، فالأم مثلاً تعـطي لعـبة لإبنها وتوصيه بأن يحافـظ عـليها ولا يعـرِّضها للكـسر أو الـتـشويه أو الفـقـدان وقـد توجِّهه فلا يسلمها بـيـد أحـد غـيره ، مما يجعـله حـريصاً عـليها ومحافـظاً لها من الكـسر أو الضياع فـيمسكها بـين يـديه ولا يشارك بها غـيره خـوفاً من فـقـدانها أو تحـطمها وبالتالي قـد لا يحـصل عـلى غـيرها وهـكـذا يصبح أنانياً رغـماً عـنه . إن هـذا الشعـور يكـبر عـنـده مع كـبره بمرور السنين فـيرفـض مشاركة الغـير بكل ما يملكه... ومن جانب آخـر فإن مفكـرينا الشرقـيّـين زادوا الطين بلة حـين أفـتـوا بحِكـَم تؤيـد نـتائج تلك الممارسات الخاطئة فـقالوا (( الإنسان حـريص عـلى ما مُـنح )) فـيستحـوذ عـليه ولن يفـرط به إلاّ بالموت .  
وعـليه فإن غـريـزة رفـض الديمقـراطية والحـداثة لـدى قائـدنا الشرقي تكـون قـد بـدأتْ منـذ أيام طفـولته دون أن يعـلم ، ويعـكـسها في كـبره بصور عـديـدة مثل : لا يسـلـِّم منـصبه لغـيره في كـل الظروف ومنها في حالة فـشله في إدارة تـنـظيمه أو خـسارته في الإنـتخابات ويرفـض مبـدأ ( التجـديـد بالـدماء الشابة ) بل وحـتى أن البعـض لا يتـنحَّى عـن منـصبه المتهرىء حـتى إذا كان يعـلم أنه غـير مرغـوب به فـيرتـدي قـميص الـدكـتاتـورية .  
ما هي الأساليـب التي يتـبعها الـدكـتاتـور للـتـشبُّـث بكـرسـيّه ؟
1 – يتخـلص من كـل كادر مثـقـف من أعـضاء جـمعـيته أو تـنـظيمه ، ومِمن يمتلك بعـض القـوة الجـماهـيرية خـوفاً من تزايـدها فـيصبح خـطراً عـلى كـرسيه . 
2- يتمسك بالأعـضاء أشباه المثـقـفـين أو الأميّـين الـذين لا يمكـنهم منافـسة السيد القائـد الأوحـد حـفـظه الله في أية عـملية إنـتخابـية حـتى لو طـُـلِـبَ منهم ذلك .
3- يتجـنب إصطحاب أي عـضو من حـزبه معه عـنـد زيارته المسؤولين في دوائـر الـدولة كي لا تـتوفـر فرصة التعـرّف عـليهم وبالتالي لن تـبنى علاقات بـينهم ، فـيـبقى هـو المعـروف عـلى الـنـطاق الرسمي . 
4- يتـظاهـر بأنه هـو الحـريص عـلى مبادىء حـزبه وخـدمة جـماهـيره ولا يوجـد أفـضل منه ، بل ويلقي اللوم عـلى غـيره .
5- يُـنسِـب كـل إنتـكاساته إلى غـيره كي يـبقى إسمه براقاً وأسماء غـيره مشوَّهة .   
6- يستغل ذوي النـفـوس الضعـيفة عـن طريق إلقاء ( عـظم أمامهم ) ليصبحـوا له عـيوناً وآذاناً في المجـتمع كي يتعرف عـلى كـل مَن يتـذمَّـر أو يشكـو من ممارساته الدكـتاتورية فـيعالجهم بصمت . 
7- يعـمل جاهـداً فـيُهيء إبنه لإستلام السلطة في الـدولة أو القـيادة في التـنـظيم كي تحـتـكـر داخـل عائلته ولا تـنـتـقـل إلى عائلة أخـرى .
والآن نـتـساءل : هـل عـنـدنا قادة دكـتاتوريون ؟ هـل عـنـدنا قادة إلتـصقـوا بكـراسيهم سنيناً طـويلة رغـم فـشلهم ؟ هـل عـنـدنا قادة أنانيون ؟ هـل عـنـدا تـنـظيمات فـيها كـوادر كـفـوءة بحـيث يمكـنهم أن يتبادلوا أدوار القـيادة مع بعـضهم ؟ الجـواب عـنـد القادة أنـفـسهم .
وأخـيراً وكـمثال نـذكـره ، فـقـد شهـدتْ أستراليا إنـتخابات فـدرالية في السابع من سبتمبر الحالي 2013 وكانت دعايات المنافـسة القانونية شـديدة بـين الحـزبـين الكـبـيرين والأحـزاب الأخـرى ، وحـين ظهرت النـتائج الأولية والحاسمة لصالح أحـد المرشحـين الرئيسيّـين ظهر المرشح الخاسر عـلى شاشة التلفـزيون مهـنـئاً بكل فرح المرشح الفائـز المنافـس له ، وأضاف قائلاً : أنـني سأترك قـيادة الحـزب كي يتـولى غـيري أمرَه فلا بـد من التجـديـد ....... . فـهـل عـنـدنا قائـد شرقي بهـذه الروحـية ، أم لا يوجـد مخـلص للشعـب سِـواه ؟؟؟؟؟؟