ح ندمر مستقبل ولادك/ محمد طعيمة


"كان زماني بشم كُله أنا وعبدالحليم"، بتلقائية أجابني عمنا أحمد فؤاد نجم.

عام 2007 كنت أمر معه بجوار مجموعة ممن نسميهم "أولاد الشوارع"، رآهم عمنا "ضحايا مجتمع ودولة"، وحين سألته: لو اتولدت في الثمانينات أنت وعبدالحليم، ماذا كان سيحدث لكما؟ فكانت إجابته التلقائية.

عشان تطمئن على مستقبل ولادك.

شعار هو نموذج لـ"الاستهبال"، لا يوجد توصيف آخر. استهبال، يُدرك من يردده من "اللاحزب" الحاكم أنه يكذب.. وأن من يسمعونه يعرفون أنه يكذب، وبأن سياساته هي أخطر ما يهدد مستقبل أولادهم.

لم يعرف تاريخنا الحديث ظاهرة "أولاد" الشوارع إلا مع اللانظام الحاكم، ومن يريد أن "يوجع" قلبه أكثر.. يقرأ تقرير هيومان رايتس عما يتعرضون له من انتهاكات تفوق الوصف، تصل أحياناً للتواطؤ ضدهم بين الشرطة ومعتادي الإجرام. غابة أولاد الشوارع تتراوح تقديرات أرقام من يحيون فيها حول المليوني ضحية، أي أكثر من "مواطني" دول خليجية، خرجوا تماماً من حسبة اللانظام.. والمجتمع. تورد روز اليوسف في20 نوفمبر 2009 إحصاءات للأمم المتحدة عن المسارب الجنائية التي ينشطون فيها.. ٦٥٪ منهم سرقة و٦١٪ تشرد و٣١٪ تسول.

(نجم وعبدالحليم حافظ) قمتان عربيتان. حين مثلا عبئاً على أسرتيهما.. وجدا مؤسسات ترعاهما ثماني وعشر سنوات على التوالي، هما وآلاف غيرهما، من ذات "الملجأ"، وحده، خرج 5 ضباط شرطة وحربية اثنان منهم حملا رتبة لواء و10 أطباء بشريين وبيطريين. وحتى حين "حاد" نجم عن الطريق وعرف السجن الجنائي، كان فعلا "تهذيب وإصلاح". وجد من يرعى موهبته، وتصدر مصلحة السجون أول دواوينه (صور من الحياة والسجن) عام 1962بمقدمة سهير القلماوي، حصد به جائزة ثقافية، وأمسية شعرية أسبوعية له.. وهو سجين.

هكذا، قبل الثورة وبعدها كانت الدولة تحمي أولاد الأسر "محدودة الدخل". مع نهاية الثمانينات بدأت تتفجر ظاهرة أولاد الشوارع كاحدى فيروسات "السداح مداح"، وتتفاقم لدرجة التفريخ الذاتي.. خارج الإطار الآدمي.

عشان تطمئن على طفولة ولادك.

أحمد رمضان، 13 عاماً، يعمل 11 ساعة في اليوم في مخبز بعزبة خير الله الفقيرة في القاهرة. يتعرض لآلات خطرة ولحرارة الفرن الشديدة ولمعاملة رب العمل السيئة. في يونيه الماضي روى لرويترز ضمن تقرير لها عن انفلات عمالة أطفالنا: "استيقظ السادسة صباحاً وأسرع إلى المخبز، لأن صاحبه يتعامل مع أربعة مثلي، يختار منهم أول الواصلين". إذا وصل أحمد أولاً، ينال 15 جنيهاً يومياً، يُساعد بها أسرته.

تكاد تتفق أرقام المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية والمجلس القومي للطفولة والأمومة والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء على أن "خُمس" أولادنا من 6 ـ 14 سنة دخلوا نفق عمالة الأطفال. وتتضاعف الجريمة في الريف وفق إحصائيات القومي للبحوث الاجتماعية لعام 2009 التي نشرتها روزا.. لتصل نسبتهم من سن ٩ إلي ١١ عاما ٢٣٪، وتتفاقم بعد سن 12 عاماً لـ ٨٥٪، غالبيتهم تجمع بين العمل والدراسة.

عشان تطمئن على صحة ولادك.

داخل نفق عمالة الأطفال تتفاقم الآثار السلبية، تقول دراسة للقومى للبحوث الاجتماعية بالتعاون مع الأمم المتحدة أن "٢١.٨% منهم مصابون بالبلهارسيا، و٢٢.٨% بإسهال مزمن، و٢١.٩% بإمساك مزمن، و٢.٨% بنزلة شعبية حادة، و١% بأمراض القلب".

صحة "مستقبلنا" الناجي من نفق العمالة ليست أفضل كثيراً، فأمام المجلس الاستشارى لإعداد سياسات الأمن الغذائي 19 أكتوبر 2010، كشفت د. عزة جوهر مدير المعهد القومى للتغذية بوزارة الصحة، عن تعرض أكثر من 25% من أولادنا للتقزم و48% للأنيميا.. حادة أو متوسطة، و20% للسمنة. ويشكو 20% من تلاميذ ابتدائي القاهرة من ضعف الإبصار.. وفقاً لأرقام الصحة العالمية، فكيف هو حال "بصر" أولادنا خارج العاصمة.

ح ندمر مستقبل ولادك

لم نقترب من أرقام التعليم ولا من غرق معظم أولادنا تحت خط الفقر.. أو في العشوائيات، ولا من الانحراف الإجرامي أو العنف الأسري. لكن حتى في غيابها تبدو الأرقام "الرسمية" عالية.. إفرازاً مرعباً لسياسات الجيل أول للانظام الحاكم، ومعه يحذرنا الجيل الثاني منه بما هو أسوأ. نهاية المؤتمر الأخير للاحزب الحاكم، يطالب جمال مبارك حكومة رجال أعماله بـ"قرارات اقتصادية صعبة". قرارات عادة ما "ينظر كثير من المصريين بريبة كبيرة لأي إصلاحات اقتصادية".. لأنها "لمصلحة قلة على حساب الفقراء"، وفق رويترز. وحين سئل "جيمي" عن اضطرابات شعبية قد تثيرها إصلاحاته الجديدة، أجاب بثقة: "على مصر أن تنال نصيبها من الاحتجاجات شأن أي دولة أوروبية".

أوروبية (!!).. راجع "التوصيف" المذكور عاليه.


إسرائيل واستباحة الأمن القومي العربي/ راسم عبيدات


........ أن النظام الرسمي العربي في حالة غير مسبوقة من الانهيار والانحطاط،ومسألة الأمن القومي العربي لا تعني له شيئاً،بل جزء من أجهزة وأدوات النظام المخابراتية في أكثر من دولة تمد وتوفر أجهزة المخابرات الغربية وحتى الإسرائيلية بمعلومات عن الأوضاع في دول عربية أخرى،ولعل ما نشره موقع ويكليكس بأن هناك من الموظفين والمسؤولين العربية من يتصل طواعية بالسفارات والقنصليات الأمريكية في بلدانهم، لكي يزودها بمعلومات عن الأوضاع في بلدانهم والبلدان العربية الأخرى،مؤشر خطير على ما وصل إليه النظام الرسمي العربي من انحطاط وانهيار،بحيث أصبحت الخيانة على رأي الشهيد صلاح خلف "أبو اياد " ليس وجهة نظر،بل وعلى المكشوف حيث يصول ويجول الخونة وأصبحوا جزءاً ورقماً مهماً من منظومة القرار في بلدانهم،ففي أكثر من عملية اغتيال نفذها جهاز الموساد الإسرائيلي والذي يحاول أن يضفي على نفسه هالة من الأسطورة والقوة الخارقة،وجدنا أن هناك أيدي عربية تقف خلف تلك العمليات والاغتيالات والتي طالت العديد من قادة الفصائل الفلسطينية في أكثر من دولة عربية وتحديداً في لبنان،وكذلك الشهيد عماد مغنية في دمشق والمبحوح في الإمارات العربية ....الخ.

والمسألة ليست وقفاً على اغتيال الموساد لقيادات فقط في قوى المقاومة الفلسطينية والعربية،بل الموساد يستهدف الأمن العربي ككل،وإسرائيل لا تقيم وزناً للدول العربية التي تقيم معها علاقات دبلوماسية وتجارية واقتصادية،فالاستهداف هنا شمولي،فالموساد على سبيل المثال لا الحصر حاول اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل على الأراضي الأردنية،وأيضاً اغتال المبحوح أحد قيادات حماس على أراضي دولة الإمارات،وجند أكثر من شبكة عملاء للتجسس على مصر وأمنها القومي،والتي كان آخرها اعتقال الجاسوس طارق عبد الرازق والذي كشف عن الكثير من المعلومات الخطيرة،وعن مجموعة من شبكات التجسس الإسرائيلية والتي تعمل في أكثر من دولة عربية،ولا تهدد أمن مصر فقط،بل وتهدد أمن أكثر من دولة عربية،وتهدف لتدمير وقطع العلاقات العربية - العربية،وبلغت الاستباحة للأمن المصري حداً غير مسبوق من الوقاحة بقيام الأمن الإسرائيلي باستجواب الصحفية الفلسطينية صابرين علي على أرض مطار القاهرة الدولي،ناهيك عن قيام المخابرات الإسرائيلية باختطاف مواطنين من سيناء بهدف زعزعة الاستقرار هناك وخلق فتنة فلسطينية- مصرية،وأكثر من ذلك فالجميع يعرف الدور الإسرائيلي في محاولة تحريض عدد من الدول الأفريقية وفي المقدمة منها أثيوبيا من أجل قطع شريان المياه الرئيسي لمصر- نهر النيل- وكل هذا التآمر والتجسس على مصر يجري في ظل معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية،وبما يثبت أن السفارة الإسرائيلية في مصر متورطة في الكثير من الأعمال التجسسية تلك.

هذه الاستباحة التجسسية والموسادية للوطن العربية،نجد تجلياتها على امتداد جغرافيا الوطن العربي،ففي لبنان حيث حزب الله والمقاومة سجلوا نجاحات وانتصارات في كشف الكثير من شبكات التجسس الإسرائيلية على أرض لبنان،والتي كانت تستهدف ليس حزب الله والمقاومة،بل أمن لبنان ككل ودفع الساحة اللبنانية إلى الاحتراب والاقتتال الداخلي،فأغلب عمليات الاغتيال التي طالت رموز وقيادات لبنانية وفلسطينية هناك كانت عليها بصمات إسرائيلية،وكذلك التقرير الظني الذي سيصدر عن المحكمة الدولية بشأن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق عليه بصمات إسرائيلية أيضاً،وما يجري في السودان وقضية تجزئته وتقسيمه ليست بعيدة عن بصمات المخابرات الإسرائيلية،كما أن أرتيريا وجيبوتي أصبحت من القواعد المتقدمة للموساد في القرن الأفريقي،وكذلك مطاردة واغتيال الكثير من العلماء العراقيين تمت بأيدي الموساد الإسرائيلي،والذي أصبح بعد سقوط النظام العراقي يسرح ويمرح في الأراضي العراقية،ويقيم له العديد من القواعد في شمالها،ومن خلالها يتجسس على سوريا وإيران وتركيا وغيرها من الدول الأخرى،ناهيك عن القيام بأعمال التخريب والقتل والفتن داخل الأراضي العراقية.

إن الموساد ليس بالأسطورة أو الجهاز الذي لا يقهر،بل ما يجعله قوياً هو ضعف الحالة العربية وانهيارها،وغياب وتغييب الأمن القومي العربي الشمولي،وغياب إجراءات الردع والمحاسبة،ففي الوقت الذي يجند النظام الرسمي العربي كل عيونه وأجهزة مخابراته للتجسس على أمن مواطنيه،فإن هذه الأجهزة لا تقم بأي دور تجاه حماية الأمن الوطني والقومي،بل العديد من تلك الأجهزة تتجند وتنسق مع الأجهزة الإستخباراتية الغربية والإسرائيلية ضد مواطنيها ومعارضيها وضد دول عربية أخرى،فهذا الجهاز صاحب الصيت والشهرة،هزمته دولة صغيرة كدولة الإمارات العربية،والتي استطاعت أجهزة مخابراتها في زمن قياسي كشف قتلة الشهيد المبحوح من جهاز الموساد الإسرائيلي،والذي جند عشرات أعضاءه من أجل اغتيال رجل واحد،وكذلك ما جري ويجري على الأرض اللبنانية حيث تتساقط شبكات جواسيسهم كأوراق الشجر في الخريف .

إن إسرائيل تعتبر نفسها في حالة حرب وعداء مع العالم العربي،وبغض النظر عن العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والتجارية التي تقيمها مع العديد من الدول العربية،فهي تستغل ممثلياتها في تلك الدول من أجل القيام بأنشطة تجسسية،ولعل تورط السفارة الإسرائيلية في قضية الجاسوس المصري طارق عبد الرازق ومن قبلها تورط السفارة الإسرائيلية في عمان في قضية محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل،وبعدها تورط البعثة الإسرائيلية في الإمارات العربية باغتيال الشهيد المبحوح وغيرها تثبت أن إسرائيل تستغل تلك السفارات والممثليات والعلاقات الاقتصادية والتجارية من أجل التغطية والتستر على ما تمارسه تلك السفارات والممثليات والبعثات من أنشطة تجسسية،واختراق الأوضاع الداخلية في الأقطار العربية،من أجل إحداث حالة من البلبلة والقلاقل والفتن داخل القطر الواحد وأكثر من قطر عربي.

وهذا بالضرورة يطرح مسألة الأمن القومي العربي،والتي بالضرورة يجب أن تتجاوز الخلافات القائمة بين الحكومات العربية،فهذه المسألة تهم أمن المواطن والإنسان العربي الآن ومستقبلاً،وهي تتطلب تفعيل المعاهدات الأمنية العربية المشتركة وفي الجوهر منها معاهدة الدفاع العربي المشترك.

فالجغرافيا العربية والأمن العربي مستهدفتان بشكل مباشر من القوى المعادية وبالذات إسرائيل وأمريكا،الجغرافيا مستهدفة تفكيكاً وتركيباً ،تقسيماً وتجزئة وتذريراً،والأمن العربي اختراقاً وعمليات تخريب واغتيالات وخلق فتن وقلاقل وحالة من عدم الاستقرار في الأوضاع الداخلية العربية، ومحاولة حرف وجهة النضال والمقاومة والأمن العربي نحو أعداء مفتعلين للأمة العربية،كما هو الحال في تصوير إيران على أنها العدو الإستراتيجي للعرب،وليس أمريكا وإسرائيل،أو أن قوى المقاومة الفلسطينية والعربية تخدم أهداف وأجندات غير عربية،كما الحال في الاتهامات الموجهة للمقاومة الفلسطينية واللبنانية.

فالعدو المركزي لشعبنا وأمتنا العربية هي إسرائيل التي ترفض التسوية والسلام وتقديم أية تنازلات تلامس حتى الحد الأدنى من حقوق شعبنا الفلسطيني،وتستمر في استباحة الأمن القومي العربي،وبغض النظر عن العلاقات والاتفاقيات التي تربطها بهذه الدولة العربية أو تلك.


العرب قضية أمنية بنظر رئيس الحكومة/ نبيل عودة

 بشرنا في الأسبوع الماضي أن لنا حكومة ورئيس للحكومة يهمه أمر العرب المواطنين في البلاد.وعليه عقد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بحثا حساسا وضيقا عن عرب إسرائيل مع أجهزة المخابرات والأمن الإسرائيلية وبعض أعضاء المجلس الوزاري المصغر. قلنا ربما لدراسة مد المجاري لبعض القرى العربية التي لم تحصل على ميزانيات كافية لمد خطوط المجاري، وربما لدراسة إضافة صفوف لبعض المدارس التي تضيق مساحة غرفها عن استيعاب الطلاب حسب معدل عدد الطلاب في الصف، الذي يزيد عند العرب بنسبة غير صغيرة عما هو في المدارس اليهودية. ولكن المحير هل يفهم قادة أجهزة الأمن في مشاكل الصرف الصحي عند العرب، وهل هم على اطلاع حول الخدمات في السلطات المحلية ومشكلة غرف الدراسة؟ أم أن اختصاصهم ينحصر في قمع أصوات الاحتجاج على التمييز الصارخ، أو تخطيط لعملية اغتيال مبحوح جديد؟
وسائل الإعلام قالت انه يدور الحديث عن بحث أول يجريه نتنياهو في محفل رفيع المستوى بهذا الشأن، بعد مرور نحو سنتين منذ تسلمه مهام منصبه. حقا محفل رفيع المستوى!!
ممثلو المخابرات أشاروا، أن تصعيد الجهود الحكومية لدمج عرب إسرائيل كفيل بأن يوقف ميول التطرف. رئيس المخابرات يوفال ديسكن وضباط كبار من المخابرات والشرطة استعرضوا في الجلسة الميول في أوساط عرب إسرائيل. ورفض مكتب رئيس الوزراء التطرق إلى تفاصيل البحث .
السؤال المحير لماذا لم يبحثوا، ليس ميول التطرف في أوساط العرب في إسرائيل، إنما حقائق التطرف العنصري التي وصلت ذروتها برسالة الحاخامات. حتى شجرة عيد الميلاد لم يتحملها رئيس بلدية الناصرة العليا في ساحة مدينة أكثر من 20% سكانها عرب، وآلاف اليهود الروس مسيحيين ويحتفلون بالميلاد، ولو جمعنا العرب والروس لشكلوا نسبة كبيرة مقلقة لاجتماع رئيس الحكومة وطاقمه الأمني. بالطبع هذا لا يقلقنا، نحن لسنا عنصريين ولا يمكن أن نكون. لا ضد اليهود ولا ضد الحاخامات. نحتقر العنصريين ؟ أجل!! ولكننا لن نلوث إنسانيتنا بالعنصرية.
هل يتوقعون أن يكون العرب في إسرائيل شوالا من الرمل ليتدرب عليه العنصريون؟
منذ تشكيل حكومة نتنياهو ، طرحت عدة مشاريع قوانين اعتبرت موجهة ضد عرب إسرائيل . مشروع القانون الأبرز هو تعديل قانون المواطنة الذي يستوجب من المواطنين الجدد أداء قسم الولاء لإسرائيل كـ "دولة يهودية وديمقراطية".ونحن قلنا إذا اضطررنا سنقسم كذبا!! وسنحصل على فتاوى تسمح لنا بالقسم كذبا دون أن نخسر ملكوت الله!!
لا شك أن هذه الصيغة الأمنية الصرف، لمثل هذا الاجتماع " لبحث موضوع عرب إسرائيل" 7التي تعتمد فقط على أجهزة الأمن القمعية، بتعاملها المعروف مع المواطنين العرب، يشير إلى أن العرب في إسرائيل ، كما يراهم رئيس الحكومة نتنياهو يشكلون قضية أمنية فقط لا غير. أي هناك تجاهل لكونهم مواطنين متساوي الحقوق، كما تنص مثلا وثيقة استقلال إسرائيل.
لا شك أن هناك خبراء يهود وعرب أكاديميين، ضليعين بقضايا العرب في إسرائيل، من حيث الغبن في الحقوق، والتمييز ضدهم في جميع مجالات الحياة، من مخصصات الأرض التمييزية بشكل لا يطاق، وميزانيات التطوير والتعليم وواقع البطالة والاستيعاب في الوظائف الحكومية، والكثير من المرافق الأخرى، وكانوا قد قدموا لرئيس حكومة إسرائيل الأسبق ايهود براك ( وزير الدفاع اليوم) "تقرير طوارئ" قدمته مجموعة من الأكاديميين اليهود والعرب، بعد انتفاضة أكتوبر 2000 حمل عنوان "بعد الأزمة- اتجاهات جديدة في سياسة الحكومة مع الأقلية العربية"، يطرح بشكل علمي مدروس مشاكل الأقلية العربية بتفصيل تاريخي سليم، ويطرح بالمقابل الحلول المبنية على دراسات ميدانية من أجل الخروج من هذا الوضع المأزوم الذي يدفع الجماهير العربية إلى الصدام مع السلطة، والى استمرار التوتر الذي حذر أيضا تقرير لجنة اور ، حول مقتل أل 13 شاب عربي ، من استمراره ومن خطر انتفاضة جديدة أكثر عنفا، إذا لم تجر الحكومة تعديلات عميقة على تعملها مع العرب في إسرائيل،يقوم على أساس حل المشاكل المتراكمة في المجتمع العربي.
ويجيء اجتماع نتنياهو ليبحث قضايا عرب إسرائيل مع أجهزة الأمن فقط، بإشارة واضحة إلى اتجاه التفكير الرسمي .

نبيل عودة – رئيس تحرير المساء www.almsaa.net

فتح والتوَهان بين عباس ودحلان/ د. إبراهيم حمّامي



قبل البدء: الموضوع طويل وطويل جداً ما بين شهاب الدين وأخيه!

سبحان الله

قبل عام من اليوم كانت السلطة تنفق الأموال التي تجمعها باسم الشعب الفلسطيني على قضية قرر دحلان الانسحاب منها واسقاطها بعد أربع سنوات وهو يجر أذيال الخيبة ودون الحصول على أي من مطالبه الثلاثة وهو ما يعتبره القانون الانجليزي الذي لجأ إليه خسارة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، أنفقت السلطة عشرات الآلاف من الدولارات ان لم تكن مئات الآلاف، يومها كانت السلطة وفتح برموزها وعناصرها ووزراء سابقين ولاحقين تتبنى دحلان ويتبرع فلان وعلان ليكون شاهد اثبات أو نفي لصالح دحلان.

اليوم وبقدرة قادر أصبحت فتح المختطفة والسلطة تلاحق دحلان وبتهم مختلفة، هكذا تتحدث التقارير والتصريحات، تهم تشمل الفساد والثراء غير المشروع والتآمر وغيرها، لجان تحقيق واستجوابات واعتقالات واقالات لموالين، وملاحقة لهذا وذاك، فما الذي تغير بين ليلة وضحاها ان جاز التعبير؟

بالتأكيد ودون شك فإن أصل الخلاف وجوهره ليس على قضية وطنية أو مصلحة عامة، لكنه وبوضوح ومن خلال اللقاءات والتصريحات والتقارير خلاف شخصي سخيف ، عبّاس المعروف بحرده وتصرفاته "فزع" لنفسه وأراد أن ينتقم من دحلان لأنه "اهانه" عند اعتباره ضعيفاً وهناك من يستحق أن يقود بدلاً عنه، وازدادت "فزعته" عندما وصل الأمر لأبنائه وأعمالهم التجارية التي "استهزء" بهم وبها دحلان.

كالقطيع المقاد انجرت "القيادات" اياها وراء عبّاس القائد الأوحد، وبدأت الحملة ضد دحلان، وعوقب بما عوقب به حتى اليوم، وبغض النظر ان كان ما يجري مسرحية كما يقتنع البعض، أو خلافاً حقيقياً، فإن الحقيقة المؤكدة أنه ليس خلافاً سياسياً أة على المباديء، عباس ودحلان دعواهما واحدة، وان تنافسا يكون مجال التنافس الأوحد على ارضاء المحتل وتقديم الخدمات له.

لم يستيقظ عباس من نومه ليكتشف أنه ضد الفساد، ولم يكتشف أعضاء مركزية سيرك بيت لحم فجأة أنهم شرفاء مكة، هؤلاء الذين صمتوا سنوات وسنوات وكانوا جزء لا يتجزأ من منظمة مهترأة بالية، لم تحركهم جرائم دحلان المتكررة بحق الشعب الفلسطيني، ولا ممارساتهم البشعة، ولم يتأثروا بتغوله على فتح وتحوله لقائد مناضل لا يشق له غبار، اليوم أصبحوا جميعاً في خانة عبّاس، ومن حقنا أن نسأل ونتساءل أين كانوا طوال المدة الماضية؟

الغريب أن التقارير تتحدث اليوم عن بداية معركة بين أنصار المتعوس وخايب الرجا، وتهديدات بكشف المستور، ولا نبالغ أن المثل المعروف يمكن اسقاطه على تلك المعركة ذات الأهداف اللاوطنية "ما شافوهم وهم بيسرقوا شافوهم وهم بيتخانقوا عالسرقة"، نعم فضائح جديدة مرشحة لأن ترشح خلال الأيام الماضية بعد أن شحذ كل طرف أنصاره لمواجهة الطرف الآخر.

وجه الغرابة هنا أن البعض ما زال مؤمناً بأبي فادي قائداً منقذاً يتضرعون إليه ليل نهار لانتشالهم واعادة فتح إلى سابق عهدها، والحقيقة إني كا كنت لأضيع وقتي في خلاف بغيض بين اثنين سقطا في وحل العمالة السياسية للاحتلال، ولست بصدد مفاضلة هذا على ذاك، فكلاهما فاشل ومستقبل أي منهما بنظري أسود مظلم يصل في نهاية المطاف إلى مزابل التاريخ.

لكن

أن تستنفر مركزية فتح ومجلسها الثوري – جناح بيت لحم، فقط من أجل عيون عبّاس وأولاده، وأن تتغاضى عما سبق ولا تلتفت إليه فهذه والله طامة كبرى لا توازيها طامة أن يصبح أمثال دحلان "قادة" في حركة قادت النضال الوطني لعقود من الزمن.

لجنة التحقيق مع دحلان حصرت مهامها بموضوع هل تعدى دحلان لفظياً على عباس وأولاده؟ وهل كان يتآمر مع ناصر القدوة ضد عبّاس أم لا؟فهل ستقبل تلك اللجنة التي تحاول اليوم الاتصال عبر طرف ثالث أن تنظر في الآتي من جرائم ومخازي دحلان سبق وأن تحدثت عنها أكثر من مرة من مصادرها، وأعيد نشرها اليوم:

· يقول فهمي هويدي في مقال له بتاريخ 17/05/2006: " لقد أشارت التقارير الصحافية التي خرجت من غزة إلى دور لما سمي ب “فرقة الموت” التابعة للأمن الوقائي في عمليات اختطاف الأشخاص والاشتباك المسلح الذي استهدف عناصر حماس. وهذه الفرقة تضم مجموعة منتقاة مدربة تدريباً خاصاً، وقد أنشأها العقيد محمد دحلان أثناء الانتفاضة الثانية (عام 2000). وما زالت تأتمر بأمره حتى الآن. وهو الرجل صاحب الطموح السياسي المشهور، الذي كان مسؤولا عن الأمن الوقائي طوال عهد الرئيس أبو عمار، ولأن له علاقات جيدة مع “الإسرائيليين”، فإنهم طالبوا دائما باحتجاز حقيبة الداخلية له. (للعلم: هذه العلاقة تحدث عن تفاصيلها رئيس جهاز “الشاباك” الأسبق يعقوب بيري في كتابه الذي صدر بعنوان “مهنتي كرجل مخابرات”- وقد ترجمه إلى العربية بدر عقيلي، ونشرته دار الجليل في عمان سنة 2001 والتفاصيل وردت في ثنايا الصفحات 356 إلى 362)

· قبيل الاندحار من قطاع غزة وفي صحيفة هآرتس 17/2/2004 يقول عضو الكنيست أفشالوم فيلان ": يجب البدء في التفاوض مع محمد دحلان على تسليم قطاع غزة كله له. ولقاء ذلك سيلتزم دحلان، الذي يتولى السيادة اليوم أيضا على القوة العسكرية ذات الشأن في القطاع، بتحقيق هدوءا تاما على طول الحدود. يستطيع دحلان أن يكون الشخص الذي يقيم إدارة منظمة في غزة وفي ضمن هذا أيضا يحفظ الأمن. هذا البديل أفضل لإسرائيل من كل وضع خلاء ممكن"

· أفضل ما يلخص دور وعمالة هذا المجرم ما جمعه الكاتب عماد عفانة ونشره بتاريخ 25/03/2007 بعد تعيين دحلان مستشاراً للأمن القومي العباسي حيث يقول وتحت عنوان "دحلان في الأمن القومي دلالات وأبعاد":

- أن دحلان تم تلميعه على يد ضابط المخابرات الإسرائيلي أبو رامي حيث كان يأتي مع مجموعاته ليلاً في الأعوام 1984 – 1985، إلى الحارة ويصرخ بمكبّر الصوت منادياً على دحلان، موقظاً جيرانه ليستمعوا إليه يشتمه ويسبّه ويناديه بألفاظ بذيئة ويقول: محمد.. إذا كنت راجل أخرج لنا، بينما كان أبو رامي يمهد الطريق أمام دحلان عبر الاعتقالات التي كانت تطال مسئولي فتح الذين كانوا أعلى من دحلان مرتبة في التنظيم، مما أدى إلى عدة فراغات تنظيمية كان ((يتصادف)) أن يملأها دحلان، فيتولى المسؤولية تلو الأخرى، حتى حان وقت الإبعاد المبرمج عام 1988.

- أن دحلان وعلى ذمة أحد مسئولي الـ C.I.A السابقين (ويتلي برونر) تم تجنيده في تونس في الثمانينات وتمت تزكيته وتسميته مع الرجوب ليكوّنا سويا القوة الضاربة المستقبلية بعد اتفاقات أوسلو، مع أنه لم يتم نفي هذه المعلومة رغم نشرها على نطاق واسع في الصحافة العربية والفلسطينية.

- أن دحلان أصبح بعد أشهر قليلة من إقامة السلطة مالكا لفندق الواحة على شاطئ غزة وهو الذي كان مصنف كواحد من أفخم فنادق الخمس نجوم في الشرق الأوسط وبعد فضيحة ما عرف ب "معبر كارني" عام 1997 عندما تم الكشف أن 40% من الضرائب المحصلة من الاحتلال عن رسوم المعبر والمقدرة بمليون شيكل شهرياً كانت تحول لحساب "سلطة المعابر الوطنية الفلسطينية" والتي أتضح في ما بعد أنها حساب شخصي لدحلان،هذا بالإضافة إلى ملايين الشواقل التي تجبى من أنواع مختلفة من الضرائب و"الخاوات" الأخرى، وفي مناطق مثل الشحن والتفريغ من الجانب الفلسطيني لمعبر "كارني"، فدحلان خريج البيت الفقير المستأجر في خانيونس لم يكن ليشتري من راتبه الحكومي مهما بلغ حجمه منزل المرحوم رشاد الشوا، بمبلغ 600 ألف دولار.

- ان منصب دحلان كرئيس لجهاز الأمن الوقائي في غزة كان خيارا وقراراً إسرائيليا وليس فلسطينيا وذلك حسب يعقوب بيري مسئول المخابرات الإسرائيلية في كتابه مهنتي كرجل مخابرات.

- أن الرئيس عباس -وبعد الاستقالة الشهيرة لدحلان في 5 نوفمبر 2001 والتي رفضها عرفات- اصطحب معه نبيل عمرو وذهبوا لعرفات وهناك استدعوا محمد دحلان وقال له أبو مازن "احكي لعرفات عن الفساد اللي تعرفه يا دحلان..!! فاستغرب عرفات وقال: أنت اللي ها تحكي عن الفساد يا دحلان وانته محتكر الزلط في قطاع غزة..!! واتهمه بالعمالة وأنه على استعداد لبيع فلسطين من أجل نيل زعامة غزة !

- ان دحلان صاحب الرسالة والخطة الشهيرة التي أرسلها لموفاز بتاريخ 13/07/2003 لإقصاء ياسر عرفات عن رئاسة السلطة الفلسطينية والتي أشار لها الراحل عرفات في أكثر من موقف أثناء حصاره، والتي كان أحد فصولها عملية اختطاف الجبالي ووضع رأسه في المرحاض ليؤكد للرئيس عرفات أنه الأقوى وأنه فقط هو القادر على حماية الأمن في قطاع غزة.

- أن أحد اقرب المقربين لدحلان هو الذي يقف خلف عمليات اختطاف الأجانب، سواء من نشطاء السلام أو الصحافيين أو السياح –والذي يسكن بالصدفة بجوار البرج الذي يحوي اغلب الوكالات والفضائيات والمكاتب الإعلامية-، ليمهد الطريق أمام تدخل دحلان بعد ذلك للإفراج عن المختطفين وإطلاق سراحهم ليظهر أمام دول جميع دول العالم على أنه المسيطر على غزة، أو الأقدر على السيطرة عليها وضبط الفلتان الأمني فيها، والقادر على حفظ أمنها.

- ان دحلان طبق بدقة تفاصيل اتفاق مع مسئولين في الجيش الإسرائيلي و"الشين بيت"عرف (بخطة روما) لاحتواء حركة حماس والتي كان منها قمع حماس والعمل على تفكيكها العام 1996 وتسليم من يمكن تسلميه عبر المعابر واغتيال الآخرين.

- أن دحلان وقف يوم 29/07/2004 في لقائه مع رؤساء التحرير والكتاب في الأردن ليتهم عرفات بشكل غير مباشر بمحاولة قتل أبو مازن (بدفع 15000 دولار) وبالتستر على مطلق النار على نبيل عمرو واصفا مقاومة حماس بـ "الاستهبال" واتهام مركزية حركته فتح بتلقي الرشاوى الشهرية من عرفات (30 ألف دولار لكل عضو شهريا و100 ألف دولار للناشط).

- ((أين دحلان؟ إن هذا الفتى يعجبني!))..هذا الكلام صدر عن الرئيس بوش إبان انتفاضة الأقصى. حيث حضر بوش إلى ((قمّة العقبة)) في حزيران/يونيو 2003، بعد غزو بغداد، حيث عرض دحلان أمام بوش وشارون تقريرا مفصلا عن الأوضاع في الأراضي الفلسطينية وعقّب عليه قائلاً ((إن هناك أشياء نستطيع القيام بها))، طالباً المساعدة الأمنية الأمريكية لأجهزته.

- أن محمد دحلان حاول تفكيك هياكل حركة حماس وأطرها التنظيمية والاعتداء على أعضائها وتعذيب وسجن عناصرها وقادتها، وتمّ تعليقهم لأيام طويلة ووضع الأكياس العفنة في رؤوسهم ، ونتفت لحاهم، ، ولوحق كبار القادة وتعرّضوا للإهانة أمثال الدكتور محمود الزهار والشيخ أحمد بحر، ولقي الدكتور الشهيد إبراهيم المقادمة العذاب الشديد بأساليب حقيرة.حتى تجرأ على وضع الشيخ الشهيد أحمد ياسين في الإقامة الجبرية، بعد مصادرة الحواسيب والبرامج والملفات من مكتبه، هذا عدا عن منع العمل الخيري في غزة وإقفال المؤسسات الخيرية، ضمن سياسة ((تجفيف الينابيع)) الأمريكية ضد الحركة.

- أن دحلان حضر الاجتماع الشهير الذي عُقد قبل عشرة أيام من قمّة العقبة، والذي ضمّ عن الجانب الصهيوني شاؤول موفاز وأرييل شارون وعن جانب السلطة أبو مازن ، حيث دار فيه حوار طويل أشبه بسيناريوهات المافيا والاغتيالات. يومها طرح شارون قتل القادة السياسيين لفصائل المقاومة الفلسطينية وسمّى: عبد العزيز الرنتيسي وعبد الله الشامي ومحمود الزهار وإسماعيل هنية ومحمد الهندي ونافذ عزام وجميل المجدلاوي. حيث طلب دحلان مساعدة الإسرائيليين له عبر اغتيال القادة. وقال: (إذا كان لا بد لكم من مساعدتنا ميدانياً، فأنا أؤيد قتل الرنتيسي والشامي، لأن هؤلاء إن قُتلوا فسنُحدث إرباكاً وفراغاً كبيراً في صفوف حماس والجهاد الإسلامي، لأن هؤلاء هم القادة الفعليين)).

- ان زيارة الشهيد الرنتيسي لدحلان حسب جريدة السفير اللبنانية قد تكون سبباً مباشراً في تسهيل عملية مراقبة الدكتور من قبل العدو الصهيوني، حيث كان الشهيد قد أجرى عملية جراحية لعينيه تخلى بعدها عن نظارته، وخفف لحيته كثيراً بقصد التمويه، بشكل ساهم في تغيير معالم وجهه.. ولم تمضِ أيام على تلك الزيارة حتى اغتيل الدكتور الرنتيسي.

- أن دحلان مما قاله في محادثة هاتفية مع الصحافي جهاد الخازن نشرها في الصفحة الأخيرة ((عيون وآذان)) في تشرين الأول/أكتوبر 2002، أنه مستعد لإرسال عشرة رجال لقتل الدكتور عبد العزيز الرنتيسي ومن ثم يقوم باعتقالهم، وقد أكد الخازن في رد آخر في الصفحة نفسها في تموز/يوليو 2004 هذه المحادثة، وأن دحلان هدّد فعلاً بقتل الرنتيسي، وأنه رآه في القاهرة بعد النشر وعاتبه على ما نشر، فردّ يومها الخازن عليه مذكراً إياه أنه نشر نصف ما قاله ذلك اليوم.

- أن دحلان تفاخر بأنه أبطل عملية كبيرة داخل الكيان الصهيوني وتحديداً في شركة ((سيلكوم)) اللاسلكية وأخبر جهاز المخابرات الصهيوني عن مكان حقيبة للمتفجرات، وفي مرحلة أخرى اعتقل عدداً من المجاهدين خلال توجههم لتنفيذ عمليات استشهادية، وبفعل التعذيب الشديد أيضاً تمكن من الحصول على معلومات حول مكان رفات الجنديين الصهيونيين إيلان سعدون وآفي سبورتس الذين خطفتهما وقتلتهما حماس نهاية الثمانينات، وان كثير من معتقلي حماس لدى المخابرات الصهيونية أكدوا على أنهم وجدوا كثيراً من المعلومات التي حصل عليها محققو دحلان بين أيدي الصهاينة.

- أن دحلان شكل فرقة للقتل ضمت عناصر شابة لا تدرك حقيقة ما ترتكبه بحق شعبها، بدأت بقتل هشام مكي رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطيني جهاراً في وضح النهار في مطعم وصله دحلان بعد لحظات من مقتل مكي ليستولي على حقيبة كانت تحتوي على أكثر من مليون دولار كان مكي يحاول تهريبها للخارج، وكانت يده المسلطة على رقاب الناس في الردع والإرهاب، وأصبح اسم فرقة الموت يتردد في كل شارع من غزة في محاولة لتخويف الناس وكان آخر جرائم مجزرة مسجد الهداية المجاور للأمن الوقائي في تل الهوا إبان المصادمات الأخيرة.

- أن دحلان وحسب خبر نشرته صحيفة الحياة اللندنية في 26 تموز/يوليو 2003 ناقش مع كوندوليزا رايس في واشنطن خطته التي تركز على شراء الأسلحة التي في حوزة المجموعات الفلسطينية المسلحة. وتقضي الخطة بأن يُدفع 6000 دولار لقاء كل بندقية يتم شراؤها من (المجموعات الفلسطينية المسلحة)، ويدفع هذا المبلغ الحكومتان الأميركية والبريطانية والاتحاد الأوروبي. وقد هاجمت كتائب الأقصى في بيان لها في حينه محمد دحلان على هذه الأخبار المؤكدة ووصفته بأنه ((مشروع أمريكي-إسرائيلي))، وأنه ((شخص تم فرضه على السلطة الفلسطينية وعلى الشعب الفلسطيني".

- أن دحلان تعهد حسب خبر نشرته صحيفة معاريف العبرية في 8/8/2003 تعهد لكوندوليزا رايس بأن يعمل على تأميم مؤسسات حماس ومصادرة سلاح منظمات (الإرهاب). إلا أن عرقلة الرئيس عرفات لخطته دفع دحلان ليقول عن عرفات ((هذا الكلب –يقصد عرفات-، هذا الكذاب، يهدم كل شيء، يفجر كل شيء، لا يسمح لنا بعمل أي شيء)).

- أن دحلان قال وطبقا لمحاضر قمة العقبة التي نشرتها الصحف الإسرائيلية، ولم ينفها دحلان، قال الأخير لأرييل شارون ((نحن بدأنا العمل بكثافة، ووضعنا أخطر الأشخاص من حماس والجهاد وكتائب الأقصى تحت المراقبة. بحيث لو طلبتم الآن مني أخطر خمسة أشخاص فإني أستطيع أن أحدد لكم أماكنهم بدقة، وهذا يمهد لردكم السريع على أي عمل يقومون به ضدكم. ونعمل الآن على اختراق صفوف التنظيمات الفلسطينية بقوة حتى نتمكن في المراحل القادمة من تفكيكهم وتصفيتهم)). ويضيف دحلان ((أما بالنسبة لكتائب الأقصى فقريباً ستصبح الكتاب المفتوح أمامنا بعد تصفية أهم القيادات فيها)).

- أن دحلان كان موضع اتهام وإدانة في تعميم أصدره جبريل الرجوب إبان الخلاف بينما عقب أحداث بيتونيا يوم الخميس 28/3/2002 حيث جاء في التعميم " كان محمد دحلان يعلم ويشارك في اجتماع القيادة الفلسطينية والذي أفضى عن قرارات من أهمها اعتقال المزيد من المعتقلين السياسيين وبالأخص أهم عشرة مطلوبين في منطقة رام الله. وتم الاتفاق على إصدار بيان من قبل الرئيس عبر وسائل الإعلام يعلن فيه الرئيس وقف إطلاق النار وإجراء اعتقالات فورية".

- أن الرئيس الراحل أبو عمار قال لعمر سليمان رئيس جهاز المخابرات المصرية.عام 2004م "لن اسمح لدحلان ولا لغير دحلان بالتنسيق لانسحاب الجيش الإسرائيلي إرضاءً لشارون، إسرائيل تنسحب من غزة تحت ضغط انتفاضة وصمود شعبنا ويجب تثبيت هذا الانسحاب كسابقة للأجيال القادمة ولن يتحول قطاع غزة لمزرعة دحلان الخاصة طالما أنا على قيد الحياة".

- أن دوائر المخابرات الأوربية فضحت مخطط لإعداد دحلان كقائد ورئيس جديد للسلطة عبر إعداده كرجل دولة وفق تقاليد إنجليزية بتلقي دحلان دورة إعداد في جامعة كمبريدج البريطانية الشهيرة، حيث أقام ثلاثة أشهر في بريطانيا في فندق كارلتون ثاور مقابل شهر في قطاع غزة لتحريك الأحداث هناك، كما تلقت أم فادي زوجة دحلان هي الأخرى دورات مماثلة لإعدادها كسيدة أولي" انتهى الاقتباس.

ربما ما سبق لا يهم المركزية والثوري ولجنة التحقيق، وربما عبّاس وأولاده أهم من فلسطين وقضيتها التي تحرك شعرة في رؤوسهم!

وربما ما سبق لا يكفي لاقناع من يعتبرون دحلان قدوتهم للوصول إلى النجاح رغم فشله المتكرر وعجزه عن تحقيق أي شيء لصالح حركة فتح، وإلا بماذا يفسر هؤلاء فشل دحلان كما وصفه أحد الكتاب في شكل تساؤلات لأتباع دحلان:

"كلٌ يدعي وطنية وهي بعيدة كل البعد عنه حاربتم زعيمكم الاول بحجة محاربة الفساد ونشرتم الفوضي والفلتان في غزة كي يقال بانه لا يستطيع الا شخص واحد تخليص الشعب منها وانهاؤها الا وهو الدحلان وفشلتم في غزة وهربتم بال"اندر وير". ثم يوجه حديثه لدحلان قائلاً:

- قلت قديما بان اللجنة المركزية فاسدة لماذا؟ لان الدحلان ليس فيها . قمت ببطولات منقطعة النظير كي يعقد المؤتمر السادس ويتم ترشيحك لتكون عضوا فيها وحققت ما تريد وشكلت لجنة مركزية جديدة كنت احد اعضائها فهل صلح حالها؟

- قلت ان الاجهزة الامنية في غزة ضعيفة و لا تستطيع ان تدافع عن نفسها لان كل جهاز يتبع لقائد له اجندته الخاصة ولا تهمه الا مصلحته الشخصية فعينوك قائدا عاما للاجهزة الامنية في غزة ومسئولا عن الامن القومي كما يقال فسقطت جميعها بفعل حسن ادارتك في عشر ساعات

- قلت بان اعلام فتح ضعيف . لماذا ؟ لانك لست مسؤولا عنه فتم منحك منصب مسئول الاعلام في حركة فتح فهل اصبح اعلام فتح اكثر قوة في عهدك الميمون؟" انتهى الاقتباس.

*******

أما عبّاس الذين يفزعون له اليوم ويصطفون معه، فهاكم ما سبق وأن ادعيته عليه في نهاية عام 2006 – نعم قبل أربع سنوات، لينظروا فيه ان كانوا صادقين، انشره مرة أخرى للتذكير:

دعوى قانونية ضد محمود رضا عبّاس عبّاس

السادة أعضاء المجلس التشريعي الموقرون

السيد رئيس مجلس الوزراء الموقر

السادة أعضاء مجلس الوزراء الموقرون

السيد النائب العام الموقر

قدمة:

نطلاقاً من مبدأ أن الشعب الفلسطيني وحدة سكانية واحدة لا تقبل القسمة ولا التجزئة، ومن مبدأ التمسك بالحقوق والثوابت الوطنية المشروعة غير القابلة للتصرف، وتعزيزاً لمبدأ سيادة القانون، وتأكيداً أن الناس سواسية أمام القضاء والعدالة، وترسيخاً لمبدأ الحق في المساءلة والمحاسبة والرقابة الشعبية، ومن صلب مباديء القانون الأساسي الفلسطيني الذي يعتبر بمثابة الدستور، وممارسة لحقي الشخصي والفردي، أتوجه إليكم جميعاً بهذه الدعوى القانونية، وبالحيثيات التفصيلية المبينة لاحقاً، وبالشخوص التالية:

المُدّعِي: د.إبراهيم حمامي – فلسطيني – أخصائي طب العائلة

المُدّعَى عليه (بصفتيه الشخصية والاعتبارية): محمود رضا عبّاس عبّاس – فلسطيني – رئيس السلطة الفلسطينية

أسباب الدعوى:

قام المُدّعَى عليه محمود رضا عبّاس عبّاس بخرق القانون الأساسي، وتجاوز صلاحياته بصفته الاعتبارية، وقام بانتهاك حقوق الإنسان في فلسطين، وتعدى على حقوقي الشخصية والفردية، واستهزأ بالشعب الفلسطيني، وتعمّد تشويه الحقائق والوقائع بشكل يسيء لتاريخ الشعب الفلسطيني وقضيته.

جهة الاختصاص للنظر بالدعوى

حيث أن المحكمة الدستورية العليا لم تشكل بعد، وحيث أن تشكيلها تم عرقلته ولأكثر من مرة من قبل المُدّعِى عليه، وفي غياب هيئة دستورية للنظر في هذه الدعوى، وطبقاً لمواد القانون الأساسي رقم 2-3-6-47 و63 بتحديد المرجعية التشريعية والتنفيذية، فإن طلبي هذا مقدم للمجلس التشريعي ولمجلس الوزراء كممثلين مطلقين للسلطات التشريعية والتنفيذية بحسب القانون الأساسي المعتمد بتعديلاته في رام الله بتاريخ 18/03/2003، وكذلك للنائب العام الفلسطيني بصفته الجهة القضائية المخولة لتطبيق أي قرار بحق المُدّعَى عليه.

الحيثيات:

أولاً: خرق القانون الأساسي الفلسطيني وتجاوز الصلاحيات المنصوص عليها:

قام المدّعَى عليه محمود رضا عبّاس عبّاس بخرق القانون الأساسي الفلسطيني بدعوته في لقائه المتلفز يوم 16/12/2006 من مدينة رام الله لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، حيث يحدد القانون الأساسي بشكل لا لبس فيه صلاحيات رئيس السلطة ويقيدها، وقد اعتمد محمود رضا عبّاس عبّاس على المادة الثانية من القانون الأساسي حيث اجتزأ منها فقرة أن "الشعب مصدر السلطات" بل وحرّف فيها ليقول الشعب مصدر التشريع، وتناسى أو تجاهل باقي المادة التي تحدد كيفية ممارسه هذا الحق حيث تقول المادة الثانية نصاً:

"الشعب مصدر السلطات ويمارسها عن طريق السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية على أساس مبدأ الفصل بين السلطات على الوجه المبين في هذا القانون الأساسي".

وحيث أن القانون الأساسي هو المرجعية القانونية العليا وجب توضيح الأمور القانونية التالية حسب ما وردت في دراسة لمركز دراسات الشرق الأوسط :

· من القواعد والمبادئ العامة في القانون والفقه الدستوري أن الصلاحيات محددة فيه على سبيل الحصر، وأنه لا صلاحية بدون نص، وقد حظر القانون الأساسي وفي المادة (113) على أي جهة كانت حل المجلس التشريعي في الحالة الطارئة (ظرف استثنائي) وعليه فإذا كان حل المجلس في الظرف الاستثنائية محظور فإنه لا يجوز حله في الظروف العادية ولا حتى من قبل رئيس السلطة.

· المجلس التشريعي هو من يمثل الشعب (الأمة) وهو صاحب الولاية في التشريع والرقابة، وعلى رئيس السلطة بعد انتخابه وقبل ممارسة مهام منصبه أن يقسم اليمين القانونية أمام المجلس التشريعي( بوصفه ممثلاً للأمة وإرادتها) (المادة 35) من القانون الأساسي، وليس على أي عضو من أعضاء المجلس التشريعي أن يقسم اليمين أمام رئيس السلطة.

· يملك رئيس السلطة محاسبة المجلس التشريعي ولا أحدا من أعضائه لأن المجلس التشريعي هو النائب عن الشعب في ممارسة صلاحياته والشعب هو مصدر السلطات الثلاث (المادة 2) من القانون الأساسي.

· يملك المجلس التشريعي سحب الثقة أو حجبها عمن يرشحهم رئيس السلطة لمناصب حسب صلاحياته الدستورية بمن فيهم رئيس الوزراء وذلك حسب المواد (79،78،77،67،66) من القانون الأساسي، كما يتمتع المجلس التشريعي بحق المصادقة على اعتبار مركز رئيس السلطة شاغراً وفق الشروط الدستورية المنصوص عليها في المادة (37) من القانون الأساسي، وعندها يتولى رئيس المجلس التشريعي مهام رئاسة السلطة الوطنية لحين انتخاب رئيس سلطة جديد خلال ستين يوما.

· وبالتالي نحن أمام حصانة مطلقة على المجلس التشريعي من الحل، وعليه فلا يمكن حل المجلس وإجراء انتخابات مبكرة للمجلس التشريعي لعدم وجود سند قانوني في ذلك، بالإضافة إلى أن رئيس السلطة عليه احترام القانون الأساسي والقوانين السارية ويمتنع عليه تجاوز سيادة القانون وفق المادة (35) من القانون الأساسي.

· وفي حال قام بذلك فهو يعرض موقعه السياسي ومركزه القانوني للخطر والمساءلة لأن مثل هذا التجاوز قد يعتبر مظهراً من مظاهر فقدان الأهلية القانونية للقيام بمهام الرئاسة حسب القانون الأساسي، وقراره في حل المجلس أن حصل غير قابل للنفاذ لمخالفته القانون الأساسي، وعلى السلطات التنفيذية المعنية الامتناع عن التجاوب معه في أي مجال، وفي حال شاركت الأجهزة التنفيذية أو الحكومة الرئيس في هذا الإجراء فإنها تعرض نفسها للمساءلة القانونية التي تجعلها مصدراً للإخلال بسيادة القانون وتجاوز إرادة الأمة الممثلة بالمجلس التشريعي.

إن الدعوة لانتخابات مبكرة لا يمكن أن يتم دون حل المجلس التشريعي الحالي، وهو ما لايملك المُدّعَى عليه محمود رضا عبّاس عبّاس بصفته الاعتبارية أي صلاحية للقيام به كما سبق تفصيله، والدعوة التي أطلقها هي خرق واضح وفاضح للقانون الأساسي الفلسطيني، تستوجب اسقاط الصفة الأهلية عنه.

ثانيا: إنتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني:

بتعليمات وتوجيهات مباشرة قامت قوات الأمن التابعة لإمرة محمود رضا عبّاس عبّاس بانتهاك قوانين حقوق الانسان الدولية وكذلك المعمول بها محلياً، حيث قامت تلك القوات خلال اليومين الماضيين بالأعمال الموثقة التالية:

- إطلاق النار وبشكل مباشر على موكب السيد اسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني بعد اجتيازه معبر رفح الحدودي يوم 15/12/2006)، مما أدى لإصابة العديدين واستشهاد عبد الرحمن نصّار، وهو الأمر الذي لم ينكره أو يدينه أو يعتذر عنه المدعى عليه، بل قام بتقريب المتهم الأول في هذه الجريمة والذي لم يتورع عن القول أن محاولة الاغتيال "شرف لا يدعيه"!

- قامت قوات حرس الرئاسة التابعة مباشرة لمحمود رضا عبّاس عبّاس بالاعتداء بالضرب والركل والهروات وإطلاق الرصاص الحي على مسيرة سلمية غير مسلحة في مدينة رام الله وذلك يوم الجمعة 15/12/2006، مما أدى إلى إصابة أكثر من 30 شخص بجراح مختلفة، وهو ما يشكل تعدياً على حقوق الإنسان الفلسطيني المكفولة بالقوانين والشرائع الدولية المحلية، وخرقاً آخر للقانون الأساسي في مواده 10 و 11 و12.

- قامت قوات حرس الرئاسة بالاعتداء على مؤسستين عامتين في وضح النهار، حيث اقتحمت عناصر من قوات أمن الرئاسة الـ 17 يوم الاحد 17/12/2006 مقري وزارتي الزراعة والنقل والمواصلات في مدينة غزة، مطالبين الموظفين في كلتا الوزارتين بمغادرة اماكن عملهم على الفور، وقام العناصر بإغلاق أبواب الوزارتين بعد مغادرة كافة الموظفين العاملين فيهما، ثم اعتلوا أسطحهما وتمركزوا فوقها، مما أثار حالة من الفوضى في عربدة أمنية غير مسبوقة، تشكل أسوأ مظاهر الإخلال بالقانون، والإعتداء على حقوق المواطن والمؤسسات الرسمية.

وحيث أن هذه القوات والأجهزة تتبع مباشرة المدعى عليه محمود رضا عبّاس عبّاس، فإنه يعتبر حكماً المسؤول عن ممارساتها، وبالتالي أطالب بإحالة المدعى عليه للقضاء العسكري للتحقيق في هذه الخروقات والانتهاكات المشينة بحق الأفراد والمؤسسات الفلسطينية.

ثالثاً: التعدي على حقوقي الفردية والشخصية:

كرر المدعى عليه محمود رضا عبّاس عبّاس وبصفته الشخصية والاعتبارية تنازله المسبق عن حق العودة والذي يُعتبر حقاً جماعياً وفردياً مقدساً لا يجوز المساس به باجتزاء فقرات منه، بل وحرّف نص القرار 194 عندما قال أنه يقبل بالتعويض عن حق العودة، متجاهلاً وعن عمد حقيقة أن القرار المذكور يطالب بالعودة (و) التعويض، وليس العودة (أو) التعويض كما قال.

وقد سبق لمحمود رضا عبّاس عبّاس أن صرّح في أكثر من مناسبة أنه يقبل التوطين والتنازل عن حق العودة وتلفيق الحلول عبر (حل عادل ومتفق عليه) مما يعني التلاعب بهذا الحق، وهذا بعض مما قاله تأكيداً لتعديه على الحق الجماعي للشعب الفلسطيني، وعلى حقي الشخصي وحق عائلتي في عودتنا إلى مدينة يافا الموطن الأصلي والوحيد لنا، وهو ما سبق وقمت بتوثيقه بتاريخ 29/11/2005:

• كان من أوائل من إجتمع معهم المدعى عليه محمود رضا عبّاس عبّاس بعد تعيينه رئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2004، "مبادرو" وثيقة جنيف التي يجمع الشعب بأكمله تقريبا على إنحطاط مستوى الموقعين عليها وعلى حجم التنازلات الهائلة فيها عن الثوابت والمباديء خاصة المتعلقة بحق العودة، وقام بتقريب ياسر عبد ربه عرّاب الوثيقة، وأجلسه في اللقاء الأخير بتاريخ 16/12/2006 عن يمينه ليقوم بتلقينه ما يقول.

• في لقاء مع صحيفة المصور المصرية بتاريخ 03/12/2004 قال المدعى عليه محمود رضا عبّاس عبّاس: "انني لا اريد ان اغير ديموغرافيا الدولة “الاسرائيلية” ولكننا نطلب التوصل الى "حل" لمشكلة اللاجئين"، وتحقيق حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وفق القرار 194 وعلى أساس قرارات قمة بيروت عام 2002."

• في شهر يناير/كانون الثاني 2005 أعلن المدعى عليه محمود رضا عبّاس عبّاس أنه على استعداد لتقديم "تنازلات مؤلمة" بالنسبة لموضوع اللاجئين! ليضيف في حديث مع البي بي سي البريطانية بتاريخ 02/01/2005 أن الحل العادل لمشكلة اللاجئين هو بالتفاوض حول القرار 194.

• في حديث نشرته صحيفة دير شبيغل الألمانية يوم الإثنين 21/02/2005 قال المدعى عليه محمود رضا عبّاس عبّاس فيما قال: "أنه مستعد للتفاوض بشأن المكان الذي سيعود إليه اللاجئون، مضيفاً: هناك 5 ملايين لاجئ نعرف أنهم لن يعودوا جميعاً، مشيرًا إلى أن كثيرين منهم لا يريدون العودة لأنهم يعيشون حياة كريمة في الولايات المتحدة أو سعداء في الأردن ولكن يجب تعويضهم ، على حد وصفه"، وأضاف "اننا واقعيون وقد تعلمنا من تجربة قمة كامب ديفيد الفاشلة بأنه لا يمكن حل مشكلة كهذه ، عمرها قرن خلال 16 يوما ، فقد يحتاج الأمر سبعة إلى ثمانية أشهر وربما سنة كاملة للوصول إلى حل شامل"

• واستمر المدعى عليه محمود رضا عبّاس عبّاس في نفس النهج التفريطي ليعلن وبإصرار وعناد غريبين رداً على الإعتراضات التي انهالت عليه من كل حدب وصوب، وبتاريخ 23/07/2005 في رسالة سرية لشارون نشرت تفاصيلها عدة صحف، ليعلن: "نحن مقتنعون انه لا يمكن تحقيق عودة اللاجئين"، وليكرر نفس طروحاته المشبوهة في كلمة التشريعي المذكورة بتاريخ 09/08/2005

• في زيارته الأخيرة للبنان وفي تصريح نشر في صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 09/07/2005 قال المدعى عليه محمود رضا عبّاس عبّاس "انا امثل الشعب الفلسطيني وأنا منتخب في الداخل من الشعب الفلسطيني، لكنني رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ايضاً. وعندما اتكلم، فإن ذلك يكون باسم جميع الفلسطينيين"، مطالباً بفتح سفارة تكون مرجعية للفلسطينيين في لبنان، وهو ما سيتم الرد عليه بالتفصيل في جزء لاحق، ليبرر قوله لاحقاً بأن اللاجئين الفلسطينيين"ضيوف مؤقتون والقانون يطبق عليهم"، ليضيف انه "في حال قررت الدولة (اللبنانية) سحب سلاح المخيمات فان حركة فتح وكل الفصائل الفلسطينية ستلتزم"، متجاهلاً حقيقة أن سلاح المخيمات هو جزء من معادلة اقليمية أكبر تشمل تطبيقات وتداعيات القرار 1559، ليقدم تنازلاً مجانياً آخر دون مقابل، وفي اطار محاولات التوطين الحثيثة التي تجري الآن.

• نسي، أو بالأحرى تناسى، المدعى عليه محمود رضا عبّاس عبّاس تصريحه السابق بأن اللاجئين في لبنان ضيوف مؤقتون ليطالب الدول العربية بتجنيس الفلسطينيين المقيمين على أراضيها قائلاً انه يوافق على منح الدول العربية جنسيات للاجئين الفلسطينيين "اذا احبت"، معتبرا ان ذلك "لا يعني التوطين"، كما جاء في حديث لقناة دبي الفضائية بثته الأحد10/07/2005 وقال المدعى عليه محمود رضا عبّاس عبّاس "ارجو اي دولة عربية تريد ان تعطي الجنسية (للفلسطينيين) ان تعطيهم، فما الذي يمنع؟" واضاف "هذا لا يعني التوطين. وعندما تتاح للفلسطيني العودة الى وطنه، سيعود سواء اكان يحمل جنسية عربية او اجنبية". وقال "ان فلسطينيا من الجيل الخامس يعيش في تشيلي يحب ان يعود عندما يسمح له (…) انها مسألة عاطفية لا علاقة لها بالجنسية"، محولاً الحق المقدس المشروع إلى موضوع عاطفي عندما يسمح له!

وبناء على ما سبق فإن المدعى عليه محمود رضا عبّاس عبّاس، هو غير مؤتمن على الإطلاق على قضايا الشعب الفلسطيني وعلى رأسها حق العودة، وعليه أطالب بتجريده من كافة مناصبه الاعتبارية، وتقديم اعتذار واضح وصريح وتراجع لا لبس فيه عن تعديه على حقي الشخصي والفردي فيما يخص حقي في العودة (و) التعويض، مع الاحتفاظ لنفسي بحق مقاضاته عن الأضرار المادية والمعنوية المترتبة عن مواقفه.

رابعاً: الاستهزاء بالشعب الفلسطيني وتشويه تاريخه والاساءة إليه:

- ورد في كلمة المدعى عليه محمود رضا عبّاس عبّاس بتاريخ 16/12/2006 الكثير من النقاط التي تشكل استهزاءاً فاضحاً بالشعب الفلسطيني واختياره الديمقراطي، وتفوه بعبارات لا تليق بأي شخصية محترمة، وأحيل سيادتكم لنص الكلمة التي ألقاها المدعى عليه محمود رضا عبّاس عبّاس لتبيان حقيقة ما قاله، خاصة تحميل الشعب الفلسطيني مسؤولية ما يجري بعد أسر الجندي جلعاد شاليط وسرده لأرقام الشهداء والجرحى، وتعقيبه على الصواريخ والمقاومة بشكل عام.

- هنا لابد من الاشارة أن المدعى عليه محمود رضا عبّاس عبّاس سبق وأدان المقاومة والانتفاضة في أيامها الأولى وقبل أن تطلق رصاصة واحدة في وجه المحتل، ومن ثم أدان ما أسماه "عسكرة الانتفاضة"، ثم حقّر المقاومة، وهو بالتالي يكون قد تراجع عن برنامجه الانتخابي الذي خاض على أساسه انتخابات رئاسة السلطة الفلسطينية في شهر يناير/كانون الثاني 2005 وتحديداً في النقطة السادسة من برنامجه والتي جاء فيها: "إن حق شعبنا في مقاومة الاحتلال حق كفلته المواثيق الدولية، ولن يتنازل عن هذا الحق، وعن حقه في الدفاع عن النفس أمام الاعتداءات الإسرائيلية".

- أشير هنا لموقف سابق ليس الوحيد للمدعى عليه محمود رضا عبّاس عبّاس حول تحميله الشعب الفلسطيني المسؤولية المطلقة عن الاحتلال وجرائمه حتى قبل إطلاق صاروخ واحد، حيث قال في محاضرة له بدعوة من اللجان الشعبية بقطاع غزة نشرت في الصحف يوم 02/12/2002 وجاء فيها:

· الإنتفاضة دمرت كل ما بنيناه في أوسلو وكل ما بني قبل ذلك

· علينا أن نقول كفى للإنتفاضة - أن نسأل ماذا حققنا في هذين العامين

· حصلنا في هذه الإنتفاضة فقط على الدمار المطلق

· الإنتفاضة سببت هروب رأس المال والإستثمارات من مناطق السلطة

· الشعب الفلسطيني بات على خط الفقر بسبب الإنتفاضة

· لم يفت المدعى عليه محمود رضا عبّاس عبّاس أن يثني على شارون واصفا إياه بـ" الزعيم الصهيوني الأهم منذ هرتزل"

· لم يسلم فلسطينيوا الداخل (عرب 1948 كما يحلو له تسميتهم) من هجوم المدعى عليه محمود رضا عبّاس عبّاس حيث قال: " لقد أضروا بحق العودة على وجه الخصوص فالإسرائيلييون سيقولون مثل هؤلاء العرب لا نريد المزيد عندنا"، ولم يحمل في لقائه الإحتلال أية مسؤولية عن الوضع رغم المآسي والكوارث التي تسبب بها.

- استهزأ المدعى عليه محمود رضا عبّاس عبّاس بحق الشعب الفلسطيني بالسيادة على معابره، وهاجم أبناء الشعب الفلسطيني ووصفهم بالمخربين وساق أكاذيب لا اساس لها من الصحة حول أحداث المعبر، بل واعتبر أن الانحناء للمحتل هو أسمى الغايات والأماني عندما قال أن المرور على الحاجز الاحتلالي وتحت حراب المحتل لا يكون إلا بالاحترام ولا شيء غير الاحترام ليقول حرفياً: "لا يضيريني ان أمشي على حاجز اسرائيلي , أنا تحت الإحتلال ! المهم أن أمشي باحترام"، معتبراً أنه بالخنوع للمحتل يمكن للمواطن الفلسطيني العبور خلال دقائق، وهو بالتأكيد ما لا يشعر به من خلال تنقله ومن معه ببطاقات ال VIP

- ادعاء باطل وتدليس آخر عندما قال أن الشعب الفلسطيني لم يأكل منذ 9 أشهر وخص الأجهزة الأمنية قائلا: "أجهزة الأمن لا تأكل"، وهو ما ترد عليه الأرقام والتفاصيل الموثقة حول ما تم صرفه للموظفين حتى يومنا هذا في ظل الحصار الداخلي والخارجي وهو ما يتجاوز ال 60% من أصل الرواتب، إضافة لوصف محاولات فك الحصار بالتهريب.

- تفاخر المدعى عليه محمود رضا عبّاس عبّاس بتوقيع اتفاقية أوسلو التي جلبت الويلات والدمار للشعب الفلسطيني ليقول: "أنا افتخر بأنني وقعت على هذا الإتفاق".

- إضافة لمجموعة أخرى لا حصر لها من الأكاذيب والتضليلات حول وثيقة الوفاق والأسرى والحوار والمبادرة القطرية، وهو ما رد عليه تفصيلاً الدكتور مصطفى البرغوثي في لقاءاته المتلفزة في نفس اليوم، ناسفاً تلك الأكاذيب التي ساقها المدعى عليه.

بناء على ما سبق ومن خلال سيل الأكاذيب والتدليس الذي مارسه المدعى عليه محمود رضا عبّاس عبّاس، فإني أطالب باسقاط الأهلية القانونية تماماً عنه وبصفتيه الشخصية والاعتبارية، لتجاوزه كل حدود الأدب واللياقة والأخلاق، ولاستهتاره بتاريخ ومقاومة الشعب الفلسطيني، ومحاولاته المتكررة والمتعمدة لتشويه صورته عبر منهج مبرمج ومدروس

أمور أخرى:

· إن هذه الدعوى المقدمة على المدعى عليه محمود رضا عبّاس عبّاس، تنطلق من مباديء حقوق الانسان والمواطن الفلسطيني كما ورد في المقدمة، وهي حق مكفول بالقانون الأساسي الفلسطيني في المواد 30 و31و 32 ، وكذلك المواد 10 و11 التي تنص على:

الباب الثاني

الحقوق والحريات العامة

مادة [9]

الفلسطينيون أمام القانون والقضاء سواء لا تمييز بينهم بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو الرأي السياسي أو الإعاقة.

مادة [10]

1. حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ملزمة وواجبة الاحترام.

2.تعمل السلطة الوطنية الفلسطينية دون إبطاء على الانضمام إلى الإعلانات والمواثيق الإقليمية والدولية التي تحمى حقوق الإنسان.



· وجبت ملاحظة أن رئيس السلطة الفلسطينية لا يتمتع بأي حصانة قانونية أو دستورية وذلك بحسب المادة السادسة من القانون الأساسي والتي تنص على:

مادة [6]

مبدأ سيادة القانون أساس الحكم في فلسطين، وتخضع للقانون جميع السلطات والأجهزة والهيئات والمؤسسات والأشخاص.

وعليه فإنه وبعكس أعضاء المجلس التشريعي لا يوجد نص على حصانة المدعى عليه محمود رضا عبّاس عبّاس، ولهذا أطلب مثوله أمام القضاء وجاهياً.

? بناء على ما ورد أعلن وفي حالة ضمان محاكمة نزيهة وعادلة وتوفر الأمن استعدادي للمثول أمام القضاء للدفع بالحيثيات السابقة، متحملاً كافة النفقات المترتبة على ذلك.

· إن حقيقة أن المدعى عليه محمود رضا عبّاس عبّاس هو رئيس للسلطة الفلسطينية الخاصة بأهلنا في الداخل، لا يعني على الاطلاق تجزئة شعبنا، أو عدم أحقية كل مواطن فلسطيني في الدفاع عن قضاياه، وان أية محاولة لتكريس انقسام الشعب الفلسطيني بين داخل وخارج والتعلل بعدم أحقيتي في مقاضاة المدعى عليه بسبب العامل الجغرافي، أو معايرة 6 ملايين لاجيء بأنهم لم تتغبر أقدامهم بتراب الوطن كما قال المدعى عليه، وتحميلنا وزر جريمة منعنا من العودة إلى مدننا وبلداتنا وقرانا الأصلية المحتلة، هو جريمة أخرى تضاف للحيثيات السابقة ولا تقل عنها خطورة.

رغم أن هذه الدعوى هي فردية وشخصية إلا أنني على يقين تام أن الكثير من أبناء الشعب الفلسطيني في فلسطين وخارجها يشاركونني الدعوى، وعليه أعتبر أن ما ورد فيها ليس حصري الاستخدام أو الاستعمال، وأرحب بكل مواطن فلسطيني يرغب في الانضمام لهذه الدعوى أو استخدامها لرفع دعوات مماثلة ضد المدعى عليه محمود رضا عبّاس عبّاس.

وأخيراً، إن هذه الدعوى وتوجيهها لحضراتكم هي أمانة في أعناقكم لإحقاق الحق، ولترسيخ مبدأ سيادة القانون، وبأنه لا شخص مهما علت مكانته فوق القانون، وبأن حرية المواطن الفلسطيني مكفولة في التعبير والرقابة الشعبية، وعليه أحملكم جميعاً هذه الأمانة.

في انتظار ردكم الموقر

دمتم

المُدّعِي: د.إبراهيم حمّامي

*******
للأسف يقود فتح اليوم مجموعة لا يمكن بحال مقارنتها مع الرعيل الأول، تودي بها للهاوية السحيقة، لا يتوقف الأمر عند خلافات شخصية، بل يتعداه لتدمير مبرمج ومعد له باتقان بدء باعتراف فتح ب"اسرائيل" وبتوقيع رئيسها على وثيقة الاعتراف في 09/09/1993، وتصويت أعضائها حصرياً لالغاء أو تعديل قرابة 90% من الميثاق الوطني، وصولاً للتحول إلى ذراع الاحتلال الضاربة عبر التنسيق الأمني الخياني.

لا مفاضلة بين عباس ودحلان، والصراع ان كان حقيقياً بينهما فهو شخصي بحت، انجر إليه أتباع الراتب والزعيم ممن يتسمون قيادات، هؤلاء الذين يغطون في سبات عميق لسنوات يحُرق فيها الأخضر واليابس، ويتحركون فقط للبصم والتهليل.

خلاصة القول شهاب الدين أضرب من أخيه!

لا نامت أعين الجبناء



دحلان يحصد ما زرعته يداه/ د. مصطفى يوسف اللداوي


اللهم لا شماتة، ولا استباق لنتائج التحقيق والمساءلة، ولا تمنياتٍ بالإدانة، ولا حرص على الفضيحة والإساءة، ولكنها نتيجةٌ لابد منها، ومصيرٌ محتومٌ لابد من الوصول إليه، ونهايةُ رجلٍ تنكب لشعبه، وانقلب على أهله، وحصادٌ هشيمٌ لزرعٍ مشؤوم، فهو الذي زرع، ويداه هي التي تحصد، فهو الذي جنى على نفسه عندما استعلى على شعبه، واستبد بأهله، وسامهم سوء العذاب، وبنى لأهله باستيلاتٍ ضخمة، وأسس لسجونٍ قذرة، وأرسى قواعد عملٍ أمنيٍ مشبوهٍ ومرتبط، ووضع قواعد التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال، وتباهى مختالاً وهو يجالس الإسرائيليين، ويضحك ملء شدقيه معهم، ويصافح بيده الأيدي الإسرائيلية الملطخة بدماء شعبنا، ويفخر بأنه يزور تل أبيب وقت شاء، ويمنح من شاء بطاقات الشخصيات المهمة، ويعلن أنه قادرٌ على منع أي شخصيةٍ فلسطينية من حرية الوصول إلى تل أبيب، وأنه مازال صاحب الحظوة الأولى لدى الإسرائيليين، هابه الفلسطينيون، وخافوا من سلطته، وتحسبوا من سطوته، فالتف حوله البعض طلباً للحماية والترزق، وطاف حوله الخائفون من سوطه، وزاد في مرضه وغروره الحاقدون والكارهون والشانئون لخير هذا الشعب ومصالحه.

إنه الملك، أو الكنج دحلان ،كما كان يحلو لأرئيل شارون أن يناديه ويعرفه للآخرين بهذا الإسم، إنه الرهان الأمريكي الخاسر في شعبنا، فقد أغدقوا عليه الأموال، وفتحوا له الخزائن، وأزالوا من أمامه السدود والعوائق والحدود، وجعلوه فوق الرئاسة، وأكبر من الزعامة، وهيأوه ليومٍ يكون فيه رئيساً، فنفخوا فيه من روحهم ليقوى، وبثوه من سموهم لينتصر على منافسيه، وأمروا الحكومات بالتعامل معه، وتيسير مهامه، فنسقوا لقاءاته، ورتبوا لاجتماعاته، وقلقوا لمرضه، واهتموا بعلاجه، ونصحوه بأن يتعلم اللغة الإنجليزية، وأن يحسن النطق بها، فمستقبله واعد، ومصيره الرئاسة والقيادة، فعليه أن يتهيأ لها، وأن يعد لها أسبابها، ليكون الكنج بحق، والملك بصدق، فقد أرادوه ليومِ كريهةٍ، فيها يوقع ويقدم ويتنازل ويتعاون وينسق، وقد صدق نفسه، أنه الأول، وأنه القادم، وأنه الموعود، ليومٍ يكون هو فيه الأول، دون منافسٍ ولا منازع، يأمر فيطاع، وينهى فيخضع له الناس، يفكر ويدبر ويخطط وينفذ، وقد ثبت تآمره على الأصدقاء، وخان الكبار، فليس غريباً أن يتطاول على الخلف، وأن ينال منهم كما نال من السلف.

اليوم يساق الكنج إلى المحكمة، محكمة حركة فتح، التي نظنها محكمةٌ عادلة، فقد أعلنت على الملأ الإتهامات الموجهة إليه، والأسباب التي دفعت مركزيتها للتحوط منه والتحرز، فمنعته من حضور اجتماعاتها، وعلقت عضويته فيها لأجل، وكلفت أعضاء بارزين، لهم تاريخٌ ودورٌ في الحركة ليحققوا في التهم الموجهة إليه، والأسباب الموجبة للتحقيق والمساءلة، بأنه يتآمر على الرئاسة، ويسيئ إلى السلطة الفلسطينية، ويشكل عصاباتٍ مسلحة في الضفة الغربية، ويزودها بالسلاح والمال، واتهمته بالإثراء غير المشروع، ساعيةً للتأكد منه عن مصادر المال لديه، وعن ممتلكاته في قطاع غزة والضفة الغربية، وقد يكون لدى مدعي عام حركة فتح إتهاماتٌ أخرى لا نعلمها، وقد ترفع عنها السرية، وتفضحها وسائل الإعلام، وربما تبقى جلساتها ومداولاتها سرية غير معلنة، لجهة التحقيق والاتهامات.

ولكن ما ينبغى على لجنة التحقيق أن تأخذ به علماً وخبراً، وأن تحقق في صحته مع دحلان، هو أن الفلسطينيين في قطاع غزة، يتهمونه بأنه شكل في غزة عصاباتٍ مسلحة، ودربها وجهزها وسلحها لتكون أداته الطيعة في تحقيق أهدافه الشخصية، وتنفيذ الأجندة السياسية المرتبطة به، والمكلف بها، وتتهمه بأنه هو الذي فتح السجون، وزج بمئات الفلسطينيين فيها، وهو المسؤول الأول عمليات التعذيب التي تعرض لها أبناء قطاع غزة خلال فترة تسلمه لرئاسة الأمن الوقائي، ووازة الأمن في حكومة محمود عباس، إذ شهدت السجون والمعتقلات في قطاع غزة على أيدي جهاز الأمن الوقائي جرائم حقيقية، بحق المعتقلين الفلسطينيين، وعذبوا بصورةٍ لم يشهد مثلها الفلسطينيون، شبحاً وتعليقاً، وإجباراً على الجلوس على الزجاج، وضرباً وجلداً، وإهانةً وتجويعاً وعزلاً، ففي عهده سجن رجالٌ كبار، وقادة ورموز، ومقاتلون ومناضلون، وعذب الصغار والكبار، وفقد الناس أمنهم، وامتهنت كرامتهم، وسادت الاحتكارات والبلطجيات والفتوات بين أبناء شعبنا الفلسطيني، وأصبحت الأجهزة الأمنية هي السائدة، والضباط هم الحكام، والمحققون والجلادون هم أصحاب الكلمة والسيادة، فغيبوا القانون، وعطلوا الشرائع، وسيدوا الباطل، وجعلوا أهل الحق هم الجناة.

فهل سقطت أوراق محمد دحلان أمريكياً وإسرائيلياً وعربياً وفلسطينياً، ولم يعد موضع ثقة كل هذه الأطراف التي وثقت به، وأملت به كثيراً في السيطرة على قطاع غزة، وفي تقليم أظافر حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وفي فرض الحلول التي يرونها، وهل رفع عنه الغطاء السياسي الدولي والإقليمي ليسأل، وهل سيستجوب فعلياً عن كل الجرائم التي ارتكبها بحق شعبه، وهل ستأخذ اللجنة بشهادة المئات ممن علقوا على مواسير المجاري في سجن غزة، وممن سببت الزنازين والعذاب في فقدان أوزانهم، وممن حلقوا لحاهم، وأساؤوا إليهم جسدياً ونفسياً ومادياً، أم أن القضية كلها قضية شخصية، وأن دحلان قد أحيل إلى التحقيق والمساءلة لأنه أساء الأدب مع رئيس السلطة الفلسطينية، وتطاول عليه، وتآمر عليه وعلى رئيس حكومته، وبدأ ينسج علاقاتٍ ويحيك مؤامرات للإطاحة به، وإضعاف سلطته، وتحدث في حقه كلاماً غير لائق في جارية، وعلاقتهما بالشركات الإسرائيلية، وانتقد حظوتهما وامتيازاتهما، فاستحق بذلك القعاب، واستوجب الحساب، أم لأنه حرض في حضرة دبلوماسيين عرب وأجانب، أم لأنه تناول بالإساءة أولاده، وتحدث عن أعمالهما الت البعض لينقلبوا على رئيس السلطة الفلسطينية، بحجة أنهم أحق منه بالرئاسة، وأنهم أولى من رئيس حكومته بالمنصب والصلاحيات، أم لأنه يتطلع لأن يستعيد لقب "الكنج" من جديد، ولكن في الضفة الغربية، بعد أن بدأ يكرر ما قام به في غزة، من تسليحٍ وتدريبٍ وتأهيلٍ وتأطيرٍ شخصي، كثيرةٌ هي الأسباب والدوافع، ولكن أهمها وأصدقها، أنه عذب شعبه، ونال من كرامة رجاله، ورهن إرادة شعبه بعدوه، عندما كبله باتفاقياتٍ مسكونةٍ بالذل والهوان، إننا نتمنى أن تكون هذه هي ساعة الحقيقة، ليتعلم الخلف من السلف، أنه مهما طال الزمن أم قصر، فإنهم سيسألون، وسيستجوبون، وسيعاقبون إن ثبت جرمهم، واستحق جزاؤهم.


العنف ضدَّ المدنيين/ صبحي غندور

العنف رافق تاريخ الإنسانية منذ مقتل هابيل على يد شقيقه قابيل، وكلاهما من أبناء آدم عليه السلام.

ونجد في التاريخ وفي الحياة المعاصرة من هم ضدّ العنف كمبدأ، ولا يقبلون أيَّ تبريرٍ له حتى لو كان للدفاع عن النفس، ويصرّون بالمقابل على استخدام أسلوب المقاومة السلمية كوسيلة لتحقيق أهدافهم. وكان السيد المسيح عليه السلام داعياً لهذا المبدأ، كذلك حرّر المهاتما غاندي الهند من الاحتلال البريطاني بإصراره على هذا المبدأ وبأسلوبه اللاعنفي. وأيضاً قاد رجل الدين المسيحي الأميركي مارتن لوثر كينج، خلال عقد الستينات من القرن الماضي، حركة الحقوق المدنية في أميركا، وقُتل وهو يدعو إلى المقاومة المدنية اللاعنفية.

والملفت للانتباه، أنّ هذه النماذج الثلاث من دعاة مبدأ اللاعنف قد اختاروا العذاب أو الموت على يد خصومهم، كثمن لإصرارهم على الحقّ الذي يدعون إليه.

لكن سيرة الحياة البشرية لم تقتصر على سيرة ومبدأ هذه النماذج، حيث جرى "تقنين" العنف في أكثر من شريعة دينية ودنيوية وأصبح التمييز قائماً بين العنف الإجرامي وبين عنفٍ مشروع تستخدمه الحكومات والجماعات والأفراد، ويدخل في إطار "حقّ الدفاع عن النفس" ضدَّ المعتدي المباشر، وفي حدود وضوابط تختلف تبعاً للمكان والزمان وكيفيّة فهم النصوص.

غير أنّ المفهوم الإسلامي بقي واضحاً تماماً في هذا المجال، حيث النصّ القرآني:

"وقاتِلُوا في سبيلِ اللهِ الذينَ يقاتِلونَكُم وَلا تَعتَدوا، إنّ اللهَ لا يُحِبُّ المُعْتَدين". (سورة البقرة/الآية 190).

"منْ قتَلَ نفْساً بغيْر نفْسٍ أو فَسَادٍ في الأرضِ فكأنّما قتلَ النَّاسَ جميعاً، ومَنْ أحْياها فكأنّما أحيا الناسَ جميعاً" (سورة المائدة/الآية 32).

وجاء في النصّ القرآني أيضاً ما يؤكد على الإعتدال ورفض التطرّف:

"وكذلِكَ جعلناكُمْ أمَّةً وسَطاً لتكونوا شُهَداءَ على النّاس ..". (سورة البقرة/الآية 143).

وفي النصّ القرآني أيضاً:

"وما أرْسَلْناكَ إلا رَحْمةً للعالمين". (سورة الأنبياء/الآية 107).

"ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخرى". (سورة فاطر/الآية 18).

"ولا تستوي الحسَنةُ ولا السيّئةُ ادْفَعْ بالتي هِيَ أحسَنُ فإذا الذي بينَكَ وبيْنَهُ عداوَةٌ كأنَّهُ وليٌّ حميم". (سورة فُصِّلت/ الآية 34).

"وتَعاونوا على البِرِّ والتَّقوى وَلا تَعَاوَنوا على الإثْمِ والعُدْوان". (سورة المائدة/الآية 2).

***

إذن، في الإسلام مفاهيم وضوابط واضحة لا تقبل بأيِّ حالٍ من الأحوال قتْل الأبرياء – وهو مضمون المصطلح المتداول الآن (الإرهاب)- مهما كانت الظروف والأعذار حتّى ولو لجأ إلى هذا الأسلوب الطرف المعادي نفسه.

وفي قول هابيل لقابيل (كما وردت في القرآن الكريم) حكمة بالغة لمن يعيها:

"لئِنْ بسَطْتَ إليَّ يدَكَ لتقتُلني ما أنا بباسطِ يدِيَ إليكَ لأقتُلَكَ إنّي أخافُ اللهَ ربَّ العالمين. إنّي أُريدُ أن تبُوْأَ بإثْمي وإثْمِكَ فَتكونَ من أصحابِ النّارِ وذلكَ جزاءُ الظالمين". (سورة المائدة/الآيتان 28 و29).

ورغم وضوح النصوص القرآنية، وكذا الشواهد في السيرة النبوية وفي الدروس المستفادة من سيرة الخلفاء الراشدين، فإنّ العالم الإسلامي شهد ويشهد "جماعات إسلامية" عديدة أباحت وتبيح أسلوب الإرهاب (قتل الأبرياء) وتخلط بينه وبين استخدام العنف المسلّح المضبوط دينياً ودنيوياً.

طبعاً لا مقارنة عادلة هنا بين هذه الأساليب العنفية باسم الإسلام، وبين ما قامت وتقوم به حكومات ومنظمات في مختلف أنحاء العالم، وفي أزمنة متعددة، ولا علاقة لها بالمسلمين. ولعلّ أكثر الأمثلة وضوحاً على ذلك ما قامت به إدارة بوش السابقة من إشعال حروب أميركية في العالم الإسلامي، وما تقوم به كل الحكومات الإسرائيلية من أعمال إجرامية، في أكثر من مكان، ضدّ الأبرياء والمدنيين.

لكنْ من قال إنّ المبادئ والقيَم الإسلامية خاضعة للمقايضة أو لردود الفعل لصالح أساليب الجاهلية في الثأر والانتقام من غير قيدٍ أو ضابطٍ دينيٍّ وأخلاقيّ؟!

إنّ التفسير السائد الآن بأنَّ الحرب الأميركية على أفغانستان والعراق، والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ولأراضٍ عربية أخرى، هو المسؤول عن بروز ظاهرة "الإرهاب" من "جماعات إسلامية"، لهو تفسير سطحي لا يلغي احتلالاً ولا يضع حدّاً لهذه الظاهرة.

فالعمليات الإرهابية التي حدثت في أميركا عام 2001 هي التي أعطت الذرائع والتبريرات لإدارة بوش من أجل البدء في تنفيذ أجندتها الدولية، التي احتلّ فيها الشرق الأوسط مرتبة الأولوية لاعتباراتٍ إسرائيلية أكثر مما هي مصالح أميركية مباشرة في هذه الأجندة من حروب وأزمات.

ولم يختلف أسامة بن لادن، الذي تعاون خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي، مع المخابرات الأميركية إبّان حقبة صراع (الجهاد الأفغاني) ضدّ النظام الشيوعي في كابول، عن النظام العراقي السابق الذي تعاون في الفترة نفسها مع الأميركيين لمحاربة الثورة الإيرانية بعد سقوط حكم الشاه.

ثمّ أنّ الجميع يدرك كيف تأسّست حركة طالبان في أفغانستان خلال حقبة الثمانينات بدعمٍ وتسليحٍ وتشجيع من المخابرات المركزية. فأصول "جماعات القاعدة وحركة طالبان" هي في الأساس "صناعة أميركية"، وهذه الجماعات وملحقاتها التي تمارس الآن، بأسماء إسلامية، العنف الإرهابي المسلّح في أكثر من بلد على المدنيين والأبرياء، لم تظهر أصلاً لولا تجربة "المجاهدين العرب الأفغان"، والتي لم تكن نشأتها مرتبطة بظروف محلية داخلية كالفقر الاجتماعي أو غياب الديمقراطية السياسية، ولا بحالة الاحتلال الإسرائيلي أيضاً. ف"الجهاد الإسلامي" ضدّ نظام كابول الشيوعي كان يحدث بينما تجتاح إسرائيل أوّل عاصمة عربية (بيروت) وتقتل الآلاف من اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين.

ولا نعلم أيضاً أين كان "الزرقاوي" في الثمانينات (وهو الأردنيّ الجنسية الذي قُتل في العراق وكان زعيماً لجماعات القاعدة هناك)، ولِمَ لم يقاتل العدوَّ الإسرائيلي من قبل، من خلال الحدود الأردنية مع الضفة الغربية، ولِمَ لم يقم هناك بأعمال عسكرية ضدّ قوات الاحتلال الإسرائيلي لأرضٍ كانت أصلاً تحت المسؤولية الأردنية وفيها القدس الشريف ثالث الحرميْن وأولى القبلتين؟!

إنّ ما حدث ويحدث في عددٍ من الدول، من قبل قوات حلف الناتو أو من خلال جماعات عُنفية دينية، من أعمال عنفٍ ضدّ المدنيين، لَهُوَ ممارساتٌ تخدم منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي الطروحات الإسرائيلية عن "الخطر الإسلامي القادم على الغرب" وعن "الصراع الحتمي" بين "الشرق الإسلامي" و"الغرب المسيحي". فإسرائيل هي الرابح الأوّل من التداعيات كلّها وعلى كلّ المستويات، بما في ذلك مساواة عمل من يقاوم احتلالها بالمنبوذ الآن من إرهاب.

غزة بين ذكرى الحرب وهاجس العدوان/ د. مصطفى يوسف اللداوي

في الذكرى الثانية للحرب الإسرائيلية الوحشية، يعيش قطاع غزة اليوم هاجس عدوانٍ جديدٍ على أرضه وسكانه، وهو بعد لم يلملم شعثه، ولم يرمم ما دمره العدوان، ولم ينس شهداءه، ولم يضمد جراحه، ومازالت بيوته خربةٌ مهدمة، وشوارعه محفورةٌ وعرة، ومبانية مدمرة، ومازالت صور وأصوات الغارات الإسرائيلية الحربية في الذاكرة لم تنس، ومازال هدير الطائرات، ورعد قصف الصواريخ، وأصوات قذائف الدبابات، كلها في ذاكرة الأطفال لا تنسى، يحملونها معهم في رحلة سني عمرهم، فيستذكرون فيها حجم الخراب والدمار، وكثافة الغارات، وهمجية العدوان، وإرهاب قادته، ووحشية آلته العسكرية المدمرة.

في الذكرى الثانية للحرب على غزة، يتهأ العدو الإسرائيلي لشنِ عدوانٍ جديدٍ على القطاع، وهو يعلن أنه قد تعلم دروساً كثيرة من حربه على غزة قبل عامين، وقد بدأ عدوانه الجديد بغاراتٍ متفرقة على أهدافٍ محددة، سقط نتيجتها في شهر العدوان خمسة عشر شهيداً، ومازالت آلياته العسكرية تتموضع من جديد على تخوم القطاع، لتعيد إلى الذاكرة تجمعاته واستعداداته قبل عامين، ولكن هل تعلم العدو الإسرائيلي فعلاً من عدوانه الأخير على قطاع غزة، وهل استفاد من مراجعاته الكثيرة لعدوانه على القطاع، وهل أصبح اليوم قادراً على تحقيق كل أهدافه من الحرب إذا قرر خوضها، لربما تكون قيادة أركان الجيش الإسرائيلي قد أدركت بعض أخطاءها في عدوانها الأخير، وهي الآن بصدد تجنب بعض أخطاءها، إذ تخطط لشن حربٍ سريعةٍ خاطفةٍ كاويةٍ على قطاع غزة، تكثف وتركز فيها غاراتها على أهدافٍ محددة ومعدة مسبقاً، وقد تكون بصدد استخدام سلاحٍ آخرٍ جديد، غير الذي استخدمته في عدوانها السابق، رغم أن ما استخدمته من أسلحة ليس له مثيلٌ في القدرة على التدمير والتخريب، كما لم يُستخدم في أي حربٍ سابقة، وقد يحلو لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي جابي أشكنازي أن يقول بأن جيشه سيستخدم في أي حربٍ قادمة أسلحة ذكية موجهة ودقيقة الإصابة، وقادرة على تحقيق الأهداف بدقةٍ عالية، وسيتجنب الأهداف المدنية، وسيقلل من حجم الضحايا المدنيين، ولن يسمح بوقوع أخطاءٍ تجعل النصر أو حسم المعركة غير واضح، أو توهم الخصم أنه أفشل جيشه في تحقيق أهدافه.

وفي الذكرى الثانية للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، يتهيأ الغزيون للدفاع عن قطاعهم الحبيب، وسيبذلون غاية ما يملكون دفاعاً عنه، للحيلولة دون أن ينال منه الإسرائيليون، ولن يمكنوه من الدخول إليه ما أمكنهم ذلك، وسيواجهونه بما تحقق لديهم من القوة والسلاح، وسيصدون محاولاته للتغلغل إلى أطرافه، وقد تعلم المقاومون من الحرب الإسرائيلية على قطاعهم الحبيب الكثير من الدروس والعظات، فقد تعلموا أن العدو الإسرائيلي عدوٌ مخادعٌ خبيثٌ مكَّار، وأنه ينتهز الفرص للغدر والإغارة على القطاع في أي وقت، وأنه لن يتوقف عن أعمال القتل والتخريب والتدمير، وأن الإدارة الأمريكية راضية عنه، أو أنها عاجزة عن لجمه ومنعه، كما أن المجتمع الدولي ودول الاتحاد الأوروبي لن يتمكنوا من عقل العدو الإسرائيلي، ولن يتمكنوا من منعه من القيام بأي مغامرة عسكرية جديدة ضد قطاع غزة.

وتعلم الغزيون من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أن الشعوب العربية والإسلامية بخير، كما أن قوى التحرر الدولية بخير، وأن الأمة لا تقف مكتوفة اليدين إزاء أي عدوانٍ إسرائيليٍ جديد على قطاع غزة، وسيكون للشعوب كلمتها، وسيكون لكلمتهم قوةً وفعلاً وأثراً، وتعلم الغزيون أن قوتهم في وحدتهم، وفي صلابة موقفهم، وقوة إرادتهم، وأن العدو مهما بلغ في قوته وهمجيته، فهو لن ينالَ من شعبٍ قد اتحدت كلمته، وتعاهدت مقاومته كلها، بكل فصائلها وأطيافها، أن تواجه العدو، وأن تثبت في الميدان، لتصد العدوان، وتفشل أهداف الاحتلال، وتضع حداً لمنطق القوة الذي يحرك أطماعه، ويغري قادته بتحقيق النصر.

المقاومون في غزة يعلمون أنهم أقل عدداً وعدةً من جيش الاحتلال الإسرائيلي، وأن ما يملكه الجيش الإسرائيلي من أسلحةٍ وطائراتٍ وصواريخ، وآليات تجسس ورصدٍ ومتابعة، لا تملكه المقاومة، ولكنها تملك إرادةً صلبة، وعزماً لا يلين، وشغفاً بالشهادة لا يردهم عنها سعي إسرائيليٌ لقتلهم، أو النيل منهم، ولهذا فقد أعدوا لهذا اليوم عدته، فنظموا صفوفهم، واعادوا تدريب مقاتليهم، وامتلكوا أسلحة جديدة قد يكون أثرها أبلغ بكثيرٍ مما عرفه العدو عن سلاح المقاومة، إذ لم يتوقف المقاومون في غزة، منذ أن وضعت الحرب الأخيرة أوزارها قبل عامين، عن التدريب والتأهيل والاستعداد، والامتلاك والتجريب والتطوير، وقد تعلموا الكثير من طريقة العدو الإسرائيلي في الاجتياح والاختراق، وعرفوا كيف يمكن صده، وأين يمكن صيده، وما هي الثغرات التي ولج منها، وكيف سيكون منها هذه المرة مقتله، والأهم من هذا كله أن إرادة المقاومة مازالت قوية وفتية، ولم تفتر ولم تضعف، فقد تهدأ ولكنها دوماً كجمرةٍ تحت الرماد، متقدة ومشتعلة، وليس إلا كلمة واحدة، حتى تعودَ لهباً مشتعلاً وحارقاً.

لا أحد في قطاع غزة أو في غيره يرغب في حربٍ جديدة، ولا أحد يسعى لإشعال فتيلها، أو إطلاق صافرة البدء، فالمقاومة في قطاع غزة تدرك أن الغزيين في حاجةٍ إلى راحةٍ واستجمام، ليتمكنوا من إعادة بناء ما دمره الاحتلال، فهم قد عانوا كثيراً من ويلات الحرب كما الحروب السابقة، وعرفوا مرارتها ومآسيها، ولكن غزة هاشم ترفض الضيم، وتأبى الذل، ولا تستكين على الظلم، ولا تقبل بألا ترد على العدو الإسرائيلي الذي عاد بطائراته وصورايخه ليستهدف رجال المقاومة، وعاد ليدمر المعامل والمصانع وورش العمل المختلفة، وقد قتل العشرات في وقتٍ لم تبادؤه المقاومة بفعل، أما وأنه قد بدأ، فإن البادئ أظلم، وعليه أن يتوقع من المقاومة أن ترد، وألا تستكين، لأن المقاومة تدرك يقيناً أن العدو لا يسكته غير القوة، ولا تضع حداً لتطلعاته العدوانية سوى حساباتُ خسائرٍ أكبر في صفوفه وكيانه، لذا فإن رد المقاومة لا يعني إعلاناً للحرب، ولا إيذاناً بالعدوان، إنما هو ردُ فعلٍ على اعتداءات العدو، ومحاولة للرد عليه بالمثل عله يعقل أو يعي، ولكن الكيان الإسرائيلي بقيادته المتطرفة، لا يمكنه أن يتخلى عن طبيعته العدوانية، ولا عن أطماعه التاريخية، ولا يستطيع أن يتوقف عن دسائسه ومؤامراته، فهو دوماً يجد القتل أو الحرب وسيلةً لها، وسبيلاً لتحقيق أهدافه وغاياته، ولكنه لم يعد يدرك أن زمن الخضوع لمنطق قوتهم قد ولى، وأن الأهداف والخطط التي كان يضعها أصبحت أهدافاً وخططاً على صفحةٍ من ماء، وأن الوقت الذي كان يسوق فيه الرجال إلى القتل قد انتهى، وأصبح فيه رجالٌ ومقاومةٌ هي التي تسوقُ العدو إلى القتلٍ والموت، مهما كلفتها إرادة العزة والكرامة من ثمن.

حصاد عام فلسطيني آخر/ راسم عبيدات


...... الحصاد الفلسطيني لعام2010،هو حصاد عام أكثر سوءاً من العام السابق على كل الصعد والمستويات،فالاحتلال يزداد تغولاً وتوحشاً والعنصرية أصبحت سمة عامة في المجتمع الإسرائيلي ولم تعد ظاهرة معزولة أو نخبوية،حتى أن الكنيست الإسرائيلي أصبحت الوكر والدفيئة التي يمارس ويشرع من خلالها قادة الدولة الإسرائيلية القوانين العنصرية بحق شعبنا الفلسطيني،بهدف طردة وترحيله من وعن أرضه،ولم يعد يخفي قادة إسرائيل سياستهم في الأسرلة والتهويد والتطهير العرقي،فوزير خارجيتهم العنصري والمتطرف "ليبرمان" في إطار عصرنة التطهير العرقي"تبادل السكان" يدعو لطرد أكثر من نصف سكان الداخل الفلسطيني إلى مناطق السلطة الفلسطينية، وأكثر من ذلك فحاخاماتهم أكثروا من فتاويهم وشعوذاتهم التي تحض وتحرض على طرد الفلسطينيين وترحيلهم وعدم تأجيرهم البيوت،وهناك من دعا منهم وشرع قتل الأطفال الفلسطينيين.

وفي استعراض سريع لحصاد هذا العام في القدس،نجد أن الحرب على سكانها العرب الفلسطينيين أخذت أبعاداً شمولية،حيث إزدادت عدد البؤر الاستيطانية في البلدة القديمة،كما وازداد عدد البيوت والعقارات المستولى عليها،والاستيطان تضاعف وتوالد بشكل غير مسبوق،والبيوت المهدومة أيضا تضاعفت عن السنوات السابقة،وكذلك حال المؤسسات الفلسطينية المقدسية،من لم يطالها الإغلاق بأوامر الاحتلال العسكرية،اضطرت بسبب القيود والعراقيل الإسرائيلية على عملها وخدماتها وموظفيها لكي تهجر المدينة إلى خارج حدود القدس،كذلك شرعت المزيد من القوانين العنصرية الهادفة الى أسرلة وتهويد المدينة،حيث القيود المشددة على البناء،وقانون الولاء والذي بموجبه واستنادا له طرد ورحل النائب المقدسي أبو طير الى خارج مدينة القدس،وما زال منذ ستة شهور يعتصم في مقر الصليب الأحمر في القدس النائبان احمد عطون ومحمد طوطح ووزير شؤون القدس السابق خالد أبو عرفة على خلفية هذا القانون الذي يريد من المحتل أن يعلن ولاءه لدولة الاحتلال،كذلك تم إقرار قانون الاستفتاء،والذي يجعل من الانسحاب من القدس شبه مستحيل،فهذا القانون يفترض بعد إقراره في الكنيست بأغلبية واحد وستين صوتاً،أن يعرض قرار الانسحاب من القدس على الجمهور الإسرائيلي لرفضه أو إقراره،وكذلك يخطط لإقرار قانون آخر وهو ليس الاكتفاء بأن تكون القدس على حد زعمهم عاصمة أبدية لدولة إسرائيل ،بل عاصمة لكل يهود العالم أجمع.

أما إذا عرجت نحو الداخل الفلسطيني،فالوضع إن لم يكن شبيهاً بالقدس فهو على نحو أكثر سوء،فالكتل البرلمانية الإسرائيلية ومن مختلف ألوان الطيف السياسي الإسرائيلي تتسابق على تقديم مشاريع قوانين مغرقة في العنصرية،كلها تستهدف الوجود العربي الفلسطيني هناك،والإستهداف يطال كل مناحي وتعبيرات هذا الوجود من أرض وهوية وثقافة وتراث وذاكرة ووعي،حيث جرى إقرار قانون عزمي بشارة،وسنت وشرعت من قبل العديد من القوانين بهدف كي وعي شعبنا وتقزيم أمانية وطموحاته وكذلك الحد من تطور الوعي السياسي والثقافي لشعبنا هناك ومنع تبلوره كأقلية قومية،فكان هناك قانون منع إحياء النكبة وقانون منع التحريض وقانون فرض مواضيع إسرائيلية على المنهاج التعليمي في الوسط العربي وقانون الولاء لدولة الاحتلال،وليس هذا فحسب بل كانت عمليات إرهاب وبلطجة وزعرنة بحق القادة السياسيين والمجتمعيين في الداخل الفلسطيني،والجميع شاهد عملية الزعرنة والبلطجة بحق النائبة الزعبي والتي وصلت الحد المس بها جسدياً على خلفية مشاركتها وفضحها للأكاذيب الإسرائيلية المتعلقة باقتحام السفينة التركية مرمرة وقتل ستة من ركابها،وهذه السفينة كانت ضمن أسطول الحرية الذي شاركت فيه النائبة الزعبي من أجل فك الحصار عن أهلنا وشعبنا في القطاع المحاصر،وقد تم تجريد النائبة الزعبي جزء من حقوقها البرلمانية على تلك الخلفية،ولم يقتصر الأمر على النائبة الزعبي،بل في إطار سياسة الحد من دور وتأثير القيادات السياسية والمجتمعية جرى اعتقال ومحاكمة الدكتور عمر سعيد والشيخ رائد صلاح واعتقال السيد أمير مخول وغيرهم العشرات.

والشيء الخطير جداً هو أن هناك شيء يدبر في الخفاء لشعبنا في الداخل الفلسطيني،حيث لأول مرة يعقد رئيس جهاز الموساد وكافة الأذرع الأمنية وقادة المؤسستين العسكرية والسياسية اجتماعا مغلقاً بخصوص وضع ومصير شعبنا هناك،والتسريبات الإعلامية عن ذلك الاجتماع تشير إلى نية حكومة الاحتلال طرد وإبعاد العشرات من القيادات السياسية والمجتمعية الفلسطينية،وكذلك العمل على بلورة خطة التبادل السكاني والجغرافي بحق شعبنا .

والحالة الفلسطينية في الضفة الغربية ليس بالأحسن حال حيث الاستيطان يتصاعد ويتكثف ويتواصل،والمستوطنين بدعم وتشريع ومصادقة المستويين السياسي والقضائي وحماية الجيش يشنون حربهم الشاملة على شعبنا،فلا يكاد يمر يوم واحد دون أن يتعرض أهلنا الى هجمات المستوطنين والتي تصل حد العربدة والبلطجة،فلا يسلم منهم لا بشر ولا حجر ولا شجر،ففي موسم الزيتون الحالي آلاف أشجار الزيتون اقتلعت وحرقت،ناهيك عن سرقة أطنان من محاصيل الزيتون المقطوفة،والكثير من القرى الفلسطينية في شمال الضفة وجنوبها أقتحمها المستوطنون،وعاثوا فيها الفساد والخراب من تدمير للممتلكات إلى قطع الطرق وإغلاقها ومروراً بترويع السكان وإطلاق الرصاص عليهم حيث قتل وجريح العديد من الفلسطينيين العزل جراء ذلك تحت سمع وبصر قوات الجيش الإسرائيلي التي توفر لهم الحماية،وكذلك المناطق المصنفة على أنها (A ) جرى اقتحامها واعتقال ما يسمى بالمطلوبين منها،وكذلك العشرات من المنازل والمحال التجارية والورش جرى هدمها تحت ذريعة البناء غير المرخص أو القرب من الجدار العنصري.

أما حال القطاع المحاصر،فواضح أن حكومة الاحتلال وعلى ضوء ما تمر به من عزلة دولية وجمود في العملية التفاوضية تتجه نحو التصعيد العسكري حيث الغارات والهجمات على القطاع تتصاعد وتتكثف تحت ذريعة امتلاك فصائل المقاومة الفلسطينية لأسلحة ووسائل قتالية حديثة،بما فيها صواريخ تطال تل أبيب وغيرها من مدن العمق في دولة الكيان،وكذلك رغم الحديث والضجيج الإعلامي عن تخفيف الحصار المفروض على القطاع،فما زال شعبنا هناك يحرم من أبسط مقومات الحياة الإنسانية من غذاء ودواء وطاقة،حتى الحالات الإنسانية والمرضية لا يسمح لها بمغادرة القطاع،وتجري مساومتها بالتعامل مع الاحتلال مقابل العلاج ومنحها تصاريح الدخول والخروج،وأيضاً ما دمره الاحتلال من بيوت وممتلكات ومؤسسات ومدارس ومشافي لا يسمح بإعادة إعماره بسبب استمرار منع دخول مواد البناء إلى القطاع.

وحال شعبنا في الشتات ومخيمات اللجوء،لا يختلف عن حال باقي أبناء شعبنا في بقية مناطق الوطن،فمشردي مخيم نهر البارد في لبنان الذي دمره الجيش اللبناني أثناء ملاحقة عصابات جند الإسلام التي لجأت إليه،لم يعودوا إليه حيث عمليات الأعمار تسير ببطء شديد،ورغم تخفيف الشروط والقيود المفروضة على شعبنا هناك لم يجري أي تحسن يذكر على أوضاعهم وظروفهم المعيشية،وكذلك في العراق ما زالوا يطاردون ويقتلون على الهوية،ويجري حشرهم والزج بهم في مخيمات تفتقر إلى أدنى مقومات شروط الحياة الإنسانية،وحالهم في الأردن يؤشر إلى أن بعض الأطراف هناك معنية بإثارة النعرات وإشعال نار الفتنة على خلفية القطرية والمواطن وغير المواطن،وظهر ذلك جلياً في الأحداث المؤسفة التي رافقت فوز فريق الوحدات على الفيصلي.

وإذا ما أضفت إلى ذلك ما تشهده الساحة الفلسطينية من تكريس وشرعنة لظاهرتي الانقسام والانفصال السياسي والجغرافي والصراع على سلطة وهمية لا تمتلك من مقومات ومظاهر السيادة والصلاحيات أي شيء،فإنك تدرك بأن حصاد هذا العام فلسطينياً على درجة عالية من السوء والتراجع،ويؤشر الى أن استمرار ذلك من شأنه الإطاحة بالمشروع الوطني برمته وضياع كل منجزاته ومكتسباته وحقوقه الوطنية.


بزوغ نجم سياسي قوي في تايلاند/ د. عبدالله المدني

نجح رئيس الحكومة التايلاندية الشاب أبهيسيت فيجاجيفا (46 عاما) في إخماد الإضطرابات السياسية الدامية التي إجتاحت بلاده في العام الماضي بأقل قدر من الخسائر، الأمر الذي بزغ معه نجمه على الساحة السياسية الداخلية كزعيم سياسي قوي وحكيم. ثم عزز الرجل، المتخرج من كلية إيتون وجامعة أكسفورد البريطانيتين العريقتين، نفوذه ومكانته خلال الأسابيع القليلة الماضية، حينما تمكن "الحزب الديمقراطي" الذي يقوده من النجاة من حكمين قضائيين مرفوعين ضده بتهمة تزوير إنتخابين برلمانيين سابقين، وبالتالي الحيلولة دون حل الحزب المذكور، وحرمان قائده من الإشتغال في السياسة لمدة خمس سنوات متواصلة.

هذه التطورات في بلد واعد في منطقة جنوب شرق آسيا، ودولة لطالما نـظر إليها المراقبون كواحة للأمن والنظام والإزدهار كتايلاند، دفع الكثيرون إلى ترقب ما سوف يكون عليه رد "فيجافيفا"، وعما إذا كان الرجل سيستغل الوضع لإتباع نهج جديد مع خصومه ومعارضيه من المعروفين بذوي القمصان الحمراء ممن يديرهم من الخارج رئيس الحكومة الأسبق ورجل الأعمال المثير للجدل "تاكسين شيناواترا".

ولم يطل الإنتظار كثيرا، إذ سرعان ما أعلن "فيجافيفا" قبل أسبوع عن نيته في رفع حالة الطواريء التي فرضت على العاصمة بانكوك والمناطق المجاورة لها منذ السابع من أبريل 2010 في محاولة – وقتئذ - لكبح جماع التظاهرات وأعمال الشغب التي قادها ما سمي بـ "الجبهة المتحدة من أجل الديمقراطية" ضد ما قيل أنه ديكتاتورية يسعى إليها "فيجافيفا" بالتعاون مع البلاط الملكي ممثلا في رئيسه الجنرال المتقاعد ورئيس الوزراء الأسبق"بريم تنسولانوند. تلك المظاهرات والإضطرابات التي عدت واحدة من أسوأ الفترات في تاريخ تايلاند المعاصر بسبب ما نجم عنها من مقتل 90 شخصا وإصابة أكثر من 1400 شخص خلال شهري إبريل ومايو 2010 .

علاوة على ما سبق، أعلن "فيجافيفا" أنه لا زال ملتزما بالوعد الذي قطعه على نفسه حول إجراء إنتخابات عامة مبكرة في عام 2011 (أي قبل حلول موعدها الطبيعي في أوائل 2012 )، من أجل تعبيد الطريق نحو مصالحة وطنية شاملة. وإذا كانت المصالحة الوطنية هدفا لرئيس الحكومة التايلاندية من تنفيذ وعده المذكور طبقا لبعض المراقبين، فإن مراقبين آخرين يرون أن الهدف الحقيقي هو إثبات أن "الحزب الديمقراطي" غير متواطئ مع مؤسستي الجيش والبلاط، أو أنه ليس ألعوبة في يدهما، دحضا لما تم تداوله من أن المؤسستين المذكورين كانتا وراء الإتيان بالحزب إلى السلطة على رأس حكومة إئتلافية في عام 2008 .

وإذا صحت النظرية الثانية، فإن هناك مخاوف تتردد في الأوساط السياسية من إحتمالات أن تقوم قوى سياسية محافظة بالتعاون مع الجيش بتخريب عملية المصالحة المأمولة، أو إسقاط الإئتلاف الحاكم، وبالتالي إدخال البلاد في حالة جديدة من العنف واللإستقرار. فهذه القوى لا يسعدها مخططات "فيجافيفا" الداعية إلى عدم خلط القضايا الجنائية بالعملية الديمقراطية، وإلى ترسيخ مبدأ خضوع المؤسسة العسكرية وجنرالاتها لأوامر رئيس السلطة التنفيذية المدني، على نحو ما هو معمول به في الهند وفي الأنظمة الديمقراطية الغربية. هذا ناهيك عن إيجاد حل سلمي سريع ودائم لقضية الأقاليم الجنوبية الساعية إلى الإنفصال، والعمل الدؤوب من أجل حل المشاكل الإقتصادية التي تواجهها تايلاند، والناجمة عن تداعيات الأزمة الإقتصادية العالمية من جهة، وبروز الصين كمنافس تجاري قوي من جهة أخرى.

ومن أجل تحقيق خططه، يراهن "فيجافيفا" كثيرا على شعبه الذي – كما قال في مقابلة صحفية أخيرة – إكتوى بنيران أعمال الشغب وتخريب الممتلكات العامة وتعطيل المصالح العامة والخاصة على مدى عدة أشهر، فصار مقتنعا الآن بقوة بفكرة أن الإستقرار السياسي والأمني هما حجر الزاوية في رفع مستويات معيشته وتحسين ظروفه الإقتصادية، وبما جعله أقل تجاوبا مع التحريض الذي يمارسه "شيناواترا" وأنصاره من الداخل والخارج، والذي قيل في أكثر مناسبة أنه لا يستهدف الحكومة، بل والنظام الملكي بأسره. هذا النظام الذي أثبت، منذ أن إعتلى العاهل الحالي الملك "بهوميبون أدونياديت" عرش البلاد في عام 1946، أنه صمام الأمان في مواجهة الأزمات ومحاولات تفتيت الوحدة الوطنية.

ولعل وجود دلائل اليوم على عدم تجاوب الغالبية العظمى من التايلانديين مع خطاب "شيناواترا" التحريضي وطموحاته في الإنقضاض على الملكية هو الذي شجع "فيجافيفا" على الإعلان عن نيته في رفع حالة الطواريء عن العاصمة وضواحيها قريبا. بل أن الرجل قال صراحة في المقابلة الصحفية المذكورة ان تراجع الإضرابات والمظاهرات وأعمال العنف طيلة الأشهر الست الماضية، بسبب يأس "شيناواترا" وأنصاره من جهة، ووجود نحو 200 عنصر من الخطرين منهم في قبضة الأمن، دفعه إلى التفكير جديا برفع حالة الطواريء عن العاصمة، خصوصا مع لجؤ أتباع "شيناواترا" مؤخرا إلى خلط الأوراق عن طريق الإنصراف إلى القيام بأعمال تفجير في الأقاليم ذات الأغلبية المسلمة في جنوب البلاد، وذلك في محاولة يائسة منهم لتصوير الحكومة بأنها ضعيفة وغير قادرة على ضمان سلامة البلاد وشعبها.

وفي سياق الحديث عن التقارير التي قالت أن قبضة مؤسسة الجيش قد تعززت كثيرا خلال الأشهر السبعة الماضية بسبب إدارة جنرالاتها لحالة الطواريء المفروضة على العاصمة وضواحيها، ناهيك عن تطبيقهم للقوانين العرفية المفروضة منذ وقت أطول على الأقاليم الجنوبية المسلمة، دحض الزعيم التايلاندي تلك التقارير قائلا: أن مؤسسة الجيش تتعاون كليا مع السلطة التنفيذية في بسط الأمن في كافة أرجاء البلاد طبقا للقانون، وأن رجالاتها ملتزمون بعدم تجاوز القانون في تعاملهم مع المقبوض عليهم بمن فيهم أولئك المتهمون بإزدراء الملكية، ومضيفا بأن القوانين العرفية قد رفعت عن أربع أقاليم جنوبية، وأن قرارات أخرى سوف تصدر قريبا لرفعها عن بقية الأقاليم الجنوبية المضطربة بناء على توصيات من قائد الجيش الجنرال "برايوت تشان أوتشا".

وأخيرا فلا بد من التأكيد على أنه رغم كل محاولات التشكيك في عمل الإئتلاف الحكومي الذي يقوده "فيجافيفا، فإن حكومة الأخير، بالمقارنة مع كل الحكومات التايلاندية السابقة، تعتبر الأقل فسادا، والأكثر إجتهادا ومثابرة لجهة الإلتزام بالدستور والقانون والسعي لتأمين السلام والإستقرار. أما ما قيل عن لجؤ الحكومة إلى تقييد بعض الحريات الإعلامية، فإن "فيجافيفا" يعتبره أمرا مبالغ فيه، لأن حكومته – حسب ما قال - لم تتدخل إلا فيما خص التعرض للملكية التي تعتبر في تايلاند "قدس الأقداس".

د. عبدالله المدني
* باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين
تاريخ المادة : ديسمبر 2010
البريد الإلكتروني: elmadani@batelco.com.bh