هناء.. لك المجد/ سري القدوة

بين الماضي والحاضر يكمن مستقبلنا .. ومع خيوط الفجر يكتب الاسري الابطال قصص الحب والوفاء لفلسطين وبين الاسير البطل خضر عدنان وهناء شلبي تكون حكاية المجد المنتصر علي عتمة الزنازين وقيود الابواب الحديدية وتلك الاغلال العقيمة .. فهذا السجان الحاقد لا يعرف الا لغة القتل والحقد ولا يفهم الا لغة واحدة هي لغة القوة والعنف ..

أن السجين الفلسطيني الاسير البطل خلف القضبان لا يمتلك الا الارادة الصلبة والعزيمة التي تنتصر علي حقد الاحتلال وقوته وغطرسته وهيمنته وأبواب سجنه الظالمة .. ومع اشراقة كل يوم يسجل اسرانا البواسل موعدا مع الحرية والمجد ويكتبون اروح قصص الكفاح بخلود وبطولة .. لأنهم يعشقون الحياة ولأنهم يناضلون من اجل الحرية فهم احرار رغم الابواب الحديدية ورغم الظلم والحقد الصهيوني يسجل الاسرى انتصارا متجددا عبر سلاح الامعاء الخاوية مؤكدين أن الارادة الفلسطينية هي اقوي من غطرسة المحتل وان شباب فلسطين اليوم هم اشرس من شباب الغد وهم يحملون الامانة بمواصلة مسيرة النضال ويكتبون كل يوم صفحة جديدة من صفحات المجد الفلسطيني ..

انها معركة الكفاح والمجد والبطولة والشرف التي تقودها اختنا المناضلة الاسيرة هناء شلبي ابنة القدس من اجل نيل حريتها فكانت معركة الامعاء الخاوية هي سلاحها في مواجهة غطرسة المحتل لنيل الحرية والانتصار علي السجان وعنجهيته ..

ان اعادة اعتقال الأسيرة المحررة هناء شلبي ، والتي تخوض اضرابا مفتوحا عن الطعام وإصدار المحكمة الاسرائيلية حكم اعتقال اداري بحقها لمدة ستة أشهر في قسم الجنائيات في سجن هشارون، يعد خروجا اسرائيليا لما اتفق عليه في صفقة تبادل الأسرى الأخيرة "صفقة شاليط".

أن الأسيرة هناء شلبي تخوض اضرابها بكل بسالة وأيمان بحتمية الانتصار ويمارس عليها المحتل غطرسته وحقدة في ظل صمت دولي وعدم تدخل من منظمة الصليب الاحمر لتبني مطالب الاسيرة العادلة وهي وقف تجديد اعتقالها اداريا حيث أن هذا الاعتقال منافي لكل القيم الانسانية والقوانين الدولية .

ان الأسيرة هناء الشلبي مضربة عن الطعام منذ 15 يوما مع كتابة هذا المقال وحالتها الصحية تتجه نحو الخطورة فأين مؤسسات حقوق الانسان من اضرابها ونضالها لنيل حريتها .

هل تنتظر شلبي 66 يوما وتتدهور حالتها كما حدث مع الأسير خضر عدنان ثم يتدخل البعض بعد فوات الأوان؟.

أن صمود الأسيرة هناء يعد نصرا لكل اسرانا البواسل و أن صبر وصمود الأسرى ومعركتهم التي قرروا البدء فيها بأنفسهم رفضا لسياسات الاحتلال في الاعتقال الإداري والعزل الانفرادي بحاجة إلى دعم شعبي موازي يعمل على فضح انتهاك الاحتلال ودعم الصمود الأسطوري الذي يسطره الأسرى في سجون الاحتلال .

وبدأت الأسيرة شلبي إضرابها المفتوح عن الطعام حيث أكدت مضيها فيه حتى تحررها، فيما هددتها سلطات الاحتلال بنقلها إلى قسم المعتقلات الجنائيات وذلك بعد نقلها إلى العزل الانفرادي حيث لم يمضِ أربعةُ أشهرٍ على تحررها ضمن الدفعة الأولى في صفقة "تبادل الاسرى الاخيرة ".

إننا هنا نطالب وبشكل عاجل تدخل السلطات المصرية التي رعت اتفاق تبادل الأسرى بين المقاومة وكيان ألاحتلال والتي كانت إحدى الأسيرات المحررات بموجبه حيث يعد إخلال الاحتلال بالاتفاق مما يستدعي تدخلاً فورياً من المخابرات المصرية التي كانت راعيةً له .

واعتقلت سلطات الاحتلال الاسرائيلي المناضلة هناء شلبي من منزلها بعد الاعتداء عليها بالضرب من قبل ضابط مخابرات تابع ( لجهاز الشين بيت الاسرائيلي ) وتم تحويلها إلى الاعتقال ألإداري وشرعت بإضراب مفتوح عن الطعام منذ اليوم الأول لاعتقالها، في السادس عشر من شهر فبراير/ شباط الجاري.

وبات من المهم اليوم مواجهة ساسة الاحتلال وتعزيز التحرك الشعبي علي المستوي الفلسطيني والى تحركات شعبية عربية ودولية انتصارا على السجان وقيوده وتضامنا مع الاسرى في سجون الاحتلال ..

وتواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي والمحاكم الإسرائيلية اعتقال وسجن الفلسطينيين إدارياً وفقاً لقانون الطوارئ لعام 1945 الذي كان معمولاً به إبان الانتداب البريطاني لفلسطين وهو قانون يتيح لسلطات الاحتلال الإسرائيلي اعتقال الفلسطينيين وزجهم في السجون دون محاكمات أو حتى إبداء الأسباب لفترات مختلفة قابلة للتجديد تلقائيا.

ولم تكتفِ سلطات الاحتلال بالاعتقال الإداري بل أقرت العمل بقانون المقاتل غير الشرعي لعام 2002 الذي يخولها اعتقال الفلسطينيين وزجهم في السجون دون أن توجه لهم تهمة أو أن يعرفوا مدة اعتقالهم.

ووفقاً لمصادر وزارة الأسرى فإن عدد المعتقلين إدارياً من بين المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية (290) معتقلاً من بينهم رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني وعدد من نوابه ومن بينهم الشيخ خضر عدنان الذي أوقف إضرابه بعد 66 يوماً والمعتقلة هناء شلبي.

رئيس تحرير جريدة الصباح – فلسطين

كتاب التاريخ ولبنان "الموحد"/ الكولونيل شربل بركات


لفتنا اليوم المؤتمر الصحفي الذي رد فيه الشيخ سامي الجميل على مشروع كتاب التاريخ "للبنان الموحد" والذي تزمع وزارة التربية الوطنية اعتماده، وقد جاء فيه، على ما قال النائب الجميل، تعظيم لدور حزب الله في ما يسمى "مقاومة" وتناسي كل نضال اللبنانيين الآخرين، وكأن البلد لا يزال حكرا على فئة تعتبر نفسها "منتصرة" وتفرض رأيها بالقوة على كل الآخرين.

لم يتثنى لنا قراءة كتاب التاريخ المذكور ولن يتثنى لنا ذلك بدون شك في القريب العاجل. ولكننا بناء على ما قاله النائب الجميل، الذي نثق به وبكلامه، نريد أن نضع بعض النقاط على الحروف. فليس فرض الرأي بالقوة وبالاستعانة بالنظام السوري تارة، وبقوات عرفات تارة أخرى، وبالحرس الثوري الإيراني أو نظام البعث العراقي، ولا بالاتحاد السوفياتي أو الجيش الاسرائيلي أو الأميركي أو السعودي أو المصري أو الفرنسي أو التركي وغيرهم من دول وقوى ومسميات، هو ما مكّن اللبنانيين أو ما سيمكنهم من التوصل إلى اتفاق يعيد للبلد استقراره وللسلطة هيبتها وللحياة العادية دورتها كما هو حاصل عند كافة شعوب الأرض، إنما الاعتراف بالآخر وبحقه بالحياة الكريمة والقبول بأن نحتكم جميعا لقانون واحد لا يجحف بحق أحد ولا يتغاضى عن ظلم فئة، ولو أجمع كثر على القبول بهذا الظلم، ولا يفضل مواطن على آخر أو طائفة من المواطنين على غيرها من الطوائف.

نقول هذا لأننا كأبناء المنطقة الحدودية في جنوب لبنان عانينا أكثر من كافة اللبنانيين، ومنذ ما سمي بمأساة الشعب الفلسطيني، من الاجحاف والظلم، ومن الاعتداءات على أرزاقنا وأعراضنا وأعناقنا تحت شعارات "المقاومات" المتعددة التي طالما تاجرت ولا تزال تتاجر "بالقضية" وتفرض علينا وعلى لبنان مفاهيمها لمنع الحلول "الاستسلامية"، وبالتالي تحمّلنا نتائج خيارات لا ناقة لنا بها ولا جمل، كان آخرها مصادرة الولي الفقيه لحق الدفاع عن القدس والعمل على استرجاعها بعدما تصوّر العرب حلولا قد يقبل بها العالم وربما "العدو"، ما رفضه قطعا الولي المكلف بتحضير عودة الامام المنتظر "ولي الزمان" والذي له وحده الحق أن يدخل القدس على رأس جيشه الظافر.

نقول للنائب الذي نجلّ ونقدر رأيه، لا عتبا كبعض المحبين كونه لم يأت على ذكر نضال أبناء المنطقة الحدودية واكتفى بالتذكير بأن هناك من ناضل أيضا في الداخل لحفظ لبنان، ولكن من قبيل لفت النظر بأن الحزب الذي يصادر قرار أبناء طائفته ويمنع الراي الآخر داخل بيته لا يمكنه تقبّل أي رأي مختلف، لا ممن يختلف معهم في الايمان ولا في التفكير، ولذا فكل كتبه وقراراته لا معنى لها من قريب أو بعيد، وهو ولو استطاع فرض رايه وفلسفته مؤقتا وبالقوة التي يفاخر بها، لن يبقى إلى ما لا نهاية ممسكا بكافة الخيوط ولا بد للغطرسة أن تزول وللانتفاخ المصطنع أن ينفس.

نقول للجميع بأن أبناء المنطقة الحدودية، وهم أشرف اللبنانيين، ليس لانتمائهم لفئة دون أخرى، إنما لارتباطهم بالأرض، وتعلقهم بأخلاقيات وقيم لبنان التي تربوا عليها، فهم استقبلوا الفلسطينيين لاجئين، وتقاسموا معهم لقمة العيش، وأيدوا حقهم بالكرامة والحياة، ولكنهم يوم باع هؤلاء قضيتهم لصالح الأنظمة المتاجرة بها وحملوا السلاح لتخريب لبنان، قاوموهم بكل جرأة ومنعوهم من تهجيرهم وانشاء الوطن البديل. وهم لم يرهبهم، كما غيرهم، أن يتعاونوا مع جيرانهم على البقاء من ضمن احترام حقهم بالصمود في الأرض التي أحبوا والدفاع عن التراب الغالي. ويوم كان الوطن يرزح تحت عبئ احتلال "الأشقاء" شكلوا أملا لانقاذه حين تجابن من في المناصب وغرر بمن حولهم.

الجنوبيون أبناء المنطقة الحدودية لم يقسموا الناس فئات، ولا رفعوا علما غير علم لبنان حتى في ظل وجود الجيش الإسرائيلي على الأرض اللبنانية. لم يتنازلوا عن أرضهم ولا باعوها للغريب، ولو كانوا تخلوا عن مسؤولياتهم كما تخلى عنها من في الحكم، لكان الجنوب كالجولان ينتظر حلولا دولية لنقل المستعمرات أو وقف بنائها. ونجرؤ أن نقول أن من يدّعي المقاومة وأسياده، هم من لم يعجبه صمودهم في الأرض، وحفاظهم على استقلالية القرار، وتعلقهم بالوطن دون سواه، ولذا فقد كانت حروب هؤلاء، التي يفتخرون بها حتى اليوم، حربا على أبناء الجنوب لا على جنود ما سموه بالاحتلال، والدليل الاتفاق الذي عقدوه بعد عملية ما سمي "عناقيد الغضب" حيث وافقوا على "المقاومة بالتراضي" كما سماها يومها صديقهم الجديد "العماد عون"، وقد قبلوا في ذلك الاتفاق بعدم التعرض لاسرائيل والاستمرار بقتل أهل الجنوب مدنيين وعسكريين. ونتحدى أي كان أن يدلنا على عملية واحدة قاموا بها ضد موقع إسرائيلي بينما الكل يعلم عدد القتلى المدنيين من أهلنا على بوابات العبور في بيت ياحون وكفر رمان وغيرها، وعدد الأطفال الذين قتلوا في قصف بيت ليف، والذين قتلوا من جراء المتفجرات التي زرعت على الطرقات إن في كفركلا أو العيشية أو منطقة جزين.

الجنوبيون لن يسموا من طلب منهم القفز فوق الشريط إن أغلق الإسرائيليون البوابات، ولا من داهم المنازل تفتيشا عن أسلحة الفلسطينيين وأعوانهم، أو وقف على الحواجز، ولن ينشروا أسماء المسؤولين من كل الفئات والطوائف الذين استعملوا وسائل مخزية لمقابلة جيرانهم طلبا لحاجة. فهم، وعلى رؤوس الأشهاد، تمسّكوا بحقهم في قرار عدم الاعتداء، لا بل بالتعاون، في سبيل المصلحة المشتركة (وهي كانت أقرتها اتفاقية الهدنة منذ 1949) يوم هربت الدولة وأجهزتها وساوم الخطيب (صنيعة سوريا بتمويل القذافي) وفتح، إسرائيل على عدم الاعتداء مقابل تركهم يسقطون البلد.

الجنوبيون لم يتعاونوا مع جيرانهم قبل أن يلتزم نصف لبنان بفتح خيوط التعاون مع هؤلاء، وبالرغم من الحصار الذي فرضه عليهم من ادعى "المقاومة" يومها لمنع لقمة العيش ونقطة الماء والدواء عنهم، لم يغلقوا بابا إلا بعد أن هوجموا في عقر دارهم.

والجنوبيون يفاخرون بأن قادتهم مشهود لهم بالوفاء للبنان منذ الرائد سعد حداد الحامل وساما في مواجهة الإسرائيليين في معركة سوق الخان إلى اللواء أنطوان لحد قائد منطقة الجنوب ثم منطقة البقاع والذي أعاد تنظيم الجيش اللبناني في ثكنة صربا يوم كانت المليشيات تحكم البلد، وله الفخر بأن مساعده العماد طنوس أصبح قائدا للجيش. وهم استقبلوا ابو أرز يوم ضاق لبنان بقادته وفتحوا أبوابهم لكل من أراد الهرب من طغيان السوريين وأعوانهم.

والجنوبيون الذين التحق بهم الكثير من اللبنانيين ومن مناطق مختلفة لأنهم حافظوا على صيغة العيش المشترك واحترام المقدسات والعمل على تأمين كرامة الناس، لن يقبلوا أن يشار اليهم في كتب يشرف عليها حزب الولي الفقيه، فهؤلاء إلى زوال وهم باقون.

نقول للنائب الذي يحبه الكثير من اللبنانيين بأن لبنان لا يزال بحاجة لكثير من الوعي لكي يدرك من يدّعي قيادته أهمية ما يجري من حوله. ونحن نؤمن بأن كل من امتدت يده بالشر على لبنان وشعبه المحب للسلام مصيره سيكون كهؤلاء الذين يتساقطون كل يوم من على العروش. ولا نخاف على المصير إنما أملنا بأن نكون مثالا لتجربة التعاون بين المختلفين وحتى المتخاصمين. فهذا البلد مرت عليه عبر التاريخ دولا وقوى ومتجبرين ذهب كل أدراجه ولكن شعبه بقي واستمر محافظا في كل مرة على معنى آخر اكتسبه من معاناة مختلفة زادته حكمة وتروّي. ونأمل اليوم أن تزول المحنة التي نمر بها منذ سنين طويلة ولكن مع التوصل إلى مفهوم جديد لتجربة خاضها الكل ولم ينفع فيها التورم المصطنع ولا الاستقواء بالغير. فهل يلهم الله من يعتقد بأنه يحكم الآن واثقا من قدراته وترسانته بأنه "لو دامت لغيركم ما وصلت لكم؟"

لبنان الموحد هو حاجة ليس للمنطقة فحسب إنما للعالم، وكتاب التاريخ لا يفرض على الناس ليشعروا بالقهر، وذكر مراحل وتجارب الشعب هي دعوة لتفهّم الأمور والتعلّم من الاخطاء وأخذ العبر للمستقبل و"جل من لا يخطئ"، ومن يعتقد بأنه، خاصة في هذا الزمن، قادر على محو تاريخ الآخرين ونضال ألوف مؤلفة من الناس لم يقرأ جيدا بعد ويبدو أنه لم يتخلص من عقده الذاتية ولم يشعر بالأمان، ربما، ولذا فمشواره طويل ومعاناته لم تنته.

اللبنانيون سينتصرون بالتأكيد وسيقوم البلد موحدا بشكل صحيح ومتوازن بشكل صحي حيث سيشعر الكل بالانتماء وبالقدرة على التأثير في تقدم المسيرة وسيصبح كما كان دوما معلما ومدرسة لتنظيم المجتمعات المتعددة والتي يعج العالم بها اليوم.

اللبنانيون يوم يعودون لقيمهم ويعتبرون من التجارب سيتخلون بالتأكيد عن العنجهية الفارغة وعن التورم المرضي وسينطلق من بينهم بناة حقيقيون لبلد على قدر الطموحات. فلا تخف أيها النائب العزيز على كتاب التاريخ فالمستقبل سيقوم على ورشة بناء أساساتها أمتن من الأسلحة الصدئة ومؤرخوها متعمقون بالمعرفة ومترفعون عن الانانية والبغضاء.

الجانب المظلم من التكنولوجيا المعلوماتية/ سهى بطرس هرمز

الجريمة كما نعلم بمفهومها المُبسّط، وكما هي في نطاق القانون الجنائي وقانون العقوبات، تعرف بأنها كل فعل أو امتناع عن فعل يحرمهُ القانون، ويفرض عليه عقوبة أو تدبيرًا احترازياً، تبعًا لنوع الجريمة المُرتكبة وخطورتها، والتي تلحق ضرراً بشخص معين أو بمُجتمع ككُل. وقد عرفت المُجتمعات الإنسانية جرائم مُتعددة واجهتها بشتّى السُبل والوسائل وسنتْ لها قوانين مختلفة. لكن مع تطور العلوم والتكنولوجيا ودخول وسائل الاتصال المتعددة من أجهزة الموبايل وشبكات نقل المعلومات وشبكة الانترنيت إلى مجتمعاتنا وكافة جوانب حياتنا، بدأت بإفراز أنماط مُستحدثة من الجرائم، مُعقدة في طرق ارتكابها ووسائل كشفها، مُخلفة خطراً يُؤرق المجتمع على الصعيد المحلي والدولي معاً. تسمى جرائم الانترنيتInternet Crime أو جرائم المعلوماتية Information Crime. والتي هي فعل إجرامي أو سلوك غير مشروع وغير مسموح به، في محاولةٍ للوصول لبيانات سرية مخزونةٍ داخل الحاسوب، وغير مسموح بالإطلاع عليها ونقلها ونسخها أو حذفها. أو تدمير بيانات وحواسيب الغير بواسطة الفيروسات، والاعتداء على حرية الأشخاص واستغلالهم. والدراسات والمؤلفات في هذا الحقل قديمها وحديثها خلت من تناول الفقه على تعريف مُحدد للجريمة المعلوماتية. حسب ما وردّ في شبكة النبأ المعلوماتية، بحجة إن هذا النوع من الجرائم ما هو ألا جريمة تقليدية ترتكب بأسلوب الكتروني. وقد تباينت التعريفات التي تناولتها وفق معيارين: معيار قانوني قائم على موضوع الجريمة والسلوك محل التجريم أو الوسيلة المستخدمة، ومعيار شخصي: وتحديدا يتطلب توفر المعرفة والدراية التقنية لدى شخص مُرتكب الجريمة. إضافة إلى التعريف القائم على تعدد المعايير: والذي يشمل التعريفات التي تبرز موضوع الجريمة وأنماطها وبعض العناصر المتصلة بآليات وبيئة ارتكابها أو سمات مُرتكبيها. كما ذكرنا أعلاه بأن الجرائم تعددت واختلفت صورها وخاصة الالكترونية، ولم تقتصر على جرائم الفيروسات، وجرائم اقتحام واختراق الشبكات الالكترونية وتدميرها أو سرقة معلومات وبيانات الأشخاص أو المؤسسات والبريد الالكتروني، بل انتشر إضافة إليها جرائم أخلاقية تمسُّ الإنسانية مثل الابتزاز والاختطاف والقتل والتهديد والتهجم والسب والشتم ... الخ، وجرائم التخطيط لارتكاب عمليات إرهابية وتعليم الإجرام، والجرائم الجنسية من التغرير بالأطفال والنساء، وجرائم الدعارة والدعاية للشواذ أو تجارة الأطفال والمُمارسات الغير أخلاقية، إضافة إلى جرائم الاتجار بالبشر والذي يمثل نوع من الإجرام الدولي المنظم الذي يدر مليارات الدولارات، ونسميه في عصرنا الحالي (استرقاق العصر الحديث). بعكس الاسترقاق في الأزمنة الماضية. مُضيفين إليها جرائم التشهير وتشويه السمعة عبر مواقع مُخصصة لهذا الغرض. هذه الجرائم جميعها وغيرها الكثير باتتْ ترتكب نتيجة للفرص الذهبية التي يتيحها الانترنيت من تسهيل لارتكاب الجرائم التقليدية من ناحية، ولأن الانترنيت يساعد على حدوثها بنسبة أكبر، لأنهُ لا يعترف بالحدود أو الحواجز بين الدول والأشخاص. والتفتيش في نوع هذه الجرائم عادة يتم على نظم الكمبيوتر وقواعد البيانات وشبكة المعلومات، وقد يتجاوز النظام المشتبه به إلى أنظمة أخرى مُرتبطة، وهذا هو الوضع الغافل في ظل شيوع التشبيك بين الحواسيب وانتشار الشبكات الداخلية على مستوى الشبكات المحلية والإقليمية والدولية.مع الأسف تحول الكمبيوتر إلى مسرح لارتكاب الجرائم الالكترونية، تستخدم فيها شبكة الانترنيت كأداة فيه، والتي لا تترك أثراً ماديًا كغيرها من الجرائم ذات الطبيعة العامة والخاصة، لأن مُرتكبيها يمتلكون القدرة على إتلاف وتشويه وإضاعة الدليل في فترة قصيرة جدا مُقارنة بالأثر الذي تتركهُ الجريمة التقليدية. ولو نظرنا إلى الجريمة الالكترونية نجدها تتشابه مع الجريمة التقليدية فقط في أطراف الجريمة من المُجرم (المجني)، والضحية (المجني عليه) والذي قد يكون شخص طبيعي أو شخص اعتباري. بينما الاختلاف الحقيقي يكمْن في الأداة المُستعملة ومكان الجريمة، والتي تكون في الجريمة الالكترونية ذات تقنية عالية، وأيضا المكان الذي لا يتطلب من الجاني الانتقال إليهِ. إذن أصبح من الصّعب حصرّ جرائم الانترنيت في أشكال وأساليب مُحددة، فيومًا بعد يوم ومع تطور التكنولوجيا تزداد تنوعًا وتعدداً كلما زاد العالم في استخدام الحواسيب وشبكات الانترنيت. ويمكننا القول اليوم وفي خضم التطور الهائل والسريع للتكنولوجيا بأن المجال أصبح مفتوحًا لكل أنواع الجرائم، وأصبح الانترنيت ساحة إجرام مثالية تتحدّى الأجهزة القضائية بقدرات وإمكانيات أكبر، بشكل يُهدد أمنها وأمن ورقي المجتمع. فالمعلوماتية إذا كان لها من السلبيات ما ذكرناها، فلها من الايجابيات أكثر. فهي وسيلة تعليم وتواصل وتثقيف وتعريف، ومفيدة في كثير من النواحي لا تعدُّ ولا تحصّى. فهي مفيدة من الناحية الأمنية ومن الناحية العلمية والعملية والتثقيفية والاقتصادية والتجارية، وكذلك فهو يساعد على التطلع على ثقافات وحضارات الشعوب وتقريب الأفكار والتواصل معها. ولكن في حالة ما إذا استخدم بشكل خاطئ وغير قانوني، عندها يكون مُهدد للأمن الاجتماعي، وخاصة في المُجتمعات المُغلقة. وبالتالي يؤدي إلى تلوث ثقافي وأخلاقي وفكري، مُخلفًا فساد وتفسخ اجتماعي وانهيار في النظم والقيم الأخلاقية والسلوكيات لهذه المجتمعات. ونلاحظ التأثير السلبي للاستخدام السيئ والغير القانوني للشبكة، يكون أكثر على المراهقين الهواة! مما يؤثر سلباً على نمو شخصيتهم وسلوكهم ويوقعهم في أزمات نمو فكري، وأزمات نفسية لا تتماشىّ مع القيم والأخلاقيات السائدة في المجتمع، من ذلك التعامل مع المواقع الإباحية وغرف الجات والدردشة لساعات طوال. مع العلم إن الاستخدام الغير قانوني والغير أخلاقي للشبكة ليس مُقتصر على فئة معينة دون أخرى، بل باتْ يستخدم وبنسبة (لا نعمّم على الجميع) ابتداءً من الطفل وانتهاءً بالكهل. أي يستخدم من قبل مُختلف الفئات العمرية ولكلا الجنسين.
وهذا النوع من الجرائم بدأ يثير جدلاً واسعًا على مستوى العالم لخطورتهِ واستفحالهِ بشكل مُثير للدهشة. وقد شرعت العديد من الدول الأوربية قوانين خاصة بهكذا نوع من الجرائم الالكترونية مثل هولندا وبريطانيا وفرنسا واليابان وكندا، كما اهتمت البلدان الغربية بإنشاء أقسام ومراكز خاصة بمكافحة جرائم الانترنيت ولاستقبال ضحاياه وشكواهم. ووفقًا للقاعدة القانونية في قانون العقوبات (لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص قانوني). باعتبار إن التشريعات العربية لم تعالج هذا النوع من جرائم الانترنيت، وبالتالي بقيت هذه الأفعال والمُمارسات جميعها خارج سلطة القانون. إن الجرائم الالكترونية تنطوي على قدر كبير من الخطورة بالشكل الذي يستلزم الاهتمام بها وتقليص حجمها على الحياة العملية والعلمية والاجتماعية والأخلاقية والبيئية، ولابدّ من سنَّ قوانين وتشريعات مهمة وصارمة بحق مُرتكبيها توقف مُجرمي التقنية وتقلل من حدة هذه الجرائم من خلال إتباع الفكر الوقائي والتثقيفي للفرد، والتنبيه بالمخاطر السلبية الناجمة عنها. واهتمامًا بالمخاطر التي قد تنجم من استخدام شبكات الحاسب الآلي والمعلومات الالكترونية وإدراكًا للحاجة، لتأمين توازن دقيق بين مصالح تطبيق وتنفيذ القانون من جهة واحترام الحقوق الأساسية للإنسان، كما تجسّدت في المواثيق والمعاهدات من جهة أخرى، فإن الدول الأعضاء في المجلس الأوروبي والدول الأخرى الموقعة، قد وضعتْ اتفاقية بودابست لمكافحة الجرائم المعلوماتية 2001. اقتناعًا منهم بالحاجة لمُواصلة سياسة جنائية مُشتركة تهدف إلى حماية المجتمع من جرائم الفضاء ألمعلوماتي كهدف أساسي. ونظرا للعدد الهائل والضخم الذين يرتادون هذه الشبكة، فقد أصبح من السهل واختصارا للوقت، ارتكاب أبشع الجرائم بحق مُرتديها ومُستخدميها. سواء كانوا أفرادا أو مُجتمعات بأكملها. وهذا ما دفع بالكثير إلى إطلاق الدعوات والتحذيرات من خطورة هذه الظاهرة التي تهدد جميع مُستخدميها. وإن أهم خطوة في مكافحة هذه الجرائم هو تحديدها وتحديد الجهة التي يجب أن تتعامل معها، مع العمل على تأهيل منسوبيها بما يتناسب وطبيعة هذه الجرائم المُستجدة، ويأتي بعدها وضع تعليمات مكافحتها والتعامل معها والعقوبات المقترحة ومن ثم التركيز على التعاون الدولي لمكافحة هذه الجرائم. مع ضرورة توعية الشباب والمراهقين بجرائم الانترنيت، وتنبيه الآباء بضرورة تقديم نصائح لأبنائهم وتوعيتهم بالمخاطر الناجمة عنه، مع التأكيد أيضاً على ضرورة إطلاق حملات توعية وسط المدارس ومقاهي الانترنيت ونوادي الشباب، مع أعطاها أهمية وأولوية ضرورية واهتمام جدي بهذه المسألة.

تحالف القاعدة الأفغاني يتجدد ضد سورية/ نقولا ناصر


إن الساعين إلى "تغيير النظام" في سورية، "طوعا أو كرها" كما قال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، لاستبداله بآخر مؤمركا أو مسعودا أو مقطرنا أو بائتلاف يوفق بين كل هذه التوجهات المتناقضة في ما بينها ك"أنظمة سياسية"، بعد أن أحبط حق النقض "الفيتو" الروسي والصيني جهودهم لانتزاع ورقة تين من شرعية مجلس أمن الأمم المتحدة تمكنهم من تكرار السيناريو الليبي في سورية، لم يجدوا أمامهم سوى خيار تكرار السيناريو الأفغاني الذي استخدموه خلال ثمانينيات القرن العشرين الماضي لإخراج القوات السوفياتية من أفغانستان، عندما أنشأوا تحالفا عربيا دوليا تقوده الولايات المتحدة الأميركية ل"اصدقاء القاعدة"، وهو ذات التحالف الذي يتكون منه اليوم مؤتمر "أصدقاء سورية" الذي استضافته تونس أواخر الأسبوع الماضي.

في أفغانستان آنذاك، كما في سورية اليوم، كان الفيتو الروسي بالمرصاد لأي تدخل عسكري أجنبي نظامي، فكان اللجوء إلى "الجهاد" بقيادة القاعدة، بتسليح أميركي – غربي وتمويل عربي خليجي ودعم لوجستي واستخباري من الدول المؤتلفة في ما يمكن تسميته ب"تحالف القاعدة الأفغاني" هو الحل الذي نجح فعلا في تحقيق هدفه. ومن تابع بيان مؤتمر "أصدقاء سورية" بتونس، وتوصياته، ومعطياته ومقدماته لا يساوره أي شك في توجه هؤلاء "الأصدقاء" - الذين لا تحتاج سورية بمثلهم إلى اعداء - إلى إحياء سيناريو القاعدة الأفغاني ضد سورية.

طبعا لم يصدر لا عن القاعدة ولا عن "أصدقاء سوريا" العرب وغير العرب ما يؤكد وجود تنسيق بينهما ضد سورية، غير أنه ليس من السهل على قطر كعنوان عربي لهؤلاء "الأصدقاء" نفي وجود تنسيق كهذا في ضوء التقارير الاعلامية عن تنسيق مماثل في ليبيا مع قيادات "كانت" في القاعدة وفي ضوء التقارير المماثلة عن وساطة قطرية بين طالبان الأفغانية وبين الولايات المتحدة،، لكن الاتفاق العلني بين الجانبين على إسقاط النظام الحالي في سورية يحولهما بحكم الأمر الواقع إلى حلف يرجحه تحالفهما الأفغاني السابق، وهو حلف إن توفرت الأدلة عليه فإنها سوف تمزق أسطورة القاعدة كذريعة للحرب الأميركية العالمية على ما تصفه ب"الارهاب" في الوطن العرب والعالم الاسلامي. وإذا كانت تصريحات "أصدقاء سوريا" عن تسليح "المعارضة" تعاني من حالة "إسهال" فإن هناك وفرة أيضا في الأدلة القاطعة على مشاركة القاعدة في التسليح وفي العصابات المسلحة على حد سواء، وليس آخرها الدعوة العلنية التي وجهها زعيم القاعدة أيمن الظواهري في الثاني عشر من الشهر الجاري.

إن إعلان فرع القاعدة في العراق عن مسؤوليتة عن آخر موجة تفجيرات وهجمات في بغداد وغيرها من الحواضر العراقية يذكر بحقيقة ان القاعدة لم يكن لها وجود في العراق إلا بعد الغزو فالاحتلال الأميركي، وأن استمرار نموها في ظل الاحتلال وبعد انسحاب قواته المقاتلة، وإدانة المقاومة الوطنية العراقية المتكررة لمثل هذه الهجمات التي تنفذها القاعدة، هي حقائق لها تفسير واحد، وهو أن تحالف القاعدة الأفغاني قد استقدم واستخدم القاعدة ضد استفحال النفوذ الايراني ويستخدمها اليوم لمنع هذا النفوذ من ضم العراق إلى جبهة مقاومة له تمتد من إيران إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط.

غير أن سيناريو القاعدة الأفغاني الذي نجح في إخراج القوات السوفياته من افغانستان سوف يفشل في سورية، لسبب بسيط واحد رئيسي، وهو أن القوات السوفياتية كانت قوات احتلال هناك، كما هي القوات الأميركية تحت مظلة حلف الناتو اليوم، ولأن مقاومة الاحتلال الأجنبي كانت حركة تحرر وطني تحظى بالدعم الشعبي وشرعية القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وكان انتصارها حتميا ومؤكدا سواء قادتها القاعدة وطالبان أم غيرهما، بينما الوضع على النقيض في سورية اليوم، حيث يهدد هذا السيناريو باحتلال أجنبي لسورية، من المؤكد أن الشعب العربي السوري العريق في مقاومته للاحتلال الأجنبي، وطنيا وقوميا ودوليا، سوف يقاومه بكل وسائل الدفاع الوطني، مدعوما بشرعية القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة و"أصدقاء" سورية الحقيقيين، وسوف يكون انتصاره حتميا ومؤكدا كما كان انتصار الشعب الأفغاني على الاحتلال السوفياتي في القرن الماضي وكما سيكون انتصار هذا الشعب على الاحتلال الأميركي في القرن الحادي والعشرين الحالي.

فسيناريو القاعدة الأفغاني ليس موجها ضد قوة احتلال أجنبية، بل موجه ضد نظام وطني قاوم ودعم المقاومة ضد الاحتلال الأجنبي الاسرائيلي في الغرب والأميركي في الشرق، لجزء من الوطن السوري وأجزء من الوطن العربي على حد سواء، وكان جيشه من الجيوش العربية القليلة التي خاضت حروبا متتالية ضد الاحتلال الأجنبي، ولا يزال حتى اليوم هو الجيش العربي الوحيد في حالة حرب فعلية مع دولة الاحتلال الاسرائيلي، بالرغم من الهدنة التي طال أمدها بعد حرب تشرين عام 1973.

ولهذا السبب على وجه التحديد يبحث تحالف القاعدة الأفغاني الجديد، باسم "تحالف أصدقاء سوريا"، عن سيناريو ليبي مرة وافغاني مرة أخرى وبدائل اخرى في مرات مقبلة لن تتوقف حتى تتوقف سورية عن كونها القطر العربي الوحيد في دول الطوق العربية الذي لم يوقع معاهدة "سلام" مع دولة الاحتلال، وهذا الانفراد لا يزال يمثل العقبة الكأداء أمام هيمنة السلام الأميركي – الاسرائيلي اقليميا، بغض النظر عمن يقود النظام في دمشق، حزبا كان أم عائلة ام طائفة أم فردا.

فالقضية ليست حزبية ولا عائلية ولا طائفية ولا شخصية ولا تتعلق بالنظام الحاكم ولا بطبيعته كما يحاولون تصوير الصراع للتضليل، وربما لهذا السبب تجري شيطنة الجيش العربي السوري ليوصف بأنه "آلة قتل" لشعبه (خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز) بينما لا يزال يرفض اجتياح ثلاثة أحياء صغيرة في حمص حرصا على أرواح الرهائن المدنيين فيها وهو القادر على اجتياحها ربما خلال سويعات قليلة، ولهذا السبب كذلك يوصف الحكم في سورية بأنه "أصبح أشبه بسلطة احتلال" (الأمير سعود الفيصل) !

وفي سياق الحديث عن التضليل الاعلامي، يكاد دفق تصريحات "أصدقاء سوريا" عن التهديد بالحرب، والتدخل العسكري الأجنبي، وإرسال قوة "حفظ سلام" دولية أو عربية، و"الممرات الانسانية"، وتسليح "معارضة" يريدون اصطناعها وتوليدها قيصريا، لكنها لم تولد بعد لتكون جديرة باعتراف "مؤتمر أصدقاء سوريا" بها أو لدعوتها لحضور القمة العربية المقررة في بغداد الشهر المقبل، لتزييف إرادة الشعب السوري ومعارضته الوطنية الحقيقية الرافضة علنا وتكرارا لكل ذلك ليصطنعوا منها ممثلا شرعيا وحيدا للشعب السوري.

ويكاد كل ذلك وغيره يحجب حقيقة أن الحرب قد بدأت ضد سورية منذ الأيام الأولى التي اختطفت "العسكرة" الاحتجاجات الشعبية للمعارضة الوطنية، وحقيقة أن كمية ونوعية السلاح الذي اختطف تلك الاحتجاجات منذ أيامها الأولى يؤكد بأن التسليح كان مخططا ومتوفرا وواقعا على الأرض وليس "فكرة ممتازة"، كما قال الأمير سعود الفيصل في تونس، لا تزال بانتظار من يتطوع لتنفيذها، أو مشروعا مستقبليا يسعى "أصدقاء سوريا" اليه بعد حوالي عام من التسليح الفعلي الواسع الذي دفن الحراك الشعبي والمعارضة الوطنية تحت أنقاض البنى التحتية والمنشآت العامة التي دمرها وتحث جثث آلاف الشهداء من العسكريين قبل المدنيين. ومنذ الأيام الأولى جهد التضليل الاعلامي من اجل إخفاء هذه الحقائق التي اضطر الكثيرون من "أصدقاء سوريا" إلى الاعتراف بها مؤخرا، لأنه لم يعد في وسعهم الاستمرار في المكابرة لتجاهلها أو نفيها وإلا فقدوا ما تبقى لهم من صدقية، ولا يعود الفضل في ذلك إلى الصوت الخافت للاعلام السوري الذي بالكاد يجد له متنفسا في خضم القصف الاعلامي المعادي الهائل، بل لأن هذ الحقائق فرضت نفسها إرهابا أعمي مدمرا على الأرض أصبح هو عنوان "المعارضة" المطلوبة لدى "أصدقاء سوريا".

وفي سياق الحديث عن التضليل أيضا يندرج تصريح وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون الشهر الماضي بأن التدخل العسكري في سورية "قد استبعد تماما"، والتصريح المماثل لأمين عام حلف الناتو أندرس فوغ راسموسن الذي استبعد ذلك حتى بتفويض من مجلس الأمن الدولي بحجة "حماية المدنيين"، فمثل هذه التصريحات تحجب حقيقة التدخل السافر الجاري فعلا بالسلاح والمال والسياسة والاقتصاد والاعلام وبالدعوة العلنية إلى "تغيير النظام" و"تنحي الرئيس". وكلينتون لم تكن ترجم بالغيب عندما صرحت بثقة لا لبس فيها في لندن مؤخرا بأن الرئاسة السورية سوف تواجه "قوات معارضة يتزايد اقتدارها"، فهي تعرف تماما كيف يتم زيادة هذا الاقتدار. فالحرب جارية فعلا والتدخل على أشده ويتصاعد، ولن تغير هذه الحقائق أو تحجبها عن الرأي العام تصريحات مثل قول السيد راشد الغنوشي رئيس رئيس حركة النهضة التونسية الحاكمة فعلا بعد الثورة إن تونس اشترطت لاستضافة مؤتمر "أصدقاء سوريا" عدم صدور قرارات عن المؤتمر تؤيد أي تدخل عسكري في سورية، فالهدف الرئيسي للمؤتمر كان البحث العلني عن مدخل لهذا التدخل.

ومن الواضح الآن أن تحالف القاعدة الجديد يخير سورية بين إنهاء انفرادها الشاذ عن الانضمام للمنظومة الأمنية الأميركية – الاسرائيلية الاقليمية تحت مظلة حلف الناتو وبين حرب غير نظامية متطاولة، "لاحراق سورية من الداخل" كما قال نظير كلينتون الأسبق هنري كيسنجر لصحيفة نيويوركر مؤخرا، تمهد لعدوان عسكري أجنبي نظامي أو "تلعب" في الوقت الضائع - بثمن باهظ لا يعوض من الدماء السورية ومن محاولة تدمير البنى التحتية للدولة السورية وإضعاف جبهتها الداخلية أمام دولة الاحتلال الاسرائيلي - بانتظار توفر ظروف أفضل تسمح بعدوان كهذا.

*كاتب عربي من فلسطين

فلسطينيون لا يستحون/ سعيد الشيخ

يقول المثل "ان لم تستحي فأفعل ما شئت" وقد فعلت القيادتان الفلسطينيتان المتنازعان في حركتي فتح وحماس كل ما في وسعهما لتعطيل المصالحة فيما بينهما.
جولات متعددة من الحوار من أجل المصالحة كانت تنتهي ببيانات تطمئن الشعب الفلسطيني ان الخلاف بين الطرفين في طريقه الى الزوال .. ثم تمر أيام ليكتشف الشعب ان الخلاف ازداد عقدا على عقده الاولى. أي ان الخلاف يبيض ويفقّس خلافات على خلافات.
الشعب الفلسطيني ما عاد يعرف ما هو سبب الخلافات.. مع بدايتها كان يميل البعض على تفسير الخلاف بأنه بين نهجين سياسيين مختلفين، النهج الاول هو من تتبناه حركة فتح وقد تنازلت عن الحقوق الفلسطينية وهجرت الكفاح المسلح لصالح المفاوضات مع العدو. والنهج الثاني وهو من تتبناه حركة حماس التي تصيح بأعلى الصوت بأنها تتمسك بالمقاومة وتريد تحرير فلسطين من البحر الى النهر.
يعرف الفلسطينيون ان هذه السياسة المعلنة لحماس غير مطبّقة على الأرض، فهي لا تقاوم وبنفس الوقت تمنع المقاومة. وقد أعلن مسؤولها الاول خالد مشعل ان حركته توافق على إقامة دولة فلسطينية على أراضي عام 67...وحركة فتح هي الاخرى توافق وهي متلها مثل حماس لا تقاوم.
فلسطين كلها تدوخ لتعرف على ماذا يختلف هؤلاء!. ولماذا يعلنون عن المصالحة في الليل ولا تتم في الصباح؟ هل هناك من يلعب برؤوسهم وعقولهم؟ هل هم أدوات برتبة قيادات؟ لمصلحة من يتنازعون؟
يقول قائد فلسطيني قديم، عندما كنا نختلف على النهج فيما بيننا كانت توحّدنا فلسطين. فما بال هؤلاء الوطنيون جدا لا يوحّدهم الوطن؟ الفلسطينيون كحدّ السيف لا توحّدهم فلسطين؟ المتدينون بوحدانية الله لا يتوحدون عند عتبات المقدسات المهددة؟
هل ما عادوا يريدون فلسطين، إنما الاكتفاء بسلطة فلسطينية تؤمّن لموظفيها فقط بعض الفتات من المحتل نفسه لقاء تأمين خدمات أمنية؟ّ!
وهل غيّروا عهدهم بتحرير البلاد، ليستبدوا بما تجود به صناديق الاعانات وصناديق الشحادة وصناديق بيع المواقف.
هل بات الوطن مجرد حكومة وعنوان لخلاف لا ينتهي؟..
ليستحوا ويوقفوا هذا الخلاف الممنهج والمموّل، ففلسطين تئن من طعناتهم.
ليوقفوا هذه المتاجرة وهذه المشاجرة الدنيئة والخبيثة.
وإن لم يوقفوا ولم يستحوا، فعلى الشعب ان يأخذ زمام المبادرة!
لينهض الشعب الفلسطيني ويرفع مكانسه بدل بنادقه ويكنس هذه الافرازات الى مزابل التاريخ ويوقف هذا الخزي!

إنهم خارج التغطية/ علي مسعاد

قديما قيل أن " الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك " ، و اليوم مع الشبكة العنكبوتية الانترنيت ، لم تعد المفاهيم ما قبل ظهور " النت " هي نفسها ، ما بعده .
حيث تغيرت بشكل جدري و بسرعة قياسية ، لا توازيها إلى سرعة " التي جي في " ، أو إرسال رسالة عبر " إس إم إس " ، فمفهوم "الزمن" في السابق ، شأنه في ذلك شأن مفهوم "المكان" ، تغير بشكل كبير في عصر الزمن الإفتراضي ، بحيث أصبح بإمكان الفرد منا ، التنقل من زمن إلى آخر و من مكان إلى غيره ، حيث هو ، دون كثير عناء .
مع الثورة المعلوماتية و التكنولوجية ، التي يشهدها العالم ، اليوم ، لم يعد للفرد منا مبررا للتحجج بغياب الإمكانات المادية ، لاستكمال تكوينه أو دراسته ، لأن الدراسة عن بعد ، أصبحت إحدى ميزات العصر الجديد ، فالكل سواسية ، أمام النت ، و أصبح بإمكان الجميع ، قضاء كل حاجياتهم عبر الشبكة و بنقرة بسيطة ، يمكن الإطلاع على أحداث العالم و بشتى اللغات و كل الإغراض الإدارية ، في زمن الإدارة الإلكترونية .
يحدث كل هذا و شاباتنا و شبابنا ، كأنهم خارج التغطية ، كأن " الوقت " الذي يعني " المال " في أوروبا و أستراليا و أمريكا ، لا قيمة له هنا ، بحيث أن الواحد منهم ، قد يقضي الساعات الطوال ، في احتساء مشروبه ، دون إحساس بالذنب ، تجاه الوقت الذي يتسرب من بين يديه كالماء ، الشابات لسن أحسن حالا من الشباب ، فهن بالحدائق العمومية و الأسواق التجارية ، بدون هدف ، إلا لقتل الوقت ، الذي نحن في أمس الحاجة إليه ، أوليس الوقت كالمال و الشباب و العمر ، سوف نسأل عنهم ، غدا أمام الله تعالى .
المسلم الحقيقي ، كما يغيب عن هؤلاء ، لا وقت للفراغ لديه ، يضيعه في التسكع في الطرقات أو في مقاهي الشيشة أو الكلام في الناس أو التحرش أو في الانتظار .
قد يقول قائل ، أن العطالة هي السبب ، و هذا الكلام مردود لصاحبه ، لأنه ليس هناك عاطل بل هناك معطل ، فالفرد منا له طاقات و مؤهلات داخلية ، إن أحسن استخدامها ، حتما سيعرف طريقه إلى المال ، لأن الوظيفة العمومية " لمن يحرق نفسه " ، ليست الوسيلة الوحيدة ، للبحث عن الخبز و الكرامة ، فكل الطرق تؤدي إلى المال الحلال ، طبعا ، يكفي وقفة للتأمل و معرفة الإمكانات الداخلية .
و لعل وجود نماذج ناجحة ، لأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة ، لخير دليل على أن الطاقة الداخلية ، هي المحرك الأساسي للفرد منا و ليس الانتظار أو حرق الذات من بينها ، للإحساس بالذات و الكرامة .
مشكلتنا ، نحن العرب ، أننا لا نعرف قيمة الوقت ، لأن الساعات الطوال التي نقضيها في انتظار مسؤول ما ، في إدارة ما أو في انتظار الطبيب أو الحافلة أو صديق أو قدوم القطار ، لا تقدر بثمن ، في حين أن الفرد في أوروبا أو أمريكا ، يستغرقها في القراءة و مطالعة جديد الأخبار .
الساعات الطوال التي نقضيها في اللاشيء ، لا تعد و لا تحصى ، وفي الوقت الذي يجب أن نلقي فيه بالأئمة على أنفسنا ، نعيب زماننا في حين أن العيب فينا نحن ، الذين استسلمنا للكسل و النوم و الارتخاء .
و هو مثال قد ينطبق على الموظف كالعاطل و أي فرد ، لا يحسن استغلال الوقت ، في أشياء قد تعود عليه بالنفع و الفائدة ، إن ذاتيا أو مجتمعيا ، وهذا ما نحتاجه في زمن أصبحت السنة كأنها شهر و الشهر كأنه أسبوع و الأسبوع كأنه يوم .
الحل هو التغيير من الداخل و ليس انتظار الذي قد يأتي و قد لا يأتي .

الدماء السورية بين جدية أصدقاء الباطل وتخاذل أصدقاء الحق/ محمد فاروق الإمام

بداية أعترف – على ضوء ما يجري على الأرض – أن أصدقاء النظام السوري غير الصدوقين (إيران وحزب اللات وروسيا والصين) يقفون وراء النظام السوري بقوة وتصميم، منسلخين عن الأخلاق والقيم الإنسانية، ومتنكرين لكل ما ادعوه ويدعونه من مناصرتهم للضعفاء والمظلومين.. غير آبهين بشلال الدم النازف من جسد أطفال وشيوخ وحرائر وأبناء سورية منذ ما يزيد على أحد عشر شهراً.. يدفعون بأساطيلهم الجوية والبرية والبحرية تحمل السلاح والعتاد والرجال إلى صديقهم نمرود الشام، دون توقف أو تلكؤ على مدار الساعة، منذ إطلاق النظام الباغي الرصاصة الأولى على صدر الطفل حمزة الخطيب ورفاقه، الذين كانوا الشرارة الأولى لانطلاق الثورة السورية السلمية من درعا، لتمتد فيما بعد إلى كافة المدن السورية كما نشاهد اليوم، لتصبح عصية على النظام السوري وكل أسلحته الفتاكة وقد تساوى عند الثوار الموت والحياة.
لم يوفر هؤلاء الأصدقاء، الذين كانوا شركاء لهذا النظام في بغيه وصلفه وجبروته وجرائمه، من استخدام كل الوسائل الكفيلة بصمود هذا النظام الباغي بوجه شعبه الذي قدم حتى الساعة ما يزيد على عشرة آلاف شهيد، كان من بينهم نحو ألف من النساء والأطفال، وأكثر من عشرين ألف من الجرحى الذين كانت نهاية الكثيرين منهم الموت لمنع هذا النظام الفرق الطبية من تقديم الإغاثة والدواء لهم، وأكثر من خمسة عشر ألف مفقود، واعتقال أكثر من تسعين ألف مواطن، مات المئات منهم تحت التعذيب الهمجي والوحشي، ونزوح عشرات الألوف من مدنهم وقراهم، وتهجير أكثر من مئة ألف إلى البلدان المجاورة (تركيا والأردن ولبنان)، وتدمير أحياء كاملة وتسوية بيوتها ومساجدها ومؤسساتها بالأرض في كثير من المدن السورية، بفعل القصف البربري لهذه المدن بكل أنواع الأسلحة الثقيلة الفتاكة والمدمرة (المدفعية والدبابات والطائرات والسفن الحربية وراجمات الصواريخ).
أقول لم يوفر هؤلاء الأصدقاء غير الصدوقين كل أشكال الدعم والحماية لهذا النظام الباغي ليستمر في تغوله وجرائمه وقمعه وانتهاكاته لحقوق شعبه الإنسانية، بدءاً بالفيتو الذي يحول دون تحرك المجتمع الدولي لوضع حد لجرائم هذا النظام، ووقف شلال الدماء التي تنزف من جسد السوريين في طول البلاد وعرضها، ورفد النظام بعشرات الخبراء والمهندسين الذين يشرفون على الحرب الإلكترونية التي يشنها النظام على وسائل الاتصال البسيطة التي يستخدمها بعض المتظاهرين السلميين لرصد وتوثيق جرائمه ونقلها إلى العالم، ومئات الشبيحة الذين يفوقون الضباع والذئاب وحشية، لملاحقة المتظاهرين وقنصهم وتعذيبهم في أقبية الاعتقال، وتقديم أرقى أجهزة التنصت على وسائل الاتصالات البدائية التي يتسلح بها بعض المتظاهرين لتوثيق ما يرتكبه النظام الباغي من جرائم وموبقات، وأجهزة التشويش المتقدمة والمتطورة التي ترصد ترددات المحطات الفضائية المحايدة والمستقلة، لمنع شاشاتها من عرض ما يصلها من معلومات وفديوهات توثق جرائم النظام، وما يرتكبه بحق الشعب السوري من قمع ممنهج وجرائم ترقى – كما أكدت منظمة حقوق الإنسان الأممية – إلى جرائم حرب ضد الإنسانية، يستحق مرتكبوها السوق إلى محاكم الجنايات الدولية، ولم يكتف هؤلاء الأصدقاء غير الصدوقين بذلك، بل راحوا جهاراً نهاراً يقيمون الجسور الجوية والبحرية والبرية تحمل السلاح والعتاد لرفد آلة الموت والقتل لهذا النظام الباغي العسكرية الفتاكة، والتي من بينها أسلحة وذخائر محرمة دولية (قنابل نابالم وغازات سامة وقنابل مسمارية وألغام متفجرة) ليفتك بها هذا النظام بجسد أبناء الشعب السوري الثائر، المطالب بالحرية والكرامة، إضاقة لما يجيشه النظام من آلاف الشبيحة داخل الوطن لملاحقة الثائرين وقمعهم، وخارج الوطن لملاحقة ورصد المعارضين والفتك بأهليهم وذويهم، وتجنيده لعشرات الأبواق المضللة لتنفث سمومها عبر الفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة، دفاعاً عن هذا النظام الباغي وتبرير وتسويغ ما يرتكبه من جرائم.
أمام كل هذه المساعدات المهولة والمرعبة والقاتلة والمدمرة للنظام الباغي من قبل أصدقائه غير الصدوقين، كان لأصدقاء الشعب السوري موقف مغاير.. دموع تذرف وآهات تتصاعد وكلام معسول يدبج وبيانات شجب وتنديد بالجملة.. ومبادرات دولية وإقليمية.. ومؤتمرات أراجوزية ومواقف هزيلة ومترددة، تدعو إلى الغثيان والقرف، فلم يرق أي موقف من مواقف أصدقاء الشعب السوري إلى تحمل المسؤولية والفعل على الأرض، بل بالعكس كانت لبيانات هؤلاء الأصدقاء وتصريحاتهم - القوية الجعجعة - يفعّلها النظام الباغي إلى مزيد من ارتكاب الجرائم والتصعيد في آلة القمع واللعب على الوقت والفرص الممنوحة، التي كان يستغلها أبشع استغلال في هستيرية مجنونة في زيادة سفك الدماء وتدمير المدن وحرق البيوت وهدمها على من فيها، وهذا ما حدث ويحدث في مدن حمص وحماة وإدلب ودير الزور والمعرة وجبل الزاوية والأتارب وخان شيخون والرستن وسراقب وكفر نبل، والعشرات من المدن والبلدات والقرى السورية الأخرى منذ شهور.
وللإنصاف فقد كان للمملكة العربية السعودية موقف مختلف في آخر هذه المؤتمرات (مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في تونس) حيث انسحب الأمير فيصل وزير خارجيتها من هذا المؤتمر احتجاجاً على عدم فاعلية المؤتمر، معللاً انسحابه لتركيز المؤتمر "على المساعدات الإنسانية للسوريين". مؤكداً على أن بلاده "لا يمكن أن تشارك في أي عمل لا يؤدي لحماية الشعب السوري"، وأن " الشعب السوري يحتاج إلى حماية بشكل سريع وفعال"، وأن السبيل الوحيد للخروج من الأزمة هو نقل السلطة "طوعاً أو كرها"، واصفاً النظام السوري بأنه "أصبح أشبه بسلطة احتلال". وتساءل "هل من الإنسانية الاكتفاء بتقديم المساعدات وترك السوريين لآلة لا ترحم، وهل قمنا بنصرة الشعب السوري أم سنكتفي بالإعلانات الرمزية".
وحتى هذا الموقف السعودي الذي يثمنه الشعب السوري ويقدره، فإنه إن لم يُجسد ويُفعل وقائع على الأرض، والسعودية قادرة على فعل ذلك، بما لها من نفوذ دولي وإسلامي وعربي، وما تملكه من رصيد ديني وأخلاقي ومادي، وما في باطن أرضها من نفط يغذي الآلة الصناعية في معظم دول العالم، وما في ترسانتها العسكرية من أسلحة متطورة يمكن أن تكون أداة ضغط فاعلة في مواجهة النظام الباغي، ووضع العالم والمجتمع الدولي أمام أمر واقع لا يستطيع ان يدير ظهره إليه دون أن يتعامل معه بجدية وواقعية، والسعودية هي في مقدمة الدول المتضررة والمهددة من بقاء هذا النظام المجرم ونجاحه في إخماد الثورة السورية وقمع المنتفضين، لأن أصدقاؤه في قم والضاحية الجنوبية وموسكو سيواصلون حملتهم لتحقيق أجندتهم وطموحاتهم التي تتعدى الحفاظ على هذا النظام وبقائه، إلى تحقيق مصالحهم الإستراتيجية وترسيخ قيام الهلال الشيعي، الذي حذر منه العاهل الأردني قبل سنوات، الذي سيخنق السعودية ودول الخليج ويأتي عليها دولة بعد دولة، ولنا العبرة فيما فعله الفرنجة في الأندلس قبل 800 عام، عندما تخلى العرب عن طليطلة وسكتوا على سقوطها، لينفرط فيما بعد عقد هذه الدولة العظيمة الشامخة لتصبح أثراً بعد عين، والتاريخ – كما تعلمنا – يعيد نفسه ويستنسخ ذاته، فحذاري يا عرب من خطب صفوي قادم كالريح الصفراء، ستأكل كل ما بين الهلال الشيعي من دول، وتعيد أمجاد ساسان ونصب إيوان كسرى من جديد.

أيها المقدسي.. قف وفكر/ راسم عبيدات


..... الاستيطان والجدران تحاصر وتعزل مدينتك .... الضرائب لها مسميات لم يعرفها التاريخ البشري،حتى في عصور الإقطاع ولجان التفتيش الكنسية.....وقوانين وقرارات تشرع وتسن أسوء من القوانين النازية بهدف طردك وترحيلك عن مدينتك........ ومناهجك يجري تشويها.... وتاريخك وجغرافيتك يجري العبث بها.....وتراثك يسرق علناً وجهراً .....وثقافتك وهويتك وذاكرتك الجمعية مستهدفة بالشطب......وأرضك تصادر وبيوتك وممتلكاتك يجري الاستيلاء عليها بالطرق القانونية وغير القانونية تارة تحت ما يسمى المنفعة والمصلحة العامة ( أي لمصلحة ومنفعة المستوطنين)،وتارة أخرى تحت ما يسمى بأملاك الغائبين،أو من خلال التزوير والتزييف من قبل المستوطنين وجمعياتهم الاستيطانية وما يسمى بسلطة تطوير ارض إسرائيل،أو البيع من قبل بعض المشبوهين والجواسيس..... والاستيطان ي"تغول" بشكل "تسونامي" وهناك من يواصل مفاوضات عبثية وعقيمة تزيد الوضع الداخلي الفلسطيني شرذمة وانقساما،وتلحق الضرر بالقضية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني،فقد ثبت بشكل قاطع وملموس بأن نتيجتها لم تكن سوى صفر مئوي أو ما دون ذلك،وبالمقابل هناك من يضع شروطاً على المصالحة ولا يريدها،بل يريد استمرار إدارة الأزمة والحفاظ على مصالحه وامتيازاته الفئوية.....وحصولك على رخصة بناء بيت عدا التكاليف التي تفوق بناء عمارة كاملة من عشرة ادوار او أكثر في مدينة أخرى،فحصولك على الرخصة قد يكون بعد وصولك الى القبر،حيث تفرض عليها رسوم لا تعرف لها أولا من آخر تصيبك وتشعرك بدوران وغثيان......ومع كل عام جديد تأتيك "أفراح" جديدة ارتفاع وزيادة في قيم الضرائب المرتفعة أصلا،المسقفات "الأرنونا" الدخل،التأمين الوطني،الراديو والتلفزيون،إستخدام الطرقات والشوارع،وأضف لها فواتير الهاتف والشبكة العنكبوتية والكهرباء والمياه وأقساط المدارس والجامعات،دخلك بالكامل لا يكفي لسدادها....وكل شيء من حولك ومن فوقك ومن أسفلك يريدون عبرنته وتهويده......ونسيجك الاجتماعي والمجتمعي يعملون على هتكه وتخريبه وتفكيكه وتدميره..... بنشر المخدرات وتسعير حدة الخلافات الاجتماعية والمجتمعية وتغذيتها،حيث الخلافات والمشاكل و"الطوش" على أتفه الأسباب والتي سرعان ما تتحول الى تجييش عشائري وقبلي وجهوي وطائفي يأكل الأخضر واليابس ولا يقيم وازعا لدين او أخلاق او انتماء وطني وحضاري،في تفريغ داخلي لحالة من القمع والكبت من الاحتلال،وتخلف وجهل يشعرك بانتماءات إلى داحس والغبراء وحروب البسوس......وقمع وإذلال وامتهان للكرامة وتجريد للإنسان من إنسانيته عبر حواجز ومعابر تشعرك بأن حقوق الكلاب في بعض الدول أفضل من حقوقك....ومؤسسات يجري إغلاقها وتهجيرها تحت حجج وذرائع ما يسمى بمخترع"الإرهاب" فى عصر "التغول" المعولم والمرسمل،الذي أصبحت فيه المقاومة المشروعة وأساليب الكفاح والنضال التي كفلتها القوانين الدولية للشعوب المقهورة والمظلومة من اجل نيل حريتها واستقلالها شكلاً من أشكال "الإرهاب" واحتلال أرض الغير والاستيلاء عليها أصبح حقاً"مشروعاً" ويمنع مقاومته في سطو غير مسبوق على الشرعية الدولية.....وبيوت العبادة من مساجد وكنائس يمنع المؤمنين من اداء شعائرهم فيها،ومن يسمح له بذلك تفرض عليه قيود مشددة.... والمساجد والكنائس عدا عن انها تتعرض للحرق وكتابة الشعارات العنصرية على جدرانها وأبوابها،فالأمور وصلت حد منع إقامة الآذان فيها،والأقصى في القلب منها يحاصر بالكنس والحفريات من حوله ومن أسفله،وتجري عمليات اقتحام شبه يومية من قبل الجماعات الاستيطانية له وتقام في ساحاته وتمارس أعمال مخلة بالآداب وشعائر تلمودية ،والمخططات واضحة تقسيمه أو هدمه لبناء الهيكل المزعوم مكانه.... ... ونقص حاد في المدارس وتسريب عالي والهدف واضح إخراج ودفع السكان إلى خارج ما يسمى بحدود بلدية القدس،....وبنى تحتية مدمرة ومهللة لا شوارع ولا حدائق عامة ولا ملاعب ولا مؤسسات شبابية ولا حتى شبكات مجاري للصرف الصحي ..... وخدمات تشعرك بانك في مدينة تنتمي الى القرن التاسع عشر بعد الساعة السابعة مساء تصبح مدينة اشباح.... وشبيحة وزعران جباية ضريبة "الارنونا" المسقفات والتامين الوطني وضرائب التلفزيون والدخل وغيرها،لا يكتفون بالغارات والمداهمات النهارية والليلية لبيتك وترويع اطفالك وتفتيش وعبث في ادق خصوصيات بيتك،بل يقومون بنصب الحواجز على الطرقات والقيام بعمليات تقشيط وبلطجة،ادفع والا تصادر سيارتك وممتلكاتك.

وبالمقابل يقسو عليك أبناء جلدتك وأبناء وطنك ليزيدوا مرارتك مرارة وليضاعفوا من همومك وقهرك،فتارة هناك من يشكك في وطنيتك وانتماءك... وتارة اخرى يحسدونك على هوية تحملها قسرا وتدفع ثمن حملها دماً وقهرا...وليس هذا فحسب،بل ويزايدون عليك وبأنك متهم ومشوه الانتماء والوعي وغيرها....وشعارات دعمك وصمودك ليست أكثر من خطب وشعارات وبيانات و"هوبرات" إعلامية ولقاءات متلفزة،وصور وتصريحات تتصدر صفحات الصحف الأولى.....واصبحت بلا أب او عنوان مثل اللئام على مائدة الطعام،فالكل يدعي المسؤولية عنك وعن همومك.... وفي اطار الفعل والعمل والتنفيذ والترجمة على الأرض يرفع يده ويخلي مسؤوليته.

لا نريد اجترار العبارات حول قصورات السلطة تجاه القدس والمقدسين،ولا كذلك حول قصور العرب والمسلمين،فالندب والبكاء لم يعد يجدي ولم يعد ينفع،فلا اللجنة التنفيذية حاضر موضوع القدس في ذهنها ولا على سلم أولوياتها،ولا السلطة قادرة على توحيد عناوينها ولا مرجعياتها،ولا دعمها يسمن أو يغني عن جوع،وقهر المقدسيين يزداد ويرتفع وسيصل حد الانفجار.

أيها المقدسيون علينا أن لا نختلف على جنس الملائكة ذكر أم أنثى في جدل بيزنطي عقيم،علينا كما يقول المأثور الشعبي"أن نخلع شوكنا بأيدنا"،فنحن أهل القدس أدرى وأعلم بأوضاعنا،فواجبنا أن نقف ونفكر ملين بأوضاعنا وشؤوننا،فنحن رغم كل ما نتعرض له من حرب شاملة يشنها الاحتلال في كل شؤون ومناحي حياتنا،وفي أدق تفاصيلها اليومية، فإن قدرنا أن نبقى ونصمد ونواجه وندافع عن أرضنا ووجودنا،ندافع عن شرف أمة بأكملها،ندافع عن تاريخنا،عن حضارتنا،عن هويتنا،عن ثقافتنا،عن تراثنا وجغرافيتنا،عن ذاكرتنا ووعينا،عن مقدساتنا،وهذا لن يتأتي الا من خلال أن نأخذ زمام أمورنا بأيدنا،أن نؤطر وننظم أنفسنا في لجان ومؤسسات قطاعية وجماهيرية تخصصية،ومن خلال لجنة عليا علنية وطنية ومؤسساتية وشعبية تقود كل مناحي عملنا في المدينة،فنحن لسنا بحاجة الى عناوين ومرجعيات شكلية واسمية،ولسنا بحاجة الى المزيد من الضياع والتوهان،وبعد أن ننظم ونرتب أوضاعنا من يريد أن يدعمنا ويساندنا ويتحمل المسؤولية معنا،في إطار خدمة المصالح العليا لشعبنا الفلسطيني وحماية المدينة من خطر الأسرلة والتهويد،فنحن سنشد على يديه ونبارك له جهوده ومواقفه ونؤدي له الطاعة ونثقل صدره وأكتافه بالرتب والنياشين.

عن "من عنده مثل هكذا أصدقاء فهو ليس بحاجة لأعداء" و"شرّ البليّة"/ سعيد نفاع

حقيقة أني لا أعرف أي شعوب الأرض صاحبة هذه المقولة، ولكن بغض النظر عن الشعب صاحبها فهي تصحّ في كلّ مكان وزمان ولكن من المؤكد أن الشعب منتجَها لم يتخيّل أن مقولته هذه ستحظى يوما لمثل هكذا بيّنة على صحتها عند أمّة العرب !
والعرب قالوا: "قلّ لي من هو عدوّك أو صديقك فأقول لك من أنت".
"أصدقاء سوريّة" المجتمعون في رحاب تونس الخضراء أرضا وحكما متنورّا ديموقراطيّا حتّى النّخاع هم من هؤلاء الأصدقاء الذين بوجودهم لا حاجة للإنسان بالأعداء. ويكفي المرء أن يعدّ رجال المؤتمر شاملا بهم كلنتون وأشتون متّبعا مقولتنا العاميّة "عدّي رجالك عديّ من الأقرع للمصدّي" حتّى يعرف إن كان سيكون صديقا أو عدوّا لسوريّة.
لا أعرف مؤتمرا تُكتب مسودة بيانه الختاميّة قبل أن ينعقد، اللهم إلا بيانات "الجامعة العربيّة" وعلى ذمّة الراحل معمّر القذافي. وبما أن مؤتمر "أصدقاء صهيونيّة" عفوا "أصدقاء سوريّة" والمنعقد هذه الأيام وسيفتتح بآيات من الذكر الحكيم، والذكر الحكيم منهم براء، قد صدر بيانه الختاميّ وقبل أن ينعقد وعلمت به وكالة رويترز "عربيّة المنشأ وإسلاميّة الأصول" من أروقة ال-سي آي إيه أو ربّما ال-موساد حسب مصدر مطلع، فرأيت لزاما عليّ أن أساهم مساهمة متواضعة في نصرة الشعب السوريّ الذبيح في إيصال هذا البيان إليك عزيزي القاريء مع بعض الملاحظات كوني من دعاة حقوق الإنسان والحريّة والديموقراطيّة "السعوديّة القطريّة"، خوفا على تشويه معلوماتك من الفضائيّة السوريّة وفضائيّات المنار والعالم وحتى روسيا اليوم.
فعلى ذمّة وكالة رويترز للأنباء "سيطالب الأصدقاء السلطات السوريّة بالسماح بإيصال المساعدات بشكل فوريّ إلى حمص ودرعا والزبداني وباقي المناطق المحاصرة الأخرى". لكن مصدرا رفيع المستوى في وكالة رويترز رفض أن يفصح عن قائمة المساعدات، إلا أننا علمنا من مصادرنا الخاصّة أن القائمة تشمل قاذفات "آر بي جي" وصواريخ "لاو" والكثير غيرها من صنع أو تركيب المصانع الحربيّة الإسرائيليّة مدفوعة الثمن من آل حمد، ولكن خوفا على شعور العربان المرهف من الأصدقاء، رأت الوكالة إبقاء هذا الجزء سريّا.
كما وأفادت الوكالة أن المسودة للبيان الختاميّ ستدعو دمشق إلى "إيقاف كل أشكال العنف بشكل فوريّ متعهدة بنقل الإمدادات الإنسانيّة في غضون 48 ساعة في حال أوقفت سوريّة هجومها على المناطق المدنيّة". ومرّة أخرى أسرّ المصدر المطلع أن الإمدادات ستشمل صناديق خراطيش لل- ام 16 والكلاشن إذ أن بطونها بدأت تعاني من الجوع وهذا افتراء على الحق الإنسانيّ في المأكل.
كما تدعو مسودة البيان "إلى تشديد العقوبات على الحكومة السوريّة بهدف حملها على إيقاف العنف كعدم شراء النفط السوريّ" ويفيد المصدر المطلع "اللي سرّه على زرّه" أن القوات السوريّة المدرّعة بحاجة لهذا الوقود وتقوم القيادات السوريّة بسرقته ممّا سيؤدي إلى عدم إمكانيّة هذه القوات للقيام بمهامها لإيقاف العنف حرصا على الأرواح السوريّة المزهوقة. كذلك يدعو البيان "إلى خفض العلاقات الديبلوماسيّة" ليفضح المصدر أن الهدف هو الخوف من استقالة السفراء السوريين كما حدث لسفراء الشقيقة ليبيا وانضمامهم إلى الثوّار.
وأخيرا: "يثني البيان على المجلس الوطني السوريّ الذي سيشارك في مؤتمر أصدقاء سوريّة لكنه لن يعترف به ممثلا شرعيّا للسوريين الراغبين في تغيير ديموقراطي سلمي في سوريّة"، ليفضح المصدر المطلع أن السبب يعود إلى أن بعض أعضاء هذا المجلس زاروا إسرائيل العدو اللدود لأصدقاء لسوريّة، وعروبتهم تمنعهم من الاعتراف فيه في هذه المرحلة على الأقل.
وآخرا: "أشارت المسودّة إلى طلب الجامعة العربية لمجلس الأمن تحثه فيه على إصدار قرار بتشكيل قوّة حفظ سلام مشتركة بين الدول العربيّة وأعضاء آخرين في الأمم المتحدة بعد التوصل إلى وقف الانتهاكات التي يرتكبها النظام السوري"، لكن المصدر الجاسوس يفيد أن ربط تشكيل قوات حفظ السلام منوط ليس بسبب عدم التوصل إلى وقف النظام عن الانتهاكات، وإنما إلى إنشغال قوات درع الخليج بنشر الحريّة في مدينة سقراط الفاضلة البحرين، وإلى إنشغال القوات المسلّحة التركيّة المرشحة لتكون عصبا من هذه القوات بقتل الإرهابيين الأكراد في شرق الأناضول، والقوات المصريّة في حفظ أمن الحدود المصريّة الإسرائيليّة حتى تنجز إسرائيل بناء الجدار الفاصل على الحدود.
وقال دبلوماسي إن المسودة لا تزال تخضع للتعديلات ليس لخلاف على جوهرها ولكن فقط بسبب الحاجة لتسهيل فهمها على بعض المؤتمرين، وبسبب صعوبة قراءتها على بعض الملوك والأمراء لاشتمالها على كلمات تكثر فيها الهمزات.
وشرّ البليّة ما يُضحك !!!
الحركة الوطنيّة للتواص والبقاء ال48
saidnaffaa@hotmail.com
sa.naffaa@gmail.com

استدراكات هنية؟/ سري القدوة

لم يكن بوسع حماس بعد اجتماع مكتبها السياسي أن تكتم عن اخبار المعارضة الداخلية لخالد مشعل رئيس مكتبها السياسي وسرعان ما تسربت وتناقلت وكالات الانباء والصحف الخلافات الشديدة بين تيار غزة وتيار الخارج المشرد بين العواصم العربية بعد خروجه من سوريا والذي يتزعمه خالد مشعل رئيس المكتب السياسي .. وبين هذا الخلاف وجهت حماس الضربة القاضية لاتفاق الدوحة ، ووضعت شروطا جديدة واستدراكات متجددة علي تنفيذ اتفاق الدوحة ، والذي حرص الرئيس محمود عباس أن يوقعه بنفسه مع خالد مشعل وان يقوم بنشره وبشهادة الشيخ حمد بن جاسم الرئيس القطري ولكن حتى هذه الخطوة لم تسعف عباس ووقع الرجل ضحية استدراكات حماس والمعارضة الداخلية للمصالحة ، ليقف شعبنا ويكون ضحية من جديد بين ( استدراكات اتفاق مكة واستدراكات اتفاق الدوحة ) ..

وفي العاصمة المصرية كان اجتماع قيادة حماس حادا وعاصفا، وشهد نقاشات متوترة تركزت في معظمها على «تفرد» رئيس المكتب السياسي خالد مشعل بالقرار، في اتفاق الدوحة الأخير.

وإن الاجتماع الذي حضره أعضاء المكتب السياسي ، وقياديون في حماس من الداخل والخارج ومن خارج المكتب السياسي ، ومن بينهم إسماعيل هنية، رئيس الحكومة المقالة في غزة ، وآخرون ، كان أكثر من عاصف ، وحادا معظم الوقت.

وإن معارضي الاتفاق شنوا هجوما على مشعل بسبب قبوله بالاتفاق قبل أن يعود إلى قيادات ومجالس الحركة، متهمين إياه «بالتفرد» في قرار حماس.

وحاول مشعل شرح لمعارضيه لماذا قبل اتفاق الدوحة بصيغته الحالية، قائلا لهم إنه اتفاق يصب في مصلحة حماس. مؤكدا أن الاتفاق يتضمن تعهدات قطرية بإعادة أعمار غزة وفتح خطوط مع الولايات المتحدة ودول أوروبيه ورفع الحصار عن غزة ، وتأمين الدعم المالي وعد قطعه، وعدم الاعتراض على فوز حماس مرة أخرى في ألانتخابات وعدم محاصرتها كما تم في المرة الأولى. كما تحدث مشعل عن تعهدات بممارسة ضغوط دولية على إسرائيل لمنع أي تصعيد في قطاع غزة.

وأقنع حديث مشعل البعض ولم يقنع آخرين تحفظوا بشكل كبير على رئاسة الرئيس محمود عباس للحكومة الانتقالية، معتبرين ذلك إقرارا بفشل حماس وعدم قدرتها على قيادة الفلسطينيين وتسليم أمرها لأبو مازن.

ولم ينه الاجتماع الخلافات داخل حماس حول هذه النقطة، غير أنه تم الاتفاق على وقف أي أحاديث إعلامية حول الخلافات والظهور بمظهر الحركة الواحدة الملتزمة بالقرار السياسي.

واليوم بعد هذا الخلاف الواضح بين اقطاب السياسة الحمساوية تضيع غزة وتبقي اسيرة لمواقف حماس غير مبالية مصالح شعبنا الوطنية العليا وغير شاعرين بالأخر ومعاناته مجسدين شعارهم التاريخي نحن فقط والي مش معانا لا يمكن أن نسأل عنه .. محاولين اقناع الشعب بان ما يجري داخل حماس هو تفاعل ديمقراطي وحراك طبيعي وان ما يجري هو ممارسة للديمقراطية .. متناسين أن من شان تعنتهم ورفضهم تطبيق الاتفاقيات هو نسف كل جهود المصالحة والعودة الي المربع الاول ونقطة الصفر .. غير مبالين مصالح شعبنا ومقنعين انفسهم بان لا وجود لمن يعارض سياستهم في غزة وبان شعبيتهم تزداد يوما بعد الاخر وهم الاجدر بالحكم وباستمرارهم في اختطاف غزة لتنفيذ مشروعهم الاكبر وهو اقامة الامارة الاسلامية في غزة ..

الشعب يموت بين الاستدراكات ويدفع الجميع الوطني الثمن لهذا التعنت الاعمى والمواقف الغبية التي يمارسها من اختطفوا غزة تحت مسميات مختلفة ضاربين بعرض الحائط مصالح شعبنا بالرغم من انتهاء حتى فترة التشريعي وأصبح وجودهم غير قانوني وكل ممارساتهم باطلة وفاقدة الشرعية .. حيث أن المجلس التشريعي غير شرعي ولا يمكن له أن يمارس أي صفه رسمية وقانونية لانتهاء ولايته القانونية .. وباتت قراراته غير شرعية ومخالفة للدستور الفلسطيني ..

واليوم بات الشعب الفلسطيني رغم تفاؤله بانهاء الانقلاب الاسود وفرحته بإعلان اتفاق الدوحة الا أن الصدمة من جديد كانت متوقعه لان حسابات الربح والخسارة هي من يسيطر علي تفكير قادة حماس .. ماذا سيستفيدون .. ؟؟ وماذا سيحققون لو كان الرئيس ابو مازن هو من شكل الحكومة وتحمل المسؤولية ؟؟!! ..

هذا هو التفكير العلني والخلاف بصوت مرتفع بين قادة حماس ..

ولكن ما خفي كان اعظم ..!!!؟؟؟ .. والفضيحة اكبر من كل ذلك حيث المصالح الذاتية وبريق الكراسي ونهب الاراضي والممتلكات والسلب والسرقة وتجارة الانفاق والضرائب الغير شرعية والسيطرة والتفرد وتبيض الاموال والتخوف من القصاص والمصالح الخارجية وسيطرة ايران علي طبيعة الحكم الحمساوي في قطاع غزة .. وبات واضحا للجميع بان هنية هو من قبض الثمن من ايران وضرب الجميع بعرض الحائط .. ولذلك خرج علينا باستدراكات اتفاق الدوحة ..!!!!

رئيس تحرير جريدة الصباح – فلسطين

بين خوفٍ مِن وخوف على/ جواد بولس


استفزّني بلاغ سكرتارية المحكمة العليا في صباح الأحد 19.2.2012. ألم يقرأ القاضي ما كتبته له منذ أيام؟ ألم يستوعب أن الأطبّاء يحذّرون ويؤكّدون أن الأسير "خضر" في حالة صحّية حرجة، وأنّه يواجه الموت المفاجئ في كل لحظة وساعة؟. ألم يعرفوا أن القلب الذي هناك على الجرمق، ما زال مصابًا بالوطن؟.
راجعت النائب العسكري، رد بنوعٍ من تفهّمه لحساسية الموقف. عدّل على ما كانت النيابة تقترحه كحلّ من شأنه أن ينهي القضية. (لن أُجهد القارئ بتفاصيل ما جرى بيني وبين الجانب الإسرائيلي، ولكنّني أشير أنّ جميع ما طرحوه من مقترحات استهدف وبنيَ على أساسين اثنين: أن يكون منطلق أي حل هو ما قرّره القضاة العسكريون وذلك لتمكينهم من التشاوف بعدل قضائهم. وثانيًا، أن نوافق على فترة اعتقال إضافية، كانت في بداية الطريق مسقوفة بأربعة شهور وخُفّضت لشهرين، وذلك كي لا يمكّنوا خضر من الإدّعاء بأن صموده أحرز نتيجة وأفضى إلى الإفراج عنه).
خائفًا من الأسوأ، وصلتُ المشفى. خضر في سريره يستقبلني ببسمة تفيض حنانًا وتعبًا، يمدّ يده فتهبط كريشة على راحتي، ألفّها برفق فينساب في داخلي دفء ويتهدّج صدغ، تمامًا كما لو كنتُ على ميعاد مع نرجسة ونجمة. أوجزته بنشرة أخبار شاملة وما حمِّلتُ من شوكٍ وخل وأكاليل غار. سمع مصغيًا كأرزةٍ. نطق إصرارًا وذاب حبًّا ووعدا. محاور حذقٌ دمثٌ. يرفض برقة ويحاجج ببلاغة البرق. متابع لأدقّ التفاصيل، متنبّه كنمر متوجّس، كغزال. قليلًا ما كان يغضب، أما في ذلك الأحد رأيته وقد تشكّل جبينه فصار على هيئة صخرة وعيناه حارتا، تارة حكتا عينيَّ جاحظٍ وتارة صارتا من حلم وسفر، "لا أقبل يا أستاذ ما قرأته في هذه الفتوى. أرفضها جملة وتفصيلًا. فقل لمعطيها أنّ من يقاوم مغتصبَ بلاده وسالبَ حريته وحرية شعبه لا يقوم بفعل الحرام".
ببطءٍ، وكلام يتساقط بثقل من تعب وعتاب وغضب، أبلغني بلاغ المؤمن الثابت، بعد طول حين تركته على وعدنا القديم وميعاده مع الفجر وموقف الحر. مشيت كأنّني في مركبة من أثير. حولي كانت الأشجار تغنّي بلحن وصوت لم أسمعهما من قبل. طيور بألوان زاهية فريدة تحلّق فوقي وتحط على كتفي بسلام وببهجة. قوس قزح صار في قبضتي. بقوة أخذت ألوِّح به بفرح طفل. كان القوس طويلًا، رأسه بيدي على قمة الجرمق وذيله يهبط بعيدًا بعيدًا.
كم هو بعيد، يا ربي!؟ أفقت. نقرَ على شباك سيّارتي حارس موقف السيارات في المستشفى ارتابَ من غفوتي ومن وجهي الذي كان من نور وقلق وحلم. سألني إن كنتُ في مأزق أو بحاجة لمساعدة. لم أجبه. ببسمة رشيقة وبحاجبين ناطقين طمأنته وبدأت عودتي إلى القدس.
لمست تزايدًا في منسوب الحرج والإرباك في صفوف النيابة العامة والعسكرية، ولمست تزايدًا في منسوب القلق والخوف على صحة وحياة خضر بين أهله وأحبائه وعموم من تفاعل مع قضيّته وتضامن وصلٌى من أجله. وأنا، مع كل لحظة تمر امتلأتُ بكلِّ أسبابِ القلق وبكميات لا أعرف مصدرها من "الأدرينالين" والإصرار والنشاط. قدّرتُ أنّهم مربكون ويخشون من خضر "الشهيد" وما قد تسببه هذه المأساة من تداعيات ونتائج. لم أيأس. موجات التضامن تتصاعد والأصوات من كل حدب وصوب تتعالى، وخضر أقنع من راهن على إرادته أنّه هناك ثابت ثبات القاف في الجرمق.
يوم الاثنين مساءً تبلغني سكرتارية المحكمة العليا أن القضاة قبلوا طلبي المستعجل وقدموا موعد الجلسة بيومين وبدَّلوا موعد الجلسة من الخميس إلى الثلاثاء 21.2.2012. اتّصالاتٌ مكثّفة تستمر حتى الساعة التاسعة ليلًا. النيابة وبعد ضغوط شديدة توافق على الالتزام بعدم تجديد الأمر الإداري القائم ولا توافق على تخفيض الثلاثة أسابيع.
أشعر أن حالة خضر خطيرة للغاية لأنهم أصروا أن أسافر إلى صفد في تلك الليلة. خائفًا وعلى نصل الأمنية وبمساعدة المضحّية المناوبة بجانبي، وصلنا صفد الساعة الواحدة من فجر الثلاثاء. ثلاثة سجّانين يحرسون الجسد ويجهلون أن قلبه، في الساحات والميادين في فلسطين وأبعد، ينبض حبّا ووعدًا.
يفيق من نومه فيراني شاخصًا أمامه. أخبره بأن الجلسة ستنعقد اليوم وأخبره بما وافقوا وما لم يوافقوا عليه. وأن نائب رئيس المستشفى أخبرني للتو بخطورة وضعه وبنتائج التحاليل المخبرية من نفس اليوم. أنقل له خوفي على حياته وخوف كل من عرفه ومن تعرّف عليه. سمعني كخضر الذي عرفته ورفض كخضر الذي أعرفه، وأصر على تخفيض الأسابيع تلك. من هناك أبلغت النيابة برفضه، أحسستُ بغضبهم وخيبتهم تتدفق في أذني. لم نتفق. في الفجر غادرته وأبقيت قلبي عنده عساه ينفع.
لم تنقطع اتصالاتي معهم. في الثانية ظهرًا، قبل ساعة من الجلسة، أخبرتني النائبة أن "الدولة" قبلت شرطنا. ستخفَّض فترة الأسابيع الثلاثة وستلتزم الدولة بعدم تجديد الأمر الحالي ولذا سيفرج عن خضر يوم 17.4.2012، الذي يصادف "يوم الأسير الفلسطيني" .
لقد خفتُ على حياة خضر فقبلت. وهم خافوا من موت/شهادة خضر فقبلوا. أخبرته من بعيد فسمعت الأشجار هناك تغني بذاك اللحن، وأحسست كذلك بتلك الطيور تحط على كتفي وكتفه. سمعت النشيد ينساب كهمسات الليل ويسأل "كيف محوت هذا الفارق اللفظي بين الصخر والتفاح وبين البندقية والغزالة"، يا خضر، الذي من ريح ومن سكَّر، لـ"إنَّ التشابه للرمال وأنت للأزرق".

من أمل الوحدة إلى خطر الانشطار/ صبحي غندور


كم المسافة شاسعة بين 22 فبراير 1958 و22 فبراير 2012. وأمر اتّساع المسافة لا يتوقف فقط على البعد الزمني ومرور أكثر من خمسة عقود على إعلان الوحدة المصرية - السورية عام 1958، بل المسافة بعيدة جداً من حيث اختلاف ظروف وواقع هذين البلدين، كما هي في عموم الأمّة العربية، بين ما كانت عليه من تضامن ووعي وآمال، وما هي عليه الآن من تخبّطٍ داخلي وبحثٍ عن الهويّة وخوفٍ على المستقبل.

من عاشوا تلك الفترة الزمنية الغابرة أو بعض آثارها، في حقبة ستّينات القرن الماضي، يدركون هذا الفارق الكبير بين ما كان عليه العرب وما وصلوا الآن إليه.

لكن البعض قد يعتبر أنّ الحديث الآن عن تجربة الوحدة المصرية - السورية هو مجرّد حنين عاطفي لمرحلةٍ ولّت ولن تعود، بينما يُغرق هذا البعض الأمَّة الآن في خلافاتٍ ورواياتٍ وأحاديث عمرها أكثر من 14 قرناً، والهدف منها ليس إعادة نهضة الأمَّة العربية، بل تقسيمها إلى دويلات طائفية ومذهبية تتناسب مع الإصرار الإسرائيلي على تحصيل اعتراف فلسطيني وعربي بالهُويّة اليهودية لدولة إسرائيل، فتكون "الدولة اليهودية" نموذجاً لدويلات دينية ومذهبية منشودة في المنطقة كلّها!.

هو "زمنٌ إسرائيلي" نعيشه الآن، بعد الانقلاب الذي حدث على "زمن القومية العربية" حين كانت مصر، في عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، طليعته. فاليوم تشهد مصر وكل بلاد العرب "حوادث" و"أحاديث" طائفية ومذهبية وعرقية لتفتيت الأوطان نفسها، لا الهويّة العربية وحدها.

هو "زمنٌ إسرائيلي" الآن على مستوى أولويّة الصراعات في المنطقة، إذ جرى تهميش "الصراع العربي/الصهيوني"، وتنشيط الصراعات الأخرى في عموم "الشرق الأوسط"، بحيث ضاعت معايير "الصديق" و"العدو" وطنياً وإقليمياً ودولياً، وأصبح "المقاومُ" مُداناً، والمساندُ للعدوِّ "مرجعيةً إنسانية" مطلوبٌ تدخّلها العسكري لحلِّ أزماتٍ داخلية!.

فاليوم، نجد واقعاً عربياً مغايراً لما كانت عليه مصر وسوريا والعرب قبل أكثر من خمسين عاماً.. اليوم هوت "الهويّة العربية" لصالح مستوى "الانقسامات الوطنية الداخلية"، اليوم تزداد الصراعات العربية بينما تستمر مسيرة "التطبيع" والحرص على التفاوض مع إسرائيل!

فما يحدث اليوم لا ينفصل عمّا حدث بالأمس القريب من أولويّة الحرص على الحكم لا على الوطن، وحين تحقّقت في المنطقة العربية، إثر المعاهدات مع إسرائيل، أهدافٌ سياسية كانت مطلوبةً من حرب 1967 إسرائيلياً ودولياً، وقد حالَ جمال عبد الناصر دون تحقيقها عقب الهزيمة حينما رفض استعادة الأرض المحتلة عن طريق عزلة مصر وتعطيل دورها العربي التاريخي، فجاء مِن بعده من فعل ذلك بثمنٍ بخيس...

رحم الله جمال عبد الناصر الذي كان يكرّر دائماً: "غزَّة والضفَّة والقدس قبل سيناء.. والجولان قبل سيناء" والذي أدرك أنَّ قوّة مصر هي في عروبتها، وأنَّ أمن مصر لا ينفصل عن أمن مشرق الأمَّة العربية ومغربها ووادي نيلها الممتدّ في العمق الإفريقي.

الآن، يرى البعض في المنطقة العربية الحلَّ في العودة إلى "عصر الجاهلية" وصراعاتها القبلية، ويستهزئون بالحديث عن حقبة "الخمسينات" التي ولّت!!. وبعضٌ عربيٌّ آخر يرى "نموذجه" في الحل بعودة مصر والبلاد العربية إلى مرحلة ما قبل عصر ناصر، أي العقود الأولى من القرن العشرين التي تميّزت بتحكّم وهيمنة الغرب على الشرق! بينما لا يجوز برأي هؤلاء الحديث مجدّداً عن "العروبة" وعن مرحلة ناصر وتجربته، وعن قيمه وإنجازاته، وعن الأهداف التي سعى لتحقيقها في مصر والمنطقة العربية.

دولة الوحدة عام 1958 لم تكن حصيلة ضمٍّ قسري أو غزوٍ عسكري، أو طغيانٍ سياسي جغرافي من دولةٍ عربية كبرى على دولةٍ عربية صغرى مجاورة. كذلك لم تكن دولة الوحدة نتيجة انقلابٍ عسكري في سوريا، ولا بسبب وجود حزبٍ سياسي “ناصري” فيها قام بالضغط لتحقيق الوحدة مع مصر عبد الناصر.

أيضاً، لم تكن وحدة مصر وسوريا بناءً على رغبةٍ أو طلبٍ من القاهرة، بل كانت حالةً معاكسة، حيث كانت القيادة السورية برئاسة شكري القوتلي (والتي وصلت للحكم في سوريا نتيجة انتخابات شعبية في نظام ديمقراطي برلماني)، هي التي تلحّ في طلب الوحدة مع مصر بناءً على ضغوطٍ شعبية سورية.

هكذا كانت مصر وسوريا والأمّة ككل في نهاية عقد الخمسينات، وما تخلّل تلك الحقبة الزمنية المشرّفة في تاريخ العرب المعاصر من هزيمةٍ لعدوان ثلاثي على مصر، ومن تأميمٍ لقناة السويس، ومن دعمٍ لحركات التحرّر الوطني ضدّ الاستعمار، ومن اعتزازٍ بالهويّة العربية ومضامينها الحضارية.

أمّا اليوم، فالعرب هم بلا دورٍ مصريٍّ فاعل، وأرضهم أصبحت مسرحاً لصراعات نفوذ إقليمي ودولي، وغالبية أوطانهم تعاني من استبداد سياسي وظلم اجتماعي، وهم أنفسهم يختلفون حتّى على الهويّة الوطنية وعلى ما فيها من تعدّدية داخل المجتمع الواحد، فكيف بالهُوية العربية المشتركة؟!.

فأين كان مكمن المشكلة في تجربة "الجمهورية العربية المتحدة"، هذه التجربة الوحدوية العربية الفريدة التي جمعت مصر مع سوريا، ثم تعثّرت وحدث الانفصال بعد أقلّ من ثلاث سنوات؟

حتماً لم تكن المشكلة في المنطلقات والغايات، بل كانت في الأساليب التي اتّبِعت خلال تجربة الوحدة. فكل عمل إنساني ناجح (على مستوى الأفراد والجماعات) يشترط تكاملاً سليماً بين "المنطلق والغاية والأسلوب"، وهذا ما لم يحدث في تجربة الوحدة بين مصر وسوريا، إذ أنّ المنطلق كان سليماً بحصول الوحدة بإجماعٍ شعبي في البلدين وبضغطٍ شديد من الجانب السوري. كذلك الغاية الوحدوية كانت سليمةً في كلّ أبعادها، لكن العطب كان في الأساليب التي استخدمت من أجل تحقيق الوحدة وفي سياق تطبيقها.

طبعاً، لم يحدث الانفصال حصراً نتيجة عوامل داخلية وسلبيات أساليب التجربة، بل كان أساساً بتحريضٍ خارجي وبدعمٍ كبير من القوى الدولية الكبرى، التي كانت تتصارع فيما بينها بين كتلةٍ شرقية وأخرى غربية، لكنها اتّفقت على محاربة "الجمهورية العربية المتحدة"، ولأسبابٍ مختلفة فيما بينها.

ولم تكن تلك المرّة الأولى التي تلتقي فيها الدول الكبرى على منع وحدة مصر وسوريا، فقد جرى التآمر أيضاً على دولة محمد علي باشا، التي امتدّت في القرن التاسع عشر من مصر إلى سوريا، من قِبَل قوًى دولية متصارعةٍ فيما بينها غير أنّها متّفقة على أن تبقى مصر حصراً في حدودها.

أيضاً، كانت "الجمهورية العربية المتحدة" أكبر الأخطار المحدِقة ب"الدولة الإسرائيلية" الحديثة النشأة آنذاك، فقد وصف بن غوريون دولة الوحدة بأنّها أشبه بالكمّاشة التي ستقتلع إسرائيل من الوجود.

وإذا كانت جريمة الانفصال التي حدثت عام 1961، والتي كانت جريمةً سياسية بحقّ الأمّة ومستقبلها، وكانت أيضاً عاملاً مساعداً على حدوث هزيمة حرب عام 1967، قد حصلت نتيجة خطايا بعض القيادات والأساليب فقط، رغم حسن المنطلقات والغايات، فكيف سيكون الحال الآن ومستقبلاً، إذا كانت السلبيات قائمةً في القيادات وفي الأساليب والغايات والمنطلقات؟ وكيف إذا لم يقتصر الأمر على المسؤوليات الداخلية فقط، بل طال قوًى خارجية فاعلة في المنطقة، تنسج الآن خيوط أثواب هُويّات جديدة للأوطان والحكومات والشعوب معاً؟!.

إنّ واقع الحال العربي الراهن ابتعد كثيراً عن أماني الوحدة بين أوطانٍ عربية مختلفة، ويقترب كثيراً من تفكّك الأوطان القائمة نفسها. ولعلّ ما حدث في السودان من قرارٍ دولي قضى بفصل جنوبه عن شماله، لخير مثال على المحاولات الإقليمية والدولية من أجل تغيير خرائط المنطقة وإعادة السيطرة الكاملة على أجزائها.

لقد كانت حقبة الخمسينات من القرن الماضي حقبة تحرّرٍ وطني وقومي ودعوة لتوحّد أقطار وشعوب الأمّة الواحدة. الحقبة الآن، رغم ما فيها من آمال كبيرة حصيلة الحراك الشعبي العربي الواسع، هي حقبة محاولات الهيمنة الأجنبية وتحقيق التشرذم الداخلي لصالح الطامعين بهذه الأمّة.

الآن، ربما يجب أن نردد ما قاله جمال عبد الناصر بعد حدوث الانفصال: "ليس المهم أن تبقى الجمهورية العربية المتحدة بل المهم أن تبقى سوريا".

ما يحدث الآن في البلاد العربية هو تأكيدٌ جديد على أهمّية إعادة صياغة مشروع وطني عربي شامل، تكون الديمقراطية والهوية العربية ورفض التدخل الأجنبي ونبذ أسلوب العنف في المجتمعات، بمثابة أركان متكاملة فيه بحيث لا يجوز أخذ أحدها دون الآخر. فالعروبة، كهويّة انتماءٍ مشترَك، كانت قبل عبد الناصر وستبقى بعده، رغم كلّ ما يجري الآن من مظاهر التخلّي عنها.

محاولات في انجازات الثورة/ فرمان صالح بونجق

مقدمة :
للبحث في عملية انجاز الثورة السورية ، لابد لنا من تشخيص الثورة ،خصوصيتها ،هويتها ،قيادتها
القوة الفاعلة والمحركة لها ، ثم محاولة الوقوف على المرحلة التي وصلت إليها مع ذكر النجاحات والإخفاقات والمعوقات التي واكبت مسيرتها .
الأنظمة الدكتاتورية المتشابهة تفرز ثورات متشابهة وهي نتائج لمقدمات متشابهة والحال هذه فإن الثورة السورية هي امتداد لثوارت الربيع العربي التي تم انجاز معظمها وتشترك مع هذه الثورات على انها نهوض فكري وسياسي ارتسم على هيئة انتفاضة شبابية عارمة ،اخذت شكل ومضمون الثورة الشعبة ، نافية بذلك عن نفسها مفهوم أو مفاهيم الإندساس والعصبة المسلحة والأرهبة ، وكافة المفاهيم الرجعية والظلامية التي حاول النظام إلصاقها بها ولايزال ،
والجدير بالذكر أن الثورة عملت على تأكيد هويتها عبر - الفعل الثوري - على أنها ثورة وطنية نابعة من إحساس المواطن السوري بسرقة مقدرات وطنه خلال حقبة زمنية أمتدت لخمسة عقود ، وكان وقود هذه الثورة جيل من الشباب الذي لم يتعامل بعد مع بهلوانات السياسة ، مما ينحي جانباً فرضية السلطة واتهاماتها لها بأنها جماعات غوغاء تميل للإرتباط مع قوى خارجية عبر ما يسمى بالمؤامرة الكونية وما إلى ذلك من توصيفات لا تتطابق مع قراءة عقلانية لطبيعة الثورة السورية .
لقد عملت القوى الفاعلة على الأرض عبر مسافة زمنية أمتدت لأكثر من عشرة أشهر من نضال دؤوب على خلق نمط جديد من أنماط الثورة السلمية مما سيمكنها من دخول تاريخ الثورات من أوسع أبوابها ، فقد قدمت آلاف الشهداء ومثلهم من المعتقلين المفقودين وضعفهم من الجرحى والمنكوبين والمهجرين دون أن تنحرف عن مسارها السلمي واللجوء إلى العنف كرد فعل انتقامي لكل هذه الأعداد من الضحايا ،
وبالانتقال إلى الحديث عن القوى المحركة للثورة السورية فإننا نقف أمام نموذجين من القوى المحركة والدافعة للعملية الثورية والتي لا يمكن فصلهما عن بعض
و الأولى : تتمثل بالقوة الرئيسية التي عملت على ترجمة الفكر الثوري إلى نشاط ميداني على أرض الواقع ، وهي القوة المعنية بخلق وتطوير واستمرارية الثورة وقد عملت على تنظيم نفسها بفسها في إطارات غير مؤدلجة ،أطلقت على نفسها ( تنسيقيات ) كإطار جامع لكافة الفعاليات الأساسية المشاركة في صناعة الثورة ، وينتمي هذا النموذج إلى الجيل الشبابي حصراً .
أما النموذج الثاني : فيتمثل في القوى السياسية التقليدية ( أحزاب - حركات - جبهات ... إلخ )
وبدورها التحقق بأعمال الثورة تالياً ، ويعود ذلك إلى عدم تمكنها من لعب دور قيادي وفاعل ومؤثر خلال المراحل الأولى للثورة ، وتحديداً لحظة انفجار الثورة وقد استطاع هذا النموذج بناء على خبراته السياسية من استثمار هذا الحراك الشبابي وتطويعه لصالحه ، مع أن هذا النموذج من مسيرة انخراطه في الثورة أخطأ حيناً ، وأصاب حيناً آخر ومثل هذه الحالة تنطبق على النموذج الأول أيضاً ،
ومن المجحف هنا إنكار الدور الداعم والمساند للشخصيات الوطنية المستقلة وكذلك منظمات حقوق الإنسان والكتاب والمثقفين والمفكرين في الداخل والخارج فيما بعد تحول معظمهم إلى صوت وضمير الثورة
بالنظر إلى هذا المشهد الثوري نستطيع أن نستنتج أن قيادات الثورة الميدانيين لم يتمكنوا من الارتقاء بالثورة إلى مستوى الطموحات ، ولم يتمكنوا من حشد كل الطاقات وزجها في الصراع ، إضافة إلى عدم توفر تناغم ولو في حدوده الدنيا لآليات التحرك بين قوى الثورة .
ومن أبرز النقاط التي اتسمت به الثورة السورية هذا القمع المنقطع النظير الذي تمارسه قوى السلطة لإحتواء الثورة ووأدها ، وإذا أخذنا بالحسبان ما أنجز من ثورات في تونس ومصر وليبيا ، فإن الثورة السورية لم تحظى بذلك الدعم الأممي أو الدولي الذي حظيت به شقيقاتها من الثورات المذكورة آنفاً .
وتسعى بعض الأطراف الدولية حتى هذه اللحظة إلى عرقلة أيه جهود لكبح جماح آلة القتل التي تملكها قوى السلطة ، والموجهة أصلاً ضد نشطاء الثورة السلميين ،
والأمر الذي يثير الغرابة ، أن الثورة السورية بكل عنفوانها الشعبي وطابعها الملحمي ، لم تستطع حتى هذه اللحظة من إفراز قيادة حقيقية لهذه الثورة ، وكل ما استطاعت فعله في هذا الجانب هو إنتاج منظومتين من ممثلي الثورة ( المجلس والهيئة ) ورغم تباين وجهات النظر بينهما .
إذاً فالمرحلة الراهنة تضع الثورة أمام أسئلة ملحة تستوجب الرد عليها ، وهذه الأسئلة تتعلق بمستقبل الثورة ، وبالتالي فهي تخص حياة الملايين من أبناء سوريا ، وعلى وجه الخصوص شريحة الشباب ، وهي الشريحة الأكثر استفادة من إنجاز الثورة ونجاحها ، وهي بالتالي الطرف الأكثر تضرراً من أية إنتكاسات تلحق بهذا المشروع الثوري .
وأولى هذه الأسئلة تتمحور حول قيادة الثورة ، واذ لا يمكن لهذا الحراك الثوري أن يستمر دون قيادة ميدانية موحدة واعية ومدركة وقادرة على قيادة الشارع بإتجاه تحقيق مكاسب على أرض الواقع وفي الميدان ، وهكذا فنحن - وبعد أكثر من عشرة أشهر - أمام السؤال الأبرز الذي يقول : هل استطاعت الثورة من إنتاج قيادة ميدانية حقيقية تتحكم بمفاصل هذا النشاط الثوري ؟
في الحقيقة غالباً ما تأتي الإجابة بالنفي . والدليل على ذلك أن جماهير الثورة لازالت تتحدث عن المجلس الوطني السوري والهيئة الوطنية للتغيير الديمقراطي على أنهما يمثلان قيادة الثورة ، وهذا ليس صحيحاً ، فقد ظهر في بعض الأزمات السياسية إقليمياً مؤخراً أن المجلس والهيئة لا يرقيان إلى مستوى قيادة الثورة ، وانما في أحسن الأحوال هما ممثلان للثورة بشكل أو بآخر . سواء أكان ذلك في الداخل أو الخارج ، وقد حدث مراراً أن عبرت الجماهير عن هذا الفحوى بشعارات ( المجلس الوطني يمثلني - والهيئة لا تمثلني ) أو العكس بالعكس ، ولم يظهر أي تلميح على أن أحداً منهما أو كليهما يحتلان موقع قيادة الثورة .
أما أحد أبرز المؤشرات على تآكل قوى الثورة ، ذلك الصراع الذي طفا على السطح مؤخراً على شكل صراع بين قوى متعددة للسيطرة على الميدان ، وبالتاي تأكدت فكرة إزاحة إتحادات التنسيقيات تماماً عن المشهد الثوري ، والإنفراد بقيادة الجماهير من قبل قوى سياسية تقليدية دأبت على الدوام الأستفادة من مبادرات الآخرين والعمل على تطويعها وامتطائها واعتبارها منتجاً يحمل سماتها حتى ولو لم يكن الأمر كذلك .
وفي مقاربة تتسم بالغرابة ، لا تكلف القوى الثورية نفسها أعباء البحث في تجارب الثورات المنجزة ، حيث يعتقد البعض بأن الثورية السورية تمتلك تجربتها الخاصة بها ، ولها سلوكها الثوري الذي يطبعها بطابعها ، وهي بالتالي غير معنية بما حدث في دول أخرى كتلك التي اجتاحها الربيع العربي .
ولكن .. وبمراجعة ملفات تلك الثورات ، يتبين لدينا الحرص الفائق لقياداتها على فرض رقابة ثورية مشددة على القوى المناهضة للثورة ، وعبر آليات مبتكرة أتت أكلها بما ينسجم مع طبيعة المجتمع السياسي وصراعه على أدوات السلطة ،
فقد عملت هذه الثورات على الأستعانة بقوة شبابية تحت اسم لجان حماية الثورة ، حيث تم تكليفها بمهام حماية ظهر الثورة ، بدءاً من حماية المتظاهرين والمعتصمين وصولاً إلى فرض رقابة على كافة أجهزة ومؤسسات الدولة على المستويات المحلية ، إضافة إلى تحجيم دور المخبرين والمندسين والعملاء ، وفضح دور هذه القوى المعادية والمحبطة للثورة ،
وذلك من خلال التشهير بنشاطاتها ، أو حتى إتخاذ إجراءات رادعة تضمن كبح فعاليتها بهدف إقصائها أو تحييدها .
أما الجانب المشرق الذي اتسمت به هذه الثورات ، فيكمن في إندفاع منظمات وهيئات المجتمع المدني واقتحامها ميادين الثورة ، فقد لعب على سبيل المثال وليس الحصر - الاتحاد التونسي العام للشغل دوراً متميزاً وتاريخياً في إنجاز ثورة الياسيمين التونسي ، ولازال هذا الاتحاد وكقوة جماهيرية يلعب دور صمام الأمان لإنجازات الثورة ، وحدث هذا في مصر أيضاً وإن بشكل مختلف ، حيث كان لشباب 6 ابريل حصة الأسد من حملة الفيسبوك التاريخية والتي هيأت ومهدت لثورة الشعب المصري .
وبالعودة إلى سياق الثورة السورية ، ينبغى مراجعة كافة الآليات التي تضمن استمرارية الحراك الثوري ، بل وتطوير هذه الآليات لمنع التآكل الحاصل الآن في بعض قوى الثورة ، والبحث أيضاً في إمكانية العودة إلى زخم الثورة أو إعادة الثورة إلى زخمها ، من خلال التأكيد على دور القيادات الشبابية ، حتى وإن اختلفت المسميات .

Perwer050@gmail.com

الربيع العربي وميزان المناعة القومي الإسرائيلي/ د. مصطفى يوسف اللداوي

مخطئ من يظن أن الثورات العربية والحراك الشعبي العربي والانتفاضات الشابة التي لم يعتد عليها العرب، ولم يتحسبوا لها كما لم يتوقعوها، لم تخف الكيان الإسرائيلي، ولم تربك حساباته، ولم تشعره بأن الخطر الذي كان بعيداً عنه قد أصبح اليوم يتهدده ويهز أركانه، ويخلخل بنيانه، ويحذره بأن المستقبل ليس كالماضي، وأحلامه في الأمس لن تغدو بعد اليوم حقيقة، هذا ما نبأنا به المتحدثون الإسرائيليون والضيوف الذين شاركوهم مؤتمر هرتسليا الثاني عشر، فقد رفعوا جميعاً أصواتهم محذرين أن حراس الكيان الإسرائيلي قد رحلوا، وأتباع الحركة الصهيونية قد فضحوا، ولم يعد هناك ثمة حارسٍ أمينٍ على كيانهم، يسهر على راحتهم ويحمي حدودهم، ولا يوجد اليوم من العرب من يملك خرقة قماشٍ بالية يستر بها عورتهم، ويدافع بها عن سياستهم، ويذوذ بها عن حياضهم، فيمنع المقاومة، ويحارب المقاومين، ويزجهم في سجونه ومعتقلاته، إن لم يقتلهم ويخلص "إسرائيل" من "شرهم".

اليوم بات الكيان الصهيوني عارياً أمام الحقيقة الشعبية العربية الجديدة، التي رسم خطوطها شبابٌ ثائر، وجيلٌ ناهض، انبت عن ماضيه القريب والتحم بماضيه القديم، رافضاً الصفحات الصفراء التي رسمها ملوكٌ وحكام، وأبى إلا أن يرسم بدم شعوبه القاني صفحاتٍ مشرقةٍ ومضيئة من تاريخ الأمة العريق، فقد أسفر الربيع العربي المجيد عن حقيقة المواقف العربية، وكشف اللثام عن نظرة الشعوب العربية إلى الكيان الصهيوني المحتل الغاصب، ولم يعد الحكام العرب هم الذين يعكسون صورة شعوبهم العربية، ولم يعد بمقدورهم أن يخفوا الحقائق، ولا أن يلووا أعناق النصوص، أو يحرفوا الكلم عن مواضعه، فهي الحقيقة الساطعة التي أدركها كل المحاضرين الإسرائيلين، الذين بدا على وجوههم الذهول من هول ما يجري في العالم العربي، فقد أدركوا أن عقيدة الجيوش العربية قد تغيرت، ومهمتهم قد تبدلت، فلم يعودوا حماةً لحكامهم ومدافعين عنهم، بل أصبحوا حماةً للديار، ومدافعين عن الوطن، ومقاتلين في سبيل عزته وكرامته وحرية شعبه، وهيهات لشعبٍ عرف طريق الحرية وذاق حلاوة العزة والكرامة أن يفرط في نصرٍ يتطلع إليه من قديم الزمن.

كثيرون هم المحاضرون بل المحذرون الخائفون الإسرائيليون في مؤتمر هرتسيليا، الذين حملت محاضراتهم تحذيراتٍ شديدة اللهجة إلى الحكومات الإسرائيلية، التي أضاعت كل الفرص الماضية، وضيعت على نفسها وعلى الدولة العبرية فرصاً ثمينة لإنهاء الصراع، وتوقيع اتفاقيات سلامٍ شامل مع كل الدول العربية، فقد أنب العديد من المحاضرين الحكومات الإسرائيلية التي رفضت المبادرة العربية وأدارت لها ظهرها، ولم تعتد بها ولم تستغلها، وقد كانت هي طود النجاة لكل شعب "إسرائيل"، الذي يحلم بأن يعيش في أمانٍ وسلامٍ، بعيداً عن الحروب والدمار والقتل والويلات.

وحمل آخرون رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي بنيامين نتنياهو المسؤولية الكاملة عن عرقلة مسار السلام مع السلطة الفلسطينية، وأنه هو الذي أحرج رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وأجبره على التخلي عن خيار السلام والمفاوضات مع إسرائيل، وقد يأس أن يحقق خيار السلام له ولشعبه ما يريد ويتمنى، وما يطمح إليه ويسعى، وهو الذي عمل في سبيل هذا الخيار كثيراً ، وتحمل من أجله الكثير من الأذى، ويرون أن نتنياهو هو المسؤول عن دفع عباس إلى أحضان حركة حماس، التي لا تؤمن بالسلام ولا تعترف بإسرائيل، وتعلن أنها تريد شطبها من الوجود، فلو أنه اعترف بعباس شريكاً له في عملية السلام، وتنازل له عن بعض ما يسميه "تنازلاتٍ مؤلمة"، فإن من المؤكد أن المشهد السياسي المحيط بإسرائيل كان سيكون مغايراً لما هو عليه الآن.

ورأى محاضرون إسرائيليون وأجانب من الموالين للدولة العبرية والمحبين لها والخائفين على وجودها والقلقين على مستقبلها، أن الحكومات الإسرائيلية هي التي ساهمت في إسقاط أهم حلفاء الدولة الإسرائيلية عبر التاريخ، فقد أسقطت سياسات الحكومات الإسرائيلية الرعناء نظام حسني مبارك، وهو النظام العربي الوحيد الذي شعرت إسرائيل تجاهه بالأمن والسلام، فاطمأنت إليه وركنت إلى وجوده، ليقينها أنها الدولة العربية الوحيدة القادرة على إزعاج إسرائيل، وتهديد أمنها، وإشغالها في حروبٍ قد تنهي وجودها، أو تربك حياتها وتجعلها في حال حربٍ دائمة لم تعد تقوى عليها.

يرى المحاضرون الإسرائيليون من على منصات مؤتمر هرتسيليا العديدة أن حصار إسرائيل لقطاع غزة، والحالة الإنسانية السيئة التي آل إليها القطاع وسكانه بسبب سياسة الحكومة الإسرائيلية الجاهلة، والحرب الفاشلة التي شنتها ضد حركة حماس والقوى الفلسطينية الأخرى الآسرة للجندي شاليط، كانت السبب المباشر للغضبة الشعبية المصرية ضد نظام مبارك، ولعلها كانت السبب الأقوى لخروج الجماهير المصرية المطالبة بإسقاطه، وقد كان بإمكان الحكومة الإسرائيلية إنقاذ حليفها مبارك لو أنها سمحت لبعض القوافل الغذائية والطبية بالوصول إلى غزة، ولو أنها أنارت شوارع غزة لكانت قد نجحت في إنارة الطريق لخليفته جمال ليحل مكان أبيه في حكم مصر، وحماية اتفاقية السلام مع إسرائيل، والحفاظ على مصالحها، ففي عهد مبارك لم يتم الاعتداء ولو مرة واحدة على خطوط الغاز التي تنير شوارع تل أبيب، ولكن ما إن سقط مبارك حتى اشتعلت النار في نفس الأنابيب أكثر من عشر مرات، ولن تخمد نيرانها إلا إذا توقف غاز مصر عن الوصول إلى المحطات الإسرائيلية، وما إن بدأت محاكمة مبارك حتى بدأت أركان السفارة الإسرائيلية بالقاهرة تهتز، ويرتعد العاملون فيها وهم يبحثون عن مسربٍ منها للخلاص.

يعترف المفكرون في مؤتمر هرتسليا الثاني عشر، أن ميزان المناعة القومي الإسرائيلي في ظل الربيع العربي قد اهتز واختل، وأنه لم يعد قوياً كما كان، ومخيفاً كما عرفه العرب، فقد باتت إسرائيل اليوم في مواجهة جيلٍ من العرب والفلسطينيين لا يعرف الخوف، ولا يعترف بالمستحيل، ولا يقبل بالدنية، ولا يصعر خده، ولا يمشي على الأرض هوناً مخافة أن يعرف، ولا يخفي وجهه خشية أن يكشف أمره ويفضح سره، أنه مقاومٌ رافضٌ ثائرٌ مقاتلٌ صامدٌ ثابتٌ، جرئٌ لا يخاف، مقدامٌ لا يتراجع، شجاعٌ لا يتردد، مضحي لا يبخل، معطاءٌ لا يتأخر، فهو لم يعد يرتضي غير العزة طريقاً، والنصر خاتمة والشهادة وساماً، ولا يعترف بأن إسرائيل أقوى من العرب، ولا أقدر على تحقيق الأهداف منهم، فمن استأصل هذه الأنظمة لهو أقوى بكثيرٍ من دولةٍ تقوم على الظلم، وتبني ملكها على حقوق غيرها، تعتاش على دعم الشعوب، وتعتدي بسلاح الظالمين، الأمر الذي من شأنه أن يجعل من شعار مؤتمر هرتسيليا الثاني عشر "إسرائيل في عين العاصفة " حقيقة، أما العرب فسيكونون في ظل ربيعهم أسياد العاصفة.