"ديكاج" الربيع العربي : من المعنى الشمولي إلى فعل الإنجاز الثوري/ حمّودان عبدالواحد

 فرنسا
" نحن طلبة ، نحن متأدبون ، نحن نتظاهر بطريقة سلمية ، نحن لسنا إرهابيّين ، نحن نريد حرية التعبير، نريد شغلا... ، أين هي الكرامة ؟ ماذا ارتكبنا حتى يعاملنا الرئيس بهذه الطريقة ؟ " . هذا ما صرخ به شاب مصري وهو يكاد ينفجر، شاهقا بالبكاء وعلى وجهه علامات الغضب مشتعلة. كان يعبّر عمّا وصلت إليه الوضعية في شوارع القاهرة والسويس والاسكندرية وغيرها من المدن المصرية لمّا اصطدم الشعب برجال الأمن فتصرف هؤلاء بعنف ووحشية بلغا ذروتهما...
النظام الحاكم في مصرلا تعرف الرحمة سبيلا إلى قلبه ، والصور المأساوية المؤسفة لمصريين يتعرضون للضرب والقمع الهمجييْن ، والتي شاهدها العالم لدليل قاطع على أنه من أسوء الأنظمة المستبدة اليوم على وجه الأرض. كان لهذه الصور وقع خطير وعميق في نفوس الفرنسيّين وغيرهم من جنسيات وأصول أخرى. ولم يصدّق أحد منّا ما يقع ! الصدمة النفسية كبيرة جدا !
ياالله ! ياالله ! كيف سمح الرئيس المصري حسني مبارك لنفسه أن يعطي الضوء الأخضر للبوليس بأن يطلقوا النار على شعبه ؟ هل فقد عقله ؟ لماذا يواجه مطالب الشعب الشرعية بجواب تقديره مائة قتيل وألف جريح ؟ هل كل المصريّين أصبحوا يمثلون خطرا على أمن الدولة ؟ هل كلهم " إخوان " ويجب رميُهم في الزنزانات إلى أجل غير مسمى ؟ وحتى لو كانوا بجملتهم " إسلاميّين " ، أين هي المشكلة ، إذا كان كما يدّعي بأنّه ديموقراطيا ؟
الكل متفق على حقيقة مفادها أن ما يحصل في مصر هو حدث تاريخي عظيم جدا ربّما لم يسبق له مثيل في تاريخ هذا البلد الكبير. هل خطرَ على بال أحد أن يرى في يوم ما من حياته شبابا شجعانا يتحدون الشرطة وقوى الأمن والجواسيس المدنيّين ويمزقون صور الرئيس الذي تحيطه فرقُ الانتهازيين والمستغلين والمتملقين والمنبطحين والمنافقين والمتخلفين بهالة من القداسة والمناعة الفرعونيتيْن ؟ هل تصوّر محللٌ سياسي متخصص في شؤون الشرق الاوسط والأدنى ، عربيا كان أم غربيا ،أن الشارع المصري سيخرج يوما غاضبا ومتحديا خفافيشَ الظلام والقهر والاستبداد وهو يرفع لافتات تقول أبرزها بالفرنسية " ديكاج " Dégage ؟
*******
التونسيون هم الأوّلون الذين قاموا بتدشين المعنى الربيعي العربي لكلمة " ديكاج ". فما هو هذا المعنى ؟ وماذا يمكننا أن نفهم حين يقول الشعب لحاكمه " ديكاج " ؟
أن تقول لأحد " ديكاج " بالفرنسية أو بلغة أخرى - كالانجليزية Go outأو الاسبانيةFuera مثلا - معناه في ثقافة المتكلمين بهذه اللغات أنه بالغ كثيرا في نقصه الاحترام للآخرين وتناولهم بالأذى كلاما أو/ وفعلا... وضيّق عليهم الخناق بوقاحته حتى لم يعودوا قادرين على تحمّل أي علاقة كانت تربطهم به ...فقرّروا أن يعيشوا في محيط لا يوجد هو فيه ، وأن يقطعوا اتصالهم به ، ويشقوا طريقهم في الحياة مستغنيّين عن خدماته ورفقته ...
كلمة " ديكاج " في مفهومها الانساني العام تقول - علاوة على هذا- أشياء أخرى ، منها أننا لا نريد أن نسمع كلامك أو يصل صوتك إلى آذاننا ، ولا أن نتكلم معك أو نهذرريقنا مع تافهين أمثالك ، ولا أن نجلس معك حول نفس الطاولة – نأكل معا ونشرب قهوة على إيقاع صداقة شفافة وثقة متبادلة - أو نتقاسم معك نفس المكان ، ولا أن نرى وجهك ... في حضورك تعكيرٌ لصفاء جوّنا وإفسادٌ لنشوتنا وشرّ لمجلسنا ، وفي غيابك راحة لنا وإيذان بخير كثير...
" ديكاج " تقال أيضا – كرّمكم الله – لمن كان نجساً وسخاً يلوّث جوّ الداخل بالروائح الكريهة التي تصدر عن أنفاسه ولهاثه وأمراضه السلوكية والخلقية... وتستعمل كذلك في وجه من بلغ به الذل والهوان أعلى الدرجات ، فلم يعد يُطيقه أحدٌ لأنه بدون شخصية وبلا كرامة ولا يعبأ بالحفاظ على ماء الوجه ، فهو كالطفيلي الذي يحبّ أن يعيش ويبنيَ لنفسه وأهله وولده وأقربائه مجداً على حساب الآخرين ، أو كالجرثومة التي تهدد صحة وحياة كيان ما من داخل جسده بالأمراض والموت ... بل هوكالكلب الموسخ النتن ، كثير اللعاب ، مليء القمل والطفيليات والحشرات المضرة ...
وفي زمن العولمة والمعلوماتية والثقافة الرقمية ، عندما يتعرض حاسوبٌ ما لهجمة خارجية تقوم بها مجموعة من الفيروسات ، ويستطيع المرء التخلص منها في النهاية يقول : " ديكاج " !
*******
لسنا بحاجة إلى تناول " ديكاج " في العربية من خلال مرادفاتها اللغوية والثقافية فهي عالمية وكونيّة في ما يخص مسبباتها ومحتوياتها ، تطوّراتها وجميع الأبعاد التي ترمي إلى تحقيقها . هي قريبة من " أخرج " ، وهي نفسها " غَيّب عليّ سِفتك " أو بالعربية الفصحى " أغرب عني بوجهك ". والذي تصدر في حقه يكون كمّنْ حُكِمَ عليه بالطرد وحلت به اللعنة ... وهذا العنصر الدلالي له علاقة بالمفهوم الاتنولوجي للكلمة ، إذ أنّ الانسان المعني مباشرة ب" ديكاج " يحدُث في تجربته نوعٌ من القطيعة مع أي انتماء لقيم ومبادىء وحياة الجماعة التي صادر انسانيتَها وحقوقَها ، وتحكّم في رقابها من قبل باسم الأبويّة Le paternalisme كقناع للاستغلال والقهر. وهي من هذا الجانب ذات صلة ب " بارّه " التي يصبح المعنيُ بها نوعاً ما " برّانيّاً " أي إنسانا أجنبيا وغريبا عن المجتمع ، إذ لا تجمعه به نفس الأصول ولا يتقاسم معه نفس التقاليد والعادات.
ويخطىء من يعتقد أنّ كلمة " ديكاج " كما استعملها الثائرون التونسيّون ويرفعها المنتفضون في مصر ضدّ السلطة الحاكمة هي مجرّد شعار فارغ من المعنى أو كلمة دون روح ... يخطىء من يعدّها من أساليب الإثبات أو التنديد أو من أخوات التمنّي والترجّي ... بل يظل بعيدا عن الحقيقة من يحسبها فعلَ طلب يبقى صاحبُه ينتظرجواباً ما...
إنّ " ديكاج " فعلُ أمر مسؤول ونابع عن وعي حقيقي واقتناع مسبّق بتحقيق مضمون فعل الأمر هذا. ويمكن من هذا المنظور تصنيفه في خانة ما يسمى في علم الدلالة التداولي بالأفعال الكلامية الإنجازية Actes du langage performatifs .(1) حين يقال في سياق ما لفرد ما " ديكاج " فإن الشخص الذي يصدرعنه هذا الفعل الكلامي يكون قد أخرجه من حيز القوة - أو ما يسمّى في نظرية اللسانيات التحويلية بميدان القدرة La compétence– إلى مجال الإنجاز La performance. لهذا فالأمر ب" ديكاج" هو فعل كلامي إنجازي لا ينتظر صاحبُه شيئا آخر غير التطبيق والتحقيق الفعلي على أرض الواقع. وهذا ما يظهر بجلاء في سلوك الشاب العربي المنتفض الغاضب ، إذ لا يكتفي بكتابة " ديكاج " على لافتة ، بل يرفعها إلى أعلى ما يمكن وغالبا ما يكون محمولا على كتف المتظاهرين ، ويردّدها آلافَ المرّات دون ملل أو تعب. وفي هذا برهان ساطع على مدى التحام الكلمة بالتجربة ، واتحاد اللفظة والمعنى. ولمّا يتحقق هذا الشرط ، يحدث ما لم يكن في الحسبان ، تقع المعجزة : ثورة مباركة تعطي أكلها بإذن ربّها. إنّ الكلمة الصادقة لمّا تخرج من الأعماق تذهب بكلّ بساطة توّا إلى القلب، ويصبح المستحيل آنذاك ممكنا. وإيمان الانسان بهذا المبدأ يكفي لتحقيق الأحلام !
وحين يلقي الرئيس حسني مبارك خطابه ويتعهّد في أسلوب إنشائي ، كما فعل من قبله بن علي ، ببداية إصلاحات حكومية ويتنكّر للمطلب الرئيسي للثائرين ، فهو لم يفهم بتاتا المعنى الإنجازي الفعلي الثوري لكلمة " ديكاج ". إنها ليست فقط لفظة تخرج من الفم ولا تصل إلى الآذان أو ترتطم بحدودها فلا تجد منفذا إلى العقل والدماغ والروح والنفس. " ديكاج " صيحة تخرج من القلب ، هي كائن من دموع وآلام وآهات ... " ديكاج " كلمة الصارخ الذي لم يسمعه أحد من قبل رغم محنته وتعاسته الطويلة ... " ديكاج " لغة من هو مضطر أن يكتبَ ماساته الانسانية والاجتماعية بعرق الجوع والجري وراء رغيف العيش من أجل إطعام عياله...أوَلا يملك الرؤساء والحكام في العالم العربي والاسلامي آذاناً يسمعون بها شكاوي الشعب اللامتناهية ، وقلوباً ترقّ لدموع المعّذبين وتحنّ على الجوعى والعاطلين والمحرومين من الحرية ؟
إنّ أقبح شيء يمكن أن يحصل لحاكم على ظهرالأرض هو أن يضيعَ منه شعبُه ويفقدَ الثقة التي كان قد وضعها فيه. " ديكاج " تقول بصراحة وبكل قوّة هذا المعنى أي أن الشعب قد زهد في رئيسه ، ويعتبره لا يملك شيئا مُهمّا يمكن أن يقدمه له ، إنه لم يعد يساوي شيئا فهو بدون قيمة تُذكر ولا ينتظِر منه أحد شيئا !
إذا قيل لك يوماً " ديكاج " فاعلم - رحمك الله أيّها الحاكم المستعبد لشعبه - أنك غير مرغوب فيه وعليك أن تبحث لنفسك عن محيط خارجي يأويك ، عن طريق آخر تأخذه ، عن رفاق من نفس طينتك ... وستعيش ، حتى ولو استقبلك من يتقاسمون معك نفس التصور للاشياء ويقبلون بك ، ضيفا ثقيلا وعابرا يُحتاطُ منه وغريبا لا تُحمَدُ عدواه ...
" ديكاج " موقف رافض يختزل في طلقته الرعدية وتفجيره الصاعق إرادة التحرّر التي ينطق بها لسانُ حال الثائر: قررنا أن نبعِدك عنا لأنك سبب تعاستنا ، لأنك المسؤول عن كل همومنا وشقاءنا ، لأنك وراء تخلفنا وتدهور حالتنا وتقهقر أوضاعنا... وعزمنا على أن نشطبك من لائحة اهتماماتنا ... وسوف نرمي بك في سلة المهملات ومزبلة اللامبالاة كما لو كنت منتوجا متعفنا تجاوزت صلاحيته تاريخ استهلاكه... " ديكاج " كلمة شجاعة وغاضبة ومليئة بالوعود ، ولا تخرج إلا من أحشاء من صبر على تحمل الإهانات وذاق طيلة السنين مرارة العذاب وعاش طويلا في جو مختنق ، وأحس في نهاية المطاف أن سكاكين الجزار – بعد أن ذبحت الشاة وسلختها وقطعت اللحم وفرقته عن الشحم - قد بلغت العظام... حين يهتف الشعب غاضبا في وجه حاكمه الطاغية : " ديكاج " فمعناه بكل بساطة أن العباد يكرهون هذا الرجل وأصحابه لأنه خان الأمانة التي أخذها على عاتقه لمّا تربّع على كرسي السلطة ، وأنهم عازمون على اختيار طريقهم بأنفسهم ...
" ديكاج " إذن صوت الحرية لما تسمع - وهي تختنق في أقفاص حكام العرب المستعبدين لشعوبهم - صفيرَ الرياح حين تنادي على الطيور لبداية التحليق ، فتجرؤ على تحطيم القيود ، وتعبر على الخوف ، وتكسر القضبان ... وترمي بنفسها في فوهة البركان وبين أنياب الأحداث...
قرأتُ وسمعت هنا وهناك : "ديكاج" بداية التحدّي... أمّا أنا فأشهد أنّ "ديكاج" هي التحدّي...

----------------------------------
(1) أنظر : J.L. Austin, Quand dire, c’est faire, traduction de Gilles Lane, Seuil, Paris, 1970

أسباب الانتفاضة الشعبية مضاعفة في العراق/ نقولا ناصر


(ليس السؤال "لماذا" لم يصل الغضب الشعبي العربي إلى العراق بعد، بل هو "متى" سوف ينفجر هذا الغضب ليكنس الاحتلال وكل ما جاء به؟)

الانتفاضة التونسية تعربت، بالرغم من أن القوى الدولية المهيمنة على الوضع الاقليمي الراهن لا تريد لها أن تتعرب لأنها لا تريد أي تغيير في الوضع الراهن، لكن الصدى التونسي الذي يرتفع صوته مدويا الآن في مصر وغيرها من أقطار الوطن العربي لم يتردد بعد في العراق تحت الاحتلال أو هو ما زال خافتا، مع أن كل الدلائل تؤكد بأن أسباب الانتفاضة التونسية والمصرية مضاعفة فيه، غير أن السؤال الصحيح ليس "لماذا" لم يصل الغضب الشعبي العربي إلى العراق بعد، بل هو "متى" سوف ينفجر هذا الغضب ليكنس الاحتلال وكل ما جاء به؟

في خضم الدفق الإعلامي المنشغل بمتابعة تفاصيل الانتفاضة الشعبية في تونس وفي مصر متابعة بالكاد تترك وقتا لالتقاط مؤشرات هامة إلى متغيرات جذرية خلقتها هذه الانتفاضة، تكاد تغيب عن المراقب حقيقة أن الانتفاضة قد كنست في طريقها "الفتنة الطائفية" التي حاول مفجرو كنسية القديسين في الاسكندرية النفخ في نارها بقدر ما كنست الانتفاضة التونسية في طريقها الثقافة السياسية المستمدة من ثقافة "الحرب على الارهاب" الأميركية التي تصور الصراع الاجتماعي بانه صراع بين "إسلاميين" و"إرهابيين" وبين علمانيين ديموقراطيين "مسالمين" وهي الثقافة التي كان يروج لها نظام الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن على والتي حولها، كما هو الحال في مصر، إلى "عقيدة" عسكرية لأجهزة الأمن الوطني ترى "العدو" في الاسلاميين والارهابيين فقط، وهي الثقافة نفسها التي تعمق الانقسام الوطني الفلسطيني في الوقت الحاضر كمثال حي على تحريف معادلة الصراع العربي الضاري على الوجود ضد الاحتلال والهيمنة الأجنبيين.

وربما يجد البعض في الاعتقاد الخادع بأن هذه الثقافة الطائفية نفسها قد ترسخت في العراق حد أن تستبعد أي وحدة وطنية شعبية تكرر في العراق انتفاضة مماثلة للانتفاضتين التونسية والمصرية تفسيرا لعدم ظهور مؤشرات إلى انتفاضة عراقية مشابهة، فالطائفية التي نصبها الاحتلال الأميركي حاكمة في بغداد مستفحلة حقا وهي تنفخ في نار الفتنة الطائفية كلما لاحظت أن النزعة الوطنية العراقية المجربة تاريخيا تكاد تطغي عليها لتوحد الشعب العراقي على ما توحد عليه أشقاؤه في مصر وتونس من أهداف الحرية والتحرر الاقتصادي والسياسي.

ومن المؤكد أن أنصار هذه الثقافة الطائفية التي تحرف الصراع الحقيقي عن مساراته الطبيعية يجدون، مثلا، في "مؤشر الديموقراطية" السنوي الذي تنشره وحدة الاستخبارات الاقتصادية للايكونوميست البريطانية حجة تدعمهم، ففي العام الماضي صنف هذا المؤشر كل أنظمة الحكم في الدول العربية بأنها أنظمة فاشية مستبدة باستثناء لبنان ... والعراق، مما يعطي للمحافظين الجدد لإدارة الرئيس جورج دبليو. بوش الأميركية السابقة مادة يسوغون بها غزوهم للعراق واحتلاله ليستدلون بمثل هذه "المؤشرات" المضللة على "النجاح" الذي حققوه فيه بدليل أن "الحريات" التي يتمتع العراقيون بها تحت الاحتلال الآن تحميهم من أي انتفاضة تكرر القدوة التونسية أو المصرية، ومن يتابع التعليقات والتحليلات في الاعلام الأميركي بشأن الانتفاضتين التونسية والمصرية سيجد كتابات بهذا المعنى لا تجد وسائل إعلام رئيسية أي حرج في نشرها.

لكن كل هؤلاء لا يخدعون أنفسهم بقدر ما يحاولون خداع الآخرين كي يؤجلوا إلى أطول فترة ممكنة امتداد الانتفاضة الشعبية العربية في تونس ومصر وغيرهما إلى العراق، حيث الأسباب التونسية والمصرية للغضب الشعبي والانتفاضة مضاعفة.

فإذا كانت الانتفاضة في تونس ومصر موجهة ضد حكمين مدعومين من الولايات الأميركية، فإن الحكم الراهن في العاصمة العراقية صنيعة أميركية من ألفه إلى يائه لا يستطيع الاستمرار دون دعمها. وإذا كان الحكمان في البلدين شريكين للولايات المتحدة في حربها العالمية ضد "الارهاب" فإن الحكم المنبثق عن الاحتلال في بغداد قد حول العراق بكامله إلى ساحة لهذه الحرب وقاعدة أميركية لها. وإذا كان الحكمان "شريكين" لأميركا في "عملية السلام" مع دولة الاحتلال الإسرائيلي فإن العراق منذ غزوه فاحتلاله عام 2003 قد تحول إلى ساحة يصول ويجول فيها التجار والجواسيس الإسرائيليون دون حسيب او رقيب، ناهيك عن إعلان الحكم الأميركي بالوكالة في المنطقة الخضراء ببغداد عن انضمامه إلى "مبادرة السلام العربية". وإذا كان الرئيسان بن علي وحسني مبارك قد تبنيا النموذج الأميركي للتنمية فحولا البلدين إلى حقل تجارب للانفتاح الاقتصادي والخوصصة والحرية المنفلتة للتجارة ورهنا اقتصادهما الوطني لوصفات البنك وصندوق النقد الدوليين ومواصفاتهما مما حول معظم البلدين إلى مناطق مهمشة نتيجة لتركيز رأس المال واستثماراته في العاصمتين حيث تتحصن البطانة الحاكمة اقتصاديا وسياسيا وخلق جيوشا من العاطلين عن العمل أطاحت بحكم الأول بينما تهز حاليا أركان حكم الثاني، فإن البطالة المستشرية الناجمة عن الفوضى الاقتصادية الراهنة في العراق قد خلقت جيشا عرمرما من العاطلين عن العمل ضاعف عديده قانون "اجتثاث البعث" وحل الجيش الوطني وتدمير الدولة الوطنية والفتنة الطائفية التي اقتلعت قرابة أربعة ملايين عراقي لاجئ ومهجر من مواطن عيشهم ومصادر رزقهم. والقاسم غير المشترك الأساسي بين الوضعين هو أن الولايات المتحدة قد نجحت في تجنيد عهدي بن علي ومبارك في جبهة "المعتدلين" العرب ضد إيران لكنها تغض الطرف، كبالع السكين، عن الحكم الإيراني بالوكالة في بغداد حتى الآن لأنه الأقدر على تبني الأجندة الأميركية في العراق وتنفيذها، ولو إلى حين.

حسب آخر تحديث في 30 كانون الأول / ديسمبر 2010 لكتاب الحقائق العالمي لوكالة المخابرات المركزية الأميركية "سي آي إيه" على موقعه الالكتروني على شبكة الانترنت، بلغ تعداد قوة العمل العراقية ثمانية ملايين و (175) ألفا، أي ما يقارب ثلث السكان، وحسب تقرير للأمم المتحدة (2009) فإن أكثر من (450) ألف عراقي يدخلون سوق العمل سنويا "معظمهم لن يجد وظائف آمنة دون جهد منسق لتعزيز القطاع الخاص"، حسب التقرير، وفي الوضع الأمني السائد في العراق لن يقف القطاع الخاص العراقي على قدميه فرأس المال الخاص "جبان" بطبيعته. وحسب التقرير نفسه فإن الاقتصاد العراقي في حالته المزرية تحت الاحتلال "عاجز" عن تشغيل (28%) من قوة العمل، و(18%) منها عاطلة عن العمل و(10%) بطالة مقنعة تعمل بدوام جزئي، "وتتركز البطالة وهي في ازدياد" في الشباب بين سن (15 – 29) لترتفع إلى (28%)، وتمثل المرأة (17%) فقط من قوة العمل. وإذا اعتمد المراقب أرقام الأمم المتحدة هذه، وغض النظر عن الأرقام المضاعفة من مصادر عراقية، فإن معدل البطالة العراقي يزيد خمس مرات تقريبا على المعدل العالمي، ويبلغ ضعفي معدل البطالة في الوطن العربي حسب التقرير السنوي للتنمية البشرية العربية، في عراق يعاني من "أزمة إنسانية" حيث يعيش (54%) من أهله على دولار واحد في اليوم (برنامج الغذاء العالمي).

والمفارقة أن الاحتلال الأميركي ووكلاءه وجدوا حلا لمشكلة البطالة في التجنيد الواسع النطاق في "قوى الأمن" حتى بلغ تعدادها حسب نائب الرئيس الأميركي جو بايدن حوالي (700) الف، بينما كان المطلب الأميركي الرئيسي من الحكم الوطني العراقي بعد وقف إطلاق النار في الحرب العراقية الإيرانية عام 1988 يركز على "تضخم" الجيش الوطني ويدعو إلى خفض كبير في عديده. وهذا هو مصدر نسبة ال(60%) التي يشغلها "القطاع العام" من قوة العمل التي "تضاعفت منذ عام 2005" كما ورد في تقرير الأمم المتحدة.

وحيث أن مهمة الدفاع عن الحدود الوطنية العراقية موكلة أساسا إلى قوات الاحتلال الأميركي وحيث حصر وحاصر الدستور الذي فرضه الاحتلال على العراقيين بعد الغزو "الجيش العراقي الجديد" بمهمة "دفاعية"، فإن الجيش الجديد العرمرم يتحول عمليا إلى بطالة مقنعة مسلحة مهمتها الرئيسية قمع المقاومة للاحتلال من جهة ومنع أي انتفاضة شعبية توحد جيش العاطلين عن العمل والمهمشين والمهجرين قسرا من جهة ثانية.

ومن المؤكد ان هذه البطالة المقنعة سوف يتم الاستغناء عنها وتسريحها بعد أن تستقر الأوضاع للاحتلال والنظام المنبثق عنه، فتقليص "بيروقراطية" القطاع العام في الدول النامية هي من التوصيات والشروط الرئيسية لصندوق النقد والبنك الدوليين اللذين يشرفان الآن على تخطيط الاقتصاد العراقي في المستقبل.

إنها حقا سياسة في منتهى الدهاء والمكر تجند بعض جيش العاطلين عن العمل ضد بعضه الآخر خشية أن يتوحد هؤلاء في انتفاضة تكرر انتفاضة أشقائهم في تونس ومصر. إن المليشيات الطائفية التي تستقوي بها قوى "العملية السياسية" التي هندسها الاحتلال ضد بعضها البعض تلعب دورا مماثلا بشقيه: ضرب الوحدة الوطنية الشعبية بالفتنة الطائفية وضرب وحدة العاطلين عن العمل ضد أعدائهم بالتجنيد.

أما الفساد الذي بادر المنتفضون في تونس ومصر إلى إحراق ونهب أو تدمير مصالح رموزه فحدث عنه ولا حرج في العراق، الذي احتل المرتبة الرابعة بين (180) دولة في مؤشر فساد منظمة الشفافية الدولية عام 2009، وقد شهد شاهد من أهله (مركز العقد الاجتماعي التابع لمركز معلومات رئيس الوزراء) مؤخرا على استفحاله في الحكومة المركزية في المنطقة الخضراء بين "كبار قادتها ومسؤوليها"، والأمثلة كثيرة على الميادين التي يسرح ويمرح الفساد فيها دون حسيب أو رقيب من خطة الاسكان الخمسية وتهريب النفط ومنح عقوده واختفاء مليارات الدولارات من عائداته ومشتريات الأسلحة وسرقات المصارف.

وإذا كان من الطبيعي والمتوقع من أطراف "العملية السياسية" العراقية أن يستشعروا الخطر من أي تغيير في مصر ينقلب على الاعتراف المصري بهذه العملية وعلى التعامل معها كممثل شرعي للشعب العراقي يتبادل معها التمثيل الدبلوماسي على مستوى السفارة والقنصلية ويساهم في تدريب جيشها "الجديد" ويتقدم الصفوف العربية في الاستجابة للحث الأميركي على إضفاء شرعية عربية على هذه العملية بعقد مؤتمر القمة العربية المقبل في بغداد، فإن خلو الصفحة الرئيسية للموقع "الرسمي" لهيئة علماء المسلمين في العراق على شبكة الانترنت، حتى كتابة هذا المقال، من أي إشارة إلى الانتفاضة في تونس ومصر (باستثناء مقال يتيم عن تونس) يثير التساؤل المستهجن، بخاصة لأن رئيس الهيئة الشيخ حارث الضاري، "شيخ المقاومة العراقية" هو الناطق الرسمي والممثل السياسي لمجموعة فصائل مجاهدة ضد الاحتلال، ولأن للمقاومة العراقية كل المصلحة في تغيير في مصر يغير السياسة المصرية الراهنة تجاه الاحتلال والمقاومة، سواء بقي النظام الحالي أم رحل.

وقد كانت الجبهة الوطنية والقومية والاسلامية بقيادة عزة إبراهيم الدوري نائب الرئيس العراقي الشهيد صدام حسين واضحة تماما، على موقعها الالكتروني، في موقفها من الانتفاضة التونسية، بينما عبر عن موقفها من الانتفاضية المصرية خضير المرشدي، المتحدث باسم حزب البعث الفصيل الرئيسي في الجبهة، عندما أعلن عن "تضامن البعث وقيادته المجاهدة ومقاومته الباسلة مع خيارات شعب مصر" من أجل "إعادة دور مصر الكبير والفاعل والمعهود والمحوري في أمتها والعالم بعد أن غاب هذا الدور طيلة عقود من الزمن" ليخلص إلى القول: "نحن في العراق .. بحاجة كبيرة .. لمصر الحرة العربية .. لتكون معنا في إسقاط الاحتلال ومشروعه". وقد أعربت عن الموقف نفسه قوى يسارية عراقية مصطفة إلى جانب المقاومة الوطنية مثل الكادر واللجنة القيادية الشيوعيين.

* كاتب عربي من فلسطين

أزفت ساعة رحيل الطغاة/ راسم عبيدات


ما حدث في تونس ومن بعدها مصر ومن بعدها ... خارج كل التوقعات والتحليلات والتصورات،ولم تشفع لأمريكا وإسرائيل كل أجهزتهم المخابراتية والاستخبارية وعسس ومخابرات ومخبري الأنظمة المرتبطة بها ومراكز أبحاثهم واستطلاعاتهم،بأن هذه الانتفاضات والثورات الشعبية التي حدثت بشكل عفوي،ستكون بهذا الحجم والشمولية ودرجة الغليان والاحتقان غير المسبوقة،فهي راهنت على أن شدة القمع والتجويع والذل دفعت بتلك الجماهير إلى التطويع والاستكانة وفقدان الإرادة والأمل،وبأن هذه الجماهير وصلت حد الموات وعدم القدرة على الفعل، ولكن جاءت تلك الثورات الشعبية لتقول لأمريكا وإسرائيل وكل أنظمة القمع والطغيان والفساد على رأي شاعرنا الراحل الكبير محمود درويش "حذاري من جوعي ومن غضبي فإذا ما جعت آكل لحم مغتصبي"،وفعلاً أثبتت هذه الجماهير بأن لديها من الطاقات والإمكانيات والقدرات الشيء الكثير فكانت انتفاضات الخبز والكرامة،والتي سبقتها الكثير من البروفات التي تمهد وتراكم لهذا الاشتعال والحريق الذي يطهر الوطن العربي من كل هذا الدنس المتراكم على مدار عقود خلت،انتفاضات تقودها أجيال شابة،ثبت أن "العولمة" لم تنجح في تغيب وعيها القومي وحسهم الوطني وفشلت في خلق إنسان عربي جديد"معولم" وفق مقاساتهم،انتفاضة بقيادة شابة متجاوزة برامج كل الأحزاب والقوى من أقصى يمينها إلى أقصى يسارها،وليس هذا فقط،بل تجاوزت تلك القوى والأحزاب نفسها لتبقيها في ذيل الحركة بدلاً من أن تكون على رأسها،شرارة بوعزيزي وثورة الياسمينة امتدت مفاعليها على كل جغرافيا الوطن العربي من محيطه إلى خليجه،فالظروف والأوضاع لا تختلف كثيراً على كل الصعد سياسياً:- أنظمة قمع بوليسية مغرقة في الفساد ونهب خيرات وثروات البلاد،بل جعلت منها إقطاعيات ومزارع خاصة لها ولأسرها وعائلاتها،وغياب كلي لكل اشكال وأنواع الحريات( من رأي وتعبير وتعددية سياسية وفكرية وغيرها،إلى رهن القرار السياسي للقوى الخارجية وخصي عن عمد وقصد لخيار ونهج المقاومة ومحاربة كل المطالبين والداعين إليه،وتمريغ في الوحل لكرامة الوطن والمواطن،وليس هذا فقط حيث الفقر والبطالة والارتفاع الجنوني للأسعار وتكدس الثروات في أيدي فئة قليلة من بطانة وحاشية النظام والجهل والتخلف وغياب الضمانات والتأمينات الصحية والاجتماعية،وتسييد سياسات الخوف والاستكانة والذل والرعب والبلطجة والزعرنة وانتشار الرشوة والفساد الى حد الهيكلة والمأسسة والتحكم في كل مفاصل الدولة،وكذلك غياب التنمية الاقتصادية وخصخصة وبيع القطاعات العامة وتدمير الاقتصاد الوطني،يضاف لكل ذلك عقد تحالفات وتكتلات أمنية مع أعداء الأمة العربية وإفساح المجال أمامها لاستباحة الجغرافيا العربية،تقسيماً وتجزئة وتذريراً واستخداماً ونهباً وصولاً الى التحكم في القرار السياسي .

غضب وذهول عارم يجتاح العواصم الغربية وإسرائيل جراء الانتفاضات والثورات الشعبية العربية،وهي تحاول بكل الطرق بالتعاون والتنسيق مع بقايا تلك الأنظمة البائدة حرف تلك الانتفاضات عن أهدافها والعمل على إجهاضها،من خلال إجراء بعض التعديلات والتغيرات الشكلية والديكورية ،تعديلات لا تضمن تغيرات وإصلاحات جذرية،وبما يحفظ لأمريكا وأوروبا الغربية وإسرائيل مصالحها،وعلى الثورة وكل جماهير شعبنا في كل الدول التي اجتاحتها وتجتاحها قوى ورياح التغير أن تعي وتدرك تماماً،أن الحل فقط والنجاح لن يتأتى إلا من خلال تصفية تركة الأنظمة وضرب قواعدها الاجتماعية والاقتصادية وتفكيك وحل كل بناها وتراكيبها الأمنية،وعلى أهلنا وشعبنا أن يعوا تماماً بأن من يلبسون لبوس المعارضة والتغير من أمثال الغنوشي في تونس والبرادعي في مصر وغيره،هم الوجه الآخر للنظام،وهم عراب السياسة الأمريكية في المنطقة ،والجميع يتذكر جيداً أن البرادعي هو من قاد عمليات التفتيش المزعومة عن ما يسمى بأسلحة الدمار الشامل في العراق،وكان الأداة والمنفذ للسياسة الأمريكية من أجل احتلال العراق وتدمير قدراته العسكرية والعلمية ونهب خيراته وثرواته،فهو ليس بالأمين لا على مصالح الوطن ولا المواطن،وركوبه موجة الانتفاضة والثورة الشعبية والتغير ودعوة مبارك للرحيل، لا تعني أنه أصبح بين عشية وضحاها وطنيا وعروبياً من الدرجة الأولى،فهذا له دور ترسمه الدوائر الغربية وفي المقدمة منها الأمريكية،وهو أخطر من النظام السابق على مصر وأمنها ومصالحها،وأمريكا والغرب الذين يتباكون على الديمقراطية وحقوق الإنسان ويدعون حلفاءهم من الأنظمة إلى ضرورة القيام بإصلاحات اقتصادية واجتماعية،هم من دعم وساند تلك الأنظمة في كل إجراءاتها وممارساتها وجرائمها،ولم تكن حقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة والحرية تعني لهم شيئاً ،فما دامت تلك الأنظمة تحمي تلك المصالح وتنفذ وصفات البنك والصندوق الدوليين،وتطبع مع إسرائيل وتوفر لها الأمن والحماية،فلتفعل بشعوبها ما تشاء تقتل، تعتقل، تنفي،تقمع، تجوع تمارس الفساد والرشوة والدعارة بكل أشكالها وتخرق وتصادر وتكبل كل الحقوق والحريات فهذا مباح وشرعي،وهي بذلك تكشف عن زيفها وخداعها وانتقائيتها وإزدواجية معايرها وقيمها.

رغم ما تقوم به مليشيات وأجهزة الأنظمة من عمليات تخريب منظمة،من خلال القيام ببث ونشر حالة من الفوضى والفلتان والقيام بأعمال السلب والنهب،لكي تعطي صورة مشوهة عن الثورة والانتفاضة الشعبية،تبرر لها الانقضاض عليها من أجل إجهاضها،فالمغدور السادات لجأ لمثل هذه الممارسة والحيلة عندما قامت انتفاضة الخبز في مصر،حيث أوعز لمليشياته وأجهزته بالاندساس بين المحتجين والمتظاهرين والقيام بعمليات سلب ونهب،لتبرير وصف تلك الانتفاضة بانتفاضة الحرمية من أجل قمعها وإنهائها،وما يجري الآن في مصر من عمليات سلب ونهب وتدمير وتخريب للممتلكات العامة،هو ليس بفعل الثورة والانتفاضة الشعبية،بل هو عمل منظم ومخطط ومدروس من قبل النظام،تقوم به عصاباته ومليشياته،من أجل دفع الناس إلى حالة من اليأس والإحباط والإرتداد عن الثورة والانتفاضة،وطلب الحماية من النظام واجهزته،والجماهير الشعبية والتي شكلت لجان شعبية لحماية المؤسسات والممتلكات العامة وغيرها،على درجة عالية من الوعي والتيقظ والحيطة لمثل تلك الفعال والممارسات التخريبية.

من يتابع حالة التضامن الشعبية العربية العالية مع الانتفاضات والثورات الشعبية العربية في تونس ومصر وغيرها من البلدان العربية،يدرك ان الجماهير العربية بنفسها العروبي والقومي تمتلك إمكانيات عالية للنهوض والتطور،وأن هناك عصراً عربياً جديداً يضع حداً فاصلاً للحقبة السابقة من الخضوع والذل والهوان،ومن نصر إلى آخر الى تحرير كل الوطن العربي من الطغاة والفاسدين وتحرير فلسطين والعراق وكل الأراضي العربية المحتلة من الأعداء والمحتلين،ولتبقى راية وشعلة الانتفاضة خفاقة في كل الوطن العربي،من أجل غد عربي مشرق يعيد للأمة عزتها وهيبتها وكرامتها،ودورها ومكانتها بين المم والشعوب.

مصريون في النمسا تظاهروا و طالبوا مبارك بحزم حقائبه/ ناصر الحايك

فيينا النمسا
عشرات العرب وغالبيتهم الساحقة من المصريين الذين تسلحوا بالشجاعة ونزعوا رداء الخنوع والخوف ، شاركوا في الاعتصام بالقرب من "كاتدرائية شتيفانز دوم" بالعاصمة النمساوية-فيينا يوم السبت الموافق 29 من الشهر الحالي ، وذلك تضامنا مع الشعب المصري الذي يسطر بانتفاضته وتضحياته تاريخ الأمة قاطبة هذه الأيام . ورددوا هتافات مدوية تطالب الرئيس مبارك بالتنحي عن السلطة والرحيل .

وقد عزا البعض قلة المشاركين في الاعتصام إلى افتقار المؤسسات الإسلامية والمنظمات العربية بالنمسا إلى أرضية شعبية تؤيدها وتناصرها .

وحمل آخرون مسؤولية عزوف عرب النمسا عن المشاركة إلى نوبات الذعر التي مازالت تداهم غالبية هؤلاء العرب وإصابتهم برهاب مزمن بسبب "بعبع" الحاكم المخيف ، أو كونهم أصحاب مواقف مائعة ، متقلبة وزئبقية ، اختاروا "الإمساك بالعصاية من النص" حتى تنقشع الغيوم وينكشف المستور.

وهناك من فضل المكوث في المنزل مع زوجته وتناول" أطباق السحلب بالزبيب والقرفة" ، ومتابعة الأخبار الحبلى بما هو جديد كل لحظة عبر الفضائيات ، خصوصا أن الخروج في مثل هذا الطقس شديد البرودة في هذا الوقت بالنمسا يعتبر مجازفة غير محمودة العواقب لمن يخشون الإصابة "بفيروس الانفونزا"!!

واستغرب البعض عدم تسيير مظاهرات وتنظيم وقفات احتجاجية أمام السفارة المصرية "بفيينا "على غرار ما حدث مؤخرا في مدن أوروبية عديدة.

جدير بالذكر غياب ممثلي الهيئة الإسلامية الدينية الرسمية بالنمسا وأئمة المساجد عن الاعتصام . إضافة إلى أن هوية المنظمين لهذه التحركات السلمية مازالت مجهولة.

هنا صوت فلسطين/ سري القدوة


ذلك الزمن الجميل .. زمن صوت فلسطين .. صوت الثورة الفلسطينية..

*يذكر الكثيرون منا إذاعة الثورة الفلسطينية التي كانت تبث من الجزائر, أرض الشهداء والأبطال.. أرض الأحرار والشرفاء .. أرض الثورة والكفاح .. وما تركته الإذاعة كصوت وطني قومي وتراث كفاحي أثنى عليه الجميع حيث عملت إذاعة صوت فلسطين على ربط الواقع الفلسطيني والحالة الفلسطينية لتبقى في تواصل دائم مع الوطن, ولتعكس حالة الوعي الوطني القومي لطبيعة العلاقة الكفاحية للشعب الفلسطيني والأمة العربية.

ما أحوجنا إليه اليوم لربط واقعنا الفلسطيني وتوحيد رسالتنا الإعلامية, ما أحوجنا للتواصل مع الحدث وإبراز صمود الشعب الفلسطيني وكشف فضائح الاحتلال وخاصة في قضيتين أساسيتين قضية القدس والاستيطان وابتلاع الأراضي الفلسطينية ومعاناة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال المتواصلة.

من هنا تكمن أهمية دعم العمل الإعلامي بقناة إعلامية أو حتى إذاعة كصوت فلسطين ولتكن صوت الأسرى, صوت القدس من الجزائر.. من أجل إعلاء صورة القدس لتكون حاضرة وبشكل دائم عبر الأثير تربطها بالمواطن العربي وتضعه في صورة الممارسات الإسرائيلية المنافية لكل القيم الدولية, وترفع الصوت عاليا في عنان السماء, ندعو هنا إلى ضرورة العمل علي تفعيل برنامج إذاعة صوت فلسطين, هذا الصوت الذي وحد الشعب الفلسطيني نهجا وممارسة ووقف الجميع معه ومن خلاله دعما لمنظمة التحرير الفلسطينية وأن يعود إلى العمل لما لذلك من أهمية وخاصة في ظل تواصل العدوان الإسرائيلي على شعبنا ومن أجل دعم أسرى فلسطين في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

في زمن الثورة الجميل .. زمن صوت فلسطين تشكلت منا وفينا حالة الوعي الوطني وتربينا على نهج الكفاح والعطاء وحملنا لواءه, واستمرت فينا الثورة والكفاح بروح عالية ومحبة, وكان كل شيء فينا من أجل الوطن بفعل هذا التأثير الإعلامي السحري لإذاعة (صوت فلسطين) التي كانت تبث من مختلف الأقطار العربية وما نحن بصدده هنا هو ضرورة العودة إلى هذا المضمون وذلك مع اشتداد شراسة الهجمة الاحتلالية حيث يجب أن يعلو صوتنا وأن يكون لإعلامنا مغزى وبعد وطني مقابل أعمال الإبادة المنهجية الشاملة التي تمارسها العصابات الصهيونية كل يوم تجاه حقوقنا وذاكرتنا وثوابتنا وشعبنا.

ما من شك أن الإعلام الفلسطيني يمتاز بخصوصية فرضتها ظروفه الخاصة حيث ارتبط العمل الإعلامي فيه ارتباطاً وثيقاً بالعمل السياسي و النضالي، فمن واقع المعاناة الفلسطينية وواقع الغربة القاسية كان الصوت الفلسطيني عبر الأثير عاليا مرفوعا مساندا لشعبنا وداعما لحقنا وموحدا لأمتنا العربية.

"هنا صوت فلسطين، صوت الثورة الفلسطينية، يحييكم، ويلتقي بكم، مجدداً عهده معكم على مواصلة مسيرة الثورة: بالكلمة الأمينة، المعبّرة عن الطلقة الشجاعة، وبالجماهير العربية معبّأة ومنظّمة ومسلّحة، وبالحرب الثورية طويلة الأمد أسلوباً، وبالكفاح المسلّح وسيلة، حتى تحرير فلسطين كل فلسطين".

هذا بالفعل هو صوت فلسطين .. الصوت الوطني القادر على تحقيق ما يتطلع إليه شعبنا وأمتنا العربية من أجل توحيد قدرتنا على مواجهة المرحلة والاستمرار في السير باتجاه بوصلة الوطن وحماية القدس والحفاظ عليها فهي أمانة في أعناقنا جميعا بالإضافة إلى حماية الأسرى والدفاع عنهم ودعم صمودهم عبر فضح ممارسات الاحتلال وحشد الرأي العام العربي والدولي المؤيد لحقوقهم ..

من هنا ومن هذا المنطلق كانت أهمية الدور الإعلامي المتميز لإذاعة صوت فلسطين والتي نتطلع ونتوجه من هذا المنبر الحر إلى أهمية تفعيل دورها وإعادة مكانتها خاصة في ظل حرب المعلومات التي نتعرض لها والتي تشوه تاريخنا وتحد من قدرة شعبنا على فهم واقعه ولما لوسائل الإعلام الرقمية اليوم من دور كبير في تحديد مسارات التوجهات المختلفة, فلا بد إذن من إعادة ترتيب واقعنا الإعلامي والاستفادة من تلك التجربة الرائعة التي كانت في ذلك الزمن الجميل.

وهنا لا يسعنا إلا أن نتوجه بالتحية إلى الراحل الكبير أبو الصادق صلاح الدين الحسيني الذي رحل مؤخراً بصمت خجول وقد كان ركنا أساسيا في انطلاقة صوت فلسطين وأيضا الأخوة القادة خليل الوزير ممثل حركة فتح الأول في الجزائر والذي أشرف على إذاعة صوت فلسطين من الجزائر والأخ هايل عبد الحميد الذي أشرف على إذاعة صوت فلسطين في مصر وأيضا نحيي كل الإخوة أبطال الإعلام الموحد الأخ الشهيد ماجد أبو شرار وكمال ناصر وكمال عدوان وأن نتوجه بالتحية إلى الإعلامي والزميل الأخ يحيى رباح والراحل محمد حسيب القاضي وسعيد المزين وأحمد دحبور والشاعر الثائر يوسف حسون (أبو العلاء), ومن الملحنين صبري محمود, طه العجيل, وجيه بدرخان, علي إسماعيل, مهدي سردانة وكنعان وصفي حيث كان لهم الدور الهام في نقل التجربة الوطنية والروح الكفاحية إلى جماهير شعبنا وأمتنا العربية سواء من بغداد أو بيروت أو الجزائر أو صنعاء أو عدن أو القاهرة .. ولا ننسي هنا الشهيد خليل الزبن الذي لعب دورا هاما في توجيه الرأي العام في سوريا في مراحل مختلفة من تواجد الثورة الفلسطينية هناك .. فهذه تجربة ولدت لتستمر .. صنعها رجال امنوا بعدالة قضيتهم وعملوا بصمت من اجل فلسطين .. ويجب أن تستمر لما لها من أهمية وطنية كبرى خاصة مع اشتداد الهجمة الإسرائيلية الاحتلالية على شعبنا ومحاولات حكومة الاحتلال تقويض الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية .. فيبقى صوت فلسطين له دلالة ملموسة وواقع يحاكي الظروف الراهنة وما تفرضه العلاقات الوطنية في تحديد مرحلة الكفاح الوطني والتحرري لشعبنا الذي يتطلع إلى إعلان الدولة الفلسطينية وحمايتها.

السقوط التفاوضي القلسطيني الأول/ نقولا ناصر

(من أبرم صفقة "حل الدولتين" وما زال ملتزما بها من جانب واحد ليبادل أربعة أخماس الوطن التاريخي لعرب فلسطين بالخمس الأخير، هو من ارتكب الخطيئة الفلسطينية المميتة الأصلية التي قادت إلى السقوط التفاوضي الأول)


ما زالت الضجة الوطنية الفلسطينية والصخب الإعلامي العالمي اللذان أثارتهما وثائق "كشف المستور" التي تنشرها قناة الجزيرة الفضائية يثيران أيضا سحبا كثيفة من الدخان تغطي على "الخطيئة المميتة" الأصلية التي قادت إلى السقوط التفاوضي الأول الذي قاد بدوره إلى كل التجاوزات لكل الثوابت الوطنية التي تعتبرها الحركة الوطنية الفلسطينية "خطوطا حمراء" والتي "أكدتها" وثائق الجزيرة ولم "تكشفها" كما يشاع، لأنها كانت أسرارا مكشوفة فعلا وهي التي قادت إلى تعطيل كل المؤسسات الوطنية الفلسطينية وتهميش منظمة التحرير وفصائلها، وفي مقدمتها حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" نفسها المفترض أنها تقود المنظمة وفصائلها، قبل أن تقود إلى الانقسام الفلسطيني الراهن الذي انفجر سياسيا بسبب خروج مفاوض منظمة التحرير على الثوابت الوطنية في المقام الأول قبل أن ينفجر عسكريا في قطاع غزة بعد ذلك.

إن الغارقين في ما أثاره الجدل حول وثائق الجزيرة من تفاصيل وجزئيات قضايا "تبادل" الأراضي "المتفق" عليه بين طرفي التفاوض من حيث المبدأ وعمليا، حيث وافق مفاوض المنظمة على مكاسب دولة الاحتلال الإقليمية التي حازتها بالقوة المسلحة في حرب عام 1967 بموافقته على ضمها للمستعمرات الاستيطانية التي بنتها في القدس في انتهاك صارخ للقانون الدولي، والتبادل الديموغرافي الذي "لم يتفق" عليه بين الطرفين، حسب الوثائق، ودعا إليه مفاوض دولة الاحتلال دون أن يعترض مفاوض المنظمة على كونه موضوعا لا يمكن التفاوض عليه بدل أن يوقف التفاوض حتى يتم شطبه من جدول أعمال التفاوض باعتباره خطا أحمر لا يجوز التفاوض عليه لأنه ينذر بنكبة فلسطينية جديدة لمليون ونصف المليون فلسطيني من "مواطني" دولة الاحتلال، ...

إن الغارقين في هذه التفاصيل والجزئيات كلما أوغلوا فيها كلما زادوا في كثافة سحب الدخان الأسود الذي يغطي على حقيقة صفقة "التبادل التاريخي" التي قاد إليها الانقلاب الاستراتيجي عام 1988 في الجزائر على الميثاق القومي ثم على الميثاق الوطني لمنظمة التحرير، اللذين تبنت مضمونهما عمليا حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وغيرها من فصائل المقاومة الوطنية بعد أن تخلت عنهما منظمة التحرير، فقد كانت تلك الصفقة هي التبادل التاريخي الأخطر الذي أبرم قبل انطلاق المفاوضات العلنية على تبادلات فرعية متوقعة.
فمن أبرم صفقة "حل الدولتين" وما زال ملتزما بها من جانب واحد ليبادل أربعة أخماس الوطن التاريخي لعرب فلسطين بالخمس الأخير، مقابل وعد بدويلة عليه غير ملزم وغير محدد لا أرضا ولا زمنا ولا مضمونا ولا شكلا، ويدفع ثمنا لهذا الوعد اعترافا ملزما وقاطعا وواضحا كالشمس بدولة الاحتلال، وتعهدا ملزما وقاطعا وواضحا كالشمس ب"نبذ الارهاب"، اي بالتنازل عن الحق في مقاومة الاحتلال الذي يجيزه ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي والشرائع السماوية والفطرة الانسانية، والتزاما ملزما وقاطعا وواضحا كالشمس بالتفاوض كاسلوب وحيد لحل الصراع ب"الاتفاق" حصرا بين طرفي التفاوض، .. إن من أبرم هذه الصفقة هو من ارتكب الخطيئة الفلسطينية المميتة الأصلية التي قادت إلى السقوط التفاوضي الأول.

 
ولم تكن السقطات والتنازلات الفرعية والجزئية اللاحقة التي تتكشف اليوم سوى تحصيل حاصل، ولا يحق لمن صمت وما زال يصمت على الخطيئة الأصلية أن يحاول اليوم تسجيل نقاط سياسية حزبية أو فصائلية لصالحه بادعاء "المفاجأة" وبالتالي الاحتجاج على نتائج من لم يتوقعها لا يحق له أن يتصدر العمل الوطني الفلسطيني ، حتى على الهامش.



وفي هذا السياق، فإن إعلان عضو المكتب السياسي لحركة حماس، عضو المجلس التشريعي خليل الحية، يوم الثلاثاء الماضي عن سحب الحركة لتفويضها منظمة التحرير "ورئيس السلطة" بالتفاوض "في إطار وثيقة الوفاق الوطني" لسنة 2006 واعتباره هذا التفويض "لم يعد قائما .. في ظل التنازلات الخطيرة التي قاموا بها بحق الثوابت الشرعية الفلسطينية"، هو إعلان لا يسع المراقب إلا أن يعتبره نقدا ذاتيا شجاعا، وتراجعا صحيحا عن خطوة خاطئة لم تقنع في حينه أحدا، فالوحدة الوطنية التي اتخذت آنذاك مسوغا لمنح ذاك التفويض لا يمكن أن يكون الحرص عليها من جانب فلسطيني واحد، بل يجب أن تكون متبادلة، وعلى اساس احترام الحق في مقاومة الاحتلال.



غير ان سحب الغطاء الذي منحته حماس آنذاك لمفاوض المنظمة جدير بان يكون سابقة تحذو حذوها فصائل منظمة التحرير المعارضة التي ما زال ادعاؤها بالحرص على الوحدة الوطنية في إطار منظمة التحرير مسوغا غير مقنع بدوره لاستمرارها في توفير غطاء فلسطيني لاستمرار مفاوض المنظمة في مفاوضات ثبت فشلها ثبوتا قاطعا بالرغم من تجاوزها لكل الخطوط الوطنية الحمر، وربما يكون هذا هو الوقت المناسب أيضا كي تعلن مثل هذه الفصائل قطيعتها الكاملة مع الخطيئة المميتة الأصلية التي قادت إلى هذه التجاوزات.



إن كل "البدائل" التي يعلنها مفاوض المنظمة لفشل المفاوضات محكومة مسبقا بالتبادل التاريخي الأخطر الذي انبثقت عنه هذه المفاوضات، فما يسمى "قضايا الوضع النهائي" الذي يسعى المفاوض ببدائله إلى استمرار التفاوض عليها قد حولت كل الثوابت الوطنية إلى موضوع قابل للتفاوض والمساومة، فالقدس واللاجئون وعودتهم والمستعمرات الاستيطانية وغيرها جميعها هي مواضيع للتفاوض، ولا حرمة لأي ثابت وطني، أو حق أقرته شرعية الأمم المتحدة، في إطار نزاع على حدود "وقف إطلاق نار"، "عربي" لا فلسطيني، في الضفة الغربية، نزاع يدور حول تقاسمها مع المستوطنين، لا في إطار صراع على الوجود. وأحد هذه البدائل هو مشروع القرار الذي تقدم به المفاوض إلى مجلس أمن الأمم المتحدة.



وقد حصلت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية على مسودة مشروع القرار، ونشرته، دون أن يفكر مفاوض منظمة التحرير في إطلاع شعبه عليه، كعادته في حجب ما يفعله وراء الكواليس والأبواب المغلقة التي قادته إلى ابرام اتفاق أوسلو من وراء ظهر الوفد المفاوض الرسمي برئاسة المغفور له د. حيدر عبد الشافي قبل حوالي عشرين عاما، وهي العادة التي جعلت وثائق الجزيرة هامة بالرغم من أنها تكشف أسرارا مكشوفة أصلا.



ومن يراجع مشروع القرار يتأكد بأن مفاوض منظمة التحرير مصر على المكابرة في فشله، وعلى الإيغال في خطيئته المميتة، إذ يدعو في مادته الثالثة إلى العمل بموجب "الاتفاقيات الموقعة" مع دولة الاحتلال، ومنها "خريطة الطريق"، و"بناء الثقة"، و"خلق االشروط الضرورية لتعزيز عملية السلام"، ويدعو طرفي التفاوض في مادته الرابعة إلى "مواصلة .. مفاوضاتهما حول قضايا الوضع النهائي"، و"يحث" في مادته الخامسة على "تكثيف الجهود الدبلوماسية الدولية والإقليمية لدعم وإحياء عملية السلام".



وحتى لو أفلت مشروع القرار من "الفيتو" الأميركي، فإنه سيضاف إلى ركام قرارات مجلس الأمن الدولي التي تنتظر التنفيذ منذ عشرات السنين. ثم ما الذي سيضيفه القرار إن صدر إلى قرار المجلس رقم 1515 لسنة 2003 الذي نص على "تجميد" الاستيطان ويشمل التجميد "النمو الطبيعي"، بينما يدعو المفاوض في مشروع قراره إلى مجرد "وقف" هذا الاستيطان. إنه نهج الفشل نفسه، ولغته، المحكومين بالسقوط التفاوضي الأول الذي أبرم صفقة التبادل التاريخي التي لم تترك للشعب الفلسطيني أية بدائل غير الاستسلام، باسم السلام.



إن الفلسطيني الذي يدقق في الأهداف السياسية لمشروع القرار يتمنى فعلا لو تستخدم الولايات المتحدة الأميركية حقها في النقض "الفيتو" لتجهضه حتى لا يستخدمه المفاوض كنصر فارغ جديد يسوغ به استمرار تدويخ شعبه في الحلقة المفرغة التي يدور فيها منذ عشرين عاما، والتي يبذل قصارى جهده الآن لاحتواء تسليط قناة الجزيرة الأضواء على خطورتها، بتحويل الأنظار بعيدا عنها مستخدما كل الحيل والألاعيب الإعلامية التي لم تعد تنطلي على أحد، وفي رأسها التشكيك في صدقيتها، في تجاهل لكون صحيفة "الغارديان" البريطانية هي مصدر آخر حصل على حق حصري في نشرها مع الجزيرة، بعد أن تأكدت الغارديان "من صحتها بصورة مستقلة من مفاوضين سابقين ومصادر دبلوماسية ومخابراتية" كما قالت الصحيفة في الرابع والعشرين من الشهر الجاري.



ويبدو أن الأموال التي شحت فلم تتوفر لتوكيل محامين دوليين لملاحقة مجرمي الحرب في حكومة دولة الاحتلال الإسرائيلي قضائيا استنادا إلى تقرير غولدستون الشهير، أو استنادا إلى حكم محكمة العدل الدولية في لاهاي بشان جدار الضم والتوسع الذي ما زالت دولة الاحتلال تبنيه في الأراضي المحتلة عام 1967 في انتهاك صارخ للقانون الدولي، أو لملاحقة دولة الاحتلال في المحافل والمحاكم الدولية لنقلها مستوطنيها إلى المستعمرات التي تبنيها في هذه الأراضي المحتلة في انتهاك صارخ للقانون الدولي نفسه، ولم تتوفر الأموال كذلك لدعم القيادي في فتح حاتم عبد القادر عندما كان وزيرا للقدس في حكومة سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود مما قاد إلى استقالته بسبب عدم توفير الأموال له لمتابعة قضايا المقدسيين في مواجهة الاحتلال كما أعلن عند استقالته، .. يبدو أن هذه الأموال متوفرة الآن لدى د. صائب عريقات رئيس دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية لصرفها على "محامين دوليين" يستعدون الآن لمقاضاة قناة الجزيرة الفضائية بتهمة "التشهير والتحريض"، في محاولة أخرى لصرف الأنظار بعيدا عن الخطيئة المميتة الأصلية لمفاوض المنظمة، التي قادته إلى سقوطه التفاوضي الأول، لتجعل من المستحيل الدفاع عن موقفه التفاوضي الحالي.



* كاتب عربي من فلسطين

nicolanasser@yahoo.com*

مجرد أحلام تهذي/ حسن العاصي

صحفي وكاتب فلسطيني مقيم في الدنمرك

أحلم بكوخ ساهر تنام الصخور حوله ، وبأن يتحول الزمن إلى صدى تهدهده النغمات ، أحلم أن أمضي بلا كتفين وبلا قدمين ، وبملائكة الله تقطع هذا الخيط من حول عنقي ، وأن استعيد لوسادتي وقميصي رائحة وطني ، أحلم أن أنتمي لحدود نفسي فقد مضيت بلا حدود ، وبأن تعود أصابعي التي هجرت يدي ، وبأن تتوقف أحلامي ، وأعلم أن أجمل الاشياء أن نشرب الشاي في مساءات الصيف وعن الأحلام والصغار نتحدث .
أحلم أن أخلع رأسي وقلبي وجلدي وإسمي ، واصعد نحو المساء الأخير ، وأغفوا على حلم كأني لم أغادر ، و بعودة زهرة عبرت برقتها الحدود وبعينان خرجتا مع الفجر. أحلم أن تتوقف إختلاجات الاسئلة في صدري ، تدور كالعصافير تمرح في ذاكرة الوقت ، وبأن لا يتآلف جرحي مع سوط السلطان .
أحلم أن يخرج هذا الوطن المسطح الذي يمضي في دمي ، وبأن أكنس المجرات التي تشظت في أنفاسي ، وبأن أنقش على بعض السهول حكايا العابرين . أحلم أن أعود إلى حواري المخيم ، أرتدي قدري وأعدو بين السحابة والجدران ، أعبر بين الاسئلة والمذابح ، أغني في الصمت حينما يلتقي الأحبة وتشتعل العيون . أحلم أن أعود إلى أول ليلكة في المخيم أعلن اسباب رغيف السلاسل وأقطف فاكهة الوجع ، وبنداء الحواشي المهملة ، وبنبوءة تسبق الموت والغبار ، وبأن لايمتنع القلب عن الذهاب من أسر اللحظة إلى الكلمة .
أحلم أن يسكنني النرجس المشطور كي أغالب دوار الريح وأمد للقامة سندسا وأضم جناحين من تعب وحصار ، أحلم بشمس أراها لأول مرة وبصدف يعانق الرمل ، وبأن لاتضيع أغنيتي بين الشراع والشواطئ ، وأن لا أخبئ مواويلي في الحقائب على الأرصفة المهجورة ، فمن يحصد عمر المشرد في وردة نزفتها الفصول .
أحلم أن ينهار وقتي لأني عاجز عن التكيف ، وبأن أتوقف عن البكاء ، فأنا أعلم أن حزن العينين مر ودموع القلب در ، واعلم أني لن أحلل السر . أحلم أن افتح نوافذ الصمت في جسد الوطن المتهالك ، وأرقد صوب زجاج الحنين .
أحلم أن تطوف روحي في سماء تلك البلاد ليلا وتحط عند نافذة أمي الموشاة بالياسمين ، وأحلم لو أن الزمن عاد لجنبتها الكثير من الأمراض التي ابتليت بها بسبب حزنها علي ، ولكنت قبلت رؤوس جميع العجائز لأجلها ، وأحلم بأكلة بامياء بلحمة الخروف من مطبخها .
أحلم أن تكون الحدائق والمكتبات وملاعب الأطفال أكثر من السجون والمقابر والمزابل في وطني الفسيح ، وأن تعيش الشعوب العربية كبيقة خلق الله ، حيث لانرى فيه معدة خاوية ، ولا أستاذ جامعة يعمل سائق تكسي ، وحيث للجميع كرامته ولاتنتهك حقوقه .
أحلم أن يتوقف صراخ المعتقلين في أقبية وزنازين السجون العربية ، فيها أناس تعرف الجدران أسماؤهم ، فللدم لون واحد ، وللظلم طعم واحد ، وللسوط أثر واحد .
أحلم بزيارة قبور من قضوا دون أن أراهم ، وقراءة الفاتحة على أرواحهم في بلد بعيد دون خوف . أحلم بعدم الحلم برجال الأجهزة الأمنية ، والصبر على البلاء ، والتدخين دون الخوف من تصلب الشرايين ، وبسفر المواطن العربي إلى دولة عربية أخرى دون تأشيرة وكفالات مالية .
أحلم أن يتوفر للعربي طعام غير ملوث ، وهواء غير ملوث ، وضمير غير ملوث ، وإكتفاء دون الحاجة إلى ذل الإستدانة .
أحلم أن يتوقف ذبح الشعب الفلسطيني ، وأن يتوقف بعض القادة عن التشدق بمصطلحات السلام والتعايش بين الضحية والجلاد ، مع وجود عشرة آلاف شارون وربع مليون باراك ، فأنين الأمهات وصور كل الشهداء سكنت كل بيت ودخلت كل ضمير ، ويجب أن يفرضوا على كل قرار سيتخذ .
أحلم بمن يؤرخ هذا التيه الفاضح بالكرنفالات والمخبرين والبطون الجائعة والعيون المتعبة وحبال المشانق ، الريح فيه محملة بالخراب ، والطيور فيه تبكي .
أحلم بجزيرة لايشنقون فيها الناس في كهوف مظلمة ، ولايذبحون فيها الأحلام عند المنعطفات ، ويرسمون بالدم تعاويذا على الأبواب .
أحلم أن تمتد يد لتنتشل هذا الجسد الصغير المحترق من نار الإستيقاظ ، ويغلفه بشال أبيض .
أحلم أن لا أموت وحيدا ، وأن لا أدفن في غابة الغرباء ، وأن لاتنعق الغربان فوق قبري .
أحلم أن تسامحوني على يتم اللجوء وهدأة الطيف في موتي ، وأن تسامحوني لأني اشتكيت مرة ، لأنهم تركوني بلا غصن يدل علي .
أما زال من حقنا أن نصدق أحلامنا وأن نكذب هذا الوطن ؟

مهمة العلماء/ عصام عبد القادر غندور


وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

وفيما يمر لبنان بمحطات صعبة وسط لجة من المتغيرات الاقليمية والدولية على مستوى الجغرافيا والسياسة والاقتصاد ما يجعل الحليم حيرانا، تفتقد الامة الى سماع كلمة التعقل والحكمة والرشاد وهي مسؤولية اول ما تقع على السادة العلماء المنوط بهم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والله سبحانه وتعالى سيسألهم عما كانوا يفعلون.

والدين يمقت العلماء الذين يتحركون في دائرة مصالحهم ويتحولون الى غطاء للسياسيين كفقهاء السلاطين يأتمرون بهم ويسمعون لهم بدل ان يسمع السلاطين للعلماء، ينشدون عز الدنيا والرفاه، وهم يعلمون ان العزة لا تكون الا بالله ومن الله "مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ? إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ? وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ? وَمَكْرُ أُولَـ?ئِكَ هُوَ يَبُورُ" ?10فاطر? وقديما قبل بِئس العلماء على ابواب السلاطين ونِعم السلاطين على ابواب العلماء.

ويقول سيدي رسول الله(ص) العلماء ورثة الانبياء ومصابيح الارض وورثتي، وفي ذلك شرف للعلماء ومكانة عز ووقار اذا ما اصلحوا وطبقوا شرع الله وعملوا على رصّ صفوف الامة وحضوا على الوحدة والاخوة بين المسلمين.

اما ان يتحول "العلماء" الى غير ما يريده النبي الاكرم من اعتصام بحبل الله والفة بين المسلمين "وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ? وَاصْبِرُوا ? إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" ?46الانفال) ففي ذلك تمرد على امر الله وخروج عن حجر الشرع وخيانة لله ورسوله وللأمة.

 
رئيس الهيئة الشرعية
في اللقاء الاسلامي الوحدوي

حال الاتحاد الأميركي.. والانفصال العربي!/ صبحي غندور

يتميّز خطاب أي رئيس أميركي عن "حال الاتحاد الأميركي" مطلع كلّ عام بأنّه خطاب الأجندة أو الإستراتيجية التي سيعتمدها الرئيس وإدارته، لفترةٍ من الزمن، على الصعيدين الداخلي والخارجي. وهو خطاب ينتهي عادةً بالتأكيد على "قوة الاتحاد" وعلى السعي لتعزيز هذه القوة. أي هو عملياً تطبيقٌ لمقولة: (في الاتحاد قوَّة).

وممّا يلفت الانتباه أنّ الدستور الأميركي يمنع الحكومة الاتحادية المركزية من التدخّل في صلاحيات الولايات الخمسين التي يتألف منها "الاتحاد الأميركي"، لكن هذا الدستور لا يمنع إطلاقاً الحكومة المركزية (الإدارة) من التدخّل في شؤون الدول الأخرى!.

إنّ "واشنطن" هي الآن طرَفٌ مباشر ومتدخّل في معظم القضايا والأزمات العربية الراهنة، فهي التي ألغت على سبيل المثال مرجعية الأمم المتحدة للصراع العربي/الإسرائيلي وجعلت من نفسها المرجعية والحَكم، في حين أنّها طرف مباشر داعم لإسرائيل في هذا الصراع.

و"واشنطن" أيضاً هي الآن قوة عسكرية محتلة في العراق، وهي طرف مباشر في تقرير مصيره الوطني والسياسي. وهي كذلك الآن في تقريرها لمصير السودان ووحدة أراضيه ومستقبل الأوضاع السياسية فيه. كما هي (واشنطن) طرف مباشر في ما حدث ويحدث في لبنان من تطورات سياسية وأمنية، وقد صل الأمر إلى حدّ تدخّل السفيرة الأميركية في بيروت في محاولة التأثير على بعض النواب من أجل دعم إعادة ترشيح سعد الحريري لرئاسة الحكومة بعدما أدّى التدخل الأميركي أصلاً إلى تعطيل المبادرة السعودية/السورية المشتركة.

"واشنطن" هي طرف أيضاً في الخلاف الفلسطيني/الفلسطيني، وهي عرّاب الاتفاقات والمعاهدات التي حصلت بين مصر والأردن ومنظمة التحرير مع إسرائيل، والضامن لاستمرار حكومات عربية تدعم هذه المعاهدات. وهي الآن في اليمن وأزماته السياسية والأمنية، كما هي في عموم القضايا العربية التي تتعلّق بالأمن وبالتحالفات الإقليمية، بل حتّى في أسعار النفط ونسَب تصديره!.

تُرى، هل يقبل حاكم أي ولاية أميركية بهذا المستوى من أنواع تدخّل "الحكومة الأميركية المركزية" في شؤون ولايته "الأميركية"؟!.

هذا التدخل الأميركي في شؤون البلدان العربية وقضاياها هو بمعظمه تدخل سلبي جلب ويجلب ردود فعل سلبية على السياسة الأميركية ومصالحها في المنطقة.

فما يحدث بالخفاء والعلن في المنطقة العربية، منذ مطلع هذا القرن، من تهيئةٍ سياسية وأمنية لإعادة خلط كيانات المنطقة وفرزها من جديد على أشكال مختلفة عمَّا هي عليه الآن نسبياً، هو أمرٌ معنيّةٌ به أولاً وأخيراً الإدارات الأميركية المتلاحقة.

وهذا الخلط السياسي والأمني، المنشود للمنطقة، يفسّر ما يحدث الآن فيها على جبهاتٍ عديدة ومع جهاتٍ مختلفة. فمن استفتاء حول جنوب السودان يعطي للجنوبيين حقَّ اختيار الانفصال عن الوطن، إلى مشاريع مطروحة حول مستقبل العراق وفق صيغ فيدرالية، مروراً بإثارة قضايا الأقليات الدينية والعرقية في المنطقة، وصولاً لاستخدام العديد من الجماعات ذات الأسماء الدينية أسلوب العنف المسلّح بحيث لا يكون هناك وضوح وتمييز ما بين المقاومة المشروعة (والمطلوبة ضدّ الاحتلال)، وبين الإرهاب المنبوذ الذي يستبيح كلّ شيء عدا أصحابه ويؤدي إلى مزيدٍ من الفتن والصراعات الداخلية.

وقد تصاعدت، مع هذا الخلط السياسي والأمني في المنطقة، الطروحات الأميركية والغربية عموماً عن المسألة الديمقراطية (وهي دعوة حق) لكن بشكلٍ يتزامن مع أسلوبٍ باطل وهو إثارة مسألة "حقوق الأقليات" في الأوطان العربية، بحيث يصبح هذا الطرح مزيجاً من الدعوة للديمقراطية ولإقامة "تعدّدية الكيانات" في البلد الواحد، أي المطالبة بإقامة تعدّديةٍ سياسية لكن في إطار "صيغ فيدرالية" لها.

تُرى أيضاً، لِمَ هذا التناقض الأميركي بين السياسة الحالية وبين خلاصاتٍ هامّة من تاريخ التجربة الأميركية. فاستقلال أميركا عن التاج البريطاني كان حصيلة مقاومةٍ أميركية مسلحة قادها جورج واشنطن. كذلك، في التجربة الأميركية أنَّ أبراهام لنكولن قاد الجيش الاتحادي الشمالي ضدَّ انفصال الجنوب الأميركي، ولم يكن موقف واشنطن آنذاك قائماً على حقّ "الجنوب الأميركي" بتقرير مصيره !!

أيضاً في التجربة الأميركية، أنَّ قادة 13 ولاية اجتمعوا في فيلادلفيا عام 1787 لأشهر عديدة وهم يتحاورون حول كيفية تحقيق الاتحاد والتكامل بين هذه الولايات، عوضاً عن الشرذمة فيما بينها والصراعات التي عصفت بها عقب الاستقلال الأميركي.

فلِمَ تمنع واشنطن الآن أيّة محاولة لتطوير صيغ التكامل العربي، بل بالحدّ الأدنى التضامن العربي، وتشجّع على تجزئة الكيانات القائمة عوضاً عن الاتحاد فيما بينها؟

إنَّ النظام الاتحادي الفيدرالي الديمقراطي الذي حصل بين الولايات الأميركية لم يأتِ عن طريق تجزئة وتقسيم كل ولاية ثمَّ إعادة جمعها كقطع مبعثرة في لوحةٍ فيدراليةٍ واحدة ..

إنَّ العرب يريدون لأمَّتهم ما أراده الأميركيون للأمَّة الأميركية: وهذا يعني مقاومة ضدَّ الاحتلال من أجل التحرّر الوطني.

العرب يريدون لأمَّتهم حقّ اختيار البناء الدستوري السليم المتلائم مع طبيعة الأمَّة العربية وحضارتها، والذي يكفل أيضاً حرّيات المواطنين وحقوقهم في المشاركة بصنع القرار الوطني دون أيِّ تمييز.

العرب يريدون لأمَّتهم تكاملاً بين أوطان الأمَّة الواحدة وتطويرَ صيغ العمل العربي المشترك وصولاً إلى النموذج الاتحادي الأوروبي، إنْ تعذَّر الوصول الآن إلى النموذج الفيدرالي الأميركي.

العرب يريدون في أمَّتهم حقَّ رفض أيّة دعواتٍ انفصالية أو تقسيمية في كلِّ بلدٍ عربي، وتثبيت وحدة الكيانات ووحدة الأوطان ووحدة المواطنين.

هذه هي خلاصات التجربة الأميركية في مجالات المقاومة والتحرّر، والبناء الدستوري والتكامل الاتحادي، ورفض الحالات الانفصالية، فلِمَ لا تدعو واشنطن العالم كلّه للأخذ بهذه الخلاصات عوضاً عن الممارسة الأميركية لعكسها؟

ولِمَ لا تجعل واشنطن من تجربتها نموذجاً لشعوب العالم، فتكون أميركا فعلاً بمثابة (الحلم الأميركي) لا كما هي حال سياستها "الكابوسية" الآن القائمة على التدخّل السلبي في شؤون الدول الأخرى!.

لعلّ الإجابة طبعاً، هي خوف أميركا من أنَّ تعميم نموذجها يعني تعميم بناء الدول الكبرى وولادة منافسين دوليين لها، لكن هل حالت القنابل الأميركية النووية في اليابان من ولادة المنافس الاقتصادي الياباني؟ وهل منع وجود قواتٍ أميركية في معظم دول أوروبا الغربية من أن تتّجه هذه الدول نحو التكامل والاتحاد؟ وهل أنهى تقسيم ألمانيا واحتلالها عناصر القوة وروح الاستقلال وإرادة الوحدة في الأمَّة الألمانية؟

هذه أمثلة لأميركا علّها تتّعظ بها، وهي أيضاً نماذج للمنطقة العربية كي تتمثّل بها.

فالخوف من أن تنتقل هذه الأمَّة العربية من ممارسة ديكتاتوريةٍ "عربية" في الحكم وفي الدعوة للتوحيد، إلى ديمقراطيةٍ "غربية" في أشكال الحكم مع دعوة لتقسيم الأوطان!.

وإذا كان "حال الاتحاد الأميركي" ما زال قوياً بفعل قوة الدستور الأميركي واستمرار "الاتحاد" بين الولايات الأميركية، فإنّ "الحال العربي" سيبقى ضعيفاً طالما أنّ الحياة الدستورية السليمة ما زالت مغيَّبَة والصراعات الداخلية والعربية هي السائدة!.

تونس ولبنان يسطران صفحة جديدة في بداية عام جديد لصنع مستقبل أفضل بالوطن العربي/ خضر خلف


ما حدث في تونس كان له اثر وتأثير لدى الشارع العربي ، فنجد أنفسا اليوم نقف على عتبة الصحوة الشعبية بالوطن العربي ،تدفع بالشعوب لتنظيم المظاهرات والاحتجاجات طلابية أو نقابية أو أهلية شعبية كانت للمشاركة مع إخوانهم من باقي القوى الوطنية من اجل تخليص البلاد من ظلم الاستبداد .
تونس وشعبها قد أوقدوا ثورة الإصلاح والتغير ، وأشعلوا ثورة شعبية بين أوساط الشباب والمثقفين والبسطاء العادين . ومثلت تونس بذلك المدرسة التي تنهل منها وتنطلق الخطوة و اليد الأولى التي تمتد لشعوب الوطن العربي لتؤمن بتربية التغير والإصلاح وتدعوا للثورة ضد وبوجه الطغاة الظالمين المستبدين أذناب الاستعمار ، وان لا يكون الشعب أسير نفسه ، بل عليه أن يتصف بروح التغيير والتعبير والإصلاح وحماية الأوطان من الفساد والفاسدين .
فبدحر وطرد طاغية تونس انطلقت الدعوة لتأسيس اللبنة الأولى للثورة الشعبية على امتداد الوطن العربي ،لتأسيس ثورة الشعب في الوطن العربي، وتونس بلا أدنى شك حملت لواء هذا الوعي الثوري والصحوة ، .
نعم شباب الوطن العربي تأثروا بهذه المدرسة وشربوا من أفكارها، فأثمرت في لبنان بالتغير والإصلاح بدحر الحكومة الأمريكية الصهيونية في لبنان التي كانت تحكم لبنان بإطار لبناني وللأسف من خلال رموز لبنانية هي أذناب أمريكية إسرائيلية ، نعم وبلا أدنى شك سوف تتسع ساحة النضال على امتداد الوطن العربي ، بالثوار الذين تأثروا بالثورة التونسية وبروح العقيدة الإسلامية والقومية العربية ، فهذا لا يمنع أن يكون هناك الشهداء وان تكون هناك تضحية ، لان التضحية حاصلة حاصله ، فكم من أرواح الأبرياء تزهق يوميا في سجون هذه الأنظمة الطاغية ، وكم من الأبرياء الشرفاء يعذبون في سجون الطغاة القتلة الآثمين ، فالتضحية يجب أن تمتزج بالروح الإسلامية والقومية العربية في حياة الشعوب النضالية ضد الظلمة والظلم والاستبداد وضد أذناب الاستعمار..

جميعنا نعلم و ندرك بما حدث بعد الاستقلال ودحر الاحتلال عن دول الوطن العربي وما زال يحدث ، حدث ما لم يكن في الحسبان من قتل وتعذيب واغتصاب وتنكيل وإقصاء لرموز الحركات السياسية باختلاف أنواعها ، ومنذ أحداث 11 سبتمبر واليوم يتم محاربة كل ما هو عربي وإسلامي ، حتى وصل الأمر لاعتقال كل صاحب ذقن ، تحت ذريعة المد ألإخواني ، والقاعدة وغيرها من المسميات ، طغاة فاسدين يقتلون شعوبهم لنيل رضا أمريكا تحت مسميات مكافحة الإرهاب .

نعم هؤلاء الطغاة الظالمين هم الذين هيئوا لهيمنة أمريكا بالمنطقة حتى وصل الأمر بها لتقرر لنا نوع الحكومة التي سوف تحكم البلاد ، ونهب ثروات البلاد وأهلها جياع عراه ، وهذا بحد ذاته يدعو كل حر وشريف على امتداد الوطن العربي للثورة وللكفاح والنضال 0

اليوم وبحمد الله وبعد زمن طويل من العذاب و القتل والتنكيل والمرارة والتهميش والإقصاء أصبحت تونس وأهلها تعيش نوع من الحرية على طريق الإصلاح ، ولبنان رفض الفساد والفاسدين وأذناب الاستعمار وعمل على التغير .
وهذا بحد ذاته بداية لبداية عام جديد للوطن العربي وبشكل جديد ، بداية على طريق دحر وطرد وإنهاء أنظمة طاغية فاسدة ، ودحر مؤامرات الاستعمار و الحاقدون والمتربصون، فلقد تجاوز وطننا العربي مرحلة البداية وانتقل الى مرحلة السير على هذا النهج لتصبح شعوب الأمة اليوم المحرك السريع لحركات التغيير والإصلاح في كثير من الدول العربية والإسلامية.
هذه الشعوب هي التي قاومت الاستعمار الخارجي واليوم تقاوم و بروح النضال السلمي ، تقاوم الطغاة و الظلم والاستبداد الداخلي وأصبحت حلقات هذا النضال متواصلة لا تنقطع بدأ من تونس وامتداد الى لبنان ومصر والجزائر والحبل على الجرار.
ولكن لا نعرف كيف ستكون المراحل القادمة ما بعد تونس ولبنان ، هل تكون هذه المراحل كما سبق بالأعوام الماضية ، كما كان حال الكثير من المظاهرات والاحتجاجات والتصعيد ، التي ظهرت ومن ثم هدئت وانتهت واندحرت ، أم ترسم لنا معالم وطن عربي جديد يتميز بالعدل والإنصاف لا طغاة فيه يحترم كل أبناء الوطن بدون أخطاء الماضي 0
وهل نقول لعام 2010 وداعا لك وبما عشنا معك من قهر وألم وقتل بأيامك وأيام الأعوام التي سبقتك .. وها نحن نسطر بداية عام جديد بالتغير والإصلاح وإنهاء زمن الطغاة القتلة الفاسدين0
ومن خلال ذلك وجب على كل حر وشريف اعني الجميع للعمل سويا نحو ما يتطلبه منا الحاضر من اجل بناء مستقبل أفضل خالي من هؤلاء الطغاة القتلة الفاسدين .
فأي طاغية يكون دوره بالطرد أو الدحر هذا علمه عند الله .. ونحن ننتظر لنعلم
كاتب فلسطيني

الجنة تفتح أبوابها متأخرة/ حسن العاصي



كلما شاخ العالم ، ينأى في الزمن ، وكلما غاب الماضي في الزمن بدا فقده فادحا ، وكلما بدا الفقد فادحا كان الزاهد يحفظ في قلبه ذكراه الغامضة بلا عزاء ، فيصبح الحنين أشد وقعا ويتسع ليصبح القلق أثقل ، وكلما أثقل القلق في الروح يكظم الحلق وترتقي مرونة الصوت ، هو الفجر الأول والشمس الأولى .
إن التجربة الأكثر أذية التي عرفتها البشرية ليست الشر ولا المال ولا الإبادة ، ولا السلطة وكل الاضطرابات التي تسببها ، والنشوات التي تجلبها ، ولا التسامي وكل المشاعر الوهمية التي يوقظها ، بل الحرب .
الحروب التي دمرت الوجه البشري ، ولم تبق منه إلا أشلاء باعثة للهذيان ، تيه مدهش ، وحيد الوجه ، أخرق عاصف ورهيب .
لقد أسفرت الحروب عن مئات ملايين القتلى ومئات الآلاف من الجرحى وعددا لايحصى من المفقودين والأسرى ، وعشرات المليارات المهدورة ، وحالات مأساوية لاتخطر ببال أحد ، لكن الأخطر من ذلك هو الأثر النفسي الذي تحدثه ويجعل كثيرا من القيم تساوي صفرا ، طالما أن قيمة الحياة نفسها مهددة في الصميم .
هذه هي رسالة مسرحية الجنة تفتح أبوابها متأخرة ، التي قدمتها فرقة سومرعلى أحد مسارح كوبنهاغن ، فعلى مدار ساعة ونصف تألق الفنانان حيدر وشهلة وغاصوا في أعماقنا وأوغلوا في ملامسة حنايا الروح لدي كل من حضر العرض ، عبر فانتازيا حوارية دارت بين الزوج العائد بعد عشر سنوات قضاها في الأسر عقب انتهاء الحرب ، وبين الزوجة التي ظلت تنتظر عودته ، وتحاور عالما منشغل بالقتل والحروب والاعتقال .
المفاجأة أن الزوجة لم تتعرف على الزوج العائد بعد هذه السنوات التي قضاها وراء القضبان ، كان اللقاء بينهما ممتلىئ بالإنكسارات الداخلية ، في لحظة الهشاشة الثابتة للوعة فرد محكوم بحرية غالية الثمن ، صوته صوت الإنسان الضاحك ، الحر ، الصعلوك الملكي في الزمن البائس ، زمن تقارير أجهزة الأمن وأحذية البوليس ومعسكرات التعذيب وخنق عفوية الفرد ، عائد يمشي في حقل من الألغام ومع ذلك يريد أن يرقص ، أن يسير مغمض العينان إلى حبيبته ، أو إلى وردة بعينها يهديها إلى من يحب .
مازالت الزوجة تتنكر لهذا العائد الذي أصبح الماضي بالنسبة له طفولة منسية ومهملة ، ولم يعد قادرا على مواجهة ليله الفظ .
هو محتشد بالخوف والضياع والرغبة والاحتمالات ، وهي تقف بمنتصف المسافة بين الماضي الذي لم يمض تماما ، وبين المستقبل الذي لم يقبل بعد .
الزوج يحاول إستنبات زهرة لنفسه من ذلك الخراب ، يسقيها بالبراءة وقليلا من التمرد والأمل ، والزوجة تصر على التنكر له وتعتبر قدومه صدفة ، بل موتا لاقيمة له ، كما لاقيمة أو معنى للحب وللذكريات التي يحاول إيقاظها ، في ظل ظروف تحرمنا فرص الحياة نفسها .
تتصاعد هذه الفانتازيا بين الزوجان الغريبان ، غربة الوطن الضائع ، والغربة القابعة في أعماقنا داخل الوطن وخارجه رسخت الإحساس عند العائد باللاجدوى ، طالما أن الحياة عينها كانت يمكن أن تنتهي بمصادفة عبثية .
النهاية المباغتة للمسرحية ، حيث ينتهي العرض في لحظة الذروة ، دون أن نعتبرها لحظة إنفراج ، هي نهاية لاتعني توقف بقدر ماهي بداية لتكرار الأحداث داخل الزمن في مكان مختلف ، فالتوقف هنا استمرار لا إنتفاء ، وأمام هذه النهاية يجد المتفرج نفسه كجزء من العرض إزاء فجوة معرفية داخل النص ، يقوم بتجاوزها بوسائله الذاتية من دون تلقين خارجي ، وحين يتحقق ذلك يكون المشاهد توصل إلى حالة مستبصرة من الرؤية الذاتية يمكن أن نطلق عليها الوعي .
هذا التواصل والإمتداد يمثل نوعا من التحذير من شهوة الهدم والظلام والقتل والإعتقال وسفك الدماء التي يطلقها غياب الوعي الجمعي ويزيدها استعارا ويسبغ الشرعية على الأخطاء القاتلة التي لايدفع ثمنها إلا جموع البشر عبر التاريخ ، إنها أممية القهر والظلم والإستبداد .
إن هذه المسرحية في جوهرها نشيد للحرية ، فإذا كان تجاوز الموت في الحرب انتصارا رمزيا ، فإن موضوع الحرية بمعناها الواسع المتعدد هو المحور الرئيسي للعرض ، إنها لوحة ذات عمق إنساني بالغ ، تميزت بقراءة واقع العلاقات الإنسانية المتعددة بلغة مشوقة بعيدا عن الشعارات والأيديولوجيات ، وأهم مافيها قدرتها على جذب انتباه المتفرج حتى اللحظة الأخيرة .
إنها رسالة مفعمة بالإنسانية تجعل منها عملا جديرا بالثناء ، ويظل السؤال المهم .. هل سيجد العائد وطنه الضائع ؟

صحفي وكاتب فلسطيني مقيم في الدنمرك

الأزمة .. والمواقف المعلبة/ د. عيدة المطلق قناة


منذ أن تفجر الوضع الراكد ذات أزمة في عام 1988.. والأردن يعبر بصعوبة بالغة عبر دهاليز برامج وإملاءات وشروط صندوق النقد والبنك الدوليين .. وبعد عقدين ونيف على ذاك العبور المتعسر .. فإن أحوال الأردنيين تزداد صعوبة .. وأزماتهم تتزايد عمقاً وامتداداً..إلى أن طالت كافة تفاصيل حياتنا (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والأخلاقية وحتى الروحية ) .. لقد شهد الأردنيون خلال العقدين الماضيين .. حالة من انصياع تام للمطالب والشروط الدولية .. فتخلت الدولة عن معظم أدوارها.. فالخصخصة ماضية .. إذ امتدت يد البيع لتنال من معظم الأصول حتى وصلت إلى أراضي الدولة (بما في بطنها من خيرات اليورانيون والنحاس) .. بيعت الشركات الكبرى ( الفوسفات والبوتاس والكهرباء والاتصالات والطيران.. وحتى الميناء والمطار) .. فماذا كان حصاد تلك السنين العجاف ؟؟ لقد كان حصاداً مراً في كل المجالات :

• فحين فقدت الخزينة مصادر دخلها الأساسية .. التفت الحكومات إلى جيوب المواطنين المثقوبة لتعمل فيها ضرائباً ورسوماً .. تعددت مسيماتها وعناوينها .. عبر نظام جباية صارم .. حتى بات المواطن الأردني من أكثر دافعي الضرائب في العالم .. فكان الفقر والإفقار..
• وحين تخلت الدولة عن دورها في إدارة الاقتصاد الوطني وفي إدارة عجلة الانتاج.. راحت تجد لنفسها اقتصاداً جديداً في مجال السياحة والترفيه .. فكان استجلاب الكازينوهات ودور القمار والملاهي الليلية .. فكان التحدي لقيم الشعب ومنظوماته الأخلاقية والدينية !!
• وحين تخلت الدولة عن دورها في إبداع المشاريع وفرص العمل .. فإن مئات الآلاف من شبابنا المؤهل باتوا خارج سوق العمل .. وإن وجدوا عملاً .. فإنه في كثير من الأحوال يكون دون مؤهلاتهم .. والدخل المتأتي منه لا يكاد يسد الأود .. فوقع غالبية الأردنيين دون خط الفقر المعرف من قبل الحكومة .. ( أي 680 ديناراً ) حيث أن رواتب أكثر من 50% هي دون (300 ) دينار .. وازدات جيوب الفقر من 22 جيباً عام 2006 إلى 32 جيبا في عام2008 .. وتمدد الفقر ليشمل في عباءته ( 781403 ) من الأردنيين ..
• وحين يتسكع الشباب – أي شباب - في الشوارع عاطلاً معطلاً .. عندها ستتحقق فيهم المقولة " إن الأيدي خلقت لتعمل فإن لم تجد في طاعة الله عملاً وجدت في معصيته أعمالاً " فكان السقوط في الرذيلة والمخدرات والاتجار بالبشر.. وإلى ما هنالك!!
• وإذ تدرك الحكومات صعوبة قراراتها وسياساتها .. فإنها تسعى لتمرير هذه القرارات المؤلمة عبر تفصيل القوانين الخاصة بالتطويع والتركيع .. وعبر آليات الكبت وإحكام القبضة على الحريات.. وتزوير الانتخابات .. وتصنيع المجالس النيابية والبلدية ..
• وإذ تمضي الحكومات في هذه السياسيات .. في الاختباء بالأزمة العالمية .. وتراقب الحالة الاحتجاجية بنصف عين .. ونصف أذن .. ونصف انتباه .. ومن ثم تمضي بذات النهج دونما اكتراث .. اعتقاداً منها أن الناس كل الناس ما هم إلا "خشب مسندة".. فإنها لا تدرك بأن الشعوب حين تشتد الضائقة عليهم .. ويبلغ بهم اليأس مبلغاً خطيراً .. فينبغي على الحكومات ألا يهدأ لها بال ولا يرتاح لها جنب .. دون أن تكابر بادعاء الارتياح وافتعال "التطنيش" !!
• أما حين يخرج علينا الناطقون باسم الحكومات.. فيفيضون على مستمعيهم بخطاب تهميشي محتشد بالمقولات المعلبة والاستفزازية التي تحمل كل إشارات الاحتقار والاستهانة والاستهتار بأوجاع الناس .. فتصبح في هذا الخطاب احتجاجات الناس وأوجاعهم "هامشية" .. ومطالبهم "شعاراتية" فارغة من المضمون .. وقياداتهم "عميلة مرتبطة بالخارج" .. ولاؤها لمن يدفع لها .. ينفذون "أجندات ضد الوطن" .. وتعبيراتهم "حالة صوتية" .. وحراكهم الاحتجاجي "تعطيل للتنمية" ( التي تفيض لبناً وعسلاً.. ولكن المحتجون يسعون لإيقافها ) ..
• وأما المعارضة بكافة أطيافها فهي معارضة "عدمية" .. لا تعدو أن تكون إلا "قوة شد عكسي" للقطار الحكومي السريع نحو النماء والرخاء!!
• وأمام هذه الذهنية تصبح شكاوى الناس "بسيطة" إنما يجري "تهويلها والمبالغة" فيها من قبل "أصحاب الأجندات السوداء" ..

بربكم هل هذا استهبال ؟؟ أم أنهم يريدوننا أن نشعل النار بأنفسنا كيما يصدقونا ؟

نعم .. لقد وصلنا إلى هذا الدرك من الانحدار بالخطاب ولغة الحوار .. ولكن تجارب الشعوب علمتنا بأن الأمور حين تصل هذا المنحدر.. فيغيب الاحترام .. ويصبح الحوار مستحيلاً .. عندها انتظروا الانفجار..


شعب يحترق/ رأفت محمد السيد

عندما يشعر المواطن كل طلعة شمس أنه يحترق من نار إرتفاع الاسعار ، ونار إنخفاض الدخول ، ونار الدين ، ونار رؤية أحد الابناء يحتاج إلى دواء لايملك ثمنه، ونار البطاله ، ونار إرتفاع سن الزواج لدى الجنسين لعدم القدره على تدبير نفقات الزواج ، ونار الدروس الخصوصيه ، ونار مصاريف التعليم ، ونار إرتفاع أسعار الشقق ، ونارازدحام المواصلات ، ونار التمييز والتفرقه فى الترقيات والمكافأت وتفاوت المرتبات بين الموظف القديم والجديد بصوره فجه فى الوظائف ، ونار زرع الفتنه بين المسلمين والمسيحيين ، ونار الملايين التى يحصل عليها اللاعبون والفنانون والمطربون التى نقرا عنها كل يوم بالصحف لتستفز مشاعرنا وتقتل فى داخلنا الإبداع والإبتكار بل وتزيد فينا الإحباط بكل معانيه – ونار التفاوت الطبقى والفيلات والشاليهات والشركات والمصانع والأرصدة المليونيه فى البنوك لشخصيات لم نكن نسمع عنهم أى شئ وظهروا بقدرة الواحد الأحد فجأة – أليست هذه النيران كافيه للبحث عن سبيل لإخمادها ، فبدلا من أن نبحث عن نيران أخرى نشعل بها أجسادنا لنعلن بها عن النيران المشتعله بداخلنا ، فلنبحث عن حلول لإخماد النيران الدفيته– فالنيران التى تحرقنا من الداخل سيجازينا الله ثواب الصبر عليها فما الداعى فى أن نشعل النيران فى أجسادنا والتى عاقبتها نار الأخره التى لانقوى على تحملها - فالصبر ثم الصبر يرحمكم الله الذى يمهل ولايهمل 0




وفـي المـوت أيضـاً!/ عـادل عطيـة


انها لمأساة إنسانية، ان نفرّق بين الناس حتى في مماتهم، على اساس: دينهم، ولونهم، وجنسهم، وجنسيتهم!
سقطة مهينة، وقعت فيها كبريات الصحف المصرية، وهي تصف بعنجهية، الضحية المسيحي بـ "المتوفي".. بينما تصف في الحدث نفسه، الضحية المسلم بـ "الشهيد"!
أي صحفي هذا، الذي يستغل سلطته الرابعة، فيركل بقدم المتعصب شركائه في الوطن، ويحمل العصا فوق القلوب المتألمة، ويطعم بالملعقة كل تمييز مقيت لأفواه العاقّين الذين لا يؤمنون إلا بالمحبة، وإلا بالتسامح الديني!
أي صحفي هذا، الذي لا يفصل الذاتي عن المهني، ويحمل انانيته، ويستغل ادوات رسالته في حشر الناس في زوايا ضيقة، ويحاربهم في شيء يؤمنون به، عن صورة يقينية، يرسمونها في خيالهم، وينامون!
أي صحفي هذا، الذي لايعرف معنى الشهادة، ومضمونها، وتطبيقاتها في الحياة والناس!
الشهادة، لغوياً، تعني: الخبر القاطع، الذي يشهد به من عاينه.
والشهادة،عقائدياً، تعني في المسيحية: كل من يثبت على ايمانه، وتمسكه بعقيدته حتى الموت.
وفي الاسلام، تتخذ حكمين:
الشهيد في الدنيا والآخرة، وهو من مات في المعركة مقبلاً غير مدبر؛ لإعلاء كلمة الله.
وشهيد في الدنيا، وهو من مات في المعركة مقبلاً وغير مدبر، ولم تكن في نيته إعلاء كلمة الله.
وفي حادثة كحادثة نجع حمادي، كان على الصحفي أن يدرك أن الشرطي المسلم، قتل بالخطأ؛ لكونه متواجداً ـ بالصدفة ـ ضمن مجموعة مسيحية. وان الشباب المسيحي الذين اغتيلوا غدراً، لم يُخيّروا بين انكار مسيحيتهم، أو الموت في سبيلها.
ومع ذلك، كان على الصحفي وصفهم جميعاً بالشهداء، ولو تطييباً لخواطر أهلهم وعائلاتهم، وهو هنا لن يكون كاتباً زوراً، باعتبار أن الذين يقتلون على الهوية الدينية، هم ماتوا شهداء على ما آلت إليه البشرية من تعصب، وخسة، ونذالة!
وفي أقل تقدير، باعتبارهم، انهم سقطوا على الشاهدة أي الأرض!
أتمنى على المؤسسات الصحفية، التكفير عن اخطاء الاداء السلبي لصحفييها، بتثقيفهم، وتدريبهم على الحيادية، والحس الإنساني النبيل.
ومعاقبة الذين يصرّون على أن لا يعرفوا، أن الصحفي ضمير شائع، وقد يدركه الخلل الشائع في الضمائر، فإذا مرض ضميره، وتركه هكذا يستشري في نفسه، وعلى الورق؛ فانه يعيث بقلمه فساداً وإفساداً في القلوب والمشاعر!

نجحت ثورة قطاع غزة بدون بوعزيزي/ نافزعلوان


قطاع غزة أنتج نموذجاً مثالياً أثار ويثير حنق وغيرة معظم الأنظمة العربية منه ومن نجاحاته المتوالية والمتواصلة، علي رأس هؤلاء الحانقين من نجاحات قطاع غزة بالطبع نظام رام الله الفاشل المنهار والموشك أن يعلن إستلامه ورحيله عن الأراضي الفلسطينية، ونحن هنا بصدد الحديث عن نموذج غير عادي من النجاح رغم الحصار وإنعدام الدعم إلا أن قطاع غزة أثبت للعالم أن القيادة الوطنية الخالية من الأنانية واللصوصية والمحسوبيات والمنتفعين من قوت الشعب يمكن لها أن تعيش بأقل القليل وبأدني الإمكانيات. قطاع غزة هو النموذج الذي يجب تطبيقه في كل الدول العربية، نموذج من الإندماج الشعبي مع قياداته، فيه التزمت الحكومة بواجباتها نحو الشعب والتزم الشعب بإحترامه للقانون والعمل الدؤوب لإنجاح حكومته من خلال تنقية ذاتية الإجتماعية من جميع المخربين والساعين لتحطيم دور الحكومة في قطاع غزة الناجح، ولقد نجح قطاع غزة في تلجيم ومحاصرة نشاط فئات عديدة مخربة في قطاع غزة كـ حركة فتح وعدد من الذين إنقطعت عنهم سبل الإنتفاع من الفساد والفاسدين.

لم يحتاج الشعب في قطاع غزة لأن يحتج المواطن عن طريق حرق نفسه من أجل الوصول والحصول علي حقوقه ورغم الفساد الذي كان غارقاً فيه قطاع غزة إبان الإحتلال الفتحاوي لقطاع غزة إلا أن تصميم الشعب في قطاع غزة قام بحركته التطهيرية ليعيش الفرد والمجتمع في قطاع غزة في حالة من الأمان والإستقرار لم يشهدها القطاع منذ إنشاء سلطة رام الله ولم يعشه أي من الشعوب المجاورة والذي جعل كم الغيظ من نجاحات حركة حماس في قطاع غزة يقود كل القوي الحاقدة علي قطاع غزة إلي تشديد الحصار عليه وقطع أخبار نجاحاته عن العالم، ولا نستطيع إلا أن نقول أن المثمر من الأشجار هو ما يرميه الناس بكل حجر لديهم ليأكلوا من ثمر هذا الشجر المثمر دون عناء زراعته وسقايته والعناية به، يطلبون الثمر وهم متقاعسين حتي إذا تم عقابهم وحرمانهم علي تقاعسهم ذاك صاحوا وناحوا وأطلقوا لحناجر البلع والسلب والنهب العنان تستغيث من ظلم العدل والحق الذي تم تطبيقه علي ظلمهم.

لقد هدد قطاع غزة بنجاح ثورته علي فساد سلطة فاسدة مجرمة كل الأنظمة العربية، فهو بإمكانياته المحدودة أطلع العالم علي زيف كل الأنظمة العربية وهدرها لمليارات لو توفرت لحكومة قطاع غزة لكان لهم محطة فضائية مأهولة في الفضاء الخارجي ولو قارنتم كم وحجم الإستقرار الذي عاشه القطاع في أحلك ساعات حصاره والعدوان عليه بكم السخط والغضب الذي يجتاح كل عالمنا العربي لأدركنا أن هناك خلالاً بليغاً في كل الأنظمة العربية ونظرية ناجحة مائة بالمائة أخذت وتأخذ حيزها في الوجود من خلال هذا القطاع الصغير، والرجاء الحقيقي هو أن تحذوا الشعوب العربية حذو قطاع غزة ويقوم الشعوب العربية بحركات تصحيحية وتطهيرية كالتي قامت في غزة وبدلاً من أن يحترق الجسد العربي في ساحات الإنتحار التي لم ولن تنتج عدالة للشعوب العربية أن يبادورا إلي حسم عسكري بأيدي أبنائه يخلق نجاح قطاع غزة في كل ركن من أركان عالمنا العربي.
 - لوس أنجليس

نموذج التنمية الأميركي يسقط في تونس/ نقولا ناصر


(الانتفاضة التونسية موجهة ضد نظام سياسي كانت ترعاه الولايات المتحدة وموجهة بقدر أكبر ضد نموذج التنمية الأميركي الذي كان ذاك النظام يحرسه)


"الانتفاضة" التونسية لها عنوانان: الخبز والحرية. وهي سوف تتحول إلى ثورة إذا حققت الحرية، لكنها سوف تتحول إلى ثورة تاريخية عظيمة إذا حققت الخبز والحرية معا. وكانت مصادرة الحريات العامة شرطا مسبقا لفرض نموذج للتنمية مفروض من الخارج، ومعولم بمواصفات أميركية خالصة تراقب واشنطن الالتزام بها بواسطة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

إن وسائل الإعلام ما زالت حتى الآن تركز أضواءها على سقوط المنظومة السياسية التي كانت تحرس هذا النموذج الأميركي للتنمية في تونس، الذي كانت واشنطن والبنك والصندوق الدوليين يهللان له باعتباره نموذجا ومثالا يحتذى به في الوطن العربي والعالم الإسلامي، وتغيب أو تغيب حقيقة أن هذا النموذج نفسه هو الذي أنتج الانتفاضة التونسية الحالية، وحقيقة أن نموذج التنمية الأميركي في تونس هو الذي أسقطته، أو يجب أن تسقطه، الانتفاضة المستمرة، وربما لهذا السبب على وجه التحديد يسلط الإعلام الغربي الضوء على أن هذه الانتفاضة هي "أول ثورة من أجل الديموقراطية" في الدولة العربية القطرية بعد استقلالها الوطني عن الاستعمار الغربي المباشر ... فحسب.



لكن هذه الانتفاضة موجهة ضد نظام سياسي كانت ترعاه الولايات المتحدة الأميركية وموجهة بقدر أكبر ضد نموذج التنمية الأميركي الذي كان ذاك النظام يحرسه وهي تمثل تهديدا للمصالح الأميركية أدركه نائب محرر صفحات الرأي في الواشنطن بوست، جاكسون ديل، ليحذر في مقال له في الرابع عشر من الشهر الحالي بأن "التهديد المباشر أكثر من غيره للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط ليس الحرب، بل الثورة"، التي "ربما يكون الوقت قد فات كي تتدارك الولايات المتحدة الغليان الاجتماعي المتدحرج في الشرق الأوسط هذا العام".



ولا بد أن ديل وأمثاله يجدون في تحذير الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى من أن المواطن العربي دخل في مرحلة "غضب غير مسبوقة" دليلا يعزز رأيهم. إن من تابع التحذير الذي وجهته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى الحكومات العربية من العاصمة القطرية في الثالث عشر من الشهر من أنها إن لم تبادر إلى "الإصلاحات" فإنها سوف تجد نفسها "تغرق في الرمال"، يدرك بأن رأي ديل لم يكن فرديا أو منعزلا بل كان يعبر عن الرأي السائد في أوساط الحكومة الأميركية.



وهذه الحقيقة تجعل من المنطقي والواقعي أن يتوقع المراقب أن تكون الولايات المتحدة هي الخطر الأكبر على الانتفاضة التونسية وأن تبادر إدارة الرئيس باراك أوباما عاجلا وليس آجلا إلى احتواء هذه الانتفاضة لإجهاضها قبل أن تتحول إلى ثورة حقا لا تقتصر آثارها على تونس وحدها بل تتعداها إلى محيطها العربي وغير العربي حيث كانت الولايات المتحدة طوال عقود السنين الماضية تسوق نموذجا أميركيا للتنمية يخدم مصالحها ويعزز هيمنتها، بدل أن تجد فيها فرصة لإعادة النظر في مقاربتها للديموقراطية في الوطن العربي وفي سياستها الخارجية الإقليمية التي حولتها خلال السنوات العشر الماضية إلى نسخة أميركية معاصرة للاستعمار الأوروبي القديم، حيث لجأت إلى الاحتلال العسكري المباشر من أجل "تغيير الأنظمة" باسم "نشر الديموقراطية".



والمفارقة أن إدارة أوباما "الديموقراطية" تواصل في ذلك نهجا أرسته الإدارة "الجمهورية" السابقة في عهد سلفه جورج دبليو. بوش، وهو نهج انتقدته وزيرة خارجية بوش، كوندوليزا رايس، عندما قالت في حزيران / يونيو عام 2005 في الجامعة الأميركية بالقاهرة: "طوال ستين عاما، عملت بلدي، الولايات المتحدة، من أجل الاستقرار على حساب الديموقراطية في هذه المنطقة، ولم نحقق لا الاستقرار ولا الديموقراطية".



وما زالت الولايات المتحدة تتخبط في سياستها الإقليمية بين استقرار يحافظ على مصالحها "الحيوية" وبين ديموقراطية تفصلها ولو بقوة الاحتلال العسكري على مقاسها. في 13 تشرين الثاني / نوفمبر 2007 استضاف مركز الحقوق ومعهد حقوق الانسان بجامعة جورج تاون مؤتمرا شاركت فيه كبرى المنظمات العالمية والأميركية المتخصصة بحثا عن حل لهذه المعضلة بعنوان "تونس: نموذج للاستقرار في الشرق الأوسط أم حاضنة للتطرف؟"



وكانت الانتفاضة التونسية الراهنة هي الجواب، فتونس لا هذه ولا تلك، فقد أسقطت النموذج الأميركي للاستقرار لكنها لم تسقط في حمأة التطرف. إنه جواب عربي أصيل دون أي تدخل خارجي، وأي تدخل خارجي، وبخاصة الأميركي، الآن هو الخطر الوحيد الذي يهدد بإجهاض هذه التجربة الشعبية العربية. فشعوب المنطقة منذ زمن طويل فقدت أي أمل في أن تكون الولايات المتحدة قوة لإحداث أي تغيير ديموقراطي لصالحها، إلا إذا كانت هجينة ومسخا يتم فرضها بالغزو والاحتلال العسكري لتزوير إرادة الشعوب كما هو الحال في العراق وأفغانستان والصومال وفلسطين وغيرها الكثير.



فالإدارة الأميركية التي فوجئت بالانتفاضة التونسية وأعلنت بلسان وزيرة خارجيتها قبل بضعة أيام من رحيل زين العابدين بن علي أنها تقف "على الحياد" بينه وبين شعبه بينما تسخر كل إعلامها والناطقين باسمها لتغطية أخبار بضعة أفراد يحتجون ضد أنظمة غير موالية لها وتمنحهم جوائز "سلام" عالمية هي إدارة لا يمكن إلا أن تصيب بالصدمة المعنيين حقا بالديموقراطية بين ظهرانيها فقط، مثل الصحفي العالمي الحائز على جائزة بوليتزر، سيمون هيرش، الذي أعرب عن "صدمته" من موقف إدارة أوباما التي فشلت في "تجاوز سنوات بوش"، كما قال في محاضرة مؤخرا بجامعة جورج تاون، لكنها بالتأكيد لن تصيب أحدا بالصدمة في الوطن العربي حيث وقفت دائما تدعم أي نظام يحافظ على مصالحها ويصادر الحريات الديموقراطية لشعبه، والمثال التونسي ما زال حيا ينبض بالرفض والسخط على هذه السياسة الأميركية.



فنموذج التنمية الأميركي في تونس، الأب الشرعي للانتفاضة الحالية، ليس إلا مصغرا للمثال الاقتصادي الأميركي نفسه، الذي قدم الرئيس الصيني هو جين تاو نموذجا صينيا بديلا له عندما قال في مقابلة مع الواشنطن بوست والوول ستريت جورنال عشية زيارته التاريخية لواشنطن الأسبوع الماضي: "إننا نستمر في وضع مصالح الشعب أولا ونولي اهتماما أكبر بتطوير البرامج الاجتماعية وتحسين مستوى معيشة الشعب" مضيفا أن معدل الدخل السنوي خلال السنوات الخمس الماضية للمواطن الصيني كان متوازنا تقريبا بين المدينة وبين الريف (9.3% و 8% على التوالي).



لكن معاهد الأبحاث الأميركية لا حديث لها هذه الأيام إلا عن الفارق الشاسع الذي يتزايد بتسارع بين أغنياء الأميركيين، وهم قلة متناقصة، وبين فقرائهم وهم أكثرية متزايدة بتآكل الطبقة الوسطى، بينما تعفي إدارة أوباما وقبلها إدارة بوش الأغنياء من الضرائب بحجة تحفيز الاقتصاد للخروج من الأزمة نفسها التي خلقها هؤلاء الأغنياء أنفسهم وتبقي الضرائب على المستهلكين بل تزيدها لتأخذ من جيوبهم "حزمة إنقاذ مالية" تمول بها القلة الغنية لإقالتها من أزمتها التي عمت شعبها بل تجاوزته لتصيب عدواها الشعوب المستهلكة في الدول الأخرى.



فطبقا لأرقام مكتب الإحصاء الأميركي، كما نشرتها وكالة الأسوشيتدبرس في 17 الشهر الجاري، فإن الأسر التي يزيد دخلها على مائة ألف دولار حصلت على (49%) من إجمالي الدخل عام 2009 بينما حصل العشرون في المائة في أدنى السلسلة الغذائية على (3.4%) فقط من إجمالي دخل الأسرة الأميركية لتبلغ نسبة الدخل بين المجموعتين (14.5) إلى واحد مقابل (7.7) إلى واحد عام 1968.



وعلقت الأسوشيتدبرس في تقريرها قائلة إن فجوة عدم المساواة المتسعة سببها السياسات الحكومية التي تحابي الأغنياء، فقد انتهت "الحرب على الفقر" التي كانت هذه الحكومة تشنها عام 1968 مع تصاعد الحرب في فيتنام، وعندما تولى رونالد ريغان الرئاسة عام 1981 ازداد انعدام المساواة اتساعا بسياساته التي تفرض الضرائب على المستهلكين، وفي عهده الذي استمر ثماني سنوات حصل الأغنياء على إعفاء ضخم من الضرائب، ليسيطر عشرون في المائة من أغنيائها على (80%) من ثروتها وواحد في المائة من أغنى أغنيائها على (40%) من هذه الثروة، وطبق خلفه جورج بوش إعفاءات ضريبية أكبر للأغنياء وحمل أعباء الاحتلال الأميركي للعراق وأفغانستان للأكثرية المستهلكة مما وسع من الفجوة الطبقية في الولايات المتحدة. أما إدارة أوباما الحالية فإنها على ذمة الوكالة "تجاهلت أساسا مشكلة الفقر، ومددت إعفاءات بوش الضريبية لمدة عامين، مطيلة بذلك أمد انعدام المساواة" في المجتمع الأميركي.



وأوضحت الوكالة أن دين الحكومة الأميركية بلغ الآن حدا لم يبلغه من قبل على الإطلاق وتجاوز سقف الحد الأقصى الذي أقره الكونغرس، ليزيد على (14) تريليون دولار، ليصبح كل أميركي مدينا بأكثر من (45) ألف دولار، ولأن دين الدولة "يزداد في زمن الحرب ويتراجع في زمن السلم"، وقبل أن يصل "السناتور أوباما" إلى الرئاسة خاطب مجلس الشيوخ عام 2006 قائلا: "حقيقة أننا هنا اليوم لمناقشة رفع سقف الدين الأميركي المسموح به هو علامة فشل في القيادة .. وأن الحكومة الأميركية لا تستطيع تسديد فواتيرها، وأننا نعتمد الآن على المساعدات المالية من بلدان أجنبية لتمويل السياسات المالية الخرقاء لحكومتنا"، لكنه اليوم وهو في سدة الرئاسة يفرش أفخر السجاد الأحمر للرئيس الصيني جين تاو لكي تستمر الصين التي تمتلك أكبر احتياطي في العالم من العملة الأميركية في تقديم المساعدة المالية لبلاده.



ألم تكن هذه هي السياسات "الخرقاء" التي فرضتها الولايات المتحدة على تونس وتحاول تصديرها إلى العالم كافة عبر العولمة هي نفسها السياسات التي فجرت الانتفاضة التونسية ؟



في الثالث عشر من الشهر الجاري كتب المعلق الأميركي ستيفنس زيونس يقول إن تونس أكثر من أي بلد آخر في إقليمها اتبعت إملاءات واشنطن وصندوف النقد الدولي لخوصصة الاقتصاد وتحرير تجارته، مما وسع البطالة وزاد في "غنى الأسر الحاكمة"، ودعمت الولايات المتحدة جهود الصندوق لدفع الحكومة التونسية إلى إلغاء ما كان قد تبقى من دعم مالي للمحروقات والمواد الغذائية الأساسية وما تبقى من قيود على القطاع المالي. وكتب الناشر اليهودي الأميركي ل"كولورادو بروغريسيف جويش نيوز"، روب برينس، في نشرة معهد دراسات السياسات في الرابع من الشهر يقول إن "تونس قد تحولت إلى طفل إعلانات صندوق النقد والبنك الدوليين".



في عام 2005 تغنى التقرير السنوي للتنمية البشرية العربية بتونس باعتبارها نموذجا لتحرير المرأة. وفي العام التالي تغنى بها وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامزفيلد باعتبارها "نموذجا ناجحا" في الاعتدال والعلاقات مع الولايات المتحدة و"للقيادة البناءة جدا في العالم". وفي عام 2008 تغنى الجنرال وليام إي. وارد قائد القيادة الأميركية في إفريقيا بتونس باعتبارها "نموذجا" في المنطقة في دعم قوات حفظ السلام الدولية. وفي آب / أغسطس الماضي تغنى وزير الاتصال التونسي في لندن ببلاده باعتبارها "نموذجا تقتدي به البلدان النامية للنجاح والتقدم في التنمية والتحديث". وفي أيار / مايو الماضي تغنى رئيس الوزراء التونسي منذ عام 1999 ورئيس الحكومة الانتقالية الحالية بعد الانتفاضة، محمد الغنوشي، ب"نموذج التنمية" التونسي في تقرير قدمه للمجلس الأعلى للتنمية لا يسع أي مراقب يراجع الأرقام والصورة الزاهية التي رسمها الغنوشي لمستقبل تونس فيه إلا أن يعجب من "غباء" الانتفاضة الحالية التي تضحي بهذا النموذج، الذي فجر انتفاضة "الخبز" في سنة 1984 فقادت إلى إنقلاب بن علي على سلفه الحبيب بورقيبة بعد ثلاث سنوات، ليوقع خلفه على المزيد من الاتفاقيات مع صندوق النقد التي قادت بدورها إلى الانتفاضة الحالية التي خلعته، ليثبت التونسيون أن نموذج التنمية الأميركي قد فشل في تونس، وآن له أن يسقط فيها وفي غيرها.



والبديل إذا استحال أن يكون اشتراكيا فإنه في الأقل يجب أن يلغي الضرائب على المستهلك، مثل ضريبة المبيعات، ويفرضها على الأغنياء، بل يزيدها عليهم، ويخفض الاتفاق على الأمن الداخلي ويستعيض عنه بالأمن الاجتماعي عبر إطلاق الحريات العامة، وهذا هو النموذج الحقيقي الذي تقدمه الانتفاضة التونسية.

* كاتب عربي من فلسطين