غذاء مجاملة مع الحكومة/ يوسف فضل


يوم العيد اجتمع مجلس العائلة (بيتي) وخططوا وصوتوا وقرروا الذهاب إلى المطعم لتغير الجو والشعور بأننا نحيا أجواء العيد .خرج سهم التصويت بالذهاب إلى المطعم ....... في مدينة جرش ، وما على العبد الفقير إلا الانصياع لأغلبية أصوات العائلة ولعب دور السائق لها . اكتشفت عند الوصول للمطعم أنني في هذا اليوم لست الرجل الوحيد الذي تصوت فيه العائلة للذهاب لهذا المطعم .إذ كان مكتظ بالسيارات والرواد .
* : عيد مبارك . أريد طاولة عائلية ؟
الجرسون(الميتر) : أهلا وسهلا. كم عدد الكراسي ؟
* : ثمانية .

بعد فترة انتظار خمسة عشر دقيقة .

الجرسون : تفضل وجدت لكم طاولة .

جلست العائلة المكونة من سبعة أفراد . لاحظ الجرسون أن هناك كرسيا فارغا على رأس الطاولة.

الجرسون : انتم سبعة أشخاص وليس ثمانية .
* :نحن ثمانية أشخاص .
الجرسون : لكن هناك كرسي فارغ .
* : هذا كرسي الحكومة .

صدم الجرسون لجوابي وبانت ملامح التعجب على وجه .

الجرسون : لم افهم . ماذا تعني بكرسي الحكومة ؟
* : نعم حكومة القبيلة الواحدة. سيدي. المطعم سيقدم فاتورة الحساب بعد تناولنا وجبة الغداء . والفاتورة تضم بند ضريبة 16% .
الجرسون : نعم .
*: 16% تذهب للحكومة . وأنا من حرصي على إرضاء الحكومة ليس فقد بالدفع وأنا سعيد بذلك بل إنني بتونس بها . ولحبي لها فلا أريد أن تغيب عن بالي وأنا ادفع لها 16% . وهذه مناسبة فضيلة أن سمحت لنا الحكومة بان نساهم لها بمقدار ضئيل 16% من قيمة طعامنا .فاحتراما وتقديرا لها وجب أن أجلسها معي لتتناول الطعام على أهم كرسي في رأس الطاولة لأنها تقدم خدماتها وتسهيلاتها لزبائنها المواطنين أكثر مما تقدم حكومة السويد لمواطنيها . انفرجت شفتي الجرسون ما بين الضحك والابتسام .

الجرسون : هذه أول مرة يأتيني زبون مثلك صريح ربما لدية وقت فراغ كثير يود أن يمضيه في السجن .
* : لست في عجلة من أمري . لكن ألهذه الدرجة تسبب لنا الكرسي هذا المقدار من الألم ؟
الجرسون : كرسي عن كرسي يختلف.
* : صدقت . إذ أن " الكرسي" للكاتب التركي عزيز نيسين يشيع الدفء والراحة للمتقاعد البيك الذي خدم حكومته 38 عاما . لذا أفكر عند التقاعد ان اجلس على كرسي عزيز نيسين وان استمتع بقراءة كتاب على أنغام إحدى سينفونيات فرانز شوبيرت .
الجرسون : لقد ملئت يومي بالبهارات ورائحة دخان المشاوي .

اتبع تعليقه يقهقه سمعت بمحيط دائرة قطرها تقديرا 10متر . ولا ادري أكانت قهقهته هي قبوله سخريتي أم اعتبرني رجل أهبل . أم أدرك أن على المرء أن يكف عن البكاء ويعتاد استشعار ما يعيشه بالنقيضين .

تماشيا معي ، لم ينس الجرسون وهو يهز رأسه يمنى ويسرى من التعجب أن يضع سيرفيس الطاولة : المنديل والصحون والملعقة والشوكة والسكين وكوب العصير وكوب الماء أمام الكرسي الفارغ .فاتني أن اسأل الجرسون عن اسمه .

قضية للرأي العام : الطريق الى غينيس/ مأمون شحادة


هل اصبحنا نحن العرب نبحث عن عالمية عروبتنا وفق ما تقرره الارقام القياسية لموسوعة غينيس؟ نتسابق اليها بطبق من الكنافة وستة الاف طائرة ورقية تعلو فوق الارض، وطبق من المسخن المبشور بالبصل، وحبة قطايف تعدِلُ الدماغ بعد اكلة دسمة، ونسينا ان هناك ما هو اهم من ذلك، اكبر لوحة فنية زيتية في التاريخ البشري ستدخل تلك الموسوعة، مجسدة معنى الاخوة الانسانية، تعلوها حمامة بيضاء تطوف فوق الاقصى والقيامة، وبريشة عربية فلسطينية يرسمها فنان احب مكة والقدس والقيامة وقدسية الانسان، وهو الدكتور جمال بدوان، ابن فلسطين المقيم في اوكرانيا.
صحيح ان طبق الكنافة حقق رقماً قياسياً بدخوله موسوعة غينيس للارقام القياسية، لكنه قسم بعد ذلك على الحضور، كل اخذ قطعته ولم يتبق بعد ذلك الا فتات من المفعول به، الكنافة،.... وكذلك الطائرات الورقية التي علت سماء قطاع غزة دخلت موسوعة غينيس كظاهرة تحدث لاول مرة، لكنها سقطت بعد علوها ولم يتبق للعلو الا الرقم القياسي. اما طبق المسخن فمصيره كحبة القطايف، التُهمت في وضح النهار بعدما استفاد الجسد منها، حيث سربت بعد ذلك خلسة "كفضلات" الى دورة المياه.
ان قضية الرقم القياسي اكبر من ذلك بكثير، وخصوصاً حينما يكون الامر متعلقاً بلغة بيكاسو ودافنشي وسلفادور دالي، هنا نستطيع ان نضع النقاط على الحروف ونخرج من بوتقة عقلية مداها الابداعي محدود ضمن صحن الكنافة والطائرات الورقية والمسخن والقطايف وغيرها، لنعيد صياغة تلك الارقام برقم قياسي نفخر به جميعاً، كأكبر لوحة زيتية ترسم في التاريخ البشري وبجودة عربية فلسطينية يرسمها الدكتور جمال بدوان في اوكرانيا .
مغريات كثيرة وضعت امام رسامنا الفلسطيني من قبل مؤسسات المجتمع المدني الاوكراني لتبني هذا العمل الفريد من نوعه، لكنه رفض ذلك وأصّر على أن تكون اللوحة عربية خالصة وبجودة فلسطينية، الا ان الجانب العربي بكل اطيافه واقطاره لم يعطه اي اعتبار واهتمام، ولو على سبيل الدعاية والاعلام، مفضلاً طبق الكنافة والمسخن والقطايف على لمساته الانسانية الموناليزية.
ان الرقم القياسي الذي سيحققه بدوان بلوحته الزيتية، ليس رقماً محلياً ضمن الحدود الاقليمية لمنطقة معينة، بل رقماً عالمياً، مخترقاً من خلاله كل الحدود الاقليمية والدولية، معلناً انتصاراً فنياً تتحدث عنه الاجيال القادمة الى مالانهاية.
افبعد ذلك، الا يحق بنا ان نهتم برسامنا جمال بدوان ونعطيه الاهمية والدعم المادي والمعنوي لاكمال مسيرته الفنية التي ستكلل برقم قياسي؟ ام ان عراب الثقافة الخجولة خجول ولا يعرف قراءة لوحات بيكاسو ودافنشي وسلفادور دالي؟ ام ان ثقافتنا استهلاكية اكثر من المطلوب وتفضل طبق الكنافة والقطايف على اكبر لوحة زيتية في تاريخنا البشري ؟

بيت لحم – فلسطين

الخيانة الزوجية والشبكة العنكبوتية/ ميمي أحمد قدري

هنا وبين حروف هذا الموضوع لن أنصب نفسي واعظة أو مصلحة إجتماعية ولن أرمي بالأسباب في موضوعي على كاهل أحد الطرفين من القوارير والخناشير بعينه، كما يفعل الغير. لا ولن أبحث عن مبررات للخيانة بين اثنين يفترض أنهما يسعيان لإقامة أسمى مؤسسة للعلاقات بين البشر، وهي مؤسسة العلاقات الزوجية التي باركها الله من فوق سبع سموات. كما أنني لن أتكلم عن الخيانة كواقع مؤلم ومرفوض، فهذا موضوع استنفذ دراسات كثيرة ومعالجات أكثر على مر الأزمنة والعصور. هنا وبكلمات بسيطة جداً وبصريح العبارة سأحصر حديثي عن الخيانة الزوجية بخيانة الزوجات والأزواج لبعضهم البعض على الشبكة العنكبوتية، التي تحولت هذه الأيام إلى موضة دارجة تودي باصحابها في معظم الأحيان إلى الطلاق أو الانفصال. بكل بساطة تقوم المرأة المتزوجة بالتواصل مع رجل غير زوجها برغم معرفتها بأنها تفعل ذلك بدون وجه حق أو وازع من ضمير أو خُلق وبرغم علمها التام بأنها بذلك ترتكب واحدة من أكبر الكبائر. وهي عندما تقطع شوطاً في التواصل مع هذا الرجل تطلعه على حياتها الشخصية والزوجية ولا تتردد في إطلاعه على أدق تفاصيل أسرارها وأسرار زوجها وأسرارهما المشتركة. ومن يدري فلربما أن المكاشفة بينهما تصل إلى داخل غرفة نومها مع زوجها!! مسكينة هذه الزوجة ومسكين هو زوجها الذي يعمل ليلاً نهاراً ولا يجد متسعاً من الوقت ليسمعها لا لأنه لا يرغب بذلك وإنما لأنه مشغول على الدوام بالسعي الحثيث لتأمين متطلباتها ومتطلبات أولادهما وتوفير رغد العيش لها ولهم. وهي عندما تفعل ذلك تكون فعلاً مسكينة برغم انحرافها لأنها تفقد بذلك كل الآداب الدينية. هذه الزوجة "المسكينة" كما تدعي لتكسب تعاطف من حولها وتعطي لنفسها الحق بالتعرف على رجل غير زوجها والتواصل غير المشروع معه توغل في جريمة الخيانة على الشبكة العنكبوتية عندما تجد التجاوب من قبل الطرف الأخر، وهو الرجل "المختار" الذي يسمع لها ويشجعهاعلى البوح ويرضي رغباتها لإشباع رغباته ايضاً.
وليوغل هذا الرجل "المختار" في استغلال سذاجتها ينهال عليها بالمديح ويطنب في الإطراء فيقنعها بأنها خسارة في زوجها وأنها تستحق أن تكون اميرة...بل ملكة متوجة على عرش الحبيب الولهان، ويواصل نصب شباكة حولها في حين تواصل هي الادعاء بانها مسكينة ومغلوب على أمرها، لكنها وبنفس الوقت تنصب هي الأخرى شباكها حوله بدواعي المسكنة والقهر والتقصير...إلى ما هنالك من الأسباب والمبررات الواهية. وفي هذه الحالة لا افترض وجود مفترس وفريسة، لأن كلاً من المرأة والرجل "المختار" هو ذئب في حد نفسه. فإلى جانب أن هنا رجلاً انعدمت أخلاقه ووضع ضميره في ثلاجة هنال على الناحية الأخرى أمرأة أنعدمت أخلاقها ونسيت دينها في سبيل لذة عابرة وسماع إسطوانة غزل مشروخة لم تجدها عند زوجها المهموم بهمومها وهموم عائلته. تطالعني في هذه العجالة صورة أمرأة تدعي أنها كاتبة وشاعرة رمت يوماً شباكها من خلال الشبكة العنكبوتية حول رجل معروف بوقاره وسمعته الطيبة محاوله إقامة علاقة غير شرعية وغير شريفة معه لإشباع رغباتها المجنونة. حاولت معه بشتى الوسائل وعندما صدها ورفض الاستجابة لها اطلقت ضده سهام حقدها من خلال بث الشائعات الكاذبة حوله فوجدت من يصدقها ووجدت أيضاً من يعرف حقيقتها ويكذبها. هي امرأة تعدت الخمسين من عمرها ولم تملك من الجمال ما يجعلها تلفت نظر الرجال، لكنها ارادت ان تجدد خلايا العشق فخاب فألها عندما أختارت رجلاً فوق الشبهات لا يستجيب للعلاقات المشبوهة. وهناك الكثير الكثير من أفعال سيدات يدعين الفضيلة ورجال يدعون الفضيلة.... وتطالعني أيضاً صورة امرأة تدعي الفضيلة على الشبكة العنكبوتية. هذه المرأة ابنة الخامسة والخمسين التي ينطبق عليها قول الشاعر "عجوز تمنت أن تكون صبية...وقد يبس النبان واحدودب الظهر" والتي تدعي الفضيلة زوراً وبهتاناً أسألها باسم الله أن تتقي الله وتوقف مغامراتها على "المايك" مع الشبان الصغار التي اشتهرت بها بمعرفة أقرانها ومعارفها؟؟ انا أؤمن بانه يجب أن لا يسمع صوتي أو أنيني ولا يعرف أحد بأتراحي أو أحزاني غير زوجي ووفق ما ييسره له الوقت، لأنه هو الملاذ الأول والأخير. أتوقع أن لا يعجب كلامي هذا كثيرات من النساء مما قد يفتح نيرانهن علي. لا يهم أبداً، وإن حصل فلن يؤثر على قناعاتي ولن يثنيني عن عزمي لأن الواقع على الشبكة العنكبوتية وفي هذا العالم الافتراضي يؤكد أنه ليس هناك امرأة فريسة ورجل مفترس، فكلاهما فريستان ومفترسان وشريكان في مسؤولية الخيانة. وليس من باب المبالغة القول أنني عرفت عن قرب قصص نساء كثيرات رمين شباكهن عن سابق عمد وترصد حول رجال في وقت كن يدعين فيه الفضيلة، كما عرفت قصص رجال فعلن ذات الشيء مع النساء وهم أيضاً كانوا يدعون الفضيلة. أرى أن هناك علاجاً واحداً لكل هذا وهو اتقاء الله بأنفسنا وأزواجنا وأولادنا ومجتمعاتنا وقبل هذه جميعاً اتقاء الله بديننا....أقول لمن تتواصل بالمايك أغلقي المايك فإن بإغلاقه تحفظين شرفك....أغلقي الشات فنحن دخلنا الشبكة العنكبوتية والعالم الافتراضي لكي نكتب ونفعل ما ينفع الناس وننصحهم به لا أن نخوض بالأعرض. وليعلم الجميع أن الزوجة عندما تخون يسلط الله عليها الزوج فيخونها هو الأخر تماماً كما يسلط الزوجة على الزوج عندما يخونها...يبقى أن نفهم أن الدنيا لا تخلو من الاشراف الذين رأيتهم وأراهم بام عيني وصادقتهم وأصادقهم في حياتي الاجتماعية العادية كما على الشبكة العنكبوتية الافتراضية أيضاً....فهم نور مضيء وسط العتمة الحالكة....الحمدلله الذي هداني إلى طريق الفضيلة التي عادة ما أدعو لغيري بها.

تفاصيل مسودة التسوية الناتجة عن المفاوضات السورية-السعودية/ جوزيف أبو فاضل

المخرج القانوني: بيلمار يصدر قراره الظني وفرانسين يضعه في الجارور لدراسته
أميركا رفضت البحث بالغاء المحكمة ووافقت على البحث في القرار الظني
حزب الله يتحفظ على مضض: ضمانات من سليمان وجنبلاط أو تغيير حكومي سريع

يعيش اللبنانيون حاليا في دوامة الانتظار.. دوامة انتظار صدور القرار الظني عن المحقق الدولي القاضي الكندي دانيال بيلمار، ودوامة انتظار نتائج الحوارات السورية السعودية، والمفاوضات التي بدأت جديا في أواخر العام 2007. هذا الانتظار يخلق لدى شعب لبنان المقيم والمغترب حالة من الاحباط والخوف مما ستحمله الأيام المقبلة وهو أمام عدة أسئلة أبرزها:
* هل هم مقبلون على حرب جديدة تدمر ما بنوه خلال عقدين من الزمن أي منذ انتهاء الحرب اللبنانية عام 1990؟!
* أم هل هم على أبواب تسوية كبيرة تفتح لهم أبواب السلام والازدهار والتقدم؟
الجواب هو: حتى الآن تبدو أجواء الحرب واستعداداتها هي التي تحكم عقول اللبنانيين، فتتراجع الأعمال في كافة القطاعات والمهن وتتجمّد الأمور في قوقعة دوامة الانتظار أو "الانتظارين" لسؤالين جديدين:
* ماذا سيحمل القرار الظني الاتهامي الينا؟
* ماذا ستكون نتائج المفاوضات السعودية-السورية التي يعوّل عليها لبنان؟

الموضوع الأول: القرار الاتهامي

في الموضوع الأول حول القرار الظني أو الاتهامي، يبدو أنّ هامش الوقت بدأ يدهم المحقق الدولي دانبال بيلمار بعد مرور نحو ست سنوات على بدء التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في وسط بيروت.
وكذلك يبدو بيلمار الآن مستعجلا في إصدار قراره الاتهامي وإن كان أقل ثقة مما كان عليه قبل بضعة أشهر إذ إنّ العديد من الأدلة التي استند إليها أصبحت الآن واهية وهي تتلاشى ولا يمكن الركون اليها بعدما تبين واضحا له خلال الأيام والساعات الأخيرة إمكانية التلاعب بها، لا سيما في مجال الاتصالات اللاسلكية والخلوية التي كانت إحدى الركائز الأساسية لمسار التحقيق الدولي منذ بداياته.
فـ"الأوتوستراد" الذي فتحه النائب مروان حمادة أمام التحقيق الدولي وفقا لقوله الشهير عندما كان وزيرا للاتصالات تبين اليوم أنه كان مجرد طريق فردية صغيرة غير نافذة وصولا الى زقاق مقفل ولا يوصل إلى أي مكان بل خرب التحقيق الدولي وأصبح الاسرائيلي وعملاؤه يسرحون ويمرحون ويتجسّسون على كل الناس من شبكة الاتصالات الخليوية والثابتة فتحوّلت نعمة الخليوي في لبنان نقمة يتلاعب بها الموساد الاسرائيلي في الداخل اللبناني حتى خارجه.
لكنّ المحقق الدولي دانيال بلمار الذي كان يعوّل ويستند على المعطيات أعلاه والتي تخطتها معطيات وفضحتها ونسفت مقولة الاتصالات أصيب بخيبة أمل حيث أنه لا يستطيع تمديد الوقت والحصول على وقت إضافي للأسباب التي سوف ندلي بها فيما بعد.

تفاصيل الحديث بين كاسيزي وبلمار

أما مكمن الخطورة فهو في الحديث الذي جرى بين رئيس "المحكمة الدولية الخاصة بلبنان" القاضي أنطونيو كاسيزي ورئيس فريق التحقيق الدولي القاضي دانيال بيلمار حيث طالب كاسيزي بيلمار بـ"الاسراع بانجاز عمله وتحديد تواريخ لذلك".
ويتابع كاسيزي أنه "لا يمكن للمحكمة الدولية التي خصصت للبنان الانتظار سنوات أخرى قبل مباشرة عملها، لأنّ مصداقية المحكمة بحدّ ذاتها أصبحت على المحك وأكثر".
أما بيلمار فقد عبّر لكاسيزي عن موافقته على هذا الأمر لكنه عاد ورد قائلا "إني أفضل التأخير على إصدار قرار اتهامي غير مدعّم بالأدلة الموثقة..."
وعندما سأله القاضي كاسيزي "كم تحتاج من الوقت للوصول الى هذه الأدلة؟"، أجاب بيلمار بعدم وجوب الالتزام بتحديد أي وقت لذلك.
إنّ هذا الذي حصل بين كاسيزي وبيلمار وبدا فيه الأول وكأنه "يمالئ" الثاني لاصدار قراره الاتهامي ولو كان على دفعات.
نتيجة هذه الضغوط على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان برئاسة القاضي الايطالي أنطونيو كاسيزي وعضوية كل من القضاة الرؤساء:
* رالف رياشي، قاضي لبناني ونائب رئيس المحكمة
* دايفيد باراغونت، قاضي نيوزيلندي
* كيبك ايريك بيونبرغ، قاضي سويدي
* عفيف شمس الدين، قاضي لبناني
* قاضيان احتياط أحدهما أجنبي والآخر لبناني (وليد عاكوم).
... لا سيما بعدما ردت المحكمة الدولية بهيئتها الاصيلة طلب قاضي الاجراءات التمهيدية القاضي دانيال فرانسين المستأنف من قبل بيلمار، القاضي بتسليم اللواء الركن المتقاعد جميل السيد الأدلة والوثائق من التحقيق الدولي واعتبرت ذاتها أنها هي صاحبة الاختصاص وأمهلت كلا من بيلمار وجميل السيد مهلة عشرين يوما لتقديم طلباتهم أمام قاضي الاجراءات التمهيدية دانيال فرانسين الذي أصبح في هذه الحال الآمر والناهي.
مع الاشارة الى أن السيد الذي قدم طلبه الى فرانسين الذي أحاله بدوره للمدعي العام بيلمار ولم يبق أمام بيلمار ليردّ إلا أيام معدودة تنتهي في 3 كانون الأول 2010 وهو سوف يقدّر في رده هذا خطورة تسليم بعض المستندات والوثائق التي لا تؤثر على مجريات التحقيق الدولي التي هي في جعبة بيلمار الذي في حال استنفد المدة الممنوحة له وفرضاً تبلّغ جميل السيد في 4 كانون الأول عندها يرد في 9 كانون الأول على بيلمار لكن باعطاء الطلب الى فرانسين.
أما فرانسين فربما يصدر قراره فوراً أم لا يصدر قراره إلا مثلاً بعد أن يجري مناظرة بين المدّعي العام دانيال بيلمار وبين جميل السيد وموكله الزميل الأستاذ أكرم عازوري. وإذا أراد فرانسين أن لا يصدر قراره في وقت قريب لا يصدره باعتبار أن قراره أصبح غير قابل للاستئناف أو أي مراجعة من طرق المراجعة. وهناك استحالة أن يصدر فرانسين قراره في شهر كانون الأول المقبل إذا أراد أن يمشي بالملف بطريقة قانونية لأن موقف فرانسين هو مؤشر لافت الى المواقف التي سوف يتخذها مستقبلا.

انقلاب كبير وخطير شبيه بالانقلاب الذي أدى لتوقيف الضباط الأربعة

ومن ضمن طلبات اللواء جميل السيد الكشف عن ملفات شهود الزور وافاداتهم لدى التحقيق الدولي الذين تمّ الاستناد الى اقوالهم بتوصية من ديتليف ميليس لاعتقال الضباط الأربعة.
وكذلك من هي الجهات السياسية والأمنية التي تقف خلف هؤلاء الشهود الزور؟
هذه الأوراق بحد ذاتها تشكّل عناصر إدانة للتحقيق الدولي وتجرّده من النزاهة والحيادية والعدالة وبالتالي تجعل كل ما يصدر عنه موضوع شك.
الأمر الآخر والبارز الذي يعوّل عليه جميل السيد هي الرسالة التي وجّهها رئيس فريق التحقيق الدولي الثاني القاضي البلجيكي سيرج براميرتس الذي طلب بموجبها من النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا الافراج عن الضباط الأربعة اللواء علي الحاج والعميد الركن ريمون عازار والعميد الركن مصطفى حمدان اضافة الى السيد، وعاد رئيس فريق التحقيق الثالث في القضية عينها أي الحالي دانيال بيلمار وأكد على رسالة سلفه الثاني براميرتس ما سيخلق بلبلة لأنّ القضاء اللبناني كان يعلن دوماً أنّ اعتقاله للضباط الأربعة كان استناداً إلى توصية القضاء الدولي ولا علاقة للقضاء اللبناني بتوقيف هؤلاء الضباط.
من هنا يعوّل السيد في حال حصوله على الرسالة بنسف الوضع برمته، ما سيحدث انقلاباً كبيراً وخطيراً شبيهاً بالانقلاب الذي أدى إلى دخول السيّد والضباط الآخرين إلى السجن.

المخرج القضائي القانوني المؤقت

وعليه، يبدو أنّ المخرج القضائي القانوني سيكون على الشكل التالي:
عند صدور القرار الظني الاتهامي عن المحقق الدولي دانيال بيلمار، لن يُعلَن عنه وسينكبّ قاضي الاجراءات التمهيدية دانيال فرنسين على الدراسة والتثبت من الأدلة والوقائع والمستندات المقدّمة وهذا الأمر هو من حق فرانسين بحيث سيستغرق وقتاً ليس بقليل لانهائه.
وبالتالي ففي حال أنجز بيلمار تقريره في النصف الثاني من شهر كانون الأول 2010 وأحاله الى قاضي الاجراءات التمهيدية دانيال فرانسين فإن (القرار الظني لا يصدر وفق نظام المحكمة الدولية) ويُعتدّ به قرارا موجودا إلا في حال موافقة فرانسين عليه وهي كما أسلفنا موافقة لن تحصل فوراً.
لذا، لن يكون هناك قرار اتهامي نهائي في شهر كانون الأول 2010.
كذلك، لا يمكن أن ننفي احتمال إقدام القاضي فرانسين على رفض القرار بمجمله والطلب من بيلمار الاستمرار بالتحقيق أو إعادة التحقيق من أوله وتقديم قرائن جديدة وموثقة أو الأخذ ببعض من هذا القرار ورفض قسم أخر منه للتحقيق مجدداً.
عند هذا الأمر، يصبح خوف اللبنانيين من صدور القرار الاتهامي في شهر كانون الأول 2010 غير مبرّر إطلاقاً ويصبحون بذلك كأنهم ينتظرون شيئاً لن يحصل إلا بعد أشهر أو سنة أو سنوات أو أكثر ربما.
هذا على الصعيد القضائي والقانوني للمخرج المشرّف.

مسودة نتيجة الحوار السوري-السعودي

في الموضوع الثاني أي الحوارات والمفاوضات السورية-السعودية يتبيّن التالي:
إنّ هذه المفاوضات التي تُكشف لأول مرة تنطلق من ركيزة أساسية تتجاوز ما يُروى في الاعلام عن طلب الحكومة اللبنانية إلغاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.
أو عملية سحب القضاة اللبنانيين من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.
أو وقف تمويل المحكمة من الجانب اللبناني مع الاشارة الى ان نظام المحكمة الصادر عن قرار مجلس الامن الدولي يلزم لبنان بتحمل نسبة 49% من نفقاتها وقد بلغ إجمالي ما دفعه لبنان حتى اليوم عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان 79 مليار ليرة يضاف اليها 16 مليار ليرة لبنانية نفقات التحقيق الدولي منذ بداياته في العام 2005 أي منذ "تشريف" رئيس لجنة تقصي الحقائق الدولية بيتر فيتزجيرالد، ثم ديتليف ميليس وفريقه، وسيرج براميرتس وفريقه، وصولا حتى دانيال بلمار وفريقه اليوم.

المفاجأة والتصميم والتسوية للمفاوضات السورية-السعودية

إنّ المحكمة الدولية الخاصة بلبنان كانت قد سبّبت مشكلة طيّرت المفاوضات السورية السعودية التي كانت قد بدأت في العام 2007 بين رئيس جهاز المخابرات السورية اللواء الركن علي مملوك وبين رئيس جهاز المخابرات السعودية الامير مقرن عبد العزيز آل سعود بحيث رفضت بداية المملكة العربية السعودية التي تدعمها سوريا بكل الصعد دعما حقيقياً وملموساً للقضاء وإلقاء القبض وفضح شبكات القاعدة لا سيما شبكة الـ44 السعودية وشبكة الـ85 السعودية التابعة لأسامة بن لادن مباشرة وغيرهما من الشبكات الارهابية التي تضرب في المملكة العربية السعودية رفضت بشخص خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود البحث مع الرئيس السوري بشار الأسد في قضية المحكمة الدولية والوصول الى تسوية كي لا تقع الحرب مجدداً في لبنان ويُترك الحبل على غاربه.
لكنّه عاد وتبيّن أنّ الأميركيين غير راضين عن التقارب السوري السعودي لجهة إلغاء المحكمة بل كان الأميركيون يباركون التقارب السوري السعودي لفك التحالف مستقبلا بين سوريا وإيران، في حين أنّ الرئيس الأسد الذي استطاع أن يمسك باللعبة السياسية ويحوّل سوريا الى محور أساسي في المنطقة استشفّ هذا الأمر وأصبح الحديث السوري السعودي لا يتكلم عن تطيير المحكمة كي لا يقع الخلاف السعودي مع اميركا المتمسكة بالمحكمة والتي وافقت على البحث في القرار الظني الاتهامي.
إذاً، المحكمة في المفاوضات السورية-السعودية غابت مع إصرار أميركا على بقائها وتركّزت المفاوضات حول القرار الاتهامي الظني بحدّ ذاته.

المخرج السياسي قبيل وأثناء صدور القرار الظني

عند صدور القرار الظني الاتهامي في أي وقت من الأوقات سواء في 15 كانون الأول 2010 أم قبل ذلك أم بعد ذلك وكان يحمل شكوكاً أو تلميحاً إلى احتمال ضلوع عناصر من حزب الله في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فإنّ الاتفاق توصل إلى ما يلي:
* تجتمع الحكومة اللبنانية فورا برئاسة الرئيس ميشال سليمان وتعلن تحفظها على هذا القرار بداية،
* تصدر الحكومة اللبنانية نداء إلى اللبنانيين لانتظار نتائج حكم المحكمة الدولية النهائي والأخير والقطعي (والجدير ذكره أن الحكم لن يصدر إلا بعد فترة تتراوح أقله بين 3 إلى 5 سنوات).
وهنا تجدر الاشارة الى أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري كان قد طلب من رئيس الجمهورية ميشال سليمان التحرك الايجابي والاتصال برئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون اليوم قبل الغد كي لا يزيد الشرخ بين عون وسليمان ويبدو أن الرئيس بري الذي هو حليف حليف عون يقوم بهذه المهمة على طريقة مرغم أخاك لا بطل.
وكذلك يصرّح الرئيس بري لرأب الصدع انه لا يمكن أن لا تجتمع طاولة الحوار ما يجعل التقارب بين الرئيس سليمان والجنرال عون أمرا محتما بعد أن قاطع عون وحلفاؤه جلسة الحوار الأخيرة.
وإذا عدنا إلى أمر القرار الظني، فإنّ المفاوضات السورية-السعودية التي توصّلت إلى هذا المخرج "لا تلغي المحكمة الدولية الخاصة بلبنان" بل هدفها تعطيل المفاعيل الآنية للقرار الاتهامي وتأجيلها الى عمل المحكمة في درجتيها الاولى - البداية والثانية - الاستئناف.
إنّ هذه التسوية التي تُنجَز قد أصبحت شبه نهائية ولا ينقصها سوى توقيع الفريقين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس الدكتور بشار الأسد، وهي النسخة المنقّحة التي لا تصطدم بمعارضة أميركية أو فرنسية لأنها لا تلغي المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي لا تزال الولايات المتحدة الأميركية تتمسك بها وتعتبر وجودها إحدى أبرز وسائل الضغط على كل من سوريا وايران وحزب الله والحلفاء وكذلك الفصائل الفلسطينية كحركة حماس والجهاد الاسلامي والجبهة الشعبية والفصائل الأخرى، وهي متمسكة بالمحكمة للمفاوضات التي تدور حالياً مع إسرائيل أو التي ستنطلق مجدداً في المستقبل.
فالأهداف والغايات التي وُجِدت من أجلها المحكمة لم تُنجَز حتى اليوم ولا تزال هذه المحكمة حاجة وضرورة أميركية في منطقتي الشرق الاوسط والادنى.
وما التصريحات اليومية المحلية والعربية لدول الاعتدال والأجنبية الداعمة للمحكمة الدولية وليس للقرار الظني في الأيام الأخيرة إلا موافقة على هذه التسوية بحيث "زيّنها" الرئيس الأميركي باراك حسين أوباما في ظلّ التوتر القائم بسببها حيث نشر في اليوم التالي لعيد الاستقلال اللبناني رسالة تهنئة عبّر خلالها عن عزمه القيام بكل ما يمكنه كي يكون لبنان خاليا من الارهاب ومن التدخل الخارجي وبمنأى عن الحروب ليصل ويؤكد "دعمه للمحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري وأنه مستمر في دعم المحكمة الخاصة بلبنان التي ستضع حداً لعهد من الاغتيالات السياسية التي ترتكب من دون عقاب".
وكذلك هذا الذي جعل السفير جيفري فيلتمان وهو الموظف في درجة ثانية او ثالثة لكن لاكبر دولة في العالم ان يخرق عطلة يوم الاحد لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وكذلك رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط ويقتحم منزليهما خارقا كل البروتوكولات المتعلقة بالدبلوماسية ليبلغهما موقف الولايات المتحدة الاميركية وربما المملكة العربية السعودية من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.

حزب الله والضمانات والشروط

من جهة أخرى، فإنّ حزب الله المعني الأساسي بهذه التسوية قد أبدى تحفظه عليها وطالب بضمانات والتزامات محددة تقدّم من خلال الحكومة اللبنانية التي لا يعارض سماحة السيد حسن نصرالله أمين عام حزب الله استمرار النائب سعد الحريري في رئاستها.
لكنّ هذه الضمانات والالتزامات تجاه حزب الله الذي قبل على مضض وهو الذي يمثل المقاومة التي كسرت الجيش الاسرائيلي ممثلة بأمرين لا ثالث لهما:
* الأمر الأول: إما التزام رئيس الجمهورية ميشال سليمان بتصويت الوزراء المحسوبين عليه الى جانب وزراء حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر وتيار المردة وحلفائهم في الموقف الذي يريدونه من القرار الظني الصادر عن بيلمار في حال اتهم عناصر من حزب الله
* الأمر الثاني: إما اجراء تعديل حكومي سريع وقبل صدور القرار الظني يسمح بتعديل موازين القوى داخل الحكومة عن طريق زيادة حصة المعارضة لضمان حصولها على الاكثرية اي الثلثين داخل مجلس الوزراء.
هذا في حال صدق رئيس "اللقاء الديمقراطي" بوعوده التي قطعها للواء الركن محمد ناصيف معاون نائب رئيس الجمهورية السورية وتعهّد تعهّداً فعلياً بوقوف وزرائه الى جانب وزراء المعارضة.
إنّ حزب الله وسماحة السيد حسن نصرالله شخصياً يعتبر التسوية السورية-السعودية محكومة بالفشل من دون هذه الضمانات.

إنّ عدم الاستمرار بهذه التسوية ينعكس سلباً على الوضع اللبناني برمته وتصبح مخاوف اللبنانيين مبرّرة ألف مرة، حيث أنّ فشل الحوار السوري السعودي سيفتح أبواب الجحيم على لبنان وهنا قد يصبح حال اللبنانيين كحالهم عند بدايات العام 1975، لا بل أسوأ.
فهل ينجح المسؤولون اللبنانيون في تقديم مصالح الوطن على مصالحهم وتجنيبنا كشعب لبناني ان يشرب هذه الكأس المرّة؟
أم أنهم سينزلقون بإرادتهم أو بإرادة البعض منهم إلى حرب مدمّرة جديدة تأكل الأخضر واليابس والبشر والحجر؟!
فهل من يعتبر ويتّعظ؟
وللبحث تتمّة...

كاتب ومحلل سياسي ومحام

المحكمة الدولية ومواقف الذمية/ الياس بجاني

تكمن لعنة لبنان بطاقم سياسي عفن وانتهازي ومتلون أمتهن عن سابق تصور وتصميم عاهتي الذمية والتقية، وهو كالسرطان القاتل متفشي بين كل الشرائح والأحزاب اللبنانية وبشكل لافت وصادم في تجمعي 8 و14 آذار. إنه طاقم نرسيسي ووصولي و"مصلحجي" بامتياز أولوياته تتمحور في أطر مصالحه ومنافعه الذاتية التي على أساسها دون خجل أو وجل يُغيّر ويُبدّل بوصلة مواقفه وتحالفاته وخطابه بعيداً عن القيم والمبادئ والثوابت، ولنا في "تكويعات" وحربائية وبهلوانية كل من النائبين وليد جنبلاط وميشال عون خير مثال لا يجب مطلقاً الاحتذاء به تحت أي ظرف!!

في هذا السياق "الأكروباتي" المهين تندرج رزم تصريحات بعض قادة وسياسيي ونواب جماعة 14 آذار فيما يخص مواقفهم من القرار الإتهامي للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان. فهؤلاء الجهابذة يتبجحون في كل مرة "يستفرغون" التصريحات بمناسبة وبدون مناسبة قائلين: "ليطمئن حزب الله فنحن سوف ننتظر صدور القرار الإتهمامي وعندها نحدد موقفنا منه، وبالتأكيد لن نقبله إن لم يكن موثقاً ومسنداً بإثباتات دامغة ولن نرضى أبداً أن يستهدف سلاح المقاومة".

كلام الجماعة هذا هو الكذب بعينه، كما أنه معيب وذمي بامتياز ويبين دون لبس كم هؤلاء السادة هم جبناء وقناصو فرص. للأسف هذا الكم من الهراء والخبط والتخبط والتلون هو خطاب ببغائي يردده بشكل يومي وممل بعض الضعفاء والمترددين في 14 آذار، وذلك على خلفية المثل اللبناني القائل: "إجر بالفلاحة وإجر بالبور". ففي حساباتهم السياسية المصلحية والشخصية وفي عقولهم المرّيضة هم يحاولون بخبث من خلال هذه المواقف المترجرجة إبقاء خطوط انتقالهم من قاطع إلى آخر مفتوحة.

فمن يكون هذا أو ذالك من ربع ضعفاء النفوس وقليلي الإيمان ليشترط على المحكمة الدولية التقيد بقرارها الإتهمامي بما يحافظ على مصالحه الخاصة؟ هذه المواقف الزئبقية تنضح بغباء أصحابها كما أنها تهين وتستغبي عقول وذكاء اللبنانيين.

هذه التردد في المواقف يستمد مفاهيمه من ثقافة تغيير الطرابيش والجاكتات واحتراف الكذب. إنها مواقف رمادية تجرد أصحابها من كل أشكال الثقة والمصداقية والجدية، وقد قال الإمام علي في أمثالهم: "الكذّاب والميت سواء، لأن فضيلة الميت الثقةُ به، فإذا لم يوثَقْ بكلامه فقد بطلتْ حياتُه."

حبذا لو يتم تثقيف بعض قادة 14 آذار ليتوقفوا عن هذا الكلام المعيب والسخيف والمقزز لأن المحكمة الدولية حيادية وصادقة وجديرة بالثقة وليس بمستطاع أي سياسي لبناني أو غير لبناني أن يقارنها أو يشبهها بالمحاكم العربية واللبنانية لا سمح الله. على هؤلاء السياسيين المترددين والخائفين والوصوليين أن يقولوا بالفم الملآن وعلناً بأنهم ملتزمون دون تحفظ بكل ما يصدر عن المحكمة وما على الذين تطاولهم الإتهامات أكانوا من حزب الله أو تابعين للنظام السوري إلا مقارعتها قضائياً والدفاع عن أنفسهم بالحجج والإثباتات تحت مظلة القانون.

ما يجب أن يعرفه جيداً كل شبيبة الطرابيش والجاكتات في 14 آذار ومعهم ربع هز الأصابع والعنتريات الفارغة والإرهابية في 8 آذار إن القضاء الدولي لا يشبه أبداً القضاء العضومي السيء الذكر الذي عانى اللبنانيون السياديون والشرفاء من ويلاته وتجنياته وكفره وفبركاته طوال حقبة الاحتلال السوري البغيض، كما أنه قضاء عادل بعيد كل البعد عن قضاء نزار خليل السائد في المحكمة العسكرية التي أفرجت عن عمر بكري بأسلوب مسرحي في أول جلسة لها وهو المحكوم غيابياً بعقوبة السجن المؤبد، في حين أنها محكمة لم تترك جنوبي واحد وشريف حر وأحد من أهلنا اللاجئين في إسرائيل والمهجرين قصراً إلى أصقاع الدنيا الأربعة إلا وتناولته بحكم غيابي ظالم ومفبرك.

يبقى أن كل "بهورات" وتهديدات وسيناريوهات حزب الله العسكرية بما يخص المحكمة الدولية هي مجرد قنابل دخانية وصوتية ليس بمقدوره أن ينفذ أي منها وغزوة 7 أيار الجاهلية لن تتكرر تحت أي ظرف، ونقطة على السطر.

مع اقتراب صدور القرار الظني: إتهامات جاهزة ومفبركة ولجان مسيسة/ راسم عبيدات


القرار الظني بشأن قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري متوقع صدوره عن المحكمة الدولية قريباً،ومن التسريبات الإعلامية الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية الغربية للصحافة،فإن الاتهام بالاغتيال سيطال حزب الله وسوريا وحتى الرئيس الأسد شخصياً،بعدما كانت الشكوك تتجه بأن الاتهام سيقتصر فقط على حزب الله،ويبدو أن عدم نجاح الدبلوماسية الأمريكية والأوروبية الغربية في تطويع الموقف والقيادة السورية من قضايا المقاومة الفلسطينية واللبنانية والعلاقة والتحالف مع إيران،دفعت نحو إشتمال القرار الظني على اتهام لسوريا في عملية الاغتيال،فعلى سبيل المثال لا الحصر فقد نشر الكاتب فرانكلين لامب بتاريخ 26/11/2010 تقريراً على موقع "فورين بوليسي جورنال"يشمل كلاماً منقولاً عن مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشرق الأدنى جيفري فيلتمان موجهاً إلى السفيرة الأمريكية في لبنان مورا كونلي يتحدث فيه عن تمزيق "حزب الله"وتقديم رأسه كهدية الميلاد للبنان،موظف آخر في المكتب نفسه في بريد الكتروني أرسله يقول"ألا ترى، أن المحكمة الدولية هي الأداة القانونية الدولية المثالية لتدمير"حزب الله"،وتحقيق تغير النظام في سوريا،وخلق صراعات مذهبية مميتة في كل مكان،والتسبب في حرب أهلية في لبنان والإطاحة بالنظام في إيران.

مثل هذا النفس التحريضي الحاقد والاستهداف للمقاومة اللبنانية وعلى رأسها حزب الله،هو الذي دفع بسماحة الشيخ حسن نصر الله في أكثر من خطاب وكلمة للقول مؤخراً،بأنه آن الأوان لإنهاء استباحة لبنان بشراً وجغرافيا ومؤسسات،وان اليد التي ستمتد لاعتقال مجاهدي وقيادة المقاومة ستقطع، ولعل طفحان الكيل ووصول الأمور إلى حد لا يطاق ولا يحتمل ببلوغ الاستباحة أعراض وكرامات اللبنانيين واللبنانيات من قبل ما يسمى لجان التحقيق الدولية "لجان الجواسيس " في قضية اغتيال الشهيد الحريري،وهذه اللجان تذكرنا بلجان التحقيق الدولية "لجان الجواسيس" التي كانت تحقق في إدعاء امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل،حيث كان واضحاً من عمليات التفتيش تلك والتي وصلت حد تفتيش قصور وبيوت وممتلكات وحتى مخادع القادة والمواطنين العراقيين أن الهدف منها ليس البحث عن أسلحة الدمار الشامل،بل إذلال العراقيين واستباحة أعراضهم وكراماتهم،وهي لجان مسيسة مئة بالمئة، وتهدف لدفع القيادة العراقية لوقف مهمات لجان التفتيش " لجان الجواسيس" لكي يصلوا إلى المبرر الذي يريدونه،وهو غزو العراق واحتلاله وتدمير قدراته العسكرية ومنجزاته العلمية والتكنولوجية ونهب خيراته وثرواته وتجزئته وتقسيمه،وقبل أن تتضح الحقائق بعد غزو العراق واحتلاله بعدم امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل،اعترف واحد من أهم أعضاء لجان التفتيش تلك سكوت ريتر وهو أمريكي الجنسية بأن الهدف من لجان التفتيش تلك ذات المهام والطابع التجسسي والاستخباري والسياسي،هو تدمير العراق واحتلاله وبغض النظر عن نتائج التحقيق وبمعزل عن المؤسسات الدولية،كما أن التفتيش هدف إلى عزل سوريا وتشديد الحصار والخناق عليها،واليوم واضح ما هو الهدف من لجنة التحقيق التي يترأسها القاضي الدولي"دانيال بلمار"،ومن قبله الجاسوس ديتلف مليس في قضية اغتيال الشهيد الحريري،حيث وجهت لجنة التحقيق أصابع الاتهام وبناء على قرار أمريكي- إسرائيلي- أوروبي غربي إلى سوريا لمعاقبتها على مواقفها المعارضة والرافضة للمواقف والسياسة الأمريكية في المنطقة،وتم فبركة شهادات الزور واعتقل قادة الأجهزة الأمنية اللبنانية الأربعة على تلك الخلفية،ولكن كل ذلك لم يرهب او يخيف القيادة السورية والتي تعاملت مع الموضوع بذكاء وحنكة عالية وأفشلت مخطط الجاسوس ميلتس والإدارة الأمريكية،ولكن الإدارة الأمريكية ومعها بعض الأطراف العربية واللبنانية،وعلى ضوء التطورات الحاصلة على الساحة اللبنانية تحاول توجيه الاتهام باغتيال الشهيد الحريري إلى حزب الله اللبناني،وتوريط سوريا أيضاً بذلك عقاباً لها على مواقفها ودعمها لحزب الله،والاستهداف السياسي هنا واضح وهو ليس استهداف للمقاومة اللبنانية وعلى رأسها حزب الله،بل استهداف للبنان وموقعه في الخارطة العربية والإقليمية، لبنان مقاوم او غير مقاوم؟،لبنان تحت السيطرة والهيمنة والنفوذ الأمريكي أو خارجها؟.

ومن هنا نجد أن عمليات التحقيق الجارية،والتي في أغلبها وطابعها الاستفزازي،تستهدف دفع حزب الله والمقاومة اللبنانية إلى رفض استمرار التعاطي مع لجان"الجواسيس" تلك،لكي تجد المبرر لها في إصدار قرارها الظني بتوجيه الاتهام في قضية اغتيال الشهيد الحريري إلى حزب الله،ومن ثم القيام بعمل عسكري إسرائيلي- أمريكي- وبصمت رسمي عربي مريب ضد حزب الله لنزع سلاحه بالقوة،أو لربما استصدار قرار من مجلس الأمن تحت البند السابع،إما أن يسلم حزب الله كل من يرد اسمه من عناصره في القرار الظني أو يحاصر لبنان لحين تسليم تلك العناصر،واستمرار الرفض معناه اللجوء للخيار العسكري،وبما يضمن هيمنة مطلقة أمريكية على لبنان،وتوفير الحماية والأمن لإسرائيل وبقائها كقوة إقليمية وحيدة في المنطقة تذل من تشاء وتعز من تشاء "لا عزة لأحد هنا" من دول النظام الرسمي العربي وتستبيح أرضها ليل نهار.

فالشيخ حسن نصر الله كان واضحاً عندما أكد على أن ما تطلبه لجان التحقيق الدولية"لجان الجواسيس" أبعد وأكبر وأوسع بكثير من قضية اغتيال الشهيد الحريري،فهي تدخل في صلب استباحة أرض لبنان والتعدي على سيادته وأعراض وكرامة مواطنيه،وهناك أشياء مريبة وخبيثة في هذا الجانب تتشارك وتتعاون فيها أطراف دولية وعربية ولبنانية من أجل استصدار قرار ظني بتوجيه الاتهام في قضية اغتيال الحريري إلى حزب الله،مع توريط سوريا بذلك،بل وأبعد من ذلك ما يرشح من تسريبات ربما القرار الظني والاتهام يطال رأس هرم القيادة السورية،أي الرئيس السوري شخصياً.

فالأشياء التي تطلبها تلك اللجان تخرج عن نطاق حدود صلاحية وحاجة لجان التحقيق،مثل ملفات طلبة الجامعات اللبنانية من عام 2003 ولغاية عام 2006 بالإضافة إلى كل الداتا والاتصالات والرسائل الصوتية على الهواتف الخلوية من 2003 ولغاية اليوم،وكذلك البصمات على جوازات السفر وقاعدة بيانات"ال دي أن أيه"وقاعدة البيانات الجغرافية وقاعدة بيانات المعلومات الجغرافية أل " جي أي سي"، أي كل ما له علاقة بالجغرافيا من الحدود إلى الحدود وبما تشكله من وديان وجبال وكذلك لوائح مشتركي شركة الكهرباء،باختصار لم يتركوا أي قطاع في لبنان إلا وطلبوا معلومات عنه.

كل هذا تحمله الحزب حتى لا يكون مبرراً لاتهام حزب الله بعرقلة عمل لجان التحقيق ومراعاة لمصلحة لبنان ولعائلة الشهيد الحريري،ولكن وصلت الأمور إلى حد لا يمكن احتماله أو السكوت عليه تحت أي اعتبار سياسي داخلي أو خارجي أو كرامة لفلان أو علان،وهو الدخول إلى الملفات الطبية السرية لزوجات وبنات وأخوات اللبنانيين،وبما يشكل تعدي سافر ووقح على الأعراض والشرف وحتى مهنة الطب نفسها ولا يمكن لأي عاقل أن يقبل به،فما حدث مع الطبيبة النسائية ايمان شرارة في الضاحية الجنوبية من قبل ما يسمى بلجان التحقيق"لجان الجواسيس" هو عمل وقح وسافر لا يمكن القبول به بالمطلق وله أغراض وأهداف خبثية ومشبوهة،فما حاجة لجان التحقيق "لجان الجواسيس" إلى الملفات الطبية للنساء اللواتي ترددن على عيادة الدكتورة ايمان شرارة من 2003 ولغاية الان؟، سوى المس بأعراض اللبنانيين وكراماتهم،وخصوصاً أن كل ما تحصل عليه تلك اللجان من معلومات يصل مباشرة إلى إسرائيل وأمريكا،وأيضاً ما هو بحاجة إلى تفسير ويضع ألف علامة استفهام على دور القضاء اللبناني الذي استعاد نشاطه وحيويته فجأة بفتح تحقيق في حادثة الضاحية الجنوبية" حادثة عيادة الدكتورة ايمان شراره" حيث منعت نساء لبنانيات ماجدات لجنة التحقيق" لجنة الجواسيس" من الاطلاع على الأسرار الطبية لأكثر من سبعة ألآلاف سيدة وفتاة لبنانية،في الوقت الذي لم يحرك هذا القضاء ساكناً لأكثر من أربعة سنوات في قضية شهود الزور؟.

إن كل هذه الاستباحة الأمنية الحاصلة في لبنان تحت ذريعة التحقيق الدولي ما كان لها أن تصل الى ما وصلت إليه لولا التعاون من قبل فريق لبناني،وهذه الاستباحة ستزداد تغولاً وتوحشاً في المستقبل القريب،إذا ما استمر البعض في الداخل اللبناني يتعاون معها.

وواضح جداً حجم الضغوط الهائلة التي تتعرض لها لجان التحقيق الدولية" لجان الجواسيس" من قبل الإدارة الأمريكية لإصدار قرارها الظني بتوجيه الاتهام إلى حزب الله وسوريا مجدداً في قضية اغتيال الشهيد الحريري بأٍسرع ما يمكن،وخصوصاً أن التقرير الظني قد كتب ونشر في وسائل الإعلام الغربية منذ عام 2008،وكل الذي يجري من تحقيقات والحصول على المزيد من المعلومات،ليس سوى في إطار "الفبركات" وتوفير الغطاء للاتهام والعدوان على المقاومة وحزب الله وسوريا.

لذلك وكما قال سماحة الشيخ حسن نصر الله يتوجب على كل اللبنانيين على اختلاف مواقعهم عدم التعاطي بالمطلق مع لجان التحقيق الدولية "لجان الجواسيس" ومقاطعتها،والإدارة الأمريكية التي تدين بأشد عبارات الإدانة ما جرى في حادثة الضاحية الجنوبية،تصمت وتعمى كلياً عن كل جرائم الاحتلال الإسرائيلي وعصابات مستوطنيه بحق شعبنا الفلسطيني كما حدث في مدينتي ام الفحم والقدس مؤخراً،ليس فقط بعربدات وزعرنات المستوطنين وقتل الفلسطينيين بدم بارد،بل بقيام رئيس الحكومة الإسرائيلية المتطرفة نتنياهو بالمصادقة على قانون الاستفتاء الشعبي والذي ينص على أن أي تسوية تشتمل على انسحاب من القدس والجولان المحتلين تتطلب موافقة 61 عضو كنيست ثم يجري عرضها على الاستفتاء الشعبي للقبول أو الرفض،وكذلك التخطيط لإقرار قانون أخر يعتبر القدس عاصمة لكل يهود العالم وليس إسرائيل فقط في تحد وخروج سافرين على القانون والشرعية الدوليتين،فهذه الإدارة هي من يوفر الغطاء للاحتلال الإسرائيلي في كل جرائمه التي يرتكبها بحق شعبنا الفلسطيني،وهي التي تدفع الأوضاع في لبنان نحو الانفجار،من أجل إيجاد الحجج والذرائع لها ولإسرائيل من اجل شن العدوان على لبنان والمقاومة،وخصوصاً ما نسمعه من تصريحات إسرائيلية يومية تقرع طبول الحرب،وهي لا تريد للبنان الوحدة والاستقرار أو التغريد خارج السرب الأمريكي،ولكن نحن على ثقة تامة بأن اللبنانيين بكل ألوان طيفهم السياسي وطوائفهم،يدركون حجم المؤامرة التي يتعرض لها لبنان،وأيضاً نحن على ثقة بأن المقاومة ستعزز دورها وحضورها لبنانياً وعربياً وسيتقلص النفوذ والدور الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة.

رأي الفلسطينيين في الملف الأمني/ د. مصطفى يوسف اللداوي


لعل الملف الأمني هو العقبة الكأداء التي تعترض سبيل الحوار الوطني الفلسطيني، وتحول دون توصل الفرقاء الفلسطينيين إلى صيغة تفاهم مشتركة، وتضيع أي فرصة للتفاهم واللقاء، وتعقد أي مقترح يحاول أن يتجاوز الصعاب والعقبات، وتنسف أي جهودٍ للوساطة أو التقريب بين وجهات النظر المختلفة، وتجعل من التفاهم واللقاء حلماً بعيد المنال، مالم يتم تسوية الخلافات الأمنية القائمة بين الفريقين، كما تجعل من الاتفاق والمصالحة وهماً وسراباً عندما يشاع عن قرب التوصل إلى إتفاق بين الفريقين، لأن الملف الأمني يتكفل في العادة بإعادة خلط الأوراق من جديد، ونسف الجهود التي بذلت، وشطب التفاهمات التي تم التوصل إليها، وإعادة عجلات العربة إلى الوراء، ليعود اليأس فيسكن قلوب الفلسطينيين، وتغيب الفرحة التي كانت تجاهد لترتسم على شفاه المعذبين، بعد طول انتظارٍ، لسنواتٍ قد امتدت، وتركت آثارها على مختلف جوانب الحياة الفلسطينية.

وليس غريباً أن يكون الملف الأمني هو حجر الزاوية في الحوار الوطني الفلسطيني، والأساس الذي يبنى عليه التفاهم الفلسطيني، والقاعدة التي يحتكم إليها المتحاورون في مواصلة الحوار، وعقد اللقاءات، والاتفاق على المواعيد، وتحديد جدول الأعمال، والحكم في نهاية المطاف على نتائج الحوار، فالملف الأمني هو الأساس في ضبط العلاقة بين الفلسطينيين أنفسهم، وهو الملف الذي يمنح الأطراف قوة، ويميزهم عن بعضهم البعض، فالذي يملك القرار الأمني، يملك ناصية القوة على الأرض، ويفرض شروطه على الفرقاء، ويحدد بنفسه المسارات والسياسات، وهو الذي يملك قرار السجن والاعتقال، وقرار الحرية والإفراج، وهو الذي يتحكم في المعلومات ومصادرها، ومدى سريتها وأهميتها، وهو الذي يتحكم في حريات المواطنين الشخصية، فيراقب من شاء، ويسجل ويدون على من شاء، ويحتفظ في أرشيفه الأمني بصورٍ وتسجيلات، لمسلكياتٍ وممارسات، يرى فيها مخالفاتٍ وتجاوزات، ليعود ويستخدمها ضد المواطنين، كنقاط ضعفٍ، فيمارس عليهم ضغوطاً غير أخلاقية، ليتعاملوا معه كعملاء، ويتعاونوا معه كعيون، لجهة تقديم المعلومات، بل والمبادرة إلى جمع المعلومات عن الفرقاء والخصوم والأصدقاء والحلفاء معاً، في ممارسةٍ دنيئة أشبه ما تكون بممارسات الاحتلال، وسلوكيات أجهزته الأمنية، التي نجحت في الإيقاع بعشرات الفلسطينيين في أوحال العمالة والجاسوسية.

فالذي يملك الملف الأمني، ويدير دفة الأمن في مناطق السلطة الفلسطينية، هو السجان والمحقق والقاضي، وهو الشرطي ورجل الأمن في الشارع، وهو الذي يملك الحق في التوظيف والإقالة، وهو الذي يملك أمر المساعدة والحرمان، وهو الذي يقرر السماح للمرضى بالعلاج، والمحتجزين بالسفر، وهو الذي يطلب فتح البوابات المغلقة، والحدود الموصدة، والذي يملك السلطة الأمنية هو الذي يدير العملية التعليمية، ويضع المناهج والدراسات، ويوجه الأساتذة والمعلمين، ويعاقب المخالفين والمعترضين، ويفصل المعارضين والخصوم من المنتمين إلى تياراتٍ أخرى، وفصائل معارضة، وهو الذي يملك نواصي التجارة، ويسيطر على حركة رأس المال، ويفرض الضرائب، ويجبي من المواطنين الرسوم والدمغات ومختلف أنواع الدفعات المالية، وهو الذي يصدر موافقات الاستيراد، وأذونات التصدير، وسدنة الملف الأمني هم الذين يمتلكون وحدهم الاحتكارات دون غيرهم، وهم الذين يحددون أسهم المستفيدين، ونصيب الساكتين والصامتين، وحصص الحاكمين وأصحاب القرار، وأنواع السلع المحتكرة.

سدنة الملف الأمني هم المنسقون الأمنيون مع الاحتلال، هم الذين يمارسون جريمة التخابر مع العدو دون أن توجه إليهم تهمة الجاسوسية والعمالة، ودون أن يكونوا عرضة للمساءلة أو المحاكمة، وهم الذين يوشون بالمقاومين، ويبلغون عن المطلوبين، ويساعدون أجهزة العدو الأمنية في ملاحقة المطلوبين، لاعتقالهم أو قتلهم سواء، وهم الذين يشتركون مع جيش العدو في دوراتٍ أمنية، لكسب المزيد من الخبرة في التضييق على الشعب، والنيل من نشطاءه، وهم الذين يتباهون بالتقاط الصور مع قادة أجهزة العدو الإسرائيلي الأمنية، دون أن تظهر على ملامحهم ووجوههم أمارات الكره للعدو، أو الغيظ منه، وإنما البسمة تعلو شفاههم وهم يتبادلون معهم أطراف الحديث، أو يتناولون معهم الطعام والشراب، في جلساتٍ حميمية، ولقاءاتٍ ودودة، وكأن جليسهم لا يرتكب جريمة القتل المتعمد ضد شعبهم ووطنهم وقضيتهم.

المستفيدون من الامتيازات الأمنية قلة من الفلسطينيين، وهم الطبقة الحاكمة المسيطرة، حكومية وحزبية، رسمية وفصائلية، وهم وحدهم الذين يفاوضون ويحاورون، ويقترحون الحلول والمخارج، ويجترحون الأفكار والأراء، ويضعون التصورات والمقترحات والرؤى، وبعضهم لا يعرف عن الملف الأمني سوى امتيازاته، ولا يعرف عن أصول الملف الأمني إلا أركان منافعه الشخصية، وضمان مصالحه، واستمرار إدراره للمال في جيوبه وأرقام حساباته المالية، فكلهم في سباقٍ محمومٍ لكسب المزيد، ونيل الجديد، دون مراعاةٍ لحاجة المواطنين، وطموحات أبناء الشعب الذي يتبارون في حكمه، ويتنافسون في سجنه، ويتصارعون في السيطرة على مصالحه وخيراته وأرزاقه وقوت نساءه وحليب أطفاله، والسيطرة على المعونات الدولية، والمساعدات الخيرية، ووضع اليد على أموال الدعم، أو توظيفها في دائرة الكسب الحزبي، ونيل التأييد السياسي.

لا أحد يسأل العامة عن رأيهم في الأمن، مفهومه وعقيدته ودوره ومكوناته، ومهامه وواجباته، وعن الآراء الممكنة لتحسين دوره، وإبعاده عن دور العمالة والتعاون مع العدو الإسرائيلي، فعامة الفلسطينيين لا يأبه بهم أحد، ولا يسألهم عن رأيهم أحد، رغم أنهم هم وحدهم المتضررين من الأمن، وهم وحدهم السجناء والمعتقلين، وهم وحدهم المحرومين من السفر والتعليم، والمحرومين من الوظيفة والراتب، والممنوعين من المساعدة والاغاثة، فرغم أنهم أصحاب الحق الحصري في تقرير ماهية المفهوم الأمني، لجهة النظرية والممارسة، إلا أن أحداً لا يسألهم، ولا يعبأ بموقفهم، رغم أنه الموقف الأنظف والأطهر والأصدق، والأكثر نقاءاً ووطنية، والأكثر حرصاً على مصالح الشعب كله، دون إلتفاتٍ إلى حزبيةٍ مقيتة، أو فصائلية مريضة، أو حساباتٍ شخصية ضيقة، أو مصالح فئوية سيئة، ولذا آمل في سلسلة مقالاتٍ آتية، أن أنقل للمتحاورين والمراقبين معاً، وجهة نظر العامة الصادق، في الملف الأمني الشائك، وإن كان يحلوا لبعضهم أن يطلق على رأيهم "رأي الدهماء".

المرأة العاملة والتنظيم النقابي في الاستعراض التاريخي/ خولة عليان

على هامش الحملة العالمية لمناهضة العنف ضد المرأة:

إنه من المفترض أن يحتل العمل النقابي والتنظيم النقابي تحديداً، مكانة مميزة لدى كافة الأحزاب ذات الصبغة العمالية والنقابات العمالية والمهنية والتي من واجبها ان تدافع عن حقوق الانسان بشكل عام، وفي حالتنا هذه عن حقوق الطبقة العاملة .. بشقيها العمال والعاملات.

ومما لا شك فيه ان بدايات العمل والتنظيم النقابي في فلسطين كان لها بعد وطني وإنساني معاً .. منذ نشأتها الأولى مع بدايات القرن العشرين وتحديداً عام 1925 والذي شهد أول تشكيل نقابي تحت اسم "جمعية العمال العرب الفلسطينية".

ومن الجدير ذكره هنا ان اولى الاطر التي تشكلت قبل هذا التاريخ وكانت رافداً اساسياً للجمعية العمالية كانت اطر العمال في ميناء حيفا الذين تعرضوا لاضطهاد انساني ووطني .. حيث دفعهم هذا الى الاندفاع نحو المطالبة بحقوقهم، ومعاملتهم على اسس انسانية.

ومن هنا تطورت فكرة العمل النقابي في فلسطين واخذت تنحو منحاً اكثر اتساعاً فشملت الحقوق الاجتماعية والحقوق الاقتصادية وحق الانتساب للنقابات العمالية والمشاركة الفاعلة في النضال الطبقي والوطني رغم بطش سلطات الاحتلال البريطاني وعنصرية المستوطنين الصهاينة .

وليس خفياً على احد انه وبعد العام 1948 دخل العمل النقابي اجواء اخرى فالعمال والعاملات في الاراضي التي احتلت عام 1948 خاضوا نضالاً طويلاً ضد مظاهر القمع والعنصرية في الجليل والمثلث والنقب والناصرة وغيرها.

اما في الاراضي التي بقيت تحت السيطرة العربية كما الضفة الغربية وقطاع غزة فقد خاض العمال نضالات لا يستهان بها الى جانب العمل السياسي حيث لوحق الكثير منهم واودعوا في المعتقلات واشهر تلك المعتقلات كان معتقل الجفر الصحراوي وكان للتنظيم النقابي بعداً جوهرياً في التأثير على الواقع السياسي والاجتماعي في البلاد.

لكن من الواضح ان تمثيل المرأة في النقابات العمالية كان غائباً تماماً في البدايات القرن العشرين وذلك لاعتبارات اجتماعية واقتصادية كان يمر بها المجتمع الفلسطيني على ان هذا الامر بدأ في التغير تدريجياً منذ منتصف القرن الماضي خاصة بعد ترسخ جمعيات العمل النسوي ذات الطابع الخيري والتي كانت محصورة في فئات نسوية محدودة سواء تلك المتنورات بفكر يساري في نقابات واطر نسوية، او بعض "المترفهات" اجتماعياً في جمعيات نسوية.

وبعد العام 1967 دخل العمل النقابي مجالا جديدا خاصة في ظل نشاط الحزب الشيوعي الفلسطيني الذي كان له السبق في هذا المجال .. وامتزج من جديد الطبقي والوطني في معادلة النضال ضد الاحتلال .. كما برز دور فصائل م.ت.ف على اختلافها.. لاحقاً.

وجاء التنافس الحزبي ليحدث انقسامات داخل الحركة النقابية فتأسست نقابات موازية لغايات حزبية وسياسية ، أضّرت بالمجمل بنضالات الطبقة العاملة وما زالت المحاولات جارية لإعادة توحيد الحركة العمالية.

مع قدوم السلطة عام 1995، ظهرت بعض القوانين والتشريعات حول حماية الطبقة العاملة والدفاع عن حقوقها وتمثيلها تمثيلاً حقيقياً وحق تشكيل النقابات المختلفة ، الا ان العديد من الاخفاقات بقيت تلاحق العمل والتنظيم النقابي.



الحقوق النقابية

لم تأت هذه الحقوق من قبل ذاتها، حيث ان نضالات الطبقة العاملة قد فرضت امراً واقعاً بالاضافة الى كونها كانت قد استندت الى مجموعة من القوانين والمواثيق والمعايير الدولية والعربية التي دعت الى حق وحرية تشكيل النقابات والانتساب لها دون منع او اعاقة .. والتي من ابرزها:

1- حق الانتساب للنقابات.

2- حق العمل النقابي.

3- حقوق العمال في الاجازات واصابات العمل.

4- التأمين الصحي.

5- الضمان الاجتماعي.

6- تعويضات نهاية الخدمة.

7- وهي قضية هامة تتعلق بحقوق المرأة العاملة ومساواتها في فرص العمل والاجر وعدم التمييز ، وتوفير الحماية الاجتماعية والاقتصادية لها واعطاءها كافة الحقوق المتعلقة بها كونها امرأة. وبالاضافة الى هذا كله، التشريعات والقوانين التي بحاجة الى تطوير وتعزيز والاسراع في تنفيذها فلسطينياً، والعمل بها وتشكيل المحاكم العمالية للبت في قضايا النزاعات.

وفي هذا المجال هناك الكثير من الحقوق المدونة فلسطينياً وعربيا ودولياً ، ويمكن العودة اليها عند الحاجة ، لكن الاهم هو تطبيق ما تحويه هذه من حقوق ورفع الظلم عن الطبقة العاملة والتمييز ضد المرأة.



المرأة



لا نبوح بسرٍ اذا قلنا ان المرأة الفلسطينية خاضت الى جانب الرجل وان بتفاوت، نتيجة ظروف قهرية تعرضت لها المرأة وما زالت ، مجالات واسعة ومختلفة من العمل في الارض وفي المصنع وفي المشافي وفي المؤسسات العامة بما في ذلك ايضاً العمل الوطني.

ورغم ذلك الا ان المرأة ما زالت تسعى الى نيل حقوقها كاملة ودون انتقاص ، وقد اكدت الكثير من الاطر النسوية في هذا المجال والمتعلق بالمرأة العاملة ومجال العمل النقابي على ان هناك ضرورة الى:

1- رفع نسبة عضوية المرأة في النقابات العمالية.

2- تعزيز وتطوير وضع المرأة في اماكن العمل المختلفة .

3- تعزيز ومعرفة المرأة العاملة بحقها في التنظيم والحماية الاجتماعية والاقتصادية.

4- تطوير المهارات لدى النساء النقابيات والعاملات .

5- رفع نسبة مشاركة المرأة في الهيئات القيادية للحركات النقابية كافة بما فيها قيادات الهرم النقابي.

6- الدفاع عن المرأة وتحسين شروط وظروف عملها ومنع استغلالها بأي طريقة كانت .

7- الدفاع عن حق المرأة في العمل في ظل ظروف سياسية واجتماعية باتت تهدد مكانة المرأة وتضعها اسيرة مفاهيم ظلامية نحن في غنى عنها كمجتمع فلسطيني.

8- اصبح من الضروري ادخال وتثبيت النوع الاجتماعي (الجندر) في العمل النقابي وحتى الحزبي والسياسي ، وذلك من اجل تعزيز مكانة المرأة وتقدم المجتمع نحو بناء مجتمع مدني يقود الى دولة العدالة الاجتماعية.



علماً بأن نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل هي 2ر15% في حين ان 8ر84% من النساء خارج سوق العمل .

وبمقارنة هذا الرقم مع الرجال فاننا نجد ان: 8ر66% يعملون من الرجال مقابل 2ر33% لا يعملون.

وأما الاسباب التي تقف خلف ذلك فهي:

مفاهيم اجتماعية (تقليدية) تبقي المرأة في المنزل وتحول دون مشاركة النساء بنسبة 7ر65%.

اما الدراسة فتشكل 3ر27% والباقي فهو مزيج من كبار السن او المرضى او عدم القدرة على العمل 4ر5%.

وهذا يشير بشكل واضح الى ان الاعمال المنزلية هي مسؤولية المرأة بامتياز في حين ان العمل خارج المنزل هو لصالح الرجال دون منازعة تذكر..

ومن المهم الاشارة هنا ايضاً ان نسبة 2ر15% من المرأة العاملة لا تعني بالضرورة حصولها على العمل المناسب او اللائق بشهادتها العلمية مثلاً او لدورها المميز اجتماعياً كقائدة نسوية او نقابية، بقدر ما ان معظم ما تشكله هذه النسبة من النساء يعملن في قطاع السكرتاريا والخدمات العامة والزراعة وما شابه ..

وبالمناسبة يمكن ابراز عدد كبير من مظاهر التمييز في العمل بين الرجل والمرأة من اهمها:

1- التمييز في الاجور . وقد يصل الفرق في الاجر الى النصف.

2- حرمان النساء من علاوات الزوج والاولاد.

3- تخيلوا في هذه الظروف الصعبة التي يعيشها شعبنا ان اجور بعض النساء في بعض المهن مثل رياض الاطفال لا يزيد الاجر فيها عن 400 شيكل.

(2) التمييز في العقود:

1- يرفض المشغلون منح النساء عقود عمل مكتوبة في حالات كثيرة.

2- يفرض اصحاب العمل شروط قاسية على المرأة ويوثقوها في العقد (فرض زي معين عليها).

3- فرض عقود عمل مؤقتة او جزئية وان كان الدوام ل 8 ساعات يومياً.

(3) 1- التمييز في شروط العمل.

2- عدم دفع بدل ساعات عمل اضافي للنساء.

3-استثناء خادمات المنازل ومن في حكمهم من قانون العمل . (وهذا موضوع بحد ذاته بحاجة الى التدقيق).

(4) الفصل التعسفي للنساء من العمل.

(5) تعرض النساء للتحرش الجنسي والمضايقات في اماكن العمل الامر الذي يخلق مشاكل نفسية واجتماعية للنساء العاملات ويخشين في كثير من الحالات التحدث عن الموضوع.



(4) التمييز في مجال الاجازات:

1- تحرم النساء العاملات من الاجازات الصيفية والنصف سنوية.

2- لا يتم منح العاملات اجازة الوضع والامومة في كثير من الحالات.

3- لا تمنح النساء ساعة رضاعة لمدة عام كما نص القانون.

4- لا تخرج النساء باجازة ثقافية كما نص القانون.

(5) ضعف وزارة العمل في متابعة اوضاع العمال والعاملات تحديداً، وعدم تشكيل لجنة الاجور وفق القانون والمشكلة من وزير العمل وعضوين من اصحاب العمل والعمال. ومنذ العام 2000 (قرار صدور القانون) لم يتغير شيء.

بقيت النساء الاقل اجوراً ولم تربط الاجور بغلاء المعيشة بشكل عام.



أليست اشكال التمييز هذه وغيرها كافية لإعادة النظر في طبيعة العمل والتنظيم القائم؟ خاصة في ظل عزوف النساء العاملات عن الانضمام للاطر الموجودة؟

كما انه يجب الانتباه الى وقف عمل النساء في المستوطنات تماماً كالرجال خاصة وان ذلك يعتبر (مهانة) وطنية كبيرة، وكذلك الامر بالنسبة الى نسج (الكباه) في الكثير من القرى الفلسطينية. فهل يعقل ان نستبدل نسج الثوب الفلسطيني بهذا المرز الاستيطاني المعيب؟ أين هي الحكومة والنقابات من هذا الامر؟





التنظيم النقابي

ليس مجرد شعارات!!

ان مفهوم التنظيم النقابي يجب ان يستند بدرجة كبيرة وواعية الى البعد الطبقي والنوع الاجتماعي بالاضافة الى الجانب الوطني فيما يتعلق بوضع ومكانة المرأة .. فالقضية هنا ليست مجموعة من الافكار والشعارات يمكن ترديدها في ندوة مفتوحة مع الجمهور او لقاء مرئي او مسموع بقدر ما هي مجموعة من الجهود والمثابرة والعمل التعبوي المتواصل لخلق واقع جديد على مستوى العمل النقابي عموماً والمتعلق بالمرأة العاملة خصوصاً..

للأسف ان تراجع قوى اليسار وتراجع الحالة الوطنية الفلسطينية بشكل عام قد فرض وان بمستويات مختلفة تراجعات على مستويات العمل النقابي – وإن كان البعض قد اخذ على العمل النقابي الفلسطيني طابع الحزبية في السابق – لكن حزبية السابق وان كانت قد أضّرت بشكل او بآخر بوحدة العمل النقابي الا انها قد افادت بمستويات مختلفة التنظيم النقابي. فكنا نجد ونسمع عن العامل/ة الكادر المثقف/ة والواعي/ة لدوره/ها الوطني والطبقي والمسلح بوعيٍ لا يستهان به .

ان ما نرجوه في حاضر الواقع النقابي ومستقبله القريب هو العودة الى تثقيف العمال والعاملات وتوضيح مغزى ومعنى البعد الوطني في العمل وبمستوى ذلك البعد الطبقي .. فلا يمكن الحديث عن نقابات لا يجمع اعضاءها سوى هتافات او شعارات .. ان الاهم من تشكيل الاتحادات والاطر النقابية هو التنظيم النقابي بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى .. حيث ان وعي الطبقة العاملة لذاتها وبذاتها ليشكل عنوان هام في حركة الفعل النقابي الفلسطيني، فالمفاهيم التي سبق وذُكرت حول الحقوق يجب ان تكرّس في وعي الطبقة العاملة ، وبالتالي فإن دور الطبقة العاملة يجب ان لا يكون مقيداً بقيود تحول دون تحقيق تطلعاتها المطلبية ..

وإذ ننظر الى ذلك فإننا نرى كيف تأخذ النقابات العمالية دورها ومكانتها المميزة باستقلالية تامة عن الحكومات القائمة وتخوض نضالاتها المطلبية بكل جرأة وحماسة ولنا ان ننظر الى تجربة نقابات اليونان وتركيا وفرنسا ودول امريكا اللاتينية وغيرها.

ان وعي الطبقة العاملة وتثقيف المزيد من الكوادر والكادرات بدور ومكانة الاتحادات النقابية لهو الكفيل بخلق واقع جديد لمجمل الطبقة العاملة والمرأة العاملة خصوصاً..

وبالمناسبة ان تعزيز مكانة الطبقة العاملة لا يعني فقط العمال دون العاملات بقدر ما يجب ان يكون متوازي .. من حيث فرص القيادة المركزية والكادرات النقابية واللجان الفرعية وغيرها الى ان يصل الى مستويات عليا في التمثيل السياسي والاجتماعي.

كما ان الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية والمؤسسات والأطر النسوية مطالب قبل غيره في تعزيز الوعي لدى النساء عموماً والمرأة العاملة خصوصاً وتوجييها الى ان تكون عضوة فاعلة ونشيطة في النقابات العمالية والمهنية وذلك من اجل الدفاع عن حقوق المرأة العاملة خصوصاً والمرأة الفلسطينية عموماً وان يشكلن مع المؤسسات النسوية اداة ضغط من اجل ان تكون المرأة في مكانها اللائق والمناسب فهي تشكل بلا شك 50% من المجتمع . ونحن احوج ما نكون الى ذلك في حاضر الوقت مع بروز اتجاهات ظلامية تسعى الى اعادة عقارب الساعة الى الوراء .. وفي ضوء نظرة البعض الى المرأة كسلعة رخيصة لنؤكد جميعاً على اهمية التنظيم النقابي بمفهومه الحقيقي وببعده الاجتماعي والطبقي والانساني فهناك فرق واضح وشديد بين العمل النقابي والتنظيم النقابي الذي نطمح جميعاً اليه..

وأخيراً..

فإن التنظيم النقابي يعني بالضرورة وعي طبقي ووطني اكثر عمقاً للعمال والعاملات وكافة فئات الكدح في الاراضي الفلسطينية .

فالوعي الطبقي مسؤولية وهي تقع على عاتق الاحزاب والقوى اليسارية وكذلك الوطنية وهنا يجب التأكيد على ان الطبقة العاملة ووعيها والمضمون الايديولوجي لذلك ليس مشروع NGO’s وليس مشروع سلطوي، بل هو موضوع طبقي وطني بأبعاد ودلالات اجتماعية نهضوية تقود الى مجتمع الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية ..


اسرائيل: دولة "أبارتهايد" على وقع تحولات نحو الفاشيه/ تيسير خالد

عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية
عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

في العام 1652 وضع المستعمر الهولندي جان فان ريبيك أقدامه على الأرض في جنوب افريقيا ، وكتب الى حكومته يدعي أنه اكتشف أرضا واسعة جميله خالية من السكان .هكذا وبكل بساطة كانت جنوب افريقيا في نظر هذا المستعمر ، أرضا خالية ، تماما كما كانت فلسطين في دعاية الحركة الصهيونيه ، وطن بلا شعب يبحث عن شعب بلا وطن . المستعمرون في العادة لم تكن تنقصهم الحيل والأكاذيب لتبرير سلوكهم وسياساتهم ، وهكذا بدأ الغزو الهولندي لذلك البلد . البريطانيون تأخروا فقط أربعين عاما ليلتحقوا بالهولندين في استعمار هذا البلد ، الذي أطلقوا عليه اسم " معسكر الأمل الجميل " . أرض بلا شعب هناك في جنوب افريقيا ، وأرض بلا شعب هنا في فلسطين ، معسكر الأمل الجميل هناك في جنوب افريقيا و"هاتكفا " - " الأمل " هنا في فلسطين ، في مشهد أخذ يتكرر في تاريخ استعماري ، تشابهت فيه مجريات الأحداث في بلدين تعرضا لغزو استعماري أنتج نظامين قاما على بناء سياسي أيدولجي يدعي التفوق ، ويؤسس لفصل بين الغزاة وبين سكان أصليين شكل وجودهم وحضورهم التاريخي مشكلة وجوديه إستعصى على المستعمر حلها من خلال الإعتراف بحقيقة وجودهم وبحقوقهم .

لم يكن أمام النظام الإستعماري، الذي بناه الغزاة في جنوب افريقيا من حلول وخيارات غير نفي المواطن الأسود من أرضه ، التي استولى عليها الغزاة . ترتب على ذلك محاصرة شعب البلاد الأصلي في بانتوستونات لم تتجاوز مساحتها 13% من مساحة جنوب افريقيا . شيء من هذا يذكرنا كذلك بمحاصرة الشعب الفلسطيني في أراضي 1948 في جزر تحيطها المستوطنات على مساحات محدوده في الجليل والمثلث والنقب مثلما يذكرنا بمناطق (أ) في الضفة الغربيه على نحو 18% من مساحتها في اتفاقيات أوسلو . سياسة العزل والفصل هذه ، والتي اعتمدتها دولة البيض في جنوب افريقيا أنتجت " الأبرتهايد " وهي نفسها تنتج " الأبرتهايد " في فلسطين .

المشهد الإستعماري للأبرتهايد يتكرر بين جنوب افريقيا في عهد دولة البيض البائدة وبين دولة اسرائيل ، وهو مشهد حي تؤكده وقائع وأحداث وممارسات وخيارات سياسيه وأيدولوجيه لمشروعين استعماريين لا يشبهان بعضهما البعض فقط من بعيد . دولة البيض في جنوب افريقيا كانت تدعي أنها الدولة الديمقراطية الوحيده في القارة الأفريقيه ، تماما كما هو حال دولة اسرائيل ، التي تدعي أنها الدولة الديمقراطيه الوحيدة في الشرقين الأدنى والأوسط ، رغم كل ما تمارسه من تمييز عنصري واضح ضد الشعب الفلسطيني . الإعجاب كان متبادلا بين دولة البيض في جنوب افريقيا ، وبين دولة اسرائيل ، وبينهما نشأت علاقات متميزه ومتطوره وصلت حد الإعجاب الإسرائيلي بنظام البانتوستونات ، التي أقامها نظام الفصل العنصري البائد في جنوب افريقيا . ليس في الأمر مبالغة أو محاولة لتشويه صورة دولة اسرائيل في هذا السياق . ألم تكن دولة اسرائيل هي الدولة الوحيده بين دول العالم ، التي اعترفت بنظام البانتوستونات في جنوب افريقيا وتبادلت التمثيل الديبلوماسي مع البانتوستان ، المسمى آنذاك بانتوستونات بوفوتانسوانا ، الذي افتتح سفارة في تل أبيب .

لسياسة الأبرتهايد ، أي الفصل العنصري ، جذور تاريخيه وسياسيه وأيدولوجيه في دولة البيض البائدة في جنوب افريقيا وفي دولة اسرائيل كذلك . الأساس كان واحدا ، هناك أرض بلا شعب وهنا كذلك أرض بلا شعب ، وهناك أصل متفوق وهنا كذلك ، وهناك بانتوستونات وهنا كذلك . الفارق بين النظامين أن العالم توقف في مرحلة معينة ، عن ازدواجية المعايير في التعامل مع دولة البيض العنصريه في جنوب افريقيا ، وتحديدا بعد المجزرة الرهيبه، التي ارتكبها ذلك النظام البائد في سويتو عام 1976 ، والتي ذهب ضحيتها 500 مواطن افريقي وأكثر من ألف جريح ، بينما ما زال هذا العالم يمارس ازدواجية المعايير في التعامل مع دولة اسرائيل رغم كل مجازرها ضد الشعب الفلسطيني بدءا بمجزرة دير ياسين عام 1948 مرورا بمجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982 وانتهاء بمجزرة قطاع غزه نهاية العام 2008 مطلع العام 2009 . في أعقاب مجزرة سويتو عام 1976 تحرك الرأي العام الدولي وبدأ يمارس الضغط على دولة البيض العنصريه في جنوب افريقيا وأصدرت الأمم المتحده في سياق ادانتها لنظام الأبرتهايد وممارساته ضد المواطنين الأفارقه ميثاقا حمل عنوان " الإتفاقيه الدوليه لمحاربة جريمة الأبرتهايد" . وفي الحالة الإسرائيليه يتحرك الرأي العام الدولي كذلك ، ولكن ببطء شديد وتتعالى أصوات توجه أصابع الإتهام لدولة اسرائيل باعتبارها دولة أبرتهايد .

الأبرتهايد الإسرائيلي تجلياته متعدده ، تماما كما كان عليه الحال مع الأبرتهايد في عهد دولة البيض في جنوب افريقيا ، هذه التجليات تتجاوز الجوانب الأيدولوجيه الفكريه للحركة الصهيونيه لتغطي سلسة من القوانين والممارسات وأنماط من السلوك والمعاملة القائمة على أساس عنصري في العلاقة مع الشعب الفلسطيني . هذه حقيقة وليست دعاية سياسيه ، وهي حقيقة تجد من يتبناها ويدافع عنها في الأوساط الدوليه . في هذا السياق وضع الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر كتابا بعنوان : :فلسطين : السلام لا الأبرتهايد " ، أما جون دوغارد ، مبعوث الأمم المتحده الخاص السابق في الأراضي الفلسطينيه المحتله ، فقد وضع دولة اسرائيل في زاوية ضيقه وهو يؤكد في أكثر من مناسبة بأن اسرائيل ترتكب ثلاثة انتهاكات تتعارض مع قيم وقوانين المجتمع الدولي وهي الإحتلال والإستعمار والأبرتهايد ، ومثله فعل كذلك الرئيس السابق للجمعيه العامة السابقه للأمم المتحده ميغيل ديسكوتو عندما دعا المجتمع الدولي الى تحمل مسؤولياته والوفاء بواجباته ، والإعتراف بحقيقة أن اسرائيل دولة ابارتهايد .

هناك سيدة تستحق التقدير على شجاعتها لأكثر من اعتبار وهي السيدة مايريد ماغواير حاملة جائزة نوبل للسلام . انها تستحق التقدير والثناء على مشاركتها في حملة اسطول الحريه ، وتستحق التقدير والثناء عندما وقفت أمام المحكمة الإسرائيليه العليا قبل ترحيلها بشكل فظ ، تدعو اسرائيل من داخل المحكمة الى وقف سياسة الأبرتهايد التي تمارسها ضد الشعب الفلسطيني وتضيف : " لن يكون هناك سلام في هذه المنطقه الا بعد أن توقف اسرائيل سياسة الأبرتهايد والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني "، مثلما تستحق التقدير والثناء وزيرة سويديه رفيعة المستوى صرخت في وجه وزير البنى التحتيه الإسرائيلي بنيامين بن اليعازر ، الذي عاد من مؤتمر اقتصادي دولي عقد في أيار الماضي في الدوحة برواية مفزعه تداولتها وسائل الإعلام الإسرائيليه ، فقد أصيب الوزير الإسرائيلي بالصدمة وهو يستمع الى الوزيرة السويديه رفيعة المستوى ، تصرخ في وجهه وتقول : " أنتم في اسرائيل عصابه ، أنتم دولة أبرتهايد " .

الأبرتهايد الإسرائيلي حقيقه وليست دعاية سياسيه ، وهو ليس بالجديد ، فقد سبق أن حذر منه عضو الكنيست الإسرائيلي السابق أمنون روبننشتاين (ميرتس ) ورئيس لجنة القضاء والقانون في الكنيست في حينه ، عندما قال أمام الكنيست في الثاني من كانون الثاني عام 1948 : " في يهودا والسامره وغزه ، ( أي في الضفة الغربيه وقطاع غزه ) هناك نظامان قضائيان وهناك نوعان من الناس .... هناك مواطنون اسرائيليون يتمتعون بحقوق كاملة وآخرون غير اسرائيلين (غير مواطنين ) ليست لهم أية حقوق " .الأبرتهايد الإسرائيلي ، اذن ليس بالجديد ، بل ان جذوره تمتد في عمق عقود طويله منذ تأسيس دولة اسرائيل ، بل وقبل قيامها . ألم يكن العمل العبري في عهد الإنتداب البريطاني شكلا من اشكال ممارسة الأبرتهايد . هذا الأبرتهايد تطور وتفاقم وأخذ يتحول الى نظام قائم بذاته وسياسة رسميه ، حتى وان لم يجري الإعلان عن ذلك بصورة رسميه ، كما فعل نظام الفصل العنصري البائد في جنوب افريقيا بعد انتصار حزب البيض القومي في انتخابات عام 1948 واعلانه بأن الأبرتهايد قد أصبح سياسة رسميه للدولة

ويتجلى الأبرتهايد الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينيه المحتله بعدوان عام 1967 بنظامين قضائيين شكلا عنصرا وركنا جوهريا في اتفاق أوسلو وما تلاه من اتفاقيات تم التوقيع عليه بين دولة اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينيه ، كما يتجلى بسلسله من الممارسات والسياسات التي تسير عليها دولة اسرائيل بما في ذلك أنشطتها الإستيطانيه وأعمال بناء جدار الضم والتوسع . بل يمكن التأكيد بأن الأبرتهايد الإسرائيلي يتجذر ويتوسع مع كل وحدة استيطانيه جديده تبنيها اسرائيل في الضفة الغربيه بما فيها القدس .

في الوقت نفسه تجري عملية مأسسة لنظام الأبرتهايد في اسرائيل من خلال سلسلة من التشريعات والقوانين ، كقانون المواطنه ، الذي بشر به زعيم "اسرائيل بيتنا " افيغدور ليبرمان في برنامجه للأنتخابات الأخيره للكنيسيت ، هذا القانون ،الذي فتح شهية حزب شاس لتعديلات جديده عليه تدعو الى اسقاط حق المواطنه عن كل من تثبت عليه تهمة عدم الولاء للدوله باعتبارها يهوديه ، فضلا عن قانون النكبه ، الذي يحظر على الفلسطينين احياء فعاليات ذكرى النكبه عام 1948 ، وقانون لجان القبول في ما يسمى بالبلدات الجماهيريه وقوانين أخرى تؤسس بمجملها لنظام أبرتهايد توطره القوانين فضلا عن البنى السياسيه والأيدولوجيه ، التي تتحكم في هياكل الدوله وترسم سياستها .

هذا المشهد الإسرائيلي لا يشكل خطرا على العلاقة مع الآخر وحسب ، وهو في هذه الحالة الشعب الفلسطيني ، الذي حاولت الفكرة الصهيونيه نفيه وانكاروجوده من حيث المبدأ ، بل هو يشكل خطرا عاما بدأت ملامحه تغزو المجتمع بأسره . فالأبرتهايد يشكل بيئة مناسبة للتطرف وميدانا رحبا لنشاط قوى اليميين واليمين المتطرف وقاعدة انطلاق للإتجاهات والحركات الفاشيه . صحيح أن للفاشيه تجليات ومنابع فكرية وأيدولوجية متعدده بدءا بالعداء المطلق للحركة العماليه والنقابيه مرورا بالتطرف القومي ومشاعر التفوق العنصري وانتهاء بايدلوجية الولاء المطلق للزعيم ، حيث شكلت هذه حواضن للفاشيه ، التي عانت البشريه من كوارثها في اسبانيا وايطاليا وألمانيا في الفترة بين الحربين العالميتيين، الأولى والثانيه ، غير أن الأبرتهايد بجميع صوره يشكل هو الأمر حاضنة للنزاعات الفاشيه .اسرائيل ، كدولة أبرتهايد تسير على هذا الطريق سواء اعترف بذلك قادتها أم لم يعترفوا .

ففي استطلاع للرأي أجراه ملحق "يديعوت أحرنوت " ونشره في الثامن عشر من تشرين أول الماضي شواهد مفزعه على ذلك . فقد أعرب نحو 64% من المستطلعة آراؤهم عن خشيتهم من صعود الفاشيه في اسرائيل ، وأعرب نحو 60% منهم بأن وزير خارجيتهم افيغدور ليبرمان يسهم بشكل مركزي في تصاعد التطرف القومي الى درجة الفاشيه ، بينما كان نصيب زعيم حزب شاس ، ايلي يشاي ، وزعيم الليكود بنيامين نتنياهو وزعيم حزب العمل ، ايهود باراك نحو 40% و30% و 24% على التوالي .

أمام هذا كله ، أي أمام حقيقة المشهد بأن اسرائيل دولة أبرتهايد على وقع تحولات نحو الفاشيه ، هل يمكن الرهان على فرص تسويه شامله ومتوازنه للصراع مع دولة اسرائيل . لا يبدو أن الرهان على ذلك في متناول اليد في الظروف الراهنه ، فنحن ، وهذا ما يجب أن يدركه المجتمع الدولي أمام استعصاء حقيقي وانسداد في آفاق التسويه السياسيه ، يتطلب مقاربه من نوع مختلف من أجل التقدم وفتح آفاق حقيقيه للتسوية السياسيه ، مقاربة تجمع بين رفع درجة ووتيرة المواجهة مع سياسة الأبرتهايد الإسرائيلي في الميدان كما في المحافل الدوليه ، وبين استحضار تجربة النضال ضد نظام الأبرتهايد البائد في جنوب افريقيا .

أفريقيا ترفض نظام ولاية الفقيه/ العلامة السيد محمد علي الحسيني

مرة أخرى يعلو صوت رفض جديد بوجه السياسات المشبوهة والمشوهة لنظام ولاية الفقيه، هذه المرة جاء صوت الرفض من غامبيا حيث فضل هذا البلد الافريقي قطع علاقاته الدبلوماسية مع نظام ولاية الفقيه کي يأمن شره ومصائبه التي لاحدود او نهاية لها إلا بإنتهائه على خلفية تورط نظام ولاية الفقيه في قضية شحنة الاسلحة التي إعترضتها نايجيريا وکانت متوجهة الى غامبيا. وقبل بضعة شهور قامت المملکة المغربية بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع نظام ولاية الفقيه بعد أن ثبت للسلطات المغربية ضلوع هذا النظام في التأثير على الامن الاجتماعي للمملکة من خلال سعيه لتغيير مذهب المواطنين الى المذهب الشيعي مطعما المذهب برؤيته و أفکاره الخاصة المسمومة وهو أمر تنبهت له السلطات المختصة في المغرب وعالجته بمنتهى الحکمة والحصافة من خلال قطع دابر الفتنة والضلالة عبر قطع العلاقات الدبلوماسية مع هذا النظام وتأمين البلاد من الشر القادم منه. وقد سبق لنظام ولاية الفقيه ان جرب حظه العاثر مع قلعة العروبة مصر عبر تلك الشبکة المشبوهة التي ألقت السلطات المصرية القبض عليها، حيث کان هنالك رد فعل قوي للسلطات المصرية وهو وان لم يصل الى حد قطع العلاقة لکنه کان بمثابة تنبيه وتحذير قويين جدا من مغبة التمادي في هکذا سياسات مشبوهة مع مصر.

لقد سبق لنا وعلى خلفية تورط النظام الايراني في أحداث اليمن ان نبهنا الى أن النظام المذکور يعد العدة للقفز الى القرن الافريقي ومن هناك يبدأ بنفث سمومه الخبيثة ضد بلدان القارة السوداء سعيا للفتنة والقلاقل، وتمر الايام لتثبت للجميع الماهية والمعدن الردئ جدا لهذا النظام وکونه لا ولم ولن يتمکن من البقاء ولو ليوم واحد من دون إثارة القلاقل والازمات والفتن التي هي اساس وجوده وبقائه، ولم تمر سوى فترة وجيزة على تورط نظام ولاية الفقيه في تهديد الامن الاجتماعي في المغرب وقطع العلاقة الدبلوماسية معه على أثر ذلك، حتى جائت مسألة کشف وإفتضاح الشبکة المرتبطة والممولة من قبله في مصر وماأثارته من ردود فعل مصرية وعربية عنيفة کانت بمثابة صفعة قوية بوجه النظام الايراني دفعته لمراجعة حساباته وحياکة مؤامراته ودسائسه بدقة أکبر، لکن، لم تمر سوى مدة محددة حتى إنکشف للعالم أجمع قضية شحنة الاسلحة الموجهة لغامبيا والتي أعترضتها نايجيريا ومانجم عنها من قطع العلاقات الدبلوماسية من جانب غامبيا وإمهالها الدبلوماسيين الايرانيين فترة 48 ساعة لمغادرة البلاد، ومجمل سياق هذا الخط البياني الذي اوردناه آنفا، يکشف في واقعه جليا حقيقة النظام الايراني وجدية الخطورة التي شکلها ويشکلها على الامن والاستقرار في المنطقة والعالم، اننا کمرجعية اسلامية للشيعة العرب، ندعو ونحث البلدان العربية على إتخاذ خطوة مشابهة لتلك التي أقدمت عليها کل من المغرب وغامبيا حيث يکون من الافضل جدا ان يقطع دابر الفتنة والمشاکل عبر غلق الابواب الرئيسية التي يلج منها وکما يقول المثل السائد:( الباب الذي يأتيك منه الريح سده واستريح)، فإن قطع العلاقات مع هذا النظام المثير للقلاقل والازمات والفتن هو أفضل طريقة و ضمانة لکي نحفظ بلداننا وأمتنا العربية من شروره.

*المرجع الاسلامي للشيعة العرب.

كفاكم "طبطبة"!!/ ندى الحايك خزمو

"اضرب اخبط.. يلا اقتل.. لا تخاف من اللي راح يحصل.. فنجان قهوة في قعدة عطوة.. وشوية فكة.. والقضية بتخلص ببوسة راس.

نادي العيلة وكل شبابها .. والجار وجار الجار .. يفزعوا معك يدافعوا عنك .. والسلاح جاهز.. بكل أنواعه.. مطوات وخناجر وحتى رصاص"..

هذا أصبح شعار البعض في القدس وفي بعض مناطق عرب الـ48 .. استشراء للعنف وفقدان للأعصاب وشجارات واقتتال، ولا أحد يستطيع فضها، ومن يحاول ذلك يضع نفسه في المكان غير المناسب وفي الوقت غير المناسب ليصبح في خبر كان..

كل يوم نسمع أو نشاهد شجاراً بين أشخاص يتطور الى معركة، بل معارك بين عائلتين أو أكثر، والنتيجة في معظم الحالات مقتل شخص على الأقل وإصابة آخرين.. والسبب تافه لا يتعدى خلافاً بسيطاً ..و"كلمة من هون وكلمة من هناك" لتعمل العصي والجنازير، ولتتطور الى المطوات والخناجر وحتى المسدسات .. وتكون النتيجة وبالاً وكارثة لعائلة تفقد معيلها ولأطفال يتيتمون ويفقدون حضن الأب الذي سارع لنداء الواجب وحل الإشكال فكان نصيبه القتل و"ما راحت الا عليه وعلى اولاده" ..

حالة من الفلتان يندى لها الجبين وصلت اليها المدينة المقدسة بشكل خاص ، وبخاصة مع عدم وجود المرجعية التي يلجأ اليها المواطنون لحل اشكالياتهم وخلافاتهم، فلم يجدوا الا الزعرنة وأخذ القانون باليد وسيلة لتحقيق ما يريدونه أو حتى للدفاع عن أنفسهم من ظلم الآخرين.. رغم ان المدينة تتعرض لأكبر حملة تهويد وتهجير لمواطنيها، وبدل أن يلتف الجميع حول بعضهم البعض ويتساموا على هذه الخلافات البسيطة، ويحولوا كل جهودهم للدفاع عن مدينتهم، نجد أن الجهود أخذت تتحول لحل الخلافات وفض الشجارات، ويا ليتها حتى تنجح في ذلك لتذهب جهود الوساطة والعشائر من دون جدوى..

لماذا وصلنا الى هذا الحال المزري ، وما الذي أدى الى تفاقم الأوضاع الى هذه الدرجة المأساوية ، ولماذا انتشرت ظاهرة العنف في مجتمعنا هنا في القدس وفي الداخل الفلسطيني كالنار في الهشيم .. وما الذي جعل المواطنين يفقدون أعصابهم بهذه البساطة ولأسباب تافهة ويحولون كل خلاف بسيط الى "طوشة" كبيرة يشترك فيها الصغير قبل الكبير في عائلة كل من الطرفين المتشاجرين .. مرة بسبب كلب وأخرى بسبب سيارة وأخرى بسبب تعليق على فتاة وأخرى...

البعض يلقي اللوم على الاحتلال وعلى الضغوطات التي يتعرض لها شعبنا وبخاصة في القدس ، وبأن الناس أصبحوا " يفشوا خلقهم ببعض" كنتيجة لهذه الضغوطات التي أرهقت المواطنين وأفقدتهم أعصابهم .. لا أحد ينكر ان للاحتلال دوراً كبيراً في تشجيع العنف الداخلي بين أبناء شعبنا، وبخاصة مع محاولات نشر المخدرات بين شباننا،الذين مع ادمانهم فقدوا كل القيم والأخلاق والمبادئ التي نشأنا عليها وتربينا على التمسك بها ، ففقدوا الاحساس والشعور حتى بالكرامة والانسانية، فوجدوا العنف وسيلة لتأمين ما يحتاجونه من "الكيف" من سرقة واعتداءات حتى على أقرب المقربين لهم ..

ولكن حتى وان كنا نتعرض لكل أنواع الضغوطات فهذه ليست ذريعة لأن يأخذ كل شخص القانون بيده ويصب جام غضبه على الآخرين بدل أن يحوله الى وقفة شرف في مواجهة عدو يعمل ليل نهار من أجل تهويد مدينتنا بمزيد من الضغوطات ومزيد من المؤامرات على المقدسيين.. من واجبنا أن نعمل على محاربة كل الوسائل التي تستهدف شباننا وتوصلهم الى ما وصلوا اليه من الدرك الأسفل انحلالاً في أخلاقهم وعدوانيتهم وانحطاطهم .. وهذا أحد الأسباب الهامة التي تؤدي الى العنف بكل أشكاله .. ولنعلم بأن الاحتلال يسعده، بل هو يهدف للوصول بنا الى هذه الحالة المزرية، والدليل على ذلك انه يقف موقف المتفرج على الشجارات حتى وان أدت الى القتل والحرق وما الى ذلك.. .. ورغم انهم كانوا يهرعون عند سماع اطلاق النار الا أنهم في الآونة الأخيرة امتنعوا عن التدخل الا بعد أن ينتهي الشجار ليبحثوا عن السلاح.. لذلك فمن واجب كل فرد منا أن يعمل من أجل انهاء هذه الحالة المأساوية .. بالتوعية والوقوف يداً واحدة في مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة والغريبة عن مجتمعنا.. فلم تكن يد أي شخص لتمتد على آخر لو وقف الجميع وقفة شجاعة وحاسمة وحازمة ضد هذا الشخص ونبذه من الجميع ليكون عبرة ودرساً للآخرين.. لا أن يترك من دون ردع أو محاسبة على ما يرتكبه بحق الآخرين ، بل للأسف فانهم حتى "يطبطبوا" عليه ويغطرشوا عما يفعله مما يشجعه على القيام بالمزيد المزيد من الاعتداءات والبلطجة..

لا بد من أن تكون للمواطنين المقدسيين مرجعية يلجأون اليها في خلافاتهم على ان تكون هذه المرجعية عادلة وحاسمة لا أن تطبطب على الخطأ وتحل الشجارات مؤقتاً، بما يسمى التسامح العربي و... ما الى ذلك من المسميات، من دون حلها بشكل جذري لتعود وتشتعل ناراً تأكل الأخضر واليابس عند أول احتكاك أو خلاف بسيط.. فمن دون تلك المرجعية، ومن دون التوعية في المدارس والمساجد والكنائس من هذا الخطر الداهم، خطر العنف الداخلي، فستتفاقم هذه الظاهرة ليصبح الفرد منا غير آمن على نفسه وعلى أبنائه من "زعرنات" واعتداءات الآخرين ..

فلتتوحد جميع الجهود من أجل القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة لنستطيع الوقوف في وجه التحديات التي تواجه قدسنا الحبيبة، التي نسيء اليها والى قدسيتها بهذه الظاهرة السيئة.. فكفاكم "طبطبة" .. (البيادر)

· كاتبة وصحافية في مجلة البيادر المقدسية

عن الَحنون والبحر والوجع المركب/ عطا مناع

ما بين الوجع والوجع يكمن الوجع، هو وجع الحنين والاشتياق للمفقود في زمن اللامعقول، يقتحم عالمك بدون إنذار ويفجر في داخلك ما اعتقدت أنة في الذاكرة وطوته كما أيامك اللعينة، أنت أيها الابلة لا تستطيع الهروب من وجعك، فهروبك يعني الموت المحقق، يعني أن تحكم على روحك بالتيه في الأرض الملعونة، ويبقى وجعك صخرة على ظهرك ابد الدهر، فوجعك حَنون وبحر.
لا تهرب من وجعك، فلا حياة بدون وجع، وتزود بالََحنون وأيام الطفولة وآذار الشهداء وبحرك العتيق، وكن رؤوفا بالأرض ودقق النظر في الوجوه التي عرفتها وعايشتها، وابحث في ثناياها وبين تموجات الََحنون عن رفاق أنت خنتهم، معتقداً انك ستتطهر من دمك ومعتقداتك وحلمك الذي حملته وخضت العاصفة وقلبك الصغير الممزوج بملح بحرك والَحَنون الأحمر القاني.
أيها الابلة عد إلى وطنك واحمل زوادتك وحلق في سماءها وتمعن في المدن التي عشقت ولا زالت ساكنة في فيك، حلق ولا تخف فقد تكون نظرتك الأخيرة ورحلتك الأخيرة، القِ التحية على يافا وبحرها،وأطبع قبلتك المجنونة على بيسان، وتوقف قليلا بمحاذاة الكر مل الذي لا زال المشتاق لرائحتك، عرج على عكا وسورها وتعمد في بحرها وتذوق ملحة لتتعرف عليك أرضك في لحظة اللقاء، أغمض عينيك وتنشق هوائها الممزوج ببرتقالها الحزين، وارتفع قليلا في سماءها لتستمع إلى وجع المذبحة والى من بشرك بان الإنسان قضية.

يا من أدمنت وجعك، العن صمتك، وكن ابن زمنك، ولا تنتمي لعصر الملعونين الفاسدين الصم البكم الممتهنين لوجعك، وتذكر أيها الابلة حنين من ماتوا وهم ينتظرون لقاءها وفي قلوبهم غصة وفي عيونهم حيرة، ولا تسمح لنفسك أن تنسى فالنسيان موت، والنسيان اندثار، والنسيان تفريط وخيانة لََحنونها وبحرها وكرملها الذي ينتظرك في زمن قد لا يكون هذا الزمن.
يا ابن الجياع لست ملك نفسك، فأنت عبداً للصيرورة، وأنت خليط طينها الذي تستمد ديمومتك منة، وأنت أيها المجبول من ملح بحرها الذي اسرتة اللغة وخرج يفتش عنك في المنافي، فبحرك لا ينسى وحَنونك خجول منك، فأنت من افقده أسباب وجودة ليبخل عليك حتى تعود إلى رشدك، ولا بأس من رجوعك لمن سبقوك إليها وتوحدوا معها، لأنهم الحقيقة والوجع المركب في زمن المخصيين الذي تركوك في عتمة الصحراء وحيداً وقالوا لك لماذا لم تقرع جدران الخزان.
يا أبن الجياع لا تثق بمن تركك في عتمة الصحراء لتنهشك كلاب التاريخ، ولا تأمن لمن وجه لك الطعنة الأولى وبكاك تفريطاً، وتذكر أن صحراء التيه لا زالت شاهدة على وجعك، انظر جيداً واقرأ ما بين السطور واخترق بنظرك الثاقب جدران اللجوء العاتية لترى التاريخ يكرر نفسه معك وجعاً مركباً، وأنت قربان خوفهم من لعنة من تركوه في عتمة الصحراء وحيداً، وتذكر أنك الوجع الأول فشقائق النعمان والأسوار تشهد على وجعك، وارفض أن تكون مجرد كلمة في وثيقته، فمفتاحك لا زال يردد صدى أمواج بحرها والأحبة الذي توحدوا في ترابها.
لا تقرأ أيها المعثر وصيتك، وان قرأتها فلتكن مؤمنا بمن توحدوا مع أرضها وكانوا إشارة على سفوحها التي عجزت عن كتم وجعهم فتفجروا حنون يطل عليك شمساً قانية من رحم آذرها، ليذكرك بمن ساروا في دربها يبشروك بوجعك وطريق الخلاص، ولا تنسى انك تنتمي لهم وتذكر كلمتك الأخيرة في لحظتك الأخيرة فأنت اليوم لا تملك من نفسك شيئاً، أنت أسير وجعك وحنينك ووصيتك ومن ساروا في دربها وعاشوا الوجع المركب.
اترك شراعك للريح وواجه العاصفة ولتكن لك بوصلتك التي تقودك إلى الحتمية المبشر بها ممن الرجال الحنون والحنون الرجال، لا تقبل كونك نبتة شيطانية، انتمي لك ولك وحدك، تتمرس في جبلك ولا يأخذك البريق، فليس كل ما يلمع ذهباً، فذهبهم لعنة ووجع وانقسام، وذهبهم يبعدك عن بحرك وعن أسباب وجودك يا من قسموك وسطوا على حلمك لتصبح قاتل نفسك، وأحذر من أن يخلقوا منك سجاناً لنفسك، وارفع صوتك في وجوههم فأنت الحقيقة وأنت المستقبل، ولا تقتل حنونك ولا تهجر بحرك، وتذكر قبل النوم سهولها وجبالها وجنونها وهدير بحرها الجائع لانبعاث المشتاقين والموجوعين، أنصحك يا صديقي بأن لا تفوت الفرصة وكن في المقدمة، فما أجملها من لحظة، لحظة ان يعود الحنون شهداء يسبحون باسمها.